صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > المقالات

ملامح الانفصام الحضاري في واقعنا الإسلامي المعاصر

يعد الخلل المشاهد الآن في واقعنا الإسلامي المعاصر من أبرز ملامح الانفصام الحضاري الذي استشرى بين مسلمي اليوم. وقد أفرز هذا الوضع المؤسف تساؤلاً حائراً فرض نفسه على الساحة الإسلامية،

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2013 ~ 10:46 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي ملامح الانفصام الحضاري في واقعنا الإسلامي المعاصر
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


يعد الخلل المشاهد الآن في واقعنا الإسلامي المعاصر من أبرز ملامح الانفصام الحضاري الذي استشرى بين مسلمي اليوم. وقد أفرز هذا الوضع المؤسف تساؤلاً حائراً فرض نفسه على الساحة الإسلامية، ألا وهو: كيف يمكن لنا أن نتخلص من تداعيات هذا الانفصام في واقعنا المعاصر حتى يتسنى لنا تحقيق الوعي الحضاري المأمول؟وللإجابة عن هذا التساؤل ، فإنه لابد من اعتماد الرؤية الإسلامية لبلورة أبرز ملامح الإشكاليات المصيرية التي تعاني منها الأمة الإسلامية في واقعها المعيش. ولعل ذلك راجع إلى أن مثل هذه المعالجة الدقيقة إنما هي بمنزلة تجسيد حقيقي لجس نبض الأمة، فضلاً عن رصد أبعاد همومها الحضارية، وذلك حتى يتسنى لنا تقديم العلاج الناجع لكل إشكاليات هذه الهموم.


ملامح الانفصام الحضاري في واقعنا الإسلامي المعاصر 44.bmp




ومن هنا فإنه ينبغي أن تكون هذه المعالجة المبتغاة في مستوى اللحظات الحرجة التي تمر بها أمتنا الآن، مما يحتم على المسلمين الذين يعيشون في القرن الحادي والعشرين الميلادي (الخامس عشر الهجري) الذي يعد ولا ريب قرن التحولات الكونية أن يشعروا شعوراً واعياً بالبصمات المنعكسة لهذا الانفصام النكد على واقع حياتهم الإسلامية.

