صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

لا تحزن

الشيخ عائض القرني الحمدُ لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله ِ ، وعلى آله وصحبهِ وبعدُ : فهذا الكتاب ( لا تحزن ) ، عسى أن تسعد بقراءتهِ والاستفادةِ منه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-01-2012 ~ 12:51 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 11
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


« يا ذا الجلالِ والإكرامِ »

صحَّ عنه  أنهُ قال : « ألظُّوا بيا ذا الجلالِ والإكرامِ » . أي الزموها ، وأكثرُوا منها ، وداوموا عليها ، ومثلُها وأعظمْ : يا حيُّ يا قيومْ . وقيل : إنه الاسمُ الأعظمُ لربِّ العالمين الذين إذا دُعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى . فما للعبدِ إلا أنْ يهتف بها وينادي ويستغيث ويدمن عليها ، ليرى الفرَجَ والظفرَ والفلاحَ : ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ .
في حياةِ المسلمِ ثلاثةُ أيامٍ كأنها أعيادٌ :
يومٌ يؤدّي فيه الفرائض جماعةً ، ويسْلمُ من المعاصي: ﴿ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ﴾ .
ويومٌ يتوبُ فيه من ذنبِهِ ، وينخلعُ من معصيتِهِ ، ويعودُ إلى ربِهِ : ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾.
ويومٌ يلقى فيه ربِّه على خاتمةٍ حسنةٍ وعملٍ مبرورٍ : ((مَنْ أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءهُ )) .
وبشّرتُ آمالي بشخصٍ هو الورى
ودارٍ هي الدنيا ويومٍ هو الدهرُ


قرأتُ سِير الصحابة – رضوانُ اللهِ عليهم - ، فوجدتُ في حياتِهمْ خمس مسائل تميزُهم عنْ غيرِهمْ :
الأولى : اليُسْرُ في حياتِهِمْ ، والسهولةُ وعدم التكلُّف ، وأخذ الأمور ببساطة ، وترك التنطع والتعمُّق والتشديد : ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ .
الثانيةَ : أن عِلْمهم غزيرٌ مباركٌ متصلٌ بالعملِ ، لا فضولَ فيه ولا حواشي ، ولا كثرة كلامٍ ، ولا رغوة أو تعقيد : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ .
الثالثةَ : أنَّ أعمال القلوبِ لديهمْ أعظمُ من أعمالِ الأبدانِ ، فعندهُمُ الإخلاصُ والإنابُةُ والتوكلُ والمحبةُ والرغبةُ والرهبةُ والخشْيةُ ونحوُها ، بينما أمورُهم ميسَّرةٌ في نوافلِ الصلاةِ والصيامِ ، حتى إن بعض التابعين أكثرُ اجتهاداً منهمْ في النوافلِ الظاهرةِ : ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ .
الرابعة : تقلُّلهمْ من الدنيا ومتاعِها ، وتخفُّفُهم منها ، والإعراضُ عن بهارجها وزخارفِها ، مما أكسبهم راحةً وسعادةً وطمأنينةً وسكينةً : ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ .
الخامسة : تغليبُ الجهادِ على غيرِه من الأعمالِ الصالحةِ ، حتى صار سِمةً لهمْ ، ومعْلماً وشعاراً . وبالجهادِ قضوْا على همومِهم وغمومِهم وأحزانِهمْ ، لأنَّ فيه ذكراً وعملاً وبذلاً وحركةً .
فالمجاهدُ في سبيل اللهِ منْ أسعدِ الناسِ حالاً ، وأشرحِهم صدْراً وأطيبهِم نفساً : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ .
في القرآن حقائقُ وسُننٌ لا تزولُ ولا تحولُ ، أذكرُ ما يتعلقُ منها بسعادةِ العبدِ وراحةِ بالِهِ ، منْ هذِهِ السُّننِ الثابتةِ :
أنَّ منِ استنصر باللهِ نَصَرَهُ : ﴿ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ . ومنْ سألهُ أجابهُ : ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ . ومن استغفره غَفَرَ له : ﴿ فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ﴾ . ومنْ تاب إليه قبل منه : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ . ومنْ توكَّل عليهِ كفاهُ : ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ .
وأنَّ ثلاثةً يعجِّلُها اللهُ لأهلِها بنكالِها وجزائها : البغيُ : ﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ ، والنكثُ : ﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ ، والمكرُ : ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ . وأنَّ الظالم لنْ يفلت من قبضةِ اللهِ : ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ﴾ . وأنَّ ثمرة العملِ الصالحِ عاجلةٌ وآجلةٌ ، لأنَّ الله غفورٌ شكورٌ : ﴿ فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ﴾ ، وأن من أطاعه أحبَّه : ﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ﴾ . فإذا عَرَفَ العبدُ ذلك سعد وسُرَّ ، لأنه يتعاملُ مع ربٍّ يرزقُ ويَنْصُرُ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ﴾ ، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾ ، ويغفرُ : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ ﴾ ، ويتوبُ : ﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ ، وينتقمُ لأوليائه منْ أعدائِهِ : ﴿ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ ، فسبحانه ما أكملهُ وأجلًّهُ : ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ ؟! .
للشيخِ عبدِالرحمنِ بنِ سعديٍّ – رحمهُ اللهُ – رسالةٌ قيِّمةٌ اسمُها ( الوسائلُ المفيدةُ في الحياةِ السعيدةِ ) ، ذكر فيها : « إنَّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ ينظر العبدُ إلى نعمِ اللهِ عليه ، فسوف يرى أنهُ يفوقُ بها أمماً من الناسِ لا تُحْصى ، حينها يستشعرُ العبدُ فضل اللهِ عليه » .
أقولُ : حتى في الأمورِ الدينيَّةِ مع تقصيرٍ العبدِ ، يجُد انه أعلى منْ فئامٍ من الناسِ في المحافظةِ على الصلاةِ جماعةً ، وقراءةِ القرآن والذكرِ ونحْو ذلك ، وهذه نعمةٌ جليلةٌ لا تُقدَّرُ بثمنٍ : ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ .
وقدْ ذكر الذهبيُّ عن المحدِّثِ الكبيرِ ابنِ عبدِ الباقي انه : استعرض الناس بعد خروجِهم من جامعِ ( دارِ السلامِ ) ببغداد ، فما وَجَدَ أحداً منهمُ يتمنَّى أنه مكانه وفي مسلاخه .
ولهذِهِ الكلمةِ جانبٌ إيجابيٌّ وسلبيٌّ : ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ .
كلُّ هذا الخلْقِ غِرٌّ وأنا
منهمُ فاتركْ تفاصيل الجُمَلْ


