صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > المقالات

محمد أركون وحصاد الصراع بين الإسلاميين والليبراليين

د. أحمد إبراهيم خضر في كتابه "سؤال الهوية" وجه التنويري

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-08-2014 ~ 04:20 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي محمد أركون وحصاد الصراع بين الإسلاميين والليبراليين
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


محمد, أركون, الصراع, الإسلاميين, والليبراليين, وحصاد


د. أحمد إبراهيم خضر


في كتابه "سؤال الهوية" وجه التنويري الماركسي المتطرف "شريف يونس"، لائحة اتهام لرفاقه التنويرين، وإن كان قد تحفظ في اعتبار ما قاله بأنه لائحة اتهام.


أقرَّ يونسبأن ظاهرة التنوير ظاهرة نشِطت في السنوات الأخيرة، وأنه قد مضى وقت كاف على نشاطها العلني، وعلو صوتها الملموس في المنابر الحكومية وغير الحكومية، طرحت نفسها للناس على أنها "سلطة" و"كمبدأ مقدس"، بادرت باستخدام جميع أسلحة الإرهاب الفكري ضد خصومها؛ لأن المسألة كانت بالنسبة لها "مسألة حرب": سلطة أمام سلطة، ومبدأ مقدس أمام مبدأ آخر مقدس، خصومها يدافعون عن "الله"، وهي تدافع عن الوطن والحرية والديموقراطية، ورغم ذلك فقد حدث لهذه الظاهرة تدهور خطير صحبها منذ بدايتها ذاتها، وترافُقٌ مع عُلو صوتها، جعلها دائمًا في موقع الدفاع.


العلمانية التي نادت بها، كما يرى "يونس" هي علمانية منافقة، ليس من شأنها سوى تأكيد موقفها الدفاعي هذا، دون أمل في الخروج منه، اضطرت دومًا للتراجع المستمر كلما اشتد هجوم خصومها، وإلى جانب ذلك فهي "علمانية مبتورة أصبحت قضيتها "قضية نخبة" أو نحلة مضهدة تمارس تقية مكشوفة، تغطي بها على أفكار حكم عليها أصحابها أنفسهم بأنها لا تصلح للتداول العام، وأنها أشبه "بجيتو يهودي" مستقل سياسيًّا وأيديولوجيًّا، ولو فرض امتداد هذا الخط على استقامته، فسيتحول كما يرى "يونس" إلى أصولية جديدة، سرية، تقوم مع انعزالها المتزايد "بتكفير" المجتمع باسم "العقل المجرد والتقدم"، وقد تبحث لنفسها عن هجرة تحتمي بها مما يسميه "يونس" الجاهلية الإسلامية القادمة".


حدد "يونس" لائحة الاتهام لرفاقه التنويرين على النحو التالي:
التنويريون يثبون على الفجوة التي تحدث بين الإسلاميين والسلطة، ويرتمون في أحضان السلطة لتدفع عنهم ما يسميه "بالشيطان الرجيم" ممثلاً في الإسلاميين، يستعدون السلطة عليهم، ويحاولون إقناعها بخطورتهم، ويطالبونها بتحكيم العقل التنويري وبالديموقراطية والحرية في نفس الوقت الذي يصرون فيه على إبعاد الإسلاميين عن وسائل الإعلام، والعمل على الحد من تأثير دعايتهم على الناس، والالتصاق الشديد بالسلطة مقابل غير معلن: إنه التحرك في إطار خطة النظام القائم، وعلى هذا الأساس فإن التنوير الحالي لا يقدم سوى مشروع سياسي وحيد، هو تقوية الدولة القائمة، فهو تابع لها، موالٍ لنظامها، يكيف مبادئه على مقاس احتياجات النظام الذي لا يطلب تنويرًا حقيقيًّا، إنما يطلب فقط صيحات استنكار ضد الإسلاميين.


أدركت السلطة ذاتها كما يرى "يونس" ما يسميه هو نفسه "بهزال التنوير المعاصر"، فعمَدت إلى استدعاء الموتى من كتاب التنويريين القدامى؛ لينوبوا عن التنويرين الأحياء في مواجهة الإسلاميين، فقامت بإعادة طبع كتب التنوير القديمة، لكنها حذفت منها هذه النصوص المثيرة للإسلاميين؛ مما يعني فقْد قدرتها على المواجهة، بالرغم من أن هذه النصوص في حد ذاتها ذات طبيعة مراوغة تمثل مراوغة أصحابها ذاتهم كما يرى يونس.