ونظراً لتعدد ملامح الانفصام الحضاري، لدى المسلم المعاصر، فإنه يمكن تسليط الأضواء الكاشفة على أبرز هذه الملامح السلبية حتى يتسنى للأمة تلافيها فيما يستقبلها من أيام مقبلة لاسيما بعد أن يضع المنظرون والمفكرون التصورات والرؤى التي من شأنها أن تسهم إسهاماً حيوياً في صياغة الواقع الإسلامي المعاصر حضارياً في ضوء نسق حياتي متناغم مع روح الإسلام، التي تهدف- ضمن ما تهدف - إلى تحقيق تلافي سلبيات الانفصام الحضاري، الذي يسهم في عدم تحقيق الشمولية والتوازن، وبالتالي يتم إضفاء طابع سلبي على حياة المسلمين من خلال الخلل في كثير من أنشطتهم الحياتية. وللتخلص من تداعيات كل ذلك، لابد من وجود النماء الحضاري الذي يجعلهم في مستوى الانتماء الحقيقي لهذا الدين الخالد، فالإسلام الحق قد جاء لإرساء معالم حضارة، هي بحق حضارة ربانية تسمو بالإنسان إلى الذروة السامقة من الكرامة والسمو الاخلاقي، حتى يكون فعلاً جديراً بتأدية مبدأ الخلافة الحضارية في الأرض.
إن تحقيق مثل هذه الأهداف السامية في الواقع المعيش، لن يكون حقيقة معيشة إلا بوجود وعي حضاري بكل إشكاليات وجودنا، وبالتالي التخلص نهائياً من الانفصام الحضاري الذي عم كل مناحي حياتنا.
عدم الوعي بأهمية الحوار الحضاري
ولعل من أبرز ملامح الانفصام الحضاري بين المسلمين ولاسيما في هذه الايام، هو عدم وعي بعض منهم بأهمية الحوار الحضاري البناء، الذي يشكل- وفقاً للمنظور الإسلامي- ضرورة حياتية، تساعدنا على تشكيل الهيكل العام للحضارة الإسلامية المعاصرة. ولكي تكون هذه الحضارة المنشورة معبرة فعلاً عن نزوعات هذه الأمة في الوجود، فإنه لابد أن تكون مستندة إلى أسس الإسلام الراسخة رسوخ الطود الشامخ، وخصوصاً في جانبها المعنوي (الثقافة)، أي ثوابتها المرتبطة بعطاء السماء، أما جانبها المادي (المدنية) فإنه لا غضاضة البتة في الاقتباس الحضاري من الغير، ولو كان مخالفاً لنا في التصور العقدي، وذلك عبر الحوار الفاعل معه وحتى يؤتي هذا الاقتباس فعاليته، وثماره المرجوة، فإنه لابد أن يكون اقتباساً لأسس المعطيات المدنية للعصر، وليس لقشورها، أو بمعنى آخر فإنه يحتم علينا كمسلمين، العمل الجاد على استنبات التكنولوجيا المعاصرة، بدلاً من استيرادها.
ولقد أشار إلى مدى انعكاس مثل هذا الموقف السلبي من المسلمين تجاه العصر على حياتهم الحاضرة، المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي (1223-1393هـ = 1905-1973م)، ضارباً المثل على ذلك باليابان، التي اقتبست أسس المدنية الغربية في إطار «الموتور والحركة»، دون التخلي ولو قيد أنملة، عن التراث والأصالة اليابانية بينما العالم الإسلامي، أخذ يستورد الأشياء ولايزال يغرق أسواقه بمنتجات هذه المدنية مكتفياً بذلك، ولعل الذي زاد الطين بلة، هو أن المسلمين ما زالوا غارقين في حمأة الاستهلاك المادي والتكدس الشيئي، رغم الوثبات الهائلة لهذه الحضارة في المضمار المادي، يضاف إلى ذلك تدني مستوى إنتاجية الفرد المسلم عن نظيره الغربي بفوارق كبيرة، مما حدا بالمنظرين الغربيين على وصف البيئة الحضارية التي يعيش فيها الغربي بالعالم الأول، في حين وصفت بيئتنا الإسلامية بالعالم المتخلف أو تأدباً العالم النامي وأحياناً العالم الثالث، وكلها سمات تدل دلالة أكيدة على تراجعنا الحضاري الذريع.
وهكذا نرى أن مسلمي اليوم، قد أصبحوا مستلبين مدنياً أمام نتاج الحضارة المعاصرة- سواء كان مصدرها الغرب أو الشرق على حد سواء- مما جعلهم يضحون بإمكانياتهم المالية في سبيل استيراد الأشياء الاستهلاكية فضلاً عن تكديسها، ولقد انعكس ذلك صوراً سلبية على حياتهم عبر استنزاف أموالهم الطائلة في سبيل اقتناء ولو منتج واحد من منتجات هذه المدنية وأصبحنا نرى الفرد في عالمنا الإسلامي المعاصر يكد ويتعب الأيام الطوال، من أجل شراء آلة من آلات هذه المدنية، التي ربما ذهبت به في نهاية المطاف إلى القبر.
التأزم الأخلاقي والاستلاب السلوكي لدى المسلمة المعاصرة
