صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (3)

كيف تعامل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الناس؟ (مواقف عملية) فاطمة محمد عبدالمقصود العزب مراعاة النفسيات المختلفة مع اتفاق بني البشر في طبائعَ معينةٍ، إلا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-05-2013 ~ 03:27 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (3)
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012



كيف تعامل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الناس؟
(مواقف عملية)
فاطمة محمد عبدالمقصود العزب


مراعاة النفسيات المختلفة

مع اتفاق بني البشر في طبائعَ معينةٍ، إلا أن الله خلَق لكل إنسان شخصيَّةً خاصة به، وطباعًا تتعلق به وحده، يتوارثها أو يكتسبها من بيئته، كما أنَّ لكل فرد نفسيَّةً خاصة تحتاج لفهم؛ حتى لا نسبِّب الأذى، أو نقلل شأن أحد دون وعي أو إدراك، وهذا فن آخر يعلِّمنا إياه رسولُ الإنسانية - صلَّى الله عليه وسلَّم - من خلال تعامُله مع صحابته ومع غيرهم من أفراد المجتمع في المدينة.
ولنتأمل بعضًا من تعامله مع تلك النفسيات المتباينة، كيف تعامل معها جميعًا، وجمعها في وحدة واحدة، وعلى طريق واحد؟
تعامله مع الصديق - رضي الله عنه -:

فها هو مع صاحبه وخليله أبي بكر يقدِّر له تلك النفس الرقيقة، ويختاره صاحبًا له في الهجرة، ولم يقل حينها: أنا أحتاج إلى رفيق قوي يحمي الدعوة؛ وإنما رآه رجلَ تلك الرحلة - والتي كانت من كبرى أحداث الإسلام - بل كاد أن يتوقف عليها مستقبلُ الدعوة بأكملها، ثم ها هو يختاره في أشدِّ اللحظات حرجًا؛ ليؤكد أنه الأصلح لخلافته.
لَمَّا مرِض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرَض الموت، واشتد عليه الوجع، لم يستطع القيام ليصلِّي بالناس، فقال وهو على فراشه: ((مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس))، قالت أم المؤمنين عائشة بنت الصديق - رضي الله عنها -: إن أبا بكر رجل أسيفٌ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس؛ أي: من شدَّة التأثر والبكاء، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعلَم ذلك عن أبي بكر، أنه رجل رقيق يغلِبه البكاء، خاصة في هذا الموطن، لكنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يشير إلى أحقيَّة أبي بكر بالخلافة من بعده، فأعاد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمر: ((مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)) حتى صلَّى أبو بكر.
تعامله مع عمر بن الخطاب:

وتعامل - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع عمر القوي الجريء في الحق الذي لا يرضى بالدَّنِية، وزكَّى شجاعته
وقوته بتلقيبه بالفاروق، وبقوله له: ((ما لقِيك الشيطان قطُّ سالكًا فجًّا، إلا سلك فجًّا غير فجك))[1].
وهنا في هذا الموقف نجد لعمر حضورًا يسعد به النبي.
لقد خرج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أصحابه إلى بدرٍ، فلما سمع بخروج قريش عرَف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلى ساحة المعركة كرهًا، ولن يقع منهم قتال على المسلمين.
فقام - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أصحابه وقال: ((إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقِي منكم أحدًا من بني هاشم، فلا يقتله، ومن لقِي أبا البَخْتَرِيِّ بن هشام، فلا يقتله، ومن لقِي العباس بن عبدالمطلب عمَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا يقتله؛ فإنه إنما خرج مُستكرَهًا)).
وقيل: إن العباس كان مسلمًا يكتم إسلامه، فلم يحبَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يقتله المسلمون.
كانت هذه المعركة أول معركة تقوم بين الفريقين: المسلمين وكفار قريش.
وكانت نفوس المسلمين مشدودة، فهم لم يستعدوا لقتال، وسيقاتلون أقرباء وأبناء وآباء.
وهذا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمنعهم من قتل البعض، وكان عتبة بن ربيعة من كبار كفَّار قريش، ومن قادة الحرب، وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع المسلمين، فلم يصبر أبو حذيفة، بل قال: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا، ونترك العباس؟! والله لئن لقِيتُه لأُلحمنَّه بالسيف.
فبلغت كلمتُه رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالتفت النبي - عليه الصلاة والسلام - فإذا حوله أكثر من ثلاثِمائة بطل، فوجه نظره فورًا إلى عمر، ولم يلتفت إلى غيره وقال: ((يا أبا حفص، أيُضرَب وجهُ عمِّ رسول الله بالسيف؟!)).
قال عمر: والله، إنه لأول يوم كنَّاني فيه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأبي حفص.
وكان عمر رهنَ إشارة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويعلم أنهم في ساحة قتال لا مجال فيها للتساهل في التعامل مع من يخالف أمر القائد، أو يعترض أمام الجيش، فاختار عمر حلاًّ صارمًا، فقال: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فمنَعَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورأى أن هذا التهديد كافٍ في تهدئة الوضع.
كان أبو حذيفة - رضي الله عنه - رجلاً صالحًا، فكان بعدها يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ، ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفِّرها عني الشهادة، فقُتل يوم اليمامة شهيدًا.
هذا عمر، كان - رضي الله عنه - يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه، فليس الأمر متعلقًا بجمْع صدقات، ولا بإصلاح متخاصمينِ، ولا بتعليم جاهل؛ وإنما هم في ساحة قتال، فكانت الحاجة إلى الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلى غيره؛ لذا اختار عمر واستثاره: ((أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟!))[2].
وهذا الموقف الآخَر الذي يرويه لنا الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود يؤكد لنا كيف زكى رسول الله صاحبيه الاثنين، ورأى في كلٍّ منهما شبهًا بأحد الأنبياء، فلم يعتب على أحد منهما في رأيه، وإنما رأى لكل منهما نفسيةً خاصة يصدُر عنها في رأيه؛ فقدَّر هذا ورحَّب به، فليتنا نتشبَّه بفعل رسول الله ونقتدي بفعله الكريم؛ فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لَمَّا كان يوم بدر قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟)) فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومُك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم، لعلَّ الله أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذَّبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم، وقال عبدالله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارًا، فقال العباس: قطعتَ رحمَك، فدخل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يردَّ عليهم شيئًا، فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عُمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبدالله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إنَّ الله لَيُلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألينَ من اللبن، وإنَّ الله ليَشدُّ قلوب رجال فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر، كمَثل إبراهيم - عليه السلام - قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، ومثلك يا أبا بكر كمثَل عيسى قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وإن مثلك يا عمرُ كمثَل نوحٍ؛ إذ قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، وإنَّ مثلك يا عمر كمثل موسى قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88]، ثم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنتم عالة، فلاَ يَنْفَلِتَنَّ منهم أحد إلا بفداء أو ضرْب عُنق)) [3].
تعامُله مع أبي ذر:

كان رسول الله بما أوتي من فَهْم، قد أدرك نفسية أبي ذر التي تكره الظلم، وتأخذ نفسها بالشدة والزهد، فوجَّهه إلى أن يكون نصيرًا للمحتاجين ثابتًا على مبدأ الحق، وإن خالفه الناس؛ ولأنه فَهِم تلك النفسية العازفة عن الدنيا قال له عندما طلب الإمارة يومًا:
يا رسول الله، ألا تَستعملني في أي منصب، قال: فضرب بيده على مَنْكِبي، ثم قال: ((يا أبا ذرٍّ، إنك ضعيفٌ، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي، وندامة إلا من أخَذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيه))[4].
تعامله مع أبي سفيان:

كان أبو سفيان من أكثر المشركين عداءً لرسول الله ولدعوة الإسلام، وكان أحدَ القُوَّاد الذين يقودون المعارك ضد رسول الله، ولكن رسول الله كان يودُّ له الخير، ويرجو أن يهديَه الله إلى دينه الحق؛ لذا تعامَل مع نفسيته التي تحب الفخر والتي اعتادت على مظهر القوة، وقدَّم له الدليل العملي على قوَّة الإسلام، وانتشار أمره في الجزيرة العربية؛ مما كان له أثرُه الكبير في نفس أبي سفيان؛ فاستجاب لداعي الحق وأعلَن إسلامه عَقِب الفتح.
ولْنَرَ في حديث العباس كيف تعامل الرسول مع أبي سفيان قائد جيش المشركين قبل إسلامه:
قال العبَّاس: قلتُ: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئًا، قال: ((نعَم، من دخَل دار أبي سفيان فهو آمِنٌ، ومن أغلَق بابه فهو آمِن، ومن دخل المسجد فهو آمن))، فلمَّا ذهب لينصرف، قال رسول الله: ((يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خَطْم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها))، قال: فخرجت حتى حبسته حيث أمرني رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومرَّت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة، قال: يا عباس، من هذه؟ فأقول: سُليم، فيقول: ما لي ولسُلَيم، ثم تمر به القبيلة، فيقول: يا عباس، من هؤلاء؟ فأقول: مُزينة، فيقول: ما لي ولِمُزينة، حتى مرَّ به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرى منهم إلا الحَدَق من الحديد، قال: سبحان الله يا عباس! من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة، ثم قال: والله يا أبا الفضل، لقد أصبح مُلك ابن أخيك اليوم عظيمًا، قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعَم إذًا، قال: قلت: النَّجاء إلى قومك.
إن في هذه القصة دروسًا وعِبَرًا وحِكَمًا في كيفية معاملة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للنفوس البشرية، ومن أهم هذه الدروس:
عندما أصبح أبو سفيان رهينة بيد المسلمين، وأصبح رهْن إشارة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهمَّ به عمر، وأجاره العباس، ثم جاء في صبيحة اليوم الثاني ليمثُلَ بين يدي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانت المفاجأة الصاعقة له بدل التوبيخ والتهديد والإذلال أن يدعى إلى الإسلام، فتأثر بهذا الموقف واهتزَّ كِيانه، فلم يملك إلا أن يقول: بأبي أنت وأمي يا محمد، ما أحلمَك وأكرمَك وأوصلَك! إنه يُفدِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأبيه وأمِّه، ويُثني عليه الخير كله: ما أحلمَك وأكرمَك وأوصلَك![5].
وعندما قال العباس للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئًا، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمِنٌ))، ففي تخصيص بيت أبي سفيان شيءٌ يُشبع ما تتطلَّع إليه نفسُ أبي سفيان، وفي هذا تثبيت له على الإسلام وتقويةٌ لإيمانه، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملاً على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان، وبرهن له بأنَّ المكانة التي كانت له عند قريش، لن تنتقص شيئًا في الإسلام، إن هو أخلَص له وبذل في سبيله، وهذا منهج نبويٌّ كريم، على العلماء والدعاة إلى الله أن يستوعبوه ويعملوا به في تعاملهم مع الناس[6].
تعامله مع نفسيات زوجاته:

مما لا شكَّ فيه أن زواجَ الرجل بأكثر من زوجة له نتائجُ كارثية في كثير من البيئات، ليس بسبب الزواج نفسه، ولكن لأنَّ الرجل الذي يتزوج لا يُحسن التعامل مع نفسية زوجتيه الأولى أو الثانية، فهو لا يقدِّر أن الغيرةَ أمر طبَعي في فطرة المرأة، فلا يعمل على علاجها أو التقليل منها، وهو كذلك لا يقدِّر ألَم الزوجة الأولى النفسي؛ لأنها مَن عاشت معه السنوات الأولى التي يكون فيها دائمًا الكثير من المصاعب التي تتحملها الزوجة راضيةً مع زوجها؛ لذا فإن رسول الله - الذي جمع بين تسعة نساء - يقدِّم لنا النموذج الراقي في التعامل مع النساء وغَيْرتِهنَّ الطبيعية، ولنَقرأ ذلك الموقف الذي حدث مع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وكيف كان متفهِّمًا لموقفها، وفي نفس الوقت كان يدعوها إلى تصحيح ما أخطأَت.
تروي أم سلمة أنها أتَت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، فجاءت عائشة متَّزرة بكساء، ومعها فِهْرة، فَلَقَتْ به الصحْفة، فجمَع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين فلقتَي الصَّحْفة، ويقول: كُلوا، غارَت أمُّكم مرتين، ثم أخذ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صَحْفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صَحْفة أمِّ سلمة عائشةَ[7].
تعامله مع الأعراب:

