صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > المقالات

السياسية الأوروبية تجاه الإسلام

السياسية الأوروبية تجاه الإسلام النموذج الفرنسي Ahmet T. Kuru مترجم للألوكة من اللغة الإنجليزية ترجمه: مصطفى مهدي في غضون أحد الأبحاث التي تتكلم عن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-05-2012 ~ 09:22 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي السياسية الأوروبية تجاه الإسلام
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


السياسية الأوروبية تجاه الإسلام

النموذج الفرنسي

Ahmet T. Kuru

مترجم للألوكة من اللغة الإنجليزية

ترجمه: مصطفى مهدي


في غضون أحد الأبحاث التي تتكلم عن المقارنة بين السِّياسات يُطِلُّ علينا د. أحمد كورو بواحدة من البُحُوث المهمة التي تَنُمُّ عن السياسة الأوروبية تُجاه الإسلام بصفة عامَّة، والسياسة الفرنسية بصفة خاصَّة.

فتحت عنوان "العلاقة بين المسلمين والعلمانية وسياسة الحكومات" يُشير الكاتب إلى أن الإسلام قد انتشر بكثرة في أوروبا، حتَّى وصل عدد المسلمين إلى قرابة الخمسة عشر مليونًا، وأن الشأن الإسلاميَّ أصبحَ من القضايا التي تعتني بها كثيرٌ من الدُّول كواحدٍ من الشؤون الداخليَّة، خصوصًا بعد الحوادث الأخيرة التي شهدتها لندن ومدريد والدانمارك.

فالدول الأوروبية قد أَوْلَت قضيةَ الإسلام اهتمامًا خاصًّا بسنِّ العديد من السياسات، التي تستطيع من خلالها السَّيطرة على المسلمين، إلاَّ أن من أكثر السياسات جدلاً هي تلك السياسية الفرنسية تُجاه المسلمين، المخالفة لكثير من الدول الأوربية الأخرى، فتلك السياسةُ تعتبر من أشدِّ السياسات، والتي كان حظر ارتداء المسلمات للحجاب واحدًا من أثرها.

وقد أظهرت دراسةٌ أُجْرِيَت على اثنتي عَشْرَةَ صحيفةً من كُبرى الصُّحف البريطانيَّة والفَرَنسيَّة: أنَّ الصُّحُفَ الفَرَنسيَّة عرضت في الفترة بين عامي 1989 إلى 1999 عدد: 1174 مقالٍ، بشأن قضية الحجاب مُقارنة ببريطانيا التي لم تشهد صُحُفُها سوى 18 مقالاً فقط.

ويشير الكاتب إلى أنَّ ألمانيا التي تشبه فرنسا في موقفها من المسلمين لم تصدر قانونًا يحظر لبس الحجاب، فضلاً عن أنَّ كثيرًا من دول أوروبا لم تتبنَّ المواقف التعسُّفيَّة الفَرنسية تُجاه التعاليم الإسلامية بالمدراس العامة، فليس هناك إلا ثلاث مدارس إسلامية صغيرة خاصة تم افتتاحها مؤخرًا، إضافةً إلى المواقف المتشددة تُجاه المدارس الممولة من قِبَلِ الدَّولة، إضافةً إلى التعقيدات التي تفرض بشأن بناء المساجد.

ويُشير الكاتبُ في مُقارنة بين السياسات المعتمدة تُجاه المسلمين، ومدى إشباع الحاجات الدينية للمسلمين في كلٍّ من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، قام بها جويل فيتزر joel fetzer وكرستوفر سوبر Christopher sope، والتي أظهرت أنَّ بريطانيا تُمثِّل الأنسب للمسلمين خلافًا لفرنسا، وتوسطت ألمانيا بين الدولتين.

وأشارَ الكاتب إلى أنه قام بعمل مقارنة مماثلة بالتعاوُن مع أحمد يالين ahmet yukleyen شملت فرنسا وألمانيا وهولندا، وكانت النتيجة وقوع المساواة بين هولندا وألمانيا، بخلاف فرنسا التي تميزت سياستها تُجاه المسلمين بالتَّشديد والتضيِيق دون الأُخريَيْن.

ثُمَّ يطرح الكاتب سؤالاً، وهو: ما السبب خلف هذه السياسة الفرنسيَّة التعسفيَّة تُجاه المسلمين؟


ثُمَّ يشير إلى أنَّ هناك اتِّجاهين مُختلفين لإجابة هذا السؤال، فالاتجاه الأَوَّل يُمثله أنتوني جيل Anthony gill، والذي يُرجع هذه السياسات إلى موقف فرنسا من الدين بالجملة، إضافةً إلى أنَّ تلك السياسات مَبنية على رُؤية المسؤولين، التي تهدف إلى الاهتمام بالتعايش السياسي والتنمية الاقتصادية.

ويؤكد الكاتب على أنه من الحقيقي أن بعض السياسيِّين يهتمون بتبنِّي المواقف المتشددة تُجاه المسلمين؛ من أجلِ دَعْمِ سياستهم الخاصَّة، ويثير سؤالاً، وهو أنَّه إذا كان هذا هو موقف السياسيين، فلماذا يتبناه المنتخبون؟

ويُشير إلى أنَّه ليس من الصحيح إرجاع هذه السياسات - مثل خطوة حظر الحجاب - إلى الأمور الاقتصادية؛ لأن الواقع يبين أن هذه الخطوة كانت سببًا في إضاعة الوقت والجهد، وكذلك ليس من الممكن إرجاع هذه السياسات إلى مُحاولة السيطرة على النمو الإسلامي في فرنسا؛ لأنَّ هذا سبب ليس معقولاً بالقدر الكافي، وليس من المقنع إرجاع هذه السياسات أيضًا إلى الخوف من حالة التديُّن، التي يعيشها المجتمع الإسلامي الفرنسي؛ لأنَّ بعض التقارير أظهرت أنَّ أكثر المسلمين يدورون في الفلك العلماني، مثل سائر الفرنسيين، وأن فقط 5% من المسلمين يتردَّدون على المساجد أسبوعيًّا، وكذلك من الصَّعب أن تكون هذه المواقف المتعسفة بسبب الخوف من التأثير السياسي للكتلة الإسلامية الفرنسية؛ لأنَّ المسلمين في فرنسا يُشكلون أضعف الطوائف تأثيرًا على السياسية الفرنسية؛ بسبب قِلَّة التمثيل السياسي في البرلمان، وعدم التمثيل الإسلامي كلية في المجالس النيابية.

وعلى ذلك؛ فإنَّ تفسير هذه السياسات من خلال هذه الرُّؤية ليس بسديد في تبيين سبب بذل فرنسا الأوقات والأموال، وتعريض نفسها لفَقد الثِّقة الدولية - ولو على أقل تقدير في نظر الدول الإسلامية - كي تتبنى هذا الموقف المتعسف عديم الجدوى سياسيًّا واقتصاديًّا.

وأمَّا الاتجاهُ الثاني، فيُرجع هذه السياسات إلى التأثير الذي تُشكِّله الجبهات المعادية لحركة الهجرة، والمعادية للتواجُد الإسلامي في أراضي فرنسا.

ولكن يرى الكاتب أنَّ هذا التفسير ليس بالجيد؛ لتكييف التعسُّفات الفَرنسيَّة تُجاه المسلمين؛ لأنَّ هذه الحركات لها مثيلات في الدول الأوروبية الغربية الأخرى، وبالرغم من ذلك لا تنتهج هذه الدول نفس السياسة الفَرَنسيَّة تُجاه المسلمين، وكذلك فإنَّ فرنسا تتبنى هذا النهج تجاه الفكر الديني بشكل عام، فجميع المظاهر الدينية والرُّموز مَحظورة في المدارس العامَّة، سواء كانت إسلامية أم نصرانية.

وفرنسا دون غيرها من الدُّول الأوروبيَّة العلمانية التي يَحتوي دُستورها على فقرة تنص على أن فرنسا "جمهورية ديمقراطية اشتراكية علمانية"، وهي الفقرة الثانية من الدستور الفرنسي، وبالرَّغم من أن هولندا والنِّمسا تشبهان فرنسا في السياسة العامة، إلاَّ أن الدستور لم يُشِرْ من بعيد ولا قريب إلى هذه التصريحات الفرنسية بالعلمانية، كما أنَّ التعاليمَ الدِّينية تغطِّي كثيرًا من الحياة العامة في هاتين الدولتين.

وإذا ما قارنَّا سياسات فرنسا التعسفية بالعديد من الدول الأوروبية الأخرى، فإنَّ بعضَ الدول لا يُوجد فيها مُؤسسة دينية عامَّة، ولا يُوجد تمويل حُكُومي للمؤسسات الدينية - مثل أيرلندا - إلاَّ أنَّ للدين مكانًا في حياة العامة، ويظهر أثر الكنيسة الكاثوليكية.

ودول أخرى مثل بلجيكا والسويد ولكسمبورج وألمانيا، فإنَّه لا وجودَ فيها للكيان الديني، مع أنَّ الدولة تقوم بإمداد الكنائس بالتمويل اللازم.

وبالنسبة لإسبانيا والبُرتغال وإيطاليا، فإنَّ للكنيسة اتفاقيَّاتٍ مع الحكومة؛ للحُصُول على امتيازات مُتعددة بخلاف دول أخرى كالدانمارك وبريطانيا وفنلندا واليونان، فإن هناك مؤسساتٍ دينيةً قائمة ذات تأثير ودور عام.

فهذه النظرة والإطلالة على الدول الأوربية، والمقارنة بينها وبين موقف فرنسا من الدين عمومًا، والدين الإسلامي خصوصًا - يجعلنا نؤكِّد أنَّ الدستور العلماني ونظام السياسة في فرنسا يُعانيان حَرْبًا في المفاهيم المسيطرة على النِّظام الحكومي، والتوجُّه السياسي في فرنسا، والذي يُمكن تَمثيله في الحرب بين جبهة مُعاداة الدِّين كليةً، وجبهة التأثير الكاثوليكي، اللتين تبرزان في نَموذجين من نماذج العلمانية.

فالأول: العلمانية المحضة المتشددة، الرَّافضة للتعدُّدية التي تُقصي الدِّين من الحياة العامَّة، وتجعلها قاصرًا على الممارسات الفردية، والثَّاني: العلمانية التعدُّدية التي تعطي للدين مساحةً أوسع على الساحة الاجتماعية، كما هو الحال في كثير من الدُّول الأوروبية التي تتبنَّى هذا الفكر الذي يظهر أثره في التعامُل مع النصرانية، وبالطبع قد يظهر أيضًا عند التعامُل مع الإسلام.

ويشير الكاتب إلى ما يُؤيد هذه النَّظرية الأخيرة التي من خلالها يُمكن تفسير السياسات الفرنسيَّة المتعسفة تُجاه المسلمين، فيذكر الحرص على المصالح الفردية والاهتمام بالمعارضة الموجهة تُجاه الهجرة والإسلام، ويشير إلى التحالُف بين عدوين قديمين، صديقين جديدين؛ بسبب الاتفاق في الأرضية المشتركة، التي ترسم ملامحَ تلك السياسية تَحتَ اسم العلمانية؛ حيثُ التحالُف بين اليمين المتطرف المعادي للهجرة واليسار العلماني.

تاريخ الاتجاه العلماني الرافض للتعددية

ثم يُجري الكاتبُ إِثْرَ ذلك تتبعًا تاريخيًّا لنُمُوِّ الاتِّجاه العلماني المحض، وتوليه زمام السيطرة على السياسة الفَرَنسيَّة، الذي تنعكس آثاره على السياسية التعسُّفية تُجاه الإسلام والمسلمين، فيذكر أنَّ فرنسا في العصور الوسطى قد خَضَعَتْ لسيادة الكنيسة الكاثوليكيَّة على المستوى السياسي والاجتماعي، ثم في القرن الثامن عشر - عصر التنوير - بدأ الصِّراع مع الكنيسة في مُختلف البلدان - كاسكتلندا وألمانيا وفرنسا - والذي أدَّى إلى رفض المجتمع السيادةَ الكنسيَّة والقيادة الدينية للحياة العامة؛ مما أدَّى إلى تحالُف بين أصحاب الفكر الجمهوري والفكر الرافض لسيادة رجال الدين للدولة.

وعلى إثر الثورة الفرنسية 1789حَدَثَ نوعٌ من سيطرة مُعاديي الكنيسة على الحياة العامة، فحملوا حملة شديدة تجاه القساوسة والمؤسسات الدينية، وبدأت الدعوة إلى العلمانية تتخذ صدى أوسع على مدى ثلاثِ ولايات جمهورية متتابعة، وكانت الجمهورية الثالثة 1870 بيئةً خَصبة لتمكين العلمانيين من التَّفوق والسيادة على حساب الفكر الكاثوليكي.

