صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

الرد على شبهة فتور الوحى

الرد على شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي" ... روى البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها قالت : "أول ما بدئ به رسول الله صلى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-01-2012 ~ 05:34 PM
مزون الطيب غير متواجد حالياً
افتراضي الرد على شبهة فتور الوحى
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية مزون الطيب
 
الله اكبر
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الرد على شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي"

... روى البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها قالت : "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة فى النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالى ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة(1) فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو فى غار حراء، فجاءه الملك،، فقال : اقرأ. قال : ما أنا بقارئ. قال : فأخذنى فغطنى(2) حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال : اقرأ. قلت : ما أنا بقارئ. فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة، ثم أرسلنى فقال : { اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم } (الآيات 1 - 3 العلق) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال : زملونى زملونى فزملوه(3) حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسى. فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله
أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل(4) وتكسب المعدوم(5) وتقرى الضيف، وتعين على نوائب(6) الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى – ابن عم خديجة – وكان امرءاً تنصر فى الجاهلية، فيكتب بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمى(7) فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة : يا ابن أخى، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة : هذا الناموس الذى نزل الله على موسى، يا ليتنى فيها جذعاً(8) ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجى هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك، أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفى، وفتر الوحي"(9)





وفى هذا الحديث الموصول زيادة فى آخره رواها الإمام عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى بلاغاً قال : "وفتر الوحي فترة حتى حزن النبى صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً، كى يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل، لكى يلقى منه نفسه، تبدى له جبريل فقال : يا محمد، إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له : مثل ذلك"(10).
... بهذه الرواية وزيادتها، طعن أعداء السنة والسيرة العطرة قديماً وحديثاً فى المحدثين زاعمين أن فى هذه الرواية طعن فى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصمته. فقديماً قالوا : "كيف يجوز للنبى أن يرتاب فى نبوته حتى يرجع إلى ورقة، ويشكوا لخديجة ما يخشاه، وحتى يوفى بذروة جبل ليلقى منها نفسه على ما جاء فى رواية معمر؟"(11).

... وحديثاً : لم يخرج أعداء السنة والسيرة عن طعون أسلافهم قديماً. إذ يقول : عبد الحسين شرف الدين الموسوى(12) "تراه – يعنى حديث بدء الوحي – نصاً فى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان – والعياذ بالله – مرتاباً فى نبوته بعد تمامها، وفى المَلَكْ بعد مجيئه إليه، وفى القرآن بعد نزوله عليه، وأنه كان من الخوف على نفسه فى حاجة إلى زوجته تشجعه، وإلى ورقة الأعمى الجاهلى…"(13).
... ويقول جعفر مرتضى العاملى(14) "كيف يجوز إرسال نبى يجهل نبوة نفسه، ويحتاج فى تحقيقها إلى الاستعانة بامرأة، أو نصرانى؟ ألم تكن هى فضلاً عن ذلك النصرانى أجدر بمقام النبوة من ذلك الخائف المرعوب الشاك؟ ثم كيف يتناسب ذلك مع كونه أراد أن يلقى نفسه من شواهق الجبال"(15).
... ويجاب عن الشبهات السابقة بما يلى :


أولاً : الحديث الذى طعنوا فيه - بدون الزيادة - صحيح سنداً ومتناً، وفى أعلى درجات الصحة، باتفاق البخارى ومسلم وغيرهما على إخراجه من رواية عائشة رضى الله عنها، ولا يقدح فى سند الحديث، وصحة متنه، أن عائشة رضى الله عنها لم تدرك القصة، لما يلى :
أ- لأن مرسل الصحابى حكمه على المذهب الصحيح، الوصل المقتضى للاحتجاج به(16).
ب- السيدة عائشة رضى الله عنها لم تنفرد برواية حديث بدء الوحي، فللحديث شاهد من حديث جابر بن جابر عبد الله رضى الله عنه، وهو أيضاً لم يشهد هذه القصة، ولكنه فى روايته يصرح بالتحديث عن بدء الوحي وفترته سماعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم(17) مما يؤكد صحة مرسل عائشة، حيث لا يبعد سماعها تلك القصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعها منه صلى الله عليه وسلم، وهو يحدث بها، كما سمعها جابر وصرح بذلك. ومما يؤكد صحة سماعها رضى الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث بحثنا، ما ورد فى الحديث من قوله (فغطنى حتى بلغ منى الجهد) فهنا فى الكلام التفات، حيث انتقل الكلام من حكاية عائشة، إلى حكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن نفسه، مما يؤيد صحة إرسالها، وأنه موصول من أوله إلى آخره.
ثانياً : الزيادة الواردة فى سند حديث عائشة رضى الله عنها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً منها، ولا فعلها، فهى لا تصح سنداً ولا متناً لما يلى :
أ- فأما الدليل على عدم صحة هذه الرواية سنداً فهو ما ورد فى الرواية ذاتها إذ فيها "حزن النبى صلى الله عليه وسلم، فيما بلغنا…" والقائل "فيما بلغنا" هو الإمام الزهرى(18) وهو أعلم الحفاظ، ولكن لا يقبل ما رواه من غير سند! فعن يحيى بن سعيد القطان(19) قال : مرسل الزهرى شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمى سمى! وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه(20) وهذه الزيادة من هذه القبيل، حيث أنها منقطعة قد رواها الزهرى بلاغاً، وهو من صغار التابعين، وجل روايته عن كبار التابعين، وأقلها عن صغار الصحابة(21) فكيف بالكبار منهم، لاسيما من شهدوا بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(22)

وعلى ذلك فلا سند يعتمد عليه، ولعل الإمام البخارى وغيره ممن أخرج هذه الزيادة أرادوا بذلك التنبيه إلى مخالفتها لما صح من حديث بدء الوحي الذى لم تذكر فيه هذه الزيادة، وخصوصاً أن البخارى لم يذكر هذه الزيادة فى بدء الوحي، ولا التفسير، وإنما ذكرها فى التعبير على ما سبق فى التخريج.
... ويؤيد ما سبق، أن الأئمة الحفاظ يذكرون عقب هذه الزيادة حديث جابر الصحيح فى فترة الوحي إلى الزهرى بنفس السند الذى يروونه عنه فى حديث عائشة الأول، ويفهم من صنيعهم ذلك: أن الزهرى نفسه كان يحدث بحديث جابر عقب حديث عائشة.
... ففى مصنف الإمام عبد الرزاق بعد فراغه من حديث عائشة : قال معمر، قال الزهرى، فأخبرنى – حرف الفاء هذا يفيد العطف على رواية سابقة، والتعقيب بأخرى لاحقة، وذلك فى مجلس واحد - أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال فى حديثه : "بينما أنا أمشى سمعت صوتاً من السماء، فرفعت رأسى، فإذا الذى جاءنى بحراء جالساً على كرسى بين السماء والأرض، فجُئِثْتُ(23) منه رعباً، ثم رجعت، فقلت : زملونى، زملونى، ودثرونى، فأنزل الله تعالى : { يا أيها المدثر } إلى { والرجز فاهجر } (24).

