صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع مسيحية

كتب ومراجع مسيحية بحوث ودراسات وكتب مفيدة للباحثين في الدين والعقيدة المسيحية

دعوة موسى (عليه السلام) لفرعون في القرآن الكريم والتوراة المحرفة دراسة مقارنة

ملخص البحث: يهدف البحث إلى بيان جانب من جوانب التحريف في التوراة، وذلك من خلال الدراسة التفصيلية لدعوة موسى (عليه السلام) لفرعون في القرآن الكريم والتوراة المحرفة، ومن ثم مقارنة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-05-2013 ~ 06:37 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي دعوة موسى (عليه السلام) لفرعون في القرآن الكريم والتوراة المحرفة دراسة مقارنة
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد

ملخص البحث:

يهدف البحث إلى بيان جانب من جوانب التحريف في التوراة، وذلك من خلال الدراسة التفصيلية لدعوة موسى (عليه السلام) لفرعون في القرآن الكريم والتوراة المحرفة، ومن ثم مقارنة ما ورد في التوراة بما ورد في القرآن الكريم، وإن دعوة نبي الله موسى (عليه السلام) للطاغية فرعون جاءت مفصلة في القرآن والتوراة، ولذا فإن ما كان في التوراة صحيحاً فلابد أن يطابق القرآن الكريم؛ لأنهما من مصدر واحد، وإن خالفت التوراة القرآن دل ذلك على تحريف التوراة. وبعد إجراء المقارنة بين النصوص المتعلقة بالموضوع، ابتداءً بكيفية تلقي موسى للوحي، ثم ما أيده الله به من الآيات، وكذلك حواره مع فرعون، وأخيراً نجاة موسى (عليه السلام) وقومه وهلاك فرعون وقومه، تبين مخالفة التوراة للقرآن الكريم بأمور، منها أن التوراة حصرت ألوهية الله سبحانه وتعالى للعبرانيين وآبائهم، كما جاء في التوراة عدم تسليم موسى (عليه السلام) لربه في بعض ما يأمره به، وقدرة سحرة فرعون على مقابلة موسى ببعض الآيات، كما وصفت التوراة موسى (عليه السلام) بالألوهية لفرعون، ووصفت هارون بأنه نبي لموسى، وجاءت بتمييز بني إسرائيل بأنهم شعب الله، وغير ذلك من المخالفات التي تدل دلالة صريحة على تحريف التوراة.

تقديـم:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.



فلقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه المبين وجعله هدى للعالمين، وحفظه من أيدي المحرفين، كما في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، كما أنزل قبله جملة من الكتب السماوية، فما هو موجود منها الآن قد نالته يد التحريف والتبديل، كما حصل للتوراة والإنجيل. وقد بذل العلماء في القديم والحديث جهوداً كبيرة لبيان ما وقع في تلك الكتب من التحريف. وإن مقارنة ما في هذه الكتب مع ما في القرآن الكريم إنما هو طريقة لبيان ما فيها من تحريف وتبديل.



وإن دعوة نبي الله موسى عليه السلام للطاغية فرعون جاءت مفصلة في القرآن والتوراة، ولذا فإن ما كان في التوراة صحيحاً فلابد أن يطابق القرآن الكريم ؛ لأنهما من مصدر واحد، وإن خالفت التوراة القرآن دل ذلك على تحريف التوراة، وهذا البحث سيتناول هذا الجانب في المقارنة بين القرآن والتوراة في دعوة موسى لفرعون، لبيان جانب من جوانب التحريف في التوراة.



ولقد اعتمدت في دراسة المقارنة على التوراة التي صدرت عن دار الكتاب المقدس المترجمة للعربية، وهي: جملة الأسفار الخمسة من العهد القديم[1]، وهي: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر التثنية. علماً بأن قصة موسى وفرعون محصورة في سفر واحد هو سفر الخروج.



وسأسير في البحث بإذن الله تعالى على النحو الآتي:

1- أبدأ بعرض القضية من القرآن الكريم، مع ذكر ما يتيسر من أقوال المفسرين وأهل العلم حول الآيات المقصودة. ويكون عزو الآيات في المتن بعد نهايتها، هكذا (اسم السورة، رقم الآية).



2- أذكر القضية بنصوص من التوراة - ولا شك أن التوراة الموجودة اليوم توراة محرفة [2] - وألتزم في نقل النص بهيئته في المرجع من حيث الفواصل والفقرات ونحوها، وسأفصل بين كل فقرة وفقرة من فقرات السفر بنجمة (*) أما النقطة (.) الموجودة في نصوص التوراة فهي حسب الأصل دون التدخل في تغييرها، ويكون التوثيق في المتن بعد نهاية النص، هكذا (اسم السفر، رقم الإصحاح، رقم الفقرة).



3- أذكر بعد ذلك المقارنة في الموضوع بين ما ورد في القرآن الكريم والتوراة، مقتصراً على ما وجد فيه الاختلاف بين القرآن والتوراة.



وأسأل المولى سبحانه وتعالى التوفيق والسداد والعصمة من الزلل، ومن القول عليه بغير علم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.



بداية نبوة موسى عليه السلام

وإرساله إلى فرعون

أولاً: في القرآن الكريم:

وقت ومكان تلقي موسى الوحي من ربه:

ذكر المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وقت ومكان تلقي موسى (عليه السلام) للنبوة، ومن ذلك:

• قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص: 29 - 30].





• قوله تعالى: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه:9 - 14].

هذه الآيات تشير إلى الوقت والحالة والمكان الذي تلقى فيه موسى (عليه السلام) الوحي من ربه وإبلاغه الرسالة، فقد كان ذلك حين رجوعه من مدين إلى مصر بعد أن قضى الأجل، وكان قد ضل الطريق في مسيره، قال ابن كثير: " فأضل الطريق، وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال، في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب، وجعل يقدح بزَنْد معه ليوري ناراً كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئاً ولا يخرج منه شرر ولا شيء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً، أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم: إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس، أي: شهاب من نار، وفي الآية الأخرى ﴿ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ ﴾ وهي الجمر الذي معه لهب، {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} دل على وجود البرد، وقوله ﴿ بقبس ﴾ دل على وجود الظلام، وقوله ﴿ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾، أي من يهديني الطريق، دل على أنه قد تاه عن الطريق " [3، جـ 3، 144].



وقال الطبري في - تفسير قوله تعالى: ﴿ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ - : "دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه " [4، جـ 16، ص 142].



• وفي سورة النمل: ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [النمل:7]. معنى تصطلون: أي تستدفئون من البرد، يقال: اصطلى يصطلي إذا استدفأ [5، جـ 13، ص 106 ؛ 6، جـ 14، ص 468]. فدل ذلك على وجود الشتاء.



وأما المكان الذي حصل فيه الوحي:

فدل عليه قوله سبحانه: ﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ [طه: 12]، وأظهر الأقوال في معنى طوى أنه اسم للوادي فهو بدل من الوادي أو عطف بيان [7، جـ 4، ص 292]. وفيه أقوال أخر.[3]



• وقوله: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص:30]. قال القرطبي: " أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة و{مِنَ الشَّجَرَةِ} بدل من قوله: {مِن شَاطِئِ الْوَادِي} بدل الاشتمال؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ، وشاطئ الوادي وشطه جانبه، والجمع شطان وشواطئ" [5، جـ 13، ص 186]. وقال ابن كثير: " أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب " [3، جـ 3، ص 388].



• وقوله: ﴿ وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ﴾ [مريم:52].

قال ابن جرير: " ونادينا موسى من ناحية الجبل، ويعني بالأيمن: يمين موسى؛ لأن الجبل لا يمين له ولا شمال، وإنما ذلك كما يقال: قام عن يمين القبلة وعن شمالها " [4، جـ16، ص 94]. ويجوز أن يكون الأيمن من اليُمن وهو البركة [9، جـ16، ص 103].



• وقوله: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [القصص:44].

قال ابن كثير: " يعني ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي" [3، جـ 3، ص 392].



جاء وصف المكان في هذه الآيات بكلمات مختلفة، فذكره في الآية الأولى أنه الوادي المقدس، والمقدس هو المطهر، وطوى اسم ذلك الوادي [10، جـ 3، ص 358]. وفي الآية الثانية أنه شاطئ الوادي الأيمن من البقعة المباركة , وفي الآية الثالثة أنه جانب الطور الأيمن، وفي الآية الرابعة أنه جانب الغربي.



وقال ابن كثير في الجمع بين هذه المواضع: كان موسى في واد اسمه طوى، فكان موسى مستقبل القبلة وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب فناداه ربه بالوادي المقدس طوى" [11، جـ 1، ص 247 ؛ 12، جـ 2، ص 26].



