صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

رؤية الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية

بسم الله الرحمن الرحيم د. حسن محمد ماشا عربان المقدمة : يتناول هذا البحث رؤية الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية من خلال الآيات والأحاديث التي وردت في هذا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-05-2013 ~ 06:29 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي رؤية الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الوسطية

بسم الله الرحمن الرحيم

د. حسن محمد ماشا عربان
المقدمة :
يتناول هذا البحث رؤية الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية من خلال الآيات والأحاديث التي وردت في هذا المجال وآراء الفقهاء والكتاب القدماء والمعاصرين من أجل الوصول إلى الضوابط الشرعية التي يمكن أن تحل مشكلة التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي .
ويقع البحث في ثلاثة مباحث : الأول سوف يتناول رؤية الاقتصاد الرأسمالي لحل المشكلة الاقتصادية .
أما في المبحث الثاني فسوف يتناول تعريف ومفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام . من خلال تعريف التنمية في اللغة والاصطلاح .
وفى المبحث الثالث يتم تناول رؤية الإسلام للمشكلة الاقتصادية والضوابط التي وضعها لحلها .











المبحث الأول
رؤية الفكر الرأسمالي لحل مشكلة التنمية الاقتصادية
مصطلح التنمية في الفكر الرأسمالي
لم يكن مصطلح التنمية هو السائد في الفكر الرأسمالي وإنما مصطلح النمو هو الأكثر استخداماً قبل الحرب العالمية الثانية، ويقصد بالنمو الاقتصادي بأنه : " الزيادة في الناتج القومي دون تغيير إرادي في عمل وأداء الاقتصاد " .. أما التنمية الاقتصادية فهي عملية متعددة الأبعاد تتمثل في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية ، فالتنمية الاقتصادية إذا هي عملية متكاملة بشقيها الاقتصادي ويقصد به : زيادة الدخل القومي الحقيقي للمجتمع ، والشق الاجتماعي ويقصد به أحداث تغيير اجتماعي وثقافي وسياسي، و يسير الشقين جنباً إلى جنب .(1)
ففي نظر الرأسماليين أن التنمية الاقتصادية بهذا المفهوم أوسع واشمل من النمو لان النمو لا ينطوي على تفسيرات هيكلية، كما إن النمو يهتم بالكم، أما التنمية فتهتم بالكم والكيف ، كما أن النمو يحدث بالصورة تلقائية غير مخططة. بعكس التنمية التي تكون مخططة حيث تسهم الدول في التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. (2) .
وعلى الرغم من أن هذه التفرقة بين مصطلح كل من النمو والتنمية فإن بعض الاقتصاديين لا يرى لمثل هذه التفرقة أساساً . بل يرى أنهما مترادفان يشرحان نفس الظاهرة دون اختلاف بينهما . و ويلاحظ تاريخياً أن مصطلح التنمية الاقتصادية أخذ يسود مع تضاؤل فلسفة الحرية الاقتصادية وزيادة فلسفة تدخل الدولة والتخطيط الاقتصادي . (3)
وبالنسبة لتعريف التنمية في الفكر الرأسمالي فان مصطلح التنمية مر بمراحل عديدة تبعاً لتطور هذا الفكر . ففي الفكر الكلاسيكي كان مفهوم الدخل القومي هو المحور الأساسي لتعريف التنمية فهي :( زيادة ملحوظة في الدخل القومي وفي نصيب الفرد منه، تتوزع على الأنشطة وفئات الدخل المختلفة وتستمر لفترة طويلة تمتد إلى جيل أو جيلين وتتخذ خلالها صورة تراكمية) . (4)
وفى العصر الحديث أصبح تعريف التنمية يأخذ معنى أوسع نسبياً ، حيث عرفت بأنها : (مجموعة من الإجراءات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهادفة إلى بناء آلية اقتصادية ذاتية، تتضمن تحقيق زيادة حقيقة مضطردة في الناتج الإجمالي ورفع مستمر لدخل الفرد الحقيقي كما تهدف إلى تحقيق توزيع عادل لهذا الناتج بين طبقات المجتمع المختلفة التي تساهم في تحقيقه) . (5)
كذلك تأثر مفهوم التنمية في الفكر الاقتصادي الرأسمالي بالفشل الذي حدث للتجارب التنموية للرأسمالية في الدول النامية حيث نادت المجتمعات النامية بإيجاد مفهوم للتنمية يخرجها من دائرة التبعية الاقتصادية فبرز مصطلح التنمية المستقلة والذي يهتم بخلق كيان اقتصادية يتنامى ذاتياً . فالتنمية الاقتصادية المستقلة هي "الاعتماد على النفس ، أي القدرة على التفكير والأداء بشكل مستقل من خلال الاعتماد على تنمية الموارد المحلية في تلبية قسم كبير من الحاجات الرئيسية. وإنها جوهر معركة استكمال التحرر الوطني الذي بدا بالاستقلال السياسي". وهو التحرر الاقتصادي عن طريق الاعتماد على الذات في تحقيق التنمية . فالتنمية الاقتصادية المستقلة لا ترفض التعاون مع الآخرين أو الاستفادة منهم ، ولكن يتم ذلك في شكل تكامل وتبادل منافع بعيداً عن التبعية . (6) فالتنمية المستقلة هي : " تلك العملية التي تعظيم القدرات الذاتية للبلد بشكل منفرد أو ضمن تكامل إقليمي أو قومي بما يؤمن استقلال القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بعيداً قدر الإمكان عن التأثيرات الخارجية " . فالتنمية المستقلة لا ترفض التعاون مع الآخرين أو الاستفادة منهم ، ولكن يتم ذلك في شكل تكامل وتبادل منافع بعيداً عن التبعية. (7)
بالإضافة إلى الفشل الذي لازم تطبيق تجارب التنمية الرأسمالية في الدول النامية فان هذه التجارب خلقت مشاكل تنموية في الدول المتقدمة اقتصادياً التي تطبق النظام الراسمالى ومن أهم هذه المشاكل مشكلة البيئة ، ومشكلة نقص الموارد والغذاء وهى نتيجة منطقية للسياسات التنموية للاقتصاد الرأسمالي التي تؤدى إلى تبذير الموارد وتلوث البيئة .
ففي بداية الثمانينات تم طرح مفهوم جديد للتنمية يضع معالجة التلوث البيئي وترشيد الموارد من أجل الأجيال القادمة في الاعتبار .وأطلق على هذا المفهوم مصطلح التنمية المستدامة . وعًرفت بأنها : " السعي الدائم لتطوير نوعية الحياة الإنسانية مع الوضع في الاعتبار قدرات النظام البيئي " (8) . ولقد خرج مؤتمر الـ(fao) بتعريف أوسع للتنمية المستدامة بأنها " إدارة قاعدة الموارد وصونها وتوجيه عملية التغير البيولوجي والمؤسسي على نحو يضمن إشباع الحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة بصفة مستمرة في كل القطاعات الاقتصادية ، ولا تؤدي إلى تدهور البيئة وتتسم بالفنية والقبول". (9) .
رؤية الفكر الرأسمالي لحل مشكلة التنمية الاقتصادية :
ترتبط رؤية الفكر الرأسمالي لحل مشكلة التنمية الاقتصادية من خلال رأيهم بأن المشكلة الاقتصادية تكمن في محدودية الموارد فى مقابل زيادة الحاجات البشرية ، لأن المشكلة في نظرهم مرتبطة بشح الطبيعة في مقابل احتياجات البشرية المتعددة والمتجددة
ولقد حدد الفكر الرأسمالي عناصر المشكلة فيما يلي :
أ/ تحديد احتياجات المجتمع من السلع والخدمات وترتيبها حسب أهميتها النسبية .
ب/ تنظيم الإنتاج
ج/ توزيع الإنتاج
د/ كيفية زيادة عناصر الإنتاج وتطوير فنون الإنتاج مع المحافظة على وضع التشغيل الكامل لهذه العناصر بالنسبة للدول المتقدمة
هـ / زيادة معدلات الاستهلاك في الدول النامية الذي يقابله في نفس الوقت ضعف في الإنتاج المحلى الذي ينمو بمعدلات بدائية .
و/ عناصر الإنتاج في الدول النامية غير مستخدمة استخدام كامل
ز/ الإسراف في استخدام الموارد من قبل الدول المتقدمة وانعكاس ذلك على البيئة ونقص الغذاء وحاجات الأجيال القادمة
ويرى النظام الرأسمالي أن حل المشكلة يكمن في الحرية الاقتصادية بمعناها الواسع ، حرية الفرد في التملك – حرية الاستغلال وحرية الاستهلاك . فالحرية هي المحرك الأساسي لتشغيل النظام الاقتصادي الرأسمالي وهى مصدر التوازن الاقتصادي . وجهاز السوق هو الذي يجيب على كافة الأسئلة التي تطرحها المشكلة . وهى : ماذا ننتج ؟ أي ما هي الحاجات الأولى بالإشباع فجهاز الثمن هو الذي يقوم بوظيفة توزيع الموارد على الاستخدامات المختلفة فجهاز الثمن يعكس رغبات المستهلكين ويقوم بتوجيه المنتجين إلى الأنشطة التي يجب أن تتجه إليها مواردهم . أما سؤال كيف ننتج ؟ أي اختيار أسلوب الإنتاج السائد في السوق فان الأسعار النسبية لعناصر الإنتاج هي التي تحدد طريقة الإنتاج التي يستخدمها المنتجون بحثا وراء أكبر ربح واقل تكلفة أما السؤال كيف نقوم بتوزيع الناتج على عناصر الإنتاج فان جهاز الثمن يقوم بتحديد نصيب كل عنصر من عناصر الإنتاج . أما سؤال كيفية ضمان الاستخدام الكامل لموارد المجتمع ؟ فان جهاز الثمن كفيل بحل هذه المشكلة ، فإذا زادت البطالة فان التنافس بين العمال في سوق العمل يترتب عليه انخفاض الأجر فيزيد الطلب على تشغيل العمال وبالتالي زيادة الإنتاج حتى يصل إلى التشغيل الكامل . أما سؤال كيف نضمن الزيادة المستمرة في موارد المجتمع أو زيادة الطاقة الإنتاجية ؟ فان جهاز الثمن يلعب دورا مهما في ذلك . فالفرد في النظام الرأسمالي ليس له حرية مطلقة في التصرف في دخله ، لأن سعر الفائدة يلعب دورا هاما في تحديد نسبة الاستهلاك من الدخل وكذلك نسبة الادخار ، وعلى ضوء ذلك يتحدد مستوى الاستثمار .

ولقد حاول الفكر الرأسمالي حل مشكلة التنمية في الدول النامية ومعالجة الاختلالات التي تحدث في الاقتصاد الرأسمالي المتقدم فالكلاسيكي اعتبروا علاج المشكلة يتم على أساس من مبدأ تقسيم العمل الذي يؤدي إلى رفع المستوى الفني للعمال وزيادة إنتاجيتهم واستنباط وسائل ومعدات أكثر جودة وفاعلية توفر في الوقت اللازم للإنتاج وتكلفته . على أن يكون الرأسمالي هو محور النشاط الاقتصادي . كما أن الحرية الاقتصادية . وآلية كل من العرض والطلب هما المحرك الاقتصادي دون ما تدخل من الدولة . (10)
أما الفكر الكلاسيكي الحديث فلقد تحولت رؤيته باتجاه مشكلات المدى القصير فحرص في دراسته على كيفية توزيع الدخل أو نظرية القيمة . فلقد ركز بشكل رئيسي على مسألة التوزيع الكفء لمجموعة من عناصر الإنتاج وأهمل بشكل واسع العناصر الاجتماعية والسياسية . كما ينظر إلى عملية التنمية الاقتصادية على إنها عملية متناسقة تأتي ذاتياً . ومن المبادئ الأساسية الأخرى للمدرسة الكلاسيكية الحديثة اعتقادها إن التنمية الاقتصادية تحصل بشكل تدريجي ومتواصل . (11)
أما الفكر الرأسمالي الحديث فلقد ظهرت رؤيته لحل مشكلة التنمية بعد أزمة الركود الاقتصادي ، وذلك خلال الفترة (1929م – 1933م) والتي تعتبر من الفترات المظلمة في تاريخ الرأسمالية حيث أبرزت عيوب النظام الرأسمالي . فلقد ظهر من خلال الركود الاقتصادي أن المشكلات التي يمر بها النظام الرأسمالي لا تكمن في جانب عرض السلع والخدمات التي اهتم بها معظم الاقتصاديين . بل تكمن المشكلة في جانب الطلب الفعلي . فلقد ظهر أن قصور الأسواق جوهر المشكلة الرأسمالية في تلك الفترة . فلقد اهتم الاقتصاديون الذين سبقوا هذه المرحلة بخفض تكاليف الوحدات المنتجة وتعظيم أرباح المؤسسة الفردية معتقدين أن أرباحها المحققة هي مصدر التراكم رأس المال .
