صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

العلاقة بين العقل والنقل (4)

المحاضرة الرابعة الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله ، إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين ،

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-2013 ~ 09:14 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي العلاقة بين العقل والنقل (4)
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



المحاضرة الرابعة
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله ، إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين ، ومالك يوم الدين ، الذي لا فوز إلا في طاعته ، ولا عز إلا في التذلل لعظمته ، ولا غنى إلا بالافتقار إلى رحمته ، ولا هدى إلا في التمسك بهدايته ، ولا حياة إلا في حبه وطاعته ، ولا نعيم إلا في قربه وجنته ولا صلاح للقلب إلا بإخلاص نيته ، إله عظيم كريم عزيز رحيم ، إذا أطيع أثاب وشكر ، وإذا عصي تاب وغفر .

وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله تعالى رسله ، وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ، ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار ، والأبرار والفجار ، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب ، وهي الحق الذي من أجله كان العرض والحساب ، وعليها يقع السؤال والثواب والعقاب وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الله عز وجل الأولين والآخرين ، ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين .

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأمينه على وحيه ، وخيرته من خلقه ، وسفيره بينه وبين عباده ، المبعوث بالدين القويم ، والمنهج المستقيم ، أرسله الله رحمة للعالمين ، وإماما للمتقين ، وحجة على الخلائق أجمعين ، أرسله على حين فترة من الرسل ، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل ، وافترض على العباد طاعته ، ونصرته وتوقيره ومحبته ، وسد الطرق دون جنته ، فلن تفتح لأحد إلا لطريقته ، صلى الله عليه وسلم ، شرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، يقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ﴾ (الأنفال:64) صلى الله عليه ، وعلى آله الطاهرين ، وسائر أصحابه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..

نستكمل اليوم الحديث عن العلاقة بين العقل والنقل ، وقد علمنا مما سبق أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح ، بل يشهد له ويؤيده ، لأن المصدر واحد ، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده ، ولو حدث تعارض بين العقل والنقل ، فذلك لسببين لا ثالث لهما : الأول : أن النقل لم يثبت فيتمسك مدعى التعارض بحديث ضعيف أو موضوع ، والثاني أن العقل لم يفهم النقل ولم يدرك خطاب الله على النحو الصحيح ، وعلمنا أيضا أنه إذا تعارض العقل والنقل ، لجهل العقل بما ورد في النقل ، أو غاب عنه الفهم الصحيح للأدلة القرآنية والنبوية ، وجب علي المسلم العاقل أن يقدم النقل على العقل ، وأنه ينبغي قبل التعطيل أو التأويل بغير دليل أن يتقى الله ، ولا يقدم عقله وهواه ، على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمهمة العقل تجاه النقل لمن صدق في إسلامه ، تصديق المنقول إذا كان خبرا ، وتنفيذه إذا كان أمرا ، ثم بينا بعض الوجوه في الرد على الأشعرية في زعمهم أنه إذا تعارضت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مع أدلتهم العقلية وأصولهم الكلامية ، فمن الواجب في اعتقادهم تقديم أدلتهم العقلية وأصولهم الكلامية على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .

واليوم نبدأ بالأمر الخامس الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله على كتاب الله وسنة رسوله في باب الأسماء والصفات ، وغير ذلك من الغيبيات ، كما فعل المتكلمون من الأشعرية .

الأمر الخامس : أن يقال إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أصولكم الكلامية التي دل عليها العقل بزعمكم ، والتي أنكرتم بها علو الله على خلقه ، واستوائه على عرشه ، وتكليمه لرسله وملائكته ، أو لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك ، فإن قلتم لم يكن يعرفه كانت الجهمية وسائر المعطلة من المعتزلة والأشعرية وأتباع الفلسفة اليونانية والقرامطة الباطنية ، والنصيرية والإسماعيلية ، وأمثالهم وأحفادهم وتلاميذهم أعلم بالله من رسوله وأتباعه ، وأعلم أسمائه وصفاته ، وأعلم بما يجب لله و يمتنع ويجوز ، وهذا كذب وبهتان لا يقره أي عاقل من بنى الإنسان .