****************************************
وقفـــةٌ

عن أسماء بنتِ عُميْسٍ – رضي اللهُ عنها – قالتْ : قال لي رسولُ الله  :
(( ألا أُعلِّمكِ كلماتٍ تقولِينهُن عند الكرْبِ . أو في الكرْبِ . ؟ : اللهُ اللهُ ربِّي لا أُشركُ به شيئاً )) .
وفي لفظٍ : (( منْ أصابهُ همٌّ أو غمٌّ أو سقمٌ أو شِدَّةٌ ، فقال : اللهُ ربي ، لا شريك له . كُشِف ذلك عنه )) .
« هناك أمورٌ مظلمةٌ تورِدُ على القلبِ سحائب متراكماتٍ مظلمةً ، فإذا فرَّ إلى ربِّهِ ، وسلّم أمره إليهِ ، وألقى نفسهُ بين يديهِ مِنْ غيرِ شرِكةِ أحدٍ من الخلقِ ، كشَفَ عنه ذلك ، فأمَّا منْ قال ذلك بقلبٍ غافلٍ لاهٍ ، فهيهات » .
قال الشاعرُ :
وما نبالي إذا أرواحٌنا سلِمتْ

بما فقدناهُ مِنْ مالٍ ومِنْ نَشَبِ

فالمالُ مكتسبٌ والعِزُّ مُرْتجعٌ

إذا النفوسُ وقاها اللهُ مِنْ عَطَبِ

**********************************
مَن خاف حاسداً

1. المعوِّذاتُ مع الأذكارِ والدعاءِ عموماً : ﴿ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ .
2. كِتمانُ أمرِك عنِ الحاسِدِ : ﴿ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾ .
3. الابتعادُ عنه : ﴿ وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾ .
4. الإحسانُ إليه لِكفِّ أذاهُ : ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ .
************************************
حسِّنْ خلُقكَ

