صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

التسامح فريضة إسلامية

مسابقة كاتب الألوكة الثانية قسم الدراسات و البحوث التسامح فريضة إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-06-2014 ~ 11:03 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي التسامح فريضة إسلامية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


التصالح, فريضة, إسلامية


مسابقة كاتب الألوكة الثانية
قسم الدراسات و البحوث





التسامح فريضة إسلامية


مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية



إعداد
صبري عادل إبراهيم إبراهيم




المقدمة
الحمد لله، الذي أنزل القرآن، ليكون للناس شرعة ومنهاجاً. والصلاة والسلام، على المنقذ من الضلال، خاتم الأنبياء والمرسلين r، الذي كانت بعثته r أعظم النعم على البشرية وأجلها، وجعل سبحانه من تمام هذه النعمة تشريف الأمة الإسلامية بحمل الرسالة بل جعل خيريتها للأمم مرتبطة بذلك، يقول تعالى:] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [([1]).
و بعد
فإن التسامح من ثوابت الدّين الإسلامي المبدئية، فلقد جاء الإسلام؛ ليُرسي دعائم السلام في الأرض من خلال دعوة أتباعه إلى تثبيت الاتصال وتقويته بينهم وبين أهل الكتاب على قاعدة دينية راسخة، وهى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا: ] وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [ ([2]) .
فمنهج الإسلام يقوم على التسامح و الرفق واللين، والرقة والرحمة، ولا يقوم على العنف والشدة، كما يدعى أعداء الإسلام، يقول الله تعالى: ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [([3]).
و قد جعل رسول الله r الرفق واللين واللطف أسلوباً في الدعوة إلى الله، فعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي r قالت: " دخل رهط من اليهود على رسول الله r فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول اللهr : " مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله "، فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا، قال رسول الله r: قد قلت وعليكم" ([4]).
و لم لا و قد وصفه ربه تبارك و تعالى بقوله:]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[([5]), و قال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [([6])،فهو r ليس رحمة لجنس العرب أو الشرقيين، أو حتى المسلمين وحدهم، بل هو رحمة للعالمين؛ لأن رسالته رسالة عالمية، كما قال تعالى:] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [([7]).
وهذه المعاهدات و المكاتبات([8]) التي صدرت عن النبي r ما هي إلا ضرب من ضروب التسامح والموادعة، وقد سار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج النبوي العظيم في تطبيق التسامح قولاً و عملاً، فقد جعلوه منهج حياة، و لذلك فقد كتب عمر بن الخطاب عهد الأمان (العهد العمري) لأهل القدس (أهل إيلياء) عند فتحها " أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود..." ([9]). و هذا الفاروق في لحظاته الأخيرة يُوصي بغير المسلمين فيقول: " أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله أن يوفي لهم بعهدهم "([10]).
إن عمر بن الخطاب يُوصي بالعدل و الأمان و الحماية لغير المسلمين، رغم أن دمه يسيل بسب طعنات غادرة أحدثها خنجر أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة – و هو من غير المسلمين - ما هذه العظمة ؟، و ما هذا السمو ؟، و ما هذا التسامح ؟ إنها عظمة، و سمو، و تسامح الإسلام، الذي جاء رحمةً للعالمين.
فلقد وضع الإسلام قاعدة جليلة في التعامُل مع هذا الآخر، بينت أنَّ الأصل في معاملتهم هو الحسنى والبر، وأساس هذه العلاقة وضابطها هو قوله تعالى:] لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[([11]). فهو دين التسامح و التعايش و الإخاء الإنساني؛ و لذلك عندما استقبل رسول الله r وفد نصارى نجران في المدينة فتح لهم باب مسجد النبوة، و لما حانت صلاتهم، قاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله r: "دعوهم" فاستقبلوا المشرق، فصلوا صلاتهم([12]).
حتى في أوقات الحروب و النزاعات المسلحة وضع الإسلام أسس التسامح و الإخاء الإنساني, فقد وضع الضوابط التي تحمى الآخر غير المسلم، و تُحرم النهب والسلب، وجعل لها غايات نبيلة، منها الدفاع عن عقيدة الأمة وأمن المجتمع، وردّ عدوان المعتدين، يقول تعالى:] وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [ ([13])، فالحرب لا تنسينا مبادئنا الإسلامية، ولذلك جاءت الوصايا الكريمة حينما يشتد الوطيس: " إنك ستلقى أقواماً قد فرغوا أنفسهم لله في الصوامع فذرهم وما فرغوا أنفسهم له، و لا تقتلن مولوداً, و لا امرأة، و لا شيخاً كبيراً، و لا تعقرن شجراً بدا ثمره، و لا تحرقن نخلاً، و لا تقطعن كرماً "([14])
فالرحمة و التسامح واللطف والرفق والإحسان، من مبادئ الإسلام الخالدة التي طبقها وقت السلم و وقت الحرب.
إن موضوع التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام أمر واضح في تعاملات المسلمين مع غيرهم على مر العصور؛ فقد جاء الإسلام بشريعةٍ عادلة، ونظم إنسانية رفيعة تحترم الإنسان، و تكرمه بصرف النظر عن دينه و عقيدته.
و في ضوء ما تقدم اخترتُ أن أضرب بسهمي في دراسة موضوع "التسامح فريضة إسلامية "؛ لأرد على هؤلاء الذين يُهاجمون الإسلام، و يتطاولون على مقدساته، و لأبين لهم أحد صور عظمة الإسلام في واقعيته وعالميته،و لأثبت لهم أن الإسلام ضرورة لابد منها للمجتمعات الإنسانية، فهو دين السلام، و التسامح و الإخاء الإنساني. فالإسلام دينٌ إنساني المضمون والموضوع والمقاصد.
خطة الدراسة:
هذا و قد جاءت خطة هذه الدراسة المتواضعة على النحو التالي:
المقدمة
فصل تمهيدي: التسامح و الإخاء الإنساني في القرآن الكريم و السنة النبوية.
الفصل الأول: التسامح الإسلامي و الحرية الدينية.
الفصل الثاني: التسامح الإسلامي والمساواة.
الفصل الثالث: التسامح الإسلامي وقت الحرب.
الخاتمة
و الله من وراء القصد و هو يهدى السبيل.
فصل تمهيدي
التسامح و الإخاء الإنساني في القرآن الكريم و السنة النبوية
التسامح لغة: التسامح من السماح و السماحة أى الجود. مصدر سمح يسمح سماحة وسماحا وسموحة، وتدلّ مادّة (س م ح) كما يقول ابن فارس على معنى السّلاسة والسّهولة، يقال: سمح (بفتح السين) وتسمّح وسامح، فعل شيئا فسهّل فيه وأنشد ثعلب في هذا المعنى:
ولكن إذا ما جلّ خطب فسامحت به النّفس يوما كان للكره أذهبا
ويقال أيضا سمح (بضمّ الميم)، وأسمح: إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء، وذلك لسهولة ذلك عليه.
قال الجوهريّ: السّماح والسّماحة: الجود، وسمح به أي جاد به، وسمح لي أعطاني، والوصف من ذلك: سمح وسميح ومسمح ومسماح.
و قال ابن منظور: ويقال: رجل سمح وامرأة سمحة من رجال ونساء سماح وسمحاء فيهما، ويقال رجل سميح ومسمح ومسماح، والجمع مساميح (للمذكّر والمؤنّث).
وفي الحديث: «يقول اللّه عزّ وجلّ: أسمحوا لعبدي، كإسماحه إلى عبادي»، الإسماح: لغة في السّماح، يقال: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء، وقيل: إنّما يقال في السّخاء سمح، وأمّا أسمح، فإنّما يقال في المتابعة والانقياد.
والمسامحة: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا.
وقال ابن الأعرابيّ: سمح له بحاجته، وأسمح أي سهّل له. وفي الأثر: أنّ ابن عبّاس سئل عن رجل شرب لبنا محضا، أيتوضّأ؟ قال: اسمح يسمح لك. معناه سهّل يسهّل لك وعليك. وقولهم: الحنيفيّة السّمحة ليس فيها ضيق ولا شدّة، ولقد سمح بالضّم سماحة وجاد بما لديه ([15]).
السماحة اصطلاحا:
السّماحة في الاصطلاح تقال على وجهين:
الأوّل: ما ذكره الجرجانيّ من أنّ المراد بها: بذل ما لا يجب تفضّلا، أو ما ذكره ابن الأثير من أنّ المقصود بها: الجود عن كرم وسخاء.
الآخر: في معنى التّسامح مع الغير في المعاملات المختلفة ويكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها الّتي تتجلّى في التّيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين الّتي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم أو مع غيرهم من أصحاب الدّيانات الأخرى ([16]).
من ظواهر سماحة النفس:
لسماحة النّفس مظاهر عديدة أشار إلى أهمّها صاحب الأخلاق الإسلامية ومنها:
أوّلا: طلاقة الوجه واستقبال النّاس بالبشر.
ثانيا: مبادرة النّاس بالتّحيّة والسّلام والمصافحة وحسن المحادثة لأنّ من كان سمح النّفس بادر إلى ذلك.
ثالثا: حسن المصاحبة والمعاشرة والتّغاضي عن الهفوات ، لأنّ من كان سمح النّفس كان حسن المصاحبة لإخوانه ولأهله ولأولاده ولخدمه ولكلّ من يخالطه أو يرعاه ([17]).
ويطلق « التسامح » ويراد به أيضا معاني قريبة منه مثل: ـــ الرحمة؛ العفو؛ والمغفرة؛ والصلح؛ والصفح؛ وكذلك تطلق هذه المعاني ويراد بها « التسامح »
إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا، والتسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، و يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.
كما أن التسامح يشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية. والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام ([18]).
فالتسامح يدل على قبول اختلاف الآخرين – سواء في الدين أم العرق أم السياسة – أو عدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين أو إكراههم على التخلي عن آخريتهم.
تاريخية مفهوم التسامح
لفظة "تسامح" Tolerance مشتقة من الكلمة اللاتينية Tolere أي يعاني أو يقاسي. ومن اللفظة اللاتينية Tolerantia وتعني لغوياً "التساهل"، وعند علماء اللاهوت: الصفح عن مخالفة المرء لتعاليم الدين.
ومن معانيه أنه سلوك شخص يتحمل الاعتداء علي حقوقه دون اعتراض، في الوقت الذي يمكنه فيه الرد علي هذه الإساءة. كما يعني استعداد المرء لأن يترك للآخر حرية التعبير عن رأيه حتى ولو كان خطأ أو مغايراً.
وفي اللغة الانجليزية هناك مقابلان لكلمة،الأول Tolerance والثاني Toleration، وهذا أدي الي تعدد الاجتهادات في إبراز الفروق بينهما. ففي معجم "وبستر" تعني كلمة Toleration سياسة التسامح المتبعة مع كل الآراء الدينية وأشكال العبادة المناقضة أو المختلفة مع المعتقد السائد، بينما تعني لفظة Tolerance استعداد المرء لتحمل معتقدات وممارسات وعادات تختلف عما يعتقد به ([19]).
وقد حاول بعض الكتاب التمييز بين هذين اللفظين، بما يتيح لهم تعيين الأوجه المختلفة للتسامح, فاقترح "كريك" Crick كلمة Tolerance لوصف فعل التسامح نفسه، وكلمة Toleration لوصف المبدأ المعلن والقائل بأن علي المرء أن يكون متسامحاً، وقد لاحظ أن (Tolerance) وجدت أولاً من الناحية التاريخية قبل أن تصك كلمة (Toleration) يقول: "أن ما اعتقدة هو أن Toleration تعني في الاستعمال العادي فعل ممارسة التسامح، وأنه من السهل تمييزها عن مبدأ التسامح دون الاستعانة بأي تعبير آخر".
وقد ظهرت كلمة Tolerance أولا في كتابات الفلاسفة في القرن السابع عشر، أو قل زمن الصراع بين البروتستانت والكنيسة الكاثوليكية حيث نادي "جان بودان" و "مونتيني" و "اسبينوزا" و "البحث اللاهوتي الفلسفي"، و "روجر وليمز" في رسالتيه "العقيدة الدموية للاضطهاد بسبب الضمير" 1644 و "العقيدة الأكثر دموية" 1652، و "جون ميلتون" و "جون لوك" في كتابة "رسالة في التسامح" 1689 – 1692، وغيرهم، بضرورة التسامح بين المخالفين في الرأي والعقيدة، وحق الاجتهاد، واتخاذ العقل ميزاناً وحكماً ([20]).
ولم تعرف أوروبا المسيحية التسامح الديني والسياسي إلا في القرن السابع عشر ولم تدرك أنه فضيلة إلا منذ القرن السادس عشر، بعد دمرت الحروب الطائفية العديد من المدن والقرى وقضت على مئات الألوف من سكانها. وهنا فقط بدأ الفلاسفة في التساؤل: لماذا حدث ذلك ؟.. لماذا مزق الكاثوليك والبروتستانت بعضهم بعضاً، وهم ينتمون إلى دين واحد، وكتاب واحد ؟.. هل هناك من طريقة أخرى لفهم الدين غير هذه الطريقة المتعصبة الملونة بلون الدم ؟ ([21])
أما الإسلام فقد وضع أسس التسامح و ذلك قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. فالتسامح وفق المنظور الإسلامي، فضيلة أخلاقية، وضرورة مجتمعية، وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها، فالإسلام دين عالمي يتجه برسالته إلى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وتُرسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. فالجميع ينحدرون من نفس واحدة، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً [ ([22]).
المصطلحات ذات الصلة بالتسامح
تتردد عند ذكر مصطلح التسامح مصطلحات أخرى كالرحمة، والعفو, و الحلم، و كذلك تطلق هذه المعاني و يراد بها التسامح، و لأجل قرب المعنى بينها و بين التسامح لابد من تعريفها.
الرحمة
الرحمة لغة: تدور مادّة (ر ح م) حول معنى الرّقّة والعطف والرّأفة، يقول ابن فارس: الرّاء والحاء والميم أصل واحد يدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة. يقال من ذلك رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرّحم والمرحمة والرّحمة بمعنى .
ويقول الجوهريّ: الرّحمة: الرّقّة والتّعطّف. والمرحمة مثله، وقد رحمته وترحّمت عليه، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا... ورجل مرحوم ومرحّم، شدّد للمبالغة، والرّحم بالضّمّة: الرّحمة. قال تعالى ] وَأَقْرَبَ رُحْمًا [([23]).
والرّحمة المغفرة، وقوله تعالى في وصف القرآن ]وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ ([24]أي فصّلناه هاديا وذا رحمة. رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة (حكى الأخيرة سيبويه) ومرحمة، وقال اللّه- عزّ وجلّ-: ] وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [ ([25]أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الضّعيف والتّعطّف عليه، وترحّمت عليه أي قلت: رحمة اللّه عليه ([26]).
الرحمة اصطلاحاً: قال الجرجانيّ: هي إرادة إيصال الخير. وقال الجاحظ: الرّحمة خلق مركّب من الودّ والجزع، والرّحمة لا تكون إلّا لمن تظهر منه لراحمه خلّة مكروهة، فالرّحمة هي محبّة للمرحوم مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم. وقال الكفويّ: الرّحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمن به رقّة القلب وتكون مبدأ للانعطاف النّفسانيّ الّذي هو مبدأ الإحسان ([27]).
لقد جاء الإسلام و مقصده الأساس إلحاق الرحمة بالعالمين، قال تبارك و تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ ([28])، و قال تعالى:] نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ[([29]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي"([30]).
وعن أبى هريرة t قال سمعت رسول الله r يقول « إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار »([31])
وعنأنس بن مالك قال سمعت رسول الله r يقول « قال الله يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى يا ابن آدم إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة » ([32]).
وقد ضرب النبي r مثالاً على رحمة الله للعبد: فعن عمر بن الخطاب t قدم على النبي r سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقى، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي r « أترون هذه طارحة ولدها في النار ». قلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال « الله أرحم بعباده من هذه بولدها »([33])
وقد اتصف وتخلَّق الرسولr بخلق ربه من أخلاق الرحمة والعفو، حتى زكاه ربه بها وأثنى عليه فقال تعالى:] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[([34]), و قال تعالى: ]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ ([35]).
إن رحمة النبي رحمة شاملة وعامة وعالمية، وليست عنصرية تقوم على الأعراق أو الألوان أو المذاهب.. بل رحمة لكل البشر، رحمة عامة ومجردة للعالمين جميعاً، ومن ثم كانت رحمته إنسانية عامة، شملت المسلم وغير المسلم، والمؤمن والمنافق، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، والإنسان وغير الإنسان. فهو يعتبر البشرية جميعها أسرة واحدة، تنتمي إلى رب واحد وإلى أب واحد وإلى أرض واحدة..كما قال النبي r: " يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربى على أعجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى "([36]).
لقد استطاع الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان أن يضع مبادئ للتسامح و الإخاء الإنساني، ولأنه رحمة للعالمين. و كانت أول شهادة قالها الراهب النصراني "بحيرا "حين رأى محمداً r في رحلته الأولى إلى الشام مع أبي طالب : " هذا سيد العالمين ! هذا رسول رب العالمين ! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين !"([37]).
ويتحدث توماس كارلايل عن الرحمة في شخصية محمد rفيقول: ".. لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير r... العظيم النفس، المملوء رحمة، وخيرًا، وحنانًا، وبرًا، وحكمة، وحجى، ونهى.. أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ ترى محمدًا rلم يرض أن يرتفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة.."([38]).
و يتحدث "لين بول" المفكر البريطاني عن خلق الرحمة في شخصية محمدr في إعجاب قائلاً: "إن محمداً r كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف والشجاعة، وكرم الأخلاق، حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه، ودون أن يكون هذا الحكم صادراً عن غير ميل أو هوى، كيف لا، وقد احتمل محمدr عداء أهله وعشرته سنوات بصبر وجلد عظيمين، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد مصافحه حتى لو كان يصافح طفلاً ! وأنه لم يمر بجماعة يوماً من الأيام رجالاً كانوا أم أطفالاً دون أن يسلم عليهم، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة، وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر سامعيها، و تجذب القلوب إلى صاحبها جذباً !!"([39]).
ويقول واشنجتون ايرفنج مدللاً على خلق الرحمة في شخصية النبي r بموقفه في فتح مكة وهو القائد المنتصر : "كانت تصرفات الرسول r في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"([40]).
العفو
العفو لغة: مصدر قولهم عفا يعفو عفوا وهو مأخوذ من مادّة (ع ف و) الّتي تدلّ على معنيين أصليّين الأوّل:ترك الشّيء، والآخر طلبه، ومن المعنى الأوّل عفو اللّه تعالى عن خلقه، وذلك تركه إيّاهم فلا يعاقبهم، فضلا منه تعالى، قال الخليل: العفو تركك إنسانا استوجب عقوبة فعفوت عنه، واللّه سبحانه هو العفوّ الغفور.
وقال الجوهريّ: يقال: عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه، والعفوّ على فعول: الكثير العفو، ويقال: عفوته أي أتيته أطلب معروفه، واعتفيته مثله، وعفو المال: ما يفضل عن الصّدقة، ويقال: أعفني من الخروج معك: أي دعني منه (وهذا راجع إلى معنى التّرك)، واستعفاه من الخروج أي سأله الإعفاء منه، والعافية دفاع اللّه عن العبد، وهي اسم وضع موضع المصدر: يقال: عافاه اللّه عافية([41]).
قال ابن الأثير: من أسماء اللّه تعالى «العفوّ» هو فعول من العفو وهو التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطّمس، وهو من أبنية المبالغة .
وقال الغزاليّ: والعفوّ صفة من صفات اللّه تعالى، وهو الّذي يمحو السّيّئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور، ولكنّه أبلغ منه فإنّ الغفران ينبأ عن السّتر، والعفو ينبأ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر. وحظّ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كلّ من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى اللّه تعالى محسنا في الدّنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة. بل ربّما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيّئاتهم، إذ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له. وهذا غاية المحو للجناية.
وقال ابن القيّم- رحمه اللّه- تعالى: ومن حكمة اللّه- عزّ وجلّ- تعريفه عبده أنّه لا سبيل له إلى النّجاة إلّا بعفوه ومغفرته- جلّ وعلا- وأنّه رهين بحقّه، فإن لم يتغمّده بعفوه ومغفرته، وإلّا فهو من الهالكين لا محالة فليس أحد من خلقه إلّا وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاج إلى فضله ورحمته ([42]).
العفو اصطلاحا:
قال المناويّ: العفو: القصد لتناول الشّيء والتّجاوز عن الذّنب. وقال الكفويّ: العفو: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من استحقّ عقوبة فتركها فهذا التّرك عفو . وقال أيضا: العفو عن الذّنب يصحّ رجوعه إلى ترك ما يستحقّه المذنب من العقوبة، وإلى محو الذّنب، وإلى الإعراض عن المؤاخذة كما يعرض المرء عمّا يسهل على النّفس بذله ([43]).
وقد أمر الله عز وجل نبيه بالعفو في قوله: ]خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ ([44])، وأمر عباده بالعفو والصفح في قوله ] فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ ([45])،وبَيَّنَ صفة هذا العفو والصفح في قوله: ] فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [ ([46]).
وقد تجلي هذا الخلق القويم في سيرة سيد المرسلين و الذي يؤكد تسامحه، فكان يستخدم العفو والإحسان في حق نفسه فيعفو ويصفح عمن أساء إليه، ويستخدم العدل في حق ربه فلا ينتقم إلا لله عز وجل، وهذا ما روته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قائلةً: (ما انتقم رسول الله r لنفسهإلا أن تنتهك حرمة الله،فينتقم للهبها) ([47]).
وبعد فتح خيبر (محرم سنة 7 هـ‏)، حينما وضعت المرأَة اليهوديةله السم في الشاة، فأكلَ منها النبي r فلميسغها، وحينما علم بالمكيدة والغدر لم يكن منه إلا أن عفا عنها وتنازل عن حقه، فلما تبين له أن هذا السم هو الذي قتل بِشْرِ بْنِالبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رضى الله عنه، قَتَلَهَا النبي r ببشرِ قِصَاصًا، وقد روى هذه القصة الإمام البخاري رحمه الله من حديث أنس رضى الله عنه (أن يهودية أتت النبي rبشاةمسمومةفأكل منها، فجيء بها، فقيل: ألا نقتلها ؟ قال: لا) ([48]).
كما عفا عن الرجل الذي جاء يقتله في غزوة ذات الرقاع (ربيع الأول 7هـ‏)، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أخبر: أنه غَزَا مع رسول الله r قبل نجد، فلما قفل رسول الله r قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله r وتفرق الناس يستظلونبالشجر، فنزل رسول الله r تحت سمرة وعلق بها سيفه، ونمنا نومة،فإذا رسول الله rيدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: (إن هذااخترط عَلَىَّسيفيوأنا نائم، فاستيقظت وهو فييده صلتا، فقال: من يمنعك منى ؟ فقلت: الله ثلاثا). ولم يعاقبه وجلس.)([49]).
و في فتح مكة (رمضان 8 هـ) دخل رسول الله r ظافراً على رأس عشرة آلاف مقاتل من أصحابه، واستسلمتقريش ووقفت تحت قدميه أمام الكعبة تنتظر حكمه فيهم بعد أن أخرجو من دياره وقاتلوه، فما زاد r على أن قال: يا معشر قريش ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟قالوا خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال اليوم أقول لكم ما قال أخى يوسف من قبل: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ([50]).
وعفو النبي r عن وحشى بن حرب قاتل عمه حمزة رضى الله عنه: فحينما جاء إلى النبي r مع أحد وفود الطائف سأله رسول الله r: آنت وحشي؟ فقال: نعم، قال: أنتقتلتحمزة ؟ قال: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهكعني؟([51]).
هذه هي سماحة النبي r، و هذا هو عفو النبي r، سماحة و رحمة و عفو للبشرية كلها.
الحلم
الحلم لغة: مصدر حلم فلان أي صار حليما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ل م) الّتي تدلّ على ترك العجلة ، يقال: حلمت عنه أحلم فأنا حليم، قال ابن فارس: الحلم خلاف الطّيش، وقال الجوهريّ الحلم (بالكسر) الأناة، وقيل هو: الأناة والعقل وهو نقيض السّفه وجمعه أحلام وحلوم، وفي التّنزيل العزيز أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا. وقولك: حلم (بالضّمّ) يحلم حلما: أي صار حليما. وتقول: تحلّم (مشدّدا) أي تكلّف الحلم، كما تقول: حلّمه تحليما: أي جعله حليما. وأحلمت المرأة: إذا ولدت الحلماء، والرّجل المحلّم: الّذي يعلّم الحلم([52]).
قال الغزاليّ- رحمه اللّه تعالى-: الحليم: هو الّذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثمّ لا يستفزّه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال تعالى وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ .
وقال ابن منظور في معناه: والحليم في صفة اللّه عزّ وجلّ- معناه: الصّبور: وقيل: هو الّذي لا يستخفّه عصيان العصاة ولا يستفزّه الغضب عليهم، ولكنّه جعل لكلّ شي ء مقدارا فهو منته إليه .
وقيل حلم اللّه: هو تأخيره العقوبة عن المستحقّ لها، فيؤخّر العقوبة عن بعض المستحقّين. ثمّ قد يعذّبهم، وقد يتجاوز عنهم، وقد يعجّل العقوبة لبعضهم ([53]).
الحلم اصطلاحا:
اختلف في الحلم اصطلاحا على أقوال أهمّها:
الأوّل: قال الرّاغب: الحلم ضبط النّفس والطّبع عند هيجان الغضب.
الثّاني: قال الجاحظ: الحلم ترك الانتقام عند شدّة الغضب مع القدرة على ذلك .
الثّالث: قال الجرجانيّ: الحلم هو الطّمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظّالم (أي مجازاته بظلمه).
الرّابع: قال ابن المناويّ: الحلم هو احتمال الأعلى الأذى من الأدنى أو رفع المؤاخذة عن مستحقّها بالجناية في حقّ مستعظم. أو هو رزانة في البدن يقتضيها وفور العقل([54]).
والحلم صفة لله تعالى، قال تعالى:] لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [ ([55])، و يقول تعالى:] قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [ ([56])، و يقول تعالى:] إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [([57]).
وقد بدا هذا الخلق جلياً في أحاديث النبي r، فعن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه r: «التّأنّي من اللّه، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من اللّه، وما من شي ء أحبّ إلى اللّه من الحلم»([58])
وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ r يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول اللّه r: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا». ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه»، قالوا: يا رسول اللّه، إلّا أمثل من سنّه، فقال: «أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ([59]).
وعن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ r يحكي: «نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ([60]).
عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: كنت أمشي مع رسول اللّه r، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول اللّه r قد أثّرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال اللّه الّذي عندك، فالتفت إليه رسول اللّه r ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء» ([61]).
و في غزوة بنى قينقاع نرى موقف النبي r من المنافقين عامة ومن عبد الله بن أبى بن سلول خاصة ينم عن حلم الأنبياء، ففى هذه الغزوة أَلَحَّ هذا المنافق على النبي r أن يعفو عن اليهود رغم ما صنعوا من غدرهم بالنبي r والمسلمين، ولَمَّا أبطأ النبي r في الرد عليه، أدخل يده في جيب النبي r ودرعه، فقال له النبي r: أرسلني، حتى تغير وجه النبي r، ثم قال النبي r مرة أخرى: ويحك أرسلني، وهو يقول لا والله حتى تحسن في موالي، إلى أن وهبه النبي r أمرهم، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة([62]).
ففى هذه القصة نجد حلم النبي rجلياً حتى مع هذا المنافق، فقد فعل ما لم يفعله أحد من الصحابة من التطاول على النبي r وهو يضع يده على جسد النبي r الشريف ويغلظ له في القول والنبي r في حلم مما يصدر من هذا المنافق مع قدرته على رده.
فهل ثَمَّ ملك تستطيع رعيته أن تفعل معه مثل هذا ؟! فما بالنا بمنافق معلوم النفاق يكيد للإسلام والمسلمين حقداً عليهم، ويؤلب الناس عليهم، ثم يكون الصنيع معه هكذا، ولا يخذله النبي r أمام مواليه من اليهود.
وفي غزوة بنى قريظة كادت تحدث فتنة بين المهاجرين والأنصار فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أنه قال: (كنا في غزاة - قال سفيان مرة: في جيش - فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار،فقال الأنصارى: يا للأنصار، وقال المهاجرى: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول اللهr فقال: ما بال دعوى جاهلية، قالوا: يا رسول الله، كسعرجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: دعوها فإنهامنتنة، فسمع بذلك عبد الله بن أبى فقال: فعلوها، أما واللهلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي r،فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي r: دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)([63]
الرفق
الرفق لغة: أصل المادّة يدلّ على موافقة ومقاربة بلا عنف، يقول ابن فارس: الرّاء والفاء والقاف أصل واحد يدلّ على موافقة ومقاربة بلا عنف، فالرّفق خلاف العنف. وفي الحديث «إنّ اللّه- جلّ ثناؤه- يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» هذا هو الأصل، ثمّ يشتقّ منه كلّ شي ء يدعو إلى راحة وموافقة. ويقول اللّيث: الرّفق: لين الجانب، ولطافة الفعل، وصاحبه رفيق، وقد رفق يرفق، وإذا أمرت قلت: رفقا، ومعناه: ارفق رفقا.
واصطلاحا:
هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدّ العنف([64]).
قال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ الرّفق محمود ويضادّه العنف والحدّة. والعنف نتيجة الغضب والفظاظة،والرّفق واللّين نتيجة حسن الخلق والسّلامة، وقد يكون سبب الحدّة الغضب وقد يكون سببها شدّة الحرص واستيلاؤه بحيث يدهش عن التّفكّر ويمنع من التّثبّت فالرّفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلّا حسن الخلق، ولا يحسّن الخلق إلّا بضبط قوّة الغضب وقوّة الشّهوة وحفظهما على حدّ الاعتدال. ولأجل هذا أثنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الرّفق وبالغ فيه، قال سفيان الثّوريّ لأصحابه: «تدرون ما الرّفق؟». قالوا: قل يا أبا محمّد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشّدّة في موضعها واللّين في موضعه والسّيف في موضعه والسّوط في موضعه. وهذه إشارة إلى أنّه لا بدّ من مزج الغلظة باللّين والفظاظة بالرّفق، كما قيل:
ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى.
فالمحمود وسط بين العنف واللّين كما في سائر الأخلاق، ولكن لمّا كانت الطّباع إلى العنف والحدّة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرّفق أكثر، فلذلك كثر ثناء الشّرع على جانب الرّفق دون العنف ([65])
وقال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: ومن أسمائه تعالى:" الرّفيق" في أفعاله وشرعه. ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئا بعد شي ء وجريانها على وجه السّداد واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارا ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم وأسرار لا تحيط بها العقول، وهو تعالى يحبّ من عباده أهل الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف. والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقا في أموره متأنّيا، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت ([66]).
و قد وردت آيات القرآن الكريم لتؤكد على الرفق، يقول تعالى:] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ ([67]), ويقول تعالى: ]اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣)فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [ ([68]).
كما جاءت الأحاديث النبوية لتؤكد على الرفق فعن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ r، فقالوا: السّامّ عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم اللّه وغضب اللّه عليكم.قال r: «مهلا يا عائشة عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش». قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟. قال: «أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ» ([69]).
و عن عائشة زوج النّبيّ r عن النّبيّ r قال: «إنّ الرّفق لا يكون في شي ء إلّا زانه، ولا ينزع من شي ء إلّا شانه» ([70]).
وعن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: سمعت من رسول اللّه r يقول في بيتي هذا: «اللّهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» ([71]).
وعن أبي الدّرداء- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ r قال: «من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق حرم حظّه من الخير» ([72]).
وعن جرير- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ r قال: «من يحرم الرّفق يحرم الخير»([73]).
وعن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّ رسول اللّه r؛ قال لها: «يا عائشة أرفقي فإنّ اللّه إذا أراد بأهل بيت خيرا دلّهم على باب الرّفق»([74]).
وعن عائشة- رضي اللّه عنها- زوج النّبيّ r؛ أنّها قالت للنّبيّ r: «هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟». قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني»، فقال: إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث اللّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد. فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النّبيّ r: «بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه وحده لا يشرك به شيئا»([75]).
وعن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول اللّه r يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون»([76]).
حينما بعث النبي rبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، أمرهم بالتيسير والرفق بالقوم قائلاً: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولاتختلفا" ([77]).
آيات القرآن الكريم التي تدعو إلى التسامح:
لقد وردت في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدعو إلى التسامح، يقول تعالى:] وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [ ([78] و يقول تعالى:] فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [ ([79]) ، ويقول تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [ ([80]), ويقول تعالى: ]خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ ([81]),
ويقول تبارك وتعالى: ]وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ ([82]).ويقول تعالى: ]وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[([83])، و يقول تعالى:] الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ ([84]).
و يقول تبارك و تعالى:] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ[([85]), ويقول تبارك وتعالى: ]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [ ([86]),ويقول تبارك وتعالى: ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [ ([87]).
و يقول تعالى: ]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ ([88])
و يقول تبارك و تعالى:] وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[([89])
و يقول تبارك وتعالى: ]وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [ ([90]), و يقول تبارك وتعالى: ]ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [ ([91]).
و يقول تعالى: ]فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [ ([92]و يقول تعالى:]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[([93]) .
و يقول تبارك وتعالى:] لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ ([94]و يقول تعالى: ]الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [([95]).
هذه هي بعض الآيات القرآنية التي تدعو و تحث على التسامح و الإخاء الإنساني، فقد شمل الإسلام بتسامحه و يسره ورفقه الناس جميعاً – بصرف النظر عن عقيدتهم -, فتسامح معهم في كثير من القضايا والأحكام, ومنحهم كثيراً من الحقوق الإنسانية.
الأحاديث النبوية التي تدعو إلى التسامح
لقد وردت الكثير من الأحاديث النبوية التي تدعو إلى التسامح و تحث عليه, فعن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: قيل لرسول اللّه r: أيّ الأديان أحبّ إلى اللّه. قال r: «الحنفيّة السّمحة»([96]).
و عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه r: «اسمح يسمح لك»([97]).
و عن أبي بكر- رضي اللّه عنه- قال: أصبح رسول اللّه r ذات يوم فصلّى الغداة ثمّ جلس، حتّى إذا كان من الضّحى ضحك رسول اللّه r، ثمّ جلس مكانه حتّى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كلّ ذلك لا يتكلّم، حتّى صلّ العشاء الآخرة، ثمّ قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا تسأل رسول اللّه r ما شأنه؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قطّ، قال: فسأله، فقال: «نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس ([98]) بذلك، حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر، اصطفاك اللّه عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك، قال: لقد لقيت مثل الّذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح ] إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ[ ([99])، قال فينطلقون إلى نوح عليه السّلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك اللّه واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديّارا، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام، فإنّ اللّه عزّ وجلّ اتّخذه خليلا، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ اللّه عزّ وجلّ كلّمه تكليما، فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكنانطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم فيشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ، قال: فينطلق، فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه، فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: ائذن له وبشّره بالجنّة، قال فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدا قدر جمعة، ويقول اللّه- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيذهب ليقع ساجدا، فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه»، فيفتح اللّه- عزّ وجلّ- عليه من الدّعاء شيئا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ، خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون، ثمّ يقال: ادعو الأنبياء، قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء، فيشفعون لمن أرادوا، وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال: يقول اللّه عزّ وجلّ-: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئا، قال: فيدخلون الجنّة، قال: ثمّ يقول اللّه- عزّ وجلّ انظروا في النّار هل تلقون من أحد عمل خيرا قطّ؟ قال: «فيجدون في النّار رجلا. فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء، فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثمّ يخرجون من النّار رجلا فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الرّيح، فو اللّه لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدا! فقال اللّه- عزّ وجلّ-: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله، قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟ قال: وذاك الّذي ضحكت منه من الضّحى» ([100]).
وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ r قال: «أفضل المؤمنين رجل سمح البيع، سمح الشّراء، سمح القضاء، سمح الاقتضاء»([101]).
و عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه r: «دخل رجل الجنّة بسماحته قاضيا ومتقاضيا»([102]).
وعن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه r قال: «رحم اللّه رجلا سمحاإذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»([103]).
عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: إن نزول الأبطح ليس بسنّة. إنّما نزله رسول اللّه r لأنّه كان أسمح لخروجه إذا خرج) ([104]) .
وعن عمرو بن عبسة- رضي اللّه عنه- قال: أتيت رسول اللّه r فقلت: يا رسول اللّه، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد». قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام». قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده». قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن». قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت». قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-. قال: قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه». قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل؟ قال: «جوف اللّيل الآخر. ثمّ الصّلاة المكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلّا الركعتين حتّى تصلّي الفجر، فإذا صلّيت صلاة الصّبح فأمسك عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت الشّمس فإنّها تطلع في قرني شيطان، وإنّ الكفّار يصلّون لها»([105]).
وعن عبد اللّه بن أبي قتادة؛ أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه. ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آللّه؟ قال: آللّه. قال: فإنّي سمعت رسول اللّه r يقول: «من سرّه أن ينجيه اللّه من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه»([106]).
وعن حذيفة- رضي اللّه عنه- قال: أتى اللّه بعبد من عباده، آتاه اللّه مالا. فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال: يا ربّ! آتيتني مالك. فكنت أبايع النّاس. وكان من خلقي الجواز ([107]). فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال اللّه: أنا أحقّ بذا منك. تجاوزوا عن عبدي». فقال عقبة بن عامر الجهني، وأبو مسعود الأنصاريّ: هكذا سمعناه من في رسول اللّه r ([108])
وعن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه r: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار، أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل»([109])
وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ r قال: «إنّ الدين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشي ء من الدّلجة»([110]).
وعن أبي مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه r : «حوسب رجل ممّن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شي ء إلّا أنّه كان يخالط النّاس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال: قال اللّه- عزّ وجلّ-: نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه»([111]).
من فوائد التسامح و السماحة
(1) يحبّها اللّه ورسوله والملائكة المقرّبون.
(2) يضفيها اللّه على وجوه المؤمنين لتكون لهم علامة مميّزة في الدّنيا والآخرة.
(3) السّمح محبوب لدى أهله ومجتمعه.
(4) السّماحة في البيع والشّراء باب عظيم من أبواب كسب الرّزق وتكثيره.
(5) السّماحة تجلب التّيسير في الأمور كلّها.
(6) بالسّماحة يغنم الإنسان أكبر قدر من السّعادة وهناءة العيش.
(7) يجلب سمح النّفس الخير الدّنيويّ حيث يميل النّاس إلى التّعامل معه فيكثر عليه الخير بكثرة محبّيه والمتعاملين معه .
(8) السّماحة في التّعامل مع أصحاب الدّيانات الأخرى تجلب لهم الطّمأنينة والأمن فيؤدّي ذلك إلى حبّهم للمتسامحين معهم ومعاونتهم ثمّ الدّخول في هذا الدّين الّذي يقرّ مبدأ التّسامح مع الآخرين وقد حدث ذلك عقب الفتوح الإسلاميّة ([112]).
لقد كان الإسلام هو دين التسامح و الإخاء الإنساني على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. و قد قال الشّيخ محمّد الصّادق عرجون تحت عنوان: «سماحة المعاملة في تصرّفات القادة والأمراء في فتوح الشّام»: والنّاظر في تصرّفات قادة الفتوحات الإسلاميّة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمرائه وولاته وتلاميذهم من التّابعين وتابعيهم يرى أنّهم كانوا أحرص على الرّفق والسّماحة في تنفيذ العهود والمصالحات ممّا جعل المعاهدين والمصالحين يتعاونون مع المسلمين في صدق وإخلاص؛ نتيجة لما رأوه من العدالة الرّحيمة في معاملة المسلمين لهم.
وقال الشّيخ: تطبيق سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره. وفي هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة أوضح إجابة عن تساؤل المتسائلين عن أسباب السّرعة الهائلة الّتي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظلّه الظّليل. ويتجلّى إبراز هذه المبادئ في أمور:
أوّلا: أنّ هذه المبادئ السّمحة الرّاشدة تنقض الفكرة المتعنّتة الجاحدة الّتي يردّدها أعداء الإنسانيّة، بتصوير فتوحاته غزوا مادّيّا لنهب ثروات الأمم، واغتصاب خيراتها وحرمانها من نعم اللّه عليها فيما أنعم به من مصادر الثّروة الاقتصاديّة. وتصوير هذه الفتوحات بأنّها إكراه للنّاس بقوّة السّلاح على الدّخول في دين الإسلام. لأنّ النّظرة العابرة، بله النّاقدة الفاحصة، في فتوحات الإسلام، تردّ ذلك وتدفع في صدر زاعميه؛ لأنّ هذه الفتوحات، كما دوّنها التّاريخ الصّادق بأقلام جهابذته من أبناء الإسلام، أو غيرهم من طلّاب الحقائق الّذين ينشدونها في مقارّها من واقع الأحداث، مهما كلّفهم ذلك من تعب ومشقّة، أصدق شاهد على عدالة الإسلام وسماحته([113]).
فهذا أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الأمّة الإسلاميّة، وعظيم فتوح المصالحات. نقرأ في مصالحاته لأهل الشّام أنّه صالحهم على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة، لا يهدم منها شي ء، ولا يغيّر من معالمها شي ء. وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم.
وصالحهم على الدّفاع عنهم وحمايتهم من اعتداء من يهمّ بالاعتداء عليهم. وصالحهم على أنّ من قاتلهم أوناوأهم وجب على المسلمين أن يقاتلوه دونهم، ويدفعوه عنهم بقوّة السّلاح. فهل هذه المبادأ الّتي تلزم المسلمين أن يحافظوا على معابد أهل الذّمّة والمعاهدين داخل المدن وخارجها، وتلزمهم بحماية دمائهم أن تسفك والدّفاع عنهم. يمكن أن يشتمّ منها رائحة غزو ماديّ لنهب ثروات أو جمع أموال؟ أو يتصوّر فيها اعتداء على حرّية الأديان؟.
ثانيا: إنّ هذه المصالحات الّتي تعتمد على العدل والرّحمة. والّتي قامت على الرّفق بأهل الذّمّة كان لها أثرها الخطير الّذي استهدفه الإسلام من فتوحاته.
فقد رأى أهل الذّمّة وفاء المسلمين لهم بشروطهم، وشاهدوا حسن سيرتهم فيهم، وجرّبوا معاملتهم، فوقفوا معهم مخلصين، وصاروا عونا للمسلمين على أعدائهم، فكانوا يخبرونهم بأحوال أعدائهم، ليكونوا منهم على حذر واستعداد لملاقاتهم.
بهذه المعاملة السّمحة، وبهذه السّماحة في المعاملة فتحت بلاد الشّام، ولم تكن هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة في معاملة أهل الذّمّة هي منهج أبي عبيدة وحده، بل كانت المنهج الّذي أقام الإسلام دعائمه، وثبّت في شريعته أعلامه. وأعلى في آفاقها منائره، فهو ليس منهجا خاصّا لأمير فتح المصالحة أبي عبيدة توصّل إليه باجتهاده، وفرضه على ولاته الّذين عملوا تحت إمرته؛ وإنّما هو منهج عامّ في شريعة الإسلام؛ ينبع من مصدريها الأصيلين: القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة ([114]).
الفصل الأول
التسامح الإسلامي و الحرية الدينية
إن من أروع مظاهر التسامح و الإخاء الإنساني في الإسلام هى الحرية الدينية. فقد اختار الله سبحانه وتعالى الإنسان من بين سائر خلقه، واستخلفه في الأرض ليقوم بعمارتها، ولم يتركه سُدى، بل أرشده كيف يقوم بهذه المهمة الأساسية رعاه بالوحي بإرسال الرسل والأنبياء، وإنزال الكتب والصحف، وبيّن له الصراط المستقيم في الحقوق والواجبات، وكل هذا لتحقيق مصالح الناس، و هذه المصالح لا تتحقق والمفاسد لا تدرأ إلا بتوفير ما اصطلحوا على تسميته الكليات الخمس، أو الضروريات الخمس ([115]) ، التي لا تستقيم الحياة وتستقر وتستمر بدونها، وهي: الدين، والنفس ، والعقل، والنسل ، والمال.
ومن بين هذه المصالح الدين، أي الدين الحق - الإسلام -، لأنه المعتبَر عند الله دون غيـره ]إن الدين عند الله الإسلام[، ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [([116])، ولذلك فقد منع الله تعالى بحكمته إجبار الناس على اتباع هذا الدين الحق، أو إكراههم على الدخول فيه:] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ ([117],بل منح الإنسان حرية الاختيار في ذلك: ]وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [[118]
وفي تاريخ الإنسانية الطويل وقعت أحداث كثيرة بسببها سُلب هذا الحق من الإنسان في فترات عديـدة، مثل ما فعل فرعون حيث تسلط باسم الدين على عقول الناس، وحجر على ملكة الفكر كما نقرأ في قوله تعالى: ]وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ [ ([119]). لذلك أرسل الله تعالى رسله إلى الناس لرفع هذا التسلط وتحرير العقول. و جاء قوله تعالى: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ ([120])مُعْلِنا هذه الحرية إلى قيام الساعة، وفي ظل هذا المبدأ القرآني عاش الناس في الدولة الإسلامية عبر القرون بأمان وسلام بدون إكراه أو اضطهاد.
وفي القرن العشرين جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 1948م. لتنص المادة (18) منه على: "لكل شخص الحق في حرية التفكير، والضمير، والدين، ". وجاء بعده وثائق أخرى دولية في هذا الشأن. و قبل الحديث عن "الحرية الدينية"، لابد من توضيح معنى الحرية, و معنى الدين,و ذلك على النحو التالي:
الحرية:
الحرية لغـة: قال ابن فارس: "الحاء والراء في المضاعف له أصلان: فالأول: ما خالف العبوديـة، وبرئ من العيب والنقص... والثاني: خلاف البرد".([121])
الحرية: الخلوص من الشوائب أو الرق أو اللؤم، وكون الشعب أو الرجل حُرًّا. ([122])
قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (1393هـ): "جاء لفظ الحرية في كلام العرب مطلقا على معنيين، أحدهما ناشئ عن الآخر.
المعنى الأول: ضد العبودية. وهي أن يكون تصرّف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرفا غير متوقف على رضا أحد آخر...
المعنى الثاني: ناشئ عن الأول بطريقة المجاز في الاستعمال، وهو تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض". ([123])
الحرية اصطلاحا: "تعني الحرية - عادة - المَلَكَة الخاصة التي تميز الكائن الناطق عن غيره، وتمنحه السلطة في التصرف والأفعال عن إرادة ورويّة دون إجبار أو إكراه أو قصر خارجي، لأن الإنسان الحر ليس بعبد ولا أسير مقيّـد، وإنما يختار أفعاله عن قدرة واستطاعة على العمل أو الامتناع عنه دون ضغط خارجي، ودون الوقوع تحت تأثير قوى أجنبية".([124]) فالحرية هى: الحالة التي يستطيع الأفراد فيها أن يختاروا ويقروا بوحي من إرادتهم، ودونما أية ضغوط من أي نوع عليهم([125]).
الدين
الدين لغة: هو الطاعة والقهر الخضوع والذل التعبد والمجازاة والملك والاقتراض ([126])، فالدين لغة علاقة بين طرفين، الطرف الأول يتمتع بالسلطان والقوة والملك والجبروت والحكم وحق القهر والمحاسبة والمجازاة، والطرف الثاني يقف في الجانب الآخر بالخضوع والطاعة والذل والاستكانة والعبادة والورع، والعلاقة بين الطرفين هي الدين أو المنهج أو الطريقة التي تحدد علاقة الأول بالثاني وبالعكس ([127]).
والدين في الاصطلاح : " هو وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقاد، وإلى الخير في السلوك والمعاملات "، أو أنه " وضع إلهي سائق لذي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل " ([128]).
والدين الحق مصلحة ضرورية للناس، لأنه ينظم علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان ومجتمعه، ولأن الدين الحق يعطي التصور الرشيد عن الخالق، والكون، والحياة، والإنسان، وهو مصدر الحق والعدل، والاستقامة، والرشاد ([129]).