... وكذلك الإمام البخارى ذكر حديث عائشة المتقدم فى بدء الوحي عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها إلى قولها : ثم لم ينشب ورقة أن توفى، وفتر الوحي، ثم قال عقبة : قال ابن شهاب : وأخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصارى قال… فذكر الحديث بنحو رواية عبد الرزاق، غير أنه زاد فى آخره : "فحمى الوحي وتتابع"(25).
... قال الحافظ ابن حجر : قوله : (قال ابن شهاب : وأخبرنى أبو سلمة) إنما أتى بحرق العطف، ليعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال : أخبرنى عروة بكذا، وأخبرنى أبو سلمة بكذا، وأخطأ من زعم أن هذا معلق، وإن كانت صورته صورة التعليق، ولو لم يكن فى ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة، فإنها دالة على تقديم شئ عطفته – وهو حديث عائشة المتقدم – ثم قال ابن شهاب – أى بالسند المذكور – وأخبرنى أبو سلمة بخبر آخر، وهو حديث جابر عن فترة الوحي)(26).
... وكذلك فعل الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده، مع أنه قد جمع فى مسنده مرويات كل صحابى على حده، دون الالتزام بالوحدة الموضوعية للأحاديث، لكنه لما روى حديث عائشة المتقدم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى، قال : فذكر حديثاً(27) لعله يشير إلى حديث جابر الذى أخرجه قبل ذلك فى المسند(28).

... وكذلك صنعا مسلم، وابن حبان فى صحيحيهما عقب إخراجهما لحديث عائشة رضى الله عنها(29) فدل هذا كله، على أن ابن شهاب الزهرى كان يحدث بالحديثين معاً، كما روى عنه غير واحد مما سبق بيانه، وأن الصواب فى رواية حديث عائشة بدون تلك الزيادة، كما أخرجه مسلم، والبخارى فى بعض مواضعه، وغيرهما(30).
ب- أما الدليل على عدم صحة هذه الزيادة متناً فهو ما يلى :

معارضتها لأصل من أصول الإسلام، وهو عصمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بمعنى : حفظ الله ظواهرهم وبواطنهم، وتفكيرهم وخواطرهم، وسائراً أعمالهم، حفظاً كاملاً، فلا يقع منهم قط ما يشكك فى نبوتهم ورسالاتهم، وهذا البلاغ المعمرى أو الزهرى، لم يبق لعصمة النبى صلى الله عليه وسلم مكاناً فى مدة الحزن اليائس التى تقول أقصوصة هذا البلاغ إنه صلى الله عليه وسلم مكثها وهو يغدو مراراً كى يتردى من شواهق الجبال، ولاسيما على مذهب من يرى أن مدة فترة الوحي – وهى مدة الحزن اليائس – قد طالت إلى ثلاث سنوات، أو سنتين ونصف سنة، أو ستة أشهر، وفى هذا البلاغ الضعيف تصريح بأن صاحبه يذهب مذهب من يرى طول مدة فترة الوحي(31) لأن ما ذكر فيه من الغدو مراراً لكى يلقى بنفسه من ذرا الشواهق يقتضى طول المدة، ولاسيما مع تمثل جبريل له وقوله : أنا جبريل، وأنت رسول الله حقاً، أكثر من مرة.

يتعارض هذا البلاغ مع ما يجب أن يكون عليه النبى صلى الله عليه وسلم من رسوخ الإيمان بنبوته، وكمال اليقين برسالته، ولا شك أن ما جاء فى هذا البلاغ، من تبدى جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى منها نفسه، وقوله له : يا محمد : أنت رسول الله حقاً، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام، فقال مثل ذلك – يصور مدى ما بلغه ذلك الحزن اليائس – فى زعم قائليه – من نفس النبى صلى الله عليه وسلم حتى جعله يتشكك فى تبدى جبريل له، وفى إخباره أنه رسول الله حقاً، فالنبى صلى الله عليه وسلم - كما تصرح به عبارة هذا البلاغ – لم يكد يسكن جأشه لتبدى جبريل له وإخباره أنه رسول الله حقاً حتى يعود إلى عزيمته فى إلقاء نفسه من ذرا شواهق الجبال، فيتبدى له جبريل مرة أخرى، ويقول له : يا محمد، أنت رسول الله حقاً.
فأين سكون جأشه الذى أحدثه فى نفسه تبدى جبريل له، وإخباره أنه رسول الله حقاً؟.
وأين رسوخ إيمانه برسالة ربه التى شرفه بها قبل فترة الوحي، وأنزل عليه فى أول مراتب وحيها فى غار حراء قرآناً يتلى، حتى يعود عن عزيمته لإلقاء نفسه من ذرا شواهق الجبال إذا طالت عليه فترة الوحي؟!.
إن ما تضمنه هذا البلاغ الضعيف يشمل أمرين :
أحدهما : ظاهر محسوس، يمكن مشاهدته، والحكم بوجوده أو عدم وجوده بمقتضى إمكان مشاهدته حساً.
ثانيهما : باطن محجوب فى داخل النفس، لا يمكن معرفته إلا بإخبار صاحبه الذى دار فى نفسه، أو إخبار من أظهرهم عليه بنقل ثابت عنه. فذهاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى أعالى الجبال وشواهقها التى ألف الصعود إليها فى أزمان خلواته وتطلعاته للتفكر فى عجائب آيات الله الكونية، وبدائع ملكوته، أمر محسوس، يمكن الحكم عليه برؤيته ومشاهدته، ولا حرج فى أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم قد حزن فى فترة الوحي اشتياقاً لأنوار الشهود الروحانى الأعلى الذى كان يغمره فى أوقات نزول الوحي، ونزول آيات القرآن المبين، حزناً كان يغدو منه إلى ذرا الجبال التى كانت مأنس روحه، تطلعاً إلى آفاق أشواقه لشهود تجليات أمين الوحي جبريل عليه السلام الذى سبق له أن تجلى فى آفاقها بصورته الملائكية الروحانية العالية.
... وكون هذا الذهاب إلى ذرا شواهق الجبال لقصد التردى منها ليقتل نفسه – كما هو نص عبارة البلاغ الضعيف – أمر باطن محجوب بأستار الضمير فى حنايا النفس، لا يعلمه، ولا يطلع عليه إلا الله علام الغيوب، وإلا صاحبه الذى دار فى حنايا نفسه، وعزم على تحقيقه عملياً، وإلا من يظهره عليه صاحبه العليم به، بأخبار منه إليه، وكل ذلك لم يثبت!.
... وما روى عن ابن عباس من قوله : "مكث النبى صلى الله عليه وسلم أياماً بعد مجئ الوحي لا يرى جبريل، فحزن حزناً شديداً حتى كان يغدو إلى ثبير(32) مرة، وإلى حراء أخرى، يريد أن يلقى نفسه"(33) غير مسلم من وجوه.

