صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

المحاضرة الخامسة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

د. محمود عبد الرزاق الرضواني 05-المحاضرة الخامسة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-2013 ~ 09:24 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي المحاضرة الخامسة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


د. محمود عبد الرزاق الرضواني


05-المحاضرة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه خير ما جازيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن رسالته ، أما بعد:
فقد وقفنا في المحاضرة السابقة على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (الذي يعبر عن منهج السلف الصالح) وبيانه لهذا المنهج في أبسط ما يكون ، فقد كان سلف الأمة في القرون الفاضلة في باب الاعتقاد على تصديق الخبر وتنفيذ الأمر، فابن تيمية يقسم الكلام تقسيماً عاماً إلى أخبار وإلى طلب وأوامر ، فالخبر يُصدق والأمر يُنفذ ، وليس لنا في باب الاعتقاد إلا هذا ، فإن أعمل الإنسان عقله فيما يتعلق بأوصاف ربه فسيضل ، فالقضية إذاً في باب الصفات تعتمد على أن نثبت ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
يريد ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يقول بأننا لو أدخلنا العقل فسنقع إما في التمثيل وإما في التكييف وإما في التعطيل وإما في التحريف، فلو أدخلنا عقولنا في وصف رب العزة والجلال فيما يتعلق بالغيبيات التي وردت في الأسماء والصفات فسنضل ، فكيف سيصف الإنسان رب العزة والجلال معتمداً على عقله دون وحي ولا تصديق بخبر؟
فإذا أراد الإنسان أن يصف الله تعالى بعقله فسيصفه من خلال ما يراه ، فسيقيس على الله سبحانه وتعالى من خلال مخلوقاته ، فيجعل الخالق فرعاً والمخلوقات أصلاً ويبدأ يقيس ، فسيقع إما في قياس التمثيل وإما في قياس الشمول.
وقياس التمثيل مثل أن يقول : "له وجه كوجهي"، وقياس الشمول مثل أن يقول : "له وجه كأي وجه" فلا يُحدد وجهاً بعينه ولكن يُعمم ، وقد لا يقيس بقياس التمثيل ولا بقياس الشمول ويتصور أن هذه الصورة لا يمكن أن تدل عليها النصوص ، فيعطل النصوص بدلاً من أن يعيب عقله ، فيقع في التعطيل ، وإن وقع في التعطيل فستبقى النصوص معطلة ، فيبحث عن مخرج فيلجأ إلى التأويل بغير دليل فيقع في التحريف ، وبذلك فإنه يكون قد جمع بين أنواع الضلال حين فسر نصوص الصفات أو الأسماء الحسنى عن طريق تأويل باطل بغير دليل ، وقد قلنا أن التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل والتكييف والتمثيل لأنه ما حرَّف إلا لأنه عطل ، وما عطَّل إلا لأنه كَيَّف ومَثَّل ، فجمع بين أنواع الضلال.
فالسلامة في هذا الباب في تصديق خبر الله تعالى ، فلا يقول أحد في وصف ثابت لله تبارك وتعالى : عقلي لا يقبل هذا. نقول: الله سبحانه وتعالى قد قبل هذا في حقه ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم وصف ربنا بذلك؟! ، ففي الحديث يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية ويقول لها : "أين الله ؟" ، والمعلوم أن "أين" للمكان ، فيأتي إنسان ويقول : "لا يجوز السؤال عن الله بأين لأن العقل لا يقبل ذلك ، فـ"أين" للمكان وكل من كان في مكان فهو محصور".
