صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى

بسم الله الرحمن الرحيم المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى المقدمة الحمد لله رب العالمين أحمده وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-06-2015 ~ 11:13 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


للأمر, المثل, المصطفى, المنكر, التطبيقي, الحبيب, بالمعروف, حياة, والنهي

بسم الله الرحمن الرحيم

المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى

المقدمة

الحمد لله رب العالمين أحمده وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ًكثيرا.
قال تعالى: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مّسلمون﴾[آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبا﴾[النساء: 1]، وقال: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد فقد أخبرنا ربنا جل في علاه عن الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداه والنعمة المسداه بأنه القدوة والأسوة بقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾[الأحزاب:21]، قال ابن كثير: «هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى: ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾»(1)، وقال الإمام السعدي: «حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة وباشر موقف الحرب وهو الشريف الكامل والبطل الباسل، فكيف تشحون بأنفسكم عن أمر جاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فيه! فتأسوا به في هذا الأمر وغيره، واستدل الأصوليون في هذه الآية على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به»(2).
وقد نُقل عنه صلى الله عليه وسلم في باب الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نماذج كثيرة من سيرته الحسنة في جميع شؤون الحياة ومجالاتها، في الجانب العقدي وجانب العبادات والمعاملات، وكيف كان من أجل الناس وأحسنهم تعليماً وإرشاداً، فكان بحق كما قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن قول الله عز وجل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم:4]"(3) ، فكان الجدير بنا الوقوف على هذا المثل التطبيقي الرائع؛ للتأسي والاقتداء وأخذ العظة والعبرة ليتحول ذلك إلى برنامج عملي في حياتنا وفي دعوتنا وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؛ لأن هذا المثل مأخوذ عن المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي ينطق بالوحي ويسدده ربه في أقواله وأفعاله.
فأحببت بما عندي من بضاعة قليلة ومزجاة أن أشارك بسهم في هذا الباب خدمة لدين الله الذي يعد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان الذي يحفظ على الأمة دينها، وأقسم هذا البحث إلى ثلاثة مطالب على النحو الآتي:
المطلب الأول: المثل التطبيقي في مجال العقيدة، وفيه:
أولاً: الأمر بالمعروف الأكبر (الإيمان بالله تعالى، والتوحيد)، والنهي عن المنكر الأكبر (الشرك)
ثانياً: الأمر بالإخلاص، والنهي عن الرياء.
ثالثاً: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع.
رابعاً: الأمر بالاعتدال والنهي عن الغلو في الدين.
المطلب الثاني:المثل التطبيقي في مجال العبادات، وفيه:
أولاً: المثل التطبيقي في الوضوء
ثانياً: المثل التطبيقي في الصلاة
ثالثاً: المثل التطبيقي في الزكاة
رابعاً: المثل التطبيقي في الحج
خامساً: المثل التطبيقي في الصوم
سادساً: المثل التطبيقي في الدعاء
المطلب الثالث: المثل التطبيقي في غير العبادات والعقائد، وفيه:
أولاً: المثل التطبيقي في البيوع
ثانياً: المثل التطبيقي في ستر العورة
ثالثاً: المثل التطبيقي في اللباس والزينة
رابعاً: المثل التطبيقي في النهي عن التشبه
خامساً: المثل التطبيقي في الاستئذان
سادساً: المثل التطبيقي المجالس
سابعاً: المثل التطبيقي في الطعام والشراب

ثامناً: المثل التطبيقي في اللهو
تاسعاً: عند نزول المصائب
عاشراً: المثل التطبيقي في الجهاد
الحادي عشر: المثل التطبيقي في الحدود والحقوق
الثاني عشر: المثل التطبيقي في الجنايات
الثالث عشر: أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم لأهل بيته
المطلب الأول: المثل التطبيقي في مجال العقيدة
وأبرز ما يمثل الجانب التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجانب العقدي نهيه صلى الله عليه وسلم عن المنكر الأكبر وهو الشرك والأمر بالمعروف الأكبر وهو التوحيد والإيمان، وكذلك نهيه عن الغلو، وأمره بالاتباع ونهيه عن الابتداع، وأمره بالإخلاص ونهيه عن الرياء، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: الأمر بالمعروف الأكبر (الإيمان بالله تعالى والتوحيد)، والنهي عن المنكر الأكبر (الشرك)
الشرك إسناد الأمر المختص بواحد إلى من ليس معه أمره، أي أن يتخذ مع الله معبوداً، وهو أكبر: ويعني إثبات الشريك لله تعالى، وأصغر: ويعني مراعاة غير الله في بعض الأمور(4)، وهو الرياء.
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بعد أن عم الشرك في الناس عموماً وفي جزيرة العرب خصوصاً، وتأصلت جذوره وذهب نور الحنيفية السمحة التي دعا إليها الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فأمر الناس بالإيمان بالله تعالى وعبادته تعالى وحده لا شريك له، وأنكر عليهم ما يعبدون من دون الله من أوثان وأحجار ومخلوقات وخرافات، وكل مظاهر الشرك من الطواف حول الأصنام والتوسل بها ودعائها وتقديم القرابين لها مبيناً لهم خطورة فعلهم خوفاً عليهم من أن يلحقهم عذاب الله أو سخطه عز وجل لما يفعلونه من الشرك في توحيدهم وعبوديتهم، والنصوص النبوية الدالة على ذلك كثيرة منها:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلكم قد قد، فيقولون: إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت"(5)، قال الإمام النووي: «فقوله صلى الله عليه وسلم: "قد قد": قال القاضي: روي بإسكان الدال وكسرها مع التنوين ومعناه: كفا كم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا... معناه أنهم كانوا يقولون هذه الجملة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اقتصروا على قولكم لبيك لا شريك لك والله أعلم»(6).
فقوله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" أمر منه صلى الله عليه وسلم لهم بالاقتصار على ما سبق من تلبيتهم لما في ذلك من التوحيد، وإنكار منه صلى الله عليه وسلم عليهم الزيادة التي بعدها؛ لأنها تخرجهم إلى الشرك الأكبر الذي هو المنكر الأكبر المذكور في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾[النساء: 48].
وحديث حوار هرقل مع أبي سفيان قال هرقل: "وسألتك بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان"(7)، وفي رواية: "وسألتك بماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم"(8)، ففي الحديث بيان لأمره صلى الله عليه وسلم لقومه بإفراد الله تعالى بالعبودية ليحققوا توحيد الألوهية الذي بعث الله به جميع الرسل، ونهيه لهم عن الشرك بالله في عبوديته كما كان صنيعهم من عبادة الأوثان التي نصبها آباؤهم لعبادتها من دون الله تعالى؛ لأن هذا منكر عظيم لا يتفق أبداً مع التوحيد لله سبحانه وتعالى.
وحديث وفد ربيعة حين قالوا: يا نبي الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر ولا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم، فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا..."(9)، فبدأ بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك تحقيقاً للمعروف الأكبر وإنكاراً للشرك المنكر الأكبر.
وحديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: "ألا تبايعون رسول الله؟ وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا"(10).
وحديث أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(11).
ولم يزل صلى الله عليه وسلم يحذر من الشرك وينهى عنه كلما ظهر وأطل برأسه؛ فحين خرج إلى حنين بعد فتح مكة ومعه بعض من دخل في الإسلام حديثاً مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم"(12)، فانظر كيف رد عليهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: "سبحان الله"، تنزيهاً لله تعالى وتعجباً منهم التعلق بشرك الجاهلية(13).
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني والله عدلاً بل ما شاء الله وحده"(14).
وعن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك"(15).
فيجب على الداعية والمحتسب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون متأسياً بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فأول ما يعني به حفظ التوحيد ونبذ الشرك الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه الأولوية الكبرى في دعوته وأمره ونهيه، وهكذا كان العظماء أول ما يراعونه هو أمر التوحيد وإفراد الله في الألوهية، فهذا مسلم بن الحجاج النيسابوري أثناء رحلته في تدوين الصحيح يبلغه وجود قوم يعبدون الأوثان من دون الله تعالى فيقطع رحلته ويتوجه إليهم ولم يفارقهم حتى غير هذا المنكر الأكبر وأرسى فيهم المعروف الأكبر وعلمهم أمر دينهم ثم مضى في رحلة جمع الصحيح وتدوينه، ونحن في هذه الأزمان وإن كنا -ولله الحمد- لا نرى من يسجد للصنم والوثن إلا أنا نرى الشرك الأكبر يتجلى ويلوح في الاحتكام لغير الكتاب والسنة، وفي الاستغاثة والتوسل بغير الله تعالى كدعاء الملائكة، وكدعاء الأنبياء والصالحين بعد موتهم وعند قبورهم وفي مغيبهم، وطلب الشفاعة منهم، والسجود على قبورهم، والذبح لغير الله من الجن والملائكة والأموات وغيرهم يتقرب إليهم بذلك، والنذر لغير الله سبحانه وتعالى، بل وصل إلى السجود بين يدي بشر يأكلون ويشربون ويتبولون ويتغوطون بحجة وضع الرأس للشيخ احتراماً وتواضعا، فأي تواضع هذا الذي ينحني فيه الإنسان لغير الله تعالى، وهل الانحناء للبشر إلا صنيع أهل الشرك من عبدة الأوثان والنيران، فعلى الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أخذ هذا الجانب والمثل التطبيقي من حياة الحبيب المصطفى وتطبيقه في دعوتهم وأمرهم ونهيهم، مع مراعاة ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي من أهمها اللين والرفق ومراعاة المصالح والمفاسد من دون خنوع وخضوع بين يدي الشرك بالله الواحد الأحد.
ثانياً: الأمر بالإخلاص الذي يتمثل في التبرؤ عن كل ما دون الله تعالى وإرادة وجه الله، والنهي عن الرياء الذي يتمثل في إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها أو ليحصل له منهم نحو مال أو جاه(16)، والمثل التطبيقي من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في هذا الجانب أحاديثه كثيرة ووفيرة ومنها على سبيل المثال:
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"(17)، قال النووي: «فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية... قوله صلى الله عليه وسلم : "وإنما لامرئ ما نوى" قالوا: فائدة ذكره بعد: "إنما الأعمال بالنية" بيان أن تعيين المنوي شرط»(18)، وقال الخطابي: «معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما تكون بالنية، وأن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها»(19)، فالحديث يحث فيه النبي صلى الله عليه وسلم على إخلاص نية الأعمال لله تعالى وحده، ويحذر من الإشراك فيها.
وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حميةً فرفع إليه رأسه -قال وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائماً- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل"(20)، قال الإمام النووي: «فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة»(21).
وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه"(22)، ففيه الحث على تصفية النية وتخليصها من الرياء الذي يفسد الأعمال.
وحديث جندب العلقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ الله بِهِ وَمَنْ يرائي يرائي الله بِهِ"(23)، معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه، وقيل: من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة، ومعنى: "يرائي" يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه، وقيل: المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة، وقيل: المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه، وقيل: المعنى من نسب إلى نفسه عملاً صالحاً لم يفعله وادعى خيراً لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه، وقيل: المعنى من يرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إياه، وقيل: معنى سمع الله به شهره أو ملأ أسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة(24)، وكلها متقاربة.
وحديث محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزِيَ الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء"(25)، فحث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على الإخلاص؛ لأنه قاعدة الانطلاق في الأعمال وقارب النجاة، وهو الأساس في قبول الأعمال والأقوال, ويقوي إيمان الإنسان، ويحرره من عبودية غير الله، ويكره إليه الفسوق والعصيان، ويقوي عزيمة الإنسان وإرادته في مواجهه الشدائد، وبه حصول كمال الأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة، ويرفع منزلة الإنسان في الدنيا والآخرة، ويبعده عن الوساوس والأوهام، ويقوي العلاقات الاجتماعية، وينصر الله به الأمة، ويفرج به شدائد الناس في الدنيا، ويحقق به الطمأنينة لقلب الإنسان ويجعله يشعر بالسعادة، ونهى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الرياء وحذر منه؛ لأنه محبط للأعمال ومضيع لثوابها، وهو سبب للمقت عند الله، والبعد من رحمته، وهو من المهلكات، ودليل على غاية جهل المرائي، وهو غصن من شجرة في القلب ثمرتها في الدنيا الخوف والغم وضيق الصدر وظلمة القلب، وثمرتها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم، والرياء يعرض صاحبه للفتن، ويُفضح أصحابه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، ويضاعف الله عذاب المرائين من القراء والعلماء والدعاة في جهنم، والرياء يحول العمل الصالح إلى نقيضه، فيحمل صاحبه به وزراً بدلاً من أن يكون له أجراً أو يكون عليه سترا، ولا يسلم المرائي من أن يفتضح أمره في الدنيا فيسقط من أعين الناس وتذهب هيبته، ناهيك عن حسرته يوم القيامة، ويظهر الله عيوب المرائي ويسمعه المكروه جزاء ما قدمت يداه(26).
ثالثاً: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع
أي بعبادة الله تعالى كما شرعه وفقاً لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد في الاتباع: «أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير»(27)، وقال الشاطبي في البدعة: «عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية»(28).
لقد توافرت الأحاديث والأدلة في أمره صلى الله عليه وسلم باتباع سنته والنهي عن الابتداع والإحداث في الدين، ومن أمثلتها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فَتُكَذِّبُوا بِهِ أو بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني"(29).
فالحديث فيه الحث على الاتباع والتحذير من الابتداع؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "أمتهوكون" أي: أمتحيرون في دينكم حتى تأخذوا العلم من غير كتابكم ونبيكم(30)، وإذا كان هذا في حق موسى صلى الله عليه وسلم كليم الله تعالى فكيف بمن سواه!!
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: "هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل-قال يريد: متفرقة-على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام: 153]"(31).
فسبيل الله تعالى هو الاتباع للكتاب والسنة، وسبل الشيطان في الابتداع واتباع طريق المبتدعة، قال الإمام القاري: «"على كل سبيل" أي رأسه، "منها" أي: من السبل، "شيطان" من الشياطين، "يدعو" ذلك الشيطان الناس، "إليه" أي: إلى سبيل من السبل، وفيه إشارة إلى أن سبيل الله وسط ليس فيه تفريط ولا إفراط بل فيه التوحيد والاستقامة ومراعاة الجانبين في الجادة، وسبل أهل البدع مائلة إلى الجوانب وفيها تقصير وغلو وميل وانحراف وتعدد واختلاف كالقدرية والجبرية والخوارج والروافض والمعطلة والمشبهة»(32).
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الثلاثة الذين حضروا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(33)، وحديث جابر رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه"(34)، ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم" أمر باتباع هديه وسنته صلى الله عليه وسلم؛ لتكون أعمالهم صحيحة مقبولة، وهو يدل على التحذير من الابتداع في أمور الدين، وإلا لما أمرهم بموافته في أعمال المناسك، ويقول صلى الله عليه وسلم: "وَصَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"(35)، وكذلك سائر العبادات.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"(36)، قال الإمام النووي: «قال أهل العربية: الرد هنا بمعنى المردود، ومعناه: فهو باطل غير معتد به، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات»(37).
رابعاً: الأمر بالاعتدال والنهي عن الغلو في الدين
الغلو في الدين هو التشدد والتصلب فيه ومجاوزة الحد والتفريط، قال ابن الأثير: «والغلو في الدين أي: التشدد فيه ومجاوزة الحد»(38)، وقال المناوي: «الغلو تجاوز الحد... وغلا في الدين غلواً تغلب وتشدد حتى تجاوز الحد»(39)، وقال القرطبي: في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾[المائدة:77]«أي: لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى، غلو اليهود قولهم في عيسى: ليس ولد رَشْدَةٍ(40)، وغلو النصارى قولهم: إنه إله، والغلو مجاوزة الحد»(41)، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وتعليمه عن الغلو في الدين سواء في الاعتقادات أو الأعمال، والأحاديث في ذلك كثيرة، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون قالها ثلاثا"(42)، قال النووي: «أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم»(43)، وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق"(44) قال المناوي: «"إن هذا الدين متين" أي: صلب شديد،"فأوغلوا" أي: سيروا، "فيه برفق" من غير تكلف، ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه»(45)، وعنه رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل"(46).
فواعجبا من أهل المعتقدات الفاسدة الذين استهواهم الشيطان وأزلهم فجعلوا يعظمون البشر ويرفعونهم فوق منزلتهم حتى ادعوا العصمة لهم بل أزل الشطان طائفة منهم فرفعوا البشر إلى رتبة لا تليق إلا بالرب جل جلاله فترى الاستغاثة بهم ودعوتهم والاستعانة بهم فيما لا يكون إلا من الله وحده وطلب العون والنصر والمدد منهم بل السجود لهم وعلى قبورهم وفوق رممهم التي قد أنتنت ونخرها الدود! فلا حول ولا قوة إلا بالله القوي الودود!
وحديث عروة بن الزبير قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون -أحسب اسمها خولة بنت حكيم- على عائشة وهى باذة الهيئة، فسألتها ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة ذلك له، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك فيَّ أسوة، فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده"(47)، وحديث أنس رضي الله عنه قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد"(48)، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه، وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية"(49)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه"(50).
وحديث عقبة بن عامر قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله وأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال عليه السلام: "لتمش ولتركب"(51)، وحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادي بين ابنيه قال: "ما بال هذا ؟ قالوا: نذر أن يمشي، قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب"(52)، وحديث أبي جحيفة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً، فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، قال: فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان"(53).
فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين يشمل الاعتقادات والأعمال والأقوال، فالغلو في جميعهما منهي عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإياكم والغلو في الدين"(54)، قال ابن تيمية: «قوله: "إياكم والغلو في الدين" عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال»(55)
أسباب النهي عن الغلو
وقد جاء بيان أسباب النهي عن الغلو في أحاديث عدة، ومن هذه الأسباب:
1- الغلو يسبب المل والعجز والانقطاع عن الأعمال وعدم المداومة عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة"(56).
قال الحافظ ابن حجر: «والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب»(57)، وقال ابن المنير: «في هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛ فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة؛ فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله، ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة»(58).
2- الغلو فيه خروج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(59)، بل إن كان الغلو إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فقد يؤدي إلى الخروج عن الملة، قال ابن حجر: «المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد مَن ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري، فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التمزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وقوله: "فليس مني" إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى "فليس مني" أي: على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى "فليس مني" ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر»(60).
3- الغلو سبب للهلاك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: "هات القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"(61)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون قالها ثلاثا"(62).
4- الغلو سبب لتشديد الله على أهل الغلو، فعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا تشددوا على أنفسكم فَيُشَدَّدَ عليكم؛ فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار"(63)، وفي رواية: "لا تشددوا على أنفسكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات"(64)، قال ابن القيم: «فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين، وذلك بالزيادة على المشروع، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع، فالتشديد بالشرع كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوسواس فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم»(65).
5- الغلو يسلط الشيطان فعن مطرف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا فقال: "السيد الله، قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان"(66)، قال ابن القيم: «ومن كيده العجيب أنه يشأم النفس حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها قوة الإقدام والشجاعة أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة... وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين وادي التقصير ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جداً الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله وأصحابه»(67).
وقد زاد أهل العلم من هذه الأسباب أن الغلو في الدين دليل على ضعف العقل والجهل، وقلة الفهم، ويورث الوسواس، وضيق النفس ودوام الحزن، قال عَبَّادِ بن عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشامي: «اعقلوا والعقل نعمة فرب ذي عقل قد شغل قلبه بالتعمق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتى صار عن ذلك ساهيا»(68)، وقال بعض السلف: «ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر غلو أو تقصير» (69)


