صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\المسيح رحمة الله

ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح الشبهة * نقرأ عن المسيح في القرآن أن الله يسميه: آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا- سورة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-02-2012 ~ 01:37 PM
مزون الطيب غير متواجد حالياً
افتراضي ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\المسيح رحمة الله
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية مزون الطيب
 
الله اكبر
تاريخ التسجيل : Jan 2012


ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح

الشبهة

* نقرأ عن المسيح في القرآن أن الله يسميه: آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا- سورة مريم 21. كما قال الله عن محمد: وما أَرسلناك إِلا رَحمة للعالَمين- سورة الأنبياء 107. إن كنا ندرك أن وحي محمد يختلف مبدئيًّا عن وحي المسيح نرى أن مضمون الرحمة في هذين الرجلين يختلف أيضًا اختلافًا جذريًّا. لقد كان محمد نبيًّا مسلمًا وعبدًا لله يُخْبِر بما أملاه الملاك جبرائيل عليه، أما المسيح فلم يكن نبيا ورسولا فحسب، بل كان الوحيَ المتجسِّد، فلم يكن محتاجًا إلى وسيط كالملاك بل كان في ذاته كلمة الله الأزلي. فكما أن الفرق شاسع بين الوحي في الإنجيل والقرآن، هكذا تختلف رحمة محمد عن رحمة المسيح جوهريا. قد تم الوحي لمحمد بواسطة آيات القرآن وإعلاناته في الحديث وقدوته في السُّنّة، واتحدت هذه الإلهامات في الشريعة مع أوامرها ومحرماتها منظمة جميع نواحي حياة الأمة الإسلامية. فتُنَظّم العبادات بالتفاصيل كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، وحتى الختان والدفن،




نعم شريعة محمد نظمت حياة الأمة نظامًا شاملاً، كما أن شريعة موسى ركزت الحياة على الله في كل نواحيها طالبة التسليم الكلي والخضوع للخالق، إنما الشريعة لن تبرر الخاطئ، ولن تحرر المذنب من ذنبه. فكل شريعة تحكم على الأثيم وتهلكه، فبسبب الشريعة سيدخل الإنسان جهنم. الشريعة هي الدّيّان العادل ولا يستطيع أحد أن يرضيَها. يتمنى كل تقي غفران الغفور، ويرجو المسلم أن الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ- سورة هود 114. ولكن بالحقيقة لن يحصل أحد من الأمة الإسلامية على الغفران النهائي الشامل قبل يوم الدين لأن ليس عندهم بديل في الدينونة

الهدف الأخير لمجيء المسيح ليس تعيين شريعة يستحيل تطبيقها، بل إعلان محبة الله للخطاة وتبريرهم المجاني.
فعاش المسيح ما قاله وأكمل الشريعة بذاته، وصار حمل الله الذي يرفع خطية العالم- يوحنا 1:29. وأنبأ إشعياء النبي قبل ألفين وسبعمائة سنة موضحًا نيابة المسيح عنّا في دينونة الله: لَكِن أَحزاننا حملها وأوجاعنا تحملهَا. ونحن حسبناه مصابا مضروبا من اللّهِ ومذلولا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا. مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إلى طَرِيقِهِ. والرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا- إشعياء 53:4. خلص المسيح أتباعه من لعنة الشريعة، ونجاهم من حكم الدينونة في اليوم الأخير، وبرّر الذين يُقْبِلون إليه مؤمنين بتبريره. لقد صالَح المسيح البشر بالله وأوجد سلامًا أبديًّا. ويحرضنا الرسول بولس لقبول هذه الحقيقة الروحية كاتبًا إلينا: تَصَالَحُوا مَعَ اللّهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللّهِ فِيهِ- 2كورنثوس 5:20 و21.

