مسلمو مقدونيا ينفضون غبار الشيوعية ويسعون لاستعادة هويتهم الإسلامية

مسلمو مقدونيا ينفضون غبار الشيوعية ويسعون لاستعادة هويتهم الإسلامية

أكد د.علي البرقوني، مدير العلاقات الإسلامية والخارجية بالرئاسة الإسلامية العليا في مقدونيا، وممثل البنك الإسلامي للتنمية، أن أوضاع المسلمين في مقدونيا قد تحسنت بشكل مطرد منذ توقيع اتفاق أوهريد عام 2001م، حيث حصل ألبان مقدونيا بموجبه على العديد من الحقوق التي حرموا منها لعقود، وعوملوا خلالها كمواطنين من الدرجة الثالثة، مشيرًا إلى أن وصول المسلمين لمناصب رفيعة في الحكومة والبرلمان والسلك الدبلوماسي قد أنهى عقودا من التمييز.
وأبدى د.البرقوني في حوار خاص لمجلة «الوعي الإسلامي» تخوفه الشديد من أن الخلافات بين الأحزاب الألبانية تعرقل مساعي المسلمين للحصول على حقوقهم كافة، مطالبًا هذه الأحزاب بنبذ الخلافات، والتوحد خلف هدف واحد يتمثل في حصول الألبان على ما يليق بهم كأغلبية داخل مقدونيا.
وإليكم نص الحوار:

> في بداية الحوار، نود أن تخبرنا عن الطريقة التي وصل بها الإسلام إلى مقدونيا؟ وهل ارتبط دخول الإسلام للبلاد بالفتح العثماني لمنطقة البلقان؟
- تدل العديد من الوثائق على أن معرفة الشعب المقدوني بالإسلام كانت سابقة للفتح العثماني لمنطقة البلقان في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، حيث نجح السلطان مراد في إخضاع مقدونيا، شأنها شأن أكبر مناطق البلقان، ولعب الجوار الجغرافي مع تركيا دورًا مهما في تعريف المقدونيين بالإسلام، حيث تفاعلوا معه بشكل إيجابي، فأسلم آلاف المقدونيين، ثم جاءت الانفراجة الكبرى غداة الفتح العثماني للمنطقة، حيث اعتنق الإسلامَ عدد كبير من مواطني مقدونيا، التي تحولت إلى حاضرة للدين الحنيف في منطقة البلقان، وشيدت مئات المساجد والمراكز الإسلامية، لدرجة أن عدد حافظي القرآن في مقدونيا يشكل العدد الأكبر بالنسبة لجميع الولايات الخاضعة للدولة العثمانية.
واستمرت أوضاع المسلمين في تحسن وازدهار ما يقرب من خمسة قرون، إلى أن خرج العثمانيون من البلقان، وتسلم الشيوعيون مقاليد السلطة لأكثر من سبعين عاما، حاربوا فيها الدين بطرق شتى، وأغلقوا المساجد والمدارس الإسلامية، وحولوها إلى مخازن للغلال وإسطبلات للخيل، وذهبوا بمن يتمسكون بدينهم إلى المعتقلات، ومع هذا فقد حافظ الشيوخ على دينهم، وتمسكوا بتعليمه لأبنائهم في السراديب والأقبية، رغبة في الحفاظ على هويتهم.
> لكن الأوضاع في يوغوسلافيا السابقة كانت تبدو أقل وطأة من نظيرتها في بلدان حلف وارسو السابقة؟
- بالفعل.. فبعد مؤتمر بريوني في منتصف ستينيات القرن الماضي أُقِرتْ العديد من الحقوق المدنية لأصحاب الديانات الأخرى، وتمتع البعض بنوع من الحكم الذاتي، وخففت بذلك القيود التي كانت مفروضة على الأديان، وسمح لألبان مقدونيا باستقدام مدرسين ألبان، لتعليم أبنائهم اللغة الأم، وكذلك إمدادهم بمعلومات عن دينهم وهويتهم، وهو ما أسهم في وجود روابط بين مسلمي مقدونيا وهويتهم الإسلامية، بشكل خلق نوعا من التفاؤل لدى الألبان باستعادة هويتهم بعد بدء تهاوي جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، وحصول البلاد على الاستقلال.
ولكن ما حدث بعد عام 1992م، كان بمثابة الصدمة لهم، حيث استمرت سياسات التهميش والتمييز ضدهم من قبل حكومات مقدونيا المتعاقبة، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثالثة! وهو ما مهد الأجواء لاندلاع حالة من التمرد في صفوفهم، وتشكيل جيش التحرير الوطني لتحسين هذه الأوضاع، واستعادة حقوق مسلمي مقدونيا.