وإن قلتم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف ما دل عليه العقل بزعمكم ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم به أبدا ، ولم يكلم به أحدا ، سواء من خاصته أو غير خاصته ، أو المطلعين على سره ، ومن المعلوم قطعا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلم مع أحد من خاصته بما يناقض ما أظهره للناس ، بحث يقول لعامة الناس ظاهر هذه النصوص مراد ثم يقول للخواص من أصحابه لا تعتقدوا في ظاهر النصوص فظاهرها غير مراد ، وأيضا ما كان خواص أصحابه يعتقدون فيه نقيض ما أظهره للناس ، بل كل من كان له أقرب وكان بحاله أعرف ، كان أعظمَ موافقة له وتصديقا به ، في كل ما أظهره وبينه وأخبر به .

لو كان الحق في التأويلات الباطنية التي يظهرونها للناس ، كتأويل الاستواء بالاستيلاء واليد بالقدرة أو النعمة والعين بالرعاية والوجه بالذات وغير ذلك من التأويلات لو كان الحق في هذه التأويلات التي هي بخلاف الظاهر الذي خاطب به الرسول أصحابه وسائر الناس ، فيلزم هنا إما أن يكون الرسول جاهلا بتأويلهم كتأويل الاستواء بالاستيلاء والمجئ بمجئ الأمر واليد بالقدرة أو النعمة والعين بالرعاية والوجه بالذات وغير ذلك من التأويلات ، إما أن يكون الرسول جاهلا التأويلات ، أو كاتما لها عن الخاصة والعامة ، ومظهرا خلافها للخاصة والعامة ، وهذا من أعظم الأمور امتناعا واستحالة ، والذي يدعى ذلك في غاية البهت والوقاحة .

ولهذا لما علم هؤلاء المفتونون ، أنه يستحيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يكتم شيئا عن خواصه وأصحابه ، كذبوا على نبيهم ، ووضعوا أحاديث بينوا فيها أنه صلى الله عليه وسلم ، كان له خطاب مع خاصته يختلف عن الخطاب مع العامة من صحابته ، مثل الحديث المختلق المفترى ، عن عمر رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع أبي بكر ، وكنت كالزنجي بينهما ، ومثل ما تدعيه الشيعة الرافضة أنه كان عند علي علم باطنى خاص ، يخالف الظاهر المعروف بين سائر الصحابة ، ولذلك فإن الله عز وجل ببالغ علمه وحكمته ، ولطفه بعباده وأمته ، أخزى الشيعة بقدرته ، ووفق من سأل عليا رضي الله عنه : هل عندكم من رسول الله شيء خصكم به دون الناس ؟ فقال : لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ، ما أسر إلينا رسول الله شيئا ، كتمه عن غيرنا ، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه ، وما في هذه الصحيفة ؟ ثم أخرج صحيفة كان فيها بعض الأحكام ، كحكم الدية في القتل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر ، وهذا الحديث متفق على صحته ، مشهور عند السنة والشيعة ، وفي لفظ في الصحيح : عهد إليك رسول الله شيئا لم يعهده إلى الناس ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم شيئا عن هذه التأويلات ، وغيرها من أنواع الضلالات ، التي جعلها مشايخ الأشعرية في عصرنا واجبات مقررة على أبنائنا المساكين في المعاهد الأزهرية والجامعات ، والتي قدمهوها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في العقيدة .

الأمر السادس : الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله ، على كتاب الله وسنة رسوله ، الأمر السادس أن الله سبحانه أنزل كتبه حاكمة بين الناس فيما اختلفوا فيه ، كما قال الله تعالى : ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ (البقرة:213) ، وقال تعالى : ﴿ إِنَّا أَنْزَلنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلخَائِنِينَ خَصِيماً ﴾ (النساء:105) ، وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء:59) .

فكيف يحكم بين الناس في مواطن الخلاف والنزاع ، كلام وخطاب ليس فيه علم ولا هدى ينتفع به أولوا الألباب كما زعم هؤلاء أن الكتب الإلهية ، لا يحتج بها في أبواب الصفات والغيبيات ، فكيف تكون حاكمة بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وأي اختلاف أعظم من الاختلاف في أشرف الأمور وأجلها ، وهى معرفة الناس لربها وخالقها ومعبودها ، ومعرفتها بما يحدث لها في مآلها ، وعاقبة أمرها ، فالفطر السليمة والعقول المستقيمة ، لو نصبناها قاضيا وحكما ، وعرضنا عليها خصمين اختصموا في وصف ربهم ، فقال أحدهما ، وصف ربى عندي هو وصف كل سلفي ، وصف ربى عندي أنه هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم الملك القدوس ، السلام المؤمن المهيمن ، العزيز الجبار المتكبر ، الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ربى حي له صفة الحياة ، قدير له صفة القدرة ، مريد له صفة الإرادة ، كلم موسى تكليما ، وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما ، علا فوق سماواته ، مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، يرى من فوق سبع سماوات .