أ- أن حديث ابن عباس من رواية الواقدى(34)، وهو معروف بالضعف، لا يقبل الجهابذة من المحدثين روايته إلا إذا اعتضدت بروايات الثقات.
ب- إذا صح سند الحديث إلى ابن عباس رضى الله عنهما، فهو اجتهاد لا يعلم معتمده، فى أمر لا سبيل إلى معرفته إلا بإخبار من النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت هذا الإخبار، فالحديث موقوف على ابن عباس، فيكون فى منزلة بلاغ الزهرى، كما يؤخذ من كلام ابن حجر(35) يجب رفضه كرفض بلاغ الزهرى، وإبطاله كإبطاله، ولعل هذا الحديث الضعيف فى سنده، الباطل فى متنه ونصه، هو مستند بلاغ الزهرى، والزهرى إمام موثق، فلا حرج على البخارى فى إلحاق بلاغة بجامعه من جهة توثيق السند، على أن البخارى لم يلحقه بجامعه إلا فى موضع واحد فقط من مواضع حديث بدء الوحي، وهى متعددة فيه بالإسناد نفسه مقروناً بإسناد آخر تارة، وغير مقرون تارة أخرى، ولم يرد فى تلك المواضع ذكر لهذا البلاغ الضعيف إلا فى كتاب (التعبير) بلاغاً لا تأصيلاً.
ثالثاً : ثبت فى الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث عن فترة الوحي، ولم يرد فى كلامه صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة، تشعر بما جاء فى هذا البلاغ الضعيف، حتى ولو مجرد حزن لحق به تأسفاً على هذه الفترة.

... هذا مع أنه لا نرى حرجاً فى أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم قد اعتراه شئ من الحزن فى مدة فترة الوحي، لانقطاع أنوار الشهود الروحى، ولا نرى حرجاً فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى ذرا الجبال تطلعاً لتجليات أمين الوحي الذى عهد لقاءه فى هذه الذرا، وهذا أمر فطرى وطبيعى، فالإنسان إذا حصل له خير أو نعمة فى مكان ما، فإنه يحب هذا المكان، ويلتمس فيه ما افتقده، فلما فتر الوحي: صار صلى الله عليه وسلم يكثر من ارتياد قمم الجبال، ولاسيما حراء، رجاء أنه إن لم يجد جبريل فى حراء، فليجده فى غيره، فرآه راوى هذه الزيادة وهو يرتاد قمم الجبال، فظن أنه يريد أن يلقى بنفسه، وقد أخطأ الراوى المجهول فى ظنه قطعاً.
... وليس أدل على ضعف هذه الزيادة وتهافتها من أن جبريل عليه السلام كان يقول للنبى صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبل : "يا محمد إنك رسول الله حقاً" وأنه كرر ذلك مراراً، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفى فى تثبيت النبى صلى الله عليه وسلم وصرفه عما حدثته به نفسه كما زعموا(36).
رابعاً : ما يشكل ظاهره فى الحديث الموصول – لعائشة رضى الله عنها – من ارتياب وشك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نبوته – كما زعموا – مستشهدين على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لخديجة "لقد خشيت على نفسى" وزعمهم شكواه صلى الله عليه وسلم لخديجة، ورجوعه إلى ورقة بن نوفل… هذا الإشكال لا وجه لهم فيه، كما أن هذه الكلمة : "لقد خشيت على نفسى" فى ذاتها لا تضير عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نبوته شيئاً.
...
والذين ذكروا هذه الكلمة فى رواياتهم قد أدوا أمانة العلم، ولا سبيل عليهم، إنما السبيل على الذين تقحموا متخرصين فى تفسير المراد من الخشية، حتى زعم بعضهم فى تفسيرها، وبيان المراد منها، بما كان ويكون أمضى سلاح فى يد أعداء الإسلام، وأعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة.
... وما قيل فى تفسير الخشية من كلام لا يليق، ولا ينبغى أن يدون فى سيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم قد أبطله بعض حذاق الأئمة، وحق له أن يبطل(37).
... أما ما زعمه أعداء السنة المطهرة من أن ظاهر هذه العبارة "لقد خشيت على نفسى يفيد ارتياب وشك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نبوته، فهذا من تخرصاتهم، ويرده سياق الحديث الذى وردت فيه هذه العبارة، وقبل بيان ذلك أقول : إن الله عز وجل إذا اصطفى أحداً لنبوته أو رسالته يخلق فيه علماً ضرورياً بنبوته بحيث لا يبقى له قلق ولا اضطراب، كما يظهر من قصة سيدنا موسى عليه السلام، حين توجه إلى جبل الطور بسيناء ليأتى بقبساً أو يجد على النار هدى.

... ومعلوم أنه لم يكن مراقباً عما يصنع به، ولا منتظراً بما يكلف به، إذ ناداه ربه عز وجل من شاطئ الوادى الأيمن : { إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى } (الآية 12 طه) وأمره أن يذهب إلى فرعون إنه طغى، فلما سمعه موسى عليه السلام، ألقى عليه فى ساعته تلك من اليقين، والإذعان بنبوته، ما هون عليه الدعوة لمثل فرعون الباغى الطاغى، ولم يشك فى نبوته كجناح بعوضة، إلا أنه كان بشراً، خلق من ضعف، ولذا خاف من عصاه حين صار جاناً – حية عظيمة – لما أمره ربه عز وجل، بإلقاءها من يده، قال تعالى : { وما تلك بيمينك يا موسى. قال هى عصاى أتوكؤ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى.
قال ألقها يا موسى. فألقاها فإذا هى حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } (الآيات 17 – 21 طه).
... وقال سبحانه : { وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى لا تخف إنى لا يخاف لدى المرسلون. إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإنى غفور رحيم } (الآيتان 10، 11 النمل).
... وبمقتضى بشريته أيضاً خاف من القتل، كما حكى القرآن الكريم على لسانه : { ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون } (الآية 14 الشعراء) ومن هنا شكى إلى ربه عن ضعفه، وسأله أن يجعل أخيه ردئاً يصدقه، ويكون عوناً له فإنه كان أفصح لساناً، قال تعالى : { قال رب إنى قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون. وأخى هارون هو أفصح منى لساناً فأرسله معى ردءاً يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون } (الآيتان 33، 34 القصص).
... ولم يكن هذا الخوف شكاً منه أو إعراضاً عما أمره الله عز وجل به – والعياذ بالله – بل إظهاراً لضعف جبل عليه الإنسان.
... فإذا لم يشك من كان نبى بدون تمهيد، ولا سابقة خبر، فكيف بمن مهد له تمهيداً، ومرن تمريناً فى النوم واليقظة؟.

... فالتمهيد كان منذ صغره وشبابه، من شق صدره، ونهيه عن التعرى، وعصمته من كل مظاهر الجاهلية التى سبق تفصيلها(38) والتمرين فى النوم بالرؤيا التى كان لا يراها إلا وتجئ مثل فلق الصبح الذى لا شك فيه، وفى اليقظة كان التمرين على الوحي والنبوة بسلام الحجر عليه، وسماع الصوت، ورؤية الضوء.
... فعن جابر بن سمرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنى لأعرف حجراً بمكة كان يسلم على، قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن"(39).