رد الدكتور إبراهيم عوض


** هذه الفقرة مملوءة بالمغالطات والأخطاء والتناقضات الواضحة لكل من يحكّم عقله، وبخاصة إذا كان على معرفة بالقرآن الكريم والكتاب المقدس. ونبدأ بقول الواعظ الطيب الذى على نياته إن المسيح طلب من أتباعه الالتزام بالشريعة، وقوله فى ذات الوقت إن النصرانية قد ألغت الشريعة. كيف؟ لا أدرى، ولست إخال أحدا آخر يدرى! وهذا هو كلامه بنصه: "لم يُلغ المسيح حفظ وصايا الله، وطلب من حوارييه إتمامها عمليا"، "خلص المسيح أتباعه من لعنة الشريعة، ونجاهم من حكم الدينونة في اليوم الأخير". ترى كيف يأمر المسيح أتباعه بأن يلتزموا بوصايا الشريعة، بل بأن يُتِموها إتماما، وفى نفس الوقت يقال إنه قد خلّصهم منها ومن لعنتها؟ معنى هذا أنه، u، حين أمرهم بإتمامها قد أمرهم أن يلتزموا باللعنة. أليس كذلك؟ هذا ما يقوله كلام الواعظ بمنتهى الوضوح! الواقع أن المشكلة فى كلام ذلك الواعظ وأشباهه أنهم يريدون أن يسوّقوا لنا كلاما لا معنى له، وعلينا أن نقبله بوصفه مجرد جَرْس لفظى يملأ الفضاء والأذن والوقت فحسب، ولا ينبغى أن نجعله موضوعا لتفكيرنا، بل نقبل دون تفكير ما يريد الواعظ وأمثاله منا أن نرتبه عليه رغم أنه لا يؤدى إلى شىء من النتائج المراد ترتيبها عليه حتى لا ينكشف عُوَار كلامه، ويبين تهافُت منطقه، وتظهر الثُّغرات القبيحة فى طريقة تفكيره كما هو حادثٌ الآن.
ثم كيف يقال إن يسوع المسيح قد خلصهم من لعنة الشريعة؟ ترى هل هناك مجتمع فى الدنيا يعيش دون شريعة؟ فكيف ينظم الناس حياتهم ويميزون بين الصواب والخطإ ويعرفون حقوقهم وواجباتهم والعقوبات التى تردع المجرم عن إجرامه، أو على الأقل: تكون عبرة لغيره من أن يسلك نفس السبيل؟ ترى تحت أى بند نضع تعاليم السيد المسيح التى كان يوصى بها أتباعه كما تقول الأناجيل؟ ألم يكن يأمر كل من آمن به أن يترك عمله الذى يتكسب منه ويتبعه؟ ألم يرفض أن يذهب أحد المؤمنين به لتشييع جثمان أبيه قائلا له: دع الموتى يدفنون موتاهم، بما يفيد أنه لو آمن أفراد المجتمع كلهم به لكان معنى هذا أن تبقى جثث الموتى فى البيوت والشوارع والحقول حتى تنتن وتأكلها الكلاب والثعالب والنسور لأنه لن يكون هناك فى هذه الحالة موتى (أى كفار لم يؤمنوا به عليه السلام) يقومون بدفن موتاهم؟ ألم يبين لهم كيف يصلون؟ ألم يقل لهم إن على الأغنياء التخلى عن كل ثرواتهم حتى يدخلوا ملكوت السماوات؟ ألم يوجب عليهم أن يتركوا إزارهم لمن يغصبهم رداءهم وأن يديروا خدهم الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن وأن وأن وأن؟ أليس فى النصرانية تشريعات خاصة بالقُدّاس والميلاد والزواج والطلاق والصلاة والصيام والحج والموت والدفن مثلا، ودعك من أن كثيرا منها تشريعاتٌ مُعْنِتَةٌ جدا؟ أليس فى النصرانية حَرْمٌ يسلّه الباباوات على رقاب من يخرجون عن طوعهم أو طوع الكنيسة؟ أليس القتل والسرقة والكذب والخيانة وإهانة الأب والأم مثلا حراما فى النصرانية؟ أم إن النصرانى يستطيع أن يزنى ويقتل ويسرق ويغتاب وينم ويستبد ويتجسس ويخون ويكذب دون أن يخشى عقابا من الله يوم القيامة ما دام السيد المسيح، r، قد جاءه بالرحمة والغفران الشامل؟ فإذا كان الأمر كذلك، وهو بكل يقين كذلك، ولا يمكن أن يكون إلا كذلك، فأى فرق إذن بين النصرانية وبين الإسلام أو أى دين آخر يُسَوّغ لواعظنا الطيب الذى على
نياته الزعم بأن الوضع فى دينه مختلف عما عند الآخرين؟ إن آفة بعض الناس أنهم لا يستطيعون أن يكذبوا على أنفسهم ولا أن يذهبوا فيرددوا ما يسمعونه دون أن يعرضوه على عقولهم وينظروا فيه نظر الفاحص المنتقد، بل لا بد لهم من النظر والتفكير فى كل ما يُعْرَض عليهم، ونحن بحمد الله من هذا الصنف من البشر، فإنْ قَبِلَت عقولنا ما يقال لنا، وإلا نبذناه وراء ظهورنا! وهذا الكلام الذى يقوله الواعظ الطيب الذى على نياته لا يصمد لهَبّةٍ واهنةٍ من نسمة التفكير، بل ينطفئ فى التوّ واللحظة!
ومن تناقضات كلام واعظنا قوله: "لقد كان محمد نبيًّا مسلمًا وعبدًا لله يُخْبِر بما أملاه الملاك جبرائيل عليه، أما المسيح فلم يكن نبيا ورسولا فحسب، بل كان الوحيَ المتجسِّد، فلم يكن محتاجًا إلى وسيط كالملاك بل كان في ذاته كلمة الله الأزلي". ذلك أنه يقر بأن محمدا نبى من أنبياء الله، فما معنى هذا؟ أليس معناه أنه ينبغى الإيمان به r؟ أم ترى الله سبحانه قد أرسله على سبيل العبث فلم يرد من عباده أن يؤمنوا به بل أن يتخذوا دينه زينة يضعونها فى حجرة الاستقبال كـ"أنتيكة" من الأنتيكات؟ أعطونى عقولكم أيها القراء! أوليس التالى ينسخ السابق كما أن مقررات المرحلة الإعدادية تأخذ مكان مقررات المرحلة الابتدائية لأنها تشتمل عليها وتزيد عنها وتفصل القول فيها وتحذف أشياء منها لم تعد مناسبة لمدارك الكبار... إلخ، وكما تأخذ الثانوية مكان الإعدادية، والجامعة مكان الثانوية؟