أما ثاني ملمح من ملامح الانفصام الحضاري لدى مسلمي اليوم، فهو هذا التأزم الأخلاقي والاستلاب السلوكي الذي تعاني منه المسلمة المعاصرة في الواقع الراهن للمسلمين على المستوى الحضاري، فهذه المسلمة تقف الآن حائرة بين قطبين متنافرين هما الأصالة القرآنية والنبوية، التي تدعوها إلى الالتزام الحق بمنهجية الدين الإسلامي من جهة، وبين معطيات العصر السلبية التي تدعوها في نفس الحين إلى الانسلاخ من ربقة القيم المشعة التي في مقدورها صياغة كيان إنساني أمثل، ولعل الذي يؤكد حتمية التزام المرأة بالمنطلقات الإيمانية للإسلام، هو أن هذا الدين الحق قد جاء من عند خالق الكون وبارئه {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (الملك-14).
وذلك من أجل صياغة امرأة ناضجة فعالة، ذات دور حيوي في بناء الحضارة الإسلامية الباسقة، وهذا من منطلق أن المرأة هي وعاء الحضارة الحاني، والخدر الآمن لصناعة الأجيال، وذلك بعد مساهمتها الحيوية مع الرجل شريكها الأوحد على درب الحياة -عبر الزواج الشرعي- في صياغة واقع إسلامي زاهر.
وإذا كان بريق الحضارة المعاصرة الخاطف يشدها على الطرف الآخر، بما يقدم لها من أضواء خادعة وزائفة تخدعها وتنسيها أبعاد رسالتها الحضارية في الوجود، وفقاً للنسق الإسلامي، وذلك من خلال بعض الممارسات السلبية التي يزينها لها بعض الموتورين في واقعنا الثقافي المعاصر، وذلك من خلال محاولاتهم اليائسة لطمس معالم كل القيم المشعة التي صاغت يوماً ما خير حضارة تفطر عنها قلب التاريخ البشري، ولولا المرأة ومساهمتها الفعالة في تشكيلها منذ انبثاقها من رحم التاريخ، لما وصلت إلى هذه الذروة السامقة في الإبداع.
عدم إدراك قيمة الوقت
وثالث ملمح من ملامح الانفصام الحضاري لدى المسلمين المعاصرين، هو عدم إدراكهم الإدراك الواعي لقيمة الزمن (الوقت) ودوره الحيوي في تحقيق أو إنجاز البناء الحضاري الشامل وعدم وعينا كمسلمين بمدى أهمية العناصر البارزة، التي تتشكل منها الحضارة في هيكلها العام والخاص، إنما هو ظاهرة غير صحية إطلاقاً، ولعل الذي يشي بذلك جهلنا التام بالمفهوم الحضاري للوقت، فلقد أصبحنا أمة تتفنن في قتل الوقت فضلا عن إضاعته سدى، دون الاستفادة الموضوعية منه، ناسين أو متناسين أن الزمن (الوقت) هو عمر الإنسان، وطريقه حتى يكون لنا قدم صدق في الدنيا والآخرة، ولذلك لم يخطئ مالك بن نبي، عندما ذهب الى ان الوقت والتراب والإنسان هذه العناصر الثلاثة هي المكونات الأساسية للحضارة، وفي هذا السياق جاءت معادلته الرياضية التالية، وقت+ تراب + إنسان= حضارة.
الفجوة بين النظرية والتطبيق في حياتنا المعاصرة
وفي هذا السياق الاستلابي، يبدو أن رابع ملامح الانفصام الحضاري لدى المسلمين المعاصرين هو تلك الفجوة السحيقة بين النظرية والتطبيق في حياتنا المعاصرة، ولا سيما في الإطار التعاملي - أو إذا شئنا الدقة قلنا بين القول والفعل - ولعل مرجع هذا هو أن القول الأجوف غير المقرون بالفعل لا يمكن أن يؤدي بأي حال من الأحوال الى تحقيق الوضع الامثل للمجتمع الاسلامي الفاضل الذي جاء الإسلام لبنائه، إن هذا هو حالنا اليوم، ولعل هذا هو سبب سقوطنا الحضاري بكل المقاييس.
أما يوم أن كان المسلمون مدركين تمام الادراك لمدى ضرورة اقتران القول بالفعل انطلاقا من الفقه الحضاري الواعي للآية القرآنية الكريمة، التي يقول فيها تعالى: {يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3).
وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول: إن التخلص الفاعل من الانفصام الحضاري المستفحل بين مسلمي اليوم، إنما يعتمد اعتماداً أساسياً على مدى نجاحهم في تحقيق انسجامهم مع معطيات دينهم، فضلا عن أن يجعلوا من ذلك الهم الهاجس الحضاري الأول لهم، وذلك حتى يتسنى لهم ردم هذه الفجوة الحضارية السحيقة التي تفصلهم عن الحضارة المعاصرة.


بقلم الكاتب: د.مصطفي محمد طه

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ملامح هجمة عالمية على الإسلام والمسلمين نور الإسلام أخبار منوعة 0 02-12-2013 06:51 PM
مسلمو أوروبا والمشاركة السياسية .. ملامح الواقع وخيارات التطوير نور الإسلام الإسلام في أوروبا 0 09-11-2013 10:07 AM
الخطاب الإسلامي الإلكتروني .. ملامح وخصائص نور الإسلام المقالات 0 09-11-2013 09:24 AM
الحج والسلوك الإنساني الحضاري نور الإسلام المقالات 0 22-10-2012 07:21 AM
الاستعباد المعاصر نور الإسلام المكتبة العامة 0 26-08-2012 09:32 AM


الساعة الآن 07:58 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22