يسمع اختلاف الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ، ويرى دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماوات ، ترفع إليه الحاجات وتصعد إليه الكلمات الطيبات ، وينزل من عنده الأمر بتدبير المخلوقات ، له القوة كلها والعز كله ، وله القدرة كلها وله العلم كله ، وله الرفعة كلها وله الجمال كله ، وهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، موصوف بكل كمال وجمال ، وله الحسن والجلال ، منزه عن كل نقص وعيب ، لا تضرب له الأمثال ، سبحات وجهه الجلال وهو الجميل الذي اتصف بكل أنواع الجمال ، إحدى يديه للجود والفضل ، والأخرى للقسط والعدل ، يقبض سماواته السبع بإحدى يديه ، والأرضين السبع باليد الأخرى ، ثم يهزهن ثم يقول أنا الملك ، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ، ربى قريب مجيد ، رحيم ودود ، لطيف خبير ، هذا قولي في وصف ربى .

فقال قاضى الفطرة السليمة والعقول المستقيمة ، الذي يحكم بين الخصمين المتنازعين ، الذين اختصموا في وصف ربهم ، لا بد من سماع الآخر وحجته ، ولا بد أن يكشف لنا عن عقيدته ، فما هي حجتك على عقيدتك ؟

قال : حجتي هي حجة كل جهمى في عقيدته ، أن التنزيه الحقيقي هو في النفي والتعطيل ، فالله عندي موصوف بسلب الصفات والإضافات فلا سمع له ولا بصر ، ولا حياة ولا إرادة ، ولا يتكلم ولا يكلم أحدا من خلقه ، ولا هو داخل العالم ولا خارجه ، ولا فوق العرش ولا تحته ، ولا يمينه ولا يساره ، ولا خلفه ولا أمامه ، ولا وجه له ولا يد ولا يرضى ولا يغضب ، ولا يسخط ولا يضحك ، ولا يفرح بتوبة تائب ، ولا استوى على عرشه ، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ، ولا يأتي يوم القيامة ، ولا يجيء لفصل القضاء ، ولا يراه المؤمنون بأبصارهم ، ولا يستمعون كلامه ، ولا يقوم به فعل أبدا ، ولا وصف له ولا حقيقة ، وماهية ولا كيفية ، وهو وجه كله ، وسمع كله وبصر كله ، ويد كله ، علمه ذاته وسمعه وبصره علمه .

ليس له يد غير القدرة ، التي بها خلق آدم وكتب التوراة ، وغرس بها جنة عدن ، يقبض بها السماوات ، وليس له وجه يراه المؤمنون بأبصارهم ، ليس بجوهر ولا جسم ، ولا متحيز ولا متحرك ، ولا ساكن ولا متنقل ، ولا ينزل من عنده شيء ، ولا يصعد إليه شيء ، ولا يقرب منه شيء ، ولا يحبه أحد ، ولا يحب أحدا ، إلى أمثال ذلك من النفي والسلوب ، فيا صاحب الفطرة السليمة ، اعرض أقوال هذين الخصمين على فطرتك القويمة وانظر بنظر العقول المستقيمة ، واجلس مجلس القاضي الذي يحكم بين هذين المختصمين ، ثم تحيز إلى أي مذهب شئت من هاتين الفئتين ، فئة ليس لديها إلا الإثبات ، إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم ، و فئة ليس لديها إلا التعطيل والنفي المحض ، فاختر لنفسك أحد المنهجين ، وارسم لعقيدتك إحدى الخطتين ، واجعل نفسك مع إحدى الفئتين ، فالمرء مع من أحب يوم القيامة ، فنظر قاضى الفطرة بين الخصمين بعد أن استمع للمنهجين وقال : إن العقيدة الصحيحة تنتج عن أصحاب الأعمال الصحيحة ، وإن العقيدة الباطلة تنتج عن أصحاب العقيدة الباطلة فمن هم قدوة المختصمين من الصالحين ، فقال الأول :قدوتي وتاج رأسي آدم ونوح وهود ، وصالح وشعيب ولوط والخليل إبراهيم ، وسائر الأنبياء من ذريته وموسى الكليم ، وآل عمران وعيسى بن مريم عليهم أفضل الصلاة والتسليم ، وخاتمهم وآخرهم وأعلمهم بالله ، سيد ولد آدم ، محمد بن عبد الله ، عبد الله ورسوله ، جاءنا بإثبات الصفات إثباتا مفصلا ، لم يأت رسول بمثله أولا وآخرا فصرح دون غموض بإثبات الصفات والأفعال ، صرح بما لم يصرح به نبي قبلَه في وصف رب العزة والجلال ، وذلك لكمال عقول أمته ، وكمال تصديقهم بنبوته ، وحسن اتباعه لرسالته ، فرسول الله هو حامل لواء الإثبات لما نزل من السماء ، وتحت لوائه آدم وإبراهيم وجميع الأنبياء ، وأتباعهم من المقربين والخواص المصطفين ، ثم أصحاب محمد من المهاجرين والأنصار ، وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان ، وجميع التابعين لهم بإحسان ، ممن لا يحصيهم إلا الله ، ثم أتباع التابعين ، ثم أئمة الفقه في الإعصار والأمصار ، منهم الأئمة الأربعة ، ثم أهل الحديث قاطبة ، وأئمة التفسير والزاهدون المقبولون عند الأمة ، ممن لا يحصي عددهم إلا الله ، فهل سمعت أيها القاضي في الأولين والآخرين بمثل أبي بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، والعشرة المشهود لهم بالجنة ، وسائر المهاجرين والأنصار ؟ وهل سمعت بقوم أحسن منهم عقولا ، وأفضل منهم علما ، وأزكى نفوسا وأرق قلوبا ، وأصح أذهانا ؟ فقال قاضى الفطرة السليمة : اللهم لا ، فقال : وهل سمعت أيها القاضي في الأولين والآخرين بقوم معرفتهم أفضل من هؤلاء الذين قال الله فيهم : ﴿ قُلِ الحَمْدُ لِلهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفي ﴾ (النمل:59) .

أيها القاضي : قال غير واحد من السلف عندنا هم أصحاب محمد ، أيها القاضي : قال فيهم عبد الله بن مسعود : ( من كان منكم مستنا ، فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد ، أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم ) .

فهؤلاء أيها القاضي : أمراء عقيدتنا ، وهم في التوحيد أسوتنا ، وأما الجند والعساكر الذين يدافعون عن عقيدتنا فهم التابعون كلهم ، ثم الذين يلونهم ، كمالك والسفيانين والحمادين أعنى سفيان بن عيينة وسفيان الثوري ، وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وكذلك عبد الله بن المبارك ، والليث بن سعد ، والإمام أبو حنيفة النعمان ، والإمام أحمد بن حنبل ، قامع البدعة وناصر السنة ، والإمام الشافعي وعلي بن المديني والإمام البخاري ، والإمام مسلم وأبو داود والترمذي ، وابن ماجة والنسائي والدارمى وغيرهم من عسكر الإيمان وجند الموحدين ما لا يحصيه إلا رب العالمين ، وأمثالهم ، وأما عامتهم أيها القاضي ، فهم أهل والصدق والورع والإخلاص لرب العالمين ، وهم أهل الزهد والعبادة والجماعة من خيرة الموحدين ، هؤلاء هم حزبنا ، ومن كان على دربنا ، كلهم سلموا لكتاب ربنا وسنة نبينا ولم يعارضوا قول ربهم بمعقول أو منقول .

فنظر القاضي بين الخصمين بعد أن استوعى ما ذكره الخصم الأول ، ثم قال للخصم الثاني : إن الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة ، تنتج عن الاعتقادات الصحيحة والباطلة ، فمن هم قدوتكم ومن كان على منهجكم ؟ فسكت ولم يتكلم ، فقال الخصم الآخر قدوتهم رؤوس النفاة المعطلين ، فرعون وأتباعه من الجاحدين ، الذين قال عنه رب العالمين : ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ﴾ (غافر:37) ، فهو رأس المنكرين لكلام رب العالمين ، وكذلك جنوده أجمعين ، ومن كان خصما لموسى الكليم ، والنمرود بن كنعان خصم الخليل إبراهيم ، وأرسطاطاليس وبقراطيس ، وابن سينا والفارابي ، وكل فيلسوف لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه ، وأما عوام حزبهم فهم عوام النصيرية ، والإسماعيلية والدرزية ، والحاكمية والطوسية ، وعلماؤهم السحرة ، وعساكرهم المشركون والقرامطة الذين هم أعظم الأمم إفسادا للدنيا والدين .