كلمات الوحي الأولى:

جاء بيان ما أوحى الله سبحانه وتعالى به إلى موسى في بداية النبوة في مواضع عدة من القرآن الكريم، ومن ذلك السياق الذي ورد في سورة طه من قوله سبحانه: ﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى *إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ إلى قوله: ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه:13 - 36].



وقد تضمن هذا السياق من كلمات الوحي الأولى إلى موسى (عليه السلام) موضوعات عدة، على النحو التالي:

الأول: التعريف بالله سبحانه وتعالى والأمر بتحقيق العبودية له وحده ونفي ما سواه من الآلهة بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه:14].



قال ابن كثير في هذه الآية: " هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وقوله: ﴿ فَاعْبُدْنِي ﴾ أي وحدني، وقم بعبادتي من غير شرك، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} قيل: عناه صل لتذكرني. وقيل: معناه أقم الصلاة عند ذكرك لي" [3، جـ 3، ص 145]. وجاء في موضع آخر قوله: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النمل:9]، أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه، الحكيم في أقواله وأفعاله [3، جـ 3، ص 358]. وفي موضع ثالث قوله: ﴿ إني أنا الله رب العالمين ﴾ [القصص: 30]، أي: الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعال لما يشاء، لا إله غيره، ولا رب سواه، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته، وصفاته، وأقواله، وأفعاله سبحانه" [3، جـ 3، ص 389]. فأخبر الله سبحانه وتعالى موسى بألوهيته وربوبيته، ويلزم من ذلك أن يأمره بعبادته وتألهه [13، جـ 6، ص 20]. واختلاف صيغ النداء المذكورة قد يدل على تكرر النداء، والله أعلم.



الثاني: الساعة وأنها موعد الجزاء على الأعمال، بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى* فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه:15، 16].



الثالث: تأييد موسى بالآيات التي تدل على صدقه، بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا... ﴾ [طه:17،18] إلى قوله: {لنريك من آياتنا الكبرى} [طه:23].



الرابع: الإرسال إلى الطاغية فرعون، بقوله: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه:24]، قال الطبري: "في الكلام محذوف استغني بفهم السامع بما ذكر منه، وهو قوله: فادعه إلى توحيد الله وطاعته، وإرسال بني إسرائيل معك" [4، جـ 16، ص 159]. وقال الرازي: " إنما خص فرعون بالذكر مع أن موسى (عليه السلام) كان مبعوثاً إلى الكل[4]؛ لأنه ادعى الألوهية وتكبر وكان متبوعاً؛ فكان ذكره أول" [14، جـ22، ص27]. وقال القرطبي: " لما آنسه بالعصا واليد، وأراه ما يدل على أنه رسول، أمره بالذهاب إلى فرعون، وأن يدعوه" [5، جـ 11، ص 129].


الخامس: دعاء موسى (عليه السلام) ربه بإعانته على الرسالة وإشراك أخيه هارون معه، واستجابة الله له، وذلك في قوله سبحانه: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً *وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً *إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً *قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه:25 - 36]، أي: قد أجبناك إلى ما سألت، وأعطيناك ما طلبت، وهذا من وجاهته عند ربه عز وجل، حين شفع أن يوحي الله إلى أخيه. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "فامتثل موسى أمر ربه، وتلقاه بالانشراح والقبول، وسأله المعونة وتيسير الأسباب التي هي من تمام الدعوة قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}، أي: وسعه وأفسحه، لأتحمل الأذى القولي والفعلي، ولا يتكدر قلبي بذلك، ولا يضيق صدري، فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم" [13، جـ 5، ص 153].



ثانياً: في التوراة:

تصور التوراةُ ابتداءَ نزول الوحي على موسى (عليه السلام) بالنص: "وأما موسى فكان يرعى غنم يَثْرُون حَمِيه كاهن مِدْيَان، فساق الغنم إلى وراء البرية، وجاء إلى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار وسط عليقة[5]. فنظر فإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق * فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة * فلما رأى الربُّ أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى، فقال: هأنذا * فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة * ثم قال: أنا إله أبيك؛ إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه؛ لأنه خاف أن ينظر إلى الله * فقال الرب: إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم * فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة. إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً إلى مكان الكنعانيين[6] والحثيين[7] والأموريين[8]... والآن هو ذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إلي ورأيت أيضاً الضيقة التي يضايقهم بها المصريون * فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتُخرج شعبي بني إسرائيل من مصر" (سفر الخروج: 3: 1 – 10).



وفي نص آخر عجيب: " قال الرب لموسى: عندما تذهب لترجع إلى مصر انظر جميع العجائب التي جعلتُها في يدك واصنعها قدام فرعون. ولكني أشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب * فتقول لفرعون هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر * فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني فأبيت أن تطلقه، ها أنا أقتل ابنك البكر" (سفر الخروج 4: 21 - 23).

في هذا النص زعم من اليهود أنهم أبناء الله، ولقد حكى الله سبحانه وتعالى عنهم ذلك في كتابه العزيز: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18]. ويعلق ابن حزم على نص التوراة قائلاً: "ليت شِعري ماذا ينكرون على النصارى بعد هذا؟ وهل طرق النصارى سبيل الكفر في أن يجعلوا لله ولدا، ونهج لهم طريق التثليث، إلا هذه الكتب الملعونة المبدلة؟! إلا أن النصارى لم يدعوا بنوة الله تعالى إلا لواحد أتى بمعجزة عظيمة، وأما هذه الكتب السخيفة، وكل من تدين بها فإنهم ينسبون بنوة لله إلى جميع بني إسرائيل [16، جـ 1، ص 247].

وتصور التوراة مقابلة موسى لهذا الأمر بقوله: " من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر" (سفر الخروج، 3: 11). ومن الأمور الغريبة في التوراة أن تذكر لله أسماء علمها الله لموسى، كما في النص: " فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم * فقال الله لموسى: أهْيَهِ الذي أهْيَهِ[9]. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه أرسلني إليكم * وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه[10] إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم هذا اسمي إلى الأبد" (سفر الخروج، 3: 13 - 15).



ثم يمضي سياق التوراة بذكر توجيه الرب لموسى (عليه السلام) بالذهاب إلى شيوخ بني إسرائيل وتبليغهم بهذا الوحي وبوعد الله لهم بإخراجهم من مصر، ثم يمضي هو وإياهم إلى فرعون ويبلغونه قائلين: "الرب إله العبرانيين التقانا. فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا" (سفر الخروج،3: 18)، كما جاء الوعد بالتأييد بالآيات حتى يستجيب فرعون، وذكر من هذه الآيات العصا واليد وتحول ماء النهر إلى دم (سفر الخروج، 3: 12 - 22، 4: 1 - 9).



وبعد هذا كله تصور التوراة موقف موسى (عليه السلام) وعدم التسليم له بالرسالة، كما يدل عليه النص: "فقال موسى للرب استمع أيها السيد، لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا من أول أمس ولا من حين كلمت عبدك. بل أنا ثقيل اللسان فقال موسى استمع أيها السيد أرسل بيد من ترسل * فمحي غضب الرب على موسى * (سفر الخروج، 4: 10 – 14).



ومن العجائب في التوراة أنها بعد ذكر هذا الموقف نسبت لله سبحانه وتعالى أمره لموسى بأن يكون هارون فماً له وهو يكون إلهاً لهارون، كما يدل عليه النص: "وهو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً" (سفر الخروج، 4: 16، 17).



ولم تتوقف ألوهية موسى (عليه السلام) على هارون، بل زعموا أن الله جعله أيضاً إلهاً لفرعون، كما يدل عليه النص: " فقال الرب لموسى انظر، أنا جاعلك إلهاً لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيك" (سفر الخروج، 7: 1).

وهذا مما يخالف الغاية من إرسال الرسل، فإن الله سبحانه أرسل الرسل وأنزل معهم الكتب لتوحيده ونفي الآلهة سواه. فكيف يأتي الرسول من الله ويكون إلهاً لغيره من البشر؟



كما يفيد سياق التوراة أن موسى (عليه السلام) بعد أن تلقى الوحي من ربه رجع إلى حميه (يثرون) فاستأذنه بالخروج إلى مصر فأذن له بذلك، وخرج موسى (عليه السلام) بامرأته وبنيه.



ثالثاً: المقارنة:

تتمثل الفروقات بين عرض القرآن الكريم والتوراة لبداية نبوة موسى (عليه السلام) بما يلي:
1- يشير القرآن الكريم إلى أن موسى (عليه السلام) تلقى الوحي حينما كان عائداً من مدين مع أهله، وذلك حين قضى الأجل. أما التوراة فتذكر أن موسى تلقى الوحي حينما كان يرعى الغنم لحميه، أي: أنه ما زال في الخدمة ولم يقض الأجل بعد، وهذا مخالفة صريحة من التوراة لنص القرآن الكريم.