وظهر استخدامُ مصطلح العلمانية بصورة أوسع للتعبير عن سياسية رَفْضِ الهيمنة الكنسية على المجتمع، وعلى الطرف الآخر لم يرتضِ المحافظون هذا الاتِّجاهَ؛ مِمَّا جعل الواقع يشهد صراعًا وحربًا بين رغبتي الاتِّجاهين في دولتين مختلفتين، كلٌّ منهما هي فرنسا.

وكان التعليم هو ساحةَ المعركة بين هذين الاتِّجاهين؛ لأنَّ كلاًّ منهما أراد التأثير على عقول الأجيال القادمة، وضمها إلى معسكره؛ ولكن الرغبة في العلمانية الجمهورية كانت أقوى من الاتِّجاه الكاثوليكي المحافظ غير المنظم، والذي شَهِدَ الهزيمة السياسية والاجتماعيَّة التي أجهزت عليه عندما تم علمنة القوانين عام 1900.

وبالرَّغم من أن المجلس الفرنسي للكردينالات والقساوسة قد أعلن خُطُورة العلمانية عام 1925، إلاَّ أنَّ الاتِّجاه العلماني المحض هو الذي قد طغى على الفكر والسياسة الفرنسية في ظل تلك الحرب، بين نظام علماني لا ديني، ونظام ديني لا علماني.

وأمَّا بالنسبة للدول الأخرى، فلم يكُن الصراع فيها على نحوه في فرنسا، فلم يكُن هناك صراعٌ بين العلمانية والدِّين، ورغبة في سيطرة أحد الاتِّجاهين على الآخر في بريطانيا، وكذلك لم يكُن الصِّراع الألماني سوى صراع طائفي بين البروتوستانت والكاثوليك، لا بين الدين والعلمانية، وأمَّا بالنسبة لهولندا، فكان الصِّراع بين عديد من القُوى التي أفرزت نظامَ دولة دينيًّا متعددًا.

العلمانيون والكاثوليك

ظلَّت المعركة مُستمرة بين الاتِّجاهين إلى نهاية الحرب العالمية الثَّانية، وعلى إثر الغَزْو الألماني عام 1940، وقيام حكومة فيتشي vichy regime، التي سعت إلى إقامة دولة كاثوليكيَّة على رفات الشيوعيَّة والتحرريَّة واليهود في فرنسا، ولكن لم يكتب لها البقاء على إثر انهيار ذلك النظام، الذي أدَّى إلى فُقدان الثقة بالكنيسة الكاثوليكية، واستحالة قيام دولة كاثوليكية مرة أخرى.

وفي عام 1945 قامت هيئة الأسقفة بالإعلان عن قَبُول العلمانية في ظل دولة دينية، تحت شعار الحرية، مع رَفْضِها للعلمانية كاتِّجاه مُعادٍ للدين، وكذلك شكَّل المحافظون خطَّ المساندة لهذا الطرح ضد العلمانية والجمهورية.

وكان التعليم أيضًا في هذه المرحلة إبَّان إعلان العلمانية كأحد الأصول الدستورية عام 1964، كان التعليمُ ساحة معارك بين العلمانيين والمحافظين؛ بسبب سياسة الدولة تجاه المدارس الكاثوليكية وتمويلها، ولكن آل الأمر بالعلمانيين إلى المطالبة بإلغاء التعليم الديني؛ حيث قام آلان سافاري alain savary وزير التعليم والمنتمي للحزب الاشتراكي، بعرض مشروع لتوحيد التعليم، وتنحية المدارس الكاثوليكية عام 1984، الذي قُبل بالرَّفض على إثر المظاهرات العامة الشعبية الرافضة لهذا المشروع، والتي تُمثل وجهة النظر المحافظة.

وفي عام 1994 قام فرانسوا بايرو francois bayrou وزير التعليم المحافظ بتقديم مشروع يهدف إلى زيادة دعم المدارس الخاصة، والذي رُفض على إثر المظاهرات والاحتجاجات التي قام بها العلمانيون.

