صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > المقالات

دموع جافة... قصة مغربي كاد أن يتخرج منصرا

إنه محمد بن محمد الطيبي، مغربي من مواليد سنة 1943 في قرية تسمى ألطاين بقبيلة سماتة بضواحي مدينة العرائش شمال المغرب. يسرد قصته ذات التفاصيل المثيرة على زوجته

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-07-2014 ~ 10:29 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي دموع جافة... قصة مغربي كاد أن يتخرج منصرا
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


مغربي, منصرا, يمنع, جافة..., يتخرج



دموع جافة... قصة مغربي كاد أن يتخرج منصرا 5d054505c094471a0f31

إنه محمد بن محمد الطيبي، مغربي من مواليد سنة 1943 في قرية تسمى ألطاين بقبيلة سماتة بضواحي مدينة العرائش شمال المغرب.

يسرد قصته ذات التفاصيل المثيرة على زوجته فاطمة لوكيلي، التي قامت بكتابة القصة رغم أنها ليست كاتبة محترفة وقد صدر جزؤها الأول بطنجة خلال سنة 2010 تحت عنوان معبر : ’’دموع جافة ’’

يبدأ بطلنا قصته بثناء وإعجاب واضح بشخصية جده لأمه السيد الهاشمي الطيبي، الذي كان معروفا
دموع جافة... قصة مغربي كاد أن يتخرج منصرا kanissa-2.jpg يوم وصوله إلى المعهد الديني في لوكرونيو مع مجموعة من الطلبة المبشرين بلباس الآباء البيض بشهامته وجديته وبخصاله وحزمه، خصال سيكون لها تأثير في تقويم مجرى حياة حفيده. هذا الرجل رزقه الله بولد وبنت وحيدة سماها رحمة، زوجها أبوها من ابن عمها، واسمه عبد السلام، الذي كان يدرس الصغار في كتاب القرية، لكن يظهر أن هذا الزواج لم يكن مبنيا بين الزوجين على عواطف متينة وإنما على الرضوخ للتقاليد ورغبة الوالدين، لينتهي بالطلاق سنتين بعد ولادة ابنهما الوحيد محمد صاحب قصتنا هذه.
مجمل ماحكاه البطل على امتداد صفحات الجزء الأول من القصة، يبين لنا مدى ما عاناه منذ صباه من آلام ومآسي، فباستثناء الأيام الجميلة التي قضاها مع جده وجدته حيث شعر بالحنان والعطف الذي يحتاجه أي طفل في مثل سنه وحيث تلقى مثل أفرانه المبادئ الأولى للتعليم في كتاب القرية وحفظ ما تيسر له من سور القرآن الكريم، كانت بقية أيامه خصوصا خلال الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي، عبارة عن فصول من المعاناة في مجتمع تقليدي مستعمر من طرف الأجانب تسوده الأمية والجهل، إضافة إلى القسوة والجفاء في معاملة البعض ومنهم أمه التي ولدته، فقد بحث عنها الصغير أكثر من مرة بعد زواجها الثاني ليتعرف عليها ويشعر بدفء حضنها، لكن المثير للعجب أنه لم يكن يجد منها إلا الصد والإعراض، بل القسوة في معاملتها إياه وكأنها تنتقم لنفسها وترفض أي شيء يذكرها بزواجها الأول بما في ذلك هذا الطفل البريء. أما حين حاول الالتحاق بأبيه الذي فر من القرية بعد خلافه مع زوجته خوفا من أبيها الذي هو عمه، فقد كانت زوجة الأب هذه المرة بالمرصاد.