فماذا نقول في هذا الإنسان؟! يقول:لا يجوز السؤال بـ"أين" مع أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية بـ"أين" ، نقول له : هل أنت الذي تفهم والرسول صلى الله عليه وسلم يخفى عنه هذا الفهم ؟! فالله تعالى نزَّه نفسه عن وصف العباد له واستثنى وصف المرسلين فقال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (الصافات : 180) ثم قال تعالى﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فسلَّم الله تعالى على المرسلين في وصفهم لرب العزة والجلال لأنه وصف سليم يتطابق مع الواقع ، فحقيقية وصف الله تعالى هي في وصف المرسلين وليست في وصف فلان الأشعري أو فلان المعتزلي أو فلان الشيعي أو فلان الجهمي أو فلان الإباضي ، فهؤلاء جميعاً إذا أرادوا أن يصفوا الله تعالى قدَّمُوا عقولهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
نقول: كيف تُوصف الغيبيات من خلال العقل؟! ، فلذلك ضلَّ هؤلاء لما اعتمدوا على عقولهم في وصف ربهم ، فمنهم من يمنع وصفاً ثبت لله تعالى ، ومنهم من يُثبت لله ما لم يثبته لنفسه ، فيصف الله بأوصاف لم تَرِد بها النصوص ، والله تعالى يقول ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (الصافات : 180)ثم ختم تعالى بقوله: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(الصافات : 182 ) فلم ختم بالحمد؟
لأن هذا هو أعظم ما يكون في توحيد الأسماء والصفات ، فاحمدوا ربكم لأنه وصف نفسه لكم ، فإنه إن لم يصف نفسه لكم فلن تستطيعوا أن تصفوه ، وأنتم أفقر ما يكون إلى معرفة وصفه تبارك وتعالى، فختم تعالى بالحمد لأنه لو تركنا إلى عقولنا دون هداية من ربنا عن طريق رسولنا صلى الله عليه وسلم لحدث الضلال ولَمَا اهتدى أحد إلى معرفته تعالى وكان كل إنسان سيصف الله تعالى بعقله ، ولكن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه وعرَّف نفسه إلينا في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا مجال أمامنا إلا أن نصدق خبر الله تعالى ونحمده تعالى على هذا الذي هدانا إليه ، فالذي يتعلم منهج السلف الصالح ويفهمه جيداً ينبغي عليه أن يحمد الله تعالى الذي وفقه لهذا الفهم.
ولذلك فإن طلبة العلم إذا فهموا منهج السلف الصالح خاصة في توحيد الأسماء والصفات وجب عليهم أن يحمدوا رب العزة والجلال أن وفقهم إلى هذا ، لأن هناك الكثيرين من الناس محرومون من هذا الفهم ويظنون أنهم على حق ، ولذلك فقد قلنا أن الذي يفهم أصول الاعتقاد وخصوصاً في باب توحيد الأسماء والصفات وفي باب توحيد الربوبية وتوحيد القضاء والقدر وتوحيد العبادة وقضايا الإيمان فإن كل كلمة سينطق بها سيكون فيها حكمة ، وستجد في كلامه كلاماً متوافقاً مع مذهب السلف الصالح .
يقول شيخ الإسلام :وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه ، مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد، لا في أسمائه ولا في آياته.
إذاً ، المطلوب مِنَّا في هذا الباب هو التصديق ، فلو نفى الله تعالى عن نفسه وصفاً ننفيه ، ولو أثبت سبحانه وتعالى لنفسه وصفاً نثبته على مراد الله ورسوله ، فلا نُمثِّل ولا نُكيِّف ولا نُعطِّل ولا نُحرِّف ، فإذا لم يلتزم أحد بهذا المنهج وأدخل عقله فسيقع في الإلحاد.
والإلحاد هو الميل ، فمن مال عن هذا المنهج وقع في الترتيب المذكور ابتداءً من التمثيل ثم التكييف ثم التعطيل ثم التحريف ، فالوقوع في واحدة من هذه اسمه إلحاد ، ويقصد ابن تيمية رحمه الله تعالى بلفظة "إلحاد" المعنى اللغوي ، فإن قال قائل: هل معنى ذلك أن الأشعرية ملحدين ؟
نقول: المقصود هو المعنى اللغوي ، وليس معنى الإلحاد هنا أن الشخص خرج من الملة ، فالمعنى اللغوي للإلحاد هو أن يكون هناك منهجاً وتنحرف عنه ، فالإنحراف عنه ضلال ، وربما لا يشعر الشخص أنه على ضلال ، ولذلك استخدم ابن تيمية رحمه الله تعالى مصطلح التعطيل فسماهم معطلة لحسن نيتهم ، فهم يقولون أنهم ينزهون الله سبحانه وتعالى ، والحقيقة أنهم ضلوا فوقعوا في التمثيل والتكييف والتعطيل والتحريف دون أن يشعروا وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.