كذلك يضحكنا قول الواعظ الطيب: "لقد صالَح المسيح البشر بالله وأوجد سلامًا أبديًّا"، نعم يضحكنا لمناقضته الواقع الذى يفقأ العين. ذلك أن الدنيا قد ركبها وما زال يركبها ألف عفريت وعفريت! أين بالله هذا السلام الذى يأبى واعظنا إلا أن يجعله سلاما أبديا؟ نعم أين هذا السلام؟ أتراه يتحدث عن السلام فى المريخ مثلا أو فى الزهرة؟ وإلا فما معنى كل هذه الحروب والخصومات والاشتباكات والتناحر والقلق والسأم والخوف وعدم الرضا فى كل مكان على وجه الأرض؟ أم تراه يقول إن هذا هو السلام؟ إن مصيبة بعض العباد أنهم يعيشون أُسَارَى لما يلوكونه من ألفاظ لا يحاولون أن يخرجوا من أَسْرها إلى طلاقة الواقع والهواء والنور والحياة الحقيقية ليَرَوْا مدى صدق ما يقولون أو كذبه! وواعظنا وأشباهه للأسف من ذلك الصنف من الناس!
ويقول واعظنا أيضا إن "الله لم يرسل المسيح رسولا إلى العالمين لينشئ شريعة ثقيلة يستحيل تطبيقها. كلا! إنما المسيح نفسه كان رحمة الله المتجسد حين ظهرت فيه محبة القدوس للجميع، وأحب الخطاة وبارك أعداءه وشجع الفاشلين. فابن مريم هو رحمة الرحمن الرحيم. ويدل هذا اللقب على أنه جوهر من جوهر وروح من الله في الجسد- سورة النساء171. فليس خلاف ولا فرق بينه وبين رحمة الله. لذلك أصبحت كفّارته النائبة عن البشر كله عرض من الله للهالكين. فكل من يقبل نعمة التبرير يتصالح مع الله ويُبْصِر متأكدًا أن المسيح حي جالس عن يمين العظمة. فرحمة المسيح لا تديننا ولا تهلكنا بل أوجدت تبريرًا عامًّا ونعمةً خاصةً وسلامًا مع الله". كلام كلام كلام. كلام فقط، والسلام. كلام لا محصلة من ورائه. ومع هذا فلا بد أن نبين شيئا تجاهله الواعظ الحكيم، ألا وهو أنه إذا كانت النصرانية قد أتت بالرحمة من خلال الله الذى تجسد فى المسيح قبل نحو ألفين من الأعوام، فإن الإسلام لم يترك البشر دون رحمة وغفران كل تلك الملايين من السنين منذ أن خُلِق الإنسان إلى أن أتى المسيح عليه السلام، بل أكد لنا أن الله سبحانه وتعالى قد تاب على آدم بمجرد أن ارتكب المعصية وعوقب عليها بالنزول من الجنة واستغفر ربه، ويا دار ما دخلك شر، ولا تجسُّد ولا يحزنون، ولا لخبطة ولا تعقيدات لا يفهمها العقل ولا تنسجم مع عدل الله ورحمته وقدرته ووحدانيته واستحالة تجسده. أم سيقال إن الله كان ناسيا أن آدم قد ارتكب ذنبا أدى إلى حرمانه من رحمته سبحانه طوال تلك الملايين من السنين، إلى أن نبهه منبّهٌ فتنبه وتدارك ما كان قد فاته كل تلك الأحقاب المتطاولة، أستغفر الله؟ فماذا إذن عن الأجيال التى مضت قبل هذا التذكر وقبل تجسد المسيح ابن الله وموته على الصليب؟
ومما ينبغى الوقوف عنده لتوضيح وجه الحقيقة فيه قول واعظنا البارع فى تسويق ما لا جدوى له من الكلام إن "الشريعة لن تبرر الخاطئ، ولن تحرر المذنب من ذنبه، فكل شريعة تحكم على الأثيم وتهلكه، فبسبب الشريعة سيدخل الإنسان جهنم". يا أخى، فأل الله ولا فألك! لقد جاءت الشريعة لتنظم حياة الناس فلا يعتدى أحد على أحد، وإلا عوقب فى الدنيا، أما الآخرة فقد يعاقب فيها، وقد يسامحه الله أو يخفف عنه حسب ظروفه وفهمه ومدى ما بذل من جهد لتجنب وقوع الخطإ منه، وكذلك حسب ما عمل من الصالحات التى من شأنها أن تعادل ما اقترف من ذنب، بل ربما كانت العقوبة الدنيوية كافية لغفران الذنب فى الآخرة. ومع هذا كله، فهناك رحمة الله الواسعة التى تسبق دائما غضبه وعدله. أليس الله كريما؟ أليس عَفُوًّا غفورا لطيفا بارا حنونا عطوفا؟ فكيف يكون سبحانه كذلك، وهو أعظم من ذلك، دون أن يظهر فى حسابه لعباده كل ذلك؟ فالغفران إذن لا ينتظر بالضرورة إلى الآخرة، بل قد يتم هنا فى الدنيا أولا بأول ما دام الشخص يستغفر ربه ويندم على ما فرط منه من معصية ويسارع إلى فعل الخيرات. ثم لقد خلق الله الإنسان ضعيفا، وهو سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وليس ثمة ذنب إلا وعفو الله أكبر منه وأعظم. ولا ننس فوق هذا كله أن الحسنة فى الإسلام بعشر أمثالها، بل إنها لتتضاعف إلى سبعمائة ضعف وأكثر إلى ما شاء الله، على حين أن السيئة إنما تُجْزَى بمثلها فقط، وهذا إن جُزِيَتْ أصلا، وكثيرا ما لا يجازى الإنسان عليها كما نعرف من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
ولو عرفنا أن كل ما يفعله الشخص يعوِّض ما ارتكبه من آثام أولا بأول تبين لنا أن الأمر يختلف بالكلية عما يهرف به واعظنا. ولا يقتصر الأمر على الصلاة والصيام والصدقات فحسب، بل يدخل فى هذا بكل جدارة، وربما بجدارة أجدر من كل جدارة، التبسم فى وجوه الناس وإماطة الأذى عن الطريق ومَحْض النصح للآخرين والسهر فى طلب العلم وسعى الشخص على لقمة عيشه ونأيه بنفسه عن البطالة وتأديته أى عمل نافع له وللناس من حوله وإمداده كلبا أو قطا أو عصفورا شربة ماء ومناولته لزوجته اللقمة فى فمها، بل إن معاشرته لها فى الفراش لتُدِرّ عليه وعليها أجرا. على أن هذا ليس هو كل شىء، بل إن المسلم إذا همَّ بحسنة كُتِب به بها أجر، فإذا عملها فعلا كُتِب له سبعة أجور إلى ما شاء الله، أما إذا هم بسيئة فإنه لا يُكْتَب عليه شىء، فإذا فعلها كُتِب عليه ذنب واحد، فإذا خاف ربه وامتنع عنها كُتِب له أجر على مجرد الامتناع. يا خلق هو، إن الإسلام دين عبقرى، لكن أصحاب العقول المتخلفة لا يفقهونه، فهو مثل لؤلؤة ثمينة لا تستطيع الخنازير أن تقدرها حق قدرها. والمهم أن يبذل كل منا جهده وطاقته وأن يتجنب، ما أمكنه التجنبُ، سبيلَ المعاصى والذنوب، فإذا زلت قدمه سارع إلى باب مولاه ونادى أَنِ "افتح لى يا إلهى باب كرمك ولا تغلقه فى وجهى"، وليترك حموله بعد هذا على الله، ولن يخذله الله أبدا. فكما ترى أيها القارئ، ليس هناك أبسط ولا أكثر منطقية ولا أقرب إلى فطرة البشر ولا أقدر على معالجة أمورهم مما يقوله الإسلام.
وليس معنى هذا أن كل شىء سيكون تمام التمام، فليس هناك فى حياة البشر شىء اسمه تمام التمام، لأننا لسنا فى دولة من دول العالم الثالث التى تقوم أمورها كلها على الكذب والنفاق والضحك على ذقون الحكام المتخلفين مثل رعاياهم والذين يحبون أن يسمعوا أن كل شىء عال العال رغم معرفتهم قبل غيرهم أنهم لا يسمعون إلا كذبا وزورا، بل نحن فى ملكوت الله المطلع على كل شىء والذى خلق عباده ضعفاء خطائين، وكل ما هو مطلوب منهم، كما قلت، أن يبذلوا جهدهم وطاقتهم لا يألون منهما شيئا، وأن يتباعدوا عن مواطن التقصير والحرام والإساءة ما أمكنهم ذلك، وأن يسارعوا إلى الاستغفار والعزم على عدم العودة إلى الذنب إن وقعوا فى شىء منه، ثم أن يتركوا الباقى بين يدى الله. ونِعْمَ بالله! ترى بالله ماذا يريد الواحد منا أكثر من هذا؟ إنه إذن لختّارٌ كفورٌ يستأهل ضرب المنتوفلى! ترى هل هناك ما يضاهى فى العبقرية قوله r: "سدِّدوا وقارِبوا" أو قوله: "إن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"؟ ثم أين نحن من قوله عز شأنه: "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ" (هود/ 114)؟ بل أين نحن من قوله: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزُّمَر/ 53)؟
وأترك القراء مع هذه الباقة العجيبة من أحاديث سيد المرسلين فى هذا الموضوع: "إن الله كتب الحسنات والسيئات: فمَنْ هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة. فإن هَمَّ بعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. ومَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. فإن هو هَمَّ بعملها كتبها الله له سيئة واحدة"، "إن عبدا أصاب ذنبا... فقال: ربِّ،أذنبت... فاغفر لي. فقال ربه: أَعَلِمَ عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي. ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا... فقال: ربِّ، أذنبت... آخر، فاغفره؟ فقال: أَعَلِم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي. ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا...، قال: رب أصبت... آخر، فاغفره لي. فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثا، فليعمل ما شاء"، وفى الحديث "أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله r: هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترَوْنَه كذلك. يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه. فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها، أو منافقوها، شك إبراهيم، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم. فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا. فيتبعونه، ويُضْرَب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلِّم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان! هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم ما قَدْر عِظَمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم: فمنهم المؤمن يبقى بعمله، أو الموبَق بعمله، أو الموثَق بعمله، ومنهم المخردل، أو المجازى، أو نحوه، ثم يتجلى. حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يُخْرِجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتُحِشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها، وأحرقني ذُكَاؤها. فيدعو الله بما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أُعْطِيت ذلك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره. ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف الله وجهه عن النار. فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب قَدِّمْني إلى باب الجنة. فيقول الله له: ألستَ قد أَعْطَيْتَ عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أُعْطِيت أبدا؟ ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك! فيقول: أي رب. ويدعو الله حتى يقول: هل عسيتَ إن أُعْطِيتَ ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره. ويعطي ما شاء من عهود ومواثيق، فيقدّمه إلى باب الجنة، فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب، أدخلْني الجنة.
فيقول الله: ألستَ قد أعطيتَ عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أُعْطِيت؟ فيقول: ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك! فيقول: أي رب، لا أكونن أشقى خلقك! فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة. فإذا دخلها قال الله له: تَمَنَّهْ. فسأل ربه وتمنى، حتى إن الله ليذكّره، يقول: كذا وكذا، حتى انقطعت به الأماني. قال الله: ذلك لك، ومثله معه"، "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: أعملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: أعملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم"، "قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرِّقوه، ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر. فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنّه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم. فأمر الله البَرّ فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب، وأنت أعلم. فغفر الله له"، ثم أتساءل: أمن الممكن أن يسمع الإنسان مثل هذه الأحاديث العظيمة فى العفو والغفران والرحمة الإلهية ويتصور أن ثم موضعا لفكرة التجسد والصلب والفداء؟ حاشا لله وكلا!
ومن هذا يتضح لنا أن كل ما قاله واعظنا من أن كل مسلم سيدخل لا محالة النار قبل أن يَرِيح ريح الجنة فهو كلام من لا يفهم مرامى الآيات المذكورة ولا سياقاتها وأسباب نزولها. يقول الواعظ: "اعترف النبي بأن جميع أتباعه سيدخلون جهنم حتمًا: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جَثِيًّا* ...* وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا- سورة مريم 68 و71. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ- سورة هود 119- 120". ووجه الحق هو أن الكلام فى الآيتين خاص بالكافرين المعاندين الذين أصموا آذانهم عن دعوة الحق والتفكير فيها ورفضوا أن يفتحوا قلوبهم للنور منذ البداية رَفْضَ المتمردين المتصلبين! ومعنى الآية الثانية أن جهنم لن تقتصر على عصاة البشر فحسب، بل ستشمل نظراءهم من الجن أيضا، كما أنها لن تقتصر من هؤلاء وهؤلاء على فريق دون فريق، بل كل العصاة سوف يَصْلَوْن نارها: فقراء كانوا أو أغنياء، ورجالا كانوا أو نساء... وهكذا. ولنلاحظ أن القرآن لم يقل إنه سبحانه سوف يملأ جهنم "بـ" الجنة والناس أجمعين، بل "من" الجنة والناس أجمعين. فالحرف "من" يفيد التبعيض، بمعنى أن بعض الجن وبعض الإنس هم الذين سيملأون جهنم لا الجن والإنس جميعا.
وأرجو أن يلتفت القارئ إلى قوله تعالى فى نفس السورة للمسلمين قبل انتقال الآيات إلى الحديث عن الكافرين بقليل: "وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)"، وهو ما يفيد أنه لو لم يركن المسلمون إلى الذين ظلموا ما مستهم النار مجرد مَسّ، فكيف يفهم فاهم أن المسلمين المطيعين سوف يدخلون النار ويصلَوْن عذابها ضربةَ لازب؟ وإلا فأين المهرب من جنة عرضها السماوات والأرض كما جاء فى سورة "آل عمران" وسورة "الحديد"؟ أما إن أصرّ مُصِرٌّ على أن الكلام فى سورة "مريم" بعنى أن البشر جميعا سوف يَرِدُون النار أوّلاً، فلا بد أن نعرف إذن أن الورود لا يعنى الدخول والمقاساة، فورود الماء معناه الوصول إلى العين أو البئر لا نزول الشخص فيه. وعلى هذا يكون المراد هو أن النار ستكون فى الطريق إلى الجنة: فمن استحق الجنة اجتاز الطريق لدار النعيم مباشرة دون أن يناله من النار أذى لأنه لن يدخلها، وإلا أخذ من العذاب نصيبه حتى يتطهر فيخرج عندئذ ليلتحق بأصحاب الفردوس.