لقد أرسى الإسلام مبدأ الحرية الدينية، وحرية الاعتقاد منذ فجر البعثة المحمدية. فالعقيدة أمر فطري ونزعة أصلية في نفس الإنسان، فالدين فطرة في النفس البشرية، والفطرة هي الطبيعة التي خلقها الله في جميع البشر حيث يقول المؤرخ الفرنسى "هنرى برجون" "لقد وجدت جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكن لم توجد جماعة بغير معابد ([130]). فالدين هو أحد السمات الرئيسية التى ميزت الإنسان عن غيره من الكائنات، فالديانة أكبر عامل في الحياة الإنسانية، وما هى إلا الاعتقاد المسيطر على ذهن الإنسان من أن هناك قوى تحيط بالإنسان وتؤثر فيه. فالإنسان لم يرد فقط أن يلجأ إلى سند يحميه بل أراد أن يوجد لنفسه معبوداً إذا ما فكر فيه سما بنفسه فوق كل ما ينتابه من اضطرا بات مختلفة في حياته اليومية. ولقد دفعت الطبيعة البشرية الإنسان دائماً أن يخلق لنفسه معبودات أعطى لها أشكالاً مختلفة، وقد أندفع في هذا المضمار اندفاعاً لا إرادياً ([131]).
إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض ([132]). لأن الإسلام يؤمن بالتعدد و الاختلاف ([133])، فالاختلاف بين الناس في شؤون دينهم أو دنياهم أمر قديم، وسيبقى قائماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ([134]).
فالاختلاف سنة من سنن الله في خلقه؛ يقول سيد قطب: "إن من طبيعة الناس أن يختلفوا؛ لأن هذا الاختلاف أصل من أصول خلقتهم؛ يحقق حكمة عليا من استخلاف هذا الكائن في الأرض.. إن هذه الخلافة تحتاج إلى وظائف متنوعة، واستعدادات شتى من ألوان متعددة؛ كي تتكامل جميعها وتتناسق، وتؤدي دورها الكلي في الخلافة والعمارة، وفق التصميم الكلي المقدر في علم الله. فلا بد إذن من تنوع في المواهب يقابل تنوع تلك الوظائف؛ ولا بد من اختلاف في الاستعدادات يقابل ذلك الاختلاف في الحاجات([135]). يقول تبارك و تعالى: ]وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨)إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [ ([136]).
و لذلك لم يفرض الإسلام على النصرانى أن يترك نصرانيته، أو على اليهودى أن يترك يهوديته، بل طالب كليهما ـ مادام يؤثر دينه القديم ـ أن يدع الإسلام وشأنه، يعتنقه من يعتنقه، دون تهجم مر أو جدل سئ([137])
الحرية الدينية في القرآن الكريم
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى المجال للإنسان في هذه الحياة ليمارس حرية الرأي والمعتقد، فلم يفرض عليه الإيمان به عنوة، بل أنار له طريق الهداية، وترك له حرية الاختيار، يقول تعالى: ]إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [ ([138]), و يقول تعالى: ]وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [ ([139]).
ولم يسمح الله تعالى حتى لأنبيائه أن يصادروا من الإنسان حرية رأيه واختياره، فهم يعرضون رسالة الله على الناس، دون فرض أو إكراه ]فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [ ([140])،] وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [ ([141]).
و لقد استنكر الإسلام فكرة القهر كما نفى القدرة البشرية على الإكراه أو التكليف به، و بالتالي فقد أرسى الإسلام مبدأ النهى عن الإكراه لإدخال الناس فيه، و جعل الدعوة إلي الإسلام بالحجة و البرهان بديلاً عن الإكراه.
لقد وضع الإسلام قواعد واضحة للعائلة البشرية، لذلك احترم الإسلام حرية العقيدة احتراما كاملا، فمنع الإكراه في الدين، إذ نفى القران الكريم بالنص أن يكون الإكراه طريقا للدين، و منع المؤمنين من أن يكرهوا أحدا على الدين, ومنع النبي rبهذا النص المانع. ([142])يقول عز وجل: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [[143]
يقول ابن كثير: أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام, فإنه بيّن واضح, جلي دلائله وبراهينه, لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه, بل من هداه الله للإسلام, وشرح صدره, ونور بصيرته, دخل فيه علي بينة, ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره, فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً, وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار, وإن كان حكمها عاماً(([144])). و عن ابن عباس, قال: كانت المرأة تكون مقلاة, فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده, فلما أجليت بنو النضير, كان فيهم من أبناء الأنصار, فقالوا: لا ندع أبناءنا, فأنزل الله عز وجل]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [([145])
إنقضية العقيدة - كما جاء بها هذا الدين - قضية اقتناع بعد البيان والإدراك ;وليستقضية إكراه وغصب وإجبار. ولقد جاء هذا الدين يخاطب الإدراك البشري بكل قواهوطاقاته.يخاطب العقل المفكر، والبداهة الناطقة، ويخاطب الوجدان المنفعل، كمايخاطبالفطرة المستكنة. يخاطب الكيان البشري كله، والإدراك البشري بكل جوانبه ;فيغير قهر حتى بالخارقة المادية التي قد تلجئ مشاهدها إلجاءً إلى الإذعان، ولكنوعيهلا يتدبرها وإدراكه لا يتعقلها لأنها فوق الوعي والإدراك.وإذاكان هذا الدين لا يواجه الحس البشري بالخارقة المادية القاهرة، فهو من بابأولىلا يواجهه بالقوة والإكراه ليعتنق هذا الدين تحت تأثير التهديد أو مزاولةالضغطالقاهر والإكراه بلا بيان ولا إقناع ولا اقتناع ([146]).
وكانتالمسيحية - آخر الديانات قبل الإسلام - قد فرضت فرضا بالحديد والنارووسائلالتعذيب والقمع التي زاولتها الدولة الرومانية بمجرد دخول الإمبراطورقسطنطينفي المسيحية. بنفس الوحشية والقسوة التي زاولتها الدولة الرومانية من قبلضدالمسيحيين القلائل من رعاياها الذين اعتنقوا المسيحية اقتناعاً وحباً ! ولم تقتصروسائلالقمع والقهر على الذين لم يدخلوا في المسيحية ; بل إنها ظلت تتناول في ضراوةالمسيحيينأنفسهم الذين لم يدخلوا في مذهب الدولة ; وخالفوها في بعض الاعتقادبطبيعةالمسيح !فلماجاء الإسلام عقب ذلك جاء يُعلن - في أول ما يُعلن - هذا المبدأ العظيمالكبير: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ ([147]).
وفيهذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان ; واحترام إرادته وفكره ومشاعره ; وتركأمرهلنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه..وهذههي أخص خصائص التحرر الإنساني([148]).
إنحرية الاعتقاد هي أول حقوق "الإنسان" التي يثبت له بها وصف "إنسان". فالذييسلبإنساناً حرية الاعتقاد، إنما يسلبه إنسانيته ابتداءً.. ومع حرية الاعتقادحريةالدعوة للعقيدة، والأمن من الأذى والفتنة. وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلوللهافي واقع الحياة.والإسلام - وهو أرقى تصور للوجود وللحياة، وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلامراء - هو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين ; وهو الذي يبين لأصحابه قبل سواهمأنهمممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين.. فكيف بالمذاهب والنظم الأرضيةالقاصرةالمعتعسفة وهي تفرض فرضا بسلطان الدولة ; ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة ?!([149])
والتعبيرهنا يرد في صورة النفي المطلق: (لا إكراه في الدين).. نفي الجنس كمايقولالنحويون.. أي نفي جنس الإكراه. نفي كونه ابتداء. فهو يستبعده من عالمالوجودوالوقوع. وليس مجرد نهي عن مزاولته. والنهي في صورة النفي - والنفي للجنس - أعمق إيقاعاً و دلالة.ولايزيد السياق على أن يلمس الضمير البشري لمسة توقظه، وتشوقه إلى الهدى،وتهديهإلى الطريق،وتبينحقيقة الإيمان التي أعلن أنها أصبحتواضحةوهو يقول: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [
هذه هي قاعدة النظام الرباني الذي جاء به الإسلام. وعلى هذه القاعدة يقوم نظام أخلاقي نظيف تكفل فيه الحرية لكل إنسان، حتى لمن لا يعتنق عقيدة الإسلام، وتصان فيه حرمات كل أحد حتى الذين لا يعتنقون الإسلام، وتحفظ فيه حقوق كل مواطن في الوطن الإسلامي أيا كانت عقيدته. ولا يكره فيه أحد على اعتناق عقيدة الإسلام، ولا إكراه فيه على الدين إنما هو البلاغ.
جاهد الإسلام ليقيم هذا النظام الرفيع في الأرض ويقرره ويحميه. وكان من حقه أن يجاهد ليحطم النظم الباغية التي تقوم على عبودية البشر للبشر، والتي يدعي فيها العبيد مقام الألوهية ويزاولون فيها وظيفة الألوهية - بغير حق - ولم يكن بد أن تقاومه تلك النظم الباغية في الأرض كلها وتناصبه العداء. ولم يكن بد كذلك أن يسحقها الإسلام سحقاً ليعلن نظامه الرفيع في الأرض.. ثم يدع الناس في ظله أحراراً في عقائدهم الخاصة. لا يلزمهم إلا بالطاعة لشرائعه الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والدولية. أما عقيدة القلب فهم فيها أحرار. وأما أحوالهم الشخصية فهم فيها أحرار، يزاولونها وفق عقائدهم؛ والإسلام يقوم عليهم يحميهم ويحمي حريتهم في العقيدة ويكفل لهم حقوقهم، ويصون لهم حرماتهم، في حدود ذلك النظام.
و لم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة؛ ولم ينتشر السيف على هذا المعنى كما يريد بعض أعدائه أن يتهموه! إنما جاهد ليقيم نظاماً آمناً يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعاً، ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته .([150])
فالإيمانهو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخاه ويحرص عليه. والكفر هو الغيالذيينبغي للإنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به.والأمركذلك فعلا. فما يتدبر الإنسان نعمة الإيمان، وما تمنحه للإدراك البشريمنتصور ناصع واضح،، وما تمنحه للقلب البشري من طمأنينة وسلام، وما تثيره فيالنفسالبشرية من اهتمامات رفيعة ومشاعر نظيفة، وما تحققه في المجتمع الإنساني مننظامسليم قويم دافع إلى تنمية الحياة وترقية الحياة.. ما يتدبر الإنسان نعمةالإيمانعلى هذا النحو حتى يجد فيها الرشد الذي لا يرفضه إلا سفيه، يترك الرشد إلىالغي،ويدع الهدى إلى الضلال، ويؤثر التخبط والقلق والهبوط والضآلة على الطمأنينةوالسلاموالرفعة والاستعلاء !([151])
لقد أصبح الإنسان حراً حتى أمام أخطر القضايا شأناً، فله أن يختار ما يعتقد، و أن يتقبل عقيدة الحق إن شاء أو يرفض، فحرية الاعتقاد مكفولة في هذا الدين، فالإسلام قد طلب أن يكون الإيمان بهذا الدين عن طريق المعرفة و الإقناع، لا عن طريق التقليد و الإكراه ([152]). فالإسلام لا يقهر الآخرين على اعتناقه، بل إنه لا يكتمل إيمان المسلم إلا بإيمانه بجميع رسل الله و أنبيائه دون تفريق بينهم، و الإيمان بما جاءوا به من الكتب، يقول عز وجل:] آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [ ([153]).
فالأديان السماوية جميعها تعد – في نظر الإسلام – حلقات متصلة لرسالة واحدة جاء بها الأنبياء و الرسل من عند الله على مدى التاريخ اﻹنسانى. و من أجل ذلك يمتاز الموقف الإسلامى في أي حوار ديني بأنه منفتح على الآخرين و متسامح إلى أبعد الحدود، فقد أقر الإسلام منذ البداية التعددية الدينية و الثقافية و صارت هذه التعددية من العلامات المميزة في التعاليم الإسلامية، و الأمثلة على ذلك كثيرة و متعددة، فقد تأسس مجتمع المدينة المنورة بعد هجرة الرسول r إليها على التعددية الدينية و الثقافية و مارس المسلمون ذلك – من بعده – عمليا على مدى تاريخهم الطويل.([154])
و لقد خاطب القرآن الكريم أهل الديانات السماوية السابقة، و هم اليهود و النصارى، بألطف العبارات و أجمل الألفاظ فكان وصفهم دائما بلفظ (يا أهل الكتاب)، حيث وردت في واحد و ثلاثين موضعا، و خاطبهم أيضا بلفظ (الذين أوتو الكتاب) و ذلك في ثلاثين موضعاً، و هذا الخطاب فيه الاحترام الكبير.
إن هذا الدين الإسلامي لا إكراه على الدخول فيه، لكمال هدايته، و لوضوح إرشاداته، و لسماحة توجيهاته، فآياته يتضح بها الحق من الباطل، و الهدى من الضلال، فمن يكفر بكل ما عبد من دون الله، و يؤمن بوحدانية الله – تعالى – و بقدرته، فقد ثبت و استقام على الطريقة المثلي،واستمسك من الدين بأقوى سبب لا انقطاع له.([155])
فالدين الإسلامي لم يعتمد على منطق العنف المادي أو الإكراه المعنوي كأساس أو سبيل يسلكه في دعوته الناس كافة للإيمان به و اعتناقه بل أقام دعواه للناس إلى سبيل الله على الحكمة و الموعظة الحسنة وفقا للأمر اﻹلهى الصادر في قوله عز وجل:] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [([156])
إن الإسلام يترك أمر هذا الاختلاف في العقيدة لنظر الخالق تعالى وتقديره وحكمه، يقول سبحانه و تعالى: ]وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ[([157]) .
فلقد جاء الإسلام ليبين للناس طريق الهداية و الفوز برضوان الله، فدعاهم إلى اعتناقه بمنطق السماحة و الحرية و الاختيار بما لا تعرفه أية شريعة من الشرائع الوضعية تاركا بذلك لكل ذي عقل حصيف أن يتخير لنفسه ما يشاء بملء حريته (([158])). و لا يقف الإسلام عند حد تقرير المبدأ – لا إكراه في الدين – بل يمنع كائنا من كان أن يحاسب الكفار على كفرهم في الحياة الدنيا، بل جعل ذلك من حق الخالق وحده يحاسب عليه في الحياة الآخرة، يقول عز وجل: ]وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [ ([159])