... وجاء التصريح بصيغة التسليم برسول الله فى حديث عائشة رضى الله عنها(40) وحديث على بن أبى طالب رضى الله عنه إذ يقول : "كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا فى بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر، إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله"(41) وعنه صلى الله عليه وسلم قال : "يا خديجة إنى أسمع صوتاً، وأرى ضوءاً، وإنى أخشى أن يكون بى جنن، فقالت : لم يكن الله ليفعل بك ذلك يا عبد الله…"(42).
... وكل هذا التمهيد والتمرين على النبوة قبل التنبؤ يستحيل معه أن يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نبوته ورسالته بعد التنبؤ – حتى لو فتر الوحي – وهنا نصل إلى تفسير الخشية.
تفسير الخشية فى قوله (لقد خشيت على نفسى) :
... ورد فى سياق حديث (بدء الوحي) ما يعين على فهم صحيح ودقيق لقوله صلى الله عليه وسلم : "لقد خشيت على نفسى" ويرد تخرصات أعداء الإسلام، وأعداء السيرة العطرة، فى أن ظاهر هذه العبارة يفيد ارتياب وشك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نبوته ورسالته.

1- وأول ما يعين على بيان حقيقة المراد من الخشية فى سياق الحديث قوله : "حتى فجئه الحق"(43) بكسر الجيم أى بغتة الأمر الحق، وهو الملك جبريل عليه السلام بالوحي.
... وهذه الجملة فى الحديث، تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض وهو فى غار حراء للمفاجأة، وتحققت ثلاثة مرات متواليات :
الأولى : فى دخول الملك عليه صلى الله عليه وسلم مختلاه ومتعبده، دون تمهيد يشعر النبى صلى الله عليه وسلم بأن أحداً سيدخل عليه فى الغار.
الثانية : فى رؤيته للملك جبريل عليه السلام على صورته الملائكية، وقد سد الأفق.
الثالثة : فى أمره بالقراءة عقب دخوله عليه مباشرة، وهو أمى لا يقرأ ولا يكتب!.
... وفى كل ذلك نوع من المفاجأة الباغتة المؤثرة على الطبيعة البشرية بما يهز كيانها هزاً يقحم عليها الرعب والفزع.
... ومن هنا كان خوف وفزع النبى صلى الله عليه وسلم خوفاً وفزعاً بشرياً رجف منه فؤاده، وسائر جسده، وظهرت على بشريته آثاره، حتى هدأت نفسه، فتلقى رسالة ربه متثبتاً، مغموراً بأنوار شهود العزة الإلهية فى يقين لا يداخله أدنى شك فى اصطفائه رسولاً بعد اجتبائه نبياً من الصالحين.
2- وثانى ما يعين على تفسير الخشية قوله : "فغطى حتى بلغ منى الجهد" فهذه العبارة تبين مدى الشدائد التى صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا اللقاء المفاجئ.

... إذ صحب مع دخول الملك عليه فى متعبده، دون تمهيد، ورؤيته للملك فى صورته الملائكية، وأمره بالقراءة، صحب كل ذلك مع ما فيه من شدة شدائد أخرى، إذ غطه الملك ثلاث مرات، والغط : العصر الشديد، وحبس النفس، وكأنه أراد ضمنى وعصرنى، أو أراد غمنى، ومنه الخنق، ويدل عليه رواية أبو داود الطيالسى "فأخذ بحلقى"(44). وفى كل مرة من هذا الغط بلغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجهد" مبلغه وغايته حتى ظن بنفسه الموت(45).
3- وثالث ما يعين على فهم قوله "لقد خشيت على نفسى" نزول الوحي عليه بأوائل سورة "العلق" وحالات النبى صلى الله عليه وسلم وقت نزول الوحي عليه كلها شدة، فهى حالات خاصة تتغلب فيها روحانيته على بشريته، ليتصف بصفة الملك، ليقع بينهما التناسب والتجانس، ويتم التلقى على أكمل وجه وأثبته.
... يقول الإمام ابن حجر : "وهى حالة يؤخذ فيها النبى صلى الله عليه وسلم عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخى، يحصل له عند تلقى الوحي، ولما كان الرزخ العام ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال، خص الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ببرزخ فى الحياة، يلقى إليه فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار"(46).
... ويدل على شدة الوحي أثناء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منها :
حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه قال : "كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا نزل عليه أخذته برحاء شديدة، وعرق عرقاً شديداً مثل الجمان ثم سرى عنه. وكنت أكتب وهو يملى على، فما أفرغ حتى تكاد رجلى تنكسر من ثقل الوحي، حتى أقول : لا أمشى على رجلى أبداً".
وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تحس بالوحي؟ فقال: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلى إلا ظننت أن نفسى تقبض" وغير ذلك من الروايات السابق ذكرها(47) وهى روايات تبين لنا إلى أى مدى لاقى النبى صلى الله عليه وسلم من شدة أثناء تنزيل الوحي عليه حتى أن الملامس لجسده الشريف، كان يشعر به كما مر من حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه، وحتى أنه صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه ما من مرة يوحى إليه إلا ظن أن نفسه تقبض!.
فإذا كانت الروايات السابقة تبين لنا حاله صلى الله عليه وسلم بعد مزاولات ومعاهدات بالوحي، فما ظنك بحاله إذا نزل عليه الوحي لأول مرة، وهو غير ممارس لتلك الأهوال ولا حامل لهذه الأثقال؟!.
إن كل ما سبق من دخول الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى متعبده دون تمهيد، وتجلى الملك له، وقد سد الأفق، وغطه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ منه الجهد، وأمره بالقراءة مع أميته، ونزل الوحي عليه، وهو ما لو أنزل على الجبال لتصدعت من خشية الله.
كل ذلك جعله يرجف فؤاده، ويخشى على نفسه، لا لريب عرضه، أو هول هاله، بل لضعف فطر عليه الإنسان. نعم وحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجف ويخشى، كيف وقد كان هذا أول معاملة اعترته! وفكر فى نفسك لو اعتراك ما اعتراه صلى الله عليه وسلم كيف يكون حالك؟!.

ومما يؤكد ما سبق من تفسير الخشية قوله صلى الله عليه وسلم : "بينما أنا أمشى، إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصرى، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت، فقلت : زملونى"(48) وهذا الحديث وإن كان فى واقعة أخرى، لكن ما جاء فيه من قوله : "فرعبت منه" قرينه قوية على أن خشيته صلى الله عليه وسلم على نفسه كانت مما رأى من المفاجآت السابق ذكرها، فضلاً عن شدة الوحي التى اعترته لأول مرة، وهو فى غار حراء، وكلها أمور تضعف عن حملها فطرة البشر. فالخوف والخشية، لا يصادم الإذعان والإتقان بشئ أصلاً، لأنه فى بنية البشر، قال تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } (الآية 28 النساء).
وكما جاز لموسى عليه السلام أن يخاف من عصاه حين صار ثعباناً، ولم يصادم ذلك إيمانه، جاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً أن يخشى عند رؤية الملك بهيئته الملائكية، وغطه، وشدة الوحي، فكل ذلك ليس بأقل من عصا موسى عليه السلام(49).