ولمعاجلة المشكلة فقد أهتم "كينز " بالاقتصاد القومي وبحث في الشروط اللازمة لنموه . واعتبر أن الطلب الفعلي هو المحور والشرط الأساسي للتنمية الاقتصادية وسمى (بالطلب الفعال) وعرفه بأنه : " الجزء الذي ينفق من الدخل القومي على الاستهلاك والتراكم ". وحدد المتغيرات المؤثرة في نمو الدخل القومي وعدها من المسائل الأساسية في النمو الاقتصادي . وقد أوجد كينز علاقة بين زيادة الاستثمارات ونمو الدخل القومي وأطلق على طبيعة هذه العلاقة مصطلح المضاعف الذي يبين أثر الاستثمار. ذلك أن الزيادة في الإنفاق على الاستثمار ستؤدي إلي زيادة في الدخل القومي وذلك بكميات مضاعفة تقدر بالإضافة إلى هذه الزيادة الأولية في الاستثمار وذلك بما تؤدي إليه هذه الزيادة إنفاق متوال على الاستهلاك . وقد ركز كينز حول الشروط اللازمة للمحافظة على نمو ثابت للدخل على أساس العمالة الكاملة بدون تضخم أو انكماش نقدي . وحول مدى إمكانية نمو الدخل بمعدل يكفي لمنع الركود طويل الأجل أو تضخماً طويل الأجل . (12)
وهنالك بعض الكتاب الذين اهتموا بإيجاد حلول لمشاكل التنمية بعد " كينز" حيث جاء اهتمامهم بالتنمية الهيكلية والتي ظهرت في الخمسينات من القرن السابق من قبل كتاب مثل ( بول روسنشتين و نركسه واثر لويس) الذين وضحوا مشاكل التنمية في حالة عدم توازن ميزان المدفوعات والبطالة ومسالة توزيع الدخل بشكل غير عادل اعتمادا على صفات معينة للطلب ودوال الإنتاج . وهذه النظريات الهيكلية تؤكد على أن تركيب أو هيكل الإنتاج والعمالة والتجارة هي مفاتيح فهم مشكلة التنمية الاقتصادية وعلى سبيل المثال فان ابسط النماذج الهيكلية يعبر عن نموذج الاقتصادي المزدوج (القطاع الزراعي والصناعي) . (13)
أما الرؤية المعاصرة لمشكلة التنمية هو أن النظريات الرأسمالية السابقة قد عمقت التخلف في الدول النامية بدلا من أن تساعد في تنميتها بسبب أن هذه النظريات قد اعتمدت على مفهوم التبعية في تفسير التنمية ولقد ظهر ذلك جلياً من خلال نظريات التجارة الخارجية التي أسسها (ريكاردو) وطورها (هكشر وأولين) مما ساهم في أن تكون منافع التجارة الخارجية في صالح الدول المتقدمة . ولقد أظهرت بعض الدول التي اعتمدت على ذاتها اقتصادا متطوراً خاصة التي اعتمدت في تطورها الاقتصادي على مواردها المحلية بشكل أساسي وتحريك مواردها البشرية والطبيعية بشكل مستقل عن الخارجي ، ويمكن القول أن الاتحاد السوفيتي (السابق) واليابان كانا ابرز هذه الدول . مما جعل الدول النامية تحاول أن تسلك طريق الاعتماد على الذات من أجل معالجة قضايا التنمية الاقتصادية خوفاً من شبح التبعية الاقتصادية الناجم عن تطبيق الرؤية الرأسمالية للتنمية فنادت باعتماد ما يسمى بالتنمية المستقلة . (14)
وإذا كانت الدول النامية قد عانت من مظاهر التبعية الاقتصادية التي أفرزتها النظرية الرأسمالية . فان الدول الرأسمالية الغنية نفسها قد فشلت في إيجاد حلول لمشكلة التنمية في بلدانها بل أفرزت مشاكل تنموية معاصرة مثل مشكلة التلوث البيئي ونقص الموارد والغذاء وتزايد حدة الفقر وأزمات الركود الاقتصادي المتكررة والتي كانت أكثرها حدة في الثلاثينات من القرن السابق ، ثم عاودت الأزمة الاقتصادية حدتها في هذا العام (2008)م وهى ستكون مؤثرة ليست على الدول التي تدين بالنظام الراسمالى فحسب ، وإنما تشمل كل دول العالم الذي سعت الرأسمالية إلى جعلها تدور في فلكها الاقتصادي .
فى الواقع نجد أن الفكر الرأسمالي مازال غير قادر على حل مشكلة التنمية الاقتصادية عن طريق جهاز الثمن ، فالتنمية الاقتصادية الرأسمالية مرتبطة بمستهلك لا يشبع وبمنتج ليس له حدود في الإنتاج وحريته مطلقة . فالمستهلك في نظر الفكر الرأسمالي يريد تحقيق اكبر قدر من اللذة ، كما أن المنتج في نظرهم يريد إن يصل لأعظم ربح . ولم تولى النظرية الرأسمالية أي اهتمام بالقيم والأخلاق والدين في المعاملات ، حيث لا يهم إن كان المنتج خبيث أم طيب ضار أم نافع ، ولا تبحث في أن الربح استغلال أم عدلا غشا أم أمانة وإنما همها هو المزيد من الثراء .
حواشي المبحث الأول
(1) ) كلاؤس روزه ،الأسس العامة لنظرية النمو الاقتصادي ، جامعة قاريونس بنغازي ، ليبيا 1990، ص14.
(2) عاطف السيد ، دراسات التنمية الاقتصادية ، دار المجمع الفكري بجدة 1968م ص10.
(3) نعمه الله نجيب إبراهيم ، إسماعيل حسين إسماعيل، أسس الاقتصادي الكلي، قسم الاقتصاد ، جامعة الإسكندرية 1998ن،ص225.
(4) د. محمد عجيمية ود. علي الليثي : التنمية الاقتصادية ، مفهومها ، نظرياتها سياستها ، مطبعة دار الجامعة – الإسكندرية – مصر 1998م ،، ص35.
(5) د.مطانيوس حبيب ، – التنمية الاقتصادية – جامعة قاريونس، ليبيا ،ص30.
(6) عادل حسين (تجربة مصر في التنمية الاقتصادية ) منشورات الندوة الفكرية بمركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 198م ، ص412.
(7) د. سعد حسين فتح الله ، التنمية المستقلة المتطلبات والإستراتيجية والنتائج منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1995م ، ص355.
(8) ميلو فانيا ما فيانا (التنمية المتواصلة ، قراءة في السكان والاستهلاك والبيئة) الجمعية المصرية للنشر والمعرفة – القاهرة 1994، ص150.
(9) راكز هاويت وليم (نحو عالم مستديم ) ترجمة الى العربية ، مجلة العلوم العدد1 الكويت ، 1990م.ص 25
(10) د.عمر محي الدين ، التخلف والتنمية ، النهضة بيروت 1977م، ص98.
(11) محمد شوقي الفنجري مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي ،1984م ، ص19.
(12) د. محمد مبارك : نظام الإسلام الاقتصادي ، بيروت 1972م ص 147.
(13) عاطف السيد ، دراسات التنمية الاقتصادية ، مرجع سابق ، ص25.
(14) د.سمير أمين- التطور المتكافي (دراسة التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية ، ترجمة عليون – بيروت دار الطليعة 1974 ص 191 – 194.

المبحث الثاني
مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام
تعريف التنمية والاقتصاد في اللغة
تعريف التنمية فى اللغة :
التنمية في اللغة من نما ينمو أى زاد . والنمو في اللغة هو الكثرة والزيادة كماً ونوعاً (1) . فالتنمية فى اللغة تعنى احداث الكثرة والزيادة ، كما وردة فى القرآن بمعنى النما والزيادة والصلاح والطهر والانبات والتنشأة والارتفاع والبروز وهو معنى اوسع من مجرد الزيادة كما ونوعا . قال تعالى : (قد افلح من زكاها)(2) (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )(3) .وكلمة زكا
في اللغة تعنى النما والزيادة والصلاح والطهر . وقال تعالى (فانبتنا فيها حبا )(4). والإنبات لغة من (نبت ) أى برز وارتفع وزاد . وقال تعالى : (أنشأنا لكم به جنات من نخيل ) (5) والتنشأ في اللغة من (نشأ) التولد والارتفاع والتربية ، وهو معنى مرادف للتنمية والنمو . (6)
تعريف الاقتصاد في اللغة :
لقد ارتبطت كلمة التنمية بكلمة اقتصاد وبالتالي نشير دائما إلى التنمية الاقتصادية عندما يتم الحديث عن التنمية . وأصل كلمة اقتصاد هي : (القصد) . من (الرجال) هو بين الجسيم والنحيل ، ومن (الأمور) هو الذي لا تفريط فيه ومن (المشي) المستوى ، ومن (النفقة) التوسط بين التقتير والتبذير . قال تعالى : ( واقصد في مشيك )(7) أي ليس فيه غلو أو تقصير ، من (قصد) أي استقام (وعلى الله قصد السبيل ) (8) . فالقصد هو التوسط بين الإفراط والتفريط (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات )(9) . (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصد لاتبعوك )(10) أي وسط بين القريب والبعيد . و هذا يعنى أن الاقتصاد مرتبة بين التقتير والتبذير . أي أنها تعنى الوسطية والاعتدال والاستقامة والمقتصد هو المعتدل في المعيشة قل (ص) : (ما عال من اقتصد ) (11) والمقصد في اللغة هو الجهة والغاية ، فالقصد هو التوجه والنهوض نحو شيء بقصد الاستقامة غير الميل . (12) وشرعا مقاصد الشريعة تعنى أهداف وغايات الشريعة ، فالغاية الاسمي للشريعة الإسلامية والغرض من تنزيلها هو:(تحقيق مصلحة العباد في الدنيا والآخرة لكي يقوموا بخلافة الأرض وذلك بجلب المنافع لهم ودفع المضار عنهم وإخلاء المجتمع من المفاسد ) .