فنظر القاضي بين الخصمين وقابل بين الطائفتين ، بين خواص هؤلاء من الرسل والأنبياء وصالح الأولياء ، وخواص هؤلاء ممن أنكروا ما نزل من السماء ، وقدموا العقول والأهواء ، ثم قال قاضى العقل والفطرة : ما كان ولا يكون ولي لله إلا من أهل التوحيد ، وإثبات ما أثبته الله لنفسه في التنزيل ، وما كان ولا يكون ولي للشيطان إلا من أهل النفي والتعطيل ، إما تعطيل الصانع عن صفات كماله ونعوت جلاله ، وإما تعطيل القلب عن توحيده وعبوديته ، ألم تعتبر أيها النافي المعطل ، بإمام النفاة في زمانه ، وما جرى لأهل السنة من جراء عدوانه ، قاضى قضاة المأمون بن هارون أحمد بن أبى دؤاد المعتزلى ، الذي سعى في ضرب الإمام أحمد بن حنبل ، وقتل أحمد بن نصر الخزاعى وصلب جسده مفصولا عن رأسه ، وقتل كثيرا من أهل السنة ، وحبسهم واستباح دماءهم ، وقطع أرزاقهم ، وقهرهم ومنعهم من الجهر بقول ربهم وسنة نبيهم ، ألم تعتبر أيها النافي المعطل من نصير الكفر والشرك ، نصير الدين الطوسي وما جرى للمسلمين من سفك دمائهم ، وقتل خليفتهم وعلمائهم ، إن عوام اليهود والنصارى أقل فسادا في الدين والدنيا من أئمة هؤلاء المعارضين لنصوص الأنبياء والمرسلين ، بعقولهم وشبه الشياطين ، فارجع إن كنت عاقلا إلى كتاب ربك وسنة نبيك ودع عنك الأصول الكلامية والآراء الفلسفية ، هذا حكم قاضى الفطرة بين الخصمين .

الأمر السابع : الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله على كتاب الله وسنة رسوله في باب الأسماء والصفات ، وغير ذلك من الغيبيات ، كما فعل المتكلمون من الأشعرية ، الأمر السابع أن كل من عارض بين الوحي والعقل ، ورد نصوص الكتاب والسنة بالرأي ، الذي يسميه عقلا ، لا بد أن ينقض تلك النصوص المخالفة لعقله ويعاديها ، ويود أنها لم تكن جاءت ، وإذا سمعها وجد لها على قلبه ثقل وكراهة بحسب حاله ، واشمأز لها قلبه ، والله يعلم ذلك من قلوبهم وهم يعلمونه أيضا ، حتى حمل جهما الإنكار والبغض لقوله ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ (طه : 5 ) ، على أن قال لو أمكنني كشطها من المصحف كشطتها ، قال أبو نعيم البلخى وكان قد أدرك جهما : كان للجهم صاحب يكرمه ويقدمه على غيره فإذا هو قد هجره وخاصمه ، فقلت له : لقد كان يكرمك ، فقال : إنه جاء منه ما لايتحمل بينما هو يقرأ سورة طه والمصحف في حجره إذ أتى على هذه الآية : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ قال : لو وجدت السبيل إلى أن أحكها من المصحف لفعلت فاحتملت هذه ، ثم إنه بينما يقرأ آية أخرى إذ قال : ما أظرف محمدا حين قالها ثم بينما هو يقرأ القصص والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسى عليه السلام فدفع المصحف بيديه ، وقال : أي شيء هذا ؟ ذكره هنا فلم يتم ذكره وذكره هنا فلم يتم ذكره .

وبسبب معارضة العقل للنقل حمل ذلك بعض الجهلة من المعتزلة على بغض قوله تعالى : ﴿ وَكَلمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ (النساء: من الآية164) ، فحاول أن يحرف الآية وقرأها بالنصب وكلم الله موسى تكليما أي أن موسى هو الذي كلم الله وخاطبه والله لم يكلمه فقال له أبو عمرو ابن العلاء وهو أحد القرء فكيف تصنع بقوله تعالى : ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ ﴾ (لأعراف:143) ، فبهت المعطل .

ويقول ابن القيم رحمه الله : ( جرى بيني وبين بعض رؤساء هؤلاء مناظرة في مسألة الكلام فقال نحن وسائر الأمة نقول القرآن كلام الله لا ينازع في هذه الإضافة أحد ، ولكن لا يلزم منها أن يكون الله بنفسه متكلما ، ولا أنه يتكلم فمن أين لكم ذلك ؟ فقال له بعض من كان معي من أصحابنا ، قد قال النبي إذا تكلم الله بالوحي وقالت عائشة ولشأني كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ، فرأيت الجهمي قد عبس وبسر ، وكلح وزوى وجهه كالذي شم رائحة كريهة ، أعرض عنها بوجهه أو ذاق طعاما كريها مرا مذاقه ) .

وهذا وصف كل من عارض بعقله كتاب ربه وسن نبيه ، وإذا واجهته بالحق الذي يخالفه وصدمته به فقل من يتبصر منهم عند الصدمة الأولى ، ولهذا قال بعض السلف : ( ما ابتدع أحد بدعة إلا خرجت حلاوة الحديث من قلبه ) وقال بعض رؤساء الجهمية : ( ليس شيء أبغض لقولنا من القرآن فأقروا به ثم أولوه ) ، وقال بشر المرييسى أيضا : ( إذا احتجوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل وإذا احتجوا بالأخبار فادفعوها بالتكذيب ) ، وقال الإمام أحمد : ( قل من نظر في الكلام إلا وفي قلبه غل على الإسلام ) .
وجاء أفضل متأخريهم من الأشعرية وضربوا الوحي بأربعة رماح باطلة أو أربعة أسهم فاسدة :
الأول : أنها أدلة لفظية لا تفيد اليقين .
الثاني : أنها مجازات واستعارات لا حقيقة لها .
الثالث: أن العقل عارضها فيجب تقديمه عليها .
الرابع : أنها أخبار آحاد وهذه المسائل علمية فلا يجوز أن يحتج فيها بالأخبار .

ولهذا تجد كثيرا من هؤلاء الأشعرية لا يحب تبليغ النصوص النبوية في مسائل الأسماء والصفات و لا يحب إظهارها وإشاعتها للعلم والمعرفة ، وقد يشترطون في اجتماعاتهم ومحاضراتهم أن لا يذكر فيها أحاديث الصفات ، وقد كان وكان بعض الأشعرية يهم بالقيام والانصراف من حلقات الشيوخ عند ختمهم صحيح البخاري لأن فيه من توحيد الصفات والرد على الجهمية وإثبات الصفات ، وسمع من بعضهم الطعن في محمد بن إسماعيل البخاري ، وما ذنب البخاري وقد بلغ ما قاله رسول الله ، وقال أحدهم : ( لقد شان البخاري صحيحه بهذا الذي أتى به في آخره ) ، ومن المعلوم أن هذه بغض صريح لما يحبه الله ورسوله من التبليغ عنه حيث يقول : ( ليبلغ الشاهد الغائب ) ، وقال : ( بلغوا عني ولو آية ) وقال : ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) وقد ذم الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزله من البينات والهدى فقال تعالى : ﴿ إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ﴾ (البقرة:159) ، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزل الله ، لأنه يخالف ما تميل إليه أهواؤهم وآراؤهم ، ويعارض ما حكمت به عقولهم .

واعلم عبد الله أن كل من أبغض شيئا من نصوص الوحي ، من نصوص الكتاب والسنة ، ففيه من عداوة الله ورسوله بحسب ذلك ، ومن أحب نصوص الوحي ففيه من ولاية الله ورسوله بحسب ذلك ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( لا يسأل أحدكم عن نفسه غير القرآن ، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ) .

ومن تأمل قوله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً ﴾ (الأنعام:112) وجده منطبقا على هؤلاء أتم الانطباق ، فإنهم يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، والزخرف هو الكلام المزين كما يزين الشيء بالزخرف وهو الذهب ، وهو الغرور لأنه يغر المستمع ، والشبهات المعارضة للوحي هي كلام زخرف يغر المستمع ، ﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾ (الأنعام:113) ، فانظر إلى إصغاء المستجيبين لهؤلاء ، وتمسكهم بمنهجهم ، وثباتهم على مناهجهم في أمور العقيدة ، وكيف أن انتقال الجبال من أماكنها ، أهون من تغيير الأشعرية لمناهجها ، حتى لو اقتنعوا بأن جوهرة التوحيد ، سوف تربي رجالا مسخا في العقيدة والتوحيد ، فاللهم اعصمنا من الزلل واجعلنا متمسكين بخير الملل .