أما الأعراب، فهم أبناءُ بيئة جافَّة خشِنة، تجعل نفوسَهم أقربَ إلى الجفاء منها إلى الودِّ، يحتاجون في التعامل معهم إلى نفس هادئة حليمة، تَفهم طبيعتهم، وتقدِّر نفسيَّاتهم، فتبسط إليهم الودَّ؛ حتى وإن بدؤوك بالعدوان، فلنتعلَّم من مدرسة النبوة، ولنقف على بعض تلك المواقف التي تزيدنا حبًّا وتعلُّقًا برسولنا الكريم:
ولنستمع إلى أنس بن مالك يروي لنا:
كنت أمشي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعليه بُرْدٌ نَجْراني غليظ الحاشية، فأدرَكه أعرابي، فجبَذه بردائه جبْذةً شديدةً، حتى نظرتُ إلى صفحة عاتق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أثَّرت بها حاشيةُ البُرد من شدَّة جبْذته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم ضحك، ثمَّ أمر له بعطاءٍ[8].
إن هذا الأعرابيَّ لا يعجبه المنطق الدقيق، ولا الطبع الرفيق، قدْرَ ما يعجبه عطاءٌ يملأ جيبوبه، ويُسكن مطامعه[9].
وفي يوم أقبَل رجل إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأله مالاً، فأعطاه النبي الكريم قطيعًا من غنم بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه، فقال: ((يا قومِ، أسلموا؛ فإنَّ محمدًا يعطي عطاءَ مَن لا يخاف الفاقة[10].
مع الأنصار بعد غزوة حنين:

وإننا لنعجب من موقف الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأنصار بعد غزوة حنين؛ إذ أدرَك ما بنفوسهم، فتعامل مع نفسيَّاتهم المتأثرة بحبٍّ بالغ حتى بكَت قلوبهم، ودمعت أعينهم تأثُّرا وحبًّا لرسول لله، وإيثارًا لِما عند الله، فلله درُّه من معلِّم! وها هي القصة يرويها لنا أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -:
لَمَّا أصاب رسولُ الله الغنائم يوم حُنين، وقسَم للمؤلفة قلوبهم من قريش وسائر العرب ما قسَم، ولم يكن في الأنصار شيءٌ منها - قليل ولا كثير - وجَد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقِيَ والله رسولُ الله قومَه، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله، إنَّ هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم؟ قال: ((فِيمَ؟))، قال: فيما كان من قَسْمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شيءٌ، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فأين أنت من ذلك يا سعدُ؟))، قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعْلمني))، فخرج سعد فصرخ فيهم، فجمعهم في تلك الحظيرة، حتى إذا لم يبقَ من الأنصار أحدٌ إلا اجتمع له، أتاه، فقال: يا رسول الله، اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم، فخرج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقام فيهم خطيبًا، فحمِد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ((يا معشر الأنصار، ألم آتِيكم ضُلاَّلاً فهداكم الله، وعالةً فأغناكم الله، وأعداءً فألَّف الله بين قلوبكم؟))، قالوا: بلى! قال رسول الله: ((ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟))، قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نُجيبك؟ المنُّ لله ورسوله، قال: ((والله، لو شئتُم لقُلتم فصدَقتم وصُدِّقتم: جئتنا طريدًا فآويناك، وعائلاً فآسيناك، وخائفًا فأمَّنَّاك، ومخذولاً فنصرناك))، فقالوا: المنُّ لله ورسوله، فقال: ((أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا، تألَّفتُ بها قومًا أسلموا، ووكَلتُكم إلى ما قسَم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعْبًا وسلكت الأنصار شِعبًا، لسلكت شِعْبَ الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امْرأً من الأنصار، اللهمَّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار))، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ربًّا، ورسوله قَسْمًا، ثم انصرف وتفرَّقوا[11].

[1] - الراوي: سعد بن أبي وقاص - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3294.

[2] - استمتع بحياتك؛ د. محمد العريفي.

[3] السيرة النبوية؛ د .علي الصلابي.

[4] الراوي: أبو ذر الغفاري، المحدِّث: الألباني، المصدر: غاية المرام، الصفحة أو الرقْم (174).

[5]فقه السيرة النبوية؛ للغضبان، ص (564).

[6] السيرة النبوية؛ د. علي الصلابي.

[7]أم سلمة هند بنت أبي أمية، المحدث: الألباني، المصدر: إرواء الغليل، الصفحة أو الرقم (5/360).

[8]الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5809

[9] فقه السيرة؛ الغزالي.


[10]استمتع بحياتك؛ د. محمد العريفي.

[11]الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: الألباني، المصدر: فقه السيرة، الصفحة أو الرقم (395).
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (9) نور الإسلام هدي الإسلام 0 03-05-2013 03:35 PM
كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (8) نور الإسلام هدي الإسلام 0 03-05-2013 03:34 PM
كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (6) نور الإسلام هدي الإسلام 0 03-05-2013 03:32 PM
كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (4) نور الإسلام هدي الإسلام 0 03-05-2013 03:28 PM
كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع الناس (1) نور الإسلام هدي الإسلام 0 03-05-2013 03:11 PM


الساعة الآن 02:53 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22