و قال تعالى: ]و ما على الرسول إلا البلاغ المبين [أي: تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد شكا ولا شبهة، وقد فعل r، بلغ البلاغ المبين، وإنما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرسول ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته.([160])، فليس مسؤولاً عن إيمانكم، وليس مقصراً إذا أنتم توليتم. إنما أنتم المسؤولون المعاقبون بما توليتم وبما عصيتم وبما خالفتم عن أمر الله وأمر الرسول.([161])
بهذا يتحدد دور الرسول في هذه الدعوة. ودور كل داعية إليها بعده.. إنما أنت مذكر وحسابهم بعد ذلك على الله. ولا مفر لهم من العودة إليه، ولا محيد لهم من حسابه وجزائه. غير أنه ينبغي أن نفهم أن من التذكير إزالة العقبات من وجه الدعوة لتبلغ إلى الناس وليتم التذكير. فهذه وظيفة الجهاد كما تفهم من القرآن ومن سيرة الرسول سواء، بلا تقصير فيها ولا اعتداء..([162])
لقد قضى الإسلام على التعصب الديني الذي استشرى في كل المجتمعات و جر عليها ويلات كثير من الحروب، فالإسلام ينهى عن التعصب الديني و يأمر بالتسامح مع أهل الكتاب و لا يجيز التطاول عليهم، يقول عز وجل: ]وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [ ([163])، فالإسلام قد أباح مخالطة غير المسلمين و مساكنتهم و مؤاكلتهم، بل و السماح للمسلم بالزواج من الكتابيات، و كانت هذه المخالطة أحد أهم أسباب انتشار الإسلام في الماضي و الحاضر.
و حرية العقيدة لا تنفصل عن حرية ممارسة شعائرها و ما قضت به من أحكام لأنهما قسيمان متكاملان و متلازمان. فهذه الممارسة هي التي تنتقل بالعقيدة من مجرد الإيمان بها إلى التعبير عن محتواها بتطبيقها، إذ الإيمان كامن في النفوس و محفوظ في الصدور، و الممارسة هي المظهر الخارجي تكشف عنه و تدل عليه. فالتسليم بحرية العقيدة دون حرية ممارسة أحكامها و شعائرها يعنى إعدام حرية العقيدة بحبسها في الصدور. و مقتضى حرية العقيدة تمكين غير المسلمين من أهل الكتاب من أداء شعائرها الدينية في دور العبادة الخاصة بهم و السماح بإقامتها و ترميم ما يتهدم منها. و كتب التاريخ خير شاهد على ذلك سواء في ذلك ما كتبه المؤرخون المسيحيون و المؤرخون المسلمون. و لم يكتف الإسلام بكفالة حرية العقيدة و قسيمتها حرية الشعائر الدينية في خصوص العبادات بل تمتد هذه الحماية إلى أحكام المعاملات الواردة في الديانات السماوية السابقة على الإسلام، و لذلك صاغ الفقهاء القاعدة الذهبية الحكيمة في علاقة المسلمين بغيرهم و التي توضح هي التي أسندها الكاساني إلى حديث نبوي شريف، وهى قول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الحديث " فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين " ([164]) .
إن حرية التدين لا تتكون للرجل الحر من منع الإكراه فقط، بل لابد أن يكون أساس العقيدة تفكيرا سليما، يحكم العقل من غير تقـليد، و لا خضوع لأهواء جامحة مسيطرة، و بذلك تتكون حرية الاعتقاد من عناصر ثلاثة: أولها: تفكير حر غير مأسور بتعصب لجنسية أو تقليد، أو شهوة أو هوى، فكثيرا ما تحكم الأهواء و الجنسية باسم الدين. وثانيهما: منع الإغراء أو الإكراه للحمل على العقيدة، فليس بمتدين حر من يعتقد اعتقادا تحت تأثير إغراء المال أو المنصب أو الجاه، و إنه من أشد أنواع الإكراه تسليط المخدرات و المسكرات. و ثالثهما: العمل على مقتضى العقيدة و تسهيل ذلك لكل معتنق لدين من غير إرهاق([165]).
و قد حمى الإسلام هذه العناصر الثلاث، فمنع الإكراه و الإغراء ليتحرر الفكر، و منع التقليد، بل دعا الناس إلى النظر الحر في الكون و ما يشتمل عليه من أسرار، ليستنبطوا بالنظر عظمة الخالق المبدع، و لا تكاد تفتح المصحف حتى ترى نور القرآن بين يديك يحث على السير و النظر في الكون. و لقد نهى الإسلام عن التقليد الأعمى من غير دليل و لا برهان، فنعى على الذين يتبعون آباءهم من غير دليل، و قال سبحانه في ذلك: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [ ([166])، و يقول تعالى: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [ ([167])، و يقول عز وجل: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [ ([168])
فالإيمان يجب أن يكون عن طريق التفكير الحر لا عن طريق التقليد، و لما كان ذلك فقد نعى على المشركين التقليد، لأن التقليد و حرية العقيدة نقيضان، فالإيمان يجب أن ينبثق عن يقين و اقتناع لا عن تقلد و إتباع.و لحرية العقيدة جانب آخر و هو حرية غير المسلم في إقامة شعائره الدينية، و هو نتيجة حتمية تترتب على ما قرره الإسلام من إزالة الحقد و نفى الإكراه من جهة، و مبدأ إطلاق حرية الاختيار من جهة أخرى، فقد جعل الإسلام من حقوق الزوجة الكتابية على زوجها أن تتمتع بالبقاء على عقيدتها و القيام بفروض عبادتها. و لقد عمل الإسلام على حماية عقيدة الذين يستظلون بظله، أو يعقدون معه عهدا أو لا يثيرون عليه حربا، بل إنه سهل لهم القيام بشعائر دينهم، و قد قرر فقهاء المسلمين فيما استنبطوه من نصوص قرآنية و نبوية، و من أعمال الرسول r و صحابته قاعدة تقول: أُمرنا بتركهم و ما يدينون و بهذه القاعدة المجمع عليها من فقهاء المسلمين حميت حرية العقيدة في ظل الإسلام، فلا يضار غير المسلم فيما يعتقد، و يقيم شعائره الدينية حراً غير مضطرب.([169])
هذا هو دستور الإسلام و المسلمين – القرآن الكريم – يؤسس للتسامح و الحرية الدينية، و ذلك قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان.
الحرية الدينية في السنة النبوية
لقد حرص الرسول r و هو المعلم و القدوة على تطبيق حرية العقيدة - بما يتفرع عنها من مبادئ – بنفسه ليضرب بذلك المثل لمن بعده من أتباعه و إلى أن تقوم الساعة على صدق و مثالية منهج الإسلام في كفالة تلك الحرية و حماية حقوق الكافة بشأنها، و هو الأمر الذي توضحه عملا تطبيقات الرسول r.
ففي مجال قول الحق تبارك و تعالى:] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [([170])فقد رفض رسول الله r إكراه ولدين نصرانيين لأحد المسلمين - من الأنصار من بنى سالم بن عوف - في المدينة على الدخول في الإسلام رغما عن إرادتهما حيث أمر الرسولr أباهما أن يخلى سبيلهما، و ذلك برغم ما كان متوافرا لدى الرسول r من مقدرة على إجبارهما على اعتناق الإسلام، و الاحتفاظ بهما عنوة في المدينة، و توسل أبوهما إلى الرسول r ﻹنقاذهما من عذاب الآخرة و النار.و قال الطبري في سبب نزول هذه الآية، أن المرأة من الأنصار كانت تنذر إذا ولدت ولدا أن تجعله في اليهود تلتمس طول بقائه، قال: فجاء الإسلام و فيهم منهم فلما أجليت النضير، قالوا يا رسول الله: أبناؤنا و إخواننا فيهم، فسكت عنهم رسول الله r فانزل الله هذه الآية الكريمة.فقال رسول الله r قد خير أصحابكم فان اختاروكم فهم منكم و إن اختاروهم فهم منهم.([171])
إن حرية العقيدة حق أساسى لغير المسلمين، و قد طبق الرسول r هذا المبدأ. فعندما قدم وفد نجران على رسول الله r دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم فقال رسول الله r دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم ([172]).
و جاء في كتاب النبي r لأهل نجران: ((ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأرضهم وملتهم وغايبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته)) ([173]).
وجاء في كتابه r إلى أساقفة نجران: (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى الأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ومن تبعهم، ورهبانهم:إن لهم ما تحت أيديهم، من قليل وكثير من بِيَعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوارَ الله ورسوله. لا يُغَيَّر أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته. ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه. على ذلك جوار الله ورسوله أبدا ما نصحوا واصطلحوا فيما عليهم، غير مثقَلين بظلم ولا ظالمين).([174])
وقد جاء في كتابه r إلى ملوك حِمير: (وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم. ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يُردُّ عنها وعليه الجزية...).([175])
و لقد بلغ من تسامح الرسول r، أنه صالح اليهود وأقرهم على دينهم، ولم يكره rأحدا على الدخول في دينه، وإنما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا، فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وأنه رسول الله حقا، فهؤلاء أهل اليمن كانوا على دين اليهودية أو أكثرهم كما قال النبي r لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا ا لله» وذكر الحديث([176])، ثم دخلوا في الاسلام من غير رغبة ولا رهبة، وكذلك من أسلم من يهود المدينة وهم جماعة كثيرون غير عبد الله بن سلام،لم يسلموا رغبة في الدنيا ولا رهبة من السيف .
وهذا مثالي عملي رائع، طبقه الرسول الكريم r في تعامله مع من عاش معه من الذميين، بل إنه قد جاء في الكتاب الذي كتبه النبي r في أول قدومه المدينة ليرسم به منهجًا ودستورًا في التعامل «هذا كتاب من محمد النبي r بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم.. وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأَثِم فإنه لا يوتغ([177]) إلا نفسه وأهل بيته " ([178]). لقد أعلنت الصحيفة أن الحريات مصونة، كحرية العقيدة والعبادة ([179]).
و الحق الذي يجب الصدع به أن أعظم الشواهد الواقعية على حرية المعتقد في الإسلام هو ما يرى الآن وبعد فترة حكم دامت أربعة عشر قرناً ما يرى الآن من أماكن العبادة: الكنائس والمعابد والأديرة. منتشرة في كل مكان من بقاع العالم الإسلامي شرقاً وغرباً وهي شواهد عيان تنطق بحرية المعتقد التي جاء بها الإسلام فلو أن المسلمين كانوا كغيرهم من أتباع الملل والنِحل لما شوهد برج كنيسة واحد ولَمَا سُمِع صوت ناقوس.
وإذا كانت تطبيقات الدولة الإسلامية لهذه المبادئ الإسلامية، قد بلغت، وحققت قبل أربعة عشر قرنا الحد الذي يدهش له الكثيرون في عصرنا الحاضر.. من مثل تحرير جيش الفتح الإسلامى لمصر كنائس نصارى مصر من الاحتلال والاغتصاب الروماني، لا ليحولها إلى مساجد للمسلمين، وإنما ليردها للنصارى اليعاقبة يتعبدون فيها.. فإن عهد رسول الله r مع نصارى (نجران) قد بلغ الذروة في تعامل الدولة الإسلامية مع دور العبادة هذه إلى الحد الذي نص فيه على أن مساعدة الدولة الإسلامية لغير المسلمين في بناء دور عبادتهم هو جزء من واجبات هذه الدولة.. فليست الواجبات فقط هى السماح ببناء دور العبادة، وإنما هى أيضا الإعانة على بنائها، وأن غير المسلمين هم جزء أصيل في الأمة الواحدة، والرعية المتحدة لهذه الدولة، فإن واجباتها حيال دور عبادتهم هى ذاتها الواجبات حيال مساجد المسلمين، فجاء في هذا الميثاق مع نصارى " نجران": "... ولهم إن احتاجوا في مرمة بيعهم وصوامعهم، أو شيء من مصالح أمور دينهم إلى رفد (مساعدة) من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها، أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك دينا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله، وموهبة لهم، ومكرمة لله ورسوله عليهم "([180])
بل إن الرسول r ينهى عن استثارة مشاعر العداء لدى غير المسلمين، قال رسول الله r (لا يقولن أحدكم إني خير من يونس)([181])، وعن أبي هريرة –رضي الله عنه– قال (بينما يهودي يعرض سلعته، أعطى بها شيئاً كرهه، فقال: لا، والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه وقال: تقول، والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي r بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهداً فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي r حتى رأى في وجهه، ثم قال: لا تفضلوا بين أولياء الله. فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصقعتة يوم الطور، أم بعث قبلي ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى)([182]).
و من أبرز معالم التسامح و الحرية الدينية مكاتبات الرسول r للملوك. فقد جعلrالحوار طريقاً للدعوة إلى الله، و كانت مراسلة النبي r لملوك النصارى نوعاً من الحوار؛ لذلك فقد قام r بمكاتبة الملوك والأمراء، ففي أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله r من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام‏.
‏ كتابه rإلى النجاشي ملك الحبشة‏:‏
" ‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ هذا كتاب من محمد رسول الله إلى النجاشي، الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدي، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبه ولا ولداً، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم،] قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [،فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك‏ " ‏‏.‏
ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي r إلى النجاشي أخذه النجاشي، ووضعه على عينه، ونزل عن سريره على الأرض، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب، وكتب إلى النبي r بذلك، وهاك نصه‏:‏




" بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد‏:‏
فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسي، فورب السماء والأرض إن عيسي لا يزيد على ما ذكرت تُفْرُوقا، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابك، فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً، وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين‏" ‏‏([1]).‏
وكان النبي r قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم بهم على النبي r وهو بخيبر‏.
‏ وتوفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الهجرة بعد تبوك، ونعاه النبي r يوم وفاته، وصلي عليه صلاة الغائب[2]

([1]) صفى الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم ، دار الوفاء، الطبعة التاسعة عشرة، المنصورة، 2007م، ص: 305 .

([2]) صفى الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، ص: 306 .








([1])الآية (110) سورة آل عمران

([2])الآية (46) سورة العنكبوت

([3]) الآية (125) سورة النحل .

([4])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب.

([5]) الآية (4) سورة القلم .

([6]) الآية (107) سورة الأنبياء .

([7]) الآية (158) سورة الأعراف .

([8]) مثل دستور المدينة، و رسائله r إلى الملوك و الأمراء.

([9])محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي و الخلافة الراشدة،دار النفائس,الطبعة الخامسة،1405هـ، 1985م، ص: 488

([10]) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري تاريخ الرسل و الملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، الطبعة الثانية،القاهرة، الجزء الرابع، ص: 192 .

([11])الآية (8) سورة الممتحنة .

([12])ابن قيم الجوزية،زاد المعاد في هدى خير العباد، دار الفجر للتراث، القاهرة، 1420هـ - 1999م،المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص: 22.

([13])الآية (190) سورة البقرة .

([14]) هذه وصية أبو بكر الصديق ليزيد بن أبي سفيان لما بعثه إلى الشام، انظر السرخسى، شرح السير الكبير، قدم له د. عبد العظيم العناني، تحقيق: أبو عبد الله محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م، الجزء الأول، ص: 31، 32

([15]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول،دار الوسيلة للطبع و النشر، جدة، 1418هـ - 1998م، المجلد السادس، ص: 2287 .الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: د.حسين نصار، سلسلة التراث العربي، وزارة الإرشاد و الأنباء، الكويت، 1369هـ - 1969م، الجزء السادس ص : 484 .

([16]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2288 .

([17]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2288 .

([18])إعلان مبادئ بشأن التسامح اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين، باريس، 16 نوفمبر 1995

([19])د.عصام عبد الله، التسامح، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006م، ص: 21 .

([20])د.عصام عبد الله، التسامح، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006م، ص: 22 .

([21])د.عصام عبد الله، التسامح، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006م، ص: 24 .

([22]) الآية (1) سورة النساء .

([23]) الآية (81) سورة الكهف .

([24]) الآية (52) سورة الأعراف .

([25]) الآية (17) سورة البلد .

([26]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2061 .

([27]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2062 .

([28]) الآية (107) سورة الأنبياء.

([29]) الآيتان (49، 50) سورة الحجر.

([30]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق ، باب: ما جاء في قول الله تعالى: َ"وهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ".

([31]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الرجاء مع الخوف

([32]) أخرجه الترمذى في سننه، كتاب الدعوات، باب مغفرة الله لخطايا العبد إلا الشرك .

([33]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب - باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.

([34]) الآية (128) سورة التوبة.

([35]) الآية (4) سورة القلم.

([36]) أخرجه أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الأوسط .

([37]) أخرجه الحاكم في مستدركه، والطبري، تاريخ الأمم والملوك، الجزء الاول، ص: 520.

([38]) توماس كارلايل ، مكتبة مصر، الأبطال، 51، 52

([39])لين بول: رسالة في تاريخ العرب نقلا عن: عفيف عبد الفتاح طبارة: روح الدين الاسلامي، ص 438.

([40]) واشنجتون ايرفنج: حياة محمد، ص 72 .

([41]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2890 .

([42]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2891 .

([43]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السابع، ص: 2892 .

([44]) الآية (199) سورة الأعراف.

([45]) الآية (109) سورة البقرة.

([46]) الآية (85) سورة الحجر.