2- يصرح القرآن الكريم بأن موسى (عليه السلام) ذهب إلى النار لطلب الهدى أو الاستدفاء، وهذه الإشارات تفيد أن ذلك وقع في ليلة ظلماء باردة، في حين أن التوراة تشير إلى أن السبب الذي جاء من أجله موسى إلى النار هو عجبه من اشتعال النار بالعليقة، والعليقة لا تحترق.


3- جاء في القرآن الكريم في كلمات الوحي الأولى إلى موسى (عليه السلام) التأكيد على ألوهية الله سبحانه وتعالى ونفي الآلهة سواه، وهذه هي القضية الأساسية التي بعث الله من أجلها موسى وغيره من المرسلين. في حين أن التوراة لم تؤكد هذا الجانب واكتفت بذكر ألوهية الله سبحانه وتعالى للعبرانيين، وخصت منهم إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وهم آباء بني إسرائيل. بل إن التوراة فوق ذلك جعلت موسى إلهاً لفرعون.


4- جاء في القرآن الكريم في كلمات الوحي الأولى إلى موسى (عليه السلام) تعريف الله سبحانه وتعالى بالأسماء الحسنى والصفات العلا، كقوله: ﴿ يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ﴾ [النمل: 9]، وقوله: ﴿ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص:30]، التي تفيد صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، مصداقاً لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وهذه قاعدة جليلة في أسماء الله سبحانه وتعالى؛ فكلها تحمل الحسن في معانيها ودلالتها ونحو ذلك. أما ما ورد في التوراة بتسمية الله سبحانه وتعالى بـ(أهيه) و(يهوه)، وهذه الكلمات بالعربية ليس لها معنى، وليست من أسماء الله سبحانه وتعالى ولا من صفاته، ولا تحمل معنى حسناً يليق بالله سبحانه وتعالى، كما تؤكد أن (يهوه) هو اسم إلى الأبد بمعنى لا يدعى بغيره.



يقول العقاد: "إن اسم (يهوه) لا يعرف اشتقاقه على التحقيق، فيصح أنه من مادة الحياة، ويصح أنه نداء لضمير الغائب (يا هو)؛ لأن موسى علم بني إسرائيل أن يتقوا ذكره توقيراً له، وأن يكتفوا بالإشارة إليه" [18، ص 113]. ويَرِد هنا سؤال: أليس (يهوه) كلمة عبرية معناها (الله) باللغة العربية؟ يجيب عن هذا السؤال أحمد شلبي فيقول: "إن الإجابة عن هذا السؤال تجيء بالنفي القاطع؛ لأن الصفات التي ذكرها اليهود لـ(يهوه) تبعد كل البعد عما يتصف به الإله عند أي جماعة من جماعات المتدينين، وتجعله هذه الصفات لا مرشداً ولا هادياً، وإنما تجعله يمثل انعكاساً لصفاتهم واتجاهاتهم؛ فهو ليس خالقاً لهم، بل مخلوق لهم. وهو لا يأمرهم، بل يسير على هواهم، وكثيراً ما يأتمر بأمرهم، وفي (يهوه) صفات الحربية إن هم حاربوا، وصفات التدمير لأنهم مدمرون، وهو يأمرهم بالسرقة إن أرادوا أن يسرقوا، ويتعلم منهم ما يريدونه أن يعلم" [19، ص ص 189، 190].


5- نسبت التوراة الولد لله سبحانه وتعالى في سياق إرسال موسى إلى فرعون، وأنهم هم ابن الله البكر، فرب إسرائيل - حسب زعمهم - بشر يلد، وولده البكر هو إسرائيل، أما في القرآن الكريم فقد رد الله سبحانه وتعالى عليهم هذا القول، بقوله سبحانه: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾ [المائدة: 18].



ولقد عظم الله سبحانه وتعالى جرم من قال مثل هذه المقولة، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً *تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً *أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً ﴾ [مريم:88 - 91].



6- جاء في القرآن الكريم ذكر اليوم الآخر، والجزاء، والحساب في كلمات الوحي الأولى التي أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى (عليه السلام)؛ أما التوراة فلم تذكر شيئاً من ذلك، ليس في هذا الموضع فحسب، بل إن ذكر اليوم الآخر لم يرد في توراتهم إلا نادراً، علماً بأن التذكير باليوم الآخر من القضايا الأساسية في دين الله سبحانه وتعالى عند جميع الرسل. يقول أحمد شلبي: "إن فكرة البعث لم تجد لها أرضاً خصبة في عالم اليهود، وقد حاول بعض طائفة الفريسيين القول بها، ولكن هذه المحاولة لقيت معارضة شديدة، أما باقي الفرق اليهودية فلم تعرف عنها شيئاً" [19، ص 207].


7- يفيد سياق القرآن الكريم امتثال موسى أمر ربه واستعانته به، كما سبق بيان ذلك، أما سياق التوراة فيفيد اعتراض موسى (عليه السلام) على هذا الأمر، ومراجعته لربه سبحانه وتعالى حتى غضب الرب سبحانه وتعالى عليه، فتكاد التوراة تجعل موسى ندّاً للرب، فهو يتحدث إلى هذا الرب حديث الندّ للندّ. وهذا معارض لقوله سبحانه: ﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 13]، وقوله: ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾[الأعراف:144]، فاختيار الله سبحانه وتعالى واصطفاؤه لنبيه موسى كان عن علم بحاله وامتثاله لأوامره، فكيف تحصل منه المعارضة لربه في بداية الوحي، كما يدل على ذلك سياق التوراة؟



8- جعلت التوراة الهدف الأساسي من الرسالة هو تخليص بني إسرائيل من الذل، حتى أن الرب سبحانه وتعالى نزل لينقذ بني إسرائيل ويخرجهم إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً، فكأن الهدف من هذه الرسالة تحسين الحالة المعيشية لبني إسرائيل.



آيات موسى عليه السلام لفرعون

أولاً: في القرآن:

لما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى، وكلفه بالرسالة أيده بالآيات، ولقد كانت أول هذه الآيات التي أعطاها الله موسى (عليه السلام) هي العصا، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى ﴾ [طه:17 - 22]، قال ابن كثير: " هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام، ومعجزة عظيمة، وخرق للعادة بباهر، دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل، وقوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له. وقيل: إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي: أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها، فسترى ما نصنع بها الآن" [3، جـ 3، ص 145].

ثم أردف بعد هذه الآية بآية اليد، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 22]، قال ابن كثير: "وهذا برهان ثان لموسى (عليه السلام)، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه، كما صرح به في الآية الأخرى، وههنا عبر عن ذلك بقوله: ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾، وقال في مكان آخر: ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلأِهِ ﴾ [القصص: 32]. قال مجاهد: ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾: كفك تحت عضدك، وذلك أن موسى (عليه السلام) كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها تخرج تتلألأ، كأنها فلقة قمر، وقوله: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾؛ أي: من غير برص، ولا أذى، ومن غير شين. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم. وقال الحسن البصري: أخرجها والله كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل " [3، جـ3، ص ص 146، 147].

ولم تقتصر آيات موسى (عليه السلام) على هاتين الآيتين، بل أيده الله سبحانه وتعالى بآيات أخرى، كما في قوله سبحانه: ﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ [النمل: 12]. وقوله ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً ﴾ [الإسراء:101].

قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون، وهي: العصا، واليد، والسنين، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات. قاله ابن عباس، وقال محمد بن كعب: هي اليد، والعصا، والخمس في الأعراف، والطمس، والحجر. قال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة: هي يده، وعصاه، والسنين، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي. وجعل الحسن البصري السنين ونقص الثمرات واحدة، وعنده أن التاسعة هي تلقف العصا" [3، جـ3، ص 67].

ويصور القرآن الكريم موقف فرعون وقومه من هذه الآيات بقوله سبحانه: ﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف:132، 133]. قال ابن كثير: " هذا إخبار من الله عز وجل عن تمرد قوم فرعون وعتوهم وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل يقولون: أي آية جئتنا بها ودلالة وحجة أقمتها رددناها فلا نقبلها منك، ولا نؤمن بك، ولا بما جئت به" [3، جـ2، ص 241].

ولكن وجد القوم أنه لا طاقة لهم بهذه الآيات وما يحل عليهم من النكال بسبب عنادهم، وعدم إيمانهم، وإرسال بني إسرائيل، فكانوا في كل مرة يتجهون إلى موسى طالبين منه أن يكشف عنهم الرجز فيؤمنوا ويرسلوا بني إسرائيل، ولكنهم لا يفون بوعدهم، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الأعراف: 134، 135].

كما نجد في القرآن الكريم تأثير هذه الآيات التي جاء بها موسى (عليه السلام)، ومن ذلك ما حصل من إيمان السحرة لما رأوا عصا موسى (عليه السلام) قد التقمت ما صنعت أيديهم من السحر، وعلموا أن ما جاء به موسى ليس سحراً، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف:113 - 122].

قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى (عليه السلام) في ذلك الموقف العظيم، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه، {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} أي: تأكل[11] ﴿ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق وهو باطل. قال ابن عباس: فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا شيء من السماء، ليس هذا بسحر، فخروا سجداً وقالوا: ﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾، وقال محمد ابن إسحاق: جعلت تتبع تلك الحبال والعصي واحدةً واحدة، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجداً، ﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ لو كان هذا ساحرا ما غلبنا" [3، جـ2، ص 238].

ثانياً: في التوراة:

جاءت الآيات التي أعطاها الله إلى موسى وهارون مفصلة في التوراة، ومرتبة على النحو التالي:

1- تحول العصا إلى حية، ويدل على ذلك النص: " فقال له الرب ما هذه في يدك؟ فقال: عصا * فقال: اطرحها إلى الأرض. فطرحها إلى الأرض. فصارت حية. فهرب موسى منها * ثم قال الرب لموسى مد يدك وأمسك بذنبها. فمد يده وأمسك به. فصارت عصا في يده" (سفر الخروج، 4: 2 – 4). ولكن تنسب العصا مرة إلى الله: " وأخذ موسى عصا الله في يده" (سفر الخروج،4: 20)، ومرة إلى هارون: "ولكن عصا هارون ابتلعت عصيهم" (سفر الخروج، 7: 12). وأما عن موقف السحرة فتذكر التوراة أنهم فعلوا مثل هذه الآية، كما يدل عليه النص: " ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك، طرح كل واحد عصاه فصارت العصيُّ ثعابين" (سفر الخروج، 7: 11، 12).


2– تحول اليد إلى برصاء مثل الثلج، ويدل عليه النص: " ثم قال الرب أيضاً أدخل يدك في عُبِّك. فأدخل يده في عبه، ثم أخرجها وإذا يده برصاء مثل الثلج * ثم قال له: رد يدك في عبك. فرد يده إلى عبه، ثم أخرجها من عبه وإذا هي قد عادت مثل جسده" (سفر الخروج، 4: 6 - 8).


3- تحول ماء النهر إلى دم على اليابسة، كما يدل عليه النص: "تأخذ من ماء النهر وتسكب على اليابسة فيصير الماء الذي تأخذه من النهر دماً على اليابسة" (سفر الخروج، 4: 9)


4- موت السمك الذي في النهر بعد أن يتحول ماء النهر إلى دم وينتن، ويدل عليه النص: "ها أنا أضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحول دماً ويموت السمك الذي في النهر" (سفر الخروج، 7: 17، 18).


5- تحول جميع مياه المصريين إلى دم، حتى في الأخشاب والأحجار، ويدل عليه النص: " ثم قال الرب لموس: قل لهارون: خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى آجامهم وعلى مجتمعات مياههم لتصير دماً. فيكون دم في كل أرض مصر في الأخشاب وفي الأحجار" (سفر الخروج، 7: 19، 20). ثم تعقب التوراة بعد ذلك: " وفعل عرّافو مصر كذلك بسحرهم" (سفر الخروج، 7: 22). أي أن السحرة قدروا على الإتيان بمثل ما جاء به موسى وهارون، وكيف يقدرون على ذلك، ومن أين لهم الماء وقد تحولت جميع مياه مصر إلى دم؟! قال ابن حزم: " فأي ماء بقي حتى تقلبه السحرة دماً، كما فعل موسى وهارون؟ أبى الله إلا فضيحة الكذابين وخزيهم. فإن قالوا: قلبوا ماء الآبار التي حفرها المصريون حول النهر. قلنا لهم: فكيف عاش الناس بلا ماء أصلاً؟ أليست هذه فضائح مردودة؟ وهل يخفى أن هذا من توليد ضعيف العقل أو زنديق مستخف لا يبالي بما أتى به من الكذب. ونعوذ بالله من الضلال" [16، جـ1، ص 250].

6- انتشار الضفادع في كل مكان من أرض مصر، كما يدل عليه النص: " فقال الرب لموسى: قل لهارون: مد يدك بعصاك على الأنهار والسواقي والآجام، وأصعد الضفادع على أرض مصر" (سفر الخروج، 8: 5). وتعقب التوراة على ذلك بالنص: "وفعل كذلك العرافون بسحرهم وأصعدوا الضفادع على أرض مصر" (سفر الخروج، 8: 7). وهنا قد يتساءل الإنسان، كيف يسعى سحرة فرعون إلى زيادة العذاب على المصريين، والأحرى بهم أن يدفعوا هذه الضفادع عن المصريين؟! وتذكر التوراة بعد ذلك أن فرعون طلب من موسى وهارون أن يدعُوَا ربهما ليرفع عنهم هذه الضفادع حتى يطلق بني إسرائيل، ففعل موسى وهارون وماتت الضفادع، لكن فرعون قسا قلبه ولم يف بوعده.


7- انتشار البعوض في جميع أرض مصر، كما يدل عليه النص: " ثم قال الرب لموسى: قل لهارون مد عصاك واضرب تراب الأرض ليصير بعوضاً في جميع أرض مصر" (سفر الخروج، 8: 16). وتعقب التوراة بعد ذلك: "وفعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا. وكان البعوض على الناس وعلى البهائم * فقال العرافون لفرعون: هذا أصبع الله" (سفر الخروج، 8: 18، 19). في هذه المرة لم يستطع العرافون مجاراة موسى وهارون فيما فعلاه من الآيات حسب سياق التوراة.


8- انتشار الذباب في أرض مصر، كما يدل عليه النص: "... فدخلت ذبان كثيرة إلى بيت فرعون وبيوت عبيده. وفي كل أرض مصر خربت الأرض من الذبان" (سفر الخروج، 8: 24)، ولكن الأرض التي يسكنها بنو إسرائيل سلمت من الذبان كما يدل عليه النص: "ولكن أميز في ذلك اليوم أرض جاسان حيث شعبي مقيم حتى لا يكون هناك ذبان" (سفر الخروج: 8: 22). وبعد حصول هذه الآية طلب فرعون من موسى وهارون أن يدعوَا الرب ليرفع عنهم هذه الذبان، فحصل ذلك، ولكن فرعون قسا قلبه فلم يطلق الشعب.


9- موت مواشي المصريين بالوَبَأ، أما مواشي بني إسرائيل فلم يضرها شيء، ويدل على ذلك النص: "فها يد الرب تكون على مواشيك في الحقل على الخيل والحمير والجمال والبقر والغنم وباً ثقيلاً جداً... فماتت جميع مواشي المصريين، وأما مواشي بني إسرائيل فلم يمت منها واحد" (سفر الخروج، 9: 3 – 7). ثم تعقب التوراة بعد ذلك بأن فرعوهن غلظ قلبه فلم يطلق الشعب.


10– ظهور الدمامل في الناس والبهائم من أثر الرماد، ويدل على ذلك النص: "ثم قال الرب لموسى وهارون: خُذَا ملء أيديكما من رماد الأتون، وليذره موسى نحو السماء... فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم" (سفر الخروج، 9: 8 - 7). ثم ذكرت التوراة بعد ذلك أن العرافين عجزوا أن يقفوا أمام موسى في هذه الآية من أجل الدمامل.


11- نزول بَرَد عظيم على مصر لم تر مصر مثله منذ تأسيسها إلى عهد موسى، كما يدل على ذلك النص: "ثم قال الرب لموسى: مد يدك نحو السماء ليكون برد في كل أرض مصر على الناس وعلى البهائم وعلى كل عشب الحقل في أرض مصر *... فكان برد ونار متواصلة في وسط البرد. شيء عظيم جداً لم يكن مثله في كل أرض مصر منذ صارت أمة" (سفر الخروج، 9: 22 - 24).

ولكن جاء في النص استثناء أرض جاثان التي يسكنها بنو إسرائيل فلم يصبها البرد (سفر الخروج، 9: 26). ومن الملاحظ على سياق هذه الآية في التوراة أن البرد أهلك مواشي المصريين، وقد ورد في آية سابقة أن المواشي أهلكها الوبأ، فلم يبق للمصريين شيء منها، فما هي المواشي التي أهلكها البرد؟ وفي هذا يقول ابن حزم: "فليت شِعري!! أي دابة بقيت لفرعون وأهل مصر، وقد ذُكر أن الوبأ أهلك جميعها؟ وأين الإبل والحمير والخيل والغنم؟ أليس هذا عجبا!!... ولم يكن بين آية وآية بإقرارهم وقت يمكن فيه جلب أنعام إليهم من بلد آخر؛ لأنه لم يكن بين الآية والآية إلا يوم أو يومان أو قريب من ذلك، ومصر واسعة الأعمال" [16، جـ 1، ص 252].

ثم إن هناك أمراً آخر وهو قول موسى لفرعون: "فالآن أرسل احم مواشيك وكل مالك في الحقل وجميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل... " (سفر الخروج، 9: 19)، فكيف يوحي الله إليه بإهلاكهم بالبرد، ثم بعد ذلك يأمره بأن يحمي الناس والبهائم؟! وبعد حصول هذه الآية طلب فرعون من موسى وهارون أن يدعُوَا ربهما من أجل أن يكشف عنهم ذلك، فحصل، ولكن "اشتد قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل، كما تكلم الرب عن يد موسى" (سفر الخروج، 9: 35).


12– خروج جراد على أرض مصر أكل كل شيء، كما يدل عليه النص: "ثم قال الرب لموسى: مد يدك على أرض مصر لأجل الجراد؛ ليصعد على أرض مصر ويأكل كل عشب الأرض، كل ما تركه البرد *... فصعد الجراد على كل أرض مصر وحل في جميع تخوم مصر شيء ثقيل جداً لم يكن قبله جراد هكذا مثله ولا يكون بعده كذلك * وغطى كل وجه الأرض حتى أظلمت الأرض، وأكل جميع عشب الأرض وجميع ثمر الشجر الذي تركه البرد. حتى لم يبق شيء في الشجر ولا في عشب الحقل في كل أرض مصر" (سفر الخروج، 10: 12 - 15). ثم بعد ذلك طلب فرعون من موسى وهارون أن يدعوَا الرب، فدعا موسى، فرفع الرب الجراد، ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل" (سفر الخروج، 10: 20).


13- حلول الظلام على أرض مصر ثلاثة أيام، فلم يبصر أحد أخاه، ولا قام أحد من مكانه، أما بنو إسرائيل فقد كان لهم نور في مساكنهم، كما يدل على ذلك النص: "ثم قال الرب لموسى: مد يدك نحو السماء... فكان ظلام دامس في كل أرض مصر ثلاثة أيام * فلم يُبصر أحد أخاه، ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام، ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم" (سفر الخروج، 10: 21 - 23).


14- موت كل بكر في أرض مصر من أثر خروج الرب في وسطهم، كما يدل على ذلك النص: "وقال موسى هكذا يقول الرب: إني نحو نصف الليل أخرج في وسط مصر* فيموت كل بكر في أرض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى وكل بكر بهيمة" (سفر الخروج، 10: 4 - 6)، أما بنو إسرائيل فلم يمسهم سوء، حيث قد جاء في التوراة تمييز الرب لبني إسرائيل "لكي تعلموا أن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل" (سفر الخروج، 10: 7).

ثم عقبت التوراة بعد ذكر جميع هذه الآيات مرتبة بموقف فرعون بعدها بالنص: "وكان موسى وهارون يفعلان كل هذه العجائب أمام فرعون. ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل من أرضه" (سفر الخروج، 11: 9).

وجملة هذه الآيات المذكورة هي: العصا، واليد، وتحول ماء النهر إلى دم على اليابسة، وموت السمك في النهر بعد أن يتحول إلى دم وينتن، وتحول جميع مياه المصريين إلى دم، والضفادع، والبعوض، والذبان، وموت المواشي والدمامل، والبرد، والجراد، والظلام، وموت الأبكار.

ثالثاً: المقارنة:

تتمثل الفروق بين عرض القرآن الكريم وعرض التوراة للآيات بالأمور التالية:
1 - عجز السحرة:

لقد صور القرآن الكريم عجز السحرة عن الإتيان بما جاء به موسى (عليه السلام) بقوله سبحانه: ﴿ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾ [الأعراف: 119]؛ أما التوراة فكانت تذكر قدرة السحرة على مقابلة موسى وهارون ببعض الآيات، وكانت هذه المقابلة من السحرة سبباً لعناد فرعون، فكانت التوراة تعقب على بعض الآيات أن السحرة استطاعوا أن يفعلوا مثل ذلك، كما في آية العصا، وتحويل جميع مياه مصر إلى دم، وإخراج الضفادع على أرض مصر.

قال ابن حزم معلقاً على زعم التوراة أن السحرة استطاعوا أن يفعلوا كثيراً مما جاء به موسى وهارون من الآيات: "ولو صح هذا لبطلت نبوة موسى (عليه السلام)، بل نبوة كل نبي، ولو قدر السحرة على شيء من جنس ما يأتي به النبي، لكان باب السحرة وباب مدعي النبوة واحداً، ولما انتفع موسى بازدراد عصاه لعصيهم، ولا بعجزهم عن البعوض، وقد قدروا على قلب العصيّ حيات، وعلى إعادة الماء دماً، وعلى المجيء بالضفادع، ولما كان لموسى (عليه السلام) عليهم بنبوته أكثر من أنه أعلم بذلك العمل منهم فقط، ولو كان كما قال هؤلاء الكذابون الملعونون، لكان فرعون صادقاً في قوله: إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" [1، جـ 1، ص 248].


2– عصا موسى وعصى السحرة:

عرض القرآن الكريم لآية العصا يختلف عن عرض التوراة لها، فالقرآن الكريم بين أن السحرة ألقوا عصيهم قبل موسى بعد مشاورته، كما في قوله سبحانه: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ *قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف 115، 116]. وأما التوراة فتذكر أن الذي طرح العصا في الأول هو هارون، ثم بعد ذلك طرح أصحاب فرعون عصيهم، كما ورد النص بذلك: "فدخل موسى وهارون إلى فرعون وفعلا هكذا كما قال الرب: طرح هارون عصاه أمام فرعون وأمام عبيده فصارت ثعباناً. فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك * طرح كل واحد عصاه فصارت العصيّ ثعابين. ولكن عصا هارون ابتلعت عصيَّهم. فاشتد قلب فرعون ولم يسمع لهما كما تكلم الرب" (سفر الخروج، 7: 10 - 12).

ومن جانب آخر فإن القرآن يصور تحول عصيّ السحرة إلى ثعابين إنما هو مجرد تخييل لا حقيقة، كما في قوله سبحانه ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه:66]. أي: أنه مجرد تخييل في أعين الناظر لا حقيقة، كما يدل عليه قوله سبحانه: ﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف:116]. قال ابن كثير: "أي: خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال" [3، جـ 3، ص 238]. وأما تحول عصا موسى إلى ثعبان فإنه تحول حقيقي بقدرة الله سبحانه وتعالى، بدليل أنها التقمت عصيهم، وعلم السحرة أن هذا ليس من قبيل السحر.

3- إيمان السحرة:

يصور لنا القرآن الكريم النتيجة الإيجابية من تلك الآيات، كما في قوله سبحانه: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ [طه:70]. وأما التوراة فتعرض عن ذلك وتقتصر على الجانب الآخر وهو عناد فرعون وعدم تسليمه.


4- حالة اليد:

جاء في القرآن الكريم وصف تحول اليد إلى بيضاء أن ذلك من غير سوء، قال المفسرون: من غير برص ولا أذى [3، جـ 3، ص 147 ؛ 5، جـ 11، ص 128]. أما التوراة فجاءت بوصف اليد بما نفاه القرآن عنها، جاءت بوصفها بالبرص.


5- الإجمال والتفصيل:

جاء القرآن الكريم بذكر التفصيل في آيتين من الآيات هي العصا واليد، أما بقية الآيات فقد ذكرها مجملة؛ أما التوراة فقد ذكرت جميع الآيات بالتفصيل والترتيب واحدة تلو الأخرى، فإذا لم يستجب فرعون للآية جاءه بالأخرى.


6- الواسطة في الآيات:

تصور التوراة أن موسى (عليه السلام) واسطة في بعض الآيات بين الله وبين هارون، فكان الله يأمر موسى، وموسى يأمر هارون، كما حصل في تحويل مياه المصريين إلى دم، وإخراج الضفادع، والبعوض وغيرها. ولعل هذا يتفق مع ما ورد بأن هارون نبي موسى، كما يدل عليه النص: "فقال الرب لموسى: انظر أنا جاعلك إلهاً لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك" (سفر الخروج، 7: 1). فالإله لا يكلم فرعون إلا بواسطة النبي وهو هارون.


7– الآيات الإضافية في التوراة:

ورد في التوراة بعض الآيات التي لم ترد الإشارة إليها في القرآن الكريم، مثل الدمامل، والبرد، والظلام.

الحوار بين موسى وفرعون

أولاً: في القرآن:

لما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى أرسله إلى فرعون قائلاً: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24]. فطلب موسى من ربه سبحانه وتعالى أن يعينه بأخيه هارون، فاستجاب الله له وأشركه معه، ووجه الأمر إليهما معا بقوله: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 43]. وكان الهدف من الرسالة يتمثل في أمرين:

الأول: الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده، ويدل على ذلك قوله: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴾ [النازعات: 18]. قال الطبري: "فقل له: هل لك أن تتطهر من دنس الكفر وتؤمن بربك؟" [4، جـ30، ص 39].

والثاني: أن يطلق بني إسرائيل لعبادة الله سبحانه وتعالى، ويدل على ذلك قوله سبحانه: ﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 16، 17]. وفي موضع آخر: ﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى *إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طه: 47، 48]، في هذه الآية إشعار لفرعون منذ اللحظة الأولي إلى أن هناك إلهاً هو ربه، وهو رب العالمين، وليس خاصاً بموسى وهارون أو ببني إسرائيل، كما كان سائداً في خرافات الوثنية يومذاك أن لكل قوم إلهاً أو آلهة، أو كما كان سائداً في بعض العصور من أن فرعون مصر إله يعبد فيها؛ لأنه من نسل الآلهة. كما جاء في الآية الترغيب لفرعون لعله يتلقى السلام ويتبع الهدى، وعقب بعد ذلك بالترهيب بالعذاب لمن كذب وتولى [20، جـ 4، ص 2337].

وفي موضع ثالث: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الأعراف: 104، 105]، ومعنى حقيق أي: جدير أن لا أقول عليه إلا الحق، ولا أكذب عليه [3، جـ 2، ص 236؛ 13، جـ 3، ص 71].

ولكن فرعون استخف بموسى (عليه السلام) وذكره بما كان من حاله في صغره، كما حكى الله سبحانه وتعالى عنه قوله: ﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ *وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ *قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ *فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ *وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 18 - 22].

وبعد هذا الحوار أخذ فرعون يتجاهل رب العالمين ويستخف بدعوة موسى، كما في قوله سبحانه: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ *قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ *قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ *قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء:23– 27]، من أجل أن يصرف الناس عن كلام موسى يصفه بالجنون، ولكن موسى (عليه السلام) يواصل كلامه بالتعريف بربه سبحانه: ﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28].

وفي موضع آخر من تعريف موسى بربه سبحانه قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى *قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى *كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لأُولِي النُّهَى ﴾ [طه:50 - 54]. في هذا التعريف يبين موسى (عليه السلام) جملةً من نعم الله سبحانه على خلقه، وكذا صفاته العلا التي استحق بها سبحانه الألوهية دون من سواه، ولكن الطاغية فرعون لم يلتفت إلى هذا كله.

ولما عجز فرعون عن مواصلة الحوار مع موسى لجأ إلى التهديد والوعيد: ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29] ولم يخف موسى من ذلك التهديد والوعيد، ثقة بوعد الله له بالنصر والتأييد، فلفت نظر فرعون إلى ما معه من الآيات البينات: ﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ *قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ *وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الشعراء: 30 - 33].

ومع هذه الآيات البينات لم يزدد فرعون إلا تكبراً وعناداً، وبان عجزه وضعفه، فالتفت إلى السحرة يستشيرهم في أمره، ويستعين بهم: ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ *قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ *فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ *وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ *لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ *فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 34 - 42]، ولكن فشلت الخطة وخسر فرعون وجنوده، وكانت الطامة الكبرى على فرعون أن آمن السحرة: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الشعراء:46 - 48].

عند ذلك توجه فرعون للسحرة بالكلام محاولة منه أن يثنيَهم عن إيمانهم: ﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ *قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ *إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 49 - 51].

ثانياً: في التوراة:

تبدأ التوراة بذكر خبر موسى مع فرعون ببيان الهدف من الرسالة، كما في النص: "وبعد ذلك دخل موسى وهارون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل: أطلق شعبي ليعدوا لي في البرية * فقال فرعون من هو الرب حتى أسمع لقوله فأطلق إسرائيل. لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه * فقالا إله العبرانيين قد التقانا. فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا. لئلا يصيبنا بالوبأ أو بالسيف..." (سفر الخروج، 5: 1 - 5). وفي موضع آخر: "فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون فتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر" (سفر الخروج، 3: 10).

وتذكر التوراة أن موسى (عليه السلام) قال لربه بعد أن أمره أن يذهب إلى فرعون: "هو ذا بنو إسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون وأنا أغلف الشفتين" (سفر الخروج، 6: 12).

ويرد فرعون في بادئ الأمر بعدم إطلاق الشعب محتجاً بما هم فيه من الشغل قائلاً: "لماذا يا موسى وهارون تبطلان الشعب من أعماله؟ اذهبا إلى أثقالكما" (سفر الخروج، 5: 4).

وبعد هذا الطلب تذكر التوراة أن فرعون زاد في تسخير بني إسرائيل، فتوجه موسى إلى ربه قائلاً: "يا سيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب. لماذا أرسلتني * فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب. وأنت لم تخلص شعبك" (سفر الخروج، 5:23).

وكان تركيز التوراة في حوار موسى مع فرعون على إطلاق شعب إسرائيل وبخاصة مع سياق الآيات، فكان موسى يقول لفرعون: "الرب إله العبرانيين أرسلني إليك قائلاً أطلق شعبي ليعبدوني في البرية، وإن لم تفعل أصيبك بكذا وكذا".

وكان فرعون يتنازل أحياناً للخلاص من المصائب، فيطلب من موسى أن يدعو ربه ليكشف عنه هذه الآيات، وبعد سياق آية (الذبان) قال فرعون لموسى: "أنا أطلقكم لتذبحوا للرب إلهكم في البرية. ولكن لا تذهبوا بعيداً. صليا لأجلي" (سفر الخروج، 8: 28).

وبعد سياق آية (البرد) ذكرت التوراة ما دار بين موسى وفرعون بالنص: "فأرسل فرعون ودعا موسى وهارون وقال لهما: أخطأت هذه المرة، الرب هو البار وأنا وشعبي الأشرار * صليا إلى الرب وكفى حدوث رعود الله والبرد فأطلقكم ولا تعودوا تلبثون * فقال له موسى: عند خروجي من المدينة أبسط يدي إلى الرب فتنقطع الرعود ولا يكون البرد أيضاً لكي تعرف أن للرب الأرض * وأما أنت وعبيدك فأنا أعلم أنكم لم تخشوا بعد من الرب الإله" (سفر الخروج، 9: 27 - 31).

وبعد سياق آية (الجراد) ذكرت التوراة ما دار بين موسى وفرعون بالنص: "فرد موسى وهارون إلى فرعون. وقال لهما اذهبوا اعبدوا الرب إلهكم، ولكن من ومن هم الذين يذهبون * فقال موسى نذهب بفتياننا وشيوخنا. نذهب ببنينا وبناتنا بغنمنا وبقرنا؛ لأن لنا عيداً للرب... اذهبوا أنتم الرجال واعبدوا الرب" (سفر الخروج، 10: 8 – 11.

ثم بعد ذلك اعترف فرعون بالخطأ بعد أن أصابهم الجراد، حيث قال لموسى وهارون: "أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما * والآن اصفحا عن خطيتي هذه المرة فقط، وصليا إلى الرب إلهكما ليرفع عني هذا الموت فقط" (سفر الخروج، 10: 16، 17). وبعد أن انكشف عنهم الجراد بدعاء موسى قال فرعون: "اذهبوا واعبدوا الرب غير أن غنمكم وبقركم تبقى. أولادكم أيضاً تذهب معكم * فقال موسى: أنت تعطي أيضاً في أيدينا ذبائح ومحرقات لنصنعها للرب إلهنا * فتذهب مواشينا أيضاً معنا. لا يبقى ظلف، لأننا منها نأخذ لعبادة الرب إلهنا... [قال فرعون لموسى]: اذهب عني، احترز، لا ترى وجهي أيضاً؛ إنك يوم ترى وجهي تموت * فقال موسى: نعماً قلت أنا لا أعود أرى وجهك أيضاً" (سفر الخروج، 10: 24 - 29).

وبعد أن أصيب فرعون وقومه بموت الأبكار ذكرت التوراة استسلام فرعون وإطلاقه لبني إسرائيل، حيث قال فرعون لموسى: "قوموا اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعاً. واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم * خذوا غنمكم أيضاً وبقركم كما تكلمتم واذهبوا، وباركوني أيضاً" (سفر الخروج، 13: 31 - 32).

من هذه النصوص نرى النازلات المتوالية من فرعون، فأول الأمر سمح لهم بعبادة الرب في الأرض دون الذهاب بعيداً، ثم بعد ذلك سمح للرجال فقط بالذهاب دون الأولاد والمواشي، ثم سمح لهم جميعاً دون المواشي، ثم أخيراً وبعد أن تكررت الضربات - حسب سياق التوراة - سمح لهم ولمواشيهم بالخروج لعبادة الرب.

كما جاء في التوراة تحديد سن موسى وهارون عند تكليمهما لفرعون، كما يدل على ذلك النص: "وكان موسى ابن ثمانين سنة وهارون ابن ثلاث وثمانين سنة حينما كلما فرعون" (سفر الخروج، 7: 7).