المطلب الثاني: المثل التطبيقي في مجال العبادات
ويبرز الجانب التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المجال في جوانب عدة نقف مع أمثلة لها على النحو التالي:
أولاً: المثل التطبيقي في الوضوء
ويتجلى المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الوضوء في أحاديث عدة منها: حديث عن عبد الله بن عمرو قال: "تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه، فأدركنا وقد أرهقتنا(70) الصلاة صلاة العصر، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا"(71)، قال ابن حجر: «وفي الحديث: تعليم الجاهل، ورفع الصوت بالإنكار، وتكرار المسألة لتفهم»(72)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عقبيه فقال: "ويل للأعقاب من النار"(73)، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى"(74)، قال النووي: «في هذا الحديث أن من ترك جزءاً يسيراً مما يجب تطهيره لا تصح طهارته»(75)، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم التقصير في غسل أعضاء الوضوء بعبارة تشعر بخطورته وهي الويل والخسران لمن صنع ذلك؛ لأن ترك غسل العضو أو جزء منه يرض الوضوء للبطلان، وفي بطلانه بطلان للصلاة، وبطلان الصلاة يجعل صاحبها كأنه لم يؤد هذه العبادة؛ لأن كمال الصلاة بكمال الوضوء وصحة الصلاة لا تكون إلا بصحة الوضوء(76).
ثانياً: المثل التطبيقي في الصلاة
ويبرز المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة في أحاديث عدة منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ثم انصرف فقال: يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي؟ فإنما يصلي لنفسه، إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي"(77)، وعنه رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاثا- فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني؟ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القران، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها"(78).
قال ابن حجر: «وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وتخليص المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه»(79)، وقال النووي: «وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة»(80).
وحديث جابر بن سمرة قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ؟ اسكنوا في الصلاة، قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقاً فقال: ما لي أراكم عزين؟ قال: ثم خرج علينا فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ فقلنا يا رسول الله: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف"(81)، قال الإمام النووي: «"شُمُْسٍ" بإسكان الميم وضمها وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها، والمراد بالرفع المنهي عنه هنا رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين ... "ما لي أراكم عزين" أي: متفرقين جماعة جماعة وهو بتخفيف الزاي الواحدة عزة معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع، وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول، والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول: أن يتم الأول ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث وهكذا إلى آخرها»(82).
وحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(83)، وحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: "بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة(84) رجال فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" (85)، وحديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(86)، ففي هذه الأحاديث وأمثالها إرشاده صلى الله عليه وسلم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر واحتسابه تعليما لأمته وشفته عليها وتبليغاً للرسالة وقياماً بالشريعة.
ثالثاً: المثل التطبيقي في الزكاة
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بالاحتساب على المقصرين في أدائها، وينبه إلى وجوب إخراجها مع ذكر الوعيد الشديد للمتهاونين فيها في كل مناسبة تقتضي ذلك(87)، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء(88) كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار- قال سهيل: فلا أدري أذكر البقر أم لا- قالوا فالخيل ؟ يا رسول الله قال: الخيل في نواصيها -أو قال- الخيل معقود في نواصيها -قال سهيل: أنا أشك- الخير إلى يوم القيامة، الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجراً، ولو رعاها في مرج ما أكلت من شيء إلا كتب الله له بها أجراً، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر -حتى ذكر الأجر في أبوالها وأوراثها- ولو استنت شرفاً أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجرا في عسرها ويسرها، وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرماً وتجملاً ولا ينسى حق ظهورها و بطونها في عسرها ويسرها، وأما الذي عليه وزر فالذي يتخذها أشراً وبطراً وبذخاً ورياء الناس فذاك الذي هي عليه وزر"(89)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عزوجل ولرسوله"(90)، وعن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات -خواتيم كبار- من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار"(91)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج الزكاة وخوف من التساهل في إخراجها، وأنكر عدم إخراجها.
رابعاً: المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب في الحج
الحج هو الفريضة التي تجمع المسلمين من أنحاء العالم، ويقع حين أداء مناسكها بعض المخالفات الشرعية، وأكثرها من جهل الناس وتفريطهم، أو لتساهلهم في تطبيق أحكام الشريعة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك اليوم ولم يشغله الزحام عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان إذا رأى بعض المعاصي يغيرها في الحال، أو بعض الاجتهادات الخاطئة يصوبها لصاحبها(92)، ومن ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسير أو بخيط أو بشيء غير ذلك، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: قده بيده"(93)، قال الحافظ ابن حجر: «قال النووي: وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه، أو أنه دل على صاحبه فتصرف فيه، وقال غيره: كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل، قلت: وهو بين من سياق حديثي عمرو بن شعيب وخليفة بن بشر، وقال ابن بطال: في هذا الحديث أنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال، وتغيير ما يراه الطائف من المنكر»(94).
وحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع"(95)، وفي رواية قال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما"(96)، قال الإمام النووي وهو يذكر فوائد الحديث: «ومنها تحريم النظر إلى الأجنبية، ومنها إزالة المنكر باليد لمن أمكنه»(97)، ومن ذلك أمره لمن لم يسق الهدي بأن يحل بعمرة ليكون متمتعاً؛ وذلك تغييراً لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تغيير ذلك بأمره لمن لم يسق الهدي وقد أهل بالحج بأن يحل بعمرة، وأكد ذلك بقوله:"قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون، فحلوا فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت"(98)، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقب أصحابه فإذا رأى فيهم رجلاً يخطئ وهو يؤدي المناسك أصلح له نسكه وأرشده إلى الصواب من ذلك، ومنعه من السير في الخطأ حتى لا يصبح الخطأ عبادة عنده ثم بعد ذلك يستمر عليه فيدله على الأولى أو الصواب(99)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"(100).
خامساً: المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب في الصوم
لقد كان عليه الصلاة والسلام يحب الصيام ويكثر منه، وكان يحببه لأمته ويدعوهم إليه لما فيه من صحة البدن والحد من تمادي النفس في الاستغراق في الشهوات، وحيث إن المبالغة في الصوم تضر البدن وتنهكه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب إذا شعر من أحد التكلف فيه وينكر عليه، ومن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في هذا الباب نهيه صلى الله عليه وسلم أمته عن الوصال كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم، قالوا: إنك تواصل قال: لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى"(101)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتكم، كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا"(102)، ونهيه صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل من النفر الثلاثة القائل: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر... فمن رغب عن سنتي فليس مني"(103)، واحتسابه على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حينما قال: أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت الذي تقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت؟ قلت: قد قلته، قال: إنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قال: قلت إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يوماً وذلك صيام داود وهو عدل الصيام، قلت: إني أطيق أفضل منه يا رسول الله، قال: لا أفضل من ذلك"(104)، وإنكاره صلى الله عليه وسلم على القوم الذين أصروا على الصوم في السفر حين شق الصوم على الناس فأفطر رسول الله وأبوا الفطر فأنكر عليهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة"(105)، وإنكاره على الرجل الذي صام في السفر فأجهده الصوم وأبى الفطر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر"(106)، ومن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في الصوم ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواية قال: "إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم"(107)، قال الإمام النووي: «ففيه نهي الصائم عن الرفث وهو السخف وفاحش الكلام... والجهل: قريب من الرفث وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل، قوله صلى الله عليه وسلم: "فان امرؤ شاتمه أو قاتله" معناه: شتمه متعرضاً لمشاتمته، ومعنى قاتله نازعه ودافعه... واعلم أن نهى الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصاً به بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد والله أعلم»(108).
سادساً: المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدعاء
وإنما ذُكر الدعاء هنا لما ثبت في حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر:60]"(109)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه ويعلمهم آداب وكيفية هذه العبادة، ويصوب الخطأ ويرشد الجاهل، فعن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله لا تطيقه -أو لا تستطيعه- أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ قال: فدعا الله له فشفاه"(110)، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبط في وادٍ إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، قال: فدنا منا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أَصَمَّ ولا غَائِباً إنما تدعون سميعاً بصيرا"(111).
قال الإمام النووي: «معناه ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم فان رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب بل هو سميع قريب وهو معكم بالعلم والإحاطة، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه فان دعت حاجة إلى الرفع رفع»(112).
وعن سعد بن أبي وقاص قال: "مر عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال: أَحِّدْ أَحِّدْ، وأشار بالسبابة"(113)، قال الإمام الزرقاني: «لأن الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما أن يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد قاله الباجي»(114)، وعن فضالة بن عبيد قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه، قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المصلي ادع تجب"(115)، فأرشده الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أدب يقدمه بين يدي الدعاء ليكون أرجى في القبول بلين ورفق، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يرشد ويوجه، ويعلم ويؤدب، ويرقب أحوال أصحابه في عبادتهم، فإن ظهر خطأ صوبه، أو نقص كمله، وهكذا ينبغي على الداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، بل على كل مسلم إذا رأى من أخيه المسلم خطأ أو خلل أو نقص أو منكر في عبادة من العبادات سواء في العبادة نفسها أو في شيء يتعلق بها فعليه أن يرشده ويعلمه ويوجهه برفق ولين.



المطلب الثالث:المثل التطبيقي في غير العبادات والعقائد
ويبرز الجانب التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المجال في جوانب عدة نقف مع أمثلة لها من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
أولاً: المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب في البيوع
ويظهر ذلك في أنه قد تقع أشياء ربما تخالف الشرع، فكان عليه السلام إذا رأى شيئا من ذلك نبه عليه، حتى يكون البيع والشراء بعيدا عن المنكرات، ويظهر هذا الجانب في أحاديث كثيرة منها على سبيل المثال: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني"(116)، قال الإمام القاري: «فيه إيذان بأن للمحتسب أن يمتحن بضائع السوقة ليعرف المشتمل منها على الغش من غيره»(117)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون(118) بالتمر السنتين والثلاث فقال: من أسلف في شيء ففي كيل معلوم إلى أجل معلوم"(119)، قال المباركفوري: «فيه دلالة على وجوب الكيل والوزن وتعيين الأجل في المكيل والموزون وإن جهالة أحدهما مفسدة للبيع»(120)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله اليهود؛ حرم الله عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانه"(121)، يحذر صلى الله عليه وسلم من صنيعهم، وينهى عن الوقوع في المنكر الذي وقعوا فيه.
وحديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب وزنا بوزن"(122)، فنهاهم لأجل الربا، قال الإمام النووي: « وفي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهباً ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات، بل لا بد من فصلها، وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أولاً قليلاً أو كثيراً، وكذلك باقي الربويات»(123)، وعنه رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن"(124)، وحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان"(125), وحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فقال: "ما هذا التمر من تمرنا، فقال الرجل: يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا"(126). أما الجنيب فبجيم مفتوحة ثم نون مكسورة نوع من التمر من أعلاه، وأما الجمع فبفتح الجيم وإسكان الميم وهو تمر رديء وقد فسره في رواية أخرى بأنه الخلط من التمر ومعناه مجموع من أنواع مختلفة(127)، فنهاهم عن هذه الصورة رفعاً لربا الفضل الحاصل من بيع الشيء بجنسه متفاضلاً، وبين لهم بأنه لا عبرة بكون هذا أجود من هذا طالما أن الجنس كان واحدا.
ثانياً: المثل التطبيقي في ستر العورة
ويظهر المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في ستر العورة في أحاديث عدة ومنها: حديث المسور بن مخرمة قال: أقبلت بحجر أحمله ثقيل، وعليَّ إزار خفيف، قال: فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلى ثوبك فخذه، ولا تمشوا عراة"(128)، وحديث محمد بن جحش قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم -وأنا معه- على معمر، وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر غط فخذيك؛ فإن الفخذين عورة"(129)، وحديث يعلى: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بِالْبَرَازِ بلا إِزَارٍ فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر"(130)، قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: «"فليستتر" وجوباً إن كان ثم من يحرم نظره لعورته، وندباً في غير ذلك»(131)، وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:"احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها، قال قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس"(132)، قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: «وفيه دليل على وجوب الستر للعورة؛ لقوله "فلا يرينها"، ولقوله: "احفظ عورتك"»(133).
ثالثاً: المثل التطبيقي في اللباس والزينة
ويظهر المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في اللباس والزينة في أحاديث عدة ومنها: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه وجد حلة إستبرق تباع في السوق فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ابتع هذه الحلة فتجمل بها للعيد وللوفود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هذه لباس من لا خلاق له، أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فلبث ما شاء الله، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه بجبة ديباج، فأقبل بها عمر حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله قلت: إنما هذه لباس من لا خلاق له، أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له، ثم أرسلت إلي بهذه؟ فقال: تبيعها أو تصيب بها بعض حاجتك"(134).
قال الإمام العيني: «والخلاق الحظ والنصيب من الخير والصلاح، وقال ابن سيده: "لا خلاق له" يعني لا رغبة له في الخير، وقال عياض: وقيل الحرمة، وقيل: الدين، فعلى قول من يقول النصيب والحظ يكون محمولاً على الكفار، وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر»(135).
وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: "يا عبد الله ارفع إزارك، فرفعته، ثم قال: زد، فزدت، فما زلت أتحراها بعد، فقال: بعض القوم إلى أين؟ فقال: أنصاف الساقين"(136)، وعنه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء"(137)، وحديث جابر بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة"(138)، قال الإمام النووي: «الخيلاء بالمد والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد وهو حرام»(139).
وحديث أبي ثعلبة الخشني:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في يدي خاتماً من ذهب، فجعل يقرع يده بعود معه، فغفل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فأخذ الخاتم فرمى به، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره في إصبعه، فقال: ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك"(140)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده، فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم"(141)، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها"(142)، وحديث علي بن أبي طالب قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي، وعن القراءة في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر"(143)، والقسي: ثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام، والمعصفر: المصبوغ بالعصفر(144).
وحديث جابر بن عبد الله قال: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره، فقال: أما كان يجد ما يسكن به شعره؟، ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه"(145)، قوله: "ما يسكن به رأسه" أي: ما يلم شعثه، ويجمع تفرقه، فعبر بالتسكين عنه، قال الطيبي: «أنكر عليه بذاذته لما يؤدي إلى ذلته»(146).
وحديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم، وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا"(147)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك فقال: احلقوه كله أو اتركوه كله"(148)، فعلى المسلم التزين والظهور بالمظهر الحسن من غير إسراف ولا مخيلة ولا مشابهة لليهود أو النصارى وغير المسلمين وكذلك النساء، مع أن لا يكون ما يتزين به من المحظورات الشرعية.
رابعاً: المثل التطبيقي في النهي عن التشبه
ويظهر المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في النهي عن التشبه في أحاديث عدة ومنها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم" قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً وأخرج عمر فلانا"(149).
قال المباركفوري: «قوله: ""لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال" بفتح النون المشددة وكسرها والأول أشهر أي: المتشبهين بالنساء في الزي واللباس والخضاب والصوت والصورة والتكلم وسائر الحركات والسكنات، من خنث يخنث كعلم يعلم إذا لان وتكسر، فهذا الفعل منهي [عنه] لأنه تغيير لخلق الله... "والمترجِلات" بكسر الجيم المشددة أي المتشبهات بالرجال، "من النساء" زياً وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها، لا رأياً وعلماً فإن التشبه بهم محمود كما روي أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي أي: رأيها كرأي الرجال»(150)، وقال ابن حجر: «وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب»(151).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذا ؟ فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟ فقال: إني نهيت عن قتل المصلين"، قال أبو داود: قال أبو أسامة: والنقيع ناحية عن المدينة وليس بالبقيع(152)، وحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد الله أخي أم سلمة: يا عبد الله إن فتح لكم غداً الطائف فإني أدلك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن هؤلاء عليكم"(153)، قال العيني: «أن معناه أخرجه من البيت ومنعه بعد ذلك من الدخول عليهن هو وغيره من المخنثين»(154)، وقال الإمام النووي: «وأما دخول هذا المخنث أولاً على أمهات المؤمنين فقد بين سببه في هذا الحديث بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولى الإربة، وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سمع منه هذا الكلام علم أنه من أولى الإربة فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول، ففيه منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى، وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره والله أعلم»(155)
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا اليهود"(156)، وحديث ابن عمر رضي اله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(157)، قال المناوي: «أي:. تزيا في ظاهره بزيهم، وفي تعرفه بفعلهم، وفي تخلقه بخلقهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن "فهو منهم" وقيل المعنى: من تشبه بالصالحين وهو من أتباعهم يكرم كما يكرمون، ومن تشبه بالفساق يهان ويخذل كهم، ومن وضع عليه علامة الشرف أكرم وإن لم يتحقق شرفه، وفيه أن من تشبه من الجن بالحيات وظهر بصورتهم قتل، وأنه لا يجوز الآن لبس عمامة زرقاء أو صفراء كذا ذكره ابن رسلان وبأبلغ من ذلك صرح القرطبي فقال: لو خص أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم فقد يظن به من لا يعرفه أنه منهم فيظن به ظن السوء فيأثم الظان والمظنون فيه بسبب العون عليه، وقال بعضهم: قد يقع التشبه في أمور قلبية من الاعتقادات وإرادات وأمور خارجية من أقوال وأفعال قد تكون عبادات وقد تكون عادات في نحو طعام ولباس ومسكن ونكاح واجتماع وافتراق وسفر وإقامة وركوب وغيرها، وبين الظاهر والباطن ارتباط ومناسبة، وقد بعث الله المصطفى بالحكمة التي هي سنة وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان مما شرعه له من الأقوال والأفعال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر في هذا الحديث وإن لم يظهر فيه مفسدة لأمور منها: أن المشاركة في الهدي في الظاهر تؤثر تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين تعود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس فإن لابس ثياب العلماء مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ولابس ثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم وتصير طبيعته منقادة لذلك إلا أن يمنعه مانع، ومنها أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، ومنها أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة التي أشار إليها هذا الحديث وما أشبهه»(158).
خامساً: المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة المصطفى في الاستئذان
حيث كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أحكامه وآدابه وكيفيته، ويظهر ذلك في أحاديث عدة ومنها: حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "اطلع رجل من جحر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يحك به رأسه فقال: لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"(159)، قال الإمام النووي: «أما المِدْرى: فبكسر الميم وإسكان الدال المهملة وبالقصر وهى حديدة يسوى بها شعر الرأس، وقيل هو شبه المشط، وقيل هي أعواد تحدد تجعل شبه المشط، وقيل هو عود تسوي به المرأة شعرها... وترجيل الشعر تسريحه ومشطه... في جُحْر: هو بضم الجيم وإسكان الحاء وهو الخرق، قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الاستئذن من أجل البصر" معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به، وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا غيره مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية، وفي هذا الحديث جواز رمي عين المتطلع بشيء خفيف، فلو رماه بخفيف ففقأها فلاضمان إذا كان قد نظر في بيت ليس فيه امرأة محرم والله أعلم»(160)، وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يَختِل الرجل ليطعنه"(161)، قال النووي: «أما المشاقص فجمع مشقص وهو نصل عريض للسهم... وأما يَختِله فبفتح أوله وكسر التاء أي: يراوغه ويستغفله»(162).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه"(163)، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح"(164)، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فلا دية له ولا قصاص"(165).
قال الحافظ: «وفيه مشروعية الاستئذان على من يكون في بيت مغلق الباب، ومنع التطلع عليه من خلل الباب... وأن الاستئذان لا يختص بغير المحارم بل يشرع على من كان منكشفاً ولو كان أماً أو أختاً، واستدل به على جواز رمي من يتجسس ولو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل، وأنه إن أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر... وهل يشترط الإنذار قبل الرمي وجهان قيل يشترط كدفع الصائل وأصحهما لا لقوله في الحديث يَختِله بذلك، وفي حكم المتطلع من خلل الباب الناظر من كوة من الدار... واستدل به على اعتبار قدر ما يرمى به بحصى الخذف... فلو رماه بحجر يقتل أو سهم تعلق به القصاص، وفي وجه لا ضمان مطلقاً، ولو لم يندفع إلا بذلك جاز، ويستثنى من ذلك من له في تلك الدار زوج أو محرم أو متاع فأراد الاطلاع عليه فيمتنع رميه للشبهة، وقيل لا فرق، وقيل يجوز إن لم يكن في الدار غير حريمه، فإن كان فيها غيرهم أنذر فإن انتهى وإلا جاز»(166).
وحديث جابر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب فقال: "من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا كأنه كرهها"(167)، قال النووي: «قال العلماء: إذا استأذن فقيل له: من أنت أو من هذا كره أن يقول أنا لهذا الحديث، ولأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة ولا زيادة بل الإبهام باق، بل ينبغي أن يقول فلان باسمه، وإن قال: أنا فلان فلا بأس كما قالت أم هانئ»(168)، وحديث جابر بن سليم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تقل عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى"(169)، وعن ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: "أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم أأدخل؟، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل"(170)، وعن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ وضغابيس(171) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم استأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟ وذلك بعد ما أسلم صفوان"(172).