تعريف الاقتصاد في الاصطلاح :
لقد وردة معنى واضحة لكلمة اقتصاد في الإسلام بأنها الوسطية بين الإسراف والتقتير . ففي القرآن قال تعالى:(لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط )(13) . وقال تعالى : (واللذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) (14). (وآتى ذا القربى حقه ولا تبزر تبذير ا ) (15). في الحديث قال (ص) ( كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة )(16) وفى الحديث عن عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي (ص) مر بسعد وهو يتوضأ فقال :(ما هذا السرف يا سعد قال: أفي الوضوء سرف قال: نعم وإن كنت على نهر جار )(17) .
تعريف كلمة (الاقتصاد الاسلامى ) في اللغة والاصطلاح :
تعريف كلمة إسلام :
كلمة إسلام تعنى الطاعة والانقياد والتسليم ، كما تعنى الدخول في دين محمد (ص) . والإسلام في الأصل معناه الاستسلام لله في أمره ونهيه) . وبهذا المعنى فان كلمة إسلام عرفت وتم تداولها من قبل رسالة سيدنا محمد وهى دين الفطرة الذي اعتنقه كل الأنبياء . ولقد جاء ذلك في القرآن (ما كان إبراهيم يهوديا ولكن كان حنيفا مسلما ).(18) . وتشير أيضا إلى عقيدة التوحيد لله تعالى والعبودية له وحده . فكلمة اسلامى هو " ذلك المنتمى للدين الاسلامى و القائم على توحيد الله سبحانه وتعالى والإذعان له والطاعة لأوامره وتوجيهاته التي تم توضيحها بصورة دقيقة وواضحة في القرآن والأحاديث النبوية " . (19)
تعريف الاقتصاد الاسلامى :
الاقتصاد الاسلامى هو علم إلهي المصدر يمد الباحث في مجال الاقتصاد الاسلامى بالأصول الشرعية المتمثلة في القرآن والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية . وتعتبر هذه الأصول الشرعية هي : المبادئ والقواعد الاقتصادية الثابتة التي يمكن صياغتها في شكل نظرية موجهة من خلال استخدام الباحث لها في البحث العلمي المتخصص . فالنظرية الإسلامية في الاقتصاد هي مجموعة معارف علمية يقوم بها باحثين مسلمين من اجل الوصول إلى أفضل وضع مثالي ممكن في حدود القدرات البشرية القائمة بتلك المحاولات . فالفكر الوضعي المتعلق بالبشر يعتبر أضيق نطاق في معناه من العلم الشامل لذلك الفكر البشرى الاسلامى الاجتهادي والتجريبي والتطبيقي الثابت المشتق جذوره من الأصول الشرعية (الكتاب والسنة ) . فالاقتصاد الاسلامى يقوم على شقين أحدهما ثابت إلهي المصدر والآخر متغير بشرى التحليل والتطبيق . فالبحث في علم الاقتصاد يجمع بين العقل والنقل . وبالتالي فإن النظرية الاقتصادية الإسلامية دائما ذات نتائج نهائية لا تقبل الخطأ أو التأويل ، وصالحة التطبيق في كل زمان ومكان .
ومن هنا يمكن القول أن مصطلح الاقتصاد الاسلامى هو : "علم متخصص يسعى للتوصل إلى قوانين ومبادئ وفروض ونظريات صالحة للتطبيق الشرعي الذي يحقق حقق اكبر منفعة للمجتمع الانسانى ".
مصطلح التنمية الاقتصادية في الإسلام :
لقد اهتم الإسلام بالتنمية وأعطاها معنى أعمق من ذلك وهو (العمارة) واعتبرها عبادة لله تعالى وجعلها من واجبات الاستخلاف . قال تعالى : (..هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها..)(20) . أي طلب منكم عمارتها. ويقول الجصاص: "إن في هذه الآية دلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعية والأبنية " (21) ويقول القرطبي: " إن فيها طلب العمارة ، والطلب المطلق من الله تعالى يكون على الوجوب". وعمارة الأرض بهذا المفهوم تسعي لخلق مجتمع المتقين الذي يستخدم الموارد المسخرة له في التمتع بمستوي معيشي طيب مع استشعار تقوى الله في ذلك . (22)
ولقد استخدم المسلمون الأوائل لفظ عمارة الأرض للدلالة على التنمية الاقتصادية ونادي المفكرين منذ صدر الإسلام بعمارة الأرض ، ولقد جاء ذلك في كتاب الخلفاء إلى الولاة عندما كتب على كرم الله وجهه إلى واليه في مصر : (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، من طلب الخراج من غير عمارة أخرب البلاد) . فكلما كان هناك توسع في عمارة الأرض ازداد نشاط الإنتاجي بكافة صورهم ويزداد الدخل المتولد عنه . فمفهوم التنمية في الإسلام يظهر من خلال الهدف من التنمية ، حيث ينحصر هدف التنمية في الإسلام في تحقيق مقاصد الشريعة الخمس وهى الدين والنفس والنسل والعقل والمال . وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة المجتمع الانسانى من خلال التوزيع العادل للموارد . (23)
وفى الفكر الإسلامي المعاصر أو القديم لا يوجد أفضل من ابن خلدون العالم الإسلامي في شرح مفهوم عمارة الأرض حينما تطرق إلي العمران فجعله معتمداً بصفة ضرورية على متغير السكان في أي بقعة من الأرض فكلما ازداد عدد الساكنين كلما ازداد العمران والعكس صحيح فالسكان يسعون بطبيعتهم إلى إشباع حاجاتهم من مأكل ومشرب وملبس ومسكن . وبالتالي فإنهم يفلحون الأرض ويقيمون الصناعات المختلفة ويشيدون المباني . وحيث يتعاون السكان ويقتسمون الأعمال فيما بينهم يحصلون من جراء مجهودهم الانتاجى على أكثر من كفايتهم بكثير. ثم جعل ابن خلدون العمران معتمداً بالإضافة إلى إعداد السكان على أمالهم والتي تتوقف على المناخ السياسي والاقتصادي السائد في المجتمع فإذا كانت الدولة متسامحة مع الرعايا وتقتصر في جباية الأموال على الواجبات الشرعية مثل الزكاة ، انبسطت أمال الرعايا وازداد نشاطهم الإنتاجي واتسعت الأسواق وازدادت المكاسب . والعكس بالعكس إذا طغت الدولة وأسرفت في جمع الضرائب من الناس بالإضافة إلى الجباية الشرعية بل وقد تزاح الناس في نشاطهم الخاص حينئذ يحدث الخراب الاقتصادي . (24)
ولقد تناول بعض الاقتصاديين المعاصرين تعريف التنمية في محاولة للاقتراب من مفهوم محدد للتنمية من منظور إسلامي وربط ذلك بالأدبيات المعاصرة ، حيث عرف يوسف التنمية في الإسلام بأنها"إنتاج عالي وتوزيع عادل" (25) ويضيف(دنيا) أن المفهوم الإسلامي والوضعي للتنمية لا يختلف في عدا إن لأول يتضمن إخلاص العبادة لله عز وجل. (26) . أما(عفر) فيشير إلى أن التنمية في منظور إسلامي مرتبطة بتنمية الإنتاج وتنمية ثروة المجتمع من اجل تحقيق مقاصد الشريعة، وان التنمية معنية بتوفير متطلبات كرامات الإنسان أولا وما يلحق من متطلبات ثقافية ومادية. (27) ويرى (خورشيد) أن التنمية ترتبط بالاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية وتوفير حد الكفاية والقضاء على الفقر. (28) وعرف أحمد صفى الدين التنمية بأنها : (العلم الذي يبحث في طرق الكسب والإنفاق على ضوء الأحكام والآداب التي تضمنتها شريعة الإسلام ) . (29) وعرفت التنمية الاقتصادية في الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية بأنها : ( علم وسائل استخدام الإنسان لسد حاجات الفرد والمجتمع الدنيوية طبقا لمنهج شرعي محدد) (30).
