صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

العلاقة بين العقل والنقل (5)

المحاضرة الخامسة الحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته ، وأقر له بالإلهية جميع مصنوعاته ، وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو ، بما أودعها

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-2013 ~ 09:14 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي العلاقة بين العقل والنقل (5)
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



المحاضرة الخامسة
الحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته ، وأقر له بالإلهية جميع مصنوعاته ، وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو ، بما أودعها من عجائب صنعته ، وبدائع آياته وعظيم حكمته ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته ، لا إله إلا الله هو الواحد لا شريك له في ألوهيته ، ولا شريك له في ربوبيته ، ولا شبيه له في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ (الشورى:11) ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ (مريم:65) ﴿ لِلذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ (النحل:60) .

سبحان من سبحت له السماوات وأملاكها ، والنجوم وأفلاكها ، والأرض وسكانها ، والبحار وحيتانها ، والنجوم والجبال ، والآكام والرمال ، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾(الحج:18) ، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ (الإسراء:44) .

وأشهد ألا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة تضمن لنا الإسعاد يوم يقوم الأشهاد ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، الداعي إلى الحق وإلى سبيل الرشاد ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، الذين أعزهم الله على أهل الكفر والنفاق والجحود والعناد ، فحكموا سيوفهم في رقاب أهل العصيان والفساد ، فلم يجرؤ أحد في زمانهم على إعلان البدعة أو الإلحاد ، أو القول بتمثيل أو تعطيل أو حلول أو اتحاد ، أبعدنا الله عز وجل عن ذلك أيما إبعاد ، وحمانا من الغي والإفساد على مر الدهور والآباد ، أما بعد ..

فقد اتخذ بعض المسلمين المتأخرين عن القرون الثلاثة الفاضلة ، اتخذوا في أمور العقيدة والتوحيد منهجا مختلفا عن منهج أئمة التابعين وأتباعهم ، فقد مزجوا مسائل العقيدة بكلام اليونان ، وجعلوا كلام الفلاسفة ، أصولا عقلية يردون إليها ما خالفها من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها بغير دليل ، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن هذه الأصول العلقية التي وضعوها ، هي أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل ، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامى جاهل ، حتى قال أبو حامد الغزالى معظما لمنطق أرسطو : ( إن من لا يحيط به فلا ثقة بعلومه ) وبالغ وغالى غلوا كبيرا في تمجيده حتى جعله فيصلا وفرقانا ، وقسطاسا ميزانا ، يزن به كل العلوم الإنسانية ، والمعارف الدينية ، فيقول في كتابه القسطاس المستقيم : ( لا أدعى أنى أزن بها _ مقاييس العقل اليونانى _ لا أدعى أنى أزن بها المعارف الدينية فقط ، بل أزن بها العلوم الحسابية ، والهندسية والطبيعة ، والفقهية والكلامية ، - وهو يقصد بالعلوم الاعتقادية علوم العقيدة والتوحيد لأن الأشعرية يسمون العقيدة بعلم الكلام - وكل علمٍ حقيقي غيُر وضعي ، فإني أميز حقه عن باطله بهذه الموازين وكيف لا وهو القسطاس المستقيم ؟

وقد زعموا وجود التعارض بين العقل ونصوص الكتاب والسنة ، وجعلوا دلالة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في باب الصفات وغيره من الغيبيات دلالة باطلة ، ظاهرها لا يراد ويجب صرفها عن ظاهرها وحقيقتها إلى معاني آخر معتمدة على توقيعهم وإمضائهم ، حتى قال أبو حامد الغزالي : من أخذ علمه من العبارات والألفاظ ضل ضلالا بعيدا ومن رجع إلى العقل استقام أمره وانصلح دينه ) .