وقد أظهرت الإحصائيَّات أن 20% من التلاميذ الفرنسيين يُحافظون على حضور دروس المدارس الخاصة، التي تشكل المدارس الكاثوليكية منها 95%، وهذه الظاهرة التي تظهر في ظل العلمانية الفرنسية يُفسرها تأثير الاتجاه المحافظ، إضافةً إلى أن الحكومة تقوم بمراقبة هذه المدارس، كما أنَّ الجماهير تقبل عليها؛ لجودة مستواها التعليمي.

الصِّراع بين العلمانية المحضة والعلمانية التعدُّدية

أمَّا التواجد الإسلامي الملحوظ منذ الثمانينيَّات، فقد أدَّى إلى إثارة ذلك الصِّراع بين الدولة والدين، وكذلك أدَّى إلى انقسام التيار العلماني في ذاته إلى تيار لا يتقبل التعدُّدية الثقافية والدينية في المجتمع الفرنسي، ولا يرى سوى العلمانية منهجًا، وإلى تيار مضاد يرى أنَّه من الممكن أن تتعايش العلمانية جنبًا إلى جنب مع الاتِّجاهات الأخرى المخالفة تحت اسم التعددية.

واحتدم الصِّراع بين الاتجاهين إِثْرَ تأسيس الاتِّحاد التعليمي عام 1984، الذي من شأنه دَعْم التعددية الثقافية بجانب العلمانية والحفاظ عليهما، وكان سببًا في أن تشعر العلمانيةُ رافضةُ التعدديةِ بالتهديد وخُطُورة آثاره.

وحريٌّ بنا أن نشيرَ هنا إلى أنَّ العلمانية المحضة تُدرك أنَّ لها الكثيرَ من الأعداء، المتمثِّلين في الكنيسة والمسلمين المحافظين، ولها أصدقاء، مُتمثلون في الماسونيَّة، وخصوصًا الماسونيَّة الفَرَنسية، إضافةً إلى مؤسسة المفكرين الأحرار، والذين يشكلون إحدى المنظمات الإلحادية، وكذلك ريجيه ديبري regis debtay أحد المفكرين الاشتراكيين النُّشطاء، وكذلك فيلسوف العلمانية هنري بينا رويز henri pena - ruiz، واللَّذان يَرَيان أنَّ العلمانية تحتاج إلى بيئة خالية تمامًا من الرُّموز والمناهج الدينية.

وبالنسبة للعلمانية التعدُّدية، فترى أنَّ فرنسا يَجب عليها أنْ تتخلص من الوُقُوع تحت تأثير الأطلال الذي يشكله التاريخ الكنسي السابق، وتنطلق من نقطة البداية تجاه المرونة، والديمقراطية، وتقبُّل الآخر، وهذا الاتجاه ينعم بالتَّوافُق وتأييد الكنيسة الكاثوليكية، وكثير من المؤسسات الإسلامية في فرنسا، وكذلك بعض المفكرين الاجتماعيِّين من أساتذة الجامعات يرون أنَّ العلمانية الفَرنسيَّة تَحتاج لمعالجات، وأن تنتقل من كونها قد اتَّخذت شكلَ المِلَّة والاعتقاد إلى فكرة تقبل التعدُّدية، سواء الدينية والعرقية، وتحتضن المناهج المخالفة؛ لأنَّ هذه هي حقيقة العلمانية.

العلمانية والسياسات التعسفية تجاه الأقلية المسلمة

ولكن في الآونة الأخيرة انتقلت المعركة بين التيَّاريين الممثلين للعلمانية إلى ساحة سياسة الدولة تجاه الأقلية الإسلامية، وخصوصًا قضية الحجاب التي تُمثل واحدة من القضايا السياسية الكبرى.

ويَجدر بنا الإشارة إلى نبذة عن موقف فرنسا من المسلمين، فإنَّ الاحتلالَ الفرنسي قد سيطر على عددٍ من الدُّول الإسلاميَّة، وأنَّ النُّمو الإسلامي في فرنسا قد تزامن مع تخلص الدول من آثار هذا الاحتلال.