ومن هنا يمكن تعريف التنمية الاقتصادية بأنها هي: (( مجموع الأحكام والقواعد والوسائل الشرعية المتبعة لعمارة الأرض إشباعاً لحاجات المجتمع الانسانى الدنيوية والأخروية وتحقيقا لعبادة الله تعالى )) .
حواشي المبحث الثاني
(1) المعجم الوسيط دار احياء التراث العربى القاهرة 1973م ط2ج2 ص 956.
(2) سورة الشمس الآية 9
(3) سورة التوبة الآية 103
(4) سورة عبس الآية 27
(5) سورة المؤمنون الآية 19
(6) المعجم الوسيط مرجع السابق ص 396 .
(7) سورة لقمان الآية 19
(8) سورة النحل الآية 9
(9) سورة فاطر الآية 32
(10) سورة التوبة الآية 42
(11) رواه احمد في مسنده مؤسسة قرطبة مصر ب ت، ب ط ج1ص447
(12) المعجم الوسيط مرجع سابق ص 738) .
(13) سورة الاسراء الآية 9
(14) سورة الفرقان الآية 67
(15) سورة الإسراء الآية 26
(16) رواه البخاري في صحيحه دار ابن كثير بيروت 1987م ط3ج5ص2181.
(17 ) د. زينب صالح الاشوح : الاقتصاد الاسلامى بين النظرية والتطبيق – دار غريب للطباعة – القاهرة 2004م ص24
(18) سورة آل عمران الآية 67
(19) د. زينب صالح الاشوح مرجع سابق ص28
(20) سورة هود الآية 61
(21) إحكام القرآن للجصاص، الجز الثالث.
(22) تفسير القرطبي دار الشعب القاهرة 1372هـ تحقيق الرد ونى ط2ج9ص56
(23) يوسف إبراهيم ، المنهج الإسلامي في التنمية في الإسلام . ص431
(24 سالم المكي الاقتصاد في مقدمة ابن خلدون بين الواقع والنظرية ط2 2006م تونس ص92 .
(25) يوسف إبراهيم ، مرجع سابق . ص431 .
(25)عبد الرحمن يسري، التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام ، الاسكندرية ص39.
(26) شوقي دنيا احمد ، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي – دارسة مقارنة – مؤسسة الرسالة – ط1- بيروت – 1984م ص96 .
(27) د. محمد عبد المنعم عفر، التخطيط والتنمية في الإسلام ، ص125.
(28 )احمد خورشيد، إستراتيجية التنمية في مفهوم إسلامي ، في كتاب الإسلام والنظام الاقتصادي الدولي الجديد، دار براسي للنشر 1980م ، ص135.
(29) الفنجرى محمد شوقي -المذهب الاقتصادي في الإسلام ، دار عكاظ الرياض 1981م. ص18.
(30) الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية الأصول الشرعية والإعمال المصرفية في الإسلام ج5القاهرة ط1982م ص82










المبحث الثالث
رؤية الإسلام لمشكلة التنمية الاقتصادية وكيفية حلها
رؤية الإسلام لمشكلة التنمية الاقتصادية :
تنطلق رؤية الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية من خلال رؤيته للمشكلة نفسها . إذ يرى الإسلام أن مشكلة التنمية الاقتصادية لا تتمثل في نقص الموارد أو بخل الطبيعة كما يرى الفكر الرأسمالي ، لأن الله قد سخر الموارد وهى تحت الطلب أينما يطلبها الإنسان يجد حاجته منها . ولكن المشكلة الاقتصادية في الإسلام تكمن في ظلم الإنسان لنفسه وكفرانه بهذه النعم التي وهبها الله له . قال تعالى : ( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار * وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) (1) وهذه الآيات تقرر أن الله قد وفر للإنسان الموارد الكافية لسد حاجته المادية ولكن الإنسان هو الذي ضيع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له وذلك بظلمه لنفسه وكفرانه بالنعمة الإلهية . ويتجسد الظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي في سوء التوزيع . كما يتجسد كفرانه للنعمة في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها .
رؤية الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية
ولحل مشكلة التنمية الاقتصادية وضع الإسلام ضوابط تتعلق بالإنسان نفسه وأخرى تتعلق بكل من الإنتاج والإنفاق والتبادل والتوزيع .
1/ضوابط تتعلق بالعنصر البشرى :-
يعتبر العنصر البشري هو غاية التنمية البشرية وأهم وسائلها ، كما انه مستخلف في الأرض لعمارتها وعبادة الله عز وجل ولذلك اهتم الإسلام بإعداده للقيام بمهمة الاستخلاف ، وشرط الاستخلاف يعني تسخير هذا المال لخدمة الخلق المستخلفين وتمكينهم منه ، أي تمكين استعمال أو ملكية انتفاع . (2) قال تعالى : (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون) (3) (ألم ترى أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه ) (4) . ويتم إعداد الإنسان للقيام بواجب الاستخلاف وهو عمارة الأرض عن طريق تربيته تربية إسلامية صحيحة وتعريفه بان المال هو مال الله قال تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (5) . وتعريفه انه مطالب بان يحصل عليه بالحلال وان يوجهه للإنتاج الطيب والاستهلاك الطيب . وذلك من خلال الإيمان بأن الله هو المالك الحقيقي لهذه الأموال وهو المتصرف فيها كيفما شاء والإنسان مستخلف عليها ، فعليه استخدامها وتنميتها بالقدر الذي يمكنه من عمارة الأرض التي استخلفه الله فيها وأمره بعمارتها قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ) (6) جاء في تفسير ابن كثير: (أي جعلكم تعمرونها جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن وخلفاً بعد سلف . (7) .
والإيمان بان الله سخر للإنسان ما في الكون لخدمة الإنسان ولمزاولة النشاط الاقتصادي . وكذلك الإيمان بالتفاوت في الأرزاق وبتسخير الناس لبعضهم البعض ومن هنا يجب على الفرد المسلم السعي لكسب الرزق امتثالاً لأمر الله والرضي بما قسمه الله وفق حكمته وعدله وعلمه بما هو صالح لهم قال تعالى: (هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)(8). وأيضاً لإيمان بان مزاولة النشاط الاقتصادي عبادة وهو محاسب عليها ومن هنا فهو مثاب عليها فأن سعى لكسب الرزق وبذل الجهد فيه ابتغاء مرضاة الله ومساعدة له على القيام بواجباته التي أمره الله بها فانه يثاب عليها كما انه يحاسب عليها يوم القيامة . (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(9) ومن هنا فلا بد أن يوجه هذا النشاط وفق أوامر الله وتوجيهاته وأن يكون الهدف منه التنمية التي تعود على جميع الأمة بالخير .