سادساً: المثل التطبيقي في المجالس
المجالس هي مجمع الناس ومختلطهم، فقد يقع منهم أشياء ربما توافق الشرع وربما تخالفه، فكان عليه الصلاة والسلام إذا رأى شيئا من ذلك نبه عليه، حتى تكون مجالسهم بعيدة عن المنكرات والأعمال السيئة، وحتى تغمرهم الفضيلة والمحبة، وهذا واجب المسلم إذا حضر مجالس العامة أن ينكر عليهم ما يقعون فيه من منكرات ومخالفات وينصحهم ويرشدهم إلى الخير(173).
ويظهر الجانب التطبيقي من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب في عدة أحاديث منها: حديث الشريد بن سويد قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي، فقال: "أتقعد قعدة المغضوب عليهم"(174)، قال الإمام القاري: «والألية بفتح الهمزة اللحمة التي في أصل الإبهام... والظاهر أن عكس فعله أيضاً يتعلق به الإنكار وكذا وضع اليدين وراء ظهره متكئاً عليهما من قعد المتكبرين لكن في أخذه من الحديث محل تردد... وفي التخصيص بالذكر فائدتان: إحداهما أن هذه القعدة مما يبغضه الله تعالى، والأخرى أن المسلم ممن أنعم الله عليه فينبغي أن يجتنب التشبه بمن غضب الله عليه ولعنه... والأظهر أن يراد بالمغضوب عليهم أعم من الكفار والفجار المتكبرين المتجبرين ممن تظهر آثار العجب والكبر عليهم من قعودهم ومشيهم»(175).
وحديث جابر بن سمرة قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ؟ اسكنوا في الصلاة، قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقاً فقال: ما لي أراكم عزين"(176)، قال الإمام الخطابي في: "عزين": «يريد فرقاً مختلفين لا يجمعكم مجلس واحد»(177)، وقال الإمام النووي: «"ما لي أراكم عزين" أي: متفرقين جماعة جماعة، وهو بتخفيف الزاي، الواحدة عزة، معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع»(178)، وقال الإمام المناوي: «"ما لي أراكم عزين" بتخفيف الزاي مكسورة متحلقين حلقة حلقة، جماعة جماعة، جمع عزة وهي الجماعة المتفرقة والهاء عوض عن الياء أي: ما لي أراكم أشتاتاً متفرقين، قال الطيبي: هذا إنكار منه على رؤية أصحابه متفرقين أشتاتاً والمقصود الإنكار عليهم كائنين على تلك الحالة يعني لا ينبغي أن تتفرقوا ولا تكونوا مجتمعين بعد توصيتي إياكم بذلك كيف وقد قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾[آل عمران: 103]، ولو قال: ما لكم متفرقون لم يفد المبالغة»(179).
وحديث أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم"(180)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كف جشاءك عنا؛ فإن أطولكم جوعاً يوم القيامة أكثركم شبعاً في دار الدنيا"(181)،
قال المناوي: «"كف عنا جشاءك" هو الريح الذي يخرج من المعدة عند الشبع، فإن "أكثرهم" يعني الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة، والنهي عن الجشاء نهي عن سببه وهو الشبع، وهو مذموم طباً وشرعاً كيف وهو يقرب الشيطان ويهيج النفس إلى الطغيان، والجوع يضيق مجاري الشيطان ويكسر سطوة النفس فيندفع شرهما، ومن الشبع تنشأ شدة الشبق إلى المنكوحات ثم يتبعها شدة الرغبة إلى الجاه والمال اللذان هما الوسيلة إلى التوسع في المطعومات والمنكوحات، ثم يتبع ذلك استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات، ثم يتولد من ذلك آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء، ثم يتداعى ذلك إلى الحسد والحقد والعداوة والبغضاء، ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء والبطر والأشر وذلك مفض إلى الجوع في القيامة وعدم السلامة إلا من رحم ربك»(182).
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر"(183)، وحديث عبد الله بن زمعة رضي الله عنه: "ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل"(184)، قال الإمام النووي: «وفيه النهى عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره بل ينبغي أن يتغافل عنها ويستمر على حديثه واشتغاله بما كان فيه من غير التفات ولا غيره، ويظهر أنه لم يسمع، وفيه حسن الأدب والمعاشرة»(185).
ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة"(186)، وعنه رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفارة المجالس أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك"(187).
سابعاً: المثل التطبيقي في الطعام والشراب
حيث كان يعلم من يحضر معه طعامه وشرابه آدابه وأحكامه، وإذا اطلع على منكر في طعام وشراب نهى عنه وغيره، وأرشد إلى الحق والصواب، ويظهر المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب في الطعام والشراب في عدة أحاديث منها: حديث سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: "كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، قال فما رفعها إلى فيه"(188)، قال الإمام النووي: «وفيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفها»(189)، وعنه رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نيراناً توقد يوم خيبر، قال: على ما توقد هذه النيران؟ قالوا: على الحمر الإنسية، قال: اكسروها وأهرقوها، قالوا: ألا نهريقها ونغسلها؟ قال: اغسلوا"(190)، وحديث عمر بن أبي سلمة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بيمينك"(191)، وعنه رضي الله عنه قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"(192)، قال ابن حجر: «وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حال الأكل، وفيه استحباب تعليم أدب الأكل والشرب، وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر ومواظبته على مقتضاه»(193).
وعنه رضي الله عنه قال: أكلت يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فجعلت آكل من نواحي الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مما يليك"(194)، وفي رواية: أكلت يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت آخذ من لحم حول الصحفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مما يليك"(195)، وحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب، وعن يمينه غلام هو أحدث القوم، والأشياخ عن يساره قال: يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ ؟ فقال: ما كنت لأوثر بنصيبي منك أحداً يا رسول الله فأعطاه إياه"(196)، وحديث أبي مسعود الأنصاري قال: كان رجل من الأنصار يقال له أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف في وجهه الجوع، فقال لغلامه: ويحك اصنع لنا طعاماً لخمسة نفر؛ فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، قال: "فصنع ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه خامس خمسة، واتبعهم رجل، فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع: قال: لا بل آذن له يا رسول الله"(197)، وحديث أبي جحيفة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده: "لا آكل وأنا متكئ"(198)، قال الإمام الخطابي: «يحسب أكثر العامة أن المتكئ هو المائل المعتمد على أحد شقيه لا يعرفون غيره، وكان بعضهم يتأول هذا الكلام على مذهب الطب ودفع الضرر عن البدن إذ كان معلوم أن الآكل مائلاً على أحد شقيه لا يكاد يسلم من ضغط يناله في مجاري طعامه ولا يسيغه ولا يسهل نزوله إلى معدته، وليس معنى الحديث ما ذهبوا إليه، وإنما المتكئ ها هنا هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، وكل من استوى قاعداً على وطاء فهو متكئ، والاتكاء مأخوذ من الوكاء ووزنه الافتعال ومنه المتكئ وهو الذي أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته، والمعنى إني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطئة والوسائد فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة ويتوسع في الألوان، ولكني آكل علقة، وآخذ من الطعام بلغة، فيكون قعودي متوفزاً له»(199)، وحديث عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه"(200).
ثامناً: المثل التطبيقي في اللهو
ويتجلى المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في اللهو في عدة نصوص نبوية منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة فقال: "شيطان يتبع شيطانة"(201)، قال أبو حاتم : «اللاعب بالحمام لا يتعدى لعبه من أن يتعقبه بما يكره الله جل وعلا، والمرتكب لما يكره الله عاص، والعاصي يجوز أن يقال له شيطان وإن كان من أولاد آدم، قال الله تعالى: ﴿شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ﴾[الأنعام:112]، فسمى العصاة منهما شياطين، وإطلاقه صلى الله عليه وسلم اسم الشيطان على الحمامة للمجاورة، ولأن الفعل من العاصي بلعبها تعداه إليها»(202)، وقال ابن قدامة: «واللاعب بالحمام يطيرها لا شهادة له وهذا قول أصحاب الرأي، وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمام ولا حمام؛ وذلك لأنه سفه ودناءة، وقلة مروءة، ويتضمن أذى الجيران بطيره وإشرافه على دورهم ورميه إياها بالحجارة»(203).
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا"(204)، قال الإمام النووي: « أي: لا تتخذوا الحيوان الحي غرضاً ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها، وهذا النهى للتحريم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التي بعد هذه: "لعن الله من فعل هذا"(205)، ولأنه تعذيب للحيوان، وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته، وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى»(206).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها فقال: "دعهم يا عمر"(207)، قال الإمام العيني: «"فأهوى" أي: قصد، والحصى جمع حصاة، قوله: "فحصبهم بها" أي: رماهم بالحصى»(208)، وفيه إقراره للحبشة في لعبهم ولهوهم بالمباح.
وحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"(209)، وفي رواية: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: "ما يضحككم؟ فقالوا: لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"(210).
قال الألباني: «قوله: "حبل" بالحاء هكذا وقع في الترغيب وكذلك هو في سنن أبي داود، ووقع في المسند "نبل"بالنون وهو الصواب»(211)، وقال محمد شمس الحق العظيم آبادي: «"لا يحل لمسلم أن يروع مسلما" أي: يخوفه، قال المناوي: ولو هازلاً لما فيه من الإيذاء»(212).
وحديث نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً قال فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا"(213)، وعن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا"(214).
تاسعاً: المثل التطبيقي عند نزول المصائب والمحن
فقد كان صلى الله عليه وسلم يثبت المصاب، ويرشده إلى الصبر والصواب، وينهاه عن الوقوع في المنكرات من جزع ونحوه، والمثل التطبيقي في هذا الجانب يظهر في أحاديث عدة منها: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: اتقي الله واصبري"(215)، وفي رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند أول صدمة"(216).
قال الإمام النووي: «فيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع كل أحد»(217)، وحديث أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي صلى الله عله وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت فقال للرسول: "ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب، فعاد الرسول فقال إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة، ففاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"(218).
عاشراً: المثل التطبيقي في الجهاد
ويتضح المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجهاد في عدة نصوص نبوية منها: حديث رَبَاحِ بن رَبِيعٍ قال: "كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ، فَرَأَى الناس مُجْتَمِعِينَ على شَيْءٍ، فَبَعَثَ رَجُلاً فقال: انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ، فَجَاءَ فقال: على امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فقال: ما كانت هذه لِتُقَاتِلَ، قال: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بن الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلاً فقال: قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً ولا عَسِيفا(219)"(220)، وحديث عَامِرُ بن الْأَكْوَعِ في خيبر لما تَصَافَّ الْقَوْمُ وكان سَيْفُه قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ منه، قال سَلَمَةُ رَآنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو آخِذٌ بِيَدِي قال: "ما لك؟ قلت له: فَدَاكَ أبي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كَذَبَ من قَالَهُ، إِنَّ له لَأَجْرَيْنِ، وَجَمَعَ بين إِصْبَعَيْهِ، إنه لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بها مثله حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَاتِمٌ قال نَشَأَ بها"(221)، وحديث البراء رضي الله عنه يقول: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال: "يا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ وأسلم؟ قال: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا"(222)، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد فلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَلَّا إني رَأَيْتُهُ في النَّارِ في بُرْدَةٍ غَلَّهَا أو عَبَاءَةٍ، ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا بن الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ في الناس أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ قال فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ ألا إنه لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ(223)، وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حميةً فرفع إليه رأسه -قال وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائماً- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل"(224)،وحديث كَثِيرُ بن عَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ قال: قال عَبَّاسٌ: "شَهِدْتُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أنا وأبو سُفْيَانَ بن الْحَارِثِ بن عبد الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلم نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على بَغْلَةٍ له بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا له فَرْوَةُ بن نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ، فلما الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قال عَبَّاسٌ: وأنا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ، وأبو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فقال عَبَّاسٌ- وكان رَجُلًا صَيِّتًا- فقلت بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قال: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حين سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ على أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يا لَبَّيْكَ يا لَبَّيْكَ، قال: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ وَالدَّعْوَةُ في الْأَنْصَارِ يَقُولُونَ: يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، قال ثُمَّ قُصِرَتْ الدَّعْوَةُ على بَنِي الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ فَقَالُوا: يا بَنِي الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ يا بَنِي الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجِ فَنَظَرَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو على بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عليها إلى قِتَالِهِمْ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هذا حين حَمِيَ الْوَطِيسُ، قال: ثُمَّ أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ ثُمَّ قال: انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، قال فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فإذا الْقِتَالُ على هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى، قال: فَوَاللَّهِ ما هو إلا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فما زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا"(225)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد مرتين"(226)، قال الإمام الخطابي: «أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا»(227)، وحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم، فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟! قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"(228)، وفي رواية: قلت: "يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ"(229).
الحادي عشر: المثل التطبيقي في الحدود والحقوق
الحدود جمع حد وهو المنع والحاجز بين الشيئين يمنع اختلاط أحدهما بالآخر سمي بذلك الحدود الشرعية لكونها مانعة لمتعاطيها عن معاودة مثله ولغيره أن يسلك مسلكه، ولهذا يقال للبواب حداداً لمنعه الناس عن الدخول، وفي الشرع الحد عقوبة مقدرة لله تعالى(230)، والحقوق جمع حق وهو ضد الباطل ويطلق على الشيء المسستحق، والمثل التطبيقي لهذا الجانب أحاديثه عدة ومنها: حديث َعائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ التي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: من يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عليه إلا أُسَامَةُ حِبُّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "أَتَشْفَعُ في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قام فَخَطَبَ قال: يا أَيُّهَا الناس إنما ضَلَّ من كان قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ، وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا"(231)، وحديث البراء رضي الله عنه قال: لقيت عمي ومعه راية فقلت له: أين تريد؟ قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله"(232)، وحديث عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: "كنت عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ إني أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قال، ولم يَسْأَلْهُ عنه، قال: وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قَضَى النبي صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قام إليه رجل فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ إني أَصَبْتُ حَدًاً فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ قال أَلَيْسَ قد صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قال: نعم قال: فإن اللَّهَ قد غَفَرَ لك ذَنْبَكَ أو قال حَدَّكَ"(233)، وحديث عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ: "أَنَّ امْرَأَةً من جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى من الزِّنَى فقالت: يا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا، فقال: أَحْسِنْ إِلَيْهَا فإذا وَضَعَتْ فائتني بها فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بها نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَشُكَّتْ عليها ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بها فَرُجِمَتْ ثُمَّ صلى عليها، فقال له عُمَرُ: تُصَلِّي عليها يا نَبِيَّ اللَّهِ وقد زَنَتْ فقال: لقد تَابَتْ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بين سَبْعِينَ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ من أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى"(234)، وفي رواية: "فَيُقْبِلُ خَالِدُ بن الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ على وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إِيَّاهَا فقال: مَهْلًا يا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بيده لقد تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له ثُمَّ أَمَرَ بها فَصَلَّى عليها وَدُفِنَتْ"(235)، وحديث أُمِّ سَلَمَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلي وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ وَأَقْضِيَ له على نَحْوِ مما أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ له من حَقِّ أَخِيهِ شيئا فلا يَأْخُذْ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ"(236)، وحديث أبي جحيفة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً، فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، قال: فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان"(237)، وحديث عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًاً من الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم في شِرَاجِ الْحَرَّةِ التي يَسْقُونَ بها النَّخْلَ، فقال الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عليه، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ: "اسق يا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إلى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فقال: أَنْ كان بن عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قال: اسْقِ يا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حتى يَرْجِعَ إلى الْجَدْرِ"(238)
الثاني عشر: المثل التطبيقي في الجنايات
جمع جناية وهي ما يجنى من الشر أي يحدث ويكسب، وهي في الأصل مصدر جنى عليه شراً جناية، وهو عام في كل ما يقبح ويسوء، وقد خص بما يحرم من الفعل، ولكن في ألسنة الفقهاء يراد بالجناية القصاص في النفوس والأطراف(239).
ويتجلى المثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنايات من خلال الزجر عنها والحث على العفو والإرشاد إلى حكم الشرع فيها، ويدل على ذلك عدة نصوص نبوية منها: حديث أَنَس أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا الْأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا النبي صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ فقال أَنَسُ بن النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يا رَسُولَ اللَّهِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فقال: "يا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ من عِبَادِ اللَّهِ من لو أَقْسَمَ على اللَّهِ لَأَبَرَّهُ"(240)، وحديث سِمَاكِ بن حَرْبٍ أَنَّ عَلْقَمَةَ بن وَائِلٍ حدثه أَنَّ أَبَاهُ حدثه قال إني لَقَاعِدٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم إِذْ جاء رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ هذا قَتَلَ أَخِي، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقَتَلْتَهُ؟ فقال: إنه لو لم يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عليه الْبَيِّنَةَ، قال: نعم قَتَلْتَهُ، قال: كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ قال: كنت أنا وهو نَخْتَبِطُ من شَجَرَةٍ فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ على قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عن نَفْسِكَ؟ قال: مالي مَالٌ إلا كِسَائِي وَفَأْسِي، قال :فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ، قال أنا أَهْوَنُ على قَوْمِي من ذَاكَ، فَرَمَى إليه بِنِسْعَتِهِ وقال دُونَكَ صَاحِبَكَ، فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ فلما وَلَّى قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ، فَرَجَعَ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ إنه بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ إن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ قال: يا نَبِيَّ اللَّهِ لَعَلَّهُ قال بَلَى، قال: فإن ذَاكَ كَذَاكَ، قال: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ"(241)، وحديث عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ من فيه، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يَعَضُّ أحدكم أَخَاهُ كما يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ له"(242).
الثالث عشر: أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم لأهل بيته
فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تنقية آل بيته من المعاصي، فكان إذا وقع أحدهم في منكر أنكر عليه، وعمل على صرفه عنه(243)، وإن أعظم منكر أنكره فيهم هو ما أنكره على عمه أبي طالب من الشرك بالله ثم قام صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى كلمة التوحيد وإلحاحه عليه رجاء أن يقولها عند وفاته، فعن سعيد ابن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله"(244).
ومن أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم لأهل بيته ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه حين خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بعرفة في حجته فقال: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله"(245)، فأنكر ربا العباس ووضعه، قال الإمام النووي: «في هذه الجملة إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي لم يتصل بها قبض، وأنه لا قصاص في قتلها، وأن الإمام وغيره ممن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله؛ فهو أقرب إلى قبول قوله وإلى طيب نفس من قرب عهده بالإسلام»(246).
ومن أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم لأهل بيته إنكاره على الفضل رضي الله عنه نظره إلى الظعن-جمع ظعينة وهي المرأة- الذين يجرين ففي حديث جابر رضي الله عنه في حجته صلى الله عليه وسلم: "ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين، فطفق ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر، فصرف الفضل وجهه من الشق الآخر ينظر"(247)، وإنكاره عليه النظر إلى الخثعمية، ففي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر،"(248)، وإنكاره على عائشة رضي الله عنها في زكاة الخواتيم فعن عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات -خواتيم كبار- من ورق فقال: ما هذا يا عائشة ؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار"(249)، وإنكاره عليها الغلظة في ردها لسلام اليهود فعنها رضي الله عنها قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم"(250).
ومن إنكاره عليها ما رواه مسروق قال قالت عائشة: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه قالت فقلت يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة قالت فقال انظرن إخوتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة"(251)، قال العيني: «يعني ليس كل من أرضع لبن أمها يصير أخاً لكن بل شرطه أن يكون من المجاعة أي الجوع، أي: الرضاعة التي تثبت بها الحرمة ما يكون في الصغر حتى[حين] يكون الرضيع طفلاً يسد اللبن جوعته، وأما ما كان بعد البلوغ فلا يسدها اللبن ولا يشبعه إلاَّ الخبز، وقيل: معناه أن المصة والمصتين لا تسد الجوع وكذلك الرضاع بعد الحولين وإن بلغ خمس رضعات، وإنما يحرم إذا كان في الحولين قدر ما يدفع المجاعة، وهو ما قدر به السنة يعني خمساً أي لا بد من اعتبار المقدار والزمان قاله الكرماني»(252).
وإنكاره عليها غيبتها لصفية رضي الله عنهما فعنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "حسبك من صفية كذا وكذا -تعني قصيرة- فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيت له إنساناً قال: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا"(253).
ومن ذلك تحذيره لأهل بيته وحثهم على المبادرة إلى الأعمال ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء:214] قال: يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا"(254)، وتحذيره لأهله من الفتنة فعن أم سلمة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال: سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات؟ يارب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"(255).
أخيراً: هذا قليل من كثير وغيض من فيض، وهو مسوق هنا على سبيل التمثيل لا الإحاطة؛ إذ الإحاطة بالمثل التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من الصعوبة بمكان؛ لأن حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت كلها لله، فلحظات عمره ما بين آمر بالمعروف وناه عن المنكر، ولكنها نفحات طيب من حياة الحبيب صلى الله عليه وسلم لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع كاتبها وقارئها وسامعها وجميع المحبين للحبيب صلى الله عليه وسلم، وفي الختام أسأل الله تعالى جل في علاه أن ينفعني وقارئة وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يجمع كلمتهم ويوحد صفهم ويهدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يجنبنا مخالفة الشريعة، والوقوع في المنكرات، وأن يرفع عنا الجهل والظلم والتفرق والتمزق والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقنا للسير على خطا الحبيب المصطفى والاهتداء بهدية والعمل بسنته، وأن يدفع عنا كل مكر وكيد وتآمر، وأن يتجاوز عما في هذا البحث من خلل أو قصور.
إلى هنا أكون قد انتهيت من إتمام العمل في هذا البحث فما كان فيه من توفيق وصواب فهو من الله وحده، وما كان فيه من خطأ أو خلل أو قصور فمن نفسي المقصرة والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وإن تجد عيبا فسد الخللا