([47]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب المناقب باب صفة النبى

([48]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب الهبة باب قبول الهدية من المشركين

([49]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب الجهاد والسير باب من علق سيفه بالشجر فى السفر عند القائلة

([50]) سبيل الهدي والرشاد، الجزء الخامس، ص: 242 .

([51]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب المغازى باب قتل حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه

([52]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد الخامس، ص: 1735 .

([53]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد الخامس، ص: 1735 .

([54]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد الخامس، ص: 1736 .

([55]) الآية (225) سورة البقرة.

([56]) الآية (263) سورة البقرة.

([57]) الآية (155) سورة آل عمران.

([58])ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 118). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد

([59]) أخرجه البخاري في صحيحه

([60]) أخرجه البخاري في صحيحه

([61]) أخرجه البخاري في صحيحه .

([62]) صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دار الوفاء، 2007م، ص:218 .

([63]) أخرجه الإمام البخاري فى صحيحه كتاب التفسير باب قوله تعالى: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم

([64]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2157 .

([65]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2158 .

([66]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2158 .

([67]) الآية (159) سورة آل عمران.

([68]) الآيتان (43، 44) سورة طه.

([69])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب قول النبى يستجاب لنا في اليهود و لا يستجاب لهم فينا

([70])أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر و الصلة و الآداب، باب فضل الرفق

([71])أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الإمام العادل

([72])أخرجه الترمذى في سننه، كتاب البر و الصلة، باب ما جاء في الرفق

([73])أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر و الصلة و الآداب، باب فضل الرفق

([74])أخرجه أحمد في مسنده .

([75])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين و الملائكة في السماء فوافقت إحداها

([76])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان

([77]) أخرجه البخاري فى صحيحه كتاب الجهاد والسير باب ما يكره من التنازع والاختلاف فى الحرب

([78]) الآية (85) سورة الحجر.

([79]) الآية (89) سورة الزخرف.

([80]) الآية (219) سورة البقرة.

([81]) الآية (199) سورة الأعراف.

([82]) الآية (34) سورة فصلت.

([83]) الآية (109) سورة البقرة.

([84]) الآية (134) سورة آل عمران .

([85]) الآية (256) سورة البقرة .

([86]) الآية (285) سورة البقرة .

([87]) الآيات (1: 6) سورة الكافرون .

([88]) الآية (64) سورة آل عمران.

([89]) الآية (108) سورة الأنعام.

([90]) الآية (46) سورة العنكبوت.

([91]) الآية (125) سورة النحل.

([92]) الآية (15) سورة الشورى.

([93]) الآية (90) سورة النحل.

([94]) الآية (8) سورة الممتحنة.

([95]) الآية (5) سورة المائدة .

([96]) أخرجه أحمد في مسنده.

([97]) أخرجه أحمد في مسنده. وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح. والسيوطي في الجامع الصغير

([98])فظع من الفظاعة وهو الأمر الشديد الشنيع ومعنى فظع الناس أي اشتد عليهم الأمر وهالهم

([99]) الآية (33) سورة آل عمران .

([100]) أخرجه أحمد في مسنده .

([101])رواه الطبراني في الأوسط . و الهيثمي في المجمع

([102]) أخرجه أحمد في مسنده .

([103])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب السهولة و السماحة في الشراء و البيع .

([104]) أخرجه أحمد في مسنده .

([105]) أخرجه أحمد في مسنده .

([106]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل انظار المعسر.

([107])الجواز: أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء (أي الطلب).

([108]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل انظار المعسر.

([109]) أخرجه الترمذى في سننه، كتاب صفة القيامة، باب تحرم النّار على كلّ قريب هيّن سهل. وقال: هذا حديث حسن غريب .

([110]) أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب الإيمان، باب الدين يسر.

([111]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل انظار المعسر.

([112]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2300 .

([113]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2289 .

([114]) صالح بن عبد الله حميد، عبد الرحمن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول، المجلد السادس، ص: 2290 .

([115]) أبو إسحاق الشاطبى، الموافقات فى أصول الشريعة، خرج أحاديثه: أحمد السيد سيد أحمد على، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006م، الجزء الثانى، ص: 8 . د.محمود حمدى زقزوق ، مقاصد الشريعة الإسلامية و ضرورات التجديد، سلسلة قضايا إسلامية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة ، شوال 1424هـ - 2003م، ص: 42

([116]) الآية (85) سورة آل عمران.

([117]) الآية (256) سورة البقرة.

([118]) الآية (29) سورة الكهف.

([119]) الآية (26) سورة غافر.

([120]) الآية (256) سورة البقرة.

([121]) مقاييس اللغة، مادة (ح ر ر).

([122]) المعجم الوسيط، الجزء الأول، ص: 165 .

([123])محمد الطاهر ابن عاشور, مقاصد الشريعةالإسلامية، تحقيق محمدالطاهر الميساوي, دار النفائس، الطابعة الثانية، عمان, الأردن, 2001 م، ص ص: 390، 391 .

([124])د. محمد الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، دار الكلم الطيب، دمشق، الطبعة الثانية، 1418هـ=1997م، ص : 165.

([125]) الموسوعة العربية العالمية "الحرية" 9/305.

([126])القاموس المحيط 4/225، المصباح المنير 1/279، المعجم الوسيط 1/307 .

([127])موسوعة الأديان الميسرة ص254، المصطلحات الأربعة في القرآن، المودودي ص116، الدين، دراز ص26

([128]) د.عبد الله دراز، الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، دار القــلم، الكويت، الطابعة الثانية، 1390هـ=1970م، ص33.

([129])د.أحمد الريسونى، د.محمد الزحيلى، د.محمد عثمان شبير، حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة، كتاب الأمة،، قطر، المحرم، 1423هـ, ص84 .

([130]) د. عبدالرازق رحيم: العبادات فى الأديان السماوية اليهودية المسيحية الإسلام،الطبعة الأولى، بدون سنة نشر،دار الأوائل للنشر والتوزيع، ص10.

([131]) أدولف إرمان: ديانة مصر القديمة، ترجمة د. عبدالمنعم أبو بكر، د. محمد أنور شكرى، مكتبة الأسرة، سنة 1997، ص4 وما بعدها.

([132]) محمد الغزالى، التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، دار نهضة مصر للطباعة و النشر، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005م، ص: 7.

([133])الاِخْتِلاَفُ لغة: مصدر اختلف . والاختلاف نقيض الاتفاق . جاء في اللسان ما مفاده: اختلف الأمران لم يتفقا، وكل ما لم يتساو فقد اختلف . والخلاف: الْمُضَادَّةُ، وخالفه إلى الشيء عصاه إليه، أو قصده بعد أن نهاه عنه . ويستعمل الاختلاف عند الفقهاء بمعناه اللغوي وكذلك الخلاف، الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية، الكويت، الجزء الثانى، ص: 291 .

([134])د. محمد سيّد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، سلسلة البحوث الإسلامية،مجمع مطابع الأزهر,الطبعة الثانية،القاهرة، 2007م،ص: 16.

([135]) سيد قطب، فى ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة الحادية عشرة، القاهرة، الجزء الأول، ص: 215 .

([136]) الآيتان (119,118) سورة هود .

([137]) الشيخ محمد الغزالى: حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، نهضة مصر للطباعة و النشر، القاهرة، 2005م، ص: 74

([138]) الآية (3) سورة الإنسان .

([139]) الآية (29) سورة الكهف .

([140]) الآيتان (21، 22) سورة الغاشية .

([141]) الآية (99) سورة يونس .

([142]) الإمام: محمد أبو زهرة،العلاقات الدولية في الإسلام، دار الفكر العربي، بيروت، 1415هـ - 1995م،ص: 29 .

([143]) الآية (256) سورة البقرة.

([144]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق مصطفى السيد محمد و آخرون، مؤسسة قرطبة للطباعة، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، المجلد الثانى، ص: 444.

([145]) رواه أبو داود فى الجهاد .

([146]) سيد قطب، فى ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة الحادية عشرة، 1985م، الجزء الأول، ص: 291.

([147]) الآية (256) سورة البقرة .

([148]) سيد قطب، في ظلال القرآن، الجزء الأول، ص: 291.

([149]) سيد قطب، في ظلال القرآن، الجزء الأول, ص: 291.

([150]) سيد قطب، في ظلال القرآن، الجزء الأول، ص 270

([151]) سيد قطب، في ظلال القرآن، الجزء الأول ، ص: 292.

([152]) د. محمد الراوي، الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، مكتبة العبيكان، 1995م، ص:363 .

([153]) الآية (285) سورة البقرة .

([154]) د.محمود حمدي زقزوق،التسامح في الإسلام، التسامح في الحضارة الإسلامية، المؤتمر السادس عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2004، ض: 54 .

([155]) د. محمد سيد طنطاوي، هذا هو الإسلام، حوار هادئ مع قداسة بابا الفاتيكان، هدية مجلة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، ذي القعدة، 1427هـ، ص:29.

([156]) الآية (125) سورة النحل .

([157]) الآية (124) سورة النحل .

([158]) د. مصطفى محمود عفيفي، الحقوق المعنوية للإنسان بين النظرية و التطبيق، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، ص: 87 .

([159]) الآية (40) سورة الرعد .

([160]) عبد الرحمن بن ناصر السعدى، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2002م، ج 1، ص ص، 572، 573 .

([161]) في ظلال القرآن، الجزء الرابع ، ص: 2529 .

([162]) في ظلال القرآن، الجزء السادس، ص: 3091 .

([163]) الآية (46) سورة العنكبوت .

([164]) علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1986م، الجزء السادس، ص: 280 .

([165]) الإمام: محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره، ص:30.

([166]) الآية (170) سورة البقرة .

([167]) الآية (104) سورة المائدة .

([168]) الآية (21) سورة لقمان .

([169]) الإمام: محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره، ص ص: 31.

([170]) الآية (256) سورة البقرة .

([171]) أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق د. عبد المحسن التركي، هجر للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1422هـ - 2001م، الجزء الرابع، ص:546.

([172]) ابن القيم الجوزية، زاد المعاد فى خير هدى العباد، دار الفجر للتراث، القاهرة، 1999م، الجزء الثالث، ص: 22.

([173])د. محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص: 178.

([174]) د. محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص: 179 .

([175])د. محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص:221.

([176]) أخرجه البخاري في صحيحه، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، برقم: (1425).

([177]) يوتغ: يهلك .

([178]) ابن هشام، السيرة النبوية، 2/503، ابن كثير ، البداية والنهاية 4/556–557.

([179]) د.على محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع و تحليل أحداث، مكتبة فياض، المنصورة، 1428هـ - 2007م، الجزء الأول، ص:434.

([180]) د. محمد عمارة،الأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي، مؤتمر حقيقة الإسلام في عالم متغير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،القاهرة، 2003, ص: 459 .

([181]) أخرجه البخاري في صحيحه.

([182]) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء .



المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التصالح, فريضة, إسلامية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشورى فريضة وضرورة وحق للمسلمين نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 19-05-2013 07:26 AM
الشورى فريضة وضرورة وحق للمسلمين نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 19-05-2013 07:26 AM
رموز نظام مبارك يعرضون بعض ثرواتهم مقابل التصالح مزون الطيب أخبار منوعة 0 14-03-2012 12:49 PM
التسامح في الإسلام نور الإسلام هدي الإسلام 0 08-02-2012 11:40 AM
بوسنى يسافر إلى مكة سيراً على الأقدام لأداء فريضة الحج نور الإسلام هدي الإسلام 0 08-01-2012 04:55 PM


الساعة الآن 04:16 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22