وللأسف يسير على نهجهم في عصرنا من يتمسك بدربهم ، كأعظم مؤسسة علمية في البلاد الإسلامية ، فجميع المعاهد الأزهرية ، تدرس لطلابها في العقيدة المناهج الأشعرية ، وكبعض إخواننا من المشايخ المؤسسين للجمعية الشرعية ، كمؤلف كتاب الدين الخالص ، وهو والله ما كان ولا يكون دينا خالصا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك على سبيل المثال كتاب حق الله على العباد وحق العباد على الله حيث أوجب على العباد في باب الصفات ما لم ينزل الله به من سلطان ، ولا دل عليه شيء من القرآن ، وإنما هي أصول عقلية انتهج فيها نهج أسلافه الأشعرية ، وقد علمنا في المحاضرات الماضية أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح بل يشهد له ويؤيده ، لأن المصدر واحد ، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده ، وهو سبحانه أعلم بصناعته لعقل الإنسان ومدى تفكيره فيما يصلحه أو يفسده ، فإذا وضع نظاما لتشغيل صنعته وتوجيه الإنسان لجنته وصلاحه في دنيته ، علمنا أنه لو ظهر خلل أو تعارض بين العقل والنقل فليس ذلك بسبب نظام التشغيل ، ولكن بسبب قلة الالتزام بمنهج الله أو اتخاذ البديل المرجوح من نظم البشر .

وقد وقفنا عند الأمر الثامن الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله على كتاب الله وسنة رسوله في باب الأسماء والصفات ، وغير ذلك من الغيبيات ، ونبدأ حديثنا بالأمر التاسع الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله على كتاب الله وسنة رسوله الأمر التاسع أنه ليس وقد كان فيما نزل به القرآن الكريم الإخبار عن الأمور الغيبية كالإخبار عن ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وعن اليوم الآخر ووصف الجنة والنار ، كان القرآن يتنزل بهذه الأخبار ، والرسول صلى الله عليه وسول يبلغها ويبينها ، والصحابة يتلقونها بالقبول ويفهمونها ويؤمنون بها ، ولم يعرف عن أحد منهم أنه تردد أو استشكل شيئا من ذلك ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( ما رأيت خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض صلى الله عليه وسلم كلهن في القرآن يسألونك عن المحيض ويسألونك عن الشهر الحرام ويسألونك عن اليتامى .. ما كانوا يسألونه إلا عما ينفعهم ) .

فالصحابة تنازعوا في كثير من مسائل الأحكام ، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا ، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال ، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم ، ولم يحرفوها عن مواضعها تأويلا تبديلا ، ولم يضربوا لها أقيسة وأمثالا ، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وعدم حملها على ظاهرها ، بل تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم ، وجعلوا منهجهم فيها منهجا واحدا ، ولم يفعلوا كما فعل أهل البدع والأهواء ، حيث جعلوا إيمانهم بالقرآن أجزاء ، فأقروا ببعضه لأنه يوافق ما عندهم من العقل والبرهان ، وعطلوا بعضا وأولوا معناه من غير فرقان ، نعم من غير فرقان مبين ، ولا حبل متين .

والصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا استشكلون بعض النصوص القرآنية ، لم يتعلجوا بإصدار الأحكام العقلية أو حملها على أصول كلامية ، كما فعل الأشعرية ومن شابههم من الأزهرية ، وإنما يوردون إشكالاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبهم عنها ، وكانوا يسألونه عن الجمع بين الآيات التي قد يتصورون فيها التعارض ، ولم يكن أحد منهم يورد علي النبي بعقله ما يعارض نص القرآن أبد ، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عاتب في ذلك أحدا ، فالصحابة رضي الله عنهم هم أكمل الأمم عقولا ، لم يعارضوا بعقولهم ولا آرائهم خبرا عن الله منقولا ، وإنما حكى الله تعالى ذلك عن المنافقين الكفار ، وأهل البدعة والضلال ، كما قال رب العزة والجلال : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ﴾– طاغوت العقل والأصول الكلامية -﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً – نريد توحيد الله بعقولنا وتنزيه الله عما يشبه أوصافنا - أُولَئِكَ الذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغا ﴾ (النساء:63) وذكر الله زعمهم بأنهم إنما أرادوا توحيد الله وطاعته ﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّل عَلَى اللهِ وَكَفي بِاللهِ وَكِيلاً ﴾ (النساء:81) .