والمعركة مع الإسلاميين في نظر "يونس" ليست معركة نصوص، وإنما هي معركة سياسية اجتماعية أيديولوجية حية؛ ولهذا فإن الإسلاميين لا يستمدون قوتهم من إعادة طبع الكتب القديمة ككتب ابن كثير مثلاً، وإنما من أعمال مفكرين إسلاميين أحياء، يطرحون إجابات إسلامية لقضايا الواقع المعاصر، وفي إطار هذا الطرح تأتي استعادة أفكار ابن كثير وغيره.

التنوير لا يخشى السلطة أساسًا، وإنما يخشى الجماهير، إنه يرتعب من الجماهير ومن التدين الشعبي التقليدي.


وصف "يونس" هذه الجماهير بأنها "هذا الكيان الجمعي المجهول الغامض، المثير للرعب بمجهوليته ذاتها، والذي يتضخم شبحه مع تزايُد انعزال التنوير جماهيريًّا، وإحجامه عن التوجه الفعال الصريح برسالة محددة ذات قيمة لهذه الجماهير".


التنوير لم ينجح - من فرْط رُعبه من الجماهير - أن يقدم لها شيئًا له قيمة،بل إنه متَّهم بتغريب هذه الجماهير، واستخدام هذا التغريب كأداة للتحديث لصالح الطبقة الحاكمة على حساب الجماهير، ويتساءل "يونس": "ما الذي يقدمه التنوير؟ فكرة الوطن، الوحدة الوطنية؟ المجد القومي؟


إنه لا يوضح لنا وطنَ مَن، ولا مجد مَن، وقصارى ما يطرق في هذا الصدد هو وطن التسامح الديني، وهو محتوى سلبي.


في مقابل ذلك يطرح الإسلاميون فكرة العروبة في إطار رؤيتهم الخاصة، فيتحدثون عن عزة العرب في ظل الإسلام، وقوة الإسلام على قيادة نهضة قومية.


ماذا يطرح التنوير أيضًا؟ الديموقراطية؟ وماذا تفعل الديموقراطية في ظل غياب محتوى ملموس لها؛ أي: في ظل غياب أيديولوجية علمانية صريحة منسقة مدافعة عن حقوق الجماهير في تنظيم نفسها للدفاع عن مصالحها".


والعلمانية المعاصرة عند "يونس" تخشى الديموقراطية خشية الموت، وهي لم تنسَ بعدُ درسَ "الانتخابات الجزائرية" التي وقفت منها موقفًا مُخزيًا، مؤيدًا عمليًّا للانقلاب على حد قوله.

ليس للتنويرين مشروعًا يتقدمون به إلى الجماهير، يربطون به بين مصالحهم والعلمانية، فهم يرفعون راية الوطنية في مواجهة راية الإسلاميين، ويقدمونها على أنها التفسير الصحيح للإسلام، ولكن في صورة وصفها "يونس" بأنها "غريبة لا تقنع أحدًا"، ادَّعوا أن نشاط الإسلاميين ما هو إلا "إرهاب متستر بالدين"، ثم تطوعوا بتعيين أنفسهم فقهاء للإسلام، يقدمون تفسيرًا له يرون أنه صحيح، ولكن في مشهد وصفه "يونس" أيضًا بأنه "مشهد كوميدي عجيب".


"القومية" كبديل يقدمه التنوير، بديل عاجز وغير مكافئ لما يقدمه الإسلاميون، و"القومية" هي في التحليل الأخير مفهوم سياسي يستند إلى طرح ضعيف عن خصوصية الأمة المعنية، وهو في نظر الإسلاميين طرح "متخلف فقير للغاية" إذا قورن بالمبدأ الأممي للإسلام الذي يطرح نفسه كرسالة عالمية،وبالإضافة إلى ذلك فإن مبدأ القومية عاجز عن حمل مشروع اجتماعي واضح يقوم على موقف من التناقضات الداخلية في الأمة، في حين أن الإسلاميين يطرحون عبر مبدأ "حاكمية النص" مشروعات اجتماعية محددة.


