صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > الإسلام والعالم > الإسلام في أسيا

تجربة اندونيسيا في التآلف بين الإسلام والموروث الثقافي

تجربة اندونيسيا في التآلف بين الإسلام والموروث الثقافي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-06-2013 ~ 04:46 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي تجربة اندونيسيا في التآلف بين الإسلام والموروث الثقافي
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


تجربة اندونيسيا في التآلف بين الإسلام والموروث الثقافي
تجربة اندونيسيا في التآلف بين الإسلام والموروث الثقافي 9079.jpg
عمار علي حسن
لا تخطئ عيناك أبداً، أنك ذاهب إلى أكبر دولة مسلمة على وجه الأرض، حين تقتحمها أجساد ضامرة لنساء ملفوفات في ملابس وسيعة فضفاضة تملأ صالة الانتظار في مطار الدوحة، لكن حين تحط الطائرة في مطار جاكارتا وتنطلق الحافلة في شوارعها الوسيعة النظيفة التي تمر بها سيارات يابانية من أنواع مختلفة، ترى عالماً آخر متنوعاً، فيه رجال قصار في الغالب الأعم ونساء سافرات ومحجبات، وبيوت ذات أسطح مائلة تستقبل مطراً طوال السنة تقريباً، وبنايات شاهقة، تحتضن متاجر دشنتها العولمة، لتجذب الطبقتين العليا والوسطى، وتفتح باباً للاغتراب في بلد يتسم أهله بالبشاشة والسماحة والسكينة والإقبال المفرط على الحياة.
أنت هنا أمام تجربة شبيهة بالتجربة المصرية في الستين سنة الأخيرة، وليس بالطبع في آلاف السنين التي دب خلالها الآدميون على ضفاف النيل، سوكارنو يقابل عبدالناصر، حيث الاستقلال والبناء والعدل الاجتماعي والأحلام العريضة والاستبداد المقنع، وسوهارتو يقابل مبارك حيث التبعية والعجز والفساد والطغيان والترهل، الأول قامت ضده تظاهرات تطالب بالإصلاح في عام ١٩٩٨ فأسقطته وبقي نظامه، لكن إصرار الناس على تحصيل الأفضل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول الثمار ثورة كاملة، لا سيما بعد الخروج التدريجي للجيش من الحكم، أما الثاني فقامت ضده ثورة عظيمة عام ٢٠١١ فسقط أيضاً وبقي نظامه يحاول أن يحول ثمارها حركة إصلاح متدرج، لكن الحكم على النتائج النهائية والكلية ليس الآن بأي حال من الأحوال.
ذهبت إلى جاكارتا للمشاركة في مؤتمر عن «الإسلام...الدولة والسياسات» بدعوة من «معهد السلام والديموقراطية»التابع لجامعة أوديانا، فسمعت من أساتذة العلوم الإنسانية هناك شهادات وإفادات مبهرة عن «التمازج بين الإسلام والثقافة التقليدية»، وعن الدولة «اللاعلمانية واللادينية التي تعطي الدين وزنه في الحياة وليس في السلطة»، التي يثبت وجودها على سطح الأرض في حد ذاته كذب مفهوم «الدولة الحارسة للدين»، و «قوة الدين في حد ذاته كي يحرس نفسه»، إذ إن الإسلام لم يدخل إلى إندونيسيا بالفتوحات إنما جاء في ركاب التجارة والتسامح وقوة الحجة وصفاء العقيدة، فدافع عن نفسه من دون وصاية من ملك أو سلطان أو أمير.
هناك تجد التدين ظاهراً في سلوك الناس وليس في أزيائهم وادعاءاتهم على رغم أن «الشعب الإندونيسي لا يعتبر الإسلام أساساً لقيام الدولة»، وفي الوقت ذاته لا يجد غضاضة في «تطبيق بعض أقاليم الدولة للقوانين الإسلامية»، لكن في شكل عصري بعيداً من أضابير الكتب القديمة وخلافات فقهاء الزمن الغابر، وفي صيغة تتعانق فيها الثقافات المحلية مع مقتضيات الشرع في انصهار عجيب، وفي طريقة تحول فيها الدين إلى طريق لحل المشكلات لا وسيلة لخلقها.