لكن أصحاب محمدصلى الله عليه وسلم كانوا إذا استشكلوا شيئا عادوا إلى نبيهم ، مؤمنين بكتاب ربهم ، يردون العيب إلى عقولهم ، وضعف إدراكهم لما استشكلوه ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نوقش الحساب عذب فقالت عائشة يا رسول الله أو ليس يقول الله تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ (الانشقاق:8) فقال : إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك ) ، فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بين لها النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تعارض بينهما ، وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لا بد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله ، كما قال تعالى : ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفي مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ (الحاقة:18) حتى إذا ظن المحاسب أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته ، فإذا ناقشه الحساب عذبه ولا بد .

ومن حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قال : أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ : لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ ، الذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ﴾ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ : قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ ، فأشكل علي حفصة الجمع بين النصين وظنت الورود دخولها كما يقال ورد المدينة إذا دخلها فأجاب النبي بأن ورود المتقين غير ورود الظالمين فإن المتقين يردونها ورودا ينجون به من عذابها والظالمين يردونها ورودا يصيرون به فيها ، فليس الورود كالورود .

وروى البخاري أن قريشا في صلح الحديبة ألزمت رسول الله بأشياء لم يرغب فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقَالَ عمر للنبى صلي الله عليه وسلم : ( أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلتُ : أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلتُ : فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ : إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ يا عمر وَهُوَ نَاصِرِي ، قُلتُ : أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ : بَلَى ، لكن هل أَخْبَرْتُكَ أَنَّا سنَأْتِيهِ هذا العَامَ ؟ فقَالَ عمر : لا ، فحثه الرسول على الصبر وقَالَ مبشرا له : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ ، قَالَ عمر بن الخطاب : فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلتُ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا فقَالَ أبو بكر : بَلَى ، قال عمر : أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ ؟ قَالَ : بَلَى ، قُلتُ : فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ : أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللهِ إِنَّهُ عَلَى الحـَقِّ قُلتُ : أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ : بَلَـى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ ستَأْتِيهِ هذا العَامَ ؟ قُلتُ : لا ، قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ ) فأجاب أبو بكر عمر بجواب رسول الله صلي الله عليه وسلم حرفا بحرف ، وأشكل على عمر رجوعهم عام الحديبية ولم يدخلوا المسجد الحرام ولا طافوا بالبيت وظن أن الدخول والطواف الذي بشرهم به ووعدهم النبي بذلك لا بد أن يحدث في هذا العام ، فبين له أن اللفظ مطلق لا دليل فيه على تخصيص عام بعينه فتنزيله على ذلك العام غلط فرجع عمر وعلم أنه غلط في فهمه .

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لَنُجَازَى بِكُلِّ سُوءٍ نَعْمَلُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ : يَرْحَمُكَ اللهُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْتَ تَنْصَبُ أَلَسْتَ تَحْزَنُ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللأْوَاءُ فَهَذَا مَا تُجْزَوْنَ بِهِ ) ، فأشكل على الصديق أمر النجاة مع هذه الآية وظن أن الجزاء في الآخرة ولا بد فأخبره النبي أن جزاءه وجزاء المؤمنين بما يعملونه من السوء في الدنيا بما يصيبهم من النصب والحزن والمشقة واللأواء فيكون ذلك كفارة لسيئاتهم ولا يعاقبون عليها في الآخرة ، وهذا الحديث ضعيف الإسناد لكن روى عند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة قال : ﴿ مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ فَقَالَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ كَفَّارَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا أَوِ النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا ) ، وهذا مثل قوله : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى:30) ومثل قوله : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفي بِاللهِ شَهِيداً ﴾(النساء:79) وقوله : ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلتُمْ أَنَّى هَذَا قُل هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران:165) ، وإن كان قوله ﴿ مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾أعم لأنه يتناول الجزاء في الدنيا والآخرة .

ولما أشكل علي أصحاب محمد المراد بالظلم ، وظنوا أن ظلم النفس داخل فيه ، وأن من ظلم نفسه أي ظلم كان فليس له أمن ولا أمان ، رجعوا إلى نبيهم فأجابهم بأن الظلم الرافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك ، وهو وضع العبادة في غير موضعها ، وروى البخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بن مسعود رَضِي الله عَنْهم قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ ﴾ قُلنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ ؟ قَالَ : لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ ﴿ لَمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍبِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لابْنِهِ ﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ ﴾ .

ولَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ : ﴿ لِلهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ﴾ أشكل ذلك على بعض الصحابة ، وظنوا أن ذلك تكليف لهم بما لا يطيقونه فأمرهم النبي أن يقابلوا النص بالقبول لا بالعصيان ، فبين الله سبحانه وتعالى بعد ذلك في القرآن ، أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وأنه لا يؤاخذ النفس بنسيانها وخطئها ، وأنه لا يحملها مالا طاقة لها به ، وأنهم إن قصروا في بعض ما أمروا به ، ثم استعفوا ربهم ، واستغفروا معبودهم ، عفي عنهم ورحمهم ، وتاب عليهم وغفر لهم ، فانظر ماذا أعطاهم الله ومنحهم ، لما قابلوا خبره بالرضا والتسليم والقبول ، والانقياد دون المعارضة والرد وإعمال العقول .

وروى الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ ﴿ لِلهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ، قَال أبو هريرة : فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَتَوْا رَسُول اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلى الرُّكَبِ فَقَالُوا أَيْ رَسُول اللهِ كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ وَالجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ وَقَدْ أُنْزِلتْ عَليْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَال أَهْلُ الكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَل قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِليْكَ المَصِيرُ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِليْكَ المَصِيرُ فَلمَّا اقْتَرَأَهَا القَوْمُ ذَلتْ بِهَا أَلسِنَتُهُمْ فَأَنْزَل اللهُ فِي إِثْرِهَا ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِل إِليْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِليْكَ المَصِيرُ ﴾ فَلمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالى فَأَنْزَل اللهُ عَزَّ وَجَل ﴿ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لهَا مَا كَسَبَتْ وَعَليْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ قَال نَعَمْ ﴿رَبَّنَا وَلا تَحْمِل عَليْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلتَهُ عَلى الذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ قَال نَعَمْ ﴿ رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لنَا بِهِ ﴾ قَال نَعَمْ ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلى القَوْمِ الكَافِرِينَ ﴾ قَال نَعَمْ .

وعند البخاري من حديث عُبَيْد ِاللهِ بْنِ أَبِي مُليْكَةَ قَال : تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِي الله عَنْهم بِمَكَّةَ ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا – يعنى لحضور جنازتها - ، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما ، يقول ابن أَبِي مُليْكَةَ : وَإِنِّي لجَالِسٌ بَيْنَهُمَا ، أَوْ قَال جَلسْتُ إِلى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلسَ إِلى جَنْبِي ، فَقَال عَبْد ُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي اللهم عَنْهمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ : أَلا تَنْهَى عَنِ البُكَاءِ ، فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال : إِنَّ المَيِّتَ ليُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَليْهِ ، فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا : قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ، ثُمَّ حَدَّثَ قَال صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهم مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ ، إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ ، فَقَال اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاءِ الرَّكْبُ ، قَال فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَال : ادْعُهُ لِي ، فَرَجَعْتُ إِلى صُهَيْبٍ ، فَقُلتُ : ارْتَحِل فَالحَقْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، فَلمَّا أُصِيبَ عُمَرُ ، دَخَل صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ : وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ .فَقَال عُمَرُ رَضِي الله عَنْه : يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَليَّ وَقَدْ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ : إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَليْهِ ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا : فَلمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا : فَقَالتْ رَحِمَ اللهُ عُمَرَ ، وَاللهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ، إِنَّ اللهَ ليُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَليْهِ وَلكِنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال : إِنَّ اللهَ ليَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَليْهِ ، وَقَالتْ : حَسْبُكُمُ القُرْآنُ ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللهم عَنْهمَا عِنْدَ ذَلِكَ : وَاللهُ ﴿ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ قَال ابْنُ أَبِي مُليْكَةَ وَاللهِ مَا قَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللهم عَنْهمَا شَيْئًا ) ، فعائشة لما سمعت قوله إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه عارضته بقوله تعالى : ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ ولم تعارضه بالعقل بل غلطت الراوي ، والصواب عدم المعارضة وتصويب الرواة ، فإنهم ممن لا يتهم وهم عمر وابنه والمغيرة بن شعبة وغيرهم ، والعذاب الحاصل للميت ببكاء أهله عليه وهو تألمه وتأذيه ببكائهم عليه ، والوزر المنفي حمل غير صاحبه له ، هو عقوبة البريء وأخذه بجريمة غيره ، وهذا لا ينفي تأذي البريء السليم بمصيبة غيره ، والشاهد أن القوم لم يكونوا يعارضون النصوص بعقولهم وآرائهم وإن كانوا يطلبون الجمع بين نصين قد توهمون منهما التعارض .