2/ ضوابط تتعلق بعنصر العمل :-
لكى يقوم الانسان بعمارة الأرض فلابد من العمل باستمرار من اجل تنمية أو تثمير المال لتغطية حاجاته خلال الزمن ، حتى قيام الساعة . والعمل المقصود هو " بذل الجهد الدائب في تثمير الموارد ، ومضاعفة الغلة من أجل رخاء الأمة ودعم وجودها وقيمها العليا " . وهو العمل الصالح والذي تزكى به النفس وتقوم به الأخلاق ، وتتسع به دائرة البر ويحفظ به الدين والبدن والعقل والمال والنسل . الحديث (ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ) (10) أي العمل الذي يحقق إصلاح الدين والدنيا . فالعمل المقصود هو العمل الذي يعمر الأرض ، وينتج الطيبات، ويحقق الحياة الكريمة للإنسان . وهو العمل الذي يحقق الاستخلاف في الأرض . (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)(11) في الحديث: (إن الله يحب المؤمن المحترف ) (12) . أي المتكلف في طلب المعاش صناعة وزراعة وتجارة . ولكي يقوم الإنسان بهذا العمل على أكمل وجه فإنه يجب إعداده علمياً وفنياً وذلك عن طريق التعليم والتدريب ومده بأفضل وسائل الإنتاج والإمكانات ووضعه في المكان المناسب وتنميته وإكسابه مهارات ما تحتاج إليها الأمة وتشجيعه على الذوق والابتكار كما لابد من تعليمه ما لا يعذر الجهل به من أحكام الشريعة المعروفة من الدين بالضرورة حتى لا يقع في محظور أو شبهة حرام . وبهذا يمكن إيجاد العنصر البشري الذي تتحقق فيه صفة الصدق والأمانة إلى جانب الخبرة والكفاءة امتثالاً لقوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)(13). جاء في تفسير الطبري: (القوي الأمين هو خير من تستأجره للرعي ، القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها صلاح الأمين الذي لا تخاف خيانته فيما تأمنه عليه) (14)
وبعد إعداد العنصر البشرى روحيا وفنيا ، يجب توفير فرص العمل وفرضه على كل قادر . فالإسلام يحث الأفراد على اكتساب الرزق عن طريق العمل والسبيل الحقيقي للتنمية لا يكون إلا بتعبئة الطاقات البشرية ودفعها في مجالات الإنتاج المختلفة كدفعها لاستصلاح الأراضي الموات الذي تكسبه حق تملكها إذا أصلحها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عًمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها . قال عروة قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته " والمنهج الإسلامي بتوفير العمل لكل قادر يضمن تشغيل كافة الموارد الإنتاجية للمجتمع كما يعتبر أن توفير الأعمال من واجبات الراعي على رعيته . كما لا يجوز أن يكون موقفه منهم بصفة دائمة مد اليد بمعونة قلت أو كثرت من أموال الصدقات . (15) فقد روى انس بن مالك انه قال: " أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال ألك في بيتك شيء قال بلى جلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقدح نشرب فيه الماء قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده قال من يشتري هذين فقال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى اهلك واشتر وصله قدوما فأتني به ففعل فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشد فيه عوداً بيده وقال اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوماً فجعل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فقال اشتر يبعضها طعاماً وببعضها ثوباً ثم قال هذا خير لك من أن تجئ والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع و دم موجع " (16) وقال (ص) : " ما أكل احد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده " (17) . ومما سبق يتضح ضرورة توافر فرص العمل للجميع وعدم تعطيل الأيدي العاملة لان ذلك يحقق التنمية الاقتصادية الشاملة لبلاد الإسلام.
3/ ضوابط الإنتاج والإنفاق
يعرف الإنتاج في المفهوم الإسلامي بأنه : " استخدام القدرات التي أودعها الله تعالى في الإنسان في معالجة الموارد المادية التي أودعها الله تعالى في الأرض من أجل إيجاد منفعة معتبره شرعا " (18) والهدف من الإنتاج هو توفير الحاجات التي تعين المسلم على عبادة الله تعالى . ولقد أقر ابن خلدون بوجوب توفر الغذاء من أجل أن يستمر البقاء وأن الحاجة هي الدافع الأول للإنتاج وأن قدرة الفرد الواحد لا تمكن من الحصول على الكفاية من الغذاء وبالتالي يجب إن يكون العمل الانسانى منظم تنظيماً اجتماعيا محكما وبصورة يصبح معها الإنتاج كافيا للمجتمع . وكذلك نادي الإسلام بتقسيم العمل ، واعتبر تطور الحاجة تبعا لتطور المجتمع . كما أبرز ذلك ابن خلدون في حديث عن أهمية التطور الفلاح من الريف إلى الحضر . (19)
وأساساً يتم استخدام المال وتثميره عن طريق الاعتماد الجماعي علي الذات وفي إطار نظام أولويات شديد الوضوح ودقيق التحديد. ويتدرج هذا النظام بحسب الأهمية من إنتاج وتوزيع واستهلاك الضروريات أي الأشياء التي لا يمكن أن تقوم بدونها الحياة ، ولا بد منها لاستقامة مصالح الناس . ثم تأتي مرتبة الحاجيات أي الأشياء التي يمكن تحمل الحياة بدونها ولكن بمشقة زائدة ، فهي أشياء يحتاج إليها الناس لرفع الحرج والضيق والمشقة الزائدة عنهم . ثم أخيراً تأتي المرتبة الثالثة وهي مرتبة التحسينات أي الأشياء التي تجعل حياة الناس أكثر يسراً وسهولة ومتعة دون إسراف أو ترف .
ولا تشمل الحاجات الضرورية الجانب المادي فقط من مآكل ومشرب وملبس ومأوي ووسيلة انتقال وخدمات منزلية وتعليمية وصحية وفرص عمل وزواج وإنما أيضاً الجانب المعنوي أو الروحي من مشاركة جماعية وهوية ثقافية وكرامة إنسانية وإحساس بإشاعة الحرية والعدل بين الناس . وهي الضروريات التي أجملت كمقاصد للشريعة الغراء من حفظ للدين والنفس والعقل والمال والنسل أو العرض . أي أن المنهج الإسلامي يعطي أهمية نسبية أكبر لإنتاج معظم (الطيبات) التي يحتاج إليها معظم الناس لصلاح دينهم ودنياهم . وعليه يهدف هذا المنهج إلي توفير الحياة الطيبة الكريمة لكل من يعيش في ظل النظام الإسلامي دون تبذير أو مخيلة . قال (ص) ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة ) (20) .
ويتم الإنتاج من خلال استثمار حقيقي يعمل على إنشاء مشروعات لإنتاج الطيبات التي يحتاج إليها أفراد المجتمع من ناحية وعلي فهم دقيق لطبيعة النقود أو المال . فالنقود لا تلد في حد ذاتها نقوداً وإنما تنمو بالاشتراك الفعلي في النشاط الاقتصادي . وبتحمل كامل المخاطرة نتيجة هذا الاشتراك . ومن ثم قام العمل المصرفي الإسلامي في الوقت الراهن علي هذا الأساس . فالمصرف الإسلامي لا يتاجر في النقود أي لا يقوم بالوساطة المالية علي أساس القرض أو الدين أو الائتمان بين المقرضين أي المودعين والمقرضين أي المستهلكين والمنتجين . وإنما كشركة استثمار حقيقي يحكم علاقته بعملائه في جانب الموارد عقد المضاربة والذي يعني : دفع المال من قبل صاحب المال للغير للعمل فيه والربح بينهما علي الشرط . أما في حالة الخسارة فتقع بالكامل علي صاحب المال فيخسر المضارب أو العامل في المال جهده . وعليه فالمودعين في المصرف الإسلامي هم أصحاب الأموال والمصرف هو المضارب أو العامل فيها . (21) ومن ثم إذا وقعت خسارة دون تعد من المصرف يتحملها المودعون بالكامل. وهذا هو شق المخاطرة الذي يحل للمودعين بمقتضاه الحصول علي نصيب من الربح حسب الاتفاق إذا تحقق .
