صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

المختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وجعل فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-05-2013 ~ 06:12 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي المختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وجعل فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، أحمده حمدا لا يحصي على كرمه وآلائه ما دامت الأرض قائمة تحت سمائه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله كمال عدد الله وكما يليق بكماله.

أما بعد فقد وفقني الله في إتمام هذا الكتيب الذي هو عبارة عن مختصر كتاب الخصائص العامة للإسلام للدكتور يوسف القرضاوي.
ولقد قمت باختصاره ليكون سهلا وميسرا لكل شخص مسلم أم غير مسلم أراد التعرف على خصائص دين الله.

أما الخصائص العامة للإسلام فهي سبع :
1- لربانية, 2- الإنسانية, 3- الشمول, 4- الوسطية, 5- الواقعية, 6-الوضوح, 7- الجمع بين الثبات والمرونة.


عمار سكري
دمشق – الجمعة 20/8/2004م



 الربانية:

ومعناه الانتساب إلى الرب ونقول عن إنسان أنه رباني إذا كان وثيق الصلة بالله عالما بدينه وكتابه معلما له وفي القرآن الكريم: }وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ{(79) سورة آل عمران
وتنقسم الربانية إلى أمرين:
1- ربانية الغاية والوجهة. 2- ربانية المصدر والمنهج.

1- ربانية الغاية و الوجهة:
نعني أن الإسلام غايته الأخيرة وهي حسن الصلة بالله تبارك وتعالى والحصول على مرضاته {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى } (42) سورة النجم, فكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه إنما يريد إعداد إنسان ليكون عبدا خالصا لله لا لأحد سواه ولهذا كان جوهر الإسلام التوحيد.
والتوحيد: هو أن يعلم الإنسان أنه لا اله إلا الله وأن يفرده بالعبادة والاستعانة فالإنسان لم يخلق لمجرد أن يأكل ويشرب ويلهو ويلعب ثم يموت كما قال القرآن الكريم في وصفهم.
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (12) سورة محمد.
بل خلق الإنسان لغاية وحقيقة أسمى وقررها القرآن عندما قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.

- من ثمرات هذه الربانية في النفس والحياة :

أولا: معرفة غاية الوجود الإنساني:
أي أن يعرف الإنسان لوجوده غاية ويعرف لمسيرته وجهة فهو لا يعيش في ضياع بل يسير على هدى من ربه.

ثانيا: الاهتداء إلى الفطرة :
أي أن يهتدي الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها والتي تطلب منه الإيمان بالله تعالى يقول الله تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم.
فعندما يهتدي الإنسان إلى فطرته يعيش في سلام مع نفسه ومع فطرة الوجود من حوله فالكون كله رباني الوجهة يسبح بحمد الله يقول الله تعالى : {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44) سورة الإسراء.

ثالثا: سلامة النفس من التمزق والصراع:
أي سلامة النفس البشرية من التمزق والانقسام بين مختلف الغايات وشتى الاتجاهات , فلقد اختصر الإسلام غايات الإنسان في غاية واحدة هي إرضاء الله تعالى وهي أعظم غاية وكما ركز همومه في هم واحد هو العمل ما يرضيه سبحانه وتعالى, فشتان بين مسلم موحد يُقن بأن لا رب إلا الله يخافه ويرتجيه ويتلمس رضاه وبين المشرك بالله والدي تعددت أربابه ولقد وصف الله هذا المشرك في قرآنه حيث قال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (29) سورة الزمر.

رابعا: التحرر من العبودية والأنانية والشهوات :
ومن ثمرات الربانية أنها تحرر الإنسان من العبودية لأنانيته وشهوات نفسه ومن الخضوع والاستسلام لمطالبه المادية فالإنسان (( الرباني )) يُقفه إيمانه بالله واليوم الآخر موقف الموازنة بين رغبات نفسه ومتطلبات دينه بين لذة اليوم وحساب الغد فإذا ما انحدر يوما عن هذا المعنى فسرعان ما يعود إلى الله تائبا من ذنبه مستغفرا لربه
فالإنسان الرباني قد تتاح له الشهوة الحرم , تعرض عليه بلا رقيب من البشر فيدعها حياء من الله ويقول كما قال سيدنا يوسف حين راودته امرأة العزيز عن نفسها)) معاذ الله )).

- تفاوت الغايات والأهداف لدى الأفراد:
إذا نظرنا إلى الأفراد وغاياتهم وجدناهم أصنافا عديدة ومتنوعة:
أ‌. فمنهم من يعيش حياته غارقا في لذاته دائرا حول مطامح نفسه , يدور حول عبادة (( ذاته )) , وهو مستعد في سبيل هذه الغاية أن يضحي بكل ما يقف في سبيله من القيم والمعتقدات فلا يهم أن بذل العرض أو هدر الشرف أو خان الوطن ....
وهذا الصنف نقول عنه (( أناني )) وقد نبه القرآن منه حين قال: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا(43)أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44) } سورة الفرقان.
فهذا النوع يعيش حياة أدنى مرتبة من الأنعام بل هم أضل من الأنعام وذلك لأمرين:
أولهما- أن الأنعام تِؤدي مهمتها المنوطة بها في الوجود , فهل وجدت يوما بقرة تمردت على أن تحلب.
ثانيهما- أن هذه الأنعام لم تؤت ما أوتي الإنسان من المواهب الفكرية والروحية.
ب‌. ومنهم من لا هدف له في الحياة إلا إذلال الناس والإضرار بها, فإذا كان النوع الأول أنانيا شهوانيا فهذا النوع أنانيا عدوانيا, وقد يغطي هذا الصنف خبث باطنه بظاهر مزخرف ولسان خداع. كما ذكر القرآن {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ(205) } (204-205) سورة البقرة.
ج. أما الصنف الأخير فهو الذي يعبد الله وحده لا شريك له فهدفه مرضاته وحسن الاتصال به هذا هو الصنف الرباني فهو يفعل الخير للناس ولكنه لا يطلب منهم ثمنا لمعروفه لان غايته أن يحمده الله لا أن يحمدوه الناس قال تعالى في وصف هذا النوع: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (9) سورة الإنسان.
ففي الواقع هذا الصنف لم يخسر دنياه حين آثر آخرته بل سعى لها سعيها وهو مؤمن فكسب الحياتين ويسألونهما الله تعالى {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (201) سورة البقرة.

- وسائل الإسلام لفرض الربانية في النفس والحياة:
فالإسلام يسعى إلى غرس الربانية في نفس كل مسلم بوسائل شتى وأساليب متنوعة منها:
أولا: طريق العبادات:
عن طريق العبادات المفروضة لزوما والمندوبة استحبابا كالصلاة التي تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات وهي للروح أشبه بالوجبات للجسم, والصيام يتكرر شهرا في كل عام وهو تربية للإرادة وتدريبا على التقوى, والزكاة التي يغالب من يخرجها شح نفسه ويزكي بها ماله وروحه, والحج الذي يفارق فيه المسلم وطنه وأهله مهاجرا إلى الله وهنالك يتجرد المسلم من ثيابه المعتادة ليلبس ثيابا أشبه بأكفان الموتى مرددا (( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك .......... )).
وفوق هذه الفرائض الحتمية يفتح الإسلام باب التطوع بالخيرات والتقرب إلى الله تعالى بالنوافل والمستحبات فمهمة هذه العبادة كلها أن تغرس في ضمر مؤديها روح التقوى لله عز وجل شأنه وأن تمنحه شحنة روحية تذكره بالله نسي وتقوي عزيمته كلما ضعفت.
ثانيا: طريق الآداب:
وهذا طريق آخر لغرس الربانية في حياة المسلم ذلك هو طريق الآداب اليومية التي تتخلل حياة المسلم من الأكل والشرب والنوم واليقظة.............
فلإسلام ينتهز فرصة هذه الأمور التي لا تخلو من حياة أي إنسان ليربطه عن طريقها بخالقه فإذا جلس على مائدة طعامه وأراد أن يبدأ الأكل ذكر الله فكانت بدايته ((بسم الله)) وإذا شبع قال ((الحمد لله)) وكذلك إذا لبس وإذا ركب ............... , كل ذلك له آدابه الذي يربط المسلم بالله تعالى.
ثالثا: طريق التربية والتكوين:
ولعل هذه الطريقة أكثر الطرق خطرا و أبعدها أثرا فلابد أن تقوم التربية في البيت أولا وفي المدرسة ثانيا على غرس هذه الربانية في عقول الناشئة وضمائرهم, لذلك أمر الآباء أن يدربوا أبناءهم على طاعة الله منذ سنا يقبلون التعليم وهو السابعة, كما أن المدرسة مسئولة عن تربية الأبناء والبنات على معاني الربانية فالمدرسة التي لا تغرس الإيمان في النفس لا تخرج إلا أجيالا حائرة متناقضة تائها مضطربة.
رابعا: طريق الإعلام والتوجيه والتثقيف الشعبي العام:
فالتثقيف والتوجيه والإعلام يجب أن ترعى هذه الربانية وتؤكدها:
أ‌. المساجد: بخطبها ودروسها وصلواتها وماله من إشعاع روحي وفكري وأخلاقي.
ب‌. الإذاعة المسموعة والمرئية: بكل ما تملكان من تأثير على الأفكار.
ت‌. الصحافة: اليومية والأسبوعية..................
ث‌. الكتب: بكل أنواعها وموضوعاتها العلمية والأدبية والفنية.
ج‌. المسرح والسينما: بما لهل من تأثير عن طريق الصورة والكلمة.
فكل أدوات التأثير والتوجيه يجب أن تتعاون جميعا في تحقيق ((الربانية))وتأكيدها في النفس والحياة.



خامسا: طريق التشريع:
ويأتي دور التشريع ليقوم بحفظ الربانية وتقويتها وحماتيها من كل أذى أو عدوان عليها, لهذا يرفض المجتمع المسلم الإلحاد والإباحية ويعاقب على الجهر بهما بالرد و والفسوق.

2- ربانية المصدر والمنهج:
ونعني أن هذا المنهج الذي رسمه الإسلام للوصول إلى غاياته وأهدافه إنما هو منهج رباني خالص لان مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم, فلم يأتي نتيجة لإرادة فرد أو حزب أو شعب إنما جاء نتيجة لإرادة الله أراد به الهدى والنور كما قال تعالى يخاطب الناس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء.

- موضوع الرسول في هذا المنهج الإلهي:
إن المنهج هو منهج الله أمل الرسول فهو الداعي إلى هذا المنهج المبين للناس ما اشتبه عليهم من أمره, فيقول الله تعالى مخاطبا رسوله {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ(53) } (52-53) سورة الشورى.
فليس لمحمد صلى الله عليه وسلم إلا التلقي والحفظ {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} (6) سورة الأعلى ثم التبليغ والدعوة {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (67) سورة المائدة ثم التفسير والبيان {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (44) سورة النحل.

- ميزة الإسلام بين المناهج القائمة في العالم:
إن المناهج والأنظمة التي نراها في العالم اليوم ثلاثة أصناف فيما عدا الإسلام طبعا:
• منهج أو نظام مدني بشري محض, مصدره التفكير العقلي أو الفلسفي لبشر فرد كان أم مجموعة كالشيوعية والرأسمالية وغيرهما.
• منهج أو نظام ديني بشري كذلك مثل الديانة البوذية والتي لا يعرف لها أصل الهي إنما مصدرها الفكر البشري.
• منهج أو مذهب ديني محرف – وان كان إلهيا في الأصل – ولكن عملت فيه يد التحريف والتبديل وذلك كاليهودية والنصرانية.
أما الإسلام: فهو المنهج الذي سلم مصدره من تدخل وتحريف البشر ذلك أن الله تعالى تولى حفظ كتابه وهو القرآن الكريم قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.

- الإسلام منهج رباني خالص:
الإسلام منهج رباني 100%, عقائده وعبادته وآدابه وأخلاقه و شرائعه كلها ربانية إلهية:
‌أ - عقيدة ربانية:
فعقائد الإسلام ربانية لأنها مستفادة من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو ليس من وضع مجمع من المجامع ولا من إملاء ((بابا)) من الباباوات, فالعقيدة الإسلامية لا تتلقى إلا من الوحي الإلهي, أما العقيدة: هي قضايا صادقة أو حقائق عن الوجود ورب الوجود كأسماء الله وصفاته, عن عالم الغيب, عن مستقبل حياة الإنسان, عن الجزاء والعقاب وأنواعهما.....الخ, وهذه يخبر بها من يحيط بها علم وهو الله تعالى فليس لأحد من الناس أن يحاول الإحداث فيها من عند نفسه.
‌ب - عبادات ربانية:
والعبادات الإسلامية أيضا عبادات ربانية,فالوحي الإلهي هو الذي رسم صورها وحدد أشكالها وأركانها وشروطها وعين زمانها ومكانها ولم يقبل من أحد مهما كان مجتهدا في الدين أيبتكر صورا وهيئات من عنده للتقرب إلى الله تعالى.
فقد جاء الإسلام في مجال العبادة بأصلين كبيرين لا يتساهل فيهما أبدا:
الأول: إلا يعبد إلا الله, فلا عبادة لأحد سواه, وهذا ما تقتضيه ربانية الغاية و الوجهة.
الثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرع, وما شرعه إنما يعرف بواسطة رسله المبلغين.
فالمحدثات العصور ومبتدعات العقول لا مكان لها في دين الله , فالعمل المقبول له ركنان:
1- أن يكون خالصا لوجه الله.
2- أن يكون على سنة رسول الله.
وبهذا سد الإسلام باباً من أوسع الأبواب الغلو والتحريف والتنطع ولم يعط للمبتدعات في العبادة حق البقاء.
‌ج - آداب ربانية:
فالآداب والأخلاق الإسلامية آداب ربانية, فالوحي هو الذي وضع أصولها وحدد أساسياتها, فنجد القرآن ذاته يعني برسم المعالم الرئيسية لآداب المسلم من إحسان للوالدين ورعاية اليتم وابن السبيل والفقراء والمساكين, والإخلاص في العمل, وغض البصر وفظ الفرج......الخ, حتى إننا نجد القرآن يُعلم المسلمين أدب المشي إذا مشوا{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} (37) سورة الإسراء, {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (63) سورة الفرقان, فضلا عما زخرت به السنة من آداب تتعلق بالأكل والشرب واللباس والنوم واليقظة والدخول والخروج......الخ.
إذا فالمصدر الأساسي للإلزام الخلقي في الإسلام هو الوحي الإلهي فالخير ما أمر الله به والشر ما نهى الله عنه.
فالأخلاق الإسلامية لم تأتي مخالفة للعقل فهي ملائمة للفطرة السليمة موافقة للعقل الرشيد لذلك نجد الأخلاق في الإسلام لا تعتمد على الأمر الصارم بل تعتمد على مخاطبة العقل فمثلا: عندما قال الله تعالى {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} (37) سورة الإسراء, نجده يخاطب العقل والمنطق.
‌د - تشريعات ربانية:
أي أن أساس التشريع ومبادئه من الوحي الإلهي وهي المزية الأولى للتشريع على ما سواه من التشريعات قديمها وحديثها , فهو التشريع الوحيد في العالم الذي أساسه وحي الله وكلماته معصومة من الخطأ منزهة عن الظلم {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (115) سورة الأنعام.
وبذلك تقرر أن المشرع الوحيد في أصول الإسلام هو الله تعالى, فهاهو القرآن نجده يعقب على كثير من الأحكام والتشريعات ويلفت الأنظار إلى ربانية مصدرها ومنها:
تعقيبات قوله تعالى في ختام آية قسم الصدقات من سورة التوبة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (60) سورة التوبة, وغيرها من التعقيبات التي كانت تأتي خلف كل حكم أو تشريع شرعه الله عز وجل فهي تنبه وتؤكد على الأصل الذي استمدت منه.