ومضيًّا فى المقارنة بين مصير المسلمين والنصارى يقول الواعظ إنه "لن يحصل أحد من الأمة الإسلامية على الغفران النهائي الشامل قبل يوم الدين لأن ليس عندهم بديل في الدينونة إلا الشريعة الحاكمة"، أما على الجانب الآخر فقد "خلّص المسيح أتباعه من لعنة الشريعة، ونجّاهم من حكم الدينونة في اليوم الأخير". وهو لا يكتفى بهذا، بل يضيف أن "إشعياء النبي أنبأ قبل ألفين وسبعمائة سنة موضحًا نيابة المسيح عنّا في دينونة الله: لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا. مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إلى طَرِيقِهِ. والرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا- إشعياء 53:4". والواقع أن هذا كله ليس إلا كلاما فى كلام. كيف؟ يقول إن المسلمين لن يحصلوا على الغفران النهائى الشامل إلا يوم الدين بعكس النصارى، وهو ما يفهم منه أن المسلمين منغمسون هنا فى العذاب والمعاناة، على خلاف النصارى، الذين يرتعون فى الدنيا فى بحبوحة الجنة وما أعده الله فيها لعباده المخلصين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فهل هذا صحيح؟ الحق أنه لا يقول بهذا إلا مجنون، فكلا الفريقين يعيش فى هذه الأرض كما يعيش الفريق الآخر: يعمل ويكد لكى يعيش، ويعانى متاعب الحياة بألوانها المختلفة من أمراض ومخاوف وقلق وملل وفقر وطمع وجهل، ويتطلع إلى التغلب على هذا كله فينجح أحيانا ويخفق أحيانا.
وفى بلادنا نرى الفريقين كليهما يصرخان من نار الغلاء والزبالة والحفر التى تملأ الشواع واختفاء الرصيف والزحام الرهيب فى البشر والسيارات، والصنايعية غير المهرة الذين يتقاضون أجورا عالية لا يستحقونها، والمدارس والجامعات التى هى أكثر من الهم على القلب وتأكل الميارات أكلا ثم لا تخرج إلا جهلة لا يستطيع أغلبهم كتابة اسمه كتابة صحيحة، والدروس الخصوصية التى لا علم فيها بل حفظ ملخصات كلها جهل وتخلف، والمستشفيات العامة هى فى الحقيقة زرائب، والضجة التى تُصِمّ الآذان وتكاد تصيب الناس بالجنون، والكذب وخلف الوعد، والألفاظ البذيئة التى تحاصر الآذان فى كل مكان، والأغانى الهابطة المصحوبة برقص بنات شبقات يحككن أردافهن فى الجدران كأنهن قطط جائعة، والصحف التافهة التى لا تثقّف عقلا ولا ترقّى ذوقا ولا تقول الصدق غالبا... إلخ.
أم ترى واعظنا يزعم أن النصارى لا يقاسون شيئا من هذا، بل يعيشون فى جنة عرضها كعرض السماء والأرض يأتيهم فيها رزقهم بكرةً وعشيًّا دون أن يخرجوا من بيوتهم بل دون أن يغادروا فراشهم، وكل ما عليهم أن يفعلوه هو أن يتمطَّوْا بدلالٍ يليق بأهل السعادة من ساكنى الجنان ويفتحوا أفواههم وهم مستلقون على ظهورهم فيتساقط الطير مشويا فى حلوقهم ومعه ما لذ وطاب من العصائر الحلوة من عرقسوس وتمر هندى وسوبيا ودوم وخرنوب (ولا داعى للكوكاكولا والبيبسى نزولا على حكم المقاطعة لأمريكا)، وقد هبت عليهم نسائم الفردوس الخَضِلة العَطِرة ودخلت الملائكة عليهم من كل باب: "سلامٌ عليكم بما صبرتم، فنِعْمَ عُقْبَى الدار"، على حين أن المسلمين غائصون حتى أذقانهم فى طفح المجارى، وقد انهالت على جلودهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمِّ أعيدوا فيها: "وذوقوا عذاب الحريق"، وسربلتهم ثياب من زفت وقطران، وليس لهم طعامٌ إلا شجرة الزَّقُّوم، ولا شرابٌ إلا غَلْى الحميم؟ فليكن النصرانى قد غُفِرَتْ له ذنوبه، والمسلم لا، فالواقع الذى لا يكذب هو أن ثمرة هذا أو ذاك لن تظهر إلا فى الآخرة، ومن ثم فلا فرق فى دنيانا هذه بين حالة الأول وحالة الأخير. وهذا إن صدقنا أن ما يقوله الواعظ صحيح، وهو بكل تأكيد غير صحيح.
ونصل إلى إشارة الواعظ إلى نبوءة إشعياء، وهو بطبيعة الحال يقصد أن عيسى u هو الله أو ابن الله الذى شفى الممسوسين، وفاته أنه قد تكررت الإشارة فى سفر إشعياء إلى أن الكلام عن "عبد" لله لا عن ابن لله ولا عن الله نفسه. وهذا هو النص فى سياقه كاملا كما ورد فى السفر المذكور:


13. هوذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدا.
14 كما اندهش منك كثيرون.كان منظره كذا مفسدا اكثر من الرجل وصورته اكثر من بني آدم.
15 هكذا ينضح امما كثيرين.من اجله يسد ملوك افواههم لانهم قد ابصروا ما لم يخبروا به وما لم يسمعوه فهموه
1. من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب.
2 نبت قدامه كفرخ وكعرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه.
3 محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به
4. لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا.
5 وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا.
6 كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا.
7 ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه.
8 من الضغطة ومن الدينونة أخذ.وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي.
9 وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته.على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش
10. اما الرب فسرّ بان يسحقه بالحزن.ان جعل نفسه ذبيحة اثم يرى نسلا تطول ايامه ومسرة الرب بيده تنجح.
11 من تعب نفسه يرى ويشبع.وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها.
12 لذلك اقسم له بين الاعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من اجل انه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين
" (إشعيا/ 52/ 13- 15، و53/ 1- 11).

فإن أصر قداسة الواعظ على أن يرى هنا المسيح عليه السلام، فها هو ذا مؤلف سفر إشعياء يصفه على لسان المولى سبحانه بأنه عبد لله لا ابن له. ولا ننس أنه لم يحدث مرة أن قال المسيح عليه السلام لأحد ممن تعامل معهم: "يا عبدى، أو يا عبادى"، بل إنه لم يسمهم حتى "عَبِيدًا" (وهى الكلمة التى تُسْتَخْدَم عادة لعبد الإنسان لا لعبد الله، الذى يُجْمَع عادة على "عِبَاد") بل سماهم: "أحبّاء": "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي" (يوحنا/ 15/ 15). أى أن المسيح، u، من الناحيتين: الإيجابية والسلبية كلتيهما، هو عبدٌ لله كسائر عباد الله، وإنْ زاد عنهم بأنه كان رسولا نبيا. لكن قول مؤلف إشعياء عن ذلك العبد: "7ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ" لا ينطبق على السيد المسيح r، إذ إنه لم يكن صامتا بل كان يتكلم طوال الوقت مع تلامذته أو أعدائه أو المرضى المتعَبين، وهذا الكلام هو الذى ألَّب عليه المجرمين الفَسَقَة. حتى عندما وُضِع على الصليب حَسْب روايات مؤلفى الأناجيل لم يكفّ عن الكلام، بل كان يجيب على ما يوجَّه له من أسئلة وتهكمات، كما أخذ يصيح ويتألم وهو فى نزعه الأخير حسبما يزعمون.
ثم إنه لم يُدْفَنْ مع أشرار، ولا مات مع أغنياء، ورواية الصَّلْب موجودة لكل من يريد، فليدلّنا القوم على خلاف ما نقول! وفوق ذلك كيف يقال إنه قد ظُلِم، وهو ابن الله أو الله ذاته؟ هل الآلهة يمكن أن تُظْلَم؟ أوليس أبوه هو الذى أرسله بنفسه لكى يموت هذه الميتة فداء للبشرية؟ فكيف يسمَّى هذا ظلما؟ الواقع أنه إذا قلنا إنه كان هناك ظلم فليس أمامنا إلا القول بأن هذا الظلم هو مِنَ الذى اختاره وأرسله، أستغفر الله، لا مِنَ الذين أسلموه لقتلته ولا من الذين صلبوه لأن هؤلاء جميعا إنما كانوا الأدوات المنفذة للمشيئة الإلهية التى إنما عملت ما عملت رحمة بالبشرية وتكفيرا لها عن ذنوبها كما يقول القوم! كذلك فالسيد المسيح لم يكن محتقَرا، معاذ الله! وإذا كان فمِنْ قِبَل المجرمين المنافقين من بنى إسرائيل فقط، وهؤلاء لا قيمة لهم عند الله، أما الذين آمنوا به فقد أحبوه واحترموه. والأناجيل مملوءة بالكلام الطيب الذى كانوا يغدقونه عليه.
وفوق ذلك فإن قول إشعياء: "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمّلها" لا ينطبق على السيد المسيح بحال لأنه لم يحدث أنْ حمل أحزان أحد ولا تحمّل أوجاعه، بل كل ما هنالك أنه أذهب عن بعض المرضى (وليس عنا كلنا نحن البشر) الأحزان والأوجاع التى كانوا يقاسونها ولم يتحمل هو نفسه شيئا منها، وإلا فهل كان فى كل مرة يشفى فيها أحدا من مرضه كان يصاب هو بدلا منه بذلك المرض؟ هذا هو معنى العبارة، وهو ما لا ينطبق على المسيح بتاتا، بيد أن القوم فى تفكيرهم وتفسيرهم لكتابهم المقدس لا يجرون على أى منهج أو منطق، بل يقولون كل ما يعنّ لهم بغض النظر عما فيه من شطط فى الخروج على كل منطق وعقل! كذلك فإن الكلام يخلو تماما مما يعتقده النصارى فى السيد المسيح من أنه قام من الأموات وصعد إلى السماء! ثم إن نهاية النص تتحدث عن نسل له تطول أيامه، وليس للمسيح أى نسل، لسبب بسيط هو أنه لم يتزوج كما يعلم جميع الناس: "أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ".
ولا بد من التنبيه إلى أن كثيرا من المفسرين اليهود يؤكدون أن المقصود فى هذه النبوءة هو النبى إرميا وليس عيسى u، أما الفريق الآخر منهم الذى يرى أن الكلام عن المسيح فإن المسيح عندهم ليس هو ابن مريم بل شخصا آخر لا يزالون فى انتظار مجيئه كما هو معروف (انظر "Matthew Henry Complete Commentary on the Whole Bible" فى التعليق على الفقرات 13- 15 من الإصحاح الثانى والخمسين من سفر إشعياء)، وهذا الشخص لن يكون واحدا من الأقانيم المعروفة لأنهم لا يعرفون التثليث النصرانى الذى هو، فى الواقع، نتاج الفكر المتأخر عن المسيح. وعلاوة على هذا نجد ألفرد جِيّوم فى "A New Commentary on Holy Scripture" (لندن/ 1929م/ 459) يؤكد أن هناك خلافا حادا حول حقيقة الشخص المومإ إليه هنا لم يهدأ أُوَارُه، وأن التفسير القديم الذى كان يرى أن المراد فى نبوءتنا هو السيد المسيح قد أخلى مكانه لحساب القول بأن المقصود هم بنو إسرائيل كلهم، وبخاصة أنه قد سبق فى سفر إشعياء استعمال لفظ "العبد" مرادا به بنو إسرائيل، كما أنه من غير المعقول أن يكون الكلام بهذا التفصيل عن شخص لن يظهر إلا بعد 500 عام تقريبا. ومن هذا يتبين لنا أن كلام السيد الواعظ هو كلام خاطئ تماما.