وفي جانب الاستخدامات يقوم المصرف باستثمار ما لديه من أموال باعتباره شريك مضارب بالعمل بالنسبة لأموال المودعين وبرأسماله بالنسبة لأموال المساهمين وذلك بتقديم هذه الأموال لعملائه المنتجين أو المستثمرين وفقاً لإحدى صيغ توظيف الأموال الإسلامية . وتقوم صيغ توظيف الأموال جميعاً علي أساس تحمل المخاطرة والمشاركة بالتالي في الربح والخسارة فالمال وفقاً لهذه الصيغ لا يكون غانماً إلا إذا كان غارماً . أي أن العائد لا يحل إلا إذا تحمل المال كامل الخاطرة. ومن ثم لا توجد طبقة تستغل طبقة وإنما الكل يشترك في النشاط الاقتصادي بجهده أو بماله بقدر الاستطاعة وينعم بالتالي بنتائج هذه المشاركة حلالاً طيباً .

أما الدور الرئيسي في الاستخدام الكفء للموارد وأحداث عملية التنمية كهدف لهذه المنهج هو تكامل وتعاون الدولة أو القطاع الخاص أي الإفراد وفقاً لنظام الأولويات الإسلامي . ويقوم استخدام المال ، أي الموارد وفقا لهذا المنهج علي أساس شامل ومتوازن لا يعرف إهدار الإمكانيات أو تبديد الطاقات .
ويستند هذا الاستخدام إلي دور محدد للدولة أو القطاع العام يتركز في تنمية الهياكل الأساسية والمرافق العامة والمشروعات التي يحجم عن الدخول فيها القطاع الخاص أما لكبر حجم التمويل المطلوب لها أو لارتفاع درجة مخاطرها. أو لتدني العائد المتوقع منها أو لعدم تحقيق عائد إلا بعد آجال طويلة نسبياً . هذا بالإضافة إلي المهمة الأساسية للدولة والتي تتمثل في العمل المستمر علي قيام بيئة (صحية) محيطة بالعملية الإنتاجية جوهرها حماية كرامة الإنسان واحترام آدميته والحفاظ علي حريته وصيانة حقوقه .
كما يستند هذا الاستخدام إلى دور للقطاع الخاص والأفراد ، ويتم ذلك من خلال القيام بمشروعات إنمائية يكون حجمها وفقاً لاحتياجات أفراد المجتمع وتلبية لتطلعاتهم المشروعة والمنضبطة وعلي أساس تكنولوجيا تتفق مع المرحلة التي يمر بها الاقتصاد والظروف التي يعيشها المجتمع وتتمشي مع خصائص الموارد الإنتاجية . ومن ثم يبدأ تيار النمو يسري في القطاعات المتخلفة ويظهر أثر التسرب الإنمائي في كافة قطاعات الاقتصاد والمجتمع وينعكس ذلك علي الأداء فيزداد كفاءة ويشجع علي الإنتاجية حتى يصل للتشغيل الكامل والذي يستمر عبر الزمن .
ووفقاً لهذا المنهج واستنادا إلي (فرض الكفاية) وفي إطار نظام الأولويات الإسلامي وفي حدود الاستطاعة البشرية والإمكان المادي يتم القيام بالجهد الإنمائي وعلي أساس من التكامل والتوازن والتدرج يبذل هذا الجهد في كافة القطاعات الاقتصادية والمناطق الإقليمية والريفية والحضرية . وعلى مستوى العلاقات الدولية ( منتجات إحلال الواردات ومنتجات تنمية الصادرات ) . ويتم هذا الجهد وفقاً لبرامج إنمائية (تأشيرية) ومترابطة ومتناسقة من حيث الأهداف والوسائل وواقعية من حيث الإمكانات والقدرة علي التنفيذ .
ويتولد النشاط الاقتصادي وفقاً لهذا المنهج على الحض على الإنفاق (الاستهلاكي والاستثماري) علي أساس أن الإنفاق هو في حقيقة الأمر الناتج الكلي وبدون إنفاق لا يتصور وجود أسواق وبالتالي لا يتولد إنتاج . ومن ثم لا تقوم أصلاً دورة النشاط الاقتصادي . فالحض على الإنفاق بمكوناته وضوابطه، هو حض علي الإنتاج والكسب أي دفع العجلة باتجاه عمارة الأرض . (22)
4/ضوابط السوق :
ويقوم النشاط الاقتصادي الذي يحرك التنمية من خلال السوق الإسلامية والتي تقوم علي أساس آليات (المنافسة الصافية) التي تدفع عملياً إلي (العدل) في التعامل ومن ثم إلي زيادة الإنتاج وتحسين نوعية المنتجات من خلال المعاوضات المالية العادلة والمشاركات الاستثمارية الواضحة وفي جو من البر والتقوى والتواصي والتناصح والرقابة والتوجيه . والتي تتحقق بتفاعل قوي السوق (العرض والطلب ) من خلال ميكانيكية الأسعار مع العمل على إزالة أي شوائب تؤثر على حركة العرض والطلب كالاحتكار والغش والفساد المالى وغير ذلك .
ولقد اختلف الفقهاء في مسالة التسعير ولكن المجيزين استدلوا لقول عمر رضي الله عنه في رواية للإمام مالك : " أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبى بلتعة وهو يبيع زبيبا له في السوق ، فقال له عمر : إما أن تزيد في السعر وإما أن ترقع من سوقنا " (23) .
كما يجب أن يتعلم المتعاملين في السوق أحكام المعاملات الشرعية فقد روى عن عمر (رضي) قال : " لا يبيع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين ) (24) وتقوم السوق على معايير القيمة العادلة ، والصدق قال (ص) "التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة " (25) . فهذه السوق لا تعرف التطفيف ولا البخس.(ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)(26) . ولا الاحتكار قال (ص) "لا يحتكر إلا خاطئ " (27) ولا يوجد ربا في المعاملات المالية (يأيها الذين امنوا اتقوا الله وزروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) (28) . كذلك إن الاختلاف بين أجزاء الأرض يستوجب التبادل التجاري . قال تعالى : (وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون )(29). قال (ص) : " من جلب سلعة إلى مصر من الأمصار وباعها بسعر يومه فله أجر شهيد " . (30) ولكن التبادل يجب أن يكون متكافئا بين الدول دون مظاهر للتبعية ودون إهدار للموارد .
5/ضوابط التوزيع :
ويتم توزيع الناتج وفقاً لمعاير توزيع (عادلة) ، تناسب مع الجهد المبذول أو المخاطرة المتضمنة أو التكافل الاجتماعي المنشود . ومن هذه المعايير : (الأجر) لمن يعمل أجيرا ، و(الضمان) أي المخاطرة ربحاً كانت أم خسارة للمال ولمن يعمل بالخاطرة (المضارب) ثم (الحاجة) لغير القادرين –جزئاً أو كلياً. فبالنسبة لهؤلاء، توجد مسئولية الدولة وبقية أفراد المجتمع في التوزيع و(إعادة) التوزيع وفقاً لمعيار الحاجة لتوفير الحياة الطيبة للفقراء والمساكين . فالتوزيع أحد ركائز التنمية في الإسلام .