وتدل أيضاً على أن فرعون هو الذي طلب من موسى آية، كما في النص: "إذا كلمكما فرعون قائلاً: هاتيا عجيبة تقول لهارون خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فتصير ثعباناً" (سفر الخروج، 7: 9).

ثالثاً: المقارنة:

يتمثل الفرق بين القرآن والتوراة في حوار موسى لفرعون بالأمور الآتية:
1- جاء في القرآن الكريم بيان ربوبية الله سبحانه وتعالى للعالمين أجمعين، أما التوراة فقصرت ذلك على العبرانيين وآبائهم.


2- حوار موسى لفرعون في التوراة مقصوراً على طلب إخراج بني إسرائيل من مصر، وليس فيها إشارة إلى دعوته إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله سبحانه: ﴿ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى *اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى *وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات:15 - 19].


3- لم يرد في القرآن الكريم نسبة شعب بني إسرائيل إلى الله بقول: (شعبي)، أما التوراة فكانت تركز على هذا المعنى.


4- جاء في القرآن الكريم بيان ما وصل إليه فرعون من الطغيان، وذلك بادعائه للربوبية والألوهية، وليس للمصريين فحسب، بل زعم أنه إله موسى، وهدده إذا لم يقبل ذلك بالسجن. أما التوراة فلم تدل على ذلك، وكان التركيز فيها على طغيان فرعون فيما يتعلق بالشعب الإسرائيلي.


5- جاء في التوراة اعتراض موسى (عليه السلام) على ربه سبحانه وتعالى بالرسالة، ووصفه بأنه أساء إلى هذا الشعب، وأنه لم يخلصهم من فرعون. لذلك لم يستجب له فرعون وزاد في تسخير بني إسرائيل. وأما في القرآن الكريم، فإن الله سبحانه وتعالى قد ذكّر بني إسرائيل بصنوف النعم التي أنعم بها عليهم، ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47].


6– تضمن حوار موسى (عليه السلام) لفرعون في القرآن الكريم التعريف بالله سبحانه وتعالى، وبيان ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأما في التوراة فلم يظهر في الحوار شيء من ذلك.


7- جاء في القرآن الكريم خذلان فرعون أمام موسى (عليه السلام)؛ وذلك بإيمان السحرة الذين استعان بهم فرعون على موسى (عليه السلام)، وأما التوراة فإنها تذكر للسحرة مواقف جيدة ومقابلة لما جاء به موسى، مما كان سبباً في زيادة طغيان فرعون وعدم استجابته، كما سبق بيان ذلك في الحديث عن الآيات.


8- لا يحتوي القرآن الكريم على معطيات خاصة بعمر موسى وهارون عندما تحدثا إلى فرعون، بينما تؤكد التوراة على عمر موسى (عليه السلام) على أنه ابن ثمانين سنة وهارون ابن ثلاثة وثمانين سنة.

نجاة موسى وقومه

وهلاك فرعون وقومه

أولاً: في القرآن الكريم:

يصور القرآن نجاة موسى وهلاك فرعون بقوله سبحانه: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ *فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ *فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ *فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ *وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ *وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ *ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ﴾ [الشعراء:57 - 66]. يتضح من هذا السياق أيضاً ثقة موسى من نصر ربه له وتأييده وخذلان أعدائه وذلك حين خشي قومه إدراك فرعون لهم.

وفي موضع آخر يأتي تصوير حال فرعون عند الغرق بقوله سبحانه: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس:90 - 92].

هكذا كان هلاك فرعون وجنوده، فإن موسى وقومه لما اكتملوا خارجين من البحر، واكتمل فرعون وقومه داخلين فيه، وهمّ أَوّلُهم بالخروج منه أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم، فارتطم عليهم فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس:90]، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان. ذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين. ورماه البحر على ناحية ليتحقق الناس موته ويكون لهم آية [3، جـ2، ص 431 ؛ 5، جـ 18، ص 241؛ 21، جـ 11، ص ص 270، 271].

وقد جاء في السنة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: ((لما أغرق الله فرعون، قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل. فقال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر[12] فأدسه في فيه، مخافة أن تدركه الرحمة))[13]، [14].

ثانياً: في التوراة:

تذكر التوراة أن موسى وقومه خرجوا من مصر، كما يدل على ذلك النص: "وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى. طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً * وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم. فسلبوا المصريين" (سفر الخروج، 13: 35، 36). وكان هذا الأمر من موسى بناءً على أمر الرب له بذلك.

وتصف التوراة نجاة موسى وقومه وغرق فرعون وقومه بالنص: "ومد موسى يده على البحر فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل، وجعل البحر يابسة، وانشق الماء * فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم * وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم جميع خيل فرعون ومركباتهم وفرسانهم إلى وسط البحر * وكان في هزيع الصبح أن الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين * وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقلة. فقال المصريون نهرب من إسرائيل؛ لأن الرب يقاتل المصريين عنهم * فقال الرب لموسى: مد يدك على البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم * فمد موسى يده على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة والمصريون هاربون إلى لقائه. فدفع الرب المصريين في وسط البحر * فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون[15] الذي دخل وراءهم البحر. لم يبق منهم ولا واحد" (سفر الخروج، 14: 26 - 29).

ثالثاً: المقارنة:

تتمثل المقارنة بين القرآن الكريم والتوراة في نجاة موسى وقومه وهلاك فرعون وقومه بالأمور الآتية:
1- جاء في التوراة ذكر استعداد الإسرائيليين للخروج من مصر بسلب المصريين حليهم وأمتعتهم وذلك بأمر موسى لهم بناءً على أمر الله له بذلك، كما نسبوا إلى الله قوله: "فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين * بل تطلب امرأة من جاريتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم. فتسلبون المصريين" (سفر الخروج، 3: 21، 22).

وهذا النص يدل على خيانة الإسرائيليين للمصريين؛ لأن السلب في اللغة بمعنى الاختلاس، والله سبحانه وتعالى لا يأمر بالغدر والخيانة والاختلاس، وقد ورد في القرآن الكريم إشارة إلى ما كان مع المصريين من الحلي بقوله تعالى عن بني إسرائيل في جوابهم لموسى: ﴿ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا ﴾ [طه:87].

قال الطبري: "اختلفت القراء في قراءة ﴿حملنا﴾، فقرأ عامة قراء المدينة وبعض المكيين: ﴿ حُمِّلنا ﴾ بضم الحاء وتشديد الميم بمعنى أن موسى يحملهم ذلك. وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة وبعض المكيين: ﴿ حَمَلنا ﴾ بتخفيف الحاء والميم وفتحهما. بمعنى أنهم حملوا ذلك من غير أن يكلفهم حمله أحد. قال أبو جعفر: والقول عندي في تأويل ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى؛ لأن القوم حملوا، وأن موسى قد أمرهم بحمله، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب" [4، جـ 16، ص 199].

وذهب بعض المفسرين إلى معنى آخر، فقال القرطبي: "قيل: هو ما أخذوه من آل فرعون، لما قذفهم البحر إلى الساحل. وسميت أوزاراً بسبب أنها كانت آثاماً، أي: لم يحل لهم أخذها، ولم تحل لهم الغنائم، وأيضاً فالأوزار هي الأثقال في اللغة" [5، جـ11، ص 156]. وقال الشنقيطي في تفسير كلمة ﴿ أوزاراً ﴾: "قال بعض العلماء معناها الأثقال. وقال بعضهم: معناها الآثام. ووجه القول الأول أنها أحمال من حلي القبط الذي استعاروه منهم. ووجه الثاني أنها آثار وتبعات؛ لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب، وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي؛ ولأن الغنائم لم تكن تحل لهم. والتعليل الأخير أقوى" [7، جـ 4، ص 496].

الحاصل أنه لم يرد في القرآن الكريم أمر الله ولا أمر موسى لبني إسرائيل أن يسلبوا المصريين كما جاء في التوراة.


2- تذكر التوراة أن الرب أشرف على عسكر المصريين بعمود نار فأزعج عسكرهم، وخلع بكر مركباتهم، حتى أدرك المصريون ذلك فأرادوا الهرب، ولم يرد في القرآن شيء من ذلك، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى نصر موسى وقومه ولكن ليس كما تذكر التوراة.


3- جاء في القرآن الكريم الإشارة إلى إيمان فرعون عند الغرق، ولكن هذا الإيمان لم ينفعه، كما في قوله سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس:90،91] فلم يقبل الإيمان من فرعون لفوات وقته. وأما التوراة فلم تشر إلى شيء من ذلك.


4– أوضح القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى نجا فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه آية كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 92]. وأما التوراة فلم تشر إلى شيء من ذلك.