وهكذا أثبت الإسلاميون على اختلاف توجُّهاتهم في كل معاركهم مع العلمانيين قدرتهم على تحطيم ما يسميه "يونس" بالمتاريس الورقية؛ سواء باستيعاب مبدأي القومية والتسامح الديني داخل الإطار الإسلامي (جزئيًّا)، أو برفضهما، انطلاقًا من مبدأ "حاكمية النص"، وفي كلتا الحالتين يطرح الإسلاميون موقفهم براحة تامة في إطار محاكمة العلمانية من وجهة نظر تفسيرهم للنص، وإذا لزم الأمر فباستطاعتهم - ببساطة متناهية - رفْع شعارات "الجنسية الإسلامية" في مواجهة مبدأ "القومية"، ونظرية "أهل الذمة" في مواجهة مبدأ "المواطنة"، ودفع التنويرين إلى الدفاع عن إسلامهم، حتى وصل الأمر بالبعض من المفكرين العلمانيين إلى الرد على تهمة التكفير بتكفير مضاد، فاندفعوا لتسمية خصومهم "بالمتأسلمين" في الوقت الذي يجلسون فيه هم على المنصات، يشرحون عبرها فَهمهم الخاص للإسلام، ويظهرون بمظهر "الفقهاء" ليخفوا - بغير نجاح كبير - حقيقة العلماني المهزوم، بنفس عبارات "يونس".


العلمانية المعاصرة تتجنب بالذات الاشتباك مع جوهر الطرح الإسلامي، وهو "حاكمية النص"، وخاصة في كتابات المفكرين الإسلاميين البارزين، اللهم إلا ما يمكن تصيده من عباراتهم مما يراه "يونس" بأنه يصدم الرأي العام؛ كالتكفير، أو الأفكار الوطنية، ويلجؤون بدلاً من ذلك إلى ما يسميه "يونس"باللف والدوران".


العلمانيون عجزوا كما يرى "يونس" عن الدفاع عن علمانيتهم إلا بشكل مُلتوٍ، ومحاولة البحث عن تناقضات في فكر الإسلاميين، وحتى في هذه الحالة لا يَعجِز الإسلاميون عن دحر العلمانيين، ويتحدد مفهوم "الحاكمية" عند "يونس" بمبدأ الطاعة والخضوع للنص أو تأويلاته المحددة، والذي يؤكد نفسه عبر سلسلة أوامر تفصيلية لتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية، تطرح نفسها باعتبارها تفسيرًا مطابقًا للنص ذاته.


ويتكامل هذا الطرح كأيديولوجية عبر تجسيده في تفسير التاريخ، والإسلام في كل تفسيراته عند "يونس" دين ودولة، وهو يعني إخضاع الكِيان الاجتماعى لأحكام فقهية، وهذا أمر يلقي اتفاقًا يمتد من الأزهر وحتى ما يسميه يونس "بالتكفير والهجرة"، فالإسلام في المقام الأول مبدأ شامل ينظم كل مناحي الحياة، يمتد من الخوف من المعاصي والعادات والآداب التي لا تنتهي، لتحكم كل تفاصيل الحياة بدءًا من دخول دورة المياه والسلوك داخلها، إلى علاقة الإنسان بربه وامتدادها إلى علاقتها بالبشر،كل هذا يتعيَّن فرضه فرضًا.


ويضيف "يونس": إن مبدأ الحاكمية يقوم على أساس المساواة بين البشر، وعلى أساس راسخ مفاده وجود علاقة تعبُّدية بين الإنسان والله، دور الإنسان فيها أو دور الصفوة عمليًّا هو استطلاع الأوامر الإلهية وتنفيذها حرفيًّا، بغض النظر عن السياق التاريخي والاجتماعي المعاصر، "فالله" في الإسلام، يشار إليه ليس بوصفه خالقًا أو راعيًا فقط، ولكن كسلطة تعلو كل فرد على حدة؛ بحيث لا تقام رابطة بين هذا الفرد وغيره من البشر، أو حتى بالطبيعة إلا عبر الأوامر الإلهية كما يحددها فقهاء الإسلام، ولمواجهة هذا المبدأ الإسلامي لجأ العلمانيون إلى التمسك بمبدأ "مطاطية النصوص"، وهذا من شأنه في نظر "يونس" أن يجرد المطلب العلماني ذاته من أي معنى.