> هلا تفضلتم بتعريف القراء بطبيعة الوجود الإسلامي في مقدونيا حاليا؟
- يشكل مسلمو مقدونيا حاليًا ما يزيد على70 بالمائة من سكان البلاد، حيث يتجاوز تعدادهم مليون و400 ألف نسمة، من مجمل تعداد السكان البالغ 2.6 مليون نسمة، وتزيد هذه النسبة إذا وضعنا في الاعتبار أن هناك أكثر من مليوني مقدوني يعيشون في المهجر، الغالبية الساحقة منهم مسلمون، ويعيش المسلمون في معظم مدن مقدونيا، وعلى رأسها العاصمة سكوبيا، وتيتوفو، وتستوفا، وكموتا، وغوستيفار.
ويمتلك مسلمو مقدونيا عددا كبيرا من المساجد والمراكز الإسلامية، يصل عددها إلى750 مسجدا، بينها عدد كبير من المساجد الأثرية المقامة على الطراز التركي، وعلى رأسها مسجد مصطفى باشا، في العاصمة سكوبيا، والذي تجري له حاليا عملية ترميم شاملة، بتكلفة تزيد على مليون ونصف المليون يورو، وهو رقم ضخم جدا يكشف عظمة وضخامة المسجد، إذا وضعنا في الاعتبار أن تكلفة إنشاء مسجد كبير في مقدونيا حاليًا لا تزيد على 400 ألف يورو.
> ذكرت في السطور السابقة أن ألبان مقدونيا حرِموا طويلا من حقوقهم، وعوملوا لسنوات طويلة كمواطنين من الدرجة الثالثة، فهلا أوضحت لنا الموضوع بشيء من التفصيل؟
- عانى ألبان مقدونيا لعقود طويلة من ألوان الظلم والاضطهاد كافة؛ فحرموا من التعلم بلغتهم الأم، ومنعوا من تبوؤ مناصب رفيعة في المؤسسات الحكومية، أو حتى الحصول على جواز سفر، وهي الأوضاع التي حاولنا تغييرها بشكل سلمي، ولكن محاولاتنا باءت بالفشل، مما حتم تشكيل جيش التحرير الوطني، والدخول في معارك شرسة مع حكومة سكوبيا، استدعت تدخل جهات دولية، مما أفضى إلى توقيع اتفاقية «أوهريد» في 13 أغسطس 2001م.
وقد حصل الألبان بموجب هذه الاتفاقية على العديد من الحقوق منها التعلم بلغتهم المحلية، والحصول على الجنسية، والحصول على جواز السفر، وإنشاء جامعات خاصة بهم، وشهدت أوضاع المسلمين تحسنًا مطردًا كدخول البرلمان والحصول على وظائف في الجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي، حتى وصل عدد النواب المسلمين في البرلمان المقدوني إلى 28 نائبا، رغم أن نسبتهم من السكان تؤهلهم للحصول على ما يزيد عن50 نائبا.
> لديكم طموحات عديدة، فهل تمتلكون مؤسسات دينية تساعد على تلبية هذه الطموحات، لا سيما على الصعيد الشرعي؟
- تعد الرئاسة الإسلامية العليا بقيادة الشيخ سليمان أفندي رجبي، أهم المؤسسات الإسلامية في مقدونيا؛ حيث لا تقتصر أنشطتها على الجانب الشرعي، من تعيين الأئمة، والعناية بالمساجد، وتسيير قوافل الدعوة، وتحديد الأعياد الإسلامية، وإرسال الطلاب للدراسة في الجامعات الإسلامية الكبرى، بل تتدخل في مسائل عديدة للمحافظة على حقوق مسلمي مقدونيا، وكانت آخر النجاحات التي حققتها انتزاع موافقة السلطات الحكومية على تدريس العلوم الإسلامية في مناهج التعليم العام.
وتتبع الرئاسة الإسلامية 13 دارا للإفتاء، تنتشر في أغلب المناطق ذات الأغلبية المسلمة، وتقوم هذه الفروع بدور كبير في تنمية الوعي الديني لمسلمي مقدونيا، وربطهم بدينهم، والإشراف على المئات من كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، المنتشرة في أغلب التجمعات المسلمة، وهي الكتاتيب التي جعلت مسلمي مقدونيا يتصدرون قائمة الدول الأكثر حفظا للقرآن في جميع بقاع منطقة البلقان.
> ما تتحدثون عنه يشير لنوع من الصحوة الإسلامية في مقدونيا، نود أن توضح لنا مظاهرها؟
- نعم .. هي صحوة إسلامية، ومظاهرها متعددة، فلا يستغرب المارة في المدن المقدونية من الإقبال الشديد على المساجد لأداء الصلوات، وكذلك ينتشر اللباس الشرعي للفتيات والسيدات (الحجاب)، فضلا عن الارتفاع المطرد في عدد الصائمين خلال شهر رمضان، والمقبلين على أداء فريضة الحج، حيث يقوم ما يقرب من 3500 حاج سنويًا بزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، وهو عدد مناسب إذا قيس بعدد مسلمي مقدونيا، وهو ما يقدم دليلا على ارتفاع مستوى الوعي الديني لدى ألبان مقدونيا، والمحافظة على التراث الإسلامي.
> تعد مشكلة الأوقاف الإسلامية من أهم المشكلات التي تواجه مسلمي البلقان، فكيف تعاملتم معها في مقدونيا؟
- تعمل الرئاسة العليا للمسلمين في مقدونيا بكل جهد لاسترداد هذه الأوقاف المسلوبة منذ العهد الشيوعي، والبالغ مساحتها ما يقرب من سبعة ملايين متر مربع، وتحظى في هذا الإطار بدعم من الاتحاد الأوروبي، والذي اشترط التزام حكومة سكوبيا بإعادتها للألبان، لبدء مفاوضات الشراكة معها.
وقد بدأت الحكومة بالفعل في إعادة بعض المساحات، وتقوم الرئاسة العليا للمسلمين باستخدام ريعها للإنفاق على البعثات الخارجية للطلاب، الممولة من صندوق الوقف الطلابي لدعم مئات الطلاب المبتعثين للدراسة في الجامعات الإسلامية في تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية، وهي بعثات تجاوز عدد خريجيها 1400 خريج.

بقلم الكاتب: همام عبدالمعبود

المصدر: طريق الخلاص