الدكنور إبراهيم عوض

بقية فصول الرد على كتاب " أيهما الأعظم "

·كشف مسرحية عبد المسيح
·ولادة محمد والمسيح عليهما السلام
·الوعود الإلهية عن محمد والمسيح
·براءة محمد والمسيح
·الوحي لمحمد والمسيح
·معجزات محمد والمسيح
·موت محمد وموت المسيح
·محمد والمسيح بعد موتهما
·سلام محمد وسلام المسيح
·وجعلناها وابنها آية للعالمين
·العمل في الإسلام والمسيحية
·مكانة العلم في الإسلام
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\براءة محمد والمسيح مزون الطيب هدي الإسلام 0 05-02-2012 01:43 PM
ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\معجزات محمد والمسيح مزون الطيب هدي الإسلام 0 05-02-2012 01:39 PM
ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\العمل في الإسلام والمسيحية مزون الطيب هدي الإسلام 0 05-02-2012 01:35 PM
ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\مكانة العلم في الإسلام مزون الطيب هدي الإسلام 0 05-02-2012 01:34 PM
ردا علي كتاب أيهما أعظم ؟ محمد أم المسيح\\الجانب الخلقى في الإسلام والنصرانية مزون الطيب هدي الإسلام 0 05-02-2012 01:34 PM


الساعة الآن 08:36 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22