صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

الحياة الاجتماعية في الأندلس في عهد ملوك الطوائف

د. عبد القارد دامخي جامعة باتنة - الجزائر كان المجتمع الأندلسي في القرن الخامس الهجري مزيجاً من الأجناس, اذ امتزج العرب بالمولدين والصقالبة والبربر والزنوج واليهود. ورغم هذا الاختلاف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2013 ~ 07:11 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الحياة الاجتماعية في الأندلس في عهد ملوك الطوائف
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الأندلس

د. عبد القارد دامخي

جامعة باتنة - الجزائر


كان المجتمع الأندلسي في القرن الخامس الهجري مزيجاً من الأجناس, اذ امتزج العرب بالمولدين والصقالبة والبربر والزنوج واليهود. ورغم هذا الاختلاف العرقي فقد استطاعت الثقافة العربيّة أن تحافظ على وحدتها.

مظاهر من الحياة اليومية للسكان
اشتهر أهل الأندلس بحبهم للنظافة في ملبسهم ومأكلهم وفرشهم, وكل ما يتعلق بهم "وفيهم من لا يكون عنده إلاّ ما يقوته يومه, فيطويه صائماً, ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابه, ولا يظهر فيها ساعة على حالة تنبو العين عنها"(1)
واعتاد سائر الناس أن يسيروا في الشوارع ورؤوسهم عارية, أما الفقهاء والقضاة فالغالب عليهم وضع العمائم في غرب الأندلس, أما في الشرق فيرى القاضي أو الفقيه عاري الرأس ويندر أن يتعمّم. ويلبس الخاصّة منهم الطيلسان, أما غفائر الصّوف فكانوا يلبسون الخضراء والحمراء منها, حيث اختص اليهود بلبس الصّفراء, ولا سبيل لليهود أن يتخذوا العمائم ولا يجوز أن يرخي الذّؤابة إلاّ عالم.
وكانت الأوضاع التي تلبس بها العمائم في المشرق غير معروفة عند الأندلسيين فإذا رأوا مشرقياً أظهروا التعجّب والاستطراف, وكانت ثيابهم تفصل على طريقتهم الخاصّة حيث لم تكن الطريقة المشرقية في تفصيل الثياب متبعة لديهم(2).
وكانت منازل الأندلسيين لا تختلف كثيراً عن بقيّة المنازل في العالم الإسلامي وكانوا يستعملون في بنائها الآجر والحجر, وكان للحجر عندهم أنواع منها الخمري والأحمر والأبيض, وكانوا يجعلون لبيوتهم جدراناً عالية, أمّا الأبواب والنوافذ فكانت صغيرة, وكانوا يحرصون على أن يكون للبيت ساحة واسعة.
وكان لسكان الأندلس عدّة هوايات يمضون بها أوقات فراغهم, فقد كانوا ينظمون سباقات الخيل, ويقيمون مباريات بين الفرسان وهم يتقاذفون كرة خشبية, كما كانت مباريات المصارعة بالعصيّ تحظى لديهم بالعناية, وكان اللّعب بالشطرنج والنّرد رائجاً عندهم رواجاً كبيراً(3)
وقد اشتهر الأندلسيون ببراعتهم وحذقهم وذكائهم وثباتهم وصمودهم في الحروب مع أعدائهم ومواظبتهم على التعلم والتحصيل وحيويتهم وخفّة دمهم وكانوا شديدي التعصب لبلادهم, نرى ذلك من أنسابهم, فلا نكاد نجد عالماً ولا أديباً إلاّ وينسب لبلده(4).

المرأة الأندلسيّة :
عاشت المرأة الأندلسيّة في القرن الخامس الهجري وضعاً يكاد يكون صورة لوضع أختها في المشرق العربي; فقد سيطرت العادات المشرقية على المرأة الأندلسية, ولكن هذا لم يحرمها من أن تتمتع بحريّة في حدود المعقول, فقد كانت تخرج للصلاة يوم الجمعة, وبعد الانتهاء من الصلاة كانت ترى في شوارع المدينة تمضي يوم عطلتها في بهجة ومرح, كما كانت تشترك في الحفلات التي تقام في إشبيلية على ضفاف الوادي الكبير.
وأكبر نموذج لحرية المرأة الأندلسية في ذلك العهد اسم "ولادة" فقد كانت "في نساء زمانها واحدة أقرانها... وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر, وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر... يتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها... كتبت - زعموا - على أحد عاتقي ثوبها:
أنا والله أصلــــــــــح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها


وكتبت على الآخر :
أمكِّنُ عاشقي من صحن خدّي وأعطي قبلتي من يشتهيها(5)

ويروي ابن حزم قصصاً كثيرة عن المرأة في ذلك العهد, تصوّر حياة المجتمع والدّور الذي احتلته المرأة فيه, فيورد كثيراً من قصص النساء ذوات الشرف وكيف كنّ يتعلقن بحب رجال من عامّة الناس, ويتم تبادل الرسائل بينهم, وكثيراً ما كان أمرهنّ يفتضح لدى الناس ويسمع به القريب والبعيد.
ويبدو أن أثر المرأة في المجتمع كان كبيراً, فقد استطاعت أن تسيطر حتى على كبار الأئمة وتميل قلوبهم وتجعلهم سخرية, وامتد تأثيرها الى أكثر من ذلك إذ أنها كانت سبباً في جنون بعض الرجال ممن اشتهروا بحسن سيرتهم وأدبهم(6).
ومن النساء من استطاعت أن تملك قلوب الملوك, وتلج إلى قصورهم, وتصبح سيدة القصر الأولى. فقد تمكّنت "اعتماد" المشهورة بالرّميكيّة بفضل ذكائها وفطنتها أن تكون زوجة للمعتمد بن عباد ملك اشبيلية وأمّا لأولاده.
وقد كانت المرأة في هذا العهد على قدر كبير من الفطنة والعلم, فابن حزم العالم الفقيه قد تعلّم على أيدي النساء في صباه: "وهنّ علمنني القرآن وروّينني كثيراً من الأشعار ودرّبنني في الخط"(7).
ومن النساء اللّواتي اشتهرن بالعلم والأدب "العبادية" التي أهداها مجاهد العامري ملك دانية إلى المعتضد بن عباد والد المعتمد, فقد كانت أديبة ظريفة, كاتبة وشاعرة عالمة بكثير من علوم باللّغة. كما اشتهرات بثينة بنت المعتمد بن عباد وابنة الرّميكية بجمالها وحلاوة نادرتها ونظمها للشعر. وكانت مريم بنت يعقوب الأنصاري تعلّم النساء الأدب. أما نزهون الغرناطية فقد اشتهرت بجمالها وخفة دمها, وحفظها للشعر والأمثال(8).
صفات المجتمع الأندلسي في القرن الخامس:
أسرف ملوك الطوائف في الترف, وتفننوا في صنوف من البذخ, فهذا المعتمد بن عباد ملك إشبيلية يرى زوجته "اعتماد" وهي تطل من شرفات القصر ترقب سقوط الثلج فأجهشت بالبكاء, فسألها المعتمد عن حالها فأخبرته بأنها تحنّ إلى منظر سقوط الثلج, وتريد أن تسافر إلى بلد يكثر فيه سقوط الثلج لتمتع ناظرها بجمال الطبيعة الفاتنة, فطمأنها المعتمد بأنها سترى هذا المنظر في الشتاء القادم في ذلك المكان نفسه. وأصدر أمره في الحال أن تغرس أشجار اللّوز في حدائق القصر حتى إذا أزهرت في فصل الشتاء بدت زهراتها البيضاء في عين "اعتماد" كقطع الثلج تجلّل أغصان الأشجار.
ورأت نسوة من العامّة يعجن الطين لصنع اللّبن, فأثر فيها المنظر وبكت, فلما رآها المعتمد باكية سألها عن السبب, فأخبرته بأنها مقيّدة الحريّة لا تستطيع أن تفعل فعل هؤلاء النسوة, فأمر في الحال بإحضار مقدار كبير من المسك والعنبر وبعض الأعطار فعُجن كل ذلك الى أن أصبح عجينة في حجم تلك التي كانت تعجنها النسوة, فنزلت "اعتماد" إلى مساحة القصر هي وجواريها, وخلعن نعالهن وصرن يعجن بأقدامهن ذلك الطين المصنوع من المسك(9) وطابت نفس "اعتماد" بذلك!
وكان المعتمد ينفق على الشعراء بدون حساب حتى إنه ليخلع على الشاعر منهم خلعاً لا تصلح إلاّ للخلفاء. ومضى المعتمد وكثير من ملوك الطوائف في حياة الترف والمرح, لا ينفقون في مهام الدولة إلاّ القليل من وقتهم, وقد كانت الولائم الكثيرة ومجالسة الشعراء وعقد مجالس الشرب, واللهو مع القيان والجواري تستنفد كثيراً من أموالهم ووقتهم.