والطرح العلماني في نظر "يونس" إنما يريد التخلص من حاكمية النص عن وعي وإدراك كاملين بمخاطر محتواه، وهو محتوى تشكَّل تاريخيًّا عن طريق الفقه، واتهام "يونس" للتنويرين هنا يكمن في أنهم لجؤوا إلى التمسك بمبدأ "مطاطية النصوص" في الوقت الذي كان عليهم كما يرى "يونس" أن يرفضوا رفضًا صريحًا مبدأ "حاكمية النص"؛ لأنه يمثل في نظره إخلالاً بقيم الحرية والفردية والمواطنة، والنزعة الإنسانية عمومًا.


الطرح العلماني - كما يرى يونس - يحاول قصر نفسه بقدر الإمكان على المستوى السياسي، فيزيد من حدة التشهير السياسي بالإسلاميين؛ ولهذا تنحصر المواجهة في مسألة ما يسميه "يونس" بالإرهاب، وأساسها الفقهي "التكفير" على حد قوله.


أما دفاع التنويرين عن قضايا؛ مثل: حرية المرأة، والعدالة الاجتماعية أو الديموقراطية، أو حقوق الأقليات المسيحية - فهو دفاع لا يواجهون فيه مباشرة الطرح الإسلامي لهذه القضايا، ولا يتعرضون لمسألة الرفض الصريح لسلطة النص أو لمبدأ إسلامية الدولة والمجتمع، وهذا يعني أن التنويرين لا يستبعدون الأساس الأيديولوجي الضروري لمثل هذا الطرح، والإقرار بمرجعيته بشكل غير مباشر، في حين أن الطرح الإسلامي يتميز عن الطرح العلماني كما يرى "يونس" في أنه يضع نفسه مباشرة في مواجهة صريحة مع العلمانية ورموزها، هذا فضلاً عن أن "الإسلاميين الجدد" يطرحون مبدأ حاكمية النص بارتباطه بالثقافة السائدة عند الجمهور، وبوصفه طوق نجاة دنيوي لهذه الجماهير المقهورة.


الممارسة الحالية للعلمانية تَنِمُّ عن قبول ضمني أو صريح لمسألة إسلامية الجماهير - كما أشرنا أعلاه - ترتب على ذلك أن أصبحت العلمانية ذاتها محل شكٍّ؛ سواء من حيث معناها، أو قيمتها؛ لأنه تضمن التسليم بجوهر الطرح الإسلامي الذي يرفع الدين إلى ما يسميه "يونس" بأيديولوجية شاملة، نابعة مباشرة من وعي الجماهير وتراثها، الأمر الذي يستدعي قبول أطروحة بعض العلمانيين القائلة: "إن الإسلام هو الأيديولوجية المؤهلة للدفاع عن حق الجماهير في الحياة، والحد من امتيازات الطبقة العليا التي تتمثل القيم الغربية أو بالأحرى مظاهرها بدرجة أو بأخرى، وتتخذها سدًّا للحفاظ على امتيازاتها وتبريرها.


العلمانية عند "يونس" هي المبدأ الذي ينادي بفصل الدين عن الدولة، والتعليم العام، وتحويل الدين إلى شأن خاص بالفرد، وكفالة حق الأفراد بتغيير عقائدهم كيف شاؤوا، دون اعتبار ذلك إخلالاً بالنظام العام، ورفض ادِّعاءات أتباع أي دين أو مِلة بأن من حقهم فرض تصوُّراتهم الخاصة على المجتمع،وتنطلق العلمانية عند "يونس" من رؤية إنسانية غير دينية للعالم، تحرِّر الفرد من الخضوع لما يسميه "بالقهر" باسم الغيبي والمطلق والمقدس، وتأكيد مسؤولية الإنسان وليس "الله" عن عدله ونظامه الاجتماعى بأوسع معنى للكلمة.


هذه المطالب عند "يونس" هي أسس فكرية لا مجرد مبادئ يصفها بأنها "صحيحة" في حد ذاتها، بل هي شروط ضرورية في نظره للتقدم التاريخي، تحرر البشر مما يسميه بأشكال القهر والوصاية الفكرية، وتُمكنهم من بناء عالمهم بحرية، وفي ظل النظام العلماني لا يجوز للدولة أن تستند إلى مرجعية دينية من أي نوع، ولا يجوز لها أن تَحجُر النقاش الحر حول الأديان والعقائد، وعلى الدولة في نظر "يونس" أن تحمي حق نقد الأديان، والمسألة الجوهرية عند "يونس" هي تحرير الفكر والممارسات السياسية والاجتماعية من الدين أو التقيد بأي مرجعية دينية.

يتَّهم "يونس" التنويرين بأن شاغلهم الأساسي أصبح هو التهرب من هذه المسألة، وأنهم قد فشِلوا تحت وطأة حركة الإسلاميين من الدفاع عن حريتهم المطلقة في التعبير، وجنحوا في مقابل ذلك إلى الدفاع عن صحة إسلامهم؛ مما يعني في نظر "يونس" التسليم الضمني بحق قتل المرتد عن الإسلام، ومِن ثَمَّ انعدام القدرة على الدفاع عن حرية الفكر.


نجح الإسلاميون في دحْر التنويرين بعد أن أدركوا ضَعف موقفهم العلماني، فالتنوير كما يرى "يونس" عاجز عن طرح رؤية أيديولوجية علمانية صريحة في مواجهة الإسلاميين، فهو لا يستطيع مثلاً طرح "قيم جنسية تحرُّرية ترتبط بالمرأة"، وترتعد فرائصه أمام تهمة "الإباحية"، كما يرعب بشدة من تُهمة الإلحاد، ولا يستطيع الدفاع بشجاعة عن قيم التحرر الاجتماعي بوصفها قِيَمًا إيجابية، وهكذا...


ومن هنا حاصر الإسلاميون العلمانيين، ثم اتبعوا معهم تكتيك "تهدئة المواقف" بدلاً من الهجوم، فأطلقوا الوعود بالحفاظ على حد أدنى من الحريات في ظل الحكم الإسلامي المرتقب؛ سواء للعلمانيين، أو الأقليات الدينية.


ويرى "يونس" أن هذا موقف طبيعي من جانب أيديولوجية متكاملة تُجاه بضع أُطروحات واعتراضات جزئية، لا ترمي في نهاية المطاف إلا إلى الدفاع عن فئة محاصرة، لم تتمكَّن من طرح نفسها أصلاً كمنافسٍ كفءٍ، لا أيديولوجيًّا ولا سياسيًّا.


هذه هي لائحة اتهامات "شريف يونس" لرفاقه العلمانيين، لا نضيف إليها إلا ما أقرَّ به بعضهم من أن التنويريين العرب عمومًا مبعثرون، لا يجمعهم إطار تنظيمي عام أو حتى قضية عامة، خواء فكري وثقافي وسياسي، تسيطر عليهم القيم المادية، إنتاجهم الثقافي ليس هدفه "الشهرة" فقط كما يرى "يونس"، وإنما "الربح" كذلك.


أما "شريف بونس" نفسه، فلا يرى أمامه من عدو يجب اجتثاثه من جذوره سوى الإسلام والإسلاميين، وامتدَّ به الحقد إلى لغة القرآن، فقال ما نصه: "لا بد من نشر الثقافة والقضاء على عقلية وصاية المثقف، وهذا يتطلب بصفة أساسية تحرير اللغة المكتوبة من القواعد الموروثة، وإتاحة الفرصة لها للتطور خارج قفص الوصاية الضيق لمجامع اللغة والمصححين اللغويين، ومجمل هذا الجهاز الأيديولوجي الذي يترتب على نشاطه إقامة حوائط هائلة الارتفاع، تحول عمليًّا دون انتشار الثقافة، وتحافظ على طابعها النخبوي، انطلاقًا من الحق الديموقراطي البديهي لكل ناطق أصلي للغة في تغيير مفرداتها، ونحْت غيرها وتغيير معانيها؛ كما يحدث في كل لغة حية".