في سن الثانية عشرة رحل صاحبنا إلى مدينة العرائش قصد البحث عن عمل والاعتماد على نفسه،
دموع جافة... قصة مغربي كاد أن يتخرج منصرا kanissa.jpg صورة لبطل القصة يرتدي اللباس الديني للآباء البيض وهو يناهز العشرين في معهد لوكرونيو

فقد تزوج جده لأمه بامرأة أخرى وأنجب منها بنتا أصبحت محلا للاهتمام والرعاية، مما جعله يشعر بالغيرة. وفي العرائش أصبح مساعدا لأحدهم في صناعة الحلوى وبيعها، ونظرا لسذاجته الفطرية فإنه فقد كل ما ادخره عند صاحب العمل المخادع الذي أنكره ورفض أداء ما كان يودعه عنده من مستحقاته على سبيل الأمانة، مما جعله يبحث عن مورد آخر، فالتحق بمصنع للحلويات وعمل مع أحد الإسبان اسمه مانولو الذي عطف عليه واصطحبه معه إلى طنجة حين وقع له خلاف مع صاحب المصنع. وفي طنجة عمل أيضا مع الإسبان في مصنع ثم في متجر للحلويات.

في أحد أيام الصيف، وكان ذلك بعد حصول المغرب على الاستقلال، وقعت للطفل محمد حادثة مؤسفة نقشت في ذاكرته وأثرت على مجمل حياته، فقد كان يخرج مثل غيره من بعض مستخدمي الشركة الإسبانية يجر عربة لبيع المبردات والمثلجات، إذ بشرطي يتقدم إليه في منطقة سوق برا بطنجة يأمره بالمغادرة، تماما مثل حكاية البوعزيزي الذي تفجرت الثورة التونسية بعد إذلاله وإشعال النار في نفسه، الطفل البريء ذو الخمسة عشر عاما أجاب الشرطي بأنه يتوفر على رخصة للبيع في الشوارع، فما كان منه إلا أن رد عليه بعنف وسب للدين: (لدين أمك ستعلمني القوانين في عملي) ص 38. ثم انهال عليه بالضرب والرفس في أنحاء جسمه الغض حتى سال الدم من فمه وأنفه، وأخذه بعدها إلى مركز الشرطة في حالة يرثى لها: دماء ودموع وكدمات وعينان منتفختان، لم يطلق سراحه إلا بعد أن جاء صاحب المصنع الإسباني رفقة ابنته ماريا التي بكت لفظاعة ما رأت: طفل صغير عنف بطريقة وحشية من طرف من يفترض فيه حماية الناس وحفظ أمنهم، أليس أمثال هؤلاء من وصفوا في الحديث النبوي: (قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها).

رق قلب الفتاة الإسبانية ماريا لحال الطفل الصغير فأخذته إلى البيت وواسته بملابس نظيفة ليبدأ من جديد في البكاء قائلا: آنسة ماريا لا أريد البقاء هنا ولا أستطيع العيش تحت ضغوط الخوف، لم أعد أتحمل التعسف والعذاب، ساعديني أرجوك ..(ص 39)

الوضعية الصعبة التي وجد محمد الطيبي نفسه فيها وتطلعه إلى من يساعده كانت حاسمة في توجيه مسار حياته، فقد حملته ماريا معها إلى أقاربها في سبتة، الذين سلموه بدورهم إلى كنيسة تعتني بالأطفال المشردين إسبانيين ومغاربة تسمى نويسترا سينيورا رميديوس. وبمجرد ما علم المسؤول عنها الكاهن فرانسيسكو ارنيا بقصة الطفل حتى انتهز الفرصة أمام مجموعة من الأطفال ليغرس سمومه في نفوس بريئة قائلا : ’’انظروا كيف يتعاملون مع أطفال صغار، ومن ملتهم، بالأحرى لو كانوا أجانب’’ وكأنه يتجاهل ما فعلته قوات بلاده قبل ذلك في منطقة الريف بشمال المغرب من إلقاء للقنابل الكيماوية على المدنيين في القرى بما فيها من أطفال ونساء وشيوخ، وقد كان حريا به لو كان منصفا أن يدين هذا الفعل ويصرح بوجوب معاقبة فاعله أيا كانت (ملته) على حد تعبيره.

منذ اليوم الثاني في الكنيسة شعر الصغير بالغربة، يقول موضحا: ( بدأ شعور غريب ممزوج بالخوف يتملكني، بدأت اشعر كأنني نزلت إلى كوكب آخر لا علاقة له مع الكوكب الذي كنت أعيش فيه، كلما دخلت الكنيسة كنت أشعر بالذنب بالرغم من أن لا ذنب لي في كل ما جرى ويجري حولي، أحسست أنني دخلت دوامة لا مخرج منها ) ص 41/42

كانت الدروس التي يلقنونها للصغار تتعلق بالدين المسيحي وتعاليم الكنيسة، لكن ما تلقاه الطفل محمد في صغره من قواعد التوحيد وآيات القرآن الكريم كانت كافية لتجعله يعيش في حيرة بين بساطة العقيدة وصفائها في توحيد الله عند المسلمين، وتعقيدات التثليت والشرك البين بالله في تحريفات الكنيسة، يقول عن ذلك: ’’ كان عندي صراع داخلي بين ما تعلمته في المسجد من القرآن وما رسخ في بالي من تعليمات وأحاديث جدي وفقيه القرية السيد عبد السلام الذي ما يزال على قيد الحياة والتعليمات المفروضة علي دراستها في الكنيسة والتي تشرك بالله الواحد الأحد، وكلما انتهيت من الدراسة إلا وبدأت في ذكر القرآن بالخصوص سورة التوحيد (ويقصد بذلك سورة الإخلاص: قل هو الله أحد..الآيات) ويضيف قائلا : كان هناك انتقاض واشمئزاز النفس الداخلية، وكلما ضاق بي الحال، كنت أشتكي إلى الله وأطلب منه أن يأخذ بحقي من ذلك المجرم والوحش الظالم الذي نهك علي بالضرب وكان سببا في وجودي في هذه الحالة والوضعية النفسية التي أشتكي منها لله ’’ (ص 43)

بعد أربع سنوات من الدراسة في الكنيسة، اجتاز محمد امتحان التخرج للطلبة البالغين سن دراسة الكاثوليكية، وكانت النتيجة هي النجاح بتفوق، فنظمت الكنيسة حفلا بالمناسبة حضره جميع المتدينين النصارى بمنطقة سبتة المحتلة، وأعلنت الكنيسة دخوله في ديانتهم وأعادوا تسميته باسم مسيحي عوض محمد الطيبي، وتم تبنيه من طرف الأب خوصيه وزوجته إسابيل وسجل في الحالة المدنية الإسبانية كابن لهما، حيث أطلقوا عليه خيسوس ماريا كاسم شخصي يحيل على اسم عيسى بن مريم عليه السلام، وأصبح لقبه العائلي دي لا أوليبا دي لوس رميديوس (jesus maria de la oliva de los remedios)

وهكذا اعتقد النصارى أنهم كسبوا واحدا من أبناء المسلمين، وجدوه في وضعية صعبة يعاني الحرمان والحاجة، وبدأت مرحلة جديدة، ألا وهي تجنيده ليصبح مبشرا بدينهم، وهو المغربي ابن البادية الذي يتقن الحديث بكلام أهله وعشيرته ويعرف طبائعهم، فأرسله الأب فرانسيسكو راعي كنيسة سبتة المحتلة إلى مدرسة دينية خاصة بتكوين وتخريج المبشرين بلوكرونيو تابعة لجمعية الآباء البيض التي أسسها الفرنسي لفجيري سنة 1888 في منطقة القبائل بالجزائر وعندما وصل (خيسوس ماريا)، أي محمد الطيبي في الأصل، إلى المعهد الديني التنصيري في شمال إسبانيا، استقبله المدير قائلا باللغة العربية: أهلا بك عندنا، وكان البرنامج اليومي يبدأ بالعبادة في الصباح الباكر ثم ممارسة الرياضة وبعدها دراسة الإنجيل ثم ورشة التكوين المهني بعد الغذاء، لكن كل هذا التكثيف والضغط لم يستطع أن يجتال محمد الطيبي من فطرته وعمق إيمانه رغم بساطة التكوين الذي تلقاه في تلك القرية المغربية النائية سواء على يد جده أو إمام المسجد الذي لقنه سورا من القرآن الكريم بقيت راسخة في ذاكرته وعقله، يقول عن هذه المرحلة: (كنت في صراع نفسي وعذاب داخلي، كنت أشعر بالذنب والخطيئة وكنت أشعر بأنني مجبر عليها ولم يكن عندي الاختيار. قبل دخولي إلى المعبد دائما سواء في سبتة أم هنا كنت أقرأ سورة التوحيد، وبعد أسبوع بدأت أؤدي صلواتي الخمس سريا وفي الخفاء عندما أكون في غرفتي وأحس أن الكل في نوم عميق، بهذا كنت أخفف عن نفسيتي من العذاب الداخلي الذي كان يعذبني دائما) ويقول أيضا: (بعد العشاء، وأنا بغرفتي أقوم بصلواتي الخمس والدعاء للذي خلقني أن يغفر لي ذنوبي وأن يمد بيدي لأخرج من هذا العذاب، وهكذا دواليك...) ص 49