وكانوا يبنون القصور, وينفقون في هندستها أموالاً باهظة في سبيل تحقيق متعهم; فهذا المأمون بن ذي النون ملك طليطلة يشيّد قصراً عظيماً أنفق عليه الأموال الطائلة ووضع في وسطه بحيرة, "وصنع في وسط البحيرة قبة من زجاج ملوّن منقوش بالذّهب, وجلب الماء على رأس القبة بتدبير أحكمه المهندسون, فكان الماء ينزل من أعلى القبة على جوانبها محيطاً بها ويتّصل بعضه ببعض, فكانت قبة الزجاج في غلالة مما سكب خلف الزجاج لا يفتر من الجري, والمأمون قاعد فيها لا يمسّه من الماء شيءٌ ولا يصله, وتوقد فيها الشموع فيرى لذلك منظر بديع عجيب"(10)
وقد كان كل ملك من هؤلاء الملوك يحاول أن يجعل من مملكته ملتقى للشعراء والأدباء والمغنّين, ونشطت بذلك تجارة الرقيق, واجتهد النخّاسون في تعليم الجواري الرّوميات الغناء, وضروباً أخرى من الثقافة لترتفع أجورهنّ. وكثر الطلب على الجواري المغنيات فقد دفع هذيل بن رزين صاحب السهلة في جارية ابن الكتاني ثلاثة آلاف دينار(11). وكثر المغنون في بلاطات الملوك, وكان في قصورهم أسراب منهم, حتى إن المعتمد بن عباد كان يصحب الموسيقيين معه أثناء حملاته الحربيّة(12).
ولم يقتصر شيوع الغناء على بلاطات الملوك فقط, بل شاع في أوساط العامّة, فها هي بلنسيّة "لا تكاد تجد فيها من يستطيع على شيء من دنياه إلاّ وقد اتخذ عند نفسه مغنّية وأكثر من ذلك, وإنما يتفاخر أهلها بكثرة الأغاني"(13).
وكانت مجالس الغناء لا تخلو من الشراب,وكانوا لا يستطيعون الجهر بذلك في عهد الأمويين, أما في عهد ملوك الطوائف فقد أصبح الخمر شائعاً في مجالسهم لضعف الوازع الديني, وبذلك استسلم المجتمع للشهوات فزاد ضعفاً(14).
ولجأ الملوك من أجل إرضاء نزواتهم وتحقيق لذاتهم إلى إثقال كاهل رعاياهم بالضرائب, فهذا مظفر ومبارك العامريان حاكماً بلنسية قد انغمسا في النعيم الى قمة رأسيهما, وذلك على حساب الرعيّة فقد كانا " يستزيدان عليها في الوظائف الثقال... حتى غدا كثير منهم يلبسون الجلود والحصر ويأكلون البقول والحشيش وفّر كثير منهم من قراهم"(15)
وفرضت في عهد الطوائف أنواع من الجباية على الرعيّة, وفرضت المغارم على الأهالي, حتى الحجاج لم ينج من دفع مغارم في موسم الحج, إلى أن أبطل ذلك يوسف بن تاشفين بعد دخوله الأندلس وقضائه على ملوك الطوائف(16).
وقد كان موظفو الدولة ممن يتولّون شؤون الرعيّة لا يراعون الشرع ولا همّ لهم إلاّ أن يزدادوا ثروة وخاصة أولئك الذين أُوكلوا بجمع الضرائب ومراقبة الناس, فابن عبدون يصف أعوان صاحب المدينة بأنهم شر الناس ولا يجب أن يصدّق كلامهم إلاّ إذا شهد على ذلك الجيران "لأن الشر أحب إليهم من الخير, فمنه يأكلون ويلبسون السحت, ومنه يعيشون,وليس للخير اليهم طريق, يجب ألا يخرج منهم في رسالة في المدينة أكثر من واحد لئلا يكثر الجعل والهرج والأذى"(17).
وفي ظل هذا الحكم اضطرب المجتمع الأندلسي, وانتكست مثله, واشتد الغلاء وانتشرت الأوبئة وعمت الكوارث, فقد كانت رحى الحروب تعصف بالرعيّة, وانعدم الاستقرار والأمن وفسدت أخلاق الناس, واستبيحت المحرّمات, وهتكت الأستار, ونقضت شرائع الدّين, وفسدت نفوس الحكّام والمحكومين حتى إنه لم يعد يعلم في الأندلس درهماً أو ديناراً حلالاً(18).
وقد حاول المرابطون بعد دخلوهم الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين سنة 495 هـ, وقضائهم على ملوك الطوائف, أن يوفروا الحياة الهادئة للمجتمع الأندلسي, ويحاربوا كثيراً من مظاهر التفكك والانحلال الاجتماعي.