حُسْنُ الخُلُقِ يُمْنٌ وسعادةٌ ، وسُوءُ الخُلُقِ شُؤمٌ وشقاءٌ .
(( إن المرء لَيبْلغ بحسنِ خلُقِهِ درجةَ الصائمِ القائمِ)) . ((ألا أُنبِّئُكم بأحبِّكمُ وأقربِكُمْ منِّي مجلساً يوم القيامةِ ؟! أحاسنُكمْ أخلاقاُ)) . ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾. ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ . ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ .
وتقولُ أمُّ المؤمنين عائشةُ بنتُ الصديق – رضي الله عنهما – في وصفها المعصوم عليه صلاةُ ربي وسلامُه : (( كان خُلُقُهُ القُران )) .
إن سَعَةَ الخُلُق وبَسْطَهَ الخاطرِ : نعيمٌ عاجلٌ وسرورٌ حاضرٌ لمن أراد به اللهُ خيْراً ، وإنَّ سرعة الانفعالِ والحِدَّةِ وثورة الغضبِ : نَكَدٌ مستمرٌّ وعذابٌ مقيمٌ .
*************************************
دواءُ الأرقِ

ماذا يفعلُ منْ أُصيب بالأرقِ ؟
الأرقُ تعسُّرُ النومِ ، والتململُ على الفراشِ .
1. الأذكارُ الشرعيَّةُ : ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ .
2. هَجْرُ النومِ بالنهارِ إلا لحاجةٍ ماسَّةٍ :﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ﴾ .
3. القراءةُ والكتابةُ حتى النومِ : ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ .
4. إتعابُ الجسمِ بالعملِ النافعِ نهاراً : ﴿ وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً ﴾ .
5. التقليلُ منْ شربِ المنبِّهاتِ كالقهوةِ والشايِ .
شكوْنا إلى أحبابِنا طول ليلِنا

فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا

وذاك بأنَّ النوم يُغشِي عيونهم

يقيناً ولا يُغشِي لنا النومُ أعْينا

مرارةُ الذنبِ تنافي حلاوة الطاعةِ ، وبشاشة الإيمانِ ، ومذاق السعادةِ .
يقولُ ابنُ تيمية : المعاصي تمنعُ القلبَ منَ الجولانِ في فضاءِ التوحيدِ : ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ .
************************************
عواقب المعاصي

1. حجابٌ بين العبدِ وربِّه : ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ .
2. يُوحشُ المخلوق من الخالقِ : إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه .
3. كآبةٌ دائمةٌ : ﴿ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ .
4. خوفٌ في القلبِ واضطرابٌ : ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ ﴾ .
5. نكدٌ في المعيشةِ : ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ .
6. قسوةٌ في القلبِ وظلمةٌ : ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ .
7. سوادٌ في الوجهِ وعبوسٌ : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم ﴾ .
8. بغضٌ في قلوبِ الخلْقِ : (( أنتم شهداءُ اللهِ في أرضِهِ )) .
9. ضيقٌ في الرزقِ : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾ .
10. غضبُ الرحمنِ ، ونقْصُ الإيمانِ ، وحلولُ المصائبِ والأحزانِ : ﴿ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾ .﴿ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ . ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ .
**************************************

اطلبِ الرزق ولا تحرِصْ

الدودةُ في الطِّينِ يرزقُها ربُّ العالمين: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾.
الطيورُ في الوكورِ يطعمُها الغفورُ الشكورُ : (( كما يرزقُ الطيرَ ، تغدو خِماصاً وتروحُ بِطاناً )) .
السمكُ في الماءِ يرزقُه ربُّ الأرضِ والسماء : ﴿ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ﴾ .
وأنت أزكى من الدودةِ والطيرِ والسمكِ ، فلا تحزنْ على رزقِك .
عرفتُ أناساً ما أصابُهُمُ الفقرَ والكدرُ وضيقُ الصدر إلا بسببِ بعدِهم عن اللهِ عزَّ وجلَّ ، فتجدُ أحدهم كان غنيّاً ، ورزقُه واسعٌ وهو في عافيةٍ منْ ربِّهِ وفي خيرٍ منْ مولاه ، فأعرض عن طاعةِ اللهِ ، وتهاون بالصلاةِ ، واقترف كبائر الذنوبِ ، فسلبَهَ ربُّه عافية بدنِهِ وسعة رزقِهِ ، وابتلاهُ بالفقْرِ والهمِّ والغمِّ ، فأصبح منْ نكدٍ إلى نكدٍ ، ومنْ بلاءٍ إلى بلاءٍ : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ . ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ . ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ . ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً ﴾ .
أتبكي على ليلى وأنت قتلتها
هنيئاً مريئاً أيُّها القاتلُ الصَّبُّ