وقامت فرنسا في الفترة من 1922 إلى 1926 ببناء مسجد في باريس؛ ليتمكن الجنود المشاركون في القوات الفرنسية - أثناء الحرب العالمية الأولى - المسلمون من الصلاة، ولم يكُن هناك سوى هذا المسجد، ولكن مع ازدياد النُّمو الإسلامي في فترة السبعينيَّات قام المسلمون ببناء خمسة مساجد أخرى، واستَمَرَّ النُّمو الإسلامي إلى أنْ وَصَلَ عدد المساجد الإسلامية إلى 1685 مسجدًا، مع بلوغ المسلمين قرابة خمسة الملايين مُسلم.

وأصبح التواجُد الإسلامي - بشتَّى صوره التي تشملُ المتدينين وغيرهم - يُحتِّم ضرورة إعاقة ظهور الإسلام كدين عن الحياة الاجتماعية العامة - كما يرى ذلك أوليفر رويoliver roy - بينما ترى الرُّموز الإسلامية - أمثال صهيب بن شيخ مفتي مارسيليا، ودليل بوبكر إمام مسجد باريس - أنَّه من الأسلم انتهاج المناهج التوافقيَّة التي تُحاول مُسايرة السياسة العامَّة؛ من أجل الحفاظ على التواجُد الإسلامي، وحظر التعرُّض للنظام العلماني المحض بالنقض.

والناظر في أحوال المسلمين يَجد أنَّ للمسلمين في فرنسا منظماتٍ مُتعددةً، والتي حاولت الحكومة الفرنسية أن تجعلَها تحت مظلة واحدة؛ لذلك قام نيكولا ساركوزي Nicola sarkozy وزير الداخليَّة في ذلك الوقت بتأسيس المجلس الإسلامي الفرنسي في ديسمبر 2002.

ولكن سرعان ما أدركت الحكومة الفرنسيَّة نشاطَ المجلس الكثيف، الذي شمل العديد من الأمور الإسلاميَّة، مثل: بناء المساجد، وتدريب الدُّعاة، وتنظيم لقاءات بين الدُّعاة والقيام بتنظيم رحالات الحج والعُمرة، وذَبح الأضاحي في عيد الأضحى، وإصدار الشهادات، التي تؤكد موافقة الأطعمة للشريعة الإسلامية؛ مما دفع دومينيك فيليبان Dominique villepin الذي خَلَفَ ساركوزي إلى تأسيس إدارة لتنظيم عمليَّة تمويل المساجد، وتدريب الأئمَّة على إثر التصريح بأنَّ 75% من الأئمة غير فرنسيين، والبالغ عددهم 1200 إمام، وأنَّ 33% منهم لا يتكلمون الفرنسيَّة، وكثير منهم يَتِمُّ توجيه المساعدات إليهم من الجهات الخارجية.

والذي دفع فيليبان وساركوزي إلى هذه السياسية الرَّغبة في السيطرة على النُّمو الإسلامي، وإيجاد ما أسماه ساركوزي بالإسلام الفرنسي، لا الإسلام في فرنسا.

معركة حظر الحجاب

عندما ظهرت أزمة الحجاب في أكتوبر 1989 كان ليونال جوسبان lionel jospin في هذه الفترة هو وزير التعليم، وحاول إرشاد المدارس إلى انتهاج سياسة المناقشة والحوار، بدلاً من فصل الطُّلاب، تلك المبادرة التي رَفَضَها خمسون من مُمثِّلي الحزب الاشتراكي الذي يرأسه جوسبان، وطَالَبُوا بحظر عام للحجاب.

ورَغبة العلمانيين في حظر الحجاب قد يكون مرجعها إلى سببين:
الأول: الخلفية الجمهورية التي لا يوافقها الحجاب، الذي يمثل من وجهة نظرهم دعمًا للانقسام الاجتماعي، وإيجاد أقليَّة مخالفة للنظام العام للدولة.

وأما السبب الثاني:
ما يتعلق بقضية تحرُّر المرأة، وهو أنَّهم يرون أن الحجاب رمزٌ للاضطهاد، وعدم المساواة، فهذه النَّظرة إلى الحفاظ على تحرُّر المرأة دفعت إلى مساندة الاتِّجاه العلماني المتشدد، الذي عمل على تخلية المؤسسات الرَّسمية من الحجاب، بل وصل الأمر إلى إمكانيَّة العمل على منعه من الحياة العامة مطلقًا.