يقول شيخ الإسلام : فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف : 180 )
سنتكلم في قضية الإلحاد في الأسماء ، فإن كثيراً من الشراح الذين كتبوا في قضية الأسماء الحسنى اعتمدوا على رواية الوليد بن مسلم ، ومعلوم أن متن الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم.: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً ،من أحصاها دخل الجنة" متفق عليه ، ولا خلاف أن هذه الكلمات متفق عليها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. في الحديث المرفوع ، وبالإجماع فإن هذا الحديث لم يصح إلا من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، فالحديث إخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن لله سبحانه وتعالى تسعة وتسعين اسماً، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحصاها دخل الجنة " ، فقوله صلى الله عليه وسلم. "أحصاها" يلزم منه أن تكون هذه الأسماء في الكتاب والسنة ، لأن أول مراتب الإحصاء هو الجمع والتتبع ، فمن أين سنجمعها؟ بالطبع من الكتاب والسنة ، ولا يوجد وحي آخر غير الكتاب والسنة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم. يقصد بقوله: "من أحصاها" أي أحصى ما في الكتاب وما في السنة ، ولا يقصد إحصاء الأسماء الكلية لرب العزة والجلال سواء كانت في الكتاب والسنة أو استأثر الله بعلمها ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد - وإن كان الحديث فيه كلام فقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ، بينما لم يصححه الشيخ شعيب الأرنؤوط، وخلافهما كان على راوٍ فإن كان هو فلان الثقة فالحديث صحيح وإن كان الراوي هو فلان الضعيف فالحديث ضعيف- والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم. :".............أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك.........." ، فالذي استأثر الله تعالى به لم يُظهره لأحد ، فهناك أسماء استأثر الله تعالى بها ، فأسماء الله تعالىالكلية أكثر من العدد الموجود في الكتاب والسنة
وأما حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً ،من أحصاها دخل الجنة " فيدل على أنه بإمكانية أي شخص فينا أن يحصي ما في الكتاب وما في السنة ، وإلا ما يذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لا تقدر الأمة على فعله ، فالحديث ليس المقصود منه حصر أسماء الله الحسنى الكلية ، ولكن السؤال الآن : هل الأسماء التي في الكتاب والسنة تسعة وتسعون أم أكثر من ذلك؟ ، هذا هو السؤال الذي ظلت الأمة الإسلامية على أن الحديث ليس المقصود منه الحصر وأن العدد أكثر من تسعة وتسعين اسماً ، فلماذا قالوا بذلك؟
لأنه لم يوجد أحد تتبع كل الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة ، وطالما أنه لم يقم أحد بتتبعها بجانب أن تتبع هذه القضية ليس أمراً سهلاً فلم يستطع أحد أن يقول أن الأسماء الحسنى تسعة وتسعين بنصهم ، إنما القضية كانت في بيان الدليل .
فقولهم بأن أسماء الله تعالى غير محصورة في تسعة وتسعين ، هل المقصود بذلك أسماء الله الكلية الغيبية وغير الغيبية (أي الأسماء التي في الكتاب والسنة ) ، أم أن المقصود الأسماء التي في الكتاب والسنة فقط؟
لما نقول أسماء الله الكلية فنقصد بها ما أنزلها الله تعالى في كتابه وما استأثر بها في علمه وما علمه أحداً من خلقه مثل الأنبياء أو الرسل أو الملائكة ، فهذا هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم : " أو علمته أحداً من خلقك" ، وليس المقصود بها أن يأتي أحد الآن ويقول: إن الشيخ الفلاني أعطانا اسماً من غير دليل ، لا من قرآن ولا من سنة، وإذا سئل من أين جئت بهذا الاسم فإنه يقول : حدثني قلبي عن ربي ، هل هذا يُقبل ؟ هل هذا مصدر لتسمية الله عز وجل؟!! ، فالصوفية عندهم باب يُسمى باب الإيحاء أو الخواطر ، وهذه الخواطر يعتبرونها وحياً في منزلة القرآن والسنة ، فيأتي شيخ ويقول : أنا اهتديت إلى اسم من أسماء الله الحسنى وهذا هو الاسم الأعظم وهو سر ولن أقوله لأحد ، فيوهم أتباعه بأنه اسم الله الأعظم ، وأما إذا جاء باسم وقال عنه أنه اسم الله الأعظم ويكون هذا الاسم قد ورد في القرآن والسنة ، نقول له : هذا اسم من ضمن الأسماء التي سمى الله تعالى بها نفسه لورود الدليل ، وأما أن تأتي باسم لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة بحجة قوله صلى الله عليه وسلم "أو علمته أحداً من خلقك" فلن نقبله لأنه لا يوجد وحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن أين نعلم أن هذا اسم لله تعالى؟
فالمقصود بأسماء الله الكلية هي ما علمنا وما لم نعلم ، ولكن هل الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة تسعة وتسعين اسماً أم أكثر ؟
ابن حزم قال بأن الأسماء لا تزيد عن تسعة وتسعين ، وقد ظن البعض أن ابن حزم يقصد الأسماء الكلية ، لكن ابن حزم لعله يقصد الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة ، وبدأ ابن حزم يبذل جهداً ويحاول أن يستخرج الاسم بنصه، فاستخرج رحمه الله تعالى أربعةً وثمانين اسماً ، ولم يأت بالباقي ، ولذلك قالوا بأن الأسماء ليست محصورة في تسعة وتسعين اسماً ، ولو كان ