صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

الإسلام والبيئة

حمل المرجع كاملاً من المرفقات إعداد أ.د/ محمد فتح الله الزيادي عميد كلية الدعوة الإسلامية طرابلس / ليبيا تمهيـــــــد أصبح موضوع البيئة منذ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-05-2013 ~ 07:00 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الإسلام والبيئة
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012




حمل المرجع كاملاً من المرفقات


إعداد
أ.د/ محمد فتح الله الزيادي
عميد كلية الدعوة الإسلامية
طرابلس / ليبيا

تمهيـــــــد
أصبح موضوع البيئة منذ مطلع الستينات من القرن الماضي يشغل بال العالم أجمع بمختلف اتجاهاته الفكرية والقومية والدينية وذلك لما برز من مخاطر متعددة أصبحت تهدد الحياة البشرية جراء التعامل غير الطبيعي مع مكونات البيئة المختلفة، وقد تشكلت إثر ذلك جمعيات علمية وحركات سياسية ، ومنظمات اجتماعية ، للاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها من الفساد والتلوث، ونظمت العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية التي نبهت إلى خطورة التعامل المعاصر مع البيئة وضرورة الإسراع في معالجة التصدعات الكبرى للمكونات البيئية ونتج عن ذلك ظهور مواثيق دولية وتشريعات إقليمية تحد من مخاطر الإهمال العالمي للمحافظة على البيئة، ولا نكاد نجد بلدا في العالم إلا وأصبح يشارك في هذه الحملة العالمية للمحافظة على البيئة التي استدعى لها المفكرون والعلماء ورجال الأديان وأصحاب القرار السياسي وكافة الشرائح الفاعلة في المجتمعات المتحضرة وكل ذلك إنما كان بسبب الشعور العالمي بخطورة مستقبل الحياة على هذه الأرض وما يمكن أن ينتج من تداعيات تسبب سرعة فناء هذا الكوكب بفعل ما يقوم به الإنسان من تصرفات لا يقدر عواقبها .
ولعل أقوى الأسباب في هذه المخاطر هو طمع الإنسان وأنانيته وعدم قدرته على ضبط غرائزه ومحاولته الدائمة للسيطرة على الموارد البشرية واستغلالها لصالحه فرداً كان أو مجتمعاً دون مراعاة لحقوق الآخرين ودون وعي لمحدودية الموارد أحيانا، ومن هنا ندرك أن النظام الأخلاقي في المجتمع البشري يعتبر الضامن الأول للمحافظة على مكونات الحياة البشرية ، فمتى ما سما هذا النظام واستمد مقوماته من مصادر إيمانية عليا كان ذلك عاملاً في رقي الحياة الإنسانية وسموها، ومتى ما انفلت الإنسان من سيطرة العوامل الروحية كان ذلك سبباً في دخوله في أزمات متعددة من شأنها أن تساهم في إنهاء دوره على هذه الأرض .
إن الإسلام وهو الدين الخاتم الذي ارتضاه الله دستوراً نهائياً للبشرية عامة قد اهتم بموضوع البيئة وأكد على المحافظة على كل مكوناتها ذلك أن نهائية هذه الرسالة وعموميتها صفتان ضمنتا للإسلام شموليته لكل مناحي الحياة مادية ومعنوية، وشموليته لكل ما يؤدي به إلى السعادة الأخروية، ولا شك أن البيئة بكل جوانبها تقع ضمن هذه الشمولية إن لم نقل إنها المرتكز فيها، وذلك لأن البيئة هي مسرح تحقيق الخلافة التي خلق الله الإنسان من أجلها، فمالم تتحقق شروط السلامة الكاملة للبيئة لا تتحقق الخلافة التي دعي الإنسان لتحقيقها .
إن المتمعن في آيات القرآن الكريم يجد أن موضوع البيئة يتردد صداه فيما يقترب من مائتي آية في سور كثيرة تتناول عناصر البيئة المختلفة من أرض وما تضمه من مكونات حية وغير حية وما يحيط بها من غلاف غازي وغيره، وبحار وما تحتويه من عوالم يصعب إدراك عظمتها، وكلها تــــدل على قدرة الله وعظيم صنعـه " صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ " ، وعلى اهتمام هذه الرسالة الخاتمة بتبيان كل ما له صلة بتحقيق السعادة للإنسان وتسهيل مهمته التي أوكلها الله إليه وهي إعمار الأرض وتسخير كل ما فيها لخدمته .