- من ثمرات ربانية المصدر:
إن هذه المزايا والثمرات نتيجة لسبب واحد هو كمال الله تعالى صاحب هذا المنهج.
1) العصمة من التناقض والتطرف: العصمة من التناقض والتطرف الذي تعانيه المناهج والأنظمة البشرية والمحرفة, فالبشر بطبيعتهم يتناقضون ويختلفون من عصر إلى عصر ومن مكان إلى آخر, حتى أن الإنسان يتناقض مع نفسه فنجد أن تفكيره وهو شاب مختلف ومتناقض مع تفكيره وهو كهل, فبعد كل هذا كيف يمكن لنا أن نتصور أن الأنظمة البشرية بريئة من التناقض و الاختلاف, أما الإسلام فهو خالي من التناقضات والتطرف لأنه من عند الله تعالى.
2) البراءة من التحيز والهوى: ومن الثمرات هذه الربانية في الإسلام اشتماه على العدل المطلق وبراءته من التحيز والهوى ومما لا يسلم منه بشر كائنا من كان وبذلك لا يسلم منهج وضعه البشر أو تدخلوا فيه من التأثير بالأهواء المضلة عن سبيل الله والمتحيزة إلى جانب دون جانب . أما ((نظام الله)) فقد وضعه رب الناس للناس ,: وضعه من لا يتأثر بالزمان والمكان لأنه خالق الزمان والمكان, ومن لا يتحيز لجنس أو نوع أو لون لأنه رب الجميع, من هنا اعتبر القرآن ما عدا شريعة الله وحكمه((أهواء)) ويجب الحذر منها ومن أصحابها {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (49) سورة المائدة.
3) الاحترام وسهولة الانقياد: ومن ثمرات الربانية أنها تضفي على النظام الرباني قدسية واحتراما لا يظفر بهما أي نظام من صنع الإنسان, ومنشأ هذا الاحترام والتقديس اعتماد المؤمن بكمال الله تعالى وتنزهه عن كل نقص في خلقه وأمره, حيث أتقن كل شئ صنعه كما قال الله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (88) سورة النمل, وأحكم كل شئ شرعه, كما قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(1)سورة هود, ويتبع هذا الاحترام والتقديس الرضا بكل تعاليم هذا النظام وتقبله بقبول حسن ويلزم هذا الاحترام والتقديس وحسن القبول المسارعة إلى التنفيذ والطاعة.
سنضرب مثالين عن موقف المسلمين والمسلمات في العهد النبوي من شرع الله تعالى وأمره ونهيه.
أولهما: ما وقع من المؤمنين بالمدينة عقب تحريم الخمر:
فقد كان للعرب ولع بشرب الخمر ولذلك حكمة الله تعالى جاء تحريمه تدريجيا حتى نزلت الآية الفاصلة والتي حرمته تحريما باتا وبهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم شربها وبيعها وإهداءها لغير المسلمين, فما كان من المسلمين حينذاك إلا أن جاؤوا إلى مخزون الخمر وأوعيتها فأراقوها في طريق المدينة إعلانا عن براءتهم منها.
ثانيهما: موقف النساء المسلمات مما حرم الله عليهن من تبرج الجاهلية وما لأوجب عليهن من الاحتشام والتستر وذلك بأن يضربن بخمرهن على جيوبهن أي يشددن أغطية رؤوسهن بحيث تواري النحر والعنق والأذن وهنا تروي لنا السيدة عائشة رضي الله عنها حال المؤمنات فقالت عائشة رضي الله عنها (( يرحم الله نساء المهاجرين الأول,لما لأنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن مروطهن – أواب من صوف – فاختمرن بها )).
فهاهو موقف المسلمين الأول موقف المسارعة إلى تنفيذ ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه.
4) التحرر من عبودية الإنسان للإنسان : ومن ثمرات الربانية تحرر الإنسان من عبودية الإنسان, فليس لأمر أي إنسان الأمر في تحريم شئ أو تحليله والذي يملك ذلك الحق هو الله وحده رب الناس فمن حقه وحده أن يأمرهم وأن ينهاهم وأن يحل لهم و يحرم عليهم.
ولذلك نجد القرآن الكريم يوجه نداء إلى أهل الكتاب كافة ليتحرروا من العبودية لغير الله وذلك في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (64) سورة آل عمران, وبهذه الآية كان يختم النبي صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك النصارى وأمرائهم.



 الإنسانية:

زمن خصائص العامة للإسلام بعد الربانية, الإنسانية.
فالإسلام يمتاز بنزعته الإنسانية الواضحة في معتقداته وعبادته وتشريعاته فهو دين الإنسان.

- بين الربانية والإنسانية:
ربما خيل لكثير من الناس أن هناك تناقضا بين الخصيصة الربانية و الخصيصة الإنسانية , فالمهموم في أذهانهم أن ثبوت إحدى الخصيصتين ينفي الأخرى شأن كل متضادين, أي إذا وجد الله لم يبق مكان للإنسان !
ففي الربانية قلنا أن ربانية الغاية والوجهة تعني أن حسن الصلة بالله تعالى وابتغاء مرضاته هو هدف الإسلام.
وان ربانية المصدر والمنهج تعني أن الإسلام منهج إلهي والرسول مبلغ عنه.
فمعنى هذا أن لا موضع للإنسان, إذا أضفنا إلى ذلك وجوب الإيمان بقدر الله تعالى فينفى بذلك كل دور للإنسان
وهذا ما يدور في تفكير بعض الناس والذين يعتمدون فيه على النظرة ((الجبرية)) للقدر والنظرة ((الظاهرية)) للشرع وكلتا النظرتين مغلوطة.

- ليس الإنسان نداً لله:
الخطأ الأول الذي ارتكبوه هؤلاء أنهم ينظرون إلى الله تعالى والإنسان كأنهما ندان متقابلان وقد نسوا ما هو الله ؟ وما هو الإنسان؟
فالحقيقة التي لا ريب فيها أن الله هو رب هذا الكون ومدبره {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } (164) سورة الأنعام.
والإنسان هو مخلوق من مخلوقات الله عز وجل وبالتالي لا يمكن التصور أن المخلوق ندا للخالق.
فالإنسان مخلوق ولكنه مخلوق ذو مكانة خاصة والذي منحه هذه المكانة هو خالقه تبارك وتعالى.

- لا تنافي بين الربانية والإنسانية:
إن الإسلام مع ربانيته في غايته ووجهته هو إنساني أيضا في غايته ووجهته, أي أن للإنسان مكانا في غايات الإسلام العليا وذلك مع تقرير غايته الربانية وتثبيتها, إذا لا تنافي بين الغاية الربانية والغاية الإنسانية بل هما متكاملان.
فإذا كان مصدر الإسلام ((ربانيا)) فان الإنسان هو الذي يفهم هذا المصدر ويحوله إلى واقع ملموس.
فربانية الغاية و الوجهة تقضي إخلاص النية والعمل والوجهة لله وحده والمقصود من هذا كله هو تحرير الإنسان وإسعاده وحمايته والسمو به.


- ايجابية الإنسان أمام القدر الهي:
إن إثبات القدر الهي لا ينفي ايجابية الإنسان ودوره في هذا الكون فالله الذي خلق الإنسان هو الذي منحه العقل والإرادة فهو قادر بقدرة الله ويريد بإرادة الله {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (30) سورة الإنسان, فالإنسان يشاء لان الله شاء له أن يشاء.
وعلى هذا الأساس أمر الله الإنسان ونهاه وبعث له الرسل وأنزل عليه الكتب ووضع نص عينيه الثواب والعقاب.
فالإنسان مخلوق مكلف مسئول وعليه ن يكدح حتى يلقى ربه فيجزيه خيرا إذا كان كدحه خير وشرا إذا كان شر, ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} (6) سورة الإنشقاق.

- بين العقل الإنساني والوحي الإلهي:
إن القدر الإلهي لن يلغي دور الإنسان في الكون مع وجود يد الله تعالى فيه, رغم انعدام التكافؤ بين الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية, فالوحي الإلهي لم يلغي دور العقل الإنساني وايجابيته في فهم الوحي والاستنباط منه والقياس عليه وملئ ما سكت عنه من فراغات تشريعية.

حيث ترك الوحي للعقل أمورا كثيرة للإبداع و التحليق فيها:
‌أ- ترك للعقل في مجال لعقيدة أن يهتدي إلى أعظم حقيقتين في الوجود:
• الحقيقة الأولى: وجد الله ووحدانيته والتي تهدي إليه الفطرة السليمة, ولا عجب إذا أقام القرآن أدلة من الكون على وجود الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} (190) سورة آل عمران, بالإضافة إلى أدلة عقلية على وحدانية الله ومنها: قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (91) سورة المؤمنون.
• الحقيقة الثانية: ثبوت الوحي والنبوة والرسالة.
فالعقل هو الذي يثبت إمكان ذلك ووقوعه بالفعل, فالعقل بعد اقتناعه بوجود الله تعالى وكماله سبحانه, يعلم أن من تمام حكمة الحكيم إلا يترك عباده ضائعين وهو قادر على أن يهديهم عن طريق مبلغين عنه, فالعقل بعد أن يعلم ذلك لا يُسلم لكل من ادعى أنه رسول من الله بل يطالبه بما يثبت صحة دعواه فيطالبه بالأدلة والآيات المعجزة التي لا يقدر عليها إلا الله, كما أن العقل ينظر في سيرة كل شخص يدعي الرسالة فيتأمل في صفاته وأخلاقه وأعماله و أقواله وبعدها يحكم عليه فيما إذا كان صادقا أم كاذبا.
‌ب- في مجال التشريع:
ترك الوحي للعقل مساحة كبيرة من الحرية في فهم النصوص واستنباط الأحكام منها وهذا ما يؤكده تعدد المذاهب وتنوع أقوال العلماء.
‌ج- في مجال الأخلاق:
لم يُغفل الوحي شأن العقل في مجال الأخلاق, فبعد ما بينت الشريعة الحلال الصريح والحرام الصريح تركت المنطقة التي تختلط فيها الأحكام لطمأنينة المرء وراحة نفسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف ذلك ((استفت قلبك واستفت نفسك, البر ما اطمأنت إليه النفس, و اطمأن له القلب, والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان أفتاك الناس وأفتوك)) رواه الإمام أحمد بإسناد حسن.
‌د- في مجال التفكر في ملكوت الله:
حيث ترك الوحي للعقل أن يجول في آفاق الكون متأملان فيه {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} (101) سورة يونس, كما حثه على كشف ظواهر هذا الكون وأن
يقوم بتسخيرها له {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ } (13) سورة الجاثية.
‌ه- في مجال الابتكار والاختراع:
كما ترك الوحي للعقل الاستفادة من تجارب الآخرين وأن ننتفع من تراث السابقين ومعارف اللاحقين فقال
تعالى: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (2) سورة الحشر, كما قال رسول الله ((الحكمة ضالة المؤمن أنى
وجدها فهو أحق بها )) رواه الترمذي.

- القرآن كتاب الإنسان:
إذا نظرنا إلى القرآن وتدبرنا في آياته سنجد أنه كتاب الإنسان حيث إن كلمة الإنسان تكررت في القران 63 مرة فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل بني ادم التي ذكرت 6 مرات وكلمة الناس 240 مرة.
ولعل من أبرز الدلائل على ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة الإنسان في اثنين منها مضمونها كلها العناية بأمر الإنسان.

- محمد رسول الإنسان:
إن الشخص الذي جعله الله مثالا حيا لتعاليم الإسلام وكان خُلقه القرآن نستطيع أن نصفه بأنه ((رسول الإنسان)), حيث جاء القرآن الكريم وكان حريص على تثبيت إنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } (110) سورة الكهف.

- الجانب الإنساني في دعوات الرسل:
نجد القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى أن الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى دعاة إلى توحيده, لم تُهمل دعوتهم الجانب الإنساني بل عملت على إصلاحه ومقاومة الفساد فيه فها هو هود عليه السلام ينكر على قومه الانحراف والبطش والجبروت {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130) } (128-130) سورة الشعراء.
ولوط يقول لقومه {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ(165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166) } (165-166) سورة الشعراء.

- الجانب الإنساني في رسالة الإسلام:
إذا تأملنا في العبادات الكبرى وجدنا إحداها إنسانية في جوهرها وهي ((الزكاة)) فهي تأخذ المال من الغني وتقوم برده إلى الفقير, وكذلك العبادات الأخرى لا تخلو من الجانب الإنساني:
• فالصلاة هي عون للإنسان في معركة الحياة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153) سورة البقرة.
• والصوم تربية للإرادة الإنسان على الصبر وتربية لمشاعره على الإحساس بالآم غيره.
• والحج دعا الله فيه عباده المؤمنين ليشهدوا منافعاً لهم والمنافع هنا يمثل الجانب الإنساني في أهداف الحج قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (27) سورة الحـج.
• بالإضافة إلى ما جاء من الأحاديث النبوية الشريفة والتي تحث على البر الإنساني والتواصل الاجتماعي وجعلها عبادة من العبادات فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى إماطة الأذى عن الطريق, وان أُمرك بمعرف صدقة وتبسمك في وجه أخيك صدقة والكلمة الطبية صدقة.

- إنسانية الإنسان:
لقد عرف العالم اتجاهين فكريين يناقض احدهما الآخر:
الاتجاه الأول: يؤله الإنسان حيث يجعله اله نفسه, لا رب خلقه فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
الاتجاه الثاني: ينظر إلى الإنسان على انه مجرد ((حيوان)) حيوان متطور, وعلى هذا الأساس ينظرون إليه ويتعاملون معه.
أما الإسلام: فلا يرفع الإنسان إلى مقام الإلوهية ولا يهبط به إلى درك الحيوانية فالإنسان مخلوق متميز كرمه الله بالعقل والإرادة.

- مظاهر التكريم الإلهي للإنسان:
فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق متميز وسنذكر الآن بعض مظاهر التكريم الإلهي للإنسان.
‌أ- استخلافه في الأرض:
لقد أعلن الإسلام كرامة الإنسان فاعتبره خليفة الله تعالى في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } (30) سورة البقرة.
إذا كرم الله الإنسان بالخلافة في الأرض وهيأه لها بالعقل والعلم الذي تفوق به على الملائكة, وهذه الخلافة كان يتطلع إليها الملائكة حتى أن الشيطان كان يطمح إليها وهذا هو سبب عداوته لآدم وبنيه.

‌ب- خلقه في أحسن تقويم:
فلقد كرم الله تعالى الإنسان بالصورة الحسنة والخلقة الحسنة كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (4) سورة التين.
‌ج- تمييزه بالعنصر الروحي:
وفوق كل هذا التكريم كرمه بالروح العلوي فهو قبس من نو الله تعالى ونفخة من روح الله سبحانه قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(72) } (71-72) سورة ص, وهذه النفخة الروحية الإلهية ليست خاصة بآدم أبي البشر, بل بنيه ونسله جميعا قد نالهم حظ منها قال الله تعالى مؤكدا هذه الحقيقة: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ(9) }
(8-9) سورة السجدة, وهذا كله يثبت أن الإنسان نوع متفرد متميز عن سائر المخلوقات.
‌د- تسخير الكون لخدمة الإنسان:
وكان من تكريم الله للإنسان أنه جعل الكون وعوالمه كلها في خدمة الإنسان وسخرها لمنفعته من شمس وقمر وسماء وأرض وماء ويابس قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } (20) سورة لقمان.
وتسخير الكون للإنسان يتضمن معنيين كبيرين:
أولهما: أن الطاقات الكونية كلها مهيأة ومبذولة للإنسان فقط عليه أن يبذل جهده ويعمل فكره في اكتشاف المجهول منها.
وثانيهما: أن الإنسان هو واسطة العقد في هذا العلم فلا يجوز للإنسان أن يؤله شيئا في هذا العالم أو يتعبد له رغبا أو رهبا فالذين عبدوا بعض الأشياء حولوا الإنسان من سيد سخر له الكون إلى عبد ذليل يسجد لنجم أو بقرة أو حجر لا ينفعه ولا يضره.
‌ه- إلغاء الوساطة الكهنوتية بين الله والإنسان:
لقد كان من دلائل تكريم الله للإنسان أنه فتح له باب التقرب إليه سبحانه وتعالى أنى يشاء ومتى يشاء ولم يحوجه إلى وسطاء من البشر يتحكمون في ضميره يقول الله تعالى مخاطبا لرسوله الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة, كما يعلن الحديث القدسي: (( من تقرب إلى الله سيرا تقرب الله إليه ذراعا ومن تقرب إلى الله ذراعا تقرب الله إليه باعا )) من حديث رواه البخاري.
وهذه الخاصة ليست للأتقياء والصالحين دون العصاة والمذنبين بل أن باب الله مفتوح على مصراعيه لكل من دعاه ووقف على أعتابه تائبا مستغفرا يقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر.


‌و- الاعتراف بالكيان الإنساني كله:
وكان من تكريم الإسلام للإنسان أن اعترف به كله كما فطره الله جسمه وروحه وعقله وقلبه وإرادته ووجدانه ولذلك نجد الإسلام يأمر الإنسان بـ:
• أمره بالسعي في الأرض والأكل من طيباتها والاستمتاع بزينة الله تعالى التي أخرجها لعباده وفي هذا وفاء بحق الجسم الإنساني.
• وأمره بعبادة الله تعالى وحده والتقرب إليه بأنواع الطاعات من صلاة وصيام وزكاة وحج ......, وفي هذا وفاء بحق الروح الإنسانية.
• وأمره بالتفكر والنظر في ملكوت السماوات والأرض, كما أمره بطلب العلم و لتماس الحكمة, وأنكر عليه تقليد الآباء بجهالة دون علم, وفي هذا وفاء بحق العقل.
• نبهه إلى جمال الكون بأرضه وسمائه وحيوانه ونباته, وما أعطاه الله من مظاهر الحسن والجمال, وفي هذا وفاء بحق الوجدان والعاطفة.

