صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > المقالات

المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية

الإثنين, 08-إبريل-2013 هشام علي - { يفتح اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية آفاقاً متعددة للتفكير والتأمل والحوار، فالمدينة المنورة بما تحمل من دلالات مقدسة ومعانٍ تاريخية تمثل رمزاً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-04-2013 ~ 05:59 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



الإثنين, 08-إبريل-2013
هشام علي -


{ يفتح اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية آفاقاً متعددة للتفكير والتأمل والحوار، فالمدينة المنورة بما تحمل من دلالات مقدسة ومعانٍ تاريخية تمثل رمزاً يفوق في قوته وثراه معنى عاصمة دورية للثقافة الإسلامية، أو مجرد منافسة للاحتفاء بالمدن الإسلامية الشهيرة، وهكذا تأملت فكرة قرار اختيار المدينة المنورة كعاصمة للثقافة الإسلامية.
كان ذلك في «باكو» عاصمة جمهورية أذربيجان في 2009م، أثناء اجتماع وزراء الثقافة في العالم الإسلامي، وكانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة قد أعدت قائمة بالعواصم الثقافية الإسلامية تمتد إلى العام 2025م.
وفي أعقاب ذلك الاجتماع كنا أعضاء الوفود المشاركة على موعد مع العشاء في قاعة على شاطئ البحر، وفي الحفل قدمت فرق فنية وفلكلورية فقرات غنائية وموسيقية ورقصات شعبية تمثل تراث الفلكلور في وسط آسيا، كانت الفقرات الفنية رائعة ومعبّرة عن هوية ثقافية خاصة بهذه الرقعة من قارة آسيا، كما كانت تحتوي بعضاً من آثار الفنون الروسية، وهذا من تأثيرات المرحلة السوفيتية، حيث كانت أذربيجان واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، قبل أن تظهر بريسترويكا غورباتشوف التي فكفكت الاتحاد وأطاحت بالمعسكر الاشتراكي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
لفت انتباهي في الرقصات الفلكلورية وجود تشابه بينها وبين بعض الرقصات الفلكلورية اليمنية التي كانت تؤديها الفرقة الفنية التابعة لوزارة الثقافة في جنوب الوطن، تذكرت بالمناسبة المقالة التي كتبها الأستاذ عمر الجاوي في السبعينيات، وكانت بعنوان «لرقصة ليست يمنية!»، وقد علّق فيها على الرقصات الشعبية التي كانت تقدمها الفرقة الوطنية للفنون الشعبية، وأشار إلى وجود إضافات وحركات تختلف عن الفلكلور اليمني، وتشبه رقصات الجمهوريات الآسيوية في الاتحاد السوفيتي.