إن اهتمام الإسلام بالبيئة من حيث ذكر مكوناتها ودقة صنعها وتنوعها وبيان سحرها وروعتها يرتقي إلى أعلى الدرجات حتى يصل إلى أن يستخدمها القرآن كأحد الوسائل الموصلة إلى متانة البناء العقدي للإنسان المسلم وذلك حين طالب الإنسان بالنظر فيها والتفكر في صنعها والوصول من خلال ذلك إلى إدراك عظمة الخالق سبحانه وتعالى ومن ثم الإيمان به والتسليم بقدرته وتفرده في صنع هذا الكون " قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ "
"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)" " فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) .
مفهوم البيئة (invioronment)
بعيداً عن الغوص في جدلية المصطلحات وما ينتج عنها من تفريعات متنوعة تتعدد بتنوع الإضافات واختلاف المفاهيم، ودون حاجة إلى إيراد الاجتهادات الكثيرة في تعريف مصطلح البيئة أقول إنها عرفت بتعريفات كثيرة تأخذ مناحي متنوعة غير أن ما يربطها جميعاً هو أنها تدور حول محور واحد هو الكائن الحي وما يحيط به ، ولذلك عرفها البعض بأنها المجال الذي تحدث فيه الإثارة والتفاعل لكل وحدة حية ، أوهي كل ما يحيط بالإنسان من موارد طبيعية ومجتمعات بشرية ونظم اجتماعية ، وقد عرف مؤتمر البيئة الذي عقد تحت رعــاية الأمم المتحدة في استكهولم بالسويد سنة 1972 ، البيئة بأنها : " رصيد الموارد المادية و الاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته " ، وقد حاول بعض الباحثين أن يحدد مفهوما إسلامياً للبيئة غير أنه في تصوري لا يخرج عن التعاريف الأخرى التي ذكرت لمفهوم البيئة .
إن دراسة مفهوم البيئة وتصوراتها المختلفة قد يقود حتما إلى ذكر نقطتين أساسيتين :
الأولى : أن مفهوم البيئة قد يضيق ليحدد نشاطاً خاصاً يتعلق بمجال واحد دون غيره وذلك حين نقول مثلاً : البيئة الصحية، البيئة الزراعية، البيئة الثقافية، البيئة السياسية الخ ونعني بذلك النشاط البشري والصناعي الذي يتعلق بمجال محدد لا يتعداه لغيره .
الثانية : أن البيئة تقسم في معظم المصادر إلى قسمين رئيسيين:
البيئة الطبيعية: ويقصد بها المكونات البيئية التي لا دخل للإنسان في إيجادها كالبحار والأنهار والصحاري والجبال والمناخ .... الخ .
البيئة الصناعية : ويقصد بها المظاهر الحياتية التي شيدها الإنسان وأنتجها لصالحه وتشمل مظاهر البناء والتشييد واستغلال الموارد المائية والنباتية والنظم الاجتماعية والحضارية... الخ.
الأصول الإسلامية للبيئة
يمكن حوصلة موضوع البيئة في الإسلام في ثلاثة أصول رئيسة هي:
الإنسان : الماء : الهواء
الأصل الأول : الإنسان
فالإنسان الذي هو محور الرسالة الإسلامية قد وضح القرآن أموراً كثيرة تتعلق به يمكن أن تصاغ كلها في أمرين رئيسيين هما:
• أنه مستخلف في الأرض .
• أن الكون كله مسخر له.
وناتج الربط بين هاتين الحقيقتين هو إعمار الكون وصلاحيته للحياة واستمراريتها فوق هذا الكوكب ، ولتوضيح هذه القضية المحورية في موضوع البيئة نذكر نظرة القرآن إلى هذين العنصرين وهما :
خلافة الإنسان في الأرض :
استخلف الله الإنسان في الكون ليدير موارده ويعمره ويظهر أسرار الله وقدرته في خلقه، وهي مهمة عظيمة أرادت الملائكة أن تختص بها وأرادها الله للإنسان تكريماً له " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ " ، وقد ذكر صاحب التحرير والتنوير أن :" المراد من الخليفة المعني المجازى وهو الذي يتولى عملا يريده المستخلف مثل الوكيل والوصي أي جاعل في الأرض مدبراً يعمل ما نريده في الأرض فهو استعارة أو مجاز مرسل وليس بحقيقة لأن الله تعالى لم يكن حالاً في الأرض ولا عاملا فيها العمل الذي أودعه في الإنسان وهو السلطة على موجودات الأرض، ولأن الله تعالى لم يترك عملا كان يعمله فوكله إلى الإنسان بل التدبير الأعظم لم يزل لله تعالى فالإنسان هو الموجود الوحيد الذي استطاع بما أودع الله في خلقه أن يتصرف في مخلوقات الأرض بوجوه عظيمة لا تنتهي خلاف غيره من الحيوان " ومن هنا فإن الخلافة هي تكليف بمهمة الانتفاع بموجودات الكون يكون الإنسان فيها سيدا في الكون لا سيدا للكون فسيد الكون وحاكمه ومالك أمره هو الله سبحانه وتعالي، ولأن الإنسان هو أحد مخلوقاته قد تميز بالعقل فقد كرمه الله وأنعم عليه بنعمة الاستخلاف تمييزاً له عن غيره من المخلوقات :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" فالاستخلاف معناه أن الإنسان وصى على هذه الأرض بكل ما فيها وليس مالكاً لها فهو مدبر لمواردها ومستغل لخيراتها " هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا " .
وقد أثارت مسألة الخلافة قضية مهمة تتعلق بملكية الإنسان للموارد الطبيعية هل هي ملكية رقبة أم ملكية انتفاع ودارت مناقشات كثيرة مال فيها الكثير من الباحثين إلى أنها ملكية انتفاع وذلك للأسباب التالية :
1- أن كثيراً من نصوص القرآن الكريم تضيف الملكية إلى الله سبحانه وتعالى :" آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " "وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ " " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى " " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ " .
يقول الشيخ شلتوت :" إذا كان المال مال الله، وكان الناس جميعاً عباد الله، وكانت الحياة التي يعملون فيها ويعمرونها بمال الله وهي لله، كان من الضروري أن يكون المال – وإن ربط باسم شخص معين – لجميع عباد الله، يحافظ عليه الجميع وينتفع به المجتمع" .
2- أن وجود الإنسان في هذه الحياة مؤقت واستخلافه فيها مؤقت أيضاً ولذلك كان انتفاعه بمواردها مؤقت " وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ " وهذا التحديد الزمني للبقاء يترتب عليه تحديد للاستخلاف والانتفاع ومن هنا تبرز أحقية الأجيال المتعددة في الانتفاع بالموارد الطبيعية وضرورة أن يعي الإنسان هذه الحقيقة لكي يحفظ للأجيال التي بعده حقها في الانتفاع بما خلق الله في هذا الكون .
3- أن شعور الإنسان بملكيته الدائمة للموارد يثير فيه نوازع الأنانية ويدفعه إلى الفساد المؤدي إلى نضوب الموارد البيئية أو تدميرها وهو ما تشهده بيئتنا المعاصرة، ولذلك كانت تعاليم القرآن واضحة في النهي عن الفساد في الأرض" وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " " وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا " " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " .
من أجل ذلك عبر أحد الباحثين بقوله :" ولا نتجاوز روح التشريع الإسلامي إذا قلنا : إن القواعد والمبادئ الإسلامية المنظمة لاستخلاف الإنسان في الأرض ومضمونها، تنزل " حق الإنسان " على موارد الطبيعة من " حق الملكية" " إلى مرتبة" حق الانتفاع" فقط، والذي تقل فيه سلطات صاحبه عن سلطات المالك، ولا يبدو هذا القول غريباً إذا عرفنا أن بعض فقهاء المذهب المالكي يرون أن الملكية بوجه عام لا ترد إلا على المنافع فقط، أما الأعيان، أي موارد وثروات البيئة والكون الذي خلقه الله فملكيتها لله سبحانه وتعالي ولا ملك للإنسان فيها في الحقيقة والواقع فهم يقولون أن سلطان الإنسان لا يكون على المادة، وإنما محله منافعها فقط وفكرة حق الانتفاع تبدو أكثر ملاءمة إذا روعيت القواعد الشرعية في أعماله، حيث تؤكد من ناحية أن موارد البيئة وثرواتها هي عطاء من الله للبشر وفضل، وبالتالي لن يكون الانتفاع قاصراً على شخص دون آخر ومن ناحية أن المنتفع لا يجوز له إهدار أو تدمير أصل أو عين المال الذي ينتفع به، لأن سلطة التصرف الشرعي في المادة لا تكون للمنتفع بل لمالك العين أو الرقبة " .
تسخير الكون للإنسان