‌ز- تحرير الإنسان من اعتقاد ورائة الخطيئة الأولى:
ومن كرامة الإنسان في الإسلام أنه أزال عنه وصمه التلوث التي يولد عليها كل إنسان كما هي دعوة المسيحية التي تزعم أن خطيئة آدم – بالأكل من الشجرة المحرمة – ورثّت لبنيه ذكورا وإناثا فلا يولد مولود إلا وفي عنقه هذه الخطيئة.
أما الإسلام فقد ألغى هذا كله وأعلن أن (( كل مولود يولد على الفطرة )) من حديث رواه البخاري غير ملوث بخطيئة أو ملوث بذنب, كما قرر الإسلام بوضوح وحسم مسؤولية الإنسان عن نفسه فا يجوز في منطق العدل الإلهي أن يحمل الابن وزر أبيه {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (164) سورة الأنعام.

- بين إنسان المسيحية وإنسان الإسلام:
إن الأديان السماوية كلها قد جاءت لتحرير الإنسان وإسعاده والسمو به ولكن أصابها الغلو والتحريف, وأبرز مثل لذلك المسيحية التي جاءت لإنقاذ الإنسان من سيطرة العقلية اليهودية في ماديتها وشكلها وعنصريتها, ولكنها لم تلبث إلا حُرفت بالحذف والزيادة حتى أصبحت غلا في عنق الإنسان:
فقد اعتبرت الإيمان ضد للعقل فكان شعارها: اعتقد وأنت اعمي.
واعتبرت الجسم عدوا للروح فأهملت الأجسام إبقاء على الأرواح.
واعتبرت العمل منافيا للحياة للتعبد لله فابتدعت نظام الرهبنة.
واعتبرت الإنسان ملوثا بالخطيئة من يوم يولد ورثها من أبيه الأول.
وحجرت على الإنسان أن يتصل بربه إلا بوساطة كاهن بيده مفاتيح الجنة.
أما الإسلام فكما وجدنا في مظاهر تكريم الإنسان أنه حرره من كل ذلك.

- تقرير حقوق الإنسان :
قبل أن تسمع آذان الدنيا عن حقوق الإنسان باثنتي عشر قرنا أو تزيد ويوم كان العلم كله لا ينظر للإنسان إلا من جهة ما عليه من واجبات يطالب بأدائها, جاء الإسلام ليقرر علنا أن للإنسان حقوقا ينبغي أن تُرعى وأيضا واجبات ينبغي أن تؤدى.
ومن هذه الحقوق: حق الحياة – حق الكرامة – حق التفكير – حق التدين والاعتقاد – حق التعبير – حق التعلم – حق التملك - حق الكفاية من العيش – حق الأمن من الخوف.

وسنقتصر هنا على الحديث عن بعض هذه الحقوق:

• حق الحياة للإنسان:
قدس الإسلام حق الحياة وحماه بالتربية والتوجيه و بالتشريع, حيث اعتبر الحياة هبة من الله لا يجوز لأحد أن يسلبها غيره, فالإسلام لم يفرق في حق الحياة بين ابيض واسود ولا بين رجل وامرأة, حتى الجنين الذي ينشا عن طريق الحرام لا يجوز لامه ولا لغيرها أن تسقطه, لأنه نفس محترمة لا يحل الاعتداء عليها.
ومن أجل المحافظة على الحياة جاءت آيات القران وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تُنذر بأشد العذاب من اعتدى على نفس بغير حق, يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178) سورة البقرة.
• حق الكرامة وحماية العرض:
أكد الإسلام حرمة العرض والكرامة للإنسان مع حرمة الدماء و الأموال حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن ذلك في حجة الوداع (( إن الله حرم عليكم دمائكم وأعراضكم وأموالكم )) رواه الشيخان, فلا يجوز أن يُؤذي إنسان في حضرته ولا غيابه, وكذلك حرم الإسلام الإيذاء الأدبي للإنسان, حيث حرم الهمز والمز والتنابز بالفظ بذيئة وألقاب قبيحة, وبذلك حمى الإسلام نفس الإنسان من الإهانة, وأيضا حمى الإسلام الإنسان بعد مماته ومن هنا جاء الأمر بغسله وتكفينه ودفنه والنهي عن الاعتداء والتمثيل بجثته.
• حق الكفاية التامة:
من حق كل إنسان أن يهيأ له كفايته التامة من العيش بحيث تتوافر له الحاجات الأساسية للمعيشة, والواجب أن يكون للإنسان دخل كاف يحقق كفايته منه, وهذا الدخل يجب أن يُحصل عليه من طريق مشروع, فإذا لم يكفيه كان على أقاربه الموسرين أن يُعينوه لأنه جزء منهم وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75) سورة الأنفال, وان لم يكن له أقارب موسرون, وجبت كفايته من الزكاة التي فرضها الله على المسلمين وإذا لم تقم أموال الزكاة بتحقيق تمام الكفاية للفقراء وجب على أغنياء كل بلد إن يقوموا بكفاية فقرائهم وان لم يفعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم ألزمهم السلطان بذلك باسم الشرع الذي اوجب التكافل بين المسلمين, ودائرة هذا التكافل ليست مغلقة على المسلمين وحدهم بل تشتمل معهم من يعيش في ظل دولة الإسلام من أهل الذمة.
• حق التدين والاعتقاد:
كان الإسلام سباقا في هذا حيث لم تعترف الحضارات السابقة بهذا الحق, أما الإسلام فقد أقره من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية, ففي الإسلام لا يجوز الإكراه على الدخول في الدين لأن الدين ليس مجرد مظاهر خارجية وحركات ظاهرية يؤديها المرء بل هو حقيقة يجب أن تستقر في أعماق كل من أراد الدخول في هذا الدين, حيث يقول الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ٌ} (256) سورة البقرة.

- من ثمرات الإنسانية في الإسلام الإخاء و المساواة والحرية:
أكد الإسلام الدعوة إلى هذه المبادئ الإنسانية الثلاثة ووضع الصور العملية لتطبيقها وربطها بعقائده وشعائره وآدابه, فأما الإخاء والمساواة فهما مبدأنا متلازمان.
أولا: مبدأ الإخاء الإنساني:
أما مبدأ الإخاء البشري العام فقد قرره الإسلام بناء على أن البشر جميعا أبناء رجل واحد ((آدم)) وامرأة واحدة ((حواء)) حيث صمتهم هذه الرحم الواصلة, ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء, وكلمة الأرحام في هذه الآية تفسر أنها تشمل لعمومها الرحم الإنسانية العامة وهي تتسق مع بداية الخطاب الرباني ((يا أيها الناس)).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرر هذا الإخاء ويؤكده من خلال دعائه الذي كان يقول فيه:
(( اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه, أنا شهيد انك الله وحدك لا شريك لك  اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه, أنا شهيد أن محمد عبدك ورسولك اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه, أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة )) رواه أبو داوود.
بهذا الدعاء كان يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بعد كل صلاة وانه ليدلنا أوضح دلالة على قيمة الإخاء البشري في رسالة الإسلام:
1) فهو يعلن الأخوة بين عباد الله كلهم لا بين العرب وحدهم ولا بين المسلمين وحدهم, مشيرا إلى الجامع المشترك بينهم وهو العبودية لله تعالى.
2) وهو صلى الله عليه وسلم يقرر ذلك في صيغة دعاء ويشهد بنفسه أمامه سبحانه على حقيقة هذا المبدأ وصدقه.
3) قرن هذا المبدأ بالمبدأين الأساسيين في عقيدة الإسلام وهما توحيدا لله تعالى و رسالة عبده محمد.
4) ثم هو لا يكتفي بإعلانه مرة في العمر أو كل شهر أو كل أسبوع بل كان صلى الله عليه وسلم يكررها في كل يوم خمس مرات عقب كل صلاة وهذا دليل على فريد العناية والاهتمام.
5) أنه جعل ذلك من الأدعية التي يتقرب بتكراره إلى الله وربطه بالصلاة وهذا يضفي عليه قدسية في قلوب المؤمنين.


ثانيا: مبدأ المساواة الإنسانية:
أما مبدأ المساواة الذي قرره الإسلام و نادى به فأساسه أن الإسلام يحترم الإنسان ويكرمه وحيث هو إنسان مسقطا بدلك كل أنواع التفرقة القبلية والعنصرية والقومية واللونية, قول الله تعالى في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات, فقد يختلفون الناس في أجناسهم وعناصرهم وفي أنسابهم و ثرواتهم ولكن هذا الاختلاف لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية اكبر من قيمة الآخر الذي هو اقل منه بل إن قيمة الإنسانية واحدة للجميع.

- شعائر الإسلام تثبت معنى المساواة:
لم يكتف الإسلام بتقرير مبدأ المساواة نظريا بل أكده عمليا وذلك بالعبادات والشعائر التي فرضها الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج, ففي المساجد الإسلامية مثلا: حيث تقام صلاة الجمعة والجماعة تأخذ المساواة صورتها العملية فمن ذهب إلى المسجد أولا اخذ مكانه في مقدمة الصفوف وإن كان أقل الناس مالا وأضعفهم جاها, ومن تأخر حضوره تأخر مكانه مهما يكن مركزه ولو نظرت إلى الصف واحد من صفوف المصلين لرئيت الغني بجانب الفقير والحاكم بجانب المحكوم فلا فرق بين واحد وآخر فكلهم سواسية أمام الله في قيامهم وقعودهم وركوعهم وسجودهم, وكذلك الأمر في الحج.

- المساواة أمام قانون الإسلام:
ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولا وطبقها فعلا المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام, فالحلال حلال للجميع والحرام حرام على الجميع والفرائض ملزمة للجميع والعقوبات مفروضة على الجميع, فمثلا: حاولت إحدى القبائل عند دخولها الإسلام أن تعفى من الصلاة حينا من الزمن فأبى عليها ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (( لا خير في دين لا صلاة فيه )), وفي عهد الخلفاء الراشدين رأينا كثيرا من الأمثلة لتطبيق مبدأ المساواة بين جميع الناس, فهاهي قصة عمر مع واليه في مصر: عمرو بن العاص حين ضرب ابن عمر ابن القبطي متطاولا عليه فما كلن من القبطي إلا أن سافر من مصر إلى المدينة شاكيا الوالي وطالبا العدل فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن استدعى واليه وولده, وأمر ابن القبطي أن يضرب ابنه كما ضربه, ثم قال لعمر وكلمته الشهيرة: (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا...؟؟!! )).

- كيف كانت المساواة في أمم الحضارة عند ظهور الإسلام:
لا يقدر المساواة في الإسلام حق قدرها إلا من اطلع على تاريخ الأمم عند ظهور الإسلام وكيف كان التمييز
و التفاوت بين الناس يأخذ أشكالا حادة تهون معها كرامة الإنسان ففي بلاد الفرس مثلا كانت الأكاسرة ملوك فارس, يّدعون أنه تجري في عروقهم دم الهي وكان الفرس ينظرون إليهم كآلهة ويعتقدون أن في طبيعتهم شيئا علويا مقدسا فكانوا يرونهم فوق القانون وفوق الانتقاد وفوق البشر ويعتقدون أن لهم حقا على كل إنسان وليس لإنسان حق عليهم.
أما الحضارة الغربية فقد أعلنت المساواة مبدءا وفكرة ولكنها عجزت عن تحقيقه في مجتمعاتها ولا زالت مشكلة
(( التمييز العنصري )) حية قائمة نقرا عنها ونسمع, فقد حدث أن اخطأ رجل اسود فدخل كنيسة من كنائس البيض في يوم , وكان القسيس يعظ ويتحدث فلمح هذا الوجه الغريب بين الحضور فلم يملك إلا أن أخرج ورقة مطوية أرسلها إليه, فلما فتحها الرجل الأسود وجد فيها: عنوان كنيسة السود في شارع كذا....!!!
فروح الحضارة الغربية روح تمييز واستعلاء وليست روح إخاء ولا مساواة.
والمهم أن نعلم أن الإسلام نادى بالمساواة نظرياً وطبقها عملياً وأقام علينا مجتمع حطم كل الفوارق التي تقيم الحواجز بين الناس من عنصرية ولونية وطبقية كما نرى ذلك واضحاً في صفحات الحضارة الإسلامية وكما نرى إلى اليوم في مجتمعات المسلمين على ما فيها من انحراف عن حقيقة الإسلام .



 الشمول:
- الشمول من الخصائص التي تميز بها الإسلام عن كل ما عرفه الناس من الأديان والفلسفات والمذاهب، إنه شمول يستوعب الزمن كله، ويستوعب الحياة كلها، ويستوعب كيان الإنسان كله.

- رسالة الزمن كله:
إنها رسالة لكل الأزمنة والأجيال، ليست رسالة موقوته بعصر معين ينتهي أثرها بانتهائه كما كان الشأن في رسالات الأنبياء السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم، أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم النبيين ورسالته عي رسالة الخلود التي قدر الله بقائها إلى أن تقوم الساعة، فليس بعد الإسلام شريعة، ولا بعد القرآن كتاب، ولا بعد محمد نبي، هذا ولقد جاءت الكتب السماوية تبشر بمن يأتي بعدها فالتوراة تبشر بمن يأتي بعد موسى، وبشرالإنجيل بمن يأتي بعد المسيح عيسى وهو ((الغارقليط)) الذي سيبين كل الحق ولايتكم من عند نفسه أي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
فالأنبياء جميعاً جاؤوا بالإسلام ونادوا بالتوحيد واجتناب الطاغوت وهذا ما يقرره القرآن في وضوح وتأكيد فكل الأنبياء أعلنوا أنهم مسلمون ودعوا إلى الإسلام فها هو نوح عليه السلام قال {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (72) سورة يونس, وموسى قال {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (84) سورة يونس, والحواريون قالوا لعيسى {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52) سورة آل عمران.

- رسالة العالم كله:
إنها الرسالة الشاملة التي تخاطب كل الأمم وكل الأجناس وكل الطبقات.
إنها رسالة لشعب خاص, يزعم أنه وحده شعب الله المختار ! وأن الناس جميعاً يجب أن يخضعوا له.
وليست رسالة لطبقة معينة مهمتها أن تسخر الطبقات الأخرى لخدمة مصالحها أو اتباع أهوائها. إنها رسالتهم جميعاً وهذا ما وضحه القرآن منذ العهد ا لمكي حيث يقول { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158) سورة الأعراف.

_ رسالة الإنسان كله:
وهي كذلك رسالة الإنسان من حيث هو إنسان متكامل, إنها رسالة الإنسان كله:روحه وعقله وجسمه وضميره وإرادته ووجدانه كما ذكرنا ذلك في (( خصيصة الإنسانية )).
إن الإسلام لم يشطر الإنسان شطرين كما فعلت الأديان أخرى: شطر روحي يوجبه الدين وهذا الشطر من اختصاص رجال الدين (( الكاهن أو القسيس )) وشطر مادي لا سلطان للدين ولا لرجاله عليه ولا مكان لله فيه إنه شطر ا لحياة .
فهل يا ترى يتفق هذا مع فطرة الإنسان وطبيعته كما خلقه الله ؟
كلا, فالإنسان ليس مجزئا ولا مشطوراً إنه (( كل )) متكامل لا تنفصل فيه روح عن مادة ولا مادة عن روح فلهذا يجب أن تكون غايته واحدة, ووجهته واحدة وطريقه واحداً وهذا ما صنعه الإسلام. فقد جعل الغاية لله والوجهة الآخرة. وبهذا لا يتمزق الإنسان بين توجيهين مختلفين.

_ رسالة الإنسان في أطوار حياته كلها:
وإنها رسالة الإنسان _ أيضاً _ في كل مراحل حياته ووجوده فهذا مظهر آخر من مظاهر الشمول الإسلامي.
فهي تصحبه طفلاً ويافعاً وشاباً وكهلاً وشيخاً وترسم له في كل هذا المراحل المتعاقبة المنهج الأمثل الذي يحبه الله و يرضاه.
فلا عجب أن تجد في الإسلام أحكاماً تتعلق بالمولود منذ ساعة ميلاده مثل التأذين في أذنه واختيار اسم حسن له وغير ذلك .
ونجد أحكاماً تتعلق بإرضاع الرضيع ومدته وفصاله وفطامه وبعد ذلك نجد أحكاماً تتعلق بالجنين من حيث حمايته واستمرار غذائه بمقدار كاف {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (6) سورة الطلاق.
كما نجد في الإسلام أحكاماً أخرى تتعلق بالإنسان بعد موته: من وجوب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه وغير ذلك من الأحكام.