**************************************
﴿ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾
سرُّ الهدايةِ

ولنْ يهتدي للسعادةِ ولنْ يجدها ولنْ ينعم بها ، إلا منِ اتبع الصراط المستقيم الذي تركنا محمدٌ  على طرفِهِ ن وطرفُه الآخرُ في جناتِ النعيمِ : ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾.
فسعادةُ من لزم الصراط المستقيم أنهُ مطمئنٌّ لحسْنِ العاقبةِ ، واثقٌ منْ طيبِ المصيرِ ، ساكنٌ إلى موعودِ ربِّهِ ، راضٍ بقضاءِ مولاهُ ، مخبتٌ في سلوكِهِ هذا السبيلُ ، يعلمُ انَّ له هادياً يهديهِ على هذا الصراطِ ، وهو معصومٌ لا ينطقُ عن الهوى ، ولا يتبعُ منْ غوى ، قَوْلُهُ حجَّةٌ على الورى ، محفوظٌ منْ نزغاتِ الشيطانِ ، وعثراتِ القرانِ ، وسقطاتِ الإنسانِ : ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ﴾ .
وهذا العبدُ يجدُ السعادة في سلوكِهِ هذا الصراط ؛ لأنهُ يعلمُ أنَّ له إلهاً ، وأمامهُ أسوةً ، وبيدِهِ كتاباً ، وفي قلبِه نوراً ، وفي خلدِه ، واعظاً ، وهو ذاهبٌ إلى نعيمٍ ، وعاملٌ في طاعةٍ ، وساعٍ إلى خيرٍ : ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ .
أين ما يُدعى ظلاماً يا رفيق الدربِ أينْا
إنَّ نور اللهِ في قلبي وهذا ما أراهُ

وهما صراطان : معنويٌّ وحِسِّيٌّ ، فالمعنويٌّ : صراطُ الهدايةِ والإيمانِ ، والحسيُّ : الصراطُ على متْنِ جهنم ، فصراطُ الإيمانِ على متنِ الدنيا الفانيةِ له كلاليبٌ من الشهواتِ ، والصراطُ الأخرويُّ على متْنِ جهنم له كلاليبُ كشوكِ السعدانِ ، فمنْ تجاوز هذا الصراط بإيمانِهِ تجاوز ذاك الصراط على حسْبِ إيقانهِ ، وإذا اهتدى العبدُ إلى الصراطِ المستقيمِ زالتْ همومُه وغمومُه وأحزانُه .
*******************************************
عشرُ زهِراتٍ يقطفُها منْ أراد الحياة الطيبة