تركت «المول»و «الفندق»وعبرت شارعاً واحداً إلى الأحياء الفقيرة جداً في جاكارتا، بسطاء وفقراء لكن الحواري نظيفة مرصوفة، وبنات يركبن دراجات بخارية ولا يؤذيهن أحد بكلمة خادشة للحياء أو نظرة وقحة، وشجر خفيف يحط على البيوت الخفيضة، وفي كل مكان لا تجد سوى الابتسامة العذبة ولا تشعر بغربة أبداً...الإسلام ذائب هنا في نفوس الناس من دون طلاءات ولا زيف ولا تمسك بالمظاهر الخادعة والقشور الهشة، وصوت أذان الفجر في إندونيسيا يبعث على الخشوع والسكينة، عذوبة الصوت بالنغمة المصرية الأصيلة بنت مدرسة الأزهر العظيمة التي وضعت بصمتها هناك في قلب البحار البعيدة.
وفي إندونيسيا يتجاوز أعضاء جمعية «نهضة العلماء»الإسلامية ٤٥ مليون عضو و «المحمدية»نحو ٣٥ مليون عضو، لكنهما لا تلزمان أتباعهما بالتصويت في الانتخابات لمصلحة أحد بعينه، لأنهما تؤمنان بحرية الفرد، ولا تجبرانه وفق مبدأ «السمع والطاعة»الذي يسلبه إرادته وقراره، وينصرف جهد هاتين الجماعتين على تحقيق الامتلاء الروحي والسمو الأخلاقي والتماسك الأسري والنفع العام أو العمل الخيري.
وتسعى الدولة التي تتكون من ١٣ ألف جزيرة عائمة في المحيط الهادي، إلى جعل تنوعها مصدراً للقوة وليس للضعف والتفكك، لذا كان عليها أن تبدع صيغة تحكم علاقة مستقرة بين سكانها الذين ينتمون إلى ٣٠٠ عرق ويتحدثون ٢٥٠ لغة ويدينون بأديان عدة أولها الإسلام، ويدين به ٨٦,١ في المئة، ثم البروتستانت ٥,٧ في المئة، والكاثوليك ٣ في المئة، و١,٨ في المئة، و٣,٤ في المئة يعتنقون معتقدات أخرى.ومن أجل المحافظة على وحدتها صاغ الرئيس سوكارنو عام ١٩٤٥، وعقب انتهاء الاحتلال الياباني مباشرة، مبادئ خمسة لتحكم دستور الدولة يسمى «البانكسيلا» التي تعنى بالعربية «كلمة سواء» جاءت على النحو الآتي:
- الإيمان بإله واحد.
- إنسانية عادلة ومتحضرة.
- وحدة إندونيسيا.
- الديموقراطية تقودها الحكمة الداخلية في توحد ناشئ من المداولات بين الممثلين.
- العدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب الإندونيسي.
ولا تعرف الحياة السياسية الإندونيسية في الوقت الراهن أي احتكار، فالانتخابات التي أجريت في ٩ نيسان (أبريل)2009، توزعت فيها حظوظ الفائزين في شكل فيه مقدار كبير من التوازن، فالحزب الديموقراطي لم يحصل سوى على ٢٠,٩ في المئة، وبعده جاء حزب جولكار بـ١٤,٥ في المئة، وهكذا...
وتجرى الانتخابات في سلاسة تامة، إذ إن عدد المقترعين في اللجنة الواحدة لا يزيد على ٣٠٠ شخص، ويشرف عليها سكان كل منطقة بأنفسهم، في شفافية تامة، ويتوجب على المرشحين للرئاسة أن يمروا باختبارات طبية دقيقة، بما فيها اختبار الذكاء، بعد أن ابتليت البلاد برئيسة غير متعلمة ورئيس شبه ضرير عقب سقوط سوهارتو.لقد تحدث الإمام محمد عبده حين ذهب إلى أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر عن أنه وجد «إسلاماً بغير مسلمين»، وفي إندونيسيا هناك «إسلام بمسلمين»، ينصرف إلى الجوهر ويتفاعل مع مقتضيات العصر، فلا تجد الشوارع مزدحمة بأصحاب اللحى ومرتديات النقاب، بل تجدها عامرة بالسلوك القويم والرضا والاعتزاز بالدين والرغبة المتجددة في تحسين شروط الحياة.
المصدر- صحيفة الحياة
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تجربة اخت مع الصدقة نور الإسلام هدي الإسلام 0 19-04-2014 02:12 PM
تجربة واقعية عن فضل الدعاء نور الإسلام هدي الإسلام 0 24-03-2014 09:21 PM
التواصل الثقافي بين الأندلس والمشرق نور الإسلام هدي الإسلام 0 09-11-2013 05:36 PM
فيلم دعائي لحملة عنوانها "انقذوا مريم لحماية اندونيسيا من التنصير" نور الإسلام هدي الإسلام 0 21-10-2013 03:28 PM
تجربة شخصية في في دراسة الأديان نور الإسلام لماذا أسلموا؟؟ 0 10-01-2012 12:28 PM


الساعة الآن 09:08 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22