الأمر الثامن : الذي يرد به على من قدم عقله وأصوله على كتاب الله وسنة رسوله في باب الأسماء والصفات ، وغير ذلك من الغيبيات ، كما فعل المتكلمون من الأشعرية ، الأمر الثامن أن يقال لهؤلاء المعارضين بين العقل ونصوص الوحي ، أخبرونا عن خلق الإنسان من تراب ، وعن رجل دعا على قومه أن لا يدع الله منهم على الأرض ديارا ، فأرسل السماء عليهم وأنبع الماء من تحتهم ، حتى علا الماء فوق الجبال علوا عظيما ، ثم ابتلعته الأرض حتى عاد كما كان قديما ، أخبرونا عن رجل دعا على قومه وهم أعظم الناس أجساما ، وأشدهم قوة وعظاما ، فأرسلت عليهم بدعوته رياح عاصفة هشمت عظامهم ، وجعلت تحملهم بين السماء والأرض ثم تدق أعناقهم ، أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن أمة كذبت نبيها ، وسألوه آية وهم وبدعوته جاحدون ، فانفلقت صخرة أمام أعينهم وهم حاضرون ، وخرجت ناقة من أعظم النوق قائمة وهم يشاهدون ، فعقروها وتمادوا في تكذيبهم ، فسمعوا صيحة من السماء قطعت أكبادهم ، ومزقت قلوبهم ، فماتوا موتة رجل واحد .

أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن نار عظيمة كان الطير يمر عليها فيقع مشويا ، ألقي فيها رجل مكتوفا في السلاسل مطويا ، فصارت عليه بردا وسلاما ، وأصبح حطامها روضة وأمانا ، أخبرونا عن رجل ألقى عصا في يده فصارت ثعبانا عظيما ، ابتلع ما بحضرته من حبال كانت سحرا مبينا ، ثم عاد الثعبان عصا كما كان ، وعن يد أدخلها صاحب هذه العصا إلى جيبه ، ثم أخرجها فإذا لها شعاع كشعاع الشمس ، وعن ماء انقلب دما في آنيته ومواضعه ، وعن رمل عظيم ضربه بعصاه ، فتحول إلى قمل هجم على الكفار العصاه ، وعن بحر ضربه بعصاه فانفلق اثني عشر طريقا ، فلما جاوزه وسلكه آخرون ضربه بعصاه ، فالتأم عليهم فلم يفلت منهم إنسان ، أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن جبل قلع من مكانه حتى رفع فوق رؤوس الناس ، وقيل لهم إن تقبلوا ما أمرتم به وإلا أطبقته عليكم ، ثم رد إلى مكانه حتى يومنا هذا .

أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن قوم أمسوا وهم في صور بني آدم ، فأصبحوا وهم في صور القردة والخنازير ، وعن مدن قلعت من أصولها ثم رفعت في الهواء ، ثم قلبت بأهلها وجعل من قلبها عاليها سافلها ، وأتبعت بمطر من الحجارة ، أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن رجل ولد من غير أب ، وامرأة خرجت من غير أم ، وعن رجل يمسح على عين الأعمى ، فإذا هو بصير العينين ، وعن جماعة ينامون في غار مغمضوا العينين ، ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ، لم تأكل الأرض شيئا من لحومهم ، ثم ينتبهون من نومهم ، ولا يشعرون بطول مكثهم ، وعن رجل أدركه الموت هو وحماره فمكثا مائة عام ثم قام الرجل حيا وشاهد عظام حماره وهي تكتسي باللحم فجعل ينظر إلى الدم يجتمع على الدم والعظم يلتحم بالعظم ، واللحم يلتصق باللحم ، والحمار أجزاؤه تلتئم وتنضم ، حتى اكتمل البدن وتم ، ثم قام الحمار حيا يمشى بين يديه ، أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن قتيل قتل بين قومه ، فأمرهم نبيهم أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ، ففعلوا فقام القتيل حيا ناطقا ، وقال فلان قتلني .

أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن نبي كان يأمر جنده أن يبسطوا له بساطا كبيرا ، مربعا مبسوطا طويلا ، ثم يقف عليه مع جنده وأتباعه من الأولياء ، ثم يأمر الريح فيرتفع البساط به بين الأرض والسماء ، فيحمل العسكر في كل يوم على متنه ، مسيرة شهر مقبلة ، ومسيرة شهر مدبرة ، وأنه أمر أن بنقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين ، فانتقل في لمح البصر أمام الجالسين ، ، وصار بين يديه قائما يحير الحاضرين ، أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله عن رسول سأله قومه أن يأتيهم بآية ، فأشار إلى القمر فانشق فلقتين ، وهم يشاهدون ذلك بأعينهم ، ثم عاد فالتأم كما كان ، وقدم المسافرون والركبان فأخبروا الناس بما كان ، وما يزال أثر الشق في القمر حتى الآن ، كما شهد بذلك من نزل عليه من الأمريكان ، وأن الحصى كان يسبح في كفه تسبيحا يسمعه الحاضرون ، وأن الحجر كان يسلم عليه سلاما يسمعه السامعون ، وأن بطنه شقت ، ومضعة قلبه خرجت ، وبماء زمزم غسلت ، ثم بعد ذلك وضعت ، وعاد أمر سليما معافى كما كان ، وكل ذلك وهو حي وعيناه تنظران ، وأن شجرتين دعا بهما فأقبلتا عليه في الأرض تنتقلان ، حتى قامتا بين يديه وهما واقفتان بلا ميلان ، ثم رجعت كل شجرة إلى ذات الموضع والمكان ، وأن ذئبا تكلم مع راعى الغنم بلغة الإنسان ، وأن بقرة تكلمت مع راكبها بالنصح والبيان .

أخبرونا يا من تقدمون عقولكم على كتاب الله هل مخالفة الأدلة العقلية ، التي تسمونها أدلة قطعية ، هل مخالفة الأدلة العقلية ، لما أخبرت به الأنبياء عن الله وكمالاته ، وأسمائه وصفاته ، وأفعاله في مخلوقاته ، أعظم من مخالفتها لخوارق العادات وكثرة المعجزات ، مع أن الحجج العقلية التي على استحالة خوارق العادات أكثر وأقوى من الحجج التي يذكرونها في معارضة النصوص والآيات بل لا نسبة بينهما ، فإذا تعارضت أدلة العقول عندكم بزعمكم مع هذه المعجزات ، ماذا تصنعون ؟ أتقدمون الإيمان بالمعجزات وخوارق العادات ، فتدخلون في زمرة المؤمنين بالله ورسله ، أم تكذبون وتقولون العقل يناقض ذلك ويبطله ، ويشكك في ذلك ولا يصدقه ، وأنتم تعلمون أن معارضة العقل عندكم لخوارق العادات من جنس معارضته لخبر الأنبياء لا فرق بينهما أبدا ، بل الشبهات التي يقيمها أعداء الرسل بعقلولهم على بطلان هذه الآيات والمعجزات أقوى من الشبه التي ذكرها الجهمية والأشعرية على بطلان ما أخبرت به الرسل من الأسماء والصفات ، أو أقوى من الشبه التي ذكرها الجهمية والأشعرية على بطلان علو الله على خلقه ، واستوائه على عرشه ، وكلامه وتكليمه ، وقيام أفعاله ، وإذا كان هذا حالهم في الخوارق التي قد وقعت وشاهدها الناس بأبصارهم ، فكيف حالهم في الإيمان ببشر ينزل من السماء بين ملكين ، واضعا يده على المنكبين ، والناس يرونه عيانا في آخر الزمان ، عيسى بن مريم ابنة عمران ؟ .

وكيف حالهم في الإيمان بأن الشمس تشرق من الغرب ، وأن الدابة تنشق عنها الأرض فتخرج وتكلم الناس وتخاطبهم ، إلى غير ذلك مما يستحيل وقوعه في أدلتهم العقلية ، فمن قدم العقل على الوحي لا يمكنه أن يجزم بصدق شيء من ذلك أبدا .

فالحمد لله أن هدانا للإيمان برسله والحمد لله أن ختمهم بالنبي الأمي ، العربي المكي ، الذي أرسله إلى جميع خلقه من إنس وجان ، من لدن بعثته إلى آخر الزمان ﴿ قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِليْكُمْ جَمِيعاً الذِي لهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لعَلكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ (لأعراف:158) أكتفي بذلك في محاضرة اليوم وإلى لقاء آخر بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العلاقة بين العقل والنقل (5) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:14 AM
العلاقة بين العقل والنقل (3) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:12 AM
العلاقة بين العقل والنقل (2) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:12 AM
العلاقة بين العقل والنقل (1) نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:11 AM
العلاقة بين ما تأكله والحالة النفسية مزون الطيب أخبار منوعة 0 05-02-2012 08:36 PM


الساعة الآن 06:34 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22