1. جلسةٌ في السَّحر للاستغفارِ : ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ﴾ .
2. وخلوةٌ للتفكُّرِ : ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ .
3. ومجالسةُ الصالحين : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ .
4. والذِّكْر : ﴿ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾ .
5. وركعتانِ بخشوعٍ : ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ .
6. وتلاوةٌ بتدبُّرٍ : ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ .
7. وصيامُ يومٍ شديدِ الحرِّ : (( يدع طعامه وشرابه وشهواته منْ أجلي )) .
8. وصدقةٌ في خفاءٍ : (( حتى لا تعلم شمالهُ ما تنفقُ يمينُه )) .
9. وكشْفُ كربةٍ عنْ مسلمٍ : (( منْ فرَّج عنْ مسلمِ كربةً منْ كُربِ الدنيا فرَّج اللهُ عنه كربةً منْ كربِ يومِ القيامةِ )) .
10. وزهْدٌ في الفانيةِ : ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ .
تلك عشرةٌ كاملةٌ .
منْ شقاءِ ابنِ نوحٍ قولُه : ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ﴾ . ولو أوى إلى ربِّ الأرضِ والسماءِ لكان أجلَّ وأعزَّ وأمنع .
ومن شقاءِ النمرودِ قولهُ : أنا أُحيي وأُميتُ . فتقمَّص ثوباً ليس له ، واغتصب صفةً لا تحلُّ له ، فُبِهِت وخسأ وخاب .
﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ .
مفتاحُ السعادةِ كلمةٌ ، وميراثُ الملَّةِ عبارةٌ ، ورايةُ الفلاحِ جملةٌ ، فالكلمةُ والعبارةُ والجملةُ هي : لا إله إلا اللهُ . محمدٌ رسولُ اللهِ  .
سعادةُ منْ نطقها في الأرضِ : أن يُقال لهُ في السماءِ : صدقْتَ : ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ .
وسعادةُ منْ عمل بها : أنْ ينجو من الدمارِ والشَّنارِ والعارِ والنارِ : ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ ﴾ .
وسعادةُ منْ دعا إليها : أنْ يٌعان ويُنْصَرَ ويُشْكَرَ : ﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .
وسعادةُ منْ أحبَّها : أنْ يُرفع ويُكرَمَ ويُعزَّ : ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ .
هتف بها بلالٌ الرقيقُ فأصبح حرّاً : ﴿ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ﴾ .
وتلعثم في نطقهاِ أبو لهبٍ الهاشميُّ ، فمات عبداً ذليلاً حقيراً : ﴿ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ﴾ .
إنها الإكسيِرُ الذي يحولِّ الركام البشريَّ الفاني إلى قممٍ لإيمانيةٍ ربانيةٍ طاهرةٍ : ﴿ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ﴾ .
لا تفرحْ بالدنيا إذا أعرضْت عنِ الآخرةِ ، فإنَّ العذاب الواصب في طريقِك ، والغلَّ والنَّكالُ ينتظرُك : ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ﴾ . ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ .
ولا تفرحْ بالولدِ إذا أعرضت عن الواحدِ الصمدِ ، فإنَّ الإعراض عنه كلُّ الخذلانِ ، وغايةُ الخسرانِ ، ونهايةُ الهوانِ : ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ﴾ .
ولا تفرحْ بالأموالِ إذا أسأت الأعمال ، فإنَّ إساءة العمل محقٌ للخاتمةِ وتبابٌ في المصيرِ ، ولعنةٌ في الآخرةِ : ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى ﴾ ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ .
*************************************
وقفــةٌ

(( يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك أستغيثُ )) : في رفع هذا الدعاءِ مناسبةٌ بديعةٌ ، فإنَّ صفة الحياةِ متضمِّنةً لجميع صفاتِ الكمالِ ، مستلزمةٌ لها ، وصفةُ القيَّوميةُ متضمِّنةٌ لجميعِ صفاتِ الأفعالِ ، ولهذا كان اسمُ اللهِ الأعظمُ الذي إذا دُعِيَ به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى : هو اسمُ الحيُّ القيومُ . والحياةُ التامَّة تضادُّ جميع الأسقامِ والآلام ؛ ولهذا لما كمُلتْ حياةُ أهلِ الجنةِ ، لمْ يلحقْهُمْ همُّ ولا غمٌّ ولا حَزَنٌ ولا شيءٌ من الآفاتِ . ونقصانُ الحياةِ تضرُّ بالأفعالِ ، وتنافي القيومية ، فكمالُ القيوميةِ لكمالِ الحياةِ ، فالحيُّ المطلقُ التامُّ الحياةِ لا تفوتُه صفةُ الكمالِ ألبتة ، والقيومُ لا يتعذَّرُ عليه فعْل ممكن ألبتة ، فالتوسلُ بصفةِ الحياةِ والقوميةِ له تأثيرٌ في إزالةِ ما يُضادُّ الحياةَ ويضرُّ بالأفعالِ .
قال الشاعرُ :
لعمْرُك ما المكروهُ منْ حيث تتَّقي

وتخشى ولا المحبوبُ من حيثُ تَطْمَعُ

وأكثرُ خوفِ الناسِ ليس بكائنِ

فما درْكُ الهمِّ الذي ليس ينفعُ

  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيها العاصي..لا تحزن راضية بربي هدي الإسلام 0 18-09-2013 12:25 PM
لخدمة مطامع شيعية ..إيران تدشن أكبر شبكة كهرباء بالمنطقة مزون الطيب أخبار منوعة 0 20-02-2012 08:32 PM
الهند: تحسن ملحوظ في الأوضاع التعليمية للمسلمين نور الإسلام الإسلام في أسيا 0 12-01-2012 06:47 AM


الساعة الآن 12:54 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22