وكما هو معلوم فإن النبوة لا تمنع الأعراض البشرية التى لا تنافى العصمة، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت له النبوة قطعاً قبل مفاجأة الغار، وقبل فترة الوحي(50).
فإذا روى أنه فزع من هول المفاجأة، وما حف بها، فلا يجوز قط أن يقال : إنه فزع فزعاً أذهله عن مقام نبوته فلم يتمكن من التأمل، وخشى على نفسه أن يكون كاهناً أو أن يكون به جنن.
كما لا يجوز قط أن يقال عنه : إنه حزن على فتور الوحي حزناً أخرجه عن عصمة النبوة والرسالة، وحمله على محاولة قتل نفسه.

ففترة الوحي طالت أو قصرت(51) شأن من شئون الله تعالى التى ينفرد بحكمتها فهى كانت لطفاً من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ورحمة به، ليستجم من عناء ما لاقى من روع المفاجأة، وشدة الغط، وشدة الوحي، لاستفراغ بشريته ليزداد تشوفاً وتشوقاً إلى تتابع الوحي، وتقوية لروحانيته على احتمال ما يتوالى من الله عز وجل إليه، حتى يتم استعداده لتبليغ رسالته إلى الخلق كافة بصبر وقوة، ويقين لا يدانيه يقين فى أن الله عز وجل، سيتم عليه نعمته.
ويشهد لصحة تفسير الخشية بما سبق ذكره، رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى مكان تحنثه فى غار حراء(52)، بعد ما لاقاه من الشدائد السابق ذكرها.
فهل فى منطق العقل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خشى على نفسه ما تخرص به المتخرصون، ثم يسرع إلى العودة إلى المكان الذى لقى فيه ما خشيه على نفسه فى زعم المتخرصين؟!.

إن بداهة العقل تأبى أن تقبل ذلك، وتنادى بأن أى إنسان توجس خفية من شر حادث وقع له فى مكان لا يمكن أن يعود إليه، وفى سرعة، وهو يملك الاختيار والإرادة، وبالتالى فعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفس المكان الذى لقى فيه ما خشيه على نفسه، دليل قاطع على ثباته صلى الله عليه وسلم، ورباطة جأشه، واطمئنانه ويقينه بفوزه برسالة ربه وأنه لم يشك قط ولو للحظة واحدة فى نبوته، ولا فى أن ما جاءه هو جبريل عليه السلام، ومعه وحى الله تعالى.
فكل ذلك يؤكد أن الخشية من الموت من شدة الرعب (من المفاجآت التى توالت عليه صلى الله عليه وسلم فى هذا اللقاء على ما سبق تفصيله) هو أدنى الأقوال بالصواب فى تفسير الخشية، وأسلمها من الارتياب كما قال الحافظ ابن حجر(53) وهو ما أقول به وأرجحه، بدليل سياق الحديث على ما سبق شرحه، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم يعد تتابع نزول الوحي عليه : "فما من مرة يوحى إلى إلا ظننت أن نفسى تقبض"(54) فهو نص صريح فى خشيته على نفسه من الموت، من شدة الوحي، وهو أحد المفاجآت التى توالت عليه فى هذا اللقاء.
كما لا يمنع أن تكون خشيته صلى الله عليه وسلم على نفسه من الموت على أيدى كفار قريش، إذا بلغهم رسالة ربه عز وجل، ويشهد لصحة هذا قوله صلى الله عليه وسلم : "…وإن الله أمرنى أن أحرق قريشاً. فقلت رب! إذا يثلغوا رأسى فيدعوه خبزه. قال : استخرجهم كما استخرجوك"

إن خوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه من الموت من شدة الرعب، وشدة نزول الوحي عليه، ومن أن يقتله قومه، جعله يرجع بما حملت نفسه الكريمة من آثار ذلك كله، إلى بيته، وزوجته الأمينة، وزيرة الصدق، ومأنس الوفاء، يبدى لها ما تعرض له فى غار حراء، من محن وشدائد تذيب رواسى الجبال، فكان من فراستها ورجاحة عقلها، أن أقسمت على أن الله تعالى لن يخزيه، وأكدت ذلك بلفظ التأبيد (كلا والله ما يخزيك الله أبداً) واستدلت على ما أقسمت عليه بأمر استقرائى، فوصفته بأصول مكارم الأخلاق (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق).
خامساً : بقى الجواب عن ما يزعمه أعداء السنة المطهرة من استنكار لتخفيف الزوجة على زوجها، إذا ألمت به محنة وشدة، وكذلك استنكار لطلب عين اليقين.
...
إذ زعموا أن فى إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجته ما حدث له، ثم ذهابهم إلى ورقة بن نوفل، منقصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل فى زعمهم على ارتيابه فى نبوته، ومنقبة لزوجته خديجة وورقة وأنهما أحق بالنبوة منه(56) وهذا لعمرى لمنطق معكوس إذ كيف ينكر عاقل دور الزوجة عامة فى تخفيف الآلام عن زوجها، وخاصة دور خديجة العظيم فى تخفيف آلام رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم أرسل إليه فيه، حتى تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بموتها وموت عمه أبو طالب، ونالت قريش من أذيته صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تطمع به فى حياتهما(57) وما ذلك إلا لأن مواقفها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أشرف المواقف التى تحمد لامرأة فى الأولين والآخرين.

ويدل على ذلك ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام، فأدركتنى الغيرة، فقلت : هل كانت إلا عجوزاً، فقد أبدلك الله خيرا منها، فغضب، حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال : "لا والله ما أبدلنى الله خيراً منها، آمنت بى إذ كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله منها أولاداً إذ حرمنى أولاد النساء" قالت عائشة : فقلت فى نفسى، لا أذكرها بسيئة أبداً"(58).
وأصل الحديث فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت : "ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبى صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها فى صدائق خديجة، فربما قلت له : كأنه لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة؟! فيقول : "إنها كانت وكانت، وكان لى منها ولد" وفى رواية الإمام مسلم : "إنى قد رزقت حبها"(59).
فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم : "لا والله ما أبدلنى الله خيراً منها، آمنت بى إذ كفر الناس.. إلخ إنها كلمات من جوامع الكلم تبين عظيم دورها فى تخفيف آلام الدعوة وشدائدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن فى الحديث بيان لعظم فضلها، وإلى أى مدى عرف لها النبى صلى الله عليه وسلم قدرها ومنزلتها فى حياتها، وحفظ لها ودها وعهدها بعد وفاتها، فرضى الله عنها وأرضاها، وجزاها بفضله وكرمه عن دينه ونبيه، خير وأوفر الجزاء.

وإذا كان دورها فى الدعوة الإسلامية لا ينكره عاقل، فلا وجه لاستنكار أعداء السنة المطهرة، تخفيفها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من غار حراء ولاسيما ورسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد إليها وعليه آثار الروع والمشقة، رأتها على وجهه وجسده الشريف، كما كان يراها فيما بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما ورد فى حالات نزول الوحي عليه.
وليس فى روايات الحديث ما يحاول زعمه أعداء السنة والسيرة العطرة، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى لخديجة (شكوى من يرتاب فى نبوته ورسالته والعياذ بالله).
وإنما إذا صح التعبير أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى، فهى شكوى من زوج لزوجته، يريد أن يخفف عنه ما لاقاه من رعب وفزع وشدة فى هذا اللقاء الذى عاد منه إلى بيته، ولا تزال آثاره على سائر جسده الذى يرجف مما جعله يقول : "زملونى، زملونى" أو "دثرونى، دثرونى" والمعنى واحد، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول : غطونى بما أدفأ به حتى يذهب عنى أثر الرعب والرجفة عن سائر جسدى(60) تقول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها "فزملوه حتى ذهب عنه الروع" وهو بفتح الراء أى الفزع، وأما الذى بضم الراء فهو موضع الفزع من القلب(61).
وتأمل ما جاء فى الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم : "يا خديجة مالى؟" وهو استفهام تعجبى، أى : أى شئ ثبت لى، حتى حصل ما حصل، وأخبرها الخبر، وما عانى فيه، حتى ظن أن نفسه تقبض من شدة الفزع والرعب، من هول المفاجأة، ومن معاناة نزول الوحي عليه، وهو ما عبر عنه بقوله : "لقد خشيت على نفسى".

فأين الشكوى التى يزعمها أعداء السيرة العطرة؟ وإذا كانت شكوى فأين ما فيها مما يفيد فى زعمهم أنه شك وارتاب فى نبوته؟ إنه مجرد "إخبار من زوج لزوجته لموقف شديد حدث له يريد أن تخفف عنه آثاره! فأى استنكار فى ذلك؟!.
وقد أدت الزوجة خديجة رضى الله عنها دورها باطمئنان زوجها والتخفيف عنه بأعظم الكلمات على ما سبق شرحه قريباً.
وأرادت أن تزداد يقيناً فانطلقت به إلى ورقة بن نوفل ابن عمها وكان امرءاً تنصر فى الجاهلية، واشتهر عنه فى مكة من العلم بما فى التوراة والإنجيل، وتباشير الأحبار والرهبان، بما جاء فى الكتابين من أوصاف نبى آخر الزمان، وأن وقته قد أظل، فلما أخبره صلى الله عليه وسلم بما رأى، قال ورقة (هذا الناموس الذى أنزل على موسى) وتمنى ورقة أن يعيش حتى يدرك انتشار الإسلام، ليكون جندياً من جنود الله، يجاهد فى ظل لواء النبى صلى الله عليه وسلم فى سبيل إعلاء كلمة الله ولكنه أدركته منيته، فلم يلبث بعد بعث النبى صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً، ثم توفى، وفتر الوحي، هذا كل ما تفيده قصة ذهابه صلى الله عليه وسلم وزوجته إلى ورقة بن نوفل.
فهل فيها ما يزعمه الخصوم من ارتياب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نبوته؟!.
وأنى لهم هذا الزعم، وكل ما فى الحديث أن ورقة، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عما رأى قائلاً: "يا ابن أخى ماذا ترى؟" فأخبره صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى" إذن لم يسأله ورقة عما يشك فيه؛ ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى أشك فى كذا، وإنما كل ما فى الأمر، سؤال عما حدث له، وإخبار منه صلى الله عليه وسلم لهذا الحدث.
وما كان من جواب ورقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بيان بأن ما رآه هو أمين وحى الله تعالى الذى أنزل على موسى عليه السلام، وهنا ازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم نوراً إلى نور يقينه، لما يعلمه من مكانه ورقة فى العلم والمعرفة بما فى التوراة والإنجيل من المبشرات ببعث رسول الله قد أظل الحياة مخرجه.
فهل فى طلب عين اليقين استنكار؟! لاسيما وأن النبوة، من المغيبات تبقى فيها أمور تتردد النفس فى تفاصيلها، ولا يكون هذا التردد فى المتعلقات التى لا تدخل فى الإيمان، ألا ترى إلى قوله تعالى فى سؤال إبراهيم عليه السلام عن كيفية إحيائه عز وجل للموتى { أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى } (الآية 260 البقرة) أى الإيمان حاصل بالمرة، ولكن إحيائك غيب، فأريد أن أرى الغائب شاهداً لأزيل به ما يبقى فى الغيب، وسماه طمأنينة، وبالتالى سؤاله عليه السلام لم يخالف إيمانه، بل أكده.

وكذلك الحال مع ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ورقة، كل ما فيه طلب عين اليقين؛ ولا يعنى ذهابه أنه شك فى نبوته عما يزعم الرافضة، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعقب على كلام ورقة إلا بقوله : "أو مخرجى هم؟" ولم يعقب صلى الله عليه وسلم على قوله "هذا الناموس الذى أنزل على موسى" لأنه صلى الله عليه وسلم كان على يقين بأنه مَلَك من عند ربه عز وجل، نزل عليه بوحى الله تعالى، فلم يزده صلى الله عليه وسلم هذا الجواب إلا يقيناً على يقينه، وإلا لو كان فى شك – لجاء – ما يشير إلى ذلك، تعقيباً واستفسار منه صلى الله عليه وسلم لورقة، وإنما لم يعقب ولم يستفسر صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليقينه بذلك، وإنما جاء التعقيب والاستفسار على قول ورقة "ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك" ففى هذا الكلام شئ جديد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستفسر "أو مخرجى هم" وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول : كيف يخرجونى، وأنا جئت لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وكيف يخرجونى من حرم الله، وجوار بيته، وبلدة آبائى من عهد إسماعيل عليه السلام؟.
فيأتى الجواب من ورقة : نعم! أى هم مخرجوك، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
ولعل حكمة المولى عز وجل اقتضت أن تكون ما أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم من المخافة، وما غشيته من الخشية والرهبة كلها ألقيت عليه تكويناً، ليرجع إلى من جعلها الله عز وجل سكناً، وترجع به إلى ورقة، فيشيع خبر نبوته من قبلهم… ويصير بهذا الطريق دليلاً محكماً على أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبى صادق، حتى شهد به شاهد من أهله، (خديجة) وشهد به ورقة الذى كان يعرف حال الأنبياء، ليكون حجة على أهل الكتاب، وعلى المشركين الذين يقدرون علم ومكانه ورقة بالمبشرات.
وهكذا يقدر المولى عز وجل لأنبيائه ورسله أموراً، ويلقيها عليهم تكويناً لمصالح لا يعلمها إلا هو(62) أهـ.
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم

الشيخ عماد الشربيني



(1) هى : خديجة بنت خويلد، أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها فى حياتها قط، رزق حبها، ورزق منها جميع ولده، عدا إبراهيم رضى الله عنه، وكانت وزيرة صدق له صلى الله عليه وسلم، تفرج همومه، وتنفس كربه، ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة أبى طالب بثلاثة أيام، ولذلك سمى هذا العام بعام الحزن. لها ترجمة فى : أسد الغابة 7/80 رقم 6874، والاستيعاب 4/1817 رقم 3311، وتاريخ الصحابة ص92 رقم 390، والإصابة 4/281 .
(2) الغط : العصر الشديد، والكبس، ومنه الغط فى الماء، الغوص. النهاية فى غريب الحديث 3/335 .
(3) أى : لفوه : يقال : تزمل بثوبه إذا التف فيه. النهاية 2/283 .
(4) بالفتح : الثقل من كل ما يتكلف، والكل : العيال، والمراد : من يستقل بأمره، كما قال الله تعالى : { وهو كل على مولاه } جزء من الآية 76 النحل ينظر:النهاية 4/172،وفتح البارى1/31 رقم 3 .
(5) بضم أوله : هو الفقير، والمراد تعطى الناس مالا يجدونه عند غيرك. النهاية 3/173 .
(6) النوائب : جمع نائبة، وهى الحادثة، وإنما قالت : نوائب الحق، لأن النائبة قد تكون فى الخير، وقد تكون فى الشر، وهى كلمة جامعة لما تقدم من أوصاف، ولغيرها.
(7) مات قبل أن يؤمر رسول اللهصلى الله عليه وسلم بالبلاغ سنة12هـ له ترجمة فى: أسد الغابة 5/416 رقم 5465 .
(8) يعنى : شاباً قوياً، حتى أبالغ فى نصرتك وحمايتك، وأصل الجذع : من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شاباً قوياً، وهو هنا استعارة. ينظر : النهاية 1/243 .
(9) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحي 1/30، 31 رقم 3، وفى كتاب التفسير، باب سورة العلق 8/585 رقم 4953، وأرقام 4955 – 4957 مختصراً، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/474، 475 رقم 252، والحاكم فى المستدرك 3/202 رقم 4843، وقال : صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ولم يذكره الذهبى فى التلخيص، ولا يخفى أن الشيخين قد أخرجاه، ولكن من غير طريقه، وأحمد فى مسنده 6/223، والطيالسى فى مسنده ص206 رقم 1467، ص215، 216 رقم 1539، وحسن إسناده الحافظ فى فتح البارى 1/33 رقم 3، قلت : فيه رجل مبهم قد سماه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/215 رقم 163 حيث أخرج الحديث عن أبى عمران عن (يزيد بن بابنوس) عن عائشة، وابن بابنوس هو الرجل المبهم فى سند الطيالسى، وهو حسن الحديث، ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين 5/548، وقال ابن حجر : مقبول، أخرج له البخارى فى الأدب المفرد، وأبو داود والنسائى فى السنن، والترمذى فى الشمائل، ينظر : تهذيب التهذيب 11/316، وتقريب التهذيب 2/321 رقم 7722، والحديث أخرجه أيضاً ابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/129، 130، وابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام) 1/302 – 305 نصى رقم 230 – 231 .
(10) أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه 5/321 – 323 ومن طريقه أحمد فى مسنده 6/232، 233، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة 12/368 رقم 6982، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) كتاب الوحي 1/119، 120، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/213 – 215 رقم 162 .
(11) حكاه عنهم الإمام الإسماعيلى، على ما نقله عنه الحافظ فى فتح البارى 12/377 رقم 6982 .
(12) شيعى إمامى، ولد فى الكاظمية ببغداد سنة 1290هـ. من مؤلفاته : أبو هريرة، والنص والاجتهاد، مات سنة 1377هـ – 1957م. ترجم له : محمد صادق الصدر فى مقدمة كتاب النص والاجتهاد ص5 – 39 .
(13) النص والاجتهاد ص295 – 296 .
(14) كاتب شيعى، إمامى، معاصر، من مؤلفاته : الحياة السياسية للإمام الرضا، والصحيح من سيرة النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم، نال به جائزة الكتاب الأول فى مجال كتابة السيرة من الجمهورية الإسلامية بإيران لعام 1413هـ والكتاب يرفض فيه صاحبه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة فى السنة المطهرة، كما يطعن فى طول الكتاب البالغ عشر مجلدات فى كل منقبة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واردة فى السنة والسيرة.
(15) الصحيح من سيرة النبى الأعظم 2/298، وينظر : دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين لصالح الوردانى ص245 – 248، والأضواء القرآنية لصالح أبو بكر 2/124 – 127، ودفاع عن السنة لمحمد الهاشمى ص43، وحياة محمد لدرمنغم ص65، 86، والرسول حياة محمد للمستشرق بود لى ص57 – 63، والظاهرة القرآنية لمالك بن نبى ص94 .
(16) سبق تفصيل ذلك ص159 .
(17) سيأتى ذكر الرواية وتخريجها قريباً.
(18) على ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر، وتبعه فى ذلك السيوطى، والقسطلانى، خلافاً للقاضى عياض، حيث جزم بأن البلاغ من قول معمر، ينظر : فتح البارى 1/376 رقم 6982، والمواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى 1/402 قلت : سواء كان هذا البلاغ من قول معمر أو الزهرى فهو غير مسند، وهذا مطعن فيه من جهة السند، فلا وجه لقبوله، لأن البلاغ من قبيل المنقطع وهو من أنواع الضعيف.
(19) هو : يحيى بن سعيد بن فروخ، التميمى، أبو سعيد القطان البصرى، أحد الأئمة الأعلام، ثقة، حافظ، متقن، كان رأساً فى العلم والعمل، مات سنة 198هـ له ترجمة فى : تقريب التهذيب 2/303 رقم 7584، والكاشف 2/366 رقم 6175، ومشاهير علماء الأمصار ص192 رقم 1278، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص131 رقم 268 .
(20) ينظر : تذكرة الحفاظ 1/108 رقم 97، وتدريب الراوى 1/196، 205 .
(21) ينظر : تقريب التهذيب 1/25 المقدمة.
(22) وفى هذا رد على الإمام الزرقانى فى رده على القاضى عياض بأن هذا البلاغ ضعيف، قائلاً : هذا البلاغ ليس بضعيف، كما ادعى عياض متمسكاً بأنه لم يسنده، لأن عدم إسناده، لا يقدح فى صحته، بل الغالب على الظن أنه بلغه عن الثقات أهـ وما قاله الإمام الزرقانى : فرض احتمالى، لا يثبت، ولا يقوم على قدم صحيحة، ومجرد الاحتمال كافٍ لرده وعدم قبوله، ويرده أيضاً ما قاله يحيى بن سعيد القطان. ينظر : شرح الزرقانى على المواهب 1/403، والشفا 2/104، ومحمد رسول الله لفضيلة الشيخ عرجون 1/386 – 394 .
(23) فى بعض الروايات (فجثثت) بمثلثة بدل الهمزة، ومعناهما : فزعت منه، وخفت، وذعرت، وقيل : معناه : قلعت من مكانى. ينظر : النهاية فى غريب الحديث 1/231، 225 .
(24) الآيات 1-5 المدثر، وينظر : مصنف عبد الرزاق 5/323، 324، ودلائل النبوة لأبى نعيم 1/213 – 215 رقم 162 .