فجل من لاعيب فيه وعلا(256)


وصلى الله وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله وأزواجه وجميع أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الصافات:180- 182]
جمع وإعداد/ محمد نعمان محمد علي البعداني
للدورة السابعة لندوة تقوية الإيمان وزيادته
من 6-8/5/1431هـ الموافق 20-22/4/2010م
مراجعة الدكتور/ قسطاس إبراهيم


الفهرس
العنوان
الصفحة
المقدمة
1
المطلب الأول: المثل التطبيقي في مجال العقيدة
3
أولاً: الأمر بالمعروف الأكبر (الإيمان والتوحيد)، والنهي عن المنكر الأكبر (الشرك)
3
ثانياً: الأمر بالإخلاص والنهي عن الرياء
6
ثالثاً: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع
8
رابعاً: الأمر بالاعتدال والنهي عن الغلو في الدين
10
أسباب النهي عن الغلو
12
المطلب الثاني: المثل التطبيقي في مجال العبادات
15
المثل التطبيقي في الوضوء
15
المثل التطبيقي في الصلاة
15
المثل التطبيقي في الزكاة
17
المثل التطبيقي في الحج
18
المثل التطبيقي في الصوم
19
المثل التطبيقي في الدعاء
21
المطلب الثالث: المثل التطبيقي في غير العبادات والعقائد
23
المثل التطبيقي في البيوع
23
المثل التطبيقي في ستر العورة
24
المثل التطبيقي في اللباس والزينة
25
المثل التطبيقي في النهي عن التشبه
27
المثل التطبيقي في الاستئذان
29
المثل التطبيقي في المجالس
31
المثل التطبيقي في الطعام والشراب
33
المثل التطبيقي في اللهو
35
المثل التطبيقي عند نزول المصائب والمحن
37
المثل التطبيقي في الجهاد
37
المثل التطبيقي في الحدود والحقوق
39
المثل التطبيقي في الجنايات
41
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم لأهل بيته
42
الفهرس
46

(1) تفسير ابن كثير، 3/475.

(2) تفسير السعدي، ص661.

(3) أخرجه أحمد في المسند، 6/91 برقم: 24645، قال الألباني: «صحيح»، انظر: الجامع الصغير وزيادته، 1/895 ، برقم: 8942.

(4) التعاريف، ص428، وتفسير البحر المحيط، 5/3.

(5) أخرجه مسلم، 2/843 برقم: 1185.

(6) شرح صحيح مسلم، 8/90.

(7) أخرجه البخاري، 1/7 برقم: 7.

(8) أخرجه البخاري، 3/1074 برقم: 2782.

(9) أخرجه البخاري، 1/45 برقم: 87، ومسلم، 1/48 برقم: 18، وهذا لفظ مسلم.

(10) أخرجه مسلم، 2/721 برقم: 1043.

(11) أخرجه مسلم، 3/1340 برقم: 1715.

(12) أخرجه الترمذي، 4/475 برقم: 2180، وأحمد في المسند، 5/218 برقم: 21947، قال الألباني: «صحيح»، انظر: صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، ص592 برقم: 5914، و جلباب المرأة المسلمة، ص202.

(13) تحفة الأحوذي، 6/339.

(14) أخرجه أحمد في المسند، 1/214 برقم: 1839، قال شعيب الأرنؤوط: «صحيح لغير».

(15) أخرجه البخاري، 4/1626 برقم: 4207، ومسلم، 1/90 برقم: 86.

(16) انظر لتعريف الإخلاص والرياء: موسوعة نضرة النعيم: 2/ 124، والزواجر للهيثمي، 1/75، وفتح الباري للعسقلاني، 11/336

(17) أخرجه البخاري، 6/2461 برقم: 6311، ومسلم، 3/1515 برقم: 1907.

(18) شرح صحيح مسلم، 13/54.

(19) عون المعبود، 6/203.

(20) أخرجه البخاري، 1/58 برقم: 123، ومسلم، 3/1512 برقم: 1904

(21) شرح صحيح مسلم، 13/49.

(22) أخرجه النسائي، 6/25 برقم: 3140، قال الألباني: «حسن»، صحيح الترغيب والترهيب، 1/3 برقم: 8.

(23) أخرجه البخاري، 5/2383 برقم: 6134، ومسلم، 4/2289 برقم: 2987.

(24) انظر: فتح الباري، 11/336، 337

(25) أخرجه أحمد في المسند، 5/ 428 برقم: 23680، قال الألباني: «صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 1/8 برقم: 32.
بين أهل العلم الفرق بين الرياء -وهو الشرك الأصغر- وبين الشرك الأكبر بمثال: هو أن المصلّي مراءاة يكون رياؤه سببا باعثا له على العمل، وهو تارة يقصد بعمله تعظيم اللّه تعالى، وتارة لا يقصد شيئا، وفي كلّ منهما لا يصدر عنه مكفّر، بخلاف الشّرك الأكبر الّذي لا يحدث إلّا إذا قصد تعظيم غير اللّه تعالى، وعلم بذلك أنّ المرائي إنّما حدث له هذا النّوع من الشّرك بتعظيمه قدر المخلوق عنده حتّى حمله ذلك على الرّكوع والسّجود، فكأنّ المخلوق هو المعظّم بالسّجود من وجه، وذلك غاية الجهل، والفرق بين الرّياء والسّمعة: أنّ الرّياء يكون في الفعل، والسّمعة تكون في القول، وقيل الرّياء أن يعمل لغير اللّه، والسّمعة أن يخفي عمله ثمّ يحدّث به النّاس، والفرق بين النفاق والرياء: هو أنّ الأصل في الرّياء الإظهار، والأصل في النّفاق الإخفاء إذ المرائي يظهر نيّته الحقيقيّة في طلب المنزلة عند النّاس، أمّا المنافق فإنّه يخفي على النّاس ما بداخله ويظهر خلافه، وقد يلتقي الرّياء والنّفاق الأصغر في عمل المنافق، وقد يختلفان كما في قيامهم -أي المنافقين- إلى الصّلاة كسالى وعدم ذكرهم اللّه إلّا قليلا، فالمرائي يظهر النّشاط ويكثر من الذّكر لينال مكانة عند النّاس بخلاف المنافق هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ النّفاق ينقسم إلى أكبر وهو النّفاق المتعلّق بالعقيدة، وأصغر وهو المتعلق بالأعمال، وإذا كان الرّياء داخلا في النّفاق العمليّ فيكون ثمّت بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في النّفاق العمليّ وهو أن يظهر الإنسان علانية العمل الصّالح ويبطن خلاف ما يظهر، وينفرد النّفاق بإظهار الإيمان وإبطان الكفر -وهو النفاق العقدي-، وينفرد الرياء بأنه قد يكون في غير العبادات لطلب جاه، وليس هذا النوع بحرام إلا إذا حملته كثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز، والفرق بين السمعة والرياء: أن السمعة تتعلق بحاسة السمع، والرياء بحاسة البصر، موسوعة نضر النعيم، 10، 4552، 4553، وفتح الباري، 11/336.

(26) موسوعة نضرة النعيم: 2/ 140 ،10/ 4567.

(27) إعلام الموقعين، 2/201.

(28) الاعتصام، 1/37.

(29) أخرجه أحمد في المسند، 3/387 برقم: 15195، قال الألباني: « حديث حسن إسناده ثقات غير مجالد وهو ابن سعيد فإنه ضعيف، ولكن الحديث حسن له طرق أشرت إليها في المشكاة ثم خرجت بعضها في الإرواء»، ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، 1/21 برقم: 50.

(30) مرقاة المفاتيح، 1/385.

(31) رواه أحمد 1/435 برقم: 4142، وابن حبان 1/180 برقم: 6، قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده حسن»، ونقل عن الشيخ أحمد شاكر تصحيحه (4142، 4437).

(32) مرقاة المفاتيح، 1/375.

(33) أخرجه البخاري، 5/1949 برقم: 4776، ومسلم، 2/1020 برقم: 1401، واللفظ للبخاري.

(34) أخرجه مسلم، 2/943 برقم: 1297.

(35) أخرجه البخاري، 5/2238 برقم: 5662 .