ولهذا لما عارض بلال بن عبد الله بن عمر قوله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) لما عارض برأيه وعقله وقال : ( والله لنمنعهن ) أقبل عليه أبوه عبد الله فسبه سبا ما سبه مثله ، والحديث رواه مسلم من حديث سَالِم بْن عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ : لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِليْهَا ، فَقَال بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ : وَاللهِ لنَمْنَعُهُنَّ ، فَأَقْبَل عَليْهِ عَبْدُ اللهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلهُ قَطُّ ، وَقَال :َ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَتَقُولُ وَاللهِ لنَمْنَعُهُنَّ .

ولما حدث عمران بن حصين عن النبي بقوله : ( إن الحياء خير كله ) فعارضه معارض فاشتد غضب عمران بن حصين وقال أحدثك عن رسول الله وتقول منه كذا ومنه كذا وظن أن المعارض زنديق فقيل له لا تظن فيه ذلك إنه لا بأس به ، والحديث رواه مسلم من حديث أبى قَتَادَةَ قَال : كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ قَال : قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ: الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ، أَوْ قَال الحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ فَقَال بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لنَجِدُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ أَوِ الحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلهِ وَمِنْهُ ضَعْفٌ ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ وَقَال أَلا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ ، فَأَعَادَ عِمْرَانُ الحَدِيثَ قَال فَأَعَادَ بُشَيْرٌ فَغَضِبَ عِمْرَانُ قَال فَمَا زِلنَا نَقُولُ فِيهِ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ ) .

وروى ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَليْهِ وَسَلمَ غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ ، فَنَظَرَ عُبَادَة بْن الصَّامِتِ إِلى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ وَكِسَرَ الفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ ، فَقَال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا ، سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ : لا تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ لا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلا نَظِرَةً _ أي من غير تأجيل أو انتظار وإمهال _ ، فَقَال لهُ مُعَاوِيَةُ يَا أَبَا الوَلِيدِ : لا أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا إِلا مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ ، فَقَال عُبَادَةُ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ ، لئِنْ أَخْرَجَنِي اللهُ لا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لكَ عَليَّ فِيهَا إِمْرَةٌ ، فَلمَّا قَفَل – يعنى عاد من الغزو - لحِقَ بِالمَدِينَةِ ، فَقَال لهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الوَلِيدِ فَقَصَّ عَليْهِ القِصَّةَ وَمَا قَال مِنْ مُسَاكَنَتِهِ فَقَال : ارْجِعْ يَا أَبَا الوَلِيدِ إِلى أَرْضِكَ فَقَبَحَ اللهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ لا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ وَاحْمِلِ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ فَإِنَّهُ هُوَ الأَمْرُ .

ومعاوية لم يعارض النص بالرأي وكان أتقى لله من ذلك ، وإنما خصص عمومه وقيد مطلقه ، ورأي أن التفاضل في مقابل الصنعة ، وأن لم الحديث يدخل فيه ، وهذا مما يسوغ فيه الاجتهاد ، وإنما أنكر عليه عبادة مقابلته لما رواه عن رسول الله بهذا الرأي ، ولو قال له : نعم حديث رسول الله على العين والرأس ، ولا يجوز مخالفته بوجه ، ولكن هذه الصورة لا تدخل في لفظه ، فإنه إنما قال الفضة بالفضة مثلا بمثل وزنا بوزن ، وهذه الزيادة ليست في مقابلة الفضة وإنما هي في مقابلة الصنعة ، حتى لا تذهب الصنعة هدرا ، لو قال ذلك لما أنكر عليه عبادة بن الصامت ، ولذلك غضب عبادة لأن كلام معاوية فيه احتمال المعارضة وإن لم يكن يقصدها .