لم يتعرض "شريف يونس" لقضية هامة، وهي ارتماء التنويرين العرب في أحضان رجال اللاهوت النصارى، وبمعنى أصح اصطياد رجال اللاهوت من النصارى لهم،والمثال الواضح لذلك هو احتضان "روبير كاسبار" و"كلود جيفري" لـ"محمد أركون"، و"الأب جيفري" هو أحد أعضاء مجموعة باريس التي يرأسها الأب "روبير كاسبار"، وهما من رجال اللاهوت المسيحي.


يؤمن "كاسبار" بأهمية الحوار مع الإسلام، وفقًا لِما يدعيه "بالاحترام المتبادل"، وأهمية "البحث التاريخي"، وتعمل مجموعة باريس ضمن جماعة أوسع في البحث الإسلامي - المسيحي.


تضم هذه المجموعة "فرانسوا سميث فلورنتان"، و"جان لامبير"، و"كلود جيفري".


احتضن "كاسبار" المفكر العلماني المعروف "محمد أركون"؛ ليكون عضوًا في مجموعة باريس هذه، أما أهمية "الأب جيفري"، فتكمن في أنه صديق شخصي لأركون، وهذا الأخير يحترم "جيفري" ويُبجله كثيرًا، ويتردد عليه، ويستمع لآرائه، بل يَتوق بشدة إلى معرفة تعليقاته وملاحظاته على أفكاره، وفي كلمات مليئة بالإعجاب المشوب بالاستجداء، يصف "أركون" الأب جيفرب"، فيقول: "تركت قلمي يجري على هواه كما أفعل عادة عندما أتحدث بكل حرية مع "الأب كلود جيفري"، وعنده الجواب عن كل شيء، فهو يستحسن كلامك، أو يُعدل منه، أو يُصححه أو يُكمله، ولكنه نادرًا ما يرفضه، أريد أن أوجه إليه أمنية وطلبًا، أتمنَّى لو يجد الوقت المناسب للرد على كلامي.


"الأب جيفري" كما يصفه "أركون" أحد اللاهوتيين القلائل الذين خطوا خطوة هامة نحو تشكيل ما يسميه "بلاهوت الوحي"، لا يستبعد القرآن وإنما يدمجه داخل رؤية ديناميكية حية".


هذه الكلمات الأخيرة لـ "محمد أركون" تؤكد صدق ما أشار إليه علماء الإسلام من أن "من يرفض أن يكون عبدًا لله، فلا بد أن يكون عبدًا لغيره"، و"ما من عبد يقدم أضحية لله إلا ويقدم العابدون لغير الله أضعافها من أنفسهم وأموالهم وأعراضهم".


ويؤكد اصطياد "كاسبار" وجيفري" لـ"محمد أركون" صدق ما أكده المفكرون الإسلاميون من أن "أهل الكتاب لا يحرصون على شيء قدر حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها التي هي صخرة النجاة، وخط الدفاع ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة، وأعداؤه يعرفون هذا جيدًا قديمًا وحديثًا، ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وُسعهم من مكرٍ وحيلة، ومن قوة وعُدَّة، وحين يَعجِزون عن محاربة هذه العقيدة ظاهرين، يدسون لها ماكرين، وحينما يُعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم، يُجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام، أو ممن ينتسبون إلى الإسلام زُورًا - جنودًا مجندة؛ لتَنخِر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار، ولتصد الناس عنها، ولتزين لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعًا غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]؛ انظر مقالتنا "التنويريون الليبراليون وحائط الحاكمية".

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/web/khedr/0/54548/#ixzz399rEbmXa

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد, أركون, الصراع, الإسلاميين, والليبراليين, وحصاد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأخطاء التاريخية و المنهجية في مؤلفات محمد أركون و محمد عابد الجابري نور الإسلام المكتبة العامة 0 16-11-2013 05:31 PM
الصراع السياسي يؤدي إلى تفاقم معاناة أطفال اليمن مزون الطيب أخبار منوعة 0 16-02-2012 06:33 PM
رأي حول الصراع المسيحي على كنيسة القيامة نور الإسلام نصرانيات 0 11-02-2012 06:29 PM
فوز الإسلاميين.. يقلب سياسات واشنطن مزون الطيب المقالات 0 10-02-2012 05:25 PM
قيادي سلفي: دخل قناة السويس زاد بفوز الإسلاميين بمصر مزون الطيب أخبار منوعة 0 07-02-2012 07:50 PM


الساعة الآن 09:04 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22