_ رسالة الإنسان في كل مجالات حياته:
وفي معاني الشمول في الإسلام أيضاً: أنه رسالة للإنسان في كل مجالات الحياة فلا يدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا كان له فيه موقف: وقد يتمثل في إقرار أو تصحيح أو إتمام أو تغير وقد يسلك سلك الموعظة الحسنة وقد يتخذ أسلوب العقوبة الرادعة كل في موضعه.
المهم أنه لا يدع الإنسان وحده بدون هداية الله في أي طريق يسلكه: مادياً كان أو روحياً, فردياً أو جماعياً, فكريا ًأو عملياً, فكرياً أو عملياً، دينياً أو سياسياً, اقتصادياً أو أخلاقياً.
نجد مثلاً بعض الديانات كالمسيحية ارتضت أن تقسم الحياة نصفين: نصف للدين تقوده الكنيسة, ونصف للدنيا تقوده الدولة ولكن الإسلام ينكر هذه القسمة للحياة ويرفضها لأمرين:
الأول: أن الإسلام يجعل الكون كله والخلق كلهم ملكاً لله يقول الله تعالى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} (6) سورة طـه, فلا يجوز في عقيد ة الإسلام أن يخضع المسلم-مختاراً لأمر قيصر وهو قادر على إخضاع قيصر لأمر الله { بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً } (31) سورة الرعد.
والثاني: أن الحياة بكل جوانبها كتلة واحدة لا تقبل الانقسام والتفريق ولا ينفصل فيها الدين عن الدولة ولا الفرد عن الأسرة.

_ شمول التعاليم الإسلامية:
إن شمول التعاليم الإسلامية يتجلى في العقيدة وفي العبادة وفي الأخلاق وفي التشريع:

أولا: شمول العقيدة الإسلامية:
فالعقيدة الإسلامية عقيدة شاملة في أي جانب نظرت إليها:
1- فهي توصف بالشمول لأنها تفسر كل القضايا الكبرى في هذا الوجود. القضايا التي شغلت الفكر الإنساني: قضية الألوهية, قضية الكون , قضية الإنسان , قضية النبوة, قضية المصير.
2- توصف العقيدة الإسلامية بالشمول كذلك, لأنها لا تجزئ الإنسان بين إلهين اثنين إله الخير وإله الشر والظلمة كمل في المجوسية.
3- توصف العقيدة الإسلامية بالشمول من ناحية أخرى: وهي أنها لا تعتمد في ثبوتها على الوجدان أو الشعور وحده كما هو شأن المسيحية التي ترفض تدخل العقل في العقيدة رفضاً باتاً. كما لا تعتمد على العقل وحده كما هو شأن جل الفلسفات البشرية. وإنما تعتمد على الفكر والشعور معاً أو العقل والقلب جميعا, فالإيمان الإسلامي هو الذي ينبعث من ضياء العقل وحرارة القلب .
4- وتوصف العقيدة الإسلامية بالشمول أيضاً, لأنها عقيدة لا تقبل التجزئة, لا بد أن تؤخذ كلها بكل محتوياتها دون إنكار أو حتى شك في أي جزء منها. فمن آمن بـ 99 % من مضمون هذه العقيدة ومن كفر بـ 1 % لم يعد بذلك مسلماً, فالإسلام يقتضي أن يسلم الإنسان قياده كله لله و يؤمن بكل ما جاء من عنده.


ثانيا: شمول العبادة في الإسلام:
العبادة في الإسلام تستوعب الكيان البشري كله, فالمسلم لا يعبد الله بلسانه فحسب أو ببدنه فقط أو بقلبه أو بعقله, بل يعبد الله بهذه كله: بلسانه ذاكراً داعياً تالياً, وببدنه مصلياً صائماً مجاهداً, وبقلبه خائفاً راجياً مجيباً متوكلاً,وبعقله متفكراً متأملاً.
فمثلاً: عبادة كالصلاة تتجلى فيها عبادة اللسان بالتلاوة والتكبير والتسبيح والدعاء وعبادة الجسم بالقيام والقعود والركوع والسجود وعبادة العقل بالتفكر والتأمل في معاني القرآن وأسرار الصلاة وعبادة القلب بالخشوع والحب لله والشعور بمراقبة الله.
وكل عمل نافع يقوم به المسلم لخدمة المجتمع وخصوصاً الضعفاء وذوي العجز والفاقة منهم هو كذا عبادة أي عبادة, ويدخل في دائرة العبادة: سعي الإنسان على معاشه ومعاش أسرته ليغنيهم بالحلال ويعفهم عن السؤال، وأكثر من ذلك أنه جعل من وضع شهوته في حلال كان له بها أجر.

ثالثا: شمول الأخلاق في الإسلام:
إن الأخلاق في الإسلام لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية:روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع.
1- إن من أخلاق الإسلام ما يتعلق بالفرد في كافة نواحيه:
أ- جسماً له ضروراته وحاجاته قال الله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف, وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن لبدنك عليك حقا )) رواه الشيخان.
ب - وعقلاً له مواهبه وأفاقه يقول الله تعالى {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} (101) سورة يونس.
ج – ونفساً لها مشاعرها ودوافعها وأشواقها {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(10)} (9-10) سورة الشمس.
2- ومن أخلاق المسلم ما يتعلق بالأسرة:
أ – كالعلاقة بين الأبوين والأولاد: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} (15) الأحقاف، {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً } (31) سورة الإسراء.
ب – كالعلاقة بين الزوجين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (19) سورة النساء.
ج – وكالعلاقة بين القارب والأرحام:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (26) سورة الإسراء.


3- ومن أخلاق المسلم ما يتعلق بالمجتمع:
أ – في آدابه ومجاملاته فمثلاً :قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (27) سورة النــور.
ب – وفي اقتصاده ومعاملاته: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3) } (1-3) سورة المطففين.
ج – وفي سياسته وحكمه: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء.
4- وفي أخلاق الإسلام ما يتعلق بغير العقلاء من الحيوان والطير كما في الحديث الشريف (( اتقوا الله في البهائم المعجمة،فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة)) رواه البخاري.
5- ومن أخلاق الإسلام ما يتعلق بالكون الكبير: من حيث إنه مجال التفكر والاستدلال بما فيه من إبداع وإتقان على وجود مبدعه وقدرته وعلى علمه وحكمته {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} (190) سورة آل عمران.
ومن حيث إنه مجال للانتفاع والاستمتاع بما أودع الله فيه من خيرات والتي تستوجب الشكر لواهبها والمنعم بها كما قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة.
6- وفوق ذلك كله وقبل ذلك كله ما يتعلق بحق الخالق العظيم الذي منه كل النعم وله كل الحمد { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } (2-6) سورة الفاتحة.
فهو وحده الحقيق بأن يحمد الحمد كله وهو وحده يستحق أن يعبد وأن يستعان وأن تطلب منه الهداية.
وبهذا نجد أن الإسلام نظر إلى الأخلاق نظرة جامعة محيطة مستوعبة أم الفلسفات والنظرية البشرية فكان عيبها أنها نظرت إلى الأخلاق في زاوية واحدة وأغفلت الأخرى.

رابعا: شمول التشريع في الإسلام:
والتشريع في الإسلام تشريع شامل ذلك.
إن تشريع الإسلام يشمل التشريع للفرد في تعبده وصلته بربه وهذا ما يفصله قسم (( العبادات )) في الفقه الإسلامي.
ويشمل التشريع للفرد في سلوكه الخاص و العام وهذا ما يسمى (( الحلال والحرام )).
ويشمل التشريع ما يتعلق بأحوال الأسرة من زواج وطلاق ....الخ, وهذا ما يسمى في عصرنا (( الأحوال الشخصية )).
ويشمل التشريع للمجتمع في علاقاته المدنية و التجارية وما يتصل بتبادل المنافع والأموال.
ويشمل التشريع ما يتصل بالجرائم و عقوباتها وهذا ما يسمى (( التشريع الجنائي )).
ويشمل التشريع الإسلامي ما يتعلق بواجب الحكومة نحو المحكومين وبالعكس وتنظيم الصلة بين الطرفين وهذا ما يسمى (( التشريع الدستوري )) أو ((الإداري )) أو (( المالي )).
ويشمل التشريع الإسلامي ما ينظم العلاقات الدولية في السلم والحرب بين المسلمين وغيرهم وهذا ما يسمى في عصرنا (( القانون الدولي )).
ويبدو شمول التشريع الإسلامي في أمر آخر وهو النفاذ إلى أعماق المشكلات المختلفة وما يؤثر فيها وما يتأثر بها والنظر إليها نظرة محيطة مستوعبة مبنية على معرفة النفس الإنسانية وحقيقة دوافعها وتطلعاتها وربط التشريع بالقيم الدينية والأخلاقية، بحيث يكون التشريع في خدمتها ولا يكون معولاً لهدمها قال الله تعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

خامسا: شمول الالتزام بالإسلام كله:
هذا الشمول الذي تميز به الإسلام يجب أن يقابله شمول مماثل من جانب التزام المسلمين: أعني الالتزام بهذا الإسلام كله في شموله وسعته، فلا يجوز الأخذ بجانب من تعاليمه وأحكامه وطرح جانب آخر قصداً أو إهمالاً لأنها (( كل )) لا يتجزأ .
ولا يجوز في نظر الإسلام العناية بالعبادات والشعائر وإهمال جانب الأخلاق والفضائل {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت.



 الوسطية:

وهذه خصيصة أخرى من أبرز خصائص الإسلام وهي (( الوسطية )) ويعبر عنها بـ (( التوازن )) ونعني بها التوسط بين طرفين متقابلين أو متضادين، مثلاً الروحية والمادية، الفردية والجماعية، الواقعية والمثالية.

- عجز الإنسان عن إنشاء نظام متوازن:
وهذا في الحقيقة أكبر من أن يقدر عليه الإنسان بعقله المحدود وعلمه القاصر فضلاُ عن تأثير ميوله ونزعاته الشخصية، ولهذا لا يخلو منهج أو نظام يصنعه بشر من الإفراط أو التفريط.
ولذلك إن القادر على إعطاء كل شيء في الوجود حقه هو الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ووسع كل شيء رحمة وعلماً لذا لا عجب أن نرى هذا التوازن الدقيق فيما أمر الله به وشرعه في الدين.

- ظاهرة التوازن في الكون كله:
ننظر في العالم من حولنا فنجد الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والمجموعات الكونية السابحة في الفضاء، إن كلاً منها يسبح في مداره دون أن يصدم غيره أو يخرج عن دائرته وصدق الله العظيم إذ يقول: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (40) سورة يــس.
فهل صفة التعادل هي أيضاً الحقيقة الأولى في كيان الإنسان ؟
فلننظر أولاً كيف يعيش الإنسان من حيث هو كائن مادي ؟إنه يعيش بالتنفس ما هو التنفس ؟ هو حركة تعادل بين الشهيق والزفير.
فإذا أختل هذا التعادل بأن طال الشهيق أكثر مما ينبغي طاغياً على الزفير وبالعكس فإن حياة الإنسان ستتوقف.
وإذا انتقلنا إلى التركيب الروحي للإنسان نجد أن له شهيقه وزفيره فيما يمكن أن نسميه (( الفكر والشعور )) أو(( العقل والقلب )).
فالإنسان إذن كائن متعادل مادياً وروحياً بل كل الكائنات التي تحملها الأرض متعادلة.
وإلى هذه الخصيصة البارزة يشير قوله تعالى مخاطباً امة الإسلام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (143) سورة البقرة.
ووسطية الأمة الإسلامية إنما هي مستمدة من وسطية منهجها ونظامها فهو منهج وسط لأمة وسط.

- مزايا الوسطية وفوائدها:
‌أ - الوسطية أليق بالرسالة الخالدة:
يجوز في رسالة مرحلية محدودة الزمن أن تعالج بعض التطرف في قضية ما بتطرف مضاد، فإذا كان هناك غلو في النزعة المادية رد عليها بغلو معاكس في النزعة إلى الروحية. وذلك في الديانة المسيحية وموقفها في النزعة المادية الواقعية عند اليهود والرومان .
أما في الرسالة الخالدة كان لابد من العودة إلى الحد الوسط وإلى الصراط السوي وهذا ما جاءت به رسالة الإسلام بوصفها رسالة عالمية خالدة.

‌ب - الوسطية تعني العدل:
فمن معاني الوسطية التي وصفت بها الأمة في الآية الكريمة ورتبت عليها شهادة على البشرية كلها: العدل، الذي هو ضرورة لقبول شهادة الشاهد كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (143) سورة البقرة.
فالوسط يعني: العدل والاعتدال وبعابرة أخرى: يعني التعادل بلا جنوح إلى الغلو ولا إلى التقصير.
‌ج - الوسطية تعني الاستقامة:
أي استقامة المنهج والبعد عن الميل والانحراف فالمنهج المستقيم وبتعبير القرآن الكريم (( الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ))، فإذا فرضنا خطوطاً كثيرة واصلة بين نقطتين متقابلتين، فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية، ومن ضرورة كونه وسطاً بين الطرق الأخرى أن تكون الأمة المهدية إليه وسطاً بين الأمم السالكة إلى تلك الطرق الزائغة.
والذي لاشك منه أن كلاً من اليهود والنصارى يمثلون الإفراط والتفريط في كثير من القضايا. فاليهود قتلوا الأنبياء والنصارى ألهوهم، اليهود أسرفوا في التحريم والنصارى أسرفوا في الإباحة، اليهود غلوا في الجانب المادي والنصارى قصروا فيه، النصارى غلوا في الجانب الروحي واليهود قصروا فيه، أما الإسلام فإنه يعلم المسلم أن يحذر من تطرف كلا الفريقين وأن يلتزم المنهج الوسط أو المستقيم.
‌د - الوسطية دليل الخيرية:
والوسطية دليل الخيرية ومظهر الفضل والتميز في الماديات والمعنويات فمثلاً رئيس القوم في الوسط والأتباع من حوله وفي الأمور المعنوية نجد التوسط دائماً خير من التطرف ومن هنا قال المفسر ابن كثير في قوله تعالى (( أُمَّةً وَسَطاً ))الوسط هنا: الخيار والأجود.
‌ه - الوسطية تمثل الأمان:
والوسطية تمثل منطقة الأمان، والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد بخلاف الوسط فهو محمي ومحروس بما حوله.
‌و - الوسطية دليل القوة:
فالوسط هو مركز القوة، ألا ترى الشباب الذي يمثل مرحلة القوة وسطاً بين ضعفين هما الطفولة وضعف الشيخوخة.
‌ز - الوسطية مركز الوحدة:
والوسطية تمثل مركز الوحدة ونقطة التلاقي فعلى حين تتعدد الأطراف تعدداً قد لا يتناهى يبقى الوسط واحداً يمكن لكل الأطراف أن تلتقي عنده وهذا واضح في الجانب المادي والجانب الفكري والمعنوي .
فمركز الدائرة في وسطها يمكن لكل الخطوط الآتية من المحيط أن تلتقي عنده والفكرة الوسطى يمكن أن تلتقي بها الأفكار المتطرفة في نقطة ما، هي نقطة التوازن والاعتدال.

- مظاهر الوسطية في الإسلام:
وإذا كان للوسطية كل هذه المزايا فلا عجب أن تتجلى واضحة في كل جوانب الإسلام، فالإسلام وسط في الاعتقاد، ووسط في التعبد، ووسط في الأخلاق، ووسط في التشريع:

أولا: وسطية الإسلام في الاعتقاد:
أ – فهو وسط في الاعتقاد بين الخرافيين الذين يسرفون في الاعتقاد وبين المادين الذين ينكرون كل ما وراء الحس,
فالإسلام يدعوا إلى الاعتقاد والإيمان ولكن بما قام عليه الدليل القطعي والبرهان اليقيني وماعدا ذلك يرفضه ويعده من الأوهام.
ب – وسط بين الملاحدة الذين لا يؤمنون بإله قط وبين الذين يعبدون الآلهة حتى عبدوا الأبقار وألهو الأحجار.
فالإسلام يدعوا إلى الإيمان بإله واحد لا شريك له وكل من عدا وما عداه مخلوقات لا تملك ضراً ولا نفعاً . قال الله تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (5) سورة الأحقاف.
ج – وهو وسط بين الذين يعتبرون الكون هو الوجود الحق وحده وبين الذين يعتبرون الكون وهماً لا حقيقة له, فالإسلام يعتبر وجود الكون حقيقة لا ريب فيها ولكنه يعبر من هذه الحقيقة إلى حقيقية اكبر منها وهي: من كونه ونظمه ودبر أمره وهو الله تعالى.
د – وهو وسط بين الذين يؤلهون الإنسان ويعتبرونه إله نفسه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وبين الذين جعلوه أسير جبرية اقتصادية أو اجتماعية أو دينية.
فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكلف مسؤول، سيد في الكون، عبد لله.
هـ - وهو وسط بين الذين يقدسون الأنبياء حتى رفعوهم إلى مرتبة الألوهية، وبين الذين كذبوهم واتهموهم, فالأنبياء بشر مثلنا، يأكلون ويمشون ويتزوجون والفرق بيننا وبينهم أن الله منَّ عليهم بالوحي وأيدهم بالمعجزات.
و – وهو وسط بين الذين يؤمنون بالعقل وحده مصدراً لمعرفة حقائق الوجود وبين الذين لا يؤمنون إلا بالإلهام ولا يعترفون للعقل بدور.
فالإسلام يؤمن بالعقل ويدعوه للتفكير وينكر عليه الجمود والتقليد ويعتمد عليه في إثبات أعظم حقيقتين في الوجود وهما:1- وجود الله تعالى, 2- وصدق دعوة النبوة, ولكنه يؤمن بالوحي مكملاً للعقل وهادياً له فيما تضل فيه العقول وتختلف فيه الغيبيات وطرائق التعبد لله تعالى.