كان عمر الجاوي محقاً ودقيقاً في ملاحظته، لا سيما أنني عرفت بعد ذلك أن المدرب الشهير «ألبرت» الذي تولى إنشاء الفرقة وصمم الرقصات الفلكلورية اليمنية كان من مواطني أرذبيجان، وقد أدخل في تصميماته للرقصات اليمنية بعضاً من ألوان الرقص الشعبي في أذربيجان.
وإنصافاً لذكرى هذا الرَّجُل، أي ألبرت، ينبغي الإشارة إلى أنه قام بجولات عديدة في مناطق مختلفة من اليمن، ليجمع ألوان الفنون الشعبية والرقصات والأزياء قبل أن يعيد تصميمها وتقديمها بتلك الطريقة الرائعة، التي مكنت الفرقة الوطنية اليمنية من النجاح في كثير من المهرجانات العالمية.
ربما طال هذا الاستطراد قليلاً، لكن ما قصدته منه كان الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن الإسلام الذي وصل إلى هذه البلاد لم يسعَ إلى تغيير ثقافتها وفنونها وعاداتها، لكنه تداخل معها واندمج فيها مكوناً مزيجاً فريداً من تفاعل الثقافات، وهو الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه الديانات الأخرى، وقد أكد هذه الحقيقة الكاتب والدبلوماسي الإيطالي مايكل أنجلو ياكوبوتشي في كتابه الهام «أعداء الحوار»، حيث قال : «إن عملية أسلمة أقاليم واسعة من الكرة الأرضية قد جرت على أثر جيوش منتصرة فرضت نظمها، ومع ذلك بالمقارنة مع عملية الاستعمار الأوروبي فإنه يبدو أن عملية الأسلمة هي أكثر احتراماً للمعتقدات والثقافات الأصلية، فعلاقة الفاتحين المسلمين بأصحاب البلاد الأصلييين اتخذت مراحل وأشكالاً متنوعة حسب كل بلد، وفق السياق التاريخي، وحسب ميول وطباع هذا الرئيس أو ذاك، ولكن لم يحدث قط أن وصلت هذه العلاقة إلى الشطط الذي ميّز الاستعمار الغربي : الإكراه في الدين، إبادة المعارضين، نزع الثروات، تغيير التوازن الديمغرافي لصالح المستعمِرين، انتهاءً بالإبادة، ولا يجب أن نغفل تلك الحقيقة التي أبرزها مؤرخون غربيون، وهي أنه خلال تقدم الفاتحين المسلمين لم نجد أي بُعد عنصري يخالف فكرة الأمّة».
ويذكر ياكوبوتشي كيف أن الديانة المسيحية في انتشارها في آسيا قد توقفت عند حدود الامبراطورية الرومانية، وأنها ارتبطت بعنف تلك الامبراطورية الغازية، ولم يكن الأمر كذلك في انتشار الإسلام في آسيا، حيث كان الاعتناق التلقائي للإسلام، وهو يستشهد بجوستان لوبون لتأكيد هذه الحقيقة، فقد بيّن كيف أنه على أراضٍ لم يفرض العرب عليها سيطرتهم، فقط مروا عليها مروراً مثل شبه القارة الهندية، أمكن أن يكون هذا العدد الكبير من الذين اعتنقوا الإسلام بطريقة واضحة هكذا.
لم يكن الغزو أو الفتح وحده هو عنوان انتشار الإسلام، فالهذر كما يقول هذا الدبلوماسي الإيطالي، اعتنق الملايين من أبنائها الإسلام بدون فتح، لمجرد عبور الإسلام في هذه البلاد، والجانب الأكثر أهمية في هذه التجربة الهندية هو انفتاح الإسلام على ثقافات الهند وفنونها، والتمازج الذي تحقق فيها، يقول المؤلف ياكويوتشي : «ولا أحد يستطيع أن ينكر - حتى أشد المتعصبين - آلاف الأدلة التي تظهر هذا التمازج والاندماج الثقافي بين الفاتحين وأصحاب الأرض الأصليين، الذي أعطى الحياة إنجازات في كل مجالات الاتصال بين البشر، من اللغة إلى الموسيقى، ومن الشعر إلى العمارة، وأكتفي هنا بذكر مثالين : تاج محل، وهو الأثر الرائع الذي يظهر في كل خطوطه انصهار روحي لعالمين، واللغة الجديدة التي وُلدت في أعقاب الاحتلال المغولي، ألا وهي اللغة الأوردية، التي أصبحت وسيلة مهمة للتعبير عن الفكر الإسلامي وعن الإحساس الهندي، وهي الآن واحدة من أهم اللغات الإسلامية التي تحتوي على عناصر عربية في ترتيبها الهجائي، وفارسية في مفرداتها، وهندية في بنيتها الصرفية والنحوية».
هكذا نتبين أن الحديث عن الثقافة الإسلامية ليس المقصود به البعد الديني داخل هذه الثقافة أو الحديث عن ثقافة دينية على نحو ما كتب أدونيس في انتقاده للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ومن المؤسف أن أحداً من قيادات هذه المنظمة لم يقم بالرد على ذلك النقد بصورة تبيّن المفهوم المقصود بالثقافة الإسلامية، التي تتضمن التعدد والاختلاف وتنفتح على اجتماع شتى الثقافات التي امتزجت واندمجت تحت هذا المفهوم.