وكذلك يتم التوزيع في صورة الصدقات المفروضة ، وعلي رأسها الزكاة والصدقات التطوعية والكافرات وغيرها من النفقات ، تحقيقاً لعدالة التصرف في المال وإقامة للتكافل الاجتماعي وضماناً لأكفأ استخدام ممكن للمال :( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير)(31):(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(32 ) . وفي حديث "أن الله أفترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم" (35) . "ما نقص مال من صدقة " (37) ومن ناحية المصارف تعمل الزكاة علي إعادة توزيع الدخل فيكون التوزيع في صالح الطبقات الفقيرة مما يساعد علي زيادة اشتراكهم في الإنتاج من ناحية وزيادة إنفاقهم الاستهلاكي من ناحية أخري . ومن ثم يساهم في زيادة الطلب الفعال والانتعاش الاقتصادي . كما أنها تعمل من حيث مصارفها علي الحض أيضاً علي الاستثمار والإنتاج . وفي ذلك يقرر الفقهاء بالإجماع "بان القادر علي الكسب بحرفته أ يا كانت إنما يعطي القدر الذي يمكنه من مواصلة الكسب " (38) . وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لعماله: " إذا أعطيتم فأغنوا " (39) . كما أن الزكاة لا تعطى للقادر بجهده وماله- علي العمل والكسب. وفي ذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " (40) .
حواشي المبحث الثالث :
(1) سورة إبراهيم الآيات (32-33-34 )
(2) الغزالي عبد الحميد – الإنسان أساس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية – من منشورات مركز الاقتصاد الإسلامي – المصرف الإسلامي الدولي – القاهرة – 1988 – ص44-45
(3) سورة الأعراف الآية 10
(4) سورة لقمان الآية 20
(5) النور الآية 33
(6) ) الأنعام الآية (165)
(7تفسير ابن كثير الدمشقي أبو الفداء إسماعيل بن كثير ، دار الفكر بيروت 1401هـ بت
(8) سورة الزخرف الآية 32
(9) سورة الحجر الآية 92-93
(10) صحيح البخاري مرجع سابق ج2 ص817
(11) سورة النور الآية 55
(12) أخرجه الطبراني –المعجم الصغير ، تحقيق حمد بن عبد الحميد السلفى . مكتبة العلوم والحكمة الموصل 1983م ج2ص308
(13) سورة القصص الآية 26
(14) تفسير الطبري – مرجع سابق – ج20 – ص63
(15) القرضاوي يوسف ابن عبد الله – فقه الزكاة – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط15 – ج2 – 894
(16) سنن ابن ماجه – دار الفكر – بيروت – ب ت ، ب ط – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي – ج2 – ص740
(17) رواه البخاري في صحيحه مرجع سابق ج2 ص730
(18) صديق ناصر ومحمد رابوى ، المدخل الى الاقتصاد المقارن ندوة الثقافة والعلوم ، دبيى الأمارات المتحدة ب ت ، ب ط ص95
(19) محمد حلمي ( أبو الاقتصاد ابن خلدون ) القاهرة أعمال مهرجان ابن خلدون بالقاهرة 1962م ص12. و المقدمة فصل4باب 11ص 361
(20) صحيح البخاري تحقيق مصطفى ديب البغا دار ابن كثير اليمامة بيروت 1987م ج5ص2181
(21) الشاطبى – الموفقات ، بيروت بت،بط ،تحقيق عبدا لله دراز ج2ص37و54 .
(22) الصاوي / محمد بن صلاح ، مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية وكيف عالجها الإسلام ، دار المجتمع للنشر جدة 1990م ص 140
(23) سنن الترمزى ، دار إحياء التراث ، تحقيق شاكر وآخرون ،بيروت ، ب ط ، ب ت ، ج2ص357
(24) رواه الإمام مالك في الموطأ ، كتاب البيوع حديث رقم 1164
(25) المستدرك على الصحيحين ، لمحمد بن عبدا لله أبو عبدا لله الحاكم النيسابوري ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأولى ،1411هـ - 1990م ، دار الكتب العلمية ، بيروت 4 ج2ص7) .
(26) سورة المطففين الآيات 1-3
(27) سنن بن ماجة كتاب التجارة باب الحكرة حديث رقم 2145
(28) سورة البقرة الآية 278
(29) سورة الرعد الآية 4
(30) صحيح البخاري مرجع سابق ط3ج5ص2181
(31) الحديد الآية 7
(32) سورة التوبة الآية 103
(33) صحيح البخاري مرجع سابق ط3ج5ص2181
(37) سنن الترمزى ج3ص562
(38) الماوردي- الأحكام السلطانية
(39) أبو عبيد- الأموال
(40) سنن النسائي – المجتبى ، تحقيق عبد الفتاح ابو غدة مكتبة المطبوعات الإسلامية ،حلب 1986م ط2ج5ص99.

النتائج والتوصيات
أولاً: النتائج :-
1/ تختلف رؤية الإسلام لمشكلة التنمية الاقتصادية عن رؤية الفكر الرأسمالي فالإسلام يرى أن المشكلة لا تتمثل في نقص الموارد أو بخل الطبيعة كما يرى الفكر الرأسمالي ، لأن الله قد سخر الموارد الكافية للإنسان ولكن المشكلة تكمن في ظلم الإنسان لنفسه وكفرانه بالنعمة الإلهية من خلال سوء التوزيع وإهمال استثمار الطبيعة .
2/ فشل الفكر الرأسمالي في إيجاد حل لمشكلة التنمية الاقتصادية يؤكد قصور رؤيته لمشكلة التنمية الاقتصادية نفسها .
3/ الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام لحل مشكلة التنمية الاقتصادية هي السبيل الوحيد لعلاج مشكلة التنمية في الدول المتقدمة والنامية معاً .
ثانيا : التوصيات : -
1/ الاهتمام بعلاج مشكلة التنمية الاقتصادية من منظور الاسلامى من قبل الدول الإسلامية كافة والتبشير بأنه العلاج الناجع لحل كافة مشاكل التنمية في دول العالم سواء كانت هذه الدول غنية أم فقيرة متقدمة أم متخلفة .
2/ الاهتمام بالبحث في مجال الاقتصاد الاسلامى بإقامة المراكز والمؤتمرات والندوات .
3/ الاهتمام بالدراسات المقابلة في مجال العلوم بين الفكر الاسلامى والرأسمالي لإبراز أحقية الإسلام في قيادة المجتمع وحل مشاكله التي من أسبابها سلبيات الفكر الرأسمالي .

د. حسن محمد ماشا
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوسطية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مشكلة التفرقة العنصرية انعقدت بشأنها عشرات المؤتمرات ومئات الكتب وحلها محمد منذ أربعة عشر قرنا نور الإسلام هدي الإسلام 0 26-05-2013 07:46 AM
مسلسل عمر .. رؤية شرعية واقعية مزون الطيب المقالات 0 17-10-2012 09:58 PM
المحامي الشيخ إبراهيم ليثومي: المسلمون في كينيا يواجهون تحدي التنمية والمعرفة نور الإسلام الإسلام في أفريقيا 0 17-03-2012 12:49 PM
مصرع خبير التنمية البشرية إبراهيم الفقي في حريق مزون الطيب أخبار منوعة 0 10-02-2012 04:51 PM
تجنب مشكلة نقص الحديد بتناول الوجبات الغذائية المتوازنة نور الإسلام أخبار منوعة 0 17-01-2012 08:44 PM


الساعة الآن 03:28 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22