(36) أخرجه البخاري، 2/959 برقم: 2550، ومسلم، 3/1343 برقم: 1718.

(37) شرح صحيح مسلم، 12/16.

(38) النهاية في غريب الأثر، 3/382.

(39) التوقيف على مهمات التعاريف، ص540

(40) أي هو ابن زنا، انظر: صفوة التفاسير للصابونى، 1/234.

(41) تفسير القرطبي، 6/252.

(42) أخرجه مسلم، 4/2055 برقم: 2670.

(43) شرح صحيح مسلم، 16/220.

(44) أخرجه أحمد في المسند، 3/198 برقم: 13074، قال شعيب الارنؤوط: «حسن بشواهده»، وقال الألباني: «حسن»، صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، 1/401 برقم: 4009.

(45) فيض القدير، 2/544.

(46) أخرجه أحمد في المسند، 3 /153 برقم: 12573، قال الألباني: «صحيح»، السلسلة الصحيحة، 4/101 برقم: 1572.

(47) أخرجه أحمد في المسند، 6/226 برقم: 25935، قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين».

(48) أخرجه البخاري، 1/386 برقم: 1099، ومسلم، 1/541 برقم: 784.

(49) أخرجه البخاري، 6/2662 برقم: 6871

(50) أخرجه البخاري، 6/2465 برقم: 6326.

(51) أخرجه البخاري، 2/660 برقم: 1767، ومسلم، 3/1264 برقم: 1644.

(52) أخرجه البخاري، 2/659 برقم: 1766.

(53) أخرجه البخاري، 5/2273 برقم: 5788.

(54) أخرجه النسائي، 5/268 برقم: 3057، وابن ماجه، 2/1008 برقم: 3029، وأحمد في المسند، 1/215 برقم: 1851، قال الإالباني: «صحيح»، صحيح سنن ابن ماجة، 2/177 برقم: 2455.

(55) اقتضاء الصراط لمستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ص106.

(56) أخرجه البخاري، 1/23 برقم: 39.

(57) فتح الباري، 1/94.

(58) فتح الباري، 1/94، وفيض القدير، 3/555.

(59) أخرجه البخاري، 5/1949 برقم: 4776، ومسلم، 2/1020 برقم: 1401، واللفظ للبخاري.

(60) فتح الباري، 9/105، 106.

(61) أخرجه النسائي، 5/268 برقم: 3057، وابن ماجه، 2/1008 برقم: 3029، وأحمد في المسند، 1/215 برقم: 1851، قال الإالباني: «صحيح»، صحيح سنن ابن ماجة، 2/177 برقم: 2455.

(62) أخرجه مسلم، 4/2055 برقم: 2670.

(63) أخرجه أبو داود، 2/693 برقم: 4904، قال الألباني: «ضعيف»، ضعيف أبي داود، 1/485 برقم: 1049، وأبو يعلى في المسند، 6/365 برقم: 3694، وقال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وهو مرسل ورجاله ثقات»، مجمع الزوائد، 6/390 برقم: 10546.

(64) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، 3/258، قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وثقه جماعة وضعفه آخرون» مجمع الزوائد، 1/230 برقم: 220.

(65) إغاثة اللهفان، 1/132.

(66) أخرجه أبو داود، 2/669 برقم: 4806، قال الألباني: « صحيح»، مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني، 3/62 برقم: 4900.

(67) إغاثة اللهفان، 1/115، 116.

(68) سنن الدارمي، 1/166 برقم: 649.

(69) مجموع الفتاوى، 14/483.

(70)- أي: دنا وقتها، ويروى أرهقنا الصلاة أي: أخرناها، شرح السنة، 1/429.

(71) أخرجه البخاري، 1/48 برقم: 96، ومسلم، 1/214 برقم: 241، واللفظ للبخاري.

(72) فتح الباري، 1/266.

(73) أخرجه مسلم، 1/214 برقم: 242.

(74) أخرجه مسلم، 1/215 برقم: 243.

(75) شرح صحيح مسلم، 3/132.

(76) انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم للدكتور طارق محمد الطواري، ص 14.

(77) أخرجه مسلم، 1/319 برقم: 423.

(78) أخرجه البخاري، 1/263 برقم: 724، و أبوداود، 1/287 برقم: 856

(79) فتح الباري، 2/280.

(80) شرح صحيح مسلم، 4/109.

(81) أخرجه مسلم، 1/322 برقم: 430.

(82) شرح صحيح مسلم، 4/153.

(83) أخرجه مسلم، 1/324 برقم: 436.

(84) الجلبة بفتح الجيم واللام: اختلاط الأصوات، فتح الباري، 13/173.

(85) أخرجه البخاري، 1/228 برقم: 609، ومسلم، 1/421 برقم: 603

(86) أخرجه البخاري، 1/271 برقم: 750.

(87) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم للدكتور طارق محمد الطواري، ص17.

(88) العقصاء: ملتوية القرنين، والجلحاء: التي لا قرن لها، والعضباء: التي انكسر قرنها الداخل، شرح صحيح مسلم للنووي، 7/65.

(89) أخرجه مسلم، 2/680 برقم: 987.

(90) أخرجه أبو داود، 1/488 برقم: 1563، وأحمد في المسند، 2/204 برقم: 6901، قال الألباني: «حسن»، انظر: صحيح الترغيب والترهيب، 1/188، وصحيح سنن أبي داود، 1/291 برقم: 1382.

(91) أخرجه أبو داود، 1/488 برقم: 1565، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن أبي داود، 1/291 برقم: 1384.

(92) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم للدكتور طارق محمد الطواري، ص18.

(93) أخرجه البخاري، 2/586 برقم: 1541.

(94) فتح الباري، 3/482.

(95) أخرجه البخاري، 2/551 برقم: 1442.

(96) أخرجه الترمذي، 3/232 برقم: 885، وأحمد في المسند، 1/75 برقم: 562.

(97) شرح صحيح مسلم، 9/98.

(98) أخرجه البخاري، 6/2681 برقم: 6933، ومسلم, 2/883 برقم: 1216، واللفظ للبخاري.

(99) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم للدكتورطارق محمد الطواري، ص19.

(100) أخرجه أبو داود، 1/562 برقم: 1811، وابن ماجة، 2/969 برقم: 2903، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن أبي داود،1/341 برقم: 1596.

(101) أخرجه البخاري، 2/678 برقم: 1822، ومسلم، 2/774 برقم: 1102.

(102) أخرجه البخاري، 2/694 برقم: 1864، ومسلم، 2/774 برقم: 1103.

(103) أخرجه البخاري، 5/1949 برقم: 4776، ومسلم، 2/1020 برقم: 1401، واللفظ للبخاري.

(104) أخرجه البخاري، 3/1256 برقم: 3236، ومسلم، 2/812 برقم: 1159، واللفظ للبخاري.

(105) أخرجه مسلم، 2/785 برقم: 1114

(106) أخرجه البخاري، 2/687 برقم: 1844، ومسلم، 2/786 برقم: 1115.

(107) أخرجه مسلم، 2/806 برقم: 1151

(108) شرح صحيح مسلم، 8/28، 29.

(109) أخرجه أبو داود، 1/466 برقم: 1479، والترمذي، 5/211 برقم: 2969، وابن ماجه، 2/1258 برقم: 3828، وأحمد في المسند، 4/267 برقم: 18378، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن أبي داود، 1/277 برقم: 1312.

(110) أخرجه مسلم، 4/2068 برقم: 2688.

(111) أخرجه البخاري، 6/2437 برقم: 6236.

(112) شرح صحيح مسلم، 17/26.

(113) أخرجه أبو داود، 1/471 برقم: 1499، والترمذي، 5/557 برقم: 3557، والنسائي، 3/38 برقم: 1272، وأحمد في المسند، 2/420 برقم: 9429، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن أبي داود، 1/280 برقم: 1328، واللفظ لأبي داوود.

(114) شرح الزرقاني، 2/59.

(115) أخرجه الترمذي، 5/516 برقم: 3476، والنسائي، 3/44 برقم: 1284، وابن خزيمة 1/351 برقم: 709، قال الألباني: «صحيح» صحيح سنن الترمذي، 3/163 برقم: 2765.

(116) أخرجه مسلم، 1/99 برقم: 102.

(117) مرقاة المفاتيح، 6/74.

(118) قال الإمام النووي: «قال أهل اللغة: يقال السلم والسلف وأسلم وسلم وأسلف وسلف ويكون السلف أيضاً قرضاً، ويقال استسلف، قال أصحابنا ويشترك السلم والقرض في أن كلا منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال، وذكروا في حد السلم عبارات أحسنها أنه عقد على موصوف في الذمة ببذل يعطى عاجلاً سمي سلماً لتسليم رأس المال في المجلس، وسمي سلفاً لتقديم رأس المال»، شرح صحيح مسلم، 11/41.

(119) أخرجه البخاري، 2/781 برقم: 2125، ومسلم، 3/1226 برقم: 1604.

(120) تحفة الأحوذي، 4/448.

(121) أخرجه البخاري، 2/775 برقم: 2111، ومسلم، 3/1208 برقم: 1583.

(122) أخرجه مسلم، 3/1213 برقم: 1591.

(123) شرح صحيح مسلم، 11/17، 18.

(124) أخرجه مسلم، 3/1213 برقم: 1591.

(125) أخرجه البخاري، 6/2675 برقم: 6918، ومسلم، 3/1215 برقم: 1593

(126) أخرجه مسلم، 3/1215 برقم: 1594.

(127) شرح صحيح مسلم، 11/21.

(128) أخرجه مسلم، 1/268 برقم: 341.

(129) أخرجه أحمد في المسند، 5/290 برقم: 22548 قال شعيب الأرنؤوط: «حديث حسن».

(130) أخرجه أبو داود، 2/436 برقم: 4012، والنسائي، 1/200 برقم: 406، والطبراني في المعجم الكبير، 22/259 برقم: 670، قال الألباني: «صحيح» انظر: مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني، 1 /96 برقم: 447، والبراز: بفتح الباء الموضع الفضاء الواسع الذي لا جدران عليه ولا حوائش من أشجار ونحوها.

(131) عون المعبود، 11/34.

(132) أخرجه أبو داود، 2/437 برقم: 4017، والترمذي، 5/97 برقم: 2769، وابن ماجه، 1/618 برقم: 1920، وأحمد في المسند، 5/ 3 برقم: 20046، قال الألباني: «حسن»، صحيح سنن ابن ماجة، 1/324 برقم: 1559.

(133) عون المعبود، 11/39.

(134) أخرجه البخاري، 3/1111 برقم: 2889، ومسلم، 3/1638 برقم: 2068.

(135) عمدة القاري، 6/179.

(136) أخرجه مسلم، 3/1653 برقم: 2086.

(137) أخرجه البخاري، 5/2181 برقم: 5446، ومسلم، 3/1651 برقم: 2085

(138) أخرجه أبو داود، 2/454 برقم: 4084، صال الألباني: ‍‌»صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 3/37 برقم: 2782.

(139) شرح صحيح مسلم، 14/60، 61.

(140) أخرجه أحمد، 4/195 برقم: 17784، قال شعيب الأرنؤوط: «صحيح لغيره وهذا إسناد ضعيف لضعف النعمان بن راشد»

(141) أخرجه مسلم، 3/1655 برقم: 2090.

(142) أخرجه مسلم، 3/1647 برقم: 2077.

(143) أخرجه مسلم، 3/1648 برقم: 2078.

(144) انظر: صحيح مسلم، 3/1659، وفتح الباري، 3/512.

(145) أخرجه أبو داود، 2/449 برقم: 4062، وأحمد في المسند، 3/357 برقم: 14893، وابن حبان في صحيحه، 12/294 برقم: 5483، قال الألباني: «صحيح»، السلسلة الصحيحة، 1/891 برقم: 493.

(146) مرقاة المفاتيح، 8/224.

(147) أخرجه البخاري، 1/306 برقم: 860، ومسلم، 2/581 برقم: 847.