(25) صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحي 1/37 رقم4، وفى كتاب التفسير، باب سورة اقرأ باسم ربك الذى خلق 8/585، 586 رقمى 4953، 4954، وأخرجه فى مواطن أخرى من صحيحه، ينظر : تفسير سورة المدثر 8/545 – 547 أرقام 4922 – 4925، وفى كتاب الأدب، باب رفع البصر إلى السماء 10/611 رقم 6214 .
(26) فتح البارى 1/37 رقم4 .
(27) المسند 6/232، 233 .
(28) ينظر المسند 3/232، 233 .
(29) ينظر : صحيح مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/476 رقم 255، وصحيح ابن حبان (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) كتاب بدء الوحي، باب ذكر القدر الذى جاور المصطفى صلى الله عليه وسلم بحراء عند نزول الوحي عليه 1/121، 122، وينظر : الإتقان فى علوم القرآن 1/74 – 76 نصوص أرقام 279 – 282، وهذا الجمع أولى من تضعيف الإمام النووى ومن تبعه لحديث جابر رضى الله عنه أهـ. ينظر : المنهاج شرح مسلم 1/485 رقم 257، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد عرجون 1/389 .
(30) يراجع تخريج الحديث ص198 .
(31) القول بطول مدة فترة الوحي، قول ضعيف على ما سيأتى هامش ص212 .
(32) اسم جبل معروف عند مكة. النهاية فى غريب الحديث 1/202 .
(33) أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/131 .
(34) هو : محمد بن عمر بن واقد الواقدى، قاضى العراق، رغم دقته فى المغازى وإمامته فيها إلا أنهم ضعفوه فى الحديث، قال الذهبى : الواقدى وإن كان لا نزاع فى ضعفه، فهو صادق اللسان، كبير القدر، وقال : ابن حجر : متروك مع سعة علمه، من أشهر مؤلفاته : المغازى، والردة، مات سنة 207هـ له ترجمة فى : لسان الميزان 9/531 رقم 15615، والكاشف 2/205 رقم 5078، والمجروحين لابن حبان 2/290، وتقريب التهذيب 2/117 رقم 6195، وتهذيب الكمال للمزى 26/ 18 رقم 5501 .
(35) ينظر : فتح البارى 12/376 رقم 6982 .
(36) ينظر : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفضيلة الشيخ محمد عرجون 1/387 – 400، والسيرة النبوية فى ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة 1/266، والمعين الرائق من سيرة خير الخلائق للدكتور سعيد صوابى ص250 – 259، وهناك أقوال أخرى فى تأويل الزيادة البلاغية إن شئت أنظرها فى : الشفا 2/104، 105، وفتح البارى 12/ 377 رقم 6982، وشرح الزرقانى على المواهب 1/403 .
(37) ينظر : فتح البارى 1/33 رقم 3، ومحمد رسول الله لعرجون 1/304، 338 .
(38) يراجع : ص47 – 79 .
(39) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبى صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة 8/41 رقم 2277 .
(40) سبق ذكره وتخريجه ص66، 67، وينظر : شرح الزرقانى على المواهب 1/408 .
(41) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب آيات إثبات نبوة النبى صلى الله عليه وسلم وما قد خصه الله عز وجل به 5/553 رقم 3626، وقال : حديث غريب، وأخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن 1/ 25 رقم 21، ورواه البزار فى مسنده (كشف الأستار) كتاب المناقب، باب تسليم الحجر والشجر عليه 3/116 رقم 2373، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/259 رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف.
(42) أخرجه أحمد فى المسند 1/312، 294 من حديث ابن عباس متصلاً ومرسلاً، والطبرانى بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/255 .
(43) لفظ رواية البخارى فى كتاب التفسير، يراجع تخريج الحديث ص198
(44) يراجع تخريج حديث بدء الوحي ص198 .
(45) ينظر : فتح البارى 1/33 رقم3، ومحمد رسول الله لمحمد عرجون 1/264 .
(46) فتح البارى 12/374 رقم 6982 .
(47) يراجع : ص26 – 28 .
(48) سبق تخريجه ص198، 201 .
(49) ينظر : حاشية البدر السارى إلى فيض البارى لمحمد بدر 1/26، 27 .
(50) معنى فتور الوحي : ضعفه، وتأخر مجيئه مدة من الزمان، ولذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تواصله وتواليه بقوله : (فحمى الوحي وتتابع) وذلك فى نهاية حديث جابر المتقدم قال الحافظ ابن حجر : (فحمى الوحي) أى جاء كثيراً، وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور، إذ لم ينته إلى انقطاع كلى، حتى يوصف بالضد وهو البرد، وقوله : وتتابع، تأكيد معنوى، ويحتمل أن يراد بحمى : قوى، وتتابع : أى تكاثر، وفى بعض الروايات : وتواتر، وهو مجئ الشئ يتلو بعضه بعضاً من غير تخلل، وليس المراد بفترة الوحي المقدرة… ما بين نزول { اقرأ } و { يا أيها المدثر } عدم مجئ جبريل إليه، بل تأخر نزول القرآن فقط. ينظر : فتح البارى 1/36 – 38 رقم 3 .
(51) كانت هذه الفترة على الراجح أياماً على ما رواه ابن سعد فى طبقاته 1/31 عن ابن عباس رضى الله عنهما، أما أن يقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، أو سنتين ونصف سنة من عمر الدعوة الإسلامية من غير وحى ودعوة، فهذا مالا تقبله العقول، ولا يدل عليه نقل صحيح. ينظر : فتح البارى 1/36، 37 رقم 3، وعمدة القارى 1/55، 56 وشرح الزرقانى على المواهب 1/441، والسيرة النبوية فى ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة 1/264 .
(52) دل على العودة حديث جابر السابق ص201، وكذلك حديث عائشة أيضاً فى الزيادة البلاغية الضعيفة.
(53) ينظر : فتح البارى 1/33 رقم3، ومحمد رسول الله لفضيلة الشيخ محمد عرجون 1/344 حيث رد ترجيح الحافظ ابن حجر.
(54) يراجع : ص210 .
(56) يراجع : ما قاله عبد الحسين شرف الدين، وجعفر مرتضى العاملى ص199 .
(57) ينظر : السيرة النبوية لابن هشام 2/29 نص رقم 413، والروض الأنف للسهيلى 2/223 .
(58) أخرجه أحمد فى مسنده 6/117، 118 بإسناد حسن كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 9/224
(59) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبى صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها 7/166 رقم 3818، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة 8/214 رقم2435 .
(60) ينظر : النهاية فى غريب الحديث 2/95، 283، وفتح البارى 8/590 رقم 4953 .
(61) فتح البارى 8/590 رقم 4953 .
(62) ينظر : حاشية البدر السارى إلى فيض البارى لمحمد بدر 1/27 – 29 بتصرف.
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرد على شبهة اثبات الوحي عن طريق خديجة رضي الله عنها نور الإسلام هدي الإسلام 0 17-05-2013 06:32 PM
الرد على شبهة اسم الوادي طوى نور الإسلام هدي الإسلام 0 17-05-2013 06:09 PM
الرد على شبهة تدوين الوحي لم ينشأ إلاّ بعد إقامة النبي في المدينة نور الإسلام هدي الإسلام 0 07-02-2012 12:39 PM
شبهة نزول الوحى والرسول فى ثوب إمرأة لزكريا بطرس 2 مزون الطيب هدي الإسلام 0 11-01-2012 06:44 PM
شبهة نزول الوحى والرسول فى ثوب إمرأة لزكريا بطرس 1 مزون الطيب هدي الإسلام 0 11-01-2012 06:43 PM


الساعة الآن 04:57 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22