وبلغ العداء للحجاب القمة في الرِّسالة التي وجهها إلى جوسبان خمسة من كبار المفكريين الفرنسيين في أكتوبر عام 1989، والذي احتوى على نسبة جوسبان إلى مساندة اليمين، والعمل على إيجاد كيان مُتعدد مُخالف للعلمانية المحضة، الرافضة لأي مظهر من مظاهر التعددية، خصوصًا الرموزَ الدينية، والحجاب الذي يرمز - من وجهة نظر العلمانيين - إلى خضوع المرأة واستسلامها.

وفي نوفمبر من العام نفسه وقعت مُطالبة بكفالة الحرِّية الدِّينية الفردية، والتي لا تتعارض مع العلمانية المؤسسيَّة، وكذلك الإشارة إلى أنَّ الحجاب والرُّموز الدينية لا تُؤثر على العمليَّة التعليمية، وقام الكثيرُ من أولياء الأُمُور برفع القضايا؛ للحصول على حُكم قضائي يُمكنهم من ارتداء بناتهن الحجاب، وهذا الذي أزعج الماسونيَّة الفرنسية، ومَن في صفِّها من الهيئات الأخرى المؤيدة للحظر التام للحجاب؛ مما أدَّى إلى حالة احتدام عارمة بين المؤيدين لرفض مشروع حظر الحجاب من الإسلاميِّين وغيرهم، والمعارضين من العلمانيين المتشددين والماسونية؛ مِمَّا أفرز تحالفًا عجيبًا غير مُتوقع بين اليمين (التيار الديني)، واليسار (التيار اللاَّديني)، على إثر اتِّفاقهم في القلق من المدِّ الإسلامي، وعملية الهجرة، فنَتَجَ عن ذلك حالة من الاتِّحاد بين الإخوة الأعداء؛ لمواجهة الوَافد غير المرغوب فيه؛ مِمَّا أدَّى إلى وقوفهم صفًّا واحدًا؛ لتأييد حظر الحجاب على أنَّه مظهر إسلامي، وهذا هو الهدف والقدر المشترك الذي جمع الطرفين المختلفين.

وعلى خلفية ذلك، أصدر فرانسوا بيرو - المنتمي للاتِّحاد الديمقراطي الفرنسي اليميني الكاثوليكي - أمره بالمنع من ارتداء الحجاب في المدارس عام 1994، ولكن في يوليو 1995 ألغى مجلسُ الدولة هذه الأوامرَ، والذي لاقى التأييد من الكنيسة الكاثوليكية.

وظهر جليًّا التصارُع بين قُوَّتين: الأولى تُمثل تأييد حظر الحجاب وتعارض الكنيسة، والأخرى ترفض حظر الحجاب، وتؤيد الكنيسة، مع الخلفيَّة المشتركة تُجاه الإسلام وحروب أوروبا مع المسلمين على مرِّ التاريخ، والقلق من المد الإسلامي.

ومن الجدير بالذِّكر أن جاك شيراك - الرئيس الفرنسي المنتمي ليمين الوسط - قد تغيَّر موقفُه من قضية الحجاب على إثر انتخابه لرئاسة فرنسا، وشكَّل لجنة لبحث القضية، والتي كان أعضاؤها العشرون من العلمانيين المتشددين الرَّافضين للتعددية، والتي قدمت مشروعَ قرار في ديسمبر 2003 يَمنع الرُّموز الدينية بين التلاميذ، إضافةً إلى إقرار العُطلات الدينية المتمثلة في ضمان عُطلة واحدة رسمية للمسلمين، ومثلها لليهود، وإحدى عشرة عطلة للنَّصارى؛ ولكن المرجعيات التشريعية والتنفيذية الفرنسية أهملت هذه الاقتراحات، وتبنت حظر الرموز الدينية ومنها الحجاب.

وبمجرد أنْ تَسَلَّم شيراك التقرير قامَ بالإدلاء بتصريحٍ عام، بيَّن فيه أنَّ الحجاب رمز للانقسام الاجتماعي، وكان على إثر ذلك اللجنة التي شكلها جان لوي ديبريه JEAN - LOUIS DEBRE رئيس المجلس القومي الفَرنسي، والذي جَعَل من الحجاب رمزًا للضغوط الأسرية والاجتماعية، في حالة من تجاهُل الصوت الإسلامي، وما كان من اللجنة التي شكلها ديبريه إلى المطالبة بقانون يحظر الرموز الدينية.