(148) أخرجه أبو داود،2/483 برقم: 4195، والنسائي، 8/130 برقم: 5048، وابن حبان، 12/318 برقم: 5508، قال الألباني: «صحيح»، السلسلة الصحيحة، 3/115 برقم: 1123.

(149) أخرجه البخاري، 5/2207 برقم: 5547.

(150) تحفة الأحوذي، 8/57.

(151) فتح الباري، 10/334.

(152) أخرجه أبو داود، 2/700 برقم: 4928.

(153) أخرجه البخاري، 5/2208 برقم: 5548، ومسلم، 4/1715 برقم: 2180.

(154) عمدة القاري، 22/42.

(155) شرح صحيح مسلم، 14/163، مجبوب الذكر أي مقطوعه.

(156) أخرجه الترمذي، 4/232 برقم: 1752، قال الألأباني: «صحيح»، مشكاة المصابيح تخريج الألباني، 2/510 برقم: 4455.

(157) أخرجه أبو داود، 2/441 رقم:4031، قال الألباني:«صحيح»، غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، 1/86 رقم: 109

(158) فيض القدير، 6/104.

(159) أخرجه البخاري، 5/2304 برقم: 5887، ومسلم، 3/1698 برقم: 2156.

(160) شرح صحيح مسلم، 14/136-183.

(161) أخرجه البخاري، 5/2304 برقم: 5888، ومسلم، 3/1699 برقم: 2157.

(162) شرح صحيح مسلم، 14/138.

(163) أخرجه مسلم، 3/1699 برقم: 2158.

(164) أخرجه البخاري، 6/2530 برقم: 6506، ومسلم، 3/1699 برقم: 2158، واللفظ لمسلم.

(165) أخرجه النسائي، 8/61 برقم: 4860، وأحمد في المسند، 2/385 برقم: 8985، قال الألباني: «صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 3/24.

(166) فتح الباري، 12/244، 245.

(167) أخرجه البخاري، 5/2306 برقم: 5896، ومسلم، 3/1697 برقم: 2155، واللفظ للبخاري.

(168) شرح صحيح مسلم، 14/135.

(169) أخرجه أبو داود، 2/774 برقم: 5209، والترمذي، 5/72 برقم: 2722، قال الألباني: «صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 3/37 برقم: 2782، واللفظ لأبي داوود.

(170) أخرجه أبو داود، 2/ 766 برقم: 5177، قال الألباني: «صحيح»، السلسلة الصحيحة 2/461 برقم: 819.

(171) جمع ضغبوس بفتح الضاد وسكون الغين المعجمتين، هو صغير القثاء، عون المعبود، 14/55.

(172) أخرجه الترمذي، 5/64 برقم: 2710، قال الألباني: «صحيح»السلسلة الصحيحة، 2/461 برقم: 818.

(173) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم للطواري، ص28.

(174) أخرجه أبو داود، 2/679 برقم: 4848، وأحمد في المسند، 4/388 برقم: 19472، قال الألباني: «صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 3/102 برقم: 3066.

(175) مرقاة المفاتيح، 8/526، 257.

(176) أخرجه مسلم، 1/322 برقم: 430.

(177) عون المعبود 13/119.

(178) شرح صحيح مسلم 4/153.

(179) فيض القدير 5/464.

(180) أخرجه أبو داود، 2/47 برقم: 2628، وابن حبان، 6/408 برقم: 2690، والبيهقي في السنن الكبرى، 9/152 برقم: 18238، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن أبي داود، 2/498 برقم: 2288.

(181) أخرجه ابن ماجه، 2/1111 برقم: 3350، قال الألباني: «حسن»، صحيح سنن ابن ماجة، 2/237 برقم: 2705.

(182) فيض القدير، 5/8.

(183) أخرجه البخاري، 2/870 برقم: 2333، ومسلم، 3/1675 برقم: 2121.

(184) أخرجه البخاري، 4/1888 برفم: 4658، ومسلم، 4/2191 برقم: 2855.

(185) شرح النووي على صحيح مسلم، 17/188.

(186) أخرجه أبو داود، 2/680 برقم: 4855، و أحمد 2/389 برقم: 9040، قال الألباني: «صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 2/101 برقم: 1514.

(187) أخرجه أحمد في المسند، 2/369 برقم: 8804، وقال شعيب الأرنؤوط: «صحيح».

(188) أخرجه مسلم، 3/1599 برقم: 2021.

(189) شرح صحيح مسلم، 13/192.

(190) أخرجه البخاري، 2/876 برقم: 2345، ومسلم، 3/1539 برقم: 1802، واللفظ للبخاري.

(191) أخرجه البخاري معلقا، 5/2057.

(192) أخرجه البخاري، 5/2056 برقم: 5061، ومسلم، 3/1599 برقم: 2022.

(193) فتح الباري، 9/523.

(194) أخرجه البخاري، 5/2056 برقم: 5062.

(195) أخرجه مسلم، 3/1599 برقم: 2022.

(196) أخرجه البخاري، 2/834 برقم: 2237، ومسلم، 3/1604 برقم: 2030

(197) أخرجه مسلم، 3/1608 برقم: 2036.

(198) أخرجه البخاري، 5/2062 برقم: 5084.

(199) المدخل، 1/222.

(200) أخرجه البخاري، 5/2095 برقم: 5180.

(201) أخرجه أبو داود، 2/703 برقم: 4940، وابن ماجه، 2/1238 برقم: 3765، وأحمد، 2/345 برقم: 8524، وابن حبان، 13/183 برقم: 5874، قال الألباني: «حسن»، صحيح سنن ابن ماجة، 2/311 برقم: 3033.

(202) صحيح ابن حبان، 13/183.

(203) المغني، 10/172.

(204) أخرجه مسلم، 3/1549 برقم: 1957.

(205) أخرجه مسلم، 3/1549 برقم: 1958، ونصه مر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونها، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا".

(206) شرح صحيح مسلم، 13/108.

(207) أخرجه البخاري، 3/1063 برقم: 2745، ومسلم، 2/610 برقم: 893.

(208) عمدة القاري، 14/183.

(209) أخرجه أبو داود، 2/719 برقم: 5004، قال الألباني: «صحيح»، غاية المرام، 1/257 برقم: 447.

(210) أخرجه أحمد في المسند، 5/362 برقم: 20966، قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح»

(211) غاية المرام، 1/257.

(212) عون المعبود، 13/236.

(213) أخرجه أبو داود، 2/699 برقم: 4924، وأحمد، 2/38 برقم: 4965، قال الألباني: «حسن»، مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني، 3/43 برقم: 4811.

(214) أخرجه أبو داود، 2/719 برقم: 5003، قال الألباني: «حسن»، صحيح الترغيب والترهيب، 3/43 برقم: 2808.

(215) أخرجه البخاري، 1/422 برقم: 1194.

(216) أخرجه البخاري، 6/2615 برقم: 6735، ومسلم، 2/637 برقم: 926.

(217) شرح صحيح مسلم، 6/227.

(218) أخرجه البخاري، 6/2711 برقم: 7010، ومسلم، 2/635 برقم: 923.

(219) العسيف: الأجير، شرح النووي على صحيح مسلم، 11/206.

(220) أخرجه أبو داود، 3/53 برقم: 2669، وأحمد، 3/488 برقم: 16035، وانظر السلسلة الصحيحة، 2/200 برقم: 701.

(221) صحيح البخاري ج4/ص1537 برقم: 3960 ، ومسلم، 3/1429 برقم: 1802 .

(222) أخرجه البخاري، 3/1034 برقم: 2653

(223) أخرجه البخاري، 3/1119 برقم: 2909، ومسلم، 1/107 برقم: 114، واللفظ لمسلم.

(224) أخرجه البخاري، 1/58 برقم: 123، ومسلم، 3/1512 برقم: 1904

(225) أخرجه مسلم، 3/1398 برقم: 1775.

(226) أخرجه البخاري، 6/2628 برقم: 6766.

(227) فتح الباري، 8/57، 58.

(228) أخرجه البخاري 4/1555 برقم: 4021، ومسلم 1/96 برقم: 96.

(229) أخرجه مسلم 1/96 برقم: 96.

(230) التعريفات،ص113، وشرح الزرقاني عل ىالموطأ، 4/165.

(231) أخرجه البخاري، 6/2491 برقم: 6406 ، ومسلم، 3/1315 برقم: 1688.

(232) أخرجه أبو داود، 2/562 برقم: 4457، والنسائي، 6/109 برقم: 3332، و أحمد، 4/290 برقم: 18580، قال الألباني: «صحيح»، مختصر إرواء الغليل، 1/467 برقم: 2351.

(233) أخرجه البخاري، 6/2501 برقم: 6437.

(234) أخرجه مسلم، 3/1324 برقم: 1696.

(235) أخرجه مسلم، 3/1323 برقم: 1695.

(236) أخرجه البخاري، 6/2555 برقم: 6566 ، ومسلم، 3/1337.

(237) أخرجه البخاري، 5/2273 برقم: 5788.

(238) أخرجه البخاري، 2/832 برقم: 2231، ومسلم، 4/1829 برقم: 2357.

(239) أنيس الفقهاء، ص291.

(240) أخرجه البخاري، 2/961 برقم: 2556

(241) أخرجه مسلم، 3/1307 برقم: 1680، أما النسعة فبنون مكسورة ثم سين ساكنة ثم عين مهملة وهي حبل من جلود مضفورة، وقرنه جانب رأسه، وقوله: "يختبط" أي: يجمع الخبط وهو ورق الثمر بأن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه فيجمعه قال النووي في قوله: إن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" فالصحيح في تأويله أنه مثله في أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر لأنه استوفى حقه منه بخلاف ما لو عفى عنه فإنه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة وجميل الثناء في الدنيا ، انظر: شرح صحيح مسلم، 11/172 ،173.

(242) أخرجه البخاري، 6/2526 برقم: 6497، ومسلم، 3/1300 برقم: 1673.

(243) أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج لفيصل البعداني، ص 150.

(244) أخرجه البخاري، 1/457 برقم: 1294، ومسلم، 1/ 54 برقم: 24.

(245) أخرجه مسلم، 2/886 برقم: 1218.

(246) شرح صحيح مسلم، 8/182.

(247) أخرجه ابن ماجه، 2/1022 برقم: 3074، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن ابن ماجة، 2/185 برقم: 2494.

(248) أخرجه البخاري، 2/551 برقم: 1442.

(249) أخرجه أبو داود، 1/488 برقم: 1565، قال الألباني: «صحيح»، صحيح سنن أبي داود، 1/291 برقم: 1384.

(250) أخرجه البخاري، 6/2539 برقم: 6528، ومسلم، 4/1706 برقم: 2165.

(251) أخرجه البخاري، 5/1961 برقم: 4814، ومسلم، 2/1078 برقم: 1455

(252) عمدة القاري، 13/206.

(253) أخرجه أبو داود، 2/685 برقم: 4875، قال الألباني: «صحيح»، صحيح الترغيب والترهيب، 3/50 برقم: 2834.

(254) أخرجه البخاري، 4/1787 برقم: 4493، ومسلم، 1/192 برقم: 206.

(255) أخرجه البخاري، 1/379 برقم: 1074

(256) قاله الإمام الحريري في خاتمة ملحة الإعراب.
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للأمر, المثل, المصطفى, المنكر, التطبيقي, الحبيب, بالمعروف, حياة, والنهي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 18-06-2015 11:11 AM
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإجابة الدعاء نور الإسلام هدي الإسلام 0 10-02-2015 11:39 AM
صفات الحبيب المصطفى .. بين القرآن والسيرة نور الإسلام هدي الإسلام 0 09-11-2013 10:56 AM
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صل الله عليه وسلم نور الإسلام هدي الإسلام 0 03-05-2013 03:57 PM
المصطفى من سيـرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مزون الطيب هدي الإسلام 0 01-02-2012 08:30 PM


الساعة الآن 06:37 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22