تشير آيات كثيرة في القرآن الكريم إلى أن الكون قد سخره الله سبحانه للإنسان أي طوعه وذلله ليستطيع الانتفاع به والتصرف فيه والسيطرة على موارده ليحقق من خلاله الخلافة التي خلقه الله من أجلها، يقول الله تعالى:" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " . "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" وهكذا تتوالى آيات القرآن الكريم في ذكر ما سخره الله للإنسان في الكون حتى تكاد تذكر كل شئ فيه عدا ما اختص الله به مخلوقات أخرى ليس للإنسان سيطرة عليها، وهذا التسخير نعمة من نعم الله على الإنسان إذ لولاه لما استطاع أن يستفيد من كثير مما خلقه الله على هذه الأرض، يقول صاحب الظلال " إن الأرض كلها لا تبلغ أن تكون ذرة صغيرة في بناء الكون والإنسان في هذه الأرض خليقة صغيرة هزيلة ضعيفة بالقياس إلى حجم هذه الأرض وبالقياس إلى ما فيها من قوى ومن خلائق حية وغير حية لا يعد الإنسان من ناحية حجمه ووزنه وقدرته المادية شيئاً إلى جوارها ولكن فضل الله على هذا الإنسان ونفخته فيه من روحه وتكريمه له على كثير من خلقه هذا الفضل وحده قد اقتضى أن يكون لهذا المخلوق وزن في نظام الكون وحساب ، وأن يهيئ الله له القدرة على استخدام الكثير من طاقات هذا الكون وقواه ومن ذخائره وخيراته وهذا هو التسخير المشار إليه في الآيـة .
ولبيان كيفية التسخير التي هيأها الله للإنسان يذكر الإمام الرازي أنه لكي يستطيع الإنسان استعمال البحر واستغلاله لابد له من ثلاثة أشياء لم تكن لتحصل لولا تسخير الله سبحانه وتعالى لها : الأولى الرياح التي تجري على وفق المراد، والثانية : خلق وجه الماء على الملامسة التي تجري عليها الفلك والثالثة : خلق الخشبة على وجه تبقي طافية على وجه الماء ولا تغوص فيه، وهذه الأحوال الثلاثة ليس لها من موجد إلا الله سبحانه وتعالى
إن نظرة في آيات التسخير الواردة في القرآن الكريم عامة كانت أو مفصلة تنبؤنا بأمور عدة منها :
1- أن هذا التسخير المذكور في الآيات محدود بإرادة الله ولا يستطيع الإنسان مهما أوتى من قوة مادية أو علمية وتقنية أن يصل إلى الاستفادة منها إلا إذا أراد الله له ذلك:" يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " " اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ " . وإدراك هذا المعنى يحد من أنانية الإنسان واستكباره في الأرض وادعائه التأله فيها، وكثير من أمور الحياة يقف الإنسان عاجزاً عن حل معضلاتها ومن ذلك الماء مثلا الذي أصبح مشكلة العالم المستقبلية نظراً لنضوب موارده وعدم قدرة الإنسان على صنعه، ولذلك يستخدمه الله سبحانه وتعالى في تحدى الإنسان إذا أمعن في كفره وعناده :" أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ " ، وذلك بعد أن جعل الله الماء نعمة مسخرة للإنسان " وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ " .
2- أنه على الرغم من التسخير الذي حفلت به آيات القرآن الكريم إلا أن الإنسان يجب أن يدرك أن هناك عوالم في هذا الكون ليس له سبيل إلى معرفتها وتظل مخفية عنه وخارجة عن سيطرته كالجن وغيرها من المخلوقات التي لا يستطيع الإنسان إدراكها وكذلك بعض الفيروسات والظواهر الطبيعية التي لم يسخر الله للإنسان طريقاً للتعامل معها ، وهنا نشير إلى أن مسألة التسخير فضل من الله سبحانه وتعالى على الإنسان فما سخره له استطاع أن يستفيد منه وأن يعمر الكون من خلاله وما لم يسخر له كان عليه أن يقف أمامه مؤمناً بقدرة الله وعظيم صنعه .
3- إذا كان التسخير الإلهي لمظاهر الكون للإنسان نعمة فهي إذا حق من حقوقه التي منحه الله إياها يستطيع من خلاله الانتفاع بكل ما فيها لصالح بناء مجتمعه ويعمر من خلالها الكون الذي يعيش فيه ويفيد الإنسان والمخلوقات التي تعيش معه على هذا الكون، كما أن هذا الحق يمتد ليشمل البحث العلمي عن خواصها وأسرارها وكل ما يستطيعه لتطوير مواردها لخدمة الإنسان ولعل النظر في آيات التسخير التفصيلية توضح هذه الحقوق بجلاء إذ يقول الحق تبارك وتعالى :" فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ " " وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ " .

المصدر: طريق الخلاص


الملفات المرفقة
نوع الملف: doc الإسلام والبيئة.doc (300.0 كيلوبايت, المشاهدات 0)
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:44 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22