مرت شهور وسنون، حتى كان خيسوس ماريا على وشك التخرج بعد سنة واحدة ليصبح مساعدا للرهبان في الكنائس ومؤهلا للقيام بالتبشير كما أخبرني بذلك شخصيا، لكن شعوره بانعدام السكينة دفعه إلى مغادرة المعهد الديني للآباء البيض، ولما سأله مدير المعهد عن السبب أجاب: (السبب الوحيد هو أنني لا أشعر بالراحة النفسية، كل ما هناك أنني أبحث عن بديل وعن الراحة النفسية) ص 51 .

وجه الراهب بطل القصة للعمل في إحدى الشركات بمدريد على علاقة بأحد الرهبان حتى لا يضيع الرصيد الذي بنته الكنيسة في سنوات، ومن الحوادث الجديرة بالتوقف خلال هذه المرحلة لقاؤه مع احد القاديانيين الذين يسمون أنفسهم بالأحمديين، والذي عرض عليه إرساله إلى كشمير، ولكن الحنين الساكن في قلب محمد /خيسوس للعودة إلى بلده منعه من ذلك ن كما أنه التحق مرة ثانية بمعهد يتبع لجماعة نصرانية في إيطاليا درس فيه هو الآخر مدة ستة أشهر ليعود بعدها إلى إسبانيا، حيث وجد نفسه ملزما بأداء الخدمة العسكرية، لكن حنينه إلى بلده ومن تبقى من أهله دفعه للدخول إلى المغرب في إحدى عطله من مدينة سبتة وذلك بدون الالتزام بما تفرضه القوانين الدولية من المرور عبر الديوانة الجمركية لأنه كان في أعماقه يشعر بأنه يدخل إلى بلده فتصرف بتلقائية وعفوية، مما سبب له في مشاكل عويصة بعد وصوله إلى العرائش حيث اعتقل لمدة شهرين في الرباط ثم أطلق سراحه بعد التأكد من هويته وعدم ارتباطه بأي جهاز استخباري بالنظر إلى توفره على بطاقة عسكرية إسبانية.

ومن الطريف أنه بعد الإفراج عنه تقدم إلى وزارة الدفاع طالبا الالتحاق بالجيش المغربي فتمت الموافقة على طلبه ليبدأ فصل جديد في مشوار مليء بالأحداث المثيرة التي ننتظر الكشف عن تفاصيلها في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

خاص بموقع الإصلاح- أنور الحمدوني- العرائش
الصورة: محمد بن محمد الطيبي-يسار- رفقة أنور الحمدوني بالعرائش
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مغربي, منصرا, يمنع, جافة..., يتخرج


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وزير مغربي يحارب إشهار القمار في التلفزيون ولو كلفه منصبه مزون الطيب أخبار منوعة 0 03-04-2012 11:18 AM
النرويج: أكاديمي يمنع المنتقبات من حضور محاضراته مزون الطيب الإسلام في أوروبا 0 09-03-2012 03:41 PM
اعتقال مغربي لرفعه العلم "الإسرائيلي" فوق منزله مزون الطيب أخبار منوعة 0 29-02-2012 03:41 PM
أطباء سوريا تحت التعذيب.. والأسد يمنع تقديم العلاج للثوار! مزون الطيب أخبار منوعة 0 21-02-2012 10:11 PM
رئيس أكاديمية الشرطة السابق بمصر: لا قانون يمنع إطلاق اللحية مزون الطيب أخبار منوعة 0 19-02-2012 07:07 PM


الساعة الآن 09:19 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22