ثانيا: وسطية الإسلام في العبادات والشعائر:
والإسلام وسط بين عباداته بين الأديان التي ألفت الجانب الرباني من فلسفتها وواجباتها كالبوذية وبين الأديان التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة كالرهبانية المسيحية.
فالإسلام يكلف المسلم أداء شعائر محدودة في اليوم كالصلاة، أو في السنة كالصوم، أو في العمر مرة كالحج، ليظل دائماً موصولاً بالله غير مقطوع عن رضاه ثم يطلقه بعد ذلك ساعياً منتجاً.
ولعل أوضح دليل نذكره هنا: الآيات الآمرة بصلاة الجمعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10) } (9-10) سورة الجمعة.

ثالثا: وسطية الإسلام في الأخلاق:
أ- والإسلام وسط في الأخلاق بين غلاة المثالين الذين تخيلوا الإنسان ملاكاً فوضعوا له من القيم مالا يمكن له، وبين غلاة الواقعين الذين حسبوه كالحيوان فأرادوا له من السلوك مالا يليق به.
أم الإسلام نظرته وسطاً بين أولئك وهؤلاء فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مركب فيه العقل وفيه الشهوة وفيه استعداد للفجور واستعداده للتقويم نفسه و لكن مهمته هي تزكية نفسه كما قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} (7-10) سورة الشمس.
ب- وهو وسط كذلك في نظرته إلى حقيقة الإنسان بين المذاهب التي تقوم على اعتباره روحاً علوياً سجن في جسد أرضي ولا يسموا إلا بتعذيب هذا الجسد كالبرهمية وبين المذاهب المادية التي تعتبر الإنسان جسداً محضاً لا يسكنه روح علوي, أما الإنسان في الإسلام فهو كيان روح ومادي.
ج- وهو وسط النظرة إلى الحياة بين الذين أنكروا الآخرة واعتبروا هذه الحياة الدنيا هي كل شيء لهذا لم يعرفوا لهم هدفاً يركضون وراءه غير المنافع الفردية الدنيوية العاجلة، وبين الذين رفضوا هذه الحياة فحرموا على أنفسهم طيباتها, أما الإسلام يعتبر الحياتين ويجعل الدنيا مزرعة الآخرة ويرى العمل في عماراتها عبادة لله، وينكر على غلاة المتدينين تحريك الطيبات.
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف.
كما ينكر على الآخرين انهماكهم في الشهوات يقول الله في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (12) سورة محمد.

رابعا: وسطية الإسلام في التشريع:
والإسلام وسط كذلك في تشريعه ونظامه القانون والاجتماعي .
فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي أسرفت في التحريم وكثرت من المحرمات وبيم المسيحية التي أسرفت في الإباحة وكثرت فيها المباحات, فالإسلام قد أحل وحرم ولكنه لم يجعل التحليل ولا التحريم من حق بشر بل من حق الله وحده ولم يحرم إلا الخبيث كما لم يحل إلا الطيب, قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
والتشريع الإسلامي وسط في شؤون الأسرة، فهو وسط بين الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير قيد وبين الذين رفضوه ولو اقتضته المصلحة فقد شرع الإسلام هذا الزواج بشر القدرة على الإنفاق والثقة بالعدل بين الزوجتين كما قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة } (3) سورة النساء, والإسلام وسط في تشريعه الاجتماعي بين الرأسماليين الذين يفضلون الفرد على حساب المجتمع وبين الماركسيين الذين يضخمون دور المجتمع ويضغطون على الفرد بمصادرة نوازعه الذاتية.

- التوازن بين الروحية والمادية:
لا عجب أن نجد من أبرز مظاهر الوسطية في رسالة الإسلام: التوازن بين الروح والمادة أو بين الدين والدنيا.
- لقد وجدت في التاريخ أمم وأفراد كل همهم إشباع الجانب المادي في الإنسان دون الالتفات إلى الجوانب الأخرى: {وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (29) سورة الأنعام وهذه النزعة المادية المغالية جديرة بأن تولد التكالب على متاع الدنيا والغرور والاستكبار، ونرى ذلك واضحاً فيما قصه الله علينا في القرآن.
فها هو صاحب الجنتين يفخر على صاحبه قائلاً: { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً(34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدا(35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً(36)} (34-36) سورة الكهف.
ونتيجة لهذا الغرور والتكبر أرسل الله على جنته حسباناً من السماء فأصبحت صحراء قاحلة وأصبح ماؤها غورا.
وكذلك الأمم التي أترفت في الحياة الدنيا قتلها الترف ودمرها التحلل وحقت عليها كلمة العذاب وعن هذا نجد أمثلة كثيرة في القرآن الكريم كما قال الله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِين(11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ(13)} (11-13) سورة الأنبياء.
- وفي الطرف المقابل نجد أفراد وأمم نظروا إلى الدنيا نظرة احتقار وعداوة فحرموا على أنفسهم طيبات الحياة وزينتها وبدا ذلك بوضوح وجلا في نظام الرهبانية الذين ابتدعه النصارى.
- أما الإسلام قام بين هاتين النزعتين يدعوا إلى التوازن والاعتدال فصحح مفهوم الناس عن حقيقة الإنسان وعن حقيقة الحياة.
فالإنسان مخلوق مزدوج الطبيعة يقوم كيانه على المادة والروح وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الطبيعة المزدوجة في خلق الإنسان فقال تعالى: { وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(72) } (71-72) سورة ص.
والحياة ليست سجنا عوقب الإنسان به إنما هي نعمة يجب أن تشكر ومزرعة لحياة أخرى هي خير وأبقى.
والقرآن الكريم يدعوا إلى العمل للحياة والاستمتاع بطيباتها مع الحث على الاستعداد للآخرة وذك بالإيمان والعبادة وحسن الصلة بالله حيث يقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (10) سورة الجمعة.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل من طيبات هذه الحياة ولا يحرمها على نفسه ولكنه لم يجعلها شغل نفسه فكان يدعوا (( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا )) رواه البخاري.
وهكذا تعلم الصحابة أن يوازنوا بين مطالب دنياهم وآخرتهم وأن يعملوا للدنيا كأحسن ما يعمل أهل الدنيا ويعملوا للآخرة كأحسن ما يعمل أهل الآخرة، يقول القائد الفاتح عمرو بن العاص رضي الله عنه ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً )), ولم يشعروا بتعارض بين عملهم لدنياهم بل شعروا بالوحدة والانسجام حيث كانت شعائرهم وواجباتهم الدينية تعطيهم زاداً وشخصية قوية يواصلون بها الكفاح لدنياهم.


- التوازن بين الفردية والجماعية:
وفي النظام الإسلامي تتوازن حرية الفرد ومصلحة الجماعة وتتكافأ فيها الحقوق والواجبات .
ولقد تخبطت المذاهب في قضية الفرد والمجتمع والعلاقة بينهما: هل الفرد هو الأصل والمجتمع طارئ لأنه متكون من الأفراد ؟ أم المجتمع هو الأساس والفرد نافلة لأن الفرد بدون المجتمع مادة خام والمجتمع هو الذي يشكلها ويعطيها صورتها.
ولذلك جاءت الأديان السماوية لتقيم التوازن بين الفردية الجماعية ولكن أتباعها سرعان ما حرفوها ففقدت بذلك وظيفتها في الحياة.
لهذا كان اليهود الذين تفرقوا في الأرض يؤيدون الفردية بتفكيرهم وسلوكهم القائم على الأنانية وجاءت المسيحية أيضاً تهتم بنجاة الفرد قبل كل شيء تاركة شأن المجتمع يعتصر.
حتى إن عالمنا اليوم يقوم فيه صراع ضخم بين المذهب الفردي والمذهب الجماعي فالرأسمالية تقوم على تقديس الفردية واعتبارها هي المحور الأساسي فهي تعطي الفرد حرية التملك وحرية التمتع ولوأدت هذه الحريات إلى إضرار نفسه وغيره.
والمذاهب الاشتراكية تقوم على الحط من قيمة الفرد والتقليل من حقوقه والإكثار من واجباته واعتبار المجتمع هو الأصل فالفرد ليس له حق التملك إلا في بعض الأمتعة وليس له الحق التوجيه لسياسة بلده وإذا انتقدها بشكل علني فان السجون والمنافي وحبال المشانق له بالمرصاد.

ذلك هو شأن فلسفات البشر وموقفها من الفردية والجماعية فماذا كان موقف الإسلام ؟
- إن شارع هذا الإسلام هو خالق هذا الإنسان وقد خلقه سبحانه على طبيعة مزدوجة: فردية واجتماعية في آن واحد .
والنظام الصالح هو الذي يراعي هذين الجانبين: الفردية والجماعية، ولا يطغوا أحدهما على الأخر.
وقد جاء الإسلام نظاماً وسطاً عدلاً لا يجور على الفرد لحساب المجتمع ولا يظلم المجتمع من أجل الفرد لذلك من هنا نجد:
1- قرر الإسلام حرمة الدم، فحفظ للفرد (( حق الحياة )) وأعلن القرآن أن {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (32) سورة المائدة, وأوجبت الشرعة القصاص في القتل العمد.
2- وقرر حرمة العرض، فصان للفرد (( حق الكرامة )) فلا يجوز أن يهان في حضرته أو يؤذى في غيبته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات.
3- وقرر حرمة المال، فصان للفرد (( حق التملك )) فلا يحل لأحد أن ينهب ماله ويأخذه منه بغير حق، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (( أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا )) رواه مسلم.
4- وقرر حرمة البيت، فصان بذلك للفرد (( حق الاستقلال الشخصي )) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (27) سورة النــور.
5- وقرر للفرد (( حرية الاعتقاد )) فلا يجوز أن يكره على ترك دينه واعتناق دين آخر.
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة.
6- وقرر للفرد (( حرية النقد )) فمن حق كل فرد أن يعارض ما يراه من عوج وهو ما سماه الإسلام (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران.
7- وقرر للفرد (( حرية الرأي والتفكير )) فقد أمر الإسلام الناس أن يتفكروا وأجاز لهم أن يخطئوا فهم بشر ولا لوم عليهم في ذلك، والإسلام لا يحرم المجتهدون الأجر و لو أخطئوا في إصابة الحقيقة ففي الحديث (( المجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران )) متفق عليه.
8- وقرر الإسلام (( المسؤولية الفردية )) وأكدها تأكيداً بالغاً في كتابه فقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (38) سورة المدثر, وهذه الحقوق والحريات التي منحها الإسلام للفرد قيدها وحددها لتكون في حدود ومصلحة الجماعة وان لا يكون فيها مضره للغير، فإذا تعارض حق الفرد مع حقوق الجماعة فإن حق الجماعة أولى بالتقديم.

- ومن الواجبات والحقوق التي فرضها الإسلام على المجتمع:
أ- فالحياة التي صانها الإسلام للفرد، إذا اقتضى المجتمع المسلم بذلها لحمايته وجب عليه أن يقدمها راضي النفس، وكذلك إذا اعتدى على حق نفس أخرى كقاتل العمد أو خرج على دينه كالمرتد – فقدت حياته مالها من عصمة.
ب- حق التملك مقيد بأن يأخذ المال في حله وينفقه في محله ولايبخل به إذا طلبته الجماعة، فملكية الفرد للمال ليست مطلقة بل هي مقيدة بحدود الله وحقوق المجتمع، للجماعة حق في ماله بعضها دوري ثابت كالزكاة وبعضها غير دوري.
ج- والحريات والحقوق كلها مقيدة برعاية أخلاق المجتمع وعقائده، فليس معنى حرية الاعتقاد إذاعة الكفر بالله ورسوله وكتابه ونشر الخلاعة والفجور.
د- نرى الإسلام كذلك يؤكد على مسؤولية الفرد عن الجماعة فكل فرد في المجتمع المسلم مسؤول في مجال من المجالات، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقتضي مسؤولية المسلم عن المجتمع وتوجب عليه مراقبة أحوله وتقويم العوج بكل ما استطاع بسلطانه أولاً، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
هـ- وفي معاني الجماعة في الإسلام ما عرف باسم (( فروض الكفاية )) ومعناه أن كل علم أو صناعة أو حرفة تحتاج إليها الجماعة المسلمة في دينها ودنياها قام بها عدد كاف فقد سقط الإثم عن باقي الجماعة وإلا أثمت الجماعة كلها واستحقت عقوبة الله.
و- المسلمون مسئولون مسئولية تضامنية عن تنفيذ شريعة الإسلام وإقامة حدوده ومن هنا كان خطاب التكليف في القرآن إلى الجماعة وتكرر قوله تعالى (( ياأيها الذين آمنوا )) بهذه الصيغة الجماعية ليؤكد وجوب التكافل بين الجماعة في تنفيذ أمر الله به.
ز- حق العبادة التي هي صلة بين العبد وربه أبى الإسلام إلا أن يضفي عليها روحاً جماعية فدعا إلى صلاة الجماعة ورغب فيها وكلما كان عدد الجماعة أكبر كان ثواب الله عليهم أعظم، وإذا صلى المسلم منفرداً في خلوة لم تزل الجماعة في وجدانه وضميره وإذا دعا الله دعاه باسم الجميع { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ(6) } (5-6) سورة الفاتحة.
ح- في مجال الآداب والتقاليد حث الإسلام على جملة من الآداب الاجتماعية أراد بها أن يخرج المسلم من الفردية إلى الانفتاح على المجتمع فتحية الإسلام والمصافحة عند اللقاء والتزاور وعيادة المريض وصلة الأرحام والبر باليتامى والمساكين وابن السبيل وغير ذلك من الآداب التي جعلت الشعور الجماعي جزاً لا يتجزأ من حياة المسلم.
ط- وفي مجال الأخلاق حث الإسلام على المحبة والإخاء والإيثار وأمر بالتعاون على البر والتقوى كما دعا إلى التراحم والتسامح واحترام النظام وبجوار ذلك حذر من الحسد والبغضاء والفرقة والتنازع والأنانية .... وبهذا كله نعلم أن كيف أقام الإسلام الموازين العادلة بين الفرد والمجتمع فهو اعتراف بالفرد والمجتمع وقرر لكل منهما حقوقه بالعدل وألزمه واجبات تقابلها بالمعروف وهذا التوازن الذي اختص به الإسلام.



 الواقعية:

وهذه خصيصة أخرى من الخصائص العامة للإسلام وهي (( الواقعية )).

- ماذا نعني بالواقعية:
لا نقصد بالواقعية إنكار كل ما وراء الحس واعتبار الواقع هو الأشياء المحسة فقط وإنكار ما يسمى بالوحي والفطرة كلا بل نعني بالواقعية: مراعاة واقع الكون من حيث هو حقيقية واقعية ولكنه يدل على حقيقية أكبر منه وهو وجود الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ومن هنا لم ينسى الإسلام في توجيهاته الفكرية واقع الكون وواقع الحياة وواقع هذا الإنسان لأن الذي يشرع للإنسان هو خالق الكون والحياة والإنسان يقول لله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

- موقف المذهب والفلسفات الأرضية:
لقد أتت الفلسفات والأنظمة والمذاهب قاصرة في نظرتها لواقع الإنسان والحياة وفي رعايتها له، ولهذا نجد فيها كثير من الأوهام والتخيلات التي لا يقوم عليها الواقع.
خذ مثلاً الشيوعية: لقد بنت فلسفتها على أساس إقامة المساواة الاقتصادية بين الناس جميعاً بحيث لا يأخذ أحد من المجتمع الشيوعي أكثر من حاجته وقد استولى الشيوعيون على الحكم في روسيا منذ أكثر من نصف قرن ومع ذلك لم يتحقق هذا الحلم بل بالعكس ما يزيدهم الواقع بعداً عنه.
ففكرة (( المساواة الاقتصادية )) التي ضحى الشيوعيون من أجلها بالحريات الفردية فكرة وهمية لا تستند إلى الواقع ولهذا خسر الناس الحرية ولم يكسبوا المساواة.
وذلك دعاة (( المذاهب الفردية )) لم يسلموا مما سقط فيهم من خصومهم الجماعيين.


- موقف الأديان الوصفية والمرحلية:
ومثل المذاهب الأرضية:الديانات الوصفية كالبوذية و الكونغشوسية وكذلك الأديان السماوية التي شرعها الله لمرحلة محدودة ولم يردها رسالة عامة خالدة لكل البشر في كل الأزمان فجاءت تحمل طابع زمنها ومرحلتها كما أن الله لم يتكفل بحفظها فامتدت إليها يد التحريف اللفظي والمعنوي .
والديانة المسيحية مثال بارز لما نقول فقد جاءت علاجاً وقتياً لحالة خاصة تتمثل في تكالب اليهود على المادة وبعدهم عن روح التدين الحق، فعالجت الإغراق في الماديات بإغراق مقابل في الروحانيات وكثيراً ما يكون علاج التطرف بتطرف عكسي ولكن هذا في العلاج الوقتي المحدود، لا العلاج الدائم والشامل.

- ميزة الإسلام:
أم الإسلام فهو كلمات الله الباقية لكافة الخلق ورحمة الله الشاملة للعالمين وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولهذا ضمنه الله من التعاليم ما يليق بحال البشر أين كانوا ومتى كانوا وكيف كانوا ولا عجب أن راعى الإسلام الواقع في كل ما دعا إليه الناس من عقائد وعبادات وأخلاق وتشريعات:

أولا: واقعية العقيدة الإسلامية:
- جاء الإسلام بعقيد واقعية، لأنها تصف حقائق قائمة في الوجود لا أوهام متخيلة في العقول.
- فالعقيدة الإسلامية تدعوا إلى الإيمان بإله واحد, دل على نفسه بآياته التكوينية وآياته التنزيلية مما أوحى به إلى رسله، فهو ليس كإله الأساطير التي تتحدث عنه أقاصيص اليونان وحكايات الرومان وغيرهم.
- وقد وصف القرآن هذا الإله الواحد بأوصاف ونعته بأسماء تجمع بين الجلال والجمال والقوة والرحمة وهي أسماء ملائمة مع عمله سبحانه مع الكون.
- وهي تدعو إلى الإيمان برسول بعثه الله ليختم به النبوات ويتمم به مكارم الأخلاق.
- هذا الكتاب الإلهي هو القرآن والذي يخاطب في الناس عقولهم وقلوبهم معاً ويستثير فيهم عوامل الرغبة والرهبة جميعاً فهو يقرن الوعد بالوعيد ويشوق إلى الجنة ويخوف من النار.
- و تدعوا إلى الإيمان بحياة أخرى بعد هذه الحياة، يجزى فيها كل مكلف بما عمل من خيراً أو شراً، ثواباً وعقاباً.
- وفي الإيمان بالجزاء الهي العادل على الخير والشر في الدنيا، ثواباً وعقاباً في الآخرة, ما يغذي الإحساس الفطري الأصيل بضرورة القصاص من الظالم الذي أفلت من يد العدالة الدنيوية، والمثوبة لمن فعل الخير ودعا إليه ولم يجزى إلا بالتنكير والعذاب { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُون (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) } (21-22) سورة الجاثية.
وفي الإيمان بالجنة والنار وما فيهما من نعيم وعذاب حسي ومعنوي مطابقة لواقع الإنسان من حيث هو جسم وروح لكل منهما مطالبه وحاجاته.

ثانيا: واقعية العبادات الإسلامية:
وجاء الإسلام بعبادات واقعية، فأخذ بعين الاعتبار الطاقة المحدودة للإنسان فلم يكفه ما يحرجه ويشق عليه { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (78) سورة الحج.
- لقد راعى واقع الحياة وظروفها الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، فلم يطلب من المسلم الانقطاع للعبادة، كالرهبان في الأديار، بل لم يسمح له بالانقطاع لو أراد وإنما كلف المسلم عبادات محدودة تصله بربه ولا تقطعه عن مجتمعه.
- وعرف الإسلام طبيعة الملل في الإنسان، فنوعها ولونها بين عبادات بدنية كالصلاة والصيام وأخرى مالية كالزكاة والصدقات وثالثة جامعة بينهما كالحج والعمرة كما جعل بعضها يومياً كالصلاة وبعضها سنوياً كالصيام والزكاة وبعضها مرة في العمر كالحج، ثم ترك الباب مفتوح لمن أراد مزيداً من الخير فشرع التطوع بنوافل العبادات { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } (184) سورة البقرة.
- وراعى الإسلام الظروف الطارئة للإنسان كالسفر والمرض ونحوهما، فشرع الرخص والتخفيضات مثل صلاة المريض قاعداً أو مضطجعاً على جنب، وفطر في رمضان وفطر الشيخ الكبير مع الفدية { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة.
ثالثا: واقعية الأخلاق الإسلامية:
وجاء الإسلام بأخلاق واقعية، فاعترف بالضعف البشري وبالدوافع البشرية.
- لم يوجب الإسلام على من يريد الدخول في الإسلام أن يتخلى عن ثروته كما يحكي الإنجيل عن المسيح أنه قال لمن أراد اتباعه: بع مالك واتبعني! بل راعى الإسلام حاجة الفرد والمجتمع إلى المال وأمره بتنميته والمحافظة عليه .
- ولم يجيء في القرآن ولا السنة ما جاء في الإنجيل ((أحبوا أعداكم...باركوا لاعنيكم... من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر ومن سرق قميصك فأعطه إزارك )) فقد يجوز هذا الكلام في مرحلة محدودة ولكنه لا يصلح توجيهاً عاماً خالداً، فمطالبة الإنسان بمحبة عدوه قد يكون فوق ما يحتمله ولهذا اكتفى الإسلام بمطالبته بالعدل مع عدوه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة.
كما تجلت واقعية الإسلام حين شرع مقابلة السيئة بمثلها بلا عدوان، ولكن رغب بالعفو والمغفرة للمسيء وهذا واضح في مثل قوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (40) سورة الشورى.
- ومن واقعية الأخلاق الإسلامية: أنها أقرت التفاوت النظري والعملي بين الناس فليس كل الناس في درجة واحدة في الالتزام بما أمر الله به من أوامر والانتهاء عما نهى عنه من نواه، فهناك الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات.
فالظالم لنفسه: هو المقصر، التارك لبعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات.
والمقتصد: هو المقتصر على فعل الواجبات، وإن ترك المندوبات وعلى ترك المحرمات وإن فعل المكروهات.
أما السابق: هو الذي يزيد على فعل الواجبات، أداء السنن والمستحبات، وعلى ترك المحرمات وترك الشبهات والمكروهات.
كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (32) سورة فاطر.
- ومما يكمل هذا المعنى: أن الأخلاق الإسلامية لم تفترض أهل التقوى معصومين من كل ذنب بل يعصون ولكن مزية المتقين إنما هي التوبة والرجوع إلى الله كما وصفهم الله بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران.
- ومن واقعية الأخلاق الإسلامية أنها راعت الظروف الاستثنائية كالحرب فأباحت من أجلها مالا يباح في ظروف السلم مثل الكذب لتضليل العدو فكما ورد في الحديث (( الحرب خدعة )).

رابعا: واقعية التربية الإسلامية:
والتربية الإسلامية كذلك تربية واقعية تتعامل مع الإنسان كما هو: لحماً ودماً وفكراً وانفعالاً وروحاً.
لذلك نجد الإسلام يربي المسلم على الحياة الواقعية المتوازنة فلا يدعه يغرق في اللهو فلا يبقى له سيء لربه، كما لا يدعه يغلوا في التعبد فلا يبقى له شيئاً لقلبه.
كما حمل الإسلام الآباء تبعه توجيه أولادهم وحسن تربيتهم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
ويهتم الإسلام بسن الطفولة لأنها أكثر قابلية للتعلم والتأثر وهنا يأمر الآباء بتدريب الأطفال على الطاعات وأداء الفرائض وأمرهم بالابتعاد عن المنهيات والنواهي.

خامسا: واقعية الشريعة الإسلامية:
وجاء الإسلام كذلك بشريعة واقعية حيث لم تغفل الواقع في كل ما أحلت وحرمت ولم تهمل الفرد والأسرة والمجتمع في كل ما وصفته من أنظمة وقوانين:

* في التحليل والتحريم:
1- إن شريعة الإسلام لم تحرم شيئاً يحتاج إليه الإنسان في واقع حياته كما لم تبح له شيئاً يضره في الواقع كالخمر والزنا...الخ .
2- وراعت الشريعة فطرة البشر في الميل إلى الترويح عن النفس فرخصت في أنواع من اللهو كالسباق وألعاب الفروسية وغيرها، إذا لم تقترن بقمار ولا تصد عن ذكر الله وعن الصلاة فمثلاً أذن النبي صلى الله عليه وسلم للحبشة أن يلعبوا في مسجده بالحراب وسمح لزوجه عائشة أن تنظر إليهم حتى اكتفت.
وكذلك راعت الشريعة فطرة المرأة وواقعها في حب الزينة فأباحت لها بعض ما حرمت على الرجال كالتحلي بالذهب ولبس الحرير.
3- ومن واقعية الشريعة: أنها أباحت بعض المحرمات في حالات الضرورة القصوى فمثلاً أباحت أكل لحم الخنزير في حال كان الإنسان في صحراء ولا يجد ما يأكله، فخوفاً من أن يموت أحل له الشرع أن يأكل لحم الخنزير أو الميتة.
4- ومن واقعية الشريعة أنها عرفت ضعف الإنسان أمام كثير من المحرمات فسدت الباب إليها بالكلية، ولهذا حرمت قليلها وكثيرها كما في الخمر. كما عدت ما يوصل إلى الحرام حراماً كما في تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية.

* في تشريعات الزواج والأسرة:
5- ومن واقعية الشريعة الإسلامية أنها رعت قوة الدوافع الجنسية لدى الإنسان فلم تهملها، كما فعلت بعض الفلسفات، فشرعت إشباع الدوافع الجنسية بطريقة نظيفة، تضمن بقاء الإنسان وارتفاعه عن الحيوانية، وذلك بشرعية (( نظام الزواج )) يقول الله تعالى: { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28)} (26-28) سورة النساء.
فالمفهوم من وصف الإنسان بالضعيف هو ضعفه أمام الغريزة الجنسية.




* في تعد الزوجات:
6- ومن نظرة واقعية للحياة والإنسان كانت إباحة تعدد الزوجات ولهذا التشريع أسبابه فما دام كل الرجال لا يستطيعون التحكم في غرائزهم فلماذا لا نتيح لهم طريق الزواج الحلال في العلانية بدل البحث عن الحرام في الخفاء.
فقد تكون الزوجة الأولى مصابة بمرض يطول أمده أو مبتلية بالعقم...الخ .
فإذا كان عدد الصالحات للزواج من النساء أكثر من عدد القدرين عليه من الرجال فهناك ثلاثة احتمالات:
‌أ - أن تقضي الفتاة عمرها في بيت أهلها عانساً.
‌ب - أو البحث عن متنفس غير مشروع.
‌ج - أو الزواج من رجل متزوج، قادر على إحصانها، واقف من العدل بينها وبين ضرتها.
أما الاحتمال الأول:ففيه ظلم كبير لعدد من الناس .
أما الاحتمال الثاني: جرم في حق المرأة وفي حق الأخلاق وهو ما سار عليه الغرب، فقد حرم تعدد الزوجات وأباح تعدد العشيقات أي الواقع فرض عليه التعدد ولكنه تعدد لاأخلاقي.
أما الاحتمال الثالث: فهو وحده الحل العادل والنظيف والإنساني والأخلاقي وهو الذي جاء به الإسلام.

* الطلاق:
7- ومن واقعية الشريعة الإسلامية إباحتها للطلاق عند تعذر الوفاق بين الزوجين هذا مع تعظيم الإسلام لشأن العلاقة الزوجية حيث جاء بالحديث (( أبغض الحلال إلى الله الطلاق )) رواه داود, ومع هذا أمر الإسلام الأزواج بالصبر والتريث وعدم الاستجابة لعاطفة الكراهية إن أحسوا بها كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (19) سورة النساء
كما أن الإسلام لم يطرح الطلاق على أنه الحل الوحيد بل أعطى حلول أخرى قد تكون مفيدة لإعادة المحبة والألفة بين الزوجين فالطلاق هو الحل الأخير بعد أن نأخذ كل الحلول السابقة.
ولقد أرغم الواقع المسيحية المعاصرة على الاعتراف بحق الطلاق برغم تحريمها الغليظ في الإنجيل وبهذا انتصرت شريعة الخالق على أوهام الخلق.

* في التشريعات الاجتماعية إباحة التملك الفردي:
8- ومن واقعية الشريعة في المجال الاجتماعي والاقتصادي أنها اعترفت بالدافع الفطري الواقعي الأصيل في نفس الإنسان: واقع حق التملك، ولكنها لم تنسى واقعاً آخر هو مصلحة المجتمع وحقوقه وحاجات الفئات الضعيفة من أبنائه فلهذا وضعت حدود ذو قيود على هذه الملكية بقيود شتى: في اكتساب المال وفي التصرف فيه، وأوجبت فيه حقوقاً للناس كالزكاة والصدقات...

* شرعية الحد والقصاص والتعزير:
9- ومن واقعية الشريعة أنها عملت بكل قوة على تطهير المجتمع من أسباب الجريمة وتربية الأفراد على الاستقامة ولكنها لم تكتف بالوازع الأخلاقي وبالتربية وحدهما رغم أهميتهما، فمن الناس من لا يرتدع إلا بعقوبة زاجرة ولا تكفيه الموعظة الحسنة ومن هنا أوجبت الشريعة العقوبات من الحدود والقصاص والتعزير ولم تذهب إلى ما يذهب إليه الخياليين من الناس من ينادون بإلغاء عقوبة الإعدام إشفاقاً على القاتل المسكين دون أن ينظروا إلى مصيبة المقتول وأهله وإلى أمن المجتمع كله.
يقول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة

- من دلائل الواقعية في التشريع:
ومن دلائل الواقعية في التشريع جملة من القواعد والمبادئ وهي:
1 التيسير ورفع الحرج .
2 مراعاة سنة التدرج.
3 النزول عن المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى دون للضرورة.

* التيسير ورفع الحرج:
أما التيسير فهو روح يسري في جسم الشرعة كلها وهذا التيسير مبني على رعاية ضعف الإنسان وضغط الحياة ومتطلباتها عليه، وشارع هذا الدين رؤوف رحيم لا يريد بعباده الإرهاق إنما يريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة فالقرآن سيرة للتنفيذ والتطبيق ليس فيها تكليف واحد يتجاوز طاقة المكلفين يقول الله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } (286) سورة البقرة.
وقد نفى القرآن كل تعنت والعسر وأثبت التخفيف واليسر يقول تعالى: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (185) سورة البقرة.
وجاءت الأحاديث الشريفة تؤكد هذا المعنى: ((بعثت بحنيفة سمحة )) رواه أحمد ، (( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )).
كما كانت سمة الرسول صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب هي سمة الميسر يقول تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
ولا عجب أن شرع الإسلام الرخص عند وجود أسبابها مثل الترخيص في التيمم لمن خاف التضرر باستعمال الماء لجرح أبرد وكذلك الترخيص في الصلاة قاعداً لمن تضرر بالصلاة قائماً والصلاة بالإيماء مضطجعاً لمن تؤذيه الصلاة قاعداً، وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من شد على نفسه وصام في السفر مع شعوره بشدة المشقة فقال في مثله: (( ليس من البر الصيام في السفر )) رواه البخاري.


* مراعة سنة التدرج:
ومن تيسير الإسلام على البشر أنه راعى معهم سنة التدرج فيما يشرعه لهم تحليلاً أو تحريماً.
فالصلاة فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين ثم أقرت في السفر على هذا العدد وزيدت في الحضر إلى أربع (( الظهر والأربع والعشاء )).
وكذلك الصيام فرض على التخيير ثم أصبح فرضاً لازماً لكل صحيح مقيم لا عذر له يقول الله تعالى: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (185) سورة البقرة.
وكذلك باقي الفرائض والأوامر جاءت بشكل مدرج.
والمحرمات أيضاً لم يأت تحريمها دفعة واحدة و أوضح مثل معروف هو تحريم الخمر على مراحل معروفة في تاريخ التشريع الإسلامي حتى إذا نزلت الآيات في النهي عنها من سورة المائدة وفي ختامها {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91) سورة المائدة, قال المؤمنون في قوة وتصميم: قد انتهينا يا رب.
وهذه السنة الإلهية في رعاية التدرج ينبغي أن تتبع في سياسة الناس، فإذا أردنا أن نقيم مجتمعاً إسلامياً حقيقياً فلا نتوهم أن ذلك يتحقق بقرار يصدر إنما يتحقق ذلك بطريق التدرج أي بالإعداد والتهيئة الفكرية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية.

* النزول عن المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى:
ومن دلائل الواقعية في الشريعة الإسلامية أنها لا تغمض عينها عن الواقع العملي الذي يعيشه الناس محلقة في مثالية لاوجود لها بل نجدها تنزل إلى أرض الواقع لتكيف أحكامها الفرعية تبعاً له حتى لا تهدر مصالح العباد ولذلك أمثلة كثيرة منها:أن الواجب هو عزل ولي الأمر الجائر ولكن الفقهاء أجازوا الإبقاء عليه إذا كان خلعه وعزله سيؤدي إلى فتنة أكبر ويدخل في هذا: تغيير المنكر بالقوة إذا أدى إلى منكر أكبر منه.
وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية على أمر غاية من الأهمية وهو أن النزول عن المثالية المنشودة إلى حكم الواقع الموجود ليس معناه الاستسلام للواقع الهابط والرضا بل ينبغي أن تظل العزائم مشدودة لتحويل الواقع إلى ما هو أفضل ولو بطريق التدرج.
- هذا هو الإسلام وهذه هي واقعيته في كل مجال من المجالات: لا يكلف الناس شططاً ولا يجعل عليهم حرجاً إنه منهج الفطرة، منهج الله الذي يتعانق فيه الواقع والمثال.