وروى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ ، التمتع بالعمرة إلى الحج ، فَقَالَ أَهَل المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْلَلنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ: اجْعَلُوا إِهْلالَكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلا مَنْ قَلدَ الهَدْيَ فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ مَنْ قَلدَ الهَدْيَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ﴾ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الهَدْيُ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ إِلَى أَمْصَارِكُمُ الشَّاةُ تَجْزِي فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ اللهُ ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ ﴾ وَأَشْهُرُ الحَجِّ التِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَذُو الحَجَّةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ .

وقد كان ابن عباس يشق عليه معارضة النصوص بآراء الرجال ولا يقر المعارض على ذلك ، فقال بعضهم له إن أبا بكر وعمر أفردا الحج ولم يتمتعا ، فذكر لهم حديثه السابق ، فلما أكثروا عليه المعارضة قال : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أو قال ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض ، أقول لكم : قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر ، وروى الترمذي وصحح إسناده الألباني من حديث سَالِم بْن عَبْدِ اللهِ أَنه سمع رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ هِيَ حَلالٌ فَقَالَ الشَّامِيُّ إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ فَقَالَ الرَّجُلُ بَل أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ فَقَالَ لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ ، فرحم الله عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ، كيف لو رأي هؤلاء الصحابة قوما يعارضون قول الله وقول رسوله بقول أرسطو وأفلاطون وابن سينا والفارابي والجوينى والشهرستانى والغزالي والرازي وجهم بن صفوان وبشر المريسي وأبي الهذيل العلاف ومن شابههم .

الأمر العاشر : الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله على كتاب الله وسنة رسوله في باب الأسماء والصفات وغير ذلك من الغيبيات ، كما فعل المتكلمون من الأشعرية ، الأمر العاشر أنه ليس في القرآن صفة إلا وقد دل العقل الصريح على إثباتها لله ، واتفق عليها دليل العقل ودليل النقل ، وهذا أمر يعرفه من نور الله قلبه بنور الإيمان ، وامتلأ قلبه بمعرفة ما دعت إليه الرسل وأقرت به الفطر وشهدت به العقول الصحيحة المستقيمة لا العقول المنكوسة الموكوسة التي نكست قلوب أصحابها ، فرأت الحق باطلا والباطل حقا ، والهداية ضلالة والضلالة هداية ، وقد نبه الله سبحانه في كتابه على ذلك وأرشد إليه ، وذكره في غير موضع من القرآن ودل عليه ، وبين الله عز وجل أن ما وصف به نفسه هو الكمال الذي لا يستحقه سواه ، وبين أيضا أن جاحد ذلك هو جاحد لكمال الله ، فإن الله يمدح بكل صفة وصف بها نفسه ، وأثنى بها على نفسه ، ومجد بها نفسه ، وحمد بها نفسه فذكرها سبحانه لنفسه على وجه المدح والتعظيم ، والتمجيد والتكريم ، وتعرف الله بوصفه إلى عباده ، ليعرفوا كماله وعظمته ، وجماله وجلاله وفوقيته ، وكثيرا ما يذكر الله أوصافه عند ذكر آلهتهم التي عبدوها من دون الله ، وعظموها ووالوا فيها وجعلوها شركاء لله ، فيذكر سبحانه من صفات كماله ، وعلوه على عرشه ، وتكلمه وتكليمه ، وإحاطة علمه ، ونفوذ مشيئته ، ما هو منتف عن آلهتهم ، وما هو مسلوب عن معبوداتهم ، فيكون ذلك من أعظم الأدلة على بطلان ألوهيتها ، وفساد عبادتها ، والله تعالى يذكر أوصافه أيضا عند دعوته عباده إلى ذكره وشكره وحسن عبادته ، فيذكر لهم من أوصاف كماله ونعوت جلاله ، ما يجذب قلوبهم إلى المبادرة إلى دعوته ، والمسارعة إلى طاعته ، والتنافس في قربه ومحبته ، ويذكر أوصافه أيضا عند ترغيبه وترهيبه ، ووعيده وتعذيبه ، لتعرف القلوب من هو الذي تخافه وترجوه ، وتحبه وتدعوه ، والله تعالى يذكر أوصافه أيضا عند ذكر أحكامه وأوامره ، ونواهيه ومحاذره ، فقل أن تجد آية حكم من أحكام المكلفين ، إلا وهي مختتمة بصفة من صفات رب العالمين .