الهواش والمراجع:
(1) نفح الطيب من غصن الأندلس الرّطيب للمقري. تحقيق إحسان عباس. دار صادر بيروت, 1968 ج 1/ ص 223
(2) نفح الطيب ج 1/ ص 223
(3) "غابر الأندلس وحاضرها". محمد كرد علي. المطبعة الرحمانية مصر 03ط, .32911
(4) "ظهر الإسلام", أحمد أمين, دار الكتاب العربي بيروت 1969م, ج3/ ص 8/.
(5) "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" ابن بسام الشنتريني. تحقيق: إحسان عباس, دار الثقافة, بيروت 1979م, قسم 1/ مجلد 1/ ص .430
(6) انظر: "طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي". تحقيق حسن كامل الصّيرفي. القاهرة 1950م, ص 44 و 104
(7) طوق الحمامة ص 50
(8) انظر: نفح الطيب ج 4/ ص 283 ص,291 ص 295
(9) تمظر القصة في نفح الطيب ج 4/ ص 272
(10) نفح الطيب: ج 1/ ص 528
(11) "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب". ابن عذاري المراكشي. تحقيق : لي ي بروفنسال. دار الثقافة بيروت 1983م, ج 3/ ص 308
(12) "دول الطوائف". محمد عبد الله عنان. مطبعة لجنة التأليف والترجمة. القاهرة 1960 م, ص 419
(13) "نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار" لابن الدلائي تحقيق: عبد العزيز الأهواني مدريد 1965م, ص 18
(14) "رحلة الأندلس". محمد لبيب البتوني مطبعة الكشكول مصر 1927م, ص 119
(15) البيان المغرب ج3/ ص 162
(16) "مقدّمة ابن خلدون". دار الكتاب اللبناني بيروت 1982م, ج 1/ ص 497
(17) "ثلاث رسائل أندلسيّة في أداب الحسبة والمحتسب". تحقيق لي ي بروفنسال, القاهرة 1955م, ص 16
(18) "رسائل ابن حزم الأندلسي. تحقيق": إحسان عباس. المؤسسة العربيّة للدّراسات والنشر, بيروت 1981م, ج3/ ص 174
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأندلس


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القمص بولس جورج يشرح الفرق بين الطوائف المسيحية نور الإسلام نصرانيات 0 22-04-2014 11:12 AM
الإطار التاريخي لظهور ملوك الطوائف في الأندلس في القرن الخامس الهجري وأثرها في الشعر العربي نور الإسلام هدي الإسلام 0 09-11-2013 05:56 PM
بابا الفاتيكان لرؤساء الطوائف بإسرائيل: اقبلوا الآخر مزون الطيب نصرانيات 0 20-02-2012 08:55 PM
إطار مفاهيمي لأخلاقيات التسويق والمسؤولية الاجتماعية في منظمات الأعمال الخدمية نور الإسلام المكتبة العامة 0 14-01-2012 08:17 PM
الإسلام يقي من الآفات الاجتماعية نور الإسلام هدي الإسلام 0 13-01-2012 05:01 PM


الساعة الآن 04:52 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22