وظهر العديدُ من الأصوات الرَّافضة لهذا المنهج العدائي التعسُّفي، وبيَّن أن الحجاب ليس رمزًا للأصولية الإسلامية؛ بل كثير من المسلمات يندمِجْنَ في المجتمع الفرنسي، ويُشاركن في الأنشطة المتعددة، إضافةً إلى أنَّ الحجاب فرض ديني، ولا دَخْلَ للمجتمع أو الأسرة في شأنه، وظلت هذه المعركة إلى أن وافق البرلمان الفرنسي بالأغلبية عام 2004 على مشروعي لجنتي ستاسي وديبريه، وأصدرت قانونًا يَمنع التلاميذ من إظهار الرُّموز الدينيَّة في المدارس العامَّة.

وترتَّب على ذلك القانون أنَّه تم فصل عددٍ من التلميذات؛ بسبب ارتداء الحجاب، بينما اتَّجه عددٌ آخر إلى المدارس الكاثوليكيَّة الخاصَّة، أو الدِّراسة في المنازل، أو الانتقال إلى بلد آخر، أو ترك التعليم كلية.

والخلاصة: أنَّ معركة الحجاب التي جمعت بين اليسار العلماني بمجموعتيه: المحضة المتشددة والتعددية، وبين اليمين المتطرف المعادي للإسلام والهجرة - أكدت على أن هذا التحالُف بين الأعداء ضِدَّ عدو واحد مُشترك هو القادر على تشكيل سياسة فرنسا العامة تجاه المسلمين مستقبلاً.

النص الأصلي:
Secularism, State Policies, and Muslims in Europe
Islam has increasingly become an internal affair in several western European countries, where the Muslim population has grown to ten to fifteen million. In recent years, the European public has intensely discussed Muslims and Islam on several occasions, from terrorist attacks in London and Madrid to the debates on Danish cartoons. In short, there is today a “Muslim question” in the minds of many European politicians when it comes to the issues of immigration, integration, and security. European states have pursued diverse policies to regulate their Muslim populations. The most controversial of these policies is France’s recent ban on wearing Muslim headscarves in public schools, which has been discussed in France and abroad since 1989. Other European countries, however, have taken Muslim students’ headscarves as a part of their individual freedom and have not prohibited them.


More:
http://www.euro-islam.info/2008/10/0...state-policies and-muslims-in-europe-analyzing-french-exceptionalism/






رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Translations/0...#ixzz1v1ThifpP
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
قديم 17-05-2012 ~ 03:14 PM
جمال الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 2
 
مراقب عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012
الدولة : أرض الكنانة


بالتأكيد أن فرنسا ( أو الحكومة الفرنسية الراحلة إن تحرينا الدقة )
كانت من أكثر الحكومات الأوروبية تعسفا ضد المسلمين و حقوقهم

و إن شئنا الدقة أكثر فهذا التعسف جاء بأثر عكسي على سياستها ككل
فالاهتمام بتضييق الخناق على المسلمين ( المواطنين )
جعل تلكم الحكومات تهمل ما هو أهم لشعبها اقتصاديا و أمنيا

حتى جاءت الانتخابات الأخيرة لتسقط ساركوزي
في ضربة هي الأقسى في تاريخ حزبه

(( و الله متم نوره و لو كره الكافرون ))

شكرا جزيلا لأختنا محبة مريم على نقل الخبر

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مسلمو أوروبا والمشاركة السياسية .. ملامح الواقع وخيارات التطوير نور الإسلام الإسلام في أوروبا 0 09-11-2013 10:07 AM
و. بوست تفضح عقيدة أوباما تجاه أزمة سوريا مزون الطيب أخبار منوعة 0 13-02-2013 04:26 PM
أسماء الأسد مهددة بالسجن لانتهاكها العقوبات الأوروبية على زوجها مزون الطيب أخبار منوعة 0 17-03-2012 05:50 PM
منظمة أوروبية تعترض على العنصرية تجاه المسلمين في سويسرا نور الإسلام الإسلام في أوروبا 0 15-02-2012 12:18 PM
لحسبة السياسية والفكرية نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 11-01-2012 11:43 AM


الساعة الآن 10:43 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22