 الوضوح:

هو إحدى الخصائص العامة للإسلام سواء فيما يتعلق بالأصول أم بالمصادر أم بالأهداف أم بالمناهج.

أولاً: وضوح الأصول والقواعد الإسلامية:
أول مظاهر الوضوح في الإسلام أن أصوله الكبرى واضحة لا لخاصة من أتباعه وأنصاره فحسب بل لجمهرة المؤمنين به يستوي في ذلك الأصول الاعتقادية والشعائر التعبدية والفضائل الخلقية والأحكام الشريفة.

* وضوح الأصول الاعتقادية: وأول ما يبد هذا الوضوح في الأصول الاعتقادية في الإسلام من الإيمان بالله ورسالاته وبالدار الآخرة.
أ- عقيدة التوحيد: فتوحيد الله تعالى وهو أصل الأصول واضحاً جلي فقد عرف كل مسلم من كلمة التوحيد وأولى الشهادتين (( لا إله إلا الله )) أي أن لا مكان في الإسلام لتأله بشر أو شيء سوى الله عز وجل.
وإن قضية التثنية في الألوهية وقضية التثليث في المسيحية لا تتمتع واحدة منها بالوضوح منها لدى المؤمنين بها ولهذا نجدها تعتمد على الإيمان بغير برهان (( اعتقد وأنت أعمى )) بخلاف قضية التوحيد التي تستند إلى العقل وتعتمد على البرهان ويقيم الأدلة العقلية على وحدانية الله بمثل قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22) سورة الأنبياء.
ب- عقيدة الجزاء الأخروي: والإيمان بالجزاء في اليوم الآخر، وأن الدنيا مزرعة الآخرة وأن الآخرة هي دار الجزاء { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)} (7-8) سورة الزلزلة, والإيمان بأن هناك داراً لمثوبة الأبرار ودار أخرى لعقوبة الفجار ومعنى هذا: أن مصير كل إنسان ليس بيد كاهن أو قديس إنما مصير الناس بأيديهم أنفسهم، فهذا الإيمان أصل لا يخفى على مسلم في شرق أو غرب.
ج- الإيمان برسالات السماء: والإيمان برسالات السماء كلها وما أنزل الله من كتب وما بعث من رسل يدعون إلى الله ويهدون إلى الحق ويدلوهم على طريق مرضاته {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء, هذا الإيمان برسل الله كافة، ركن من أركان العقيدة الإسلامية لا يجهله مسلم شأنه الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه واليوم الآخر.

* وضوح الشعائر التعبدية:
ومن مظاهر الوضوح في الإسلام أن أركانه العملية وشعائره التعبدية واضحة للخاص والعام.
- فالصلاة هي الفريضة اليومية معروفة بعددها ومواقيتها وأعداد ركعاتها وأركانها و...
- والزكاة هي العبادة المالية الاجتماعية معروفة إجمالياً لكافة المسلمين فهي تؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم.
- وصيم رمضان وهو الفريضة السنوية الدورية فهو معلوم لكل الأمة الإسلامية.
- وحج البيت وهي فريضة العمر واضحة معلومة إجمالاً لجماهير المسلمين.
فهذه الفرائض الدينية واضحة تمام الوضوح في ذهن المسلم بتركيز بعض الدروس أو يقرأ شيئاً من الكتب أو يسأل أهل الذكر، وقبل ذلك كله لا يجهل مسلم أن العبادة هي المهمة الأولى للإنسان في الحياة قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.

* الأصول الأخلاقية:
ومن الأصول الإسلامية الواضحة ما يتعلق بالجانب الأخلاقي فأمهات الفضائل التي أمر الشرع بها وحث عليها معروفة غير منكورة وأمهات الرذائل إلي حذر الشرع منها معلومة غير مجهولة.
فمثلاً: لا يجهل مسلم أن الله يأمر بالعدل والإحسان بالولدين وبذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
ولا يجهل أن الإسلام يبارك فضائل الصدق والأمانة والوفاء والصبر والعفة والحياء والسخاء والحلم والتعاون على البر والتقوى.
ولذلك في الطرف الأخر لا يجهل مسلم أن الله ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولا يحب الفساد ولا يحب الخائنين.
وقبل ذلك لا يجهل مسلم قيمة العنصر الأخلاقي في الحياة ومنزلته في الإسلام حتى أن العبادات الإسلامية تهدف إلى ثمرات أخلاقية فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والزكاة تطهر نفوس الأغنياء والصوم تربية للإرادة وتعليم للصبر والحج تدريب على التحمل والبذل.

* وضوح الآداب:
ويتبع الأخلاق الآداب في وضوحها من أدب الأكل والشرب وأدب النوم والتيقظ أدب الجلوس وأدب المشي...
فأساس هذه الآداب وأصولها الهامة واضحة معلومة.
فمثلاً:كل مسلم يعلم أنه يسن له عند الأكل أن يأكل بيمينه ويبدأ باسم الله ويختم بحمد الله.

* وضوح الشرائع الإسلامية:
ومن مظاهر الوضوح في الإسلام وضوح شرائعه وقوانينه أي الأساسية القطعية منها سواء في المجال الفردي أو الأسري أو الاجتماعي.
فكل مسلم يعلم بوضوح أنه يحرم عليه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير كما يحرم عليه شرب الخمر ولعب الميسر.
وكل مسلم يعلم أنه لا يحل له الزواج من أمه أو ابنته أو إحدى محارمه من النسب أو الرضاعة أو المصاهرة...الخ.

ثانياً: وضوح مصادره:
ومن مظاهر الوضوح في النظام الإسلامي أن له مصادر محددة بينة يستقي منها فلسفته النظرية وتشريعاته العملية.
• فالمصدر الأول: هو كتاب الله: هو القرآن الذي كما قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(1) سورة هود.
ومن خصائص هذا القرآن أنه كتاب مبين حتى إن منزله سبحانه وتعالى سماه (( نوراً )) و (( هدى للناس )) و (( برهاناً )) و (( بينة )) وما ذلك إلا لشدة بيانه ووضوحه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء, وإذا كان في القرآن آيات متشابهات تحتمل أكثر من معنى، فبحكم طبيعة اللغة وتنوع دلالات الألفاظ فيها بين الحقيقة والمجاز وبموجب طبيعة البشر وما جبلوا عليه من تفاوت في الفهم والاستنباط وبموجب طبيعة الإسلام الذي يحث على الاجتهاد.
• والمصدر الثاني: هو سنة محمد صلى الله عليه وسلم :ونعني بها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وهي التطبيق العملي للقرآن الكريم فأعظم تغير لكتاب الله يتجلى في سيرة رسول الله.
حيث قال تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (44) سورة النحل.
ومما يلحق أيضاً بهذه السنة المحمدية: سنة الخلفاء الراشدين الذين نشئوا في حجر النبوة فما أثر عنهم مما اتفقوا عليه جميعهم أو عن طائفة منهم ولم ينكره عليه أصحابهم فهو سنة وكما جاء في الحديث (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ )).

ثالثاً: وضوح الأهداف والغايات:
ومن مظاهر الوضوح في نظام الإسلام وضوح الأهداف والغايات فغاية الإسلام كله واضحة أمام عيني كل مسلم ويكفي أن تقرأ قول الله تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم, وفسر الظلمات بما شئت من الجهل أو الشرك أو الشك أو الظلم أو..., وفسر النور بما شئت من العلم أو التوحيد أو اليقين أو العدل أو..., ويكفي أن يكون المسلم على شيء من الفقه في دينه ليعلم أنه يهدف إلى تكوين الفرد الصالح والأسرة الصالحة والأمة الصالحة.

* تكوين الفرد الصالح: فالفرد هو اللبنة التي يتكون منها البناء الاجتماعي كله لذلك اشتدت عناية الإسلام به في كل مراحل حياته فإذا صلحت الأفراد صلحت الأسر وصلحت الجماعات والأمم.
وصلاح الإنسان في نظر الإسلام لا يتم إلا بأمور أربعة اعتبرها القرآن شروط نجاته من الخسران في الدنيا والآخرة. والسورة التي تتضمن هذه الشروط هي سورة العصر حيث يقول الله تعالى: { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)} (1-3) سورة العصر.
فالشرط الأول: لصلاح الفرد هو الإيمان، الذي يصح به تصور الإنسان لنفسه وللحياة وللكون ولرب الكون والحياة والإنسان وإذا فسد هذا التصور فسدت الحياة كلها من ورائه.
والشرط الثاني: هو عمل الصالحات فهذا هو ثمرة الإيمان ومظهره العملي فالإيمان ليس مجرد إدراك ذهني وإنما هو حقيقة تدفع إلى عمل الخير وترك الشر.
والشرط الثالث هو التواصي بالحق ومعنى هذا أن يوصي المؤمن غيره بالحق ويقبل هذا الغير الوصية بالحق وبهذا لا يكتفي القرآن من المسلم أن يكون صالحاً في نفسه بل يجيب عليه أن يعيش جندياً للحق يؤمن به ويحبه وينصره ويدعو إليه.
والشرط الرابع لازم للشرط الثالث وهو التواصي بالصبر فإن الذي يحمل رسالة الحق يحتاج إلى الصبر يوصي به نفسه ويوصي به غيره.
وهذه الأمور الأربعة واضحة بحمد الله، فليس الفرد الصالح في الإسلام الذي يعتزل الحياة في صومعة يعمر للآخرة بخراب الدنيا ولكنه الذي يعمل للحياتين ويجمع بين الحسنين، والذي لا ريب فيه أن غايات الناس تختلف اختلافاً كبيراً بحسب ما تهبط بهم شهوات الدنيا أو ترتقي بهم خصائصهم العليا.
ولو ترك الناس لغرائزهم وحدها لنزلت بهم إلى حضيض الأنعام ولكن مهمة الدين أن يرقى بهم إلى أفق الملائكة يقول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} (14-15) سورة آل عمران.

* تكوين الأسرة الصالحة:
ويهدف الإسلام إلى تكوين الأسرة الصالحة السعيدة والأسرة الصالحة هي التي تظللها المعاني التي جعلها القرآن الكريم أهداف الحياة الزوجية وثمراتها وهي السكون النفسي والمودة والرحمة يقول تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم.

والأسرة الصالحة هي التي تقوم على الدعائم الآتية:
1- أن يتم الزواج على التراخي دون الضغط أو إكراه ولا غش من طرف لآخر.
2- تبادل الحقوق والواجبات بين الزوجين بالمعروف { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة } (228) سورة البقرة.
3- إيجاب المعاشرة بالمعروف دائما وخاصة عند الإحساس بعاطفة الكراهية أو النفرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (19) سورة النساء.
4- تكليف الزوج الإشراف والمسؤولية عن الأسرة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (34) سورة النساء.
5- تكليف الزوجة الإشراف والمسؤولية عن البيت من الداخل ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته....والرجل في أهل بيته راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها )) متفق عليه.
6- وجوب الرعاية من الأبوين لأولادهم والعدل بينهم (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ))
7- وجوب بر الوالدين والإحسان بهما {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الإسراء.

* تكوين المجتمع الصالح:
يهدف الإسلام إلى تكوين المجتمع الصالح كما هدف إلى الفرد الصالح والأسرة الصالحة، والمجتمع الصالح هو الذي ترتبط أفرده وأسره بقيم الإسلام العليا ويجعلها رسالة حياته ومحور وجوده.
- ومن أهم القيم الإسلامية في هذا المقام هي:
أ- التجمع على العقيدة: المجتمع الإسلامي ليس مجتمعاً قومياً أو إقليمياً وإنما هو مجتمع عقائدي وعقيدته هي الإسلام.
قد يكون أبناء هذا المجتمع من أجناس مختلفة أو ألوان مختلفة أو طبقات مختلفة ولكن هذا الاختلاف كله ينصهر أمام (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )), والإيمان الإسلامي ليس شعار أو تعصب على الآخرين وإنما هو حقيقية تستقر في النفس.
ب- تقديس العمل الصالح: سواء كانت صبغته دينية أم دنيوية وهو أصل مقرر معروف اعتبره القرآن ركنا في كل دين مقروناً بالإيمان بالله ولليوم الآخر قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (62) سورة البقرة.
ج- الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصل من أصول الدين يكفي أن يكون المرء صالحاً في نفسه غافلاً عن فساد غيره كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران.
د- الجهاد في سبيل الله حماية للحق وتثبيتاً للخير وتأميناً للدعوة ومنعاً للفتنة فالجهاد أصل إسلامي لا ينكره مسلم ولا يجهل منزلته وفضله حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا} (71) سورة النساء، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (60) سورة الأنفال.
هـ- وتثبيت الفضائل الخلقية في شتى جوانب الحياة ونشرها وحمايتها، من عدل وإحسان وبر وصلة وتعاون على البر والتقوى وطهارة القلب من الغل والحسد والرياء والنفاق وحب الدنيا، كلها من الركائز المعنوية التي لا يقوم مجتمع مسلم إلا عليها.

رابعاً: وضوح المناهج والطرق:
يتميز الإسلام كذلك بوضوح منهجه وطرقه التي وضعها للوصول إلى غايته المثلى وأهدافه العليا، ومن هذه الطرق:
أ- عبادات وشعائر تغذي الروح وتزكي النفس وتربي الإرادة وتدرب الإنسان على كمال العبودية لربه تعالى.
وعلى رأس هذه العبادات والشعائر الكبرى من الصلاة والزكاة والحج والصيام حيث نوع الإسلام بها فمنها بدني كالصلاة والصيام ومنها مالي كالزكاة ومنها ما يجمع بينهما كالحج والعمرة.
إن هذه العبادات وسائل فذة للتربية الروحية والأخلاقية والاجتماعية ومناهج ربانية لتدري المسلم على السلوك الأمثل والحياة المثلى.
ب- ومن أخلاق وفضائل تقاوم الأنانية وتربي روح الغير وهي أخلاقية فطرية واقعية شاملة متوازنة.
ج- ومن آداب وتقاليد، تربي الأذواق وتحمي الأخلاق وتجمل الحياة وتصنع وحدة المظهر مع الخير وتصون المجتمع من عبث المتحللين وتزمت المتزمتين.
وهي آداب تصحب المسلم في حياته كلها: في مأكله ومشروبه......الخ.
وهي آداب تحرص على ربط المسلم بالله تعالى في كل أحواله فهو ينام على ذكر الله ويستيقظ على ذكر الله...الخ .
د- ومن نظم وتشريعات للفرد والأسرة وللجماعة:
فهي ترسم للفرد طريقه وتحدد له سلوكه وتبين له الحلال والحرام، وهي للأسرة دعائم وركائز تحفظها أن تنهار فتوضح لكل طرف من أطراف الأسرة ما عليه من واجبات وماله من حقوق، وهي للجماعة ضوابط وموازين مهمتها أن تقيم العدل وتحمي الإخاء وتمنع التنازع وتحفظ على الناس دمائهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم و نسلهم.

اعتراض مردود:
سيقول بعض الناس: إن كان الإسلام بهذا الوضوح فما بال هذه الفرق التي ظهرت باسمه عبر التاريخ ؟ وما بال هذا الانقسام القائم بين السنة والشيعة ؟ وبين السلفية والصوفية ؟ وبين المذهبين وبين اللامذهبيين ؟..!
نستطيع أن نؤكد بكل قوة: أنه لا يوجد في العالم كله ( أيديولوجية ) دينية ولا وصفية تملك من الوضوح والوحدة ما يملكه هذا الإسلام.
وإن الإسلام الذي نصفه بالوضوح ليس إسلام فرقة من الفرق بل إنه إسلام القرآن والسنة، إسلام صحابة ومن تبعهم بإحسان أي الإسلام الأول قبل أن تظهر هذه الفرق التي فرقت الدين شيعاً.
فمن نعم الله تعالى على الأمة الإسلامية أن تعالى تولى بنفسه حفظ كتابها وهو القرآن الكريم قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر
كما أن سنة محمد صلى الله عليه وسلم قد حفظت منتقاة مغربلة لتكون التبيان النظري والعملي لهذا القرآن.
ولقد حدد الإسلام المرجع الذي يحتكم إليه المسلمون إذا اختلفوا وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء, وقد أجمع المسلمون منذ الصدر الأول للإسلام على أن الرد إلى الله يعني الرد إلى كتابه والرد إلى رسوله يعني الرد إلى سنته.