وقد يذكر الله عز وجل صفته في أول الآية ووسطها وآخرها كقوله تعالى : ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ (المجادلة:1) فيذكر أوصافه عند سؤال عباده لرسوله عنه ويذكرها عند سؤالهم له عن أحكامه ، حتى إن الصلاة لا تنعقد إلا بذكر أسمائه وصفاته ، فذكر أسماء الله وصفاته روح الصلاة وسرها ، يصحبها من أولها إلى آخرها ، وإنما أمر الله بإقامتها ليذكر بأسمائه وصفاته ، وأمر عباده أن يسألوه بأسمائه وصفاته ، ففتح لهم باب الدعاء رغبة ورهبة ، ليذكره الداعي بأسمائه وصفاته ، فيتوسل إليه بها ، ولهذا كان أفضل الدعاء وأحراه بالإجابة ، ما توسل فيه الداعي إليه بأسمائه وصفاته ، قال الله تعالى : ﴿ وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ (لأعراف:180) وقد نبه سبحانه على إثبات صفاته وأفعاله بطريق العقل ، فقال الله تعالى في صفة العلم : ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ (الملك:14) فتأمل صحة هذا الدليل مع إيجاز لفظه واختصاره ، وقال سبحانه وتعالى : ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل:17) وقال تعالى في صفة الكلام : ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ (لأعراف:148) نبه الحق تبارك وتعالى بهذا الدليل على أن من لا يكلم عيره ولا يهديه ، لا يصلح أن يكون آلها تثق القلوب فيه ، وكذلك قوله في الآية الأخرى عن العجل : ﴿ أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً(طه:89) فجعل امتناع العجل عن الكلام والتكليم ، وعدم ملك الضر والنفع دليلا على عدم ألوهيته ، وهذا دليل عقلي نقلى على أن الإله لا بد أن يكلم ويتكلم ، ويملك لعابده الضر والنفع ، وإلا لم يكن إلها ، وقد وصف الله نفسه بضد صفة أربابهم وبضد ما وصفته به المعطلة والجهمية فوصف نفسه بالسمع والبصر والفعل باليدين والمجيء والإتيان وذلك ضد صفات الأصنام ، فتأمل آيات التوحيد والصفات في القرآن على كثرتها وتفننها واتساعها وتنوعها كيف تجدها قد أثبتت الكمال للموصوف بها ، وأنه المتفرد بذلك الكمال ، فليس له فيه شبه ولا مثال ، وأي دليل في العقل أوضح من إثبات الكمال المطلق ، لخالق الكون ومدبره وملك السماوات والأرض وقيومها ، فإذا لم يكن في العقل إثبات جميع أنواع الكمال له ، فأي قضية تصح في العقل بعد هذا ؟ ومن شك في أن صفة السمع والبصر والكلام والحياة والإرادة والقدرة والغضب والرضا والفرح والرحمة والرأفة كمال ، فهو ينتمي إلى عقلاء الرجال ، بل جميع المعتوهين والأطفال ، أكمل من عقلا ، وأقل منه جهلا ، أسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العلاقة بين العقل والنقل (4) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:14 AM
العلاقة بين العقل والنقل (3) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:12 AM
العلاقة بين العقل والنقل (2) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:12 AM
العلاقة بين العقل والنقل (1) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:11 AM
العلاقة بين ما تأكله والحالة النفسية مزون الطيب أخبار منوعة 0 05-02-2012 08:36 PM


الساعة الآن 05:31 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22