وقد أكد المفكر التونسي عبدالوهاب بوحديبة على هذا التعدد والاختلاف في الثقافة الإسلامية : «إن كل مَنْ يعرفون الثقافة العربية الإسلامية بعض المعرفة لا يخطئون الوقوف على واحدة من أبرز خصائصها الجوهرية، ألا وهي الاحترام الديني للاختلاف الإنساني، وغنى الخلق الإلهي بحيث ترتفع دلالة هذا الاختلاف بين الأنام على مستوى ألوانهم ولغاتهم وأشكالهم لتغدو شاهداً وبرهاناً على مدى الغنى المعجز للخلق الإلهي وسعة علمه وقدرته المطلقة، وهو ما تؤكده العديد من النصوص القرآنية التي تجمع تفسيراتها على أن الاختلاف هو أصل الخلق : (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)».
ويضيف بوحديبة كذلك أن الفقه الإسلامي يعد فقهاً للاختلاف بامتياز، ولذلك فلسنا ملزمين بقبول الاختلاف فحسب، وإنما احترامه وحبه وتقديره باعتباره انعكاساً لإرادة الخلق الإلهي.
وينظر بوحديبة إلى التعددية الثقافية داخل منظومة المرجعية الدينية الإسلامية، التي لا تنحصر في النصوص وحسب، بل تظهر في وعي تاريخي ينطلق من أن تاريخ المجتمعات الإسلامية «تاريخ عنقودي» وليس تاريخاً خطياً متواصلاً دون نتوءات، وتفسير ذلك «أن المجتمعات التي اعتنقت الإسلام حافظت على تعقيدها وتراثها، لأن الإسلام أراد توحيدها لا إخضاعها، ولما أسلم المغول والأفارقة والعرب والأتراك والأوروبيون لم يدركوا الإسلام فحسب، بل اضطلعوا به واندمجوا فيه وتقمصوه، كل على طريقته، انطلاقاً من تجاربهم الخاصة وتبعاً لعبقريتهم ومشروعهم».
ولا يتسع المقال للحديث عن كثير من القضايا والأفكار التي تتوارد على الخاطر، ونحن بصدد الحديث عن المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية، فهذه المدينة تتجاوز الحدث الذي ينحصر بعام واحد، لأنها تمثل عاصمة دائمة للإسلام وللثقافة الإسلامية، فمنذ أن هاجر إليها الرسول عليه أفضل السلام أخذ مشروع تاريخي كبير يبزغ ويكبر، ولا غرابة أن يتحول اسمها من «يثرب» إلى «المدينة المنورة»، لقد أصبحت بهذا التحول المدينة بامتياز، أي بالمعنى السياسي للمدينة كمركز للدولة الإسلامية التي لم تستغرق سوى عقدين من الزمان، حتى أطاحت بأكبر امبراطوريتين كانتا تحيطان بالجزيرة العربية، فارس وروما، ولم ينقضِ القرن الأول من الهجرة حتى كان الإسلام قد امتد شرقاً وغرباً، وقد كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حصيفاً حين جعل عام الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي.
وفي يوم الثلاثاء 30 جماد الآخر - الموافق 12 مارس 2013م أعلنت أمانة العاصمة الثقافية انطلاقة فعاليات المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية، وهي تصل في عددها إلى (500) فعالية متنوعة وموزعة على مواقع مختلفة في المدينة، وكان انطلاق الفعاليات في خيمة مجاورة لمسجد قباء، المسجد الذي بناه الرسول الكريم بعد وصوله إلى المدينة المنورة، وكان اختيار هذا الموقع مكاناً لانطلاقة الفعاليات موفقاً وذا دلالة، فهو إشارة إلى الاستئناف لا إلى البداية، فالمدينة المنورة عاصمة أبدية للإسلام وللثقافة الإسلامية، وها نحن اليوم نستأنف رسالة الإسلام الخالدة التي امتدت أنوارها إلى كل أنحاء العالم.

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بروكسيل تستعد لتصبح عاصمة للمال الإسلامي؟ نور الإسلام الإسلام والعالم 0 18-12-2012 06:18 PM
قريباً .. مكة المكرمة عاصمة الصرافة الإسلامية مزون الطيب أخبار منوعة 0 15-02-2012 09:46 PM
شهادة جراح فرنسي من قلب عاصمة الثورة السورية مزون الطيب أخبار منوعة 0 12-02-2012 07:17 PM
بريطانيا: دعوة لإغلاق باب الهجرة ودعم الثقافة النصرانية مزون الطيب نصرانيات 0 07-02-2012 07:19 PM
البنية العمرانية للمدينة المنورة قبل الإسلام نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 11-01-2012 12:31 PM


الساعة الآن 11:31 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22