*الإيديولوجيات الحديثة وغموضها:
إن هذه الإيديولوجيات الحديثة البراقة التي تظهر في العالم كله مازالت تفتقر إلى مجرد تعريف دقيق يحدد مدلولها ويوضح طبيعتها ومفاهيمها ولهذا يختلفون حولها في كل شي حتى في معناها : ما هو؟
خذ مثلاً: الديمقراطية:
فنحن لا نكاد نجد أيديولوجية اجتماعية ولا تنظيمية سياسية من الليبرالية إلى الاشتراكية إلى الشيوعية وحتى النازية إلا وتدعي كل منها أنها هي (( الديمقراطية )) الحقة وأن ما عداها ديمقراطية زائفة فبات الناس حائرون أي من هذه الديمقراطية هو الأصيل وأيها المدعي ؟
ولكل من هذه الفئات تعتمد على معايير اجتماعية أو وصفية لتبرير منهجها وأسلوبها، فمفكرو الديمقراطية الغربية يعتمدون المعيار السياسي ويميزون ديمقراطيتهم بالحرية السياسية على حين يعتمد الماركسيون المعيار الاقتصادي فيميزون ديمقراطيتهم بالحرية الاقتصادية.




 الجمــع بيــن التطــور والثبــات
يكاد الذين يكتبون عن الإسلام ورسالته في عصرنا ينقسمون إلى فئتين متقابلتين:
• فئة تبرز جانب المرونة والتطور في أحكام الإسلام حتى تحسبها عجينة لينة.
• فئة تبرز جانب الثبات والخلود في تشريعه وتوجيهه حتى تحسبها صخرة صلدة وقليل من الكتاب كانت رؤيته واضحة لهذا المنهج الإلهي الفريد.
ومن أبرز ما يميز الإسلام عن سائر المجتمعات الأخرى ذلك التوازن أو الوسطية والتي تحدثنا عنها بالتفصيل في فصل سابق.
وإن من أجلى مظاهر التوازن والوسطية التي يتميز بها نظام الإسلام هو التوازن بين الثبات والتطور فهو يجمع بينهما في تناسق مبدع واضعاً كلاً منهما في موضعه الصحيح.
وهذه الخصيصة البارزة لرسالة الإسلام لا توجد في شريعة سماوية ولا وضعية فالسماوية تمثل عادة الثبات والجمود والوضعية تمثل عادة المرونة المطلقة.
ولكن الإسلام الذي فتح الله به الشرائع والرسالات السماوية أودع الله فيه عنصر الثبات والخلود وعنصر المرونة والتطور وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين وصلاحيته في كل زمان ومكان.
ونستطيع أن نحدد مجال الثبات ومجال المرونة في شريعة الإسلام فنقول إنه:
• الثبات على الأهداف والغايات والمرونة في الوسائل والأساليب.
• الثبات على الأصول والكليات والمرونة في الفروع والجزئيات.

الثبات والتطور في الحياة والكون:
إن طبيعة الحياة الإنسانية نفسها يوجد فيها عناصر ثابتة باقية ما بقي الإنسان وعناصر مرنة قابلة للتغير والتطور.فالإنسان اليوم قد اتسعت مداركه وازدادت قدرته على تسخير القوى الكونية من حوله والانتفاع بها.
ولكن هل تغير جوهر إنسان اليوم عن جوهر إنسان ما قبل التاريخ؟
كلا،إن جوهر الإنسان واحد وإن تطورت معارفه وتضاعفت إمكانياته.فالإنسان منذ عهد أبيه الأول إلى اليوم يأكل ويشرب ويضعف عزمه أمام دوافع نفسه فيعصي ويغوي ثم يصحو وازعه الديني وشعر بالذنب فيرجع ويتوب وهكذا.
وإذا نظرنا على الكون من حولنا لوجدنا أن هناك أشياء ثابتة تمضي آلاف وملايين السنين ولا تتغير كالجبال والأرض والليل والنهار والشمس والقمر.وهناك أشياء جزئية متغيرة كالجزر التي تنشأ والبحيرات التي تجف ..........الخ.
وهذا هو شأن الإنسان والكون ثبات وتغير في آن واحد ولكنه ثبات في الكليات و الجوهر وتغير في الجزئيات والمظهر, ولهذا لا عجب أن تأتي شريعة الإسلام ملائمة لفطرة الإنسان وفطرة الوجود جامعة بين عنصر الثبات وعنصر التغير.وبهذه الميزة يستطيع المجتمع المسلم أن يعيش ويرتقي ثابتاً على أصوله وقيمه وغاياته متطوراً في معارفه وأساليبه.

دلائل الثبات والمرونة في مصادر الإسلام وأحكامه:
إن للثبات والمرونة مظاهر ودلائل نجدها في مصادر الإسلام وشريعته.
ففي المصادر: يتجلى هذا الثبات في المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع من كتاب الله وسنة رسول الله فلا يسع مسلماً أن يعرض عنه أو يعترض عليه{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (51) سورة النــور.
وتتجلى المرونة في المصادر الاجتهادية التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها مثل:الإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وأقوال الصحابة وغير ذلك من طرائق الاستنباط.
وأحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين:
1- قسم يمثل الثبات والخلود.
2- وقسم يمثل المرونة والتطور.
نجد الثبات يتمثل في العقائد الأساسية الخمس:من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والتي ذكرها القرآن{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (177) سورة البقرة
وفي الأركان العملية الخمسة من الشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام وهي التي بني الإسلام عليها.
وفي المحرّمات اليقينية: من السحر وقتل النفس والزنا وأكل الربا وأكل مال اليتيم والسرقة وشرب الخمر وغيرها مما يثبت بقطعي القرآن والسنة.
وفي أمهات الفضائل من الصدق والأمانة والعفة والصبر والوفاء وغيرها من مكارم الخلاق التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب الإيمان.
وفي شرائع الإسلام القطعية في شؤون الزواج والطلاق والميراث وغيرها من نظم الإسلام التي ثبت بنصوص قطعية الثبوت والدلالة في أمور ثابتة لا تتغير مهما تغير الزمان والمكان فلا يحق لأحد أن يغيرها ويبدلها مهما كان ومهما بلغ من العلم.
ونجد في مقابل ذلك القسم الآخر الذي يتمثل فيه المرونة وهو ما يتعلق بجزئيات الأحكام وفروعها العملية وخصوصاً في مجال السياسة الشرعية.

- الثبات والمرونة في هدي القرآن:
وفي تدبير القرآن الكريم نجد في نصوصه المقدسة دلائل جمة عن الجمع بين الثبات والمرونة جمعاً متوازناً عادلاً.
ومن الأمثلة على ذلك نجد:
أ‌- يتمثل الثبات في قوله تعالى في وصف مجتمع المؤمنينالمختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام frown.gifوأمرهم شورى بينهم)، ولرسوله(وشاورهم في اأمر) فلا يجوز لأحد أن يلغي الشورى في حياته السياسية والاجتماعية وتتمثل المرونة في عدم تحديد شكل معين للشورى يلتزم به الناس فيتضرر المجتمع به.
ب‌- يتمثل الثبات في قوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} (28) سورة آل عمران, وتتمثل المرونة في الاستثناء من هذا الحكم عند الضرورة إذ قالت الآية الكريمة (إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً).
- الثبات والمرونة في الهدي النبوي:
وإذا تأملنا في السنة المطهرة قولاً وفعلاً وتقريراً وجدناها مليئة بشتى الأمثلة التي يتمثل فيها الثبات والمرونة جنباً إلى جنب.
أ‌- يتمثل الثبات والمرونة معا في موقفه صلى الله عليه وسلم من وفد ثقيف وقد عرضوا عليه أن يدخلوا الإسلام ولكنهم سألوه أن يدع لهم اللات والعزى التي كانوا يعبدونها في الجاهلية فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك, كما سألوه أن يعفو من الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: ((أما كسر أوانكم يأيدكم فسنعفيكم منه وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه)). فهو صلى الله عليه وسلم أمام العقائد لا يتنازل ولا يترخص كما في أمر اللات وأمر الصلاة، وأما في الكيفيات ففيها فسحة للترخص والمسامحة كما في كسر الأوثان بأيديهم.
ب‌- يتمثل الثبات في موقفه صلى الله عليه وسلم من الُقريشية المخزومية التي سرقت ومحاولة قريش تخليصها من العقوبة عن طريق الشفاعة إلى رسول الله بحبه وابن حبه(أسامة بن زيد) فغضب الرسول وقام بينهم خطيباً قائلاً: ((إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها)) رواه الشيخان.
وتتمثل مرونته في قوله صلى الله عليه وسلم المختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام frown.gif(لا تقطع الأيدي في الغزو)) رواه أبو داوود.
وذلك خشية أن يغتر الجاني ويلحق بالكفار والعياذ بالله.
ج- يتمثل الثبات في رفضه صلى الله عليه وسلم الغلو في الدين وإخراج الإسلام عن وسطيته واعتداله إلى التطرف والتنطع سواء كان في العقائد أم في العبادات أم في الأخلاق أم في الشرائع.
وتتمثل مرونته في طريقة الدعوة وتعليم الخلق ومخاطبة الناس على قدر عقولهم ولهذا أمر بالتيسير والتبشير ونهي عن التعسير والتنفير.

الثبات والمرونة في هذي الصحابة والراشدين:
وإذا بحثنا في هدي الصحابة رضي الله عنهم وهم تلاميذ مدرسة النبوة والذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستن بسنتهم.
أ- يتمثل الثبات في موقف أبي بكر رضي الله عنه حين امتنعوا عن أداء فريضة الزكاة وقال مقولته الشهيرة: ((والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة)).
وتتمثل مرونته في موقفه من سيف الله ((خالد ابن الوليد)) حين أخطأ فقتل مالك بن نويرة ومن معه في حروب الردّة ولم يسمع لغضب عمر، وحين ألح عمر على أبي بكر في شأن خالد رضي الله عنه،قال أبو بكر رضي الله عنهالمختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام frown.gifهبه يا عمر تأول فأخطأ) ولم يكف عمر هذا الجواب وظل يلح على أبي بكر فلما ضاق ذرعاً بإلحاحه قال: ((يا عمر ما كنت لأشيم أغمد سيفاً سلّه الله على الكافرين)).
ب- يتمثل الثبات في موقف عمر رضي الله عنه من الأمير الغساني حيث لطم جلاً من عامّة المسلمين وأبى الرجل إلا أن يقتص منه, فطلب منه عمر أن يقبل القصاص فارتد الأمير المستكبر.
وتتمثل المرونة في تأخير عمر فريضة الزكاة عن أرباب الماشية من الإبل والبقر والغنم في عام الجدب تيسيراً على الناس.

الفقه الإسلامي بين الثبات والتطور:
نجد الفقه الإسلامي بمختلف مدارسه ومذاهبه يسير في نفس هذا الاتجاه ثابتاً على الأصول والكليات مرناً ومتطوراً في الفروع والجزئيات. فالفقيه المسلم مقيد بالنصوص المحكمة الثابتة من القرآن والسنة وهي المجزوم بثبوتها المقطوع في دلالتها. ومع هذا التقيد الملزم يجد الفقيه المسلم نفسه في حرية واسعة أمام منطقتين فسيحتين من مناطق الاجتهاد وإعمال الرأي والنظر.
منطقة الفراغ التشريعي:
المنطقة الأولى هي ما يمكن تسميته((منطقة الفراغ التشريعي)) تلك المنطقة التي تركتها النصوص لاجتهاد أولي الأمر والرأي بما يحقق المصلحة العامّة وهي المنطقة التي يسميها بعض الفقهاء((العفو)) كما جاء بالحديث الشريفالمختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام frown.gifما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا).وتلا الرسول صلى الله عليه وسلمالمختصر الهام في الخصائص العامة للإسلام frown.gifوما كان ربك نسياً).
منطقة النصوص المحتملة:
المنطقة الثانية هي منطقة النصوص المتشابهات التي اقتضت حكمة الشارع أن تجعله هكذا محتملات تتسع لأكثر من فهم مابين متشدد ومترخص ومابين واقعي ومفترض.
فهذه هي شريعة الإسلام:
لو شاء الله لجعل أحكامها كلها منصوص عليها نصاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة وبذلك لا يكون
هناك مجال للاجتهاد وتغير الآراء وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال.ولو شاء أيضاً لجعل النصوص الشرعية كلها ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة أو ظنيتهما معاً وبذلك لا يوجد حكم واحد ثابت مقطوع به ولكن شاء الله أن يكون من مصادر هذا الدين وأدلته القطعي واليقيني الذي لا يقبل النقاش ولا التغيير كما شاء سبحانه أن يكون بجوارها المصادر الاجتهادية والأدلة الظنية.

موقف المجتمع المسلم من المجتمعات الأخرى:
وعلى ضوء ما ذكرناه في الجمع بين الثبات الذي يمنحه الاستقرار فلا يتحول عن أصوله وبين المرونة التي يواجه بها سير الزمن وسنة التطوير.
نتبني موقف المجتمع المسلم من المجتمعات الأخرى المخالفة له في العقيدة والوجهة إنه لا يذوب فيها ولا يتبع أهوائها ولا يقلدها بما فيما هو من خصائصها وهذه هي التبعية التي يرفضها الإسلام لأمته ومع هذا لا ينعزل المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات بل يستطيع ان يقتبس وينتفع منها بما لديه من معارف وخبرات ومهارات.
فعنصر الثبات يتجلى في رفض المجتمع المسلم للعقائد والمبادئ والأفكار التي تقوم عليها المجتمعات الأخرى غي المسلمة،وفي مقابل هذا الثبات نجد مرونة وسماحة من الناحية العملية والتطبيقية في الحياة مما يتصل بالطرائق والأساليب لا بالمبادئ والهداف.

المسلمون في العصور الذهبية:
لقد استطاع المسلمون في العصور الذهبية أن يحتفظوا بشخصيتهم الإسلامية ثابتين على عقائدهم وشعائرهم وخلاقهم وأن يقتبسوا مع هذا من مدنيات الفرس والروم وغيرهم من القدماء ما ينفعهم ويلائم أوضاعهم حيث عربوه وهذبوه وأضافوا إليه وحذف منه ما يتعارض مع عقيدتهم عن الله والوجود.
ومازال تاريخ العلم يحتفظ بأسماء لامعة لعلماء مسلمين في الطب والكيمياء والفيزياء وشتى أنواع العلوم ولقد اثبت مؤرخو الحضارة الإسلامية أن المنهج العلمي الحديث الذي يتميز به الغرب قد اقتبس من المسلمين الذين سبقوا إلى اكتشاف هذا المنهج كاملاً قبل نهضة أوربا بعده قرون وقد شهد بذلك العلماء الغربيين المنصفين.

طبيعة واضحة للمجتمع المسلم:
إن طبيعة المجتمع المسلم لم تعد خافية علينا هل هو مجتمع ثابت جامد؟أم مجتمع مرن متطور؟
المجتمع المسلم مجتمع متوازن واخذ كل من الثبات والتطور مكانه بالعدل.المجتمع المسلم مجتمع ثابت متحرك في آن واحد.

أمران يعرضان المجتمع الإسلامي للخطر:
إنما يتعرض المجتمع الإسلامي للخطر نتيجة أحد أمرين:
الأول: أن يجمد ما من شأنه التغير والتطور فتصاب الحياة بالعقم والجمود وهذا ما حدث في عصور الانحطاط والشرود عن هدي الإسلام الصحيح فتوقف الاجتهاد في الفقه ووقف الإبداع في العلم والابتكار في الحرب وضربت الحياة بالجمود والتقليد في كل شيء،على حين أخذت المجتمعات الأخرى الراكدة تستيقظ وتتطور ثم تنمو وتتقدم.
الثاني: أن يخضع للتطور والتغير ما من شأنه الثبات والاستقرار كما نرى في عصرنا الحاضر إن فئة من أبناء المسلمين يريدون خلع الأمة من دينها باسم التطور.
وبهذه الأدلة والبراهين التي أوردناها نستطيع أن نرد على القائلين أن الإسلام جامد ثابت لا يتحرك ولا يتغير مع تغير العصر.
وختاماً نقول أنه ليست هذه الخصائص فقط هي خصائص الإسلام بل كل مسلم يستطيع أن ستخرج ويستنبط خصائص جديدة وواضحة للإسلام العظيم.



الحمد لله رب العالمين
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
البرهان العلمي للإسلام نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 5 13-05-2014 07:30 AM
التعريف العام للإسلام نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 26-05-2013 07:15 AM
نحن من يسئ للإسلام نور الإسلام المقالات 0 14-09-2012 05:48 PM
اعتناق 100 أجنبي للإسلام بالجزائر مزون الطيب الإسلام والعالم 2 15-08-2012 02:13 PM
الراكبون في قاطرة المسيء للإسلام مزون الطيب المقالات 0 01-03-2012 11:55 AM


الساعة الآن 11:56 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22