الخاتـمة

بعد استعراض دعوة موسى (عليه السلام) لفرعون في القرآن والتوراة، ابتداءً بكيفية تلقي موسى للوحي، ثم ما أيده الله به من الآيات، وكذلك حواره مع فرعون، وأخيراً نجاة موسى (عليه السلام) وقومه وهلاك فرعون وقومه، تبين مخالفة التوراة للقرآن الكريم بأمور، أهمها ما يلي:

1 - جاء في التوراة حصر ألوهية الله سبحانه وتعالى للعبرانيين وآبائهم.

2 - جاء في التوراة تسمية الله سبحانه وتعالى بأسماء غير مفهومة ولا تحمل معنى حسناً.

3 - جاء في التوراة نسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى.

4 - جاء في التوراة عدم تسليم موسى عليه السلام لربه في بعض ما يأمره به.

5 - جاء في التوراة ذكر قدرة سحرة فرعون على مقابلة موسى ببعض الآيات.

6 - جاء في التوراة وصف موسى بالألوهية لفرعون، ووصف هارون بالنبوة لموسى.

7 - جاء في التوراة تمييز بني إسرائيل بأنهم شعب الله.

8 - جاء في التوراة وصف الله سبحانه وتعالى بالإساءة إلى بني إسرائيل.

9 - جاء في التوراة أمر الله لبني إسرائيل بسلب المصريين.

10 - تذكر التوراة أن الله نزل وحارب مع الإسرائيليين.

هذه المخالفات من التوراة للقران الكريم وغيرها تدل دلالة واضحة على ما في التوراة من التحريف والتبديل الذي أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم حيث يقول: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء:46].

فنعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التثبيت والرضوان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المراجع

1 - الأعظمي، محمد ضياء الرحمن. اليهودية والمسيحية. المدينة المنورة: مكتبة الدار، 1409 هـ.

2 - ابن تيمية، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم. "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح". د. م.: مطابع المجد التجارية، د. ت.

3 - ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل. "تفسير القرآن العظيم". د. م: دار الفكر، 1400هـ/ 1980م.

4 - الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، "جامع البيان". القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1373 هـ.

5 - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد. "الجامع لأحكام القرآن". بيروت: دار الكتب العلمية، 1413 هـ.

6 - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. "لسان العرب". بيروت: دار صادر، د. ت.

7 - الشنقيطي، محمد الأمين. "أضواء البيان". الرياض: المطابع الأهلية. 1403هـ/1982م.

8 - ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن. "زاد المسير". المكتب الإسلامي.

9 - الألوسي، شهاب الدين السيد محمد. روح المعاني. بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1405هـ.

10 – الشوكاني، محمد بن على. "فتح القدير". د. م: دار الفكر، د. ت.

11 - ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل. "البداية والنهاية". بيروت: مكتبة المعارف، 1402هـ.

12 - ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل. "قصص الأنبياء". تحقيق عبد المجيد طعمه حلبي. بيروت: دار المعرفة، 1420هـ.

13 - السعدي، عبد الرحمن بن ناصر. "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان". الرياض: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1410هـ.

14 - الرازي، الفخر محمد بن عمر. "التفسير الكبير". بيروت: دار الكتب العلمية، 1411 هـ.

15 - كحالة، عمر رضا. "معجم قبائل العرب"، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1412هـ.

16 - ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد. "الفصل في الملل والأهواء والنحل". بيروت: دار الجيل، 1416هـ/1996 م.

17 - فتاح، عرفان عبد الحميد. "اليهودية عرض تاريخي". عمّان: دار عمار، 1417هـ.

18 - العقاد، عباس محمود. "الله". ط5. القاهرة: دار المعارف، د. ت.

19 - شلبي، أحمد. اليهودية. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1997م.

20 - قطب، سيد. "في ظلال القرآن". بيروت: دار الشروق، 1406هـ.

21 - ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله. "عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي". د. م: دار الكتاب العربي، د. ت.

22 - الترمذي، الحافظ محمد بن عيسى بن سَوْرة، السنن. بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ت.

23 - ابن حنبل، الإمام أحمد. "المسند". تحقيق أحمد شاكر. القاهرة: دار المعارف، 1368هـ.

24 - الألباني، محمد ناصر الدين. "صحيح سنن الترمذي"، بيروت: المكتب الإسلامي، 1408هـ.

25 - السيد صالح، سعد الدين. "العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية". عين شمس: دار التابعين، 1416 هـ.

[1] ما يمسى بـ"الكتاب المقدس" ينقسم إلى قسمين، القسم الأول يسمى العهد القديم، والقسم الثاني يسمى العهد الجديد، والعهد القديم هو القسم الخاص باليهود ويتكون من 39 سفراً، على خلاف بينهم في عدد الأسفار، والأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم تسمى التوراة، أو أسفار موسى، أو الناموس (1، ص 101).

[2] يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما التوراة، فمن المعلوم عند المسلمين واليهود والنصارى أن بيت المقدس خرب الخراب الأول، وخلا أهله منه وسبوا، ولم يكن هناك من التوراة نسخ كثيرة ظاهرة، بل إنما أخذت عن نفر قليل كما يقولون: إن عزيراً أملاها، وإنهم وجدوا نسخة أخرى فقابلوها بها. والمقابلة تحصل باثنين، وقد يغلط أحدهما [6، جـ 2، ص ص 18، 19].

[3] قال ابن الجوزي: وللمفسرين في معنى طوى ثلاثة أقوال: أحدها: أنه اسم للوادي، والثاني: طإ الوادي، والثالث: أنه قدس مرتين [8، جـ 5، ص ص 274، 275].

[4] لا يعني ذلك عموم رسالته، فعموم الرسالة خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

[5] عن وهب بن منبه قال: شجرة من العليق وبعض أهل الكتاب يقول: إنها من العوسج، وقال قتادة: هي من العوسج، وعصاه من العوسج [3، جـ 3، ص 389]

[6] كان مسكن الكنعانيين من بحيرة طبريا إلى البحر الأبيض من الغرب، وكانت حكومتهم من أقوى الحكومات في أرض فلسطين عند دخول بني إسرائيل فيها [1، ص 18؛ 15، جـ 3، ص 1001].

[7] من الشعوب الهند وأوروبية القديمة، كانت مملكتهم من شمال سوريا إلى البحر المتوسط إلى جبال لبنان [1، ص 18].

[8] الأموريون نزحوا في القرن الثلاثين قبل الميلاد من جنوب غربي آسيا واستولوا على بابل. كما استولوا على أجزاء من سوريا وفلسطين، وقبل خروج بني إسرائيل من مصر افتتحوا ما وراء الأردن من نهر أرنون في الجنوب إلى جبل جرمان في الشمال [1، ص 18].

[9] (أهيه الذي أهيه ) فسرها الدكتور عرفان عبد الحميد فتاح بـ(أنا من أنا)، وهذا المعنى لا يتناسب مع سياق الكلام؛ لأنه قال بعد ذلك: أهيه أرسلني إليكم. فدل على أن (أهيه ) اسم (17، ص31).

[10] قال الدكتور عرفان عبد الحميد فتاح: (يهوه) هو اسم الإله القومي لإسرائيل، إله الآباء الأول: إبراهيم وبنيه، ونسبةً إليه جاءت التسمية باليهودية [17، ص 22].

[11] و(تلقف) لها معنى أبلغ من هذا، وهو أنها تبتلع بسرعة [6، جـ 9، ص 321].

[12] أي: طينه الأسود.

[13] أي: خشية أن يقول: لا إله إلا الله. فتناله رحمة الله.

[14] أخرجه الترمذي في سننه، وقال: هذا حديث حسن [22، جـ 5، ص 287]. والإمام أحمد في المسند، حديث رقم 2821. والحديث صححه أحمد شاكر في تحقيقه لمسند الإمام أحمد [23، جـ 4، ص 295] والألباني في صحيح سنن الترمذي [24، جـ 3، ص 61].

[15] هناك خلاف بين المؤرخين حول شخصية فرعون الذي غرق في البحر، هل هو رمسيس، أو منفتاح، أو تحتمس الثالث. ورجح أحمد شلبي أنه منفتاح [25، ص 62 ؛ 19، ص 73].

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/19284...#ixzz2UktM2xVW
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرد على شبهة أن القرآن الكريم من تأليف سيدنا محمد عليه السلام نور الإسلام هدي الإسلام 0 17-05-2013 06:25 PM
الاحتكار دراسة فقهية مقارنة مزون الطيب كتب ومراجع إسلامية 0 09-02-2012 01:36 PM
شبهة سيطرة الشيطان و السجود للأصنام - دراسة مقارنة مزون الطيب هدي الإسلام 0 30-01-2012 05:37 PM
موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله مزون الطيب كتب ومراجع مسيحية 0 13-01-2012 08:09 PM
هل شكّ القرآن في عدد قوم يونس عليه السلام؟ نور الإسلام هدي الإسلام 0 10-01-2012 06:06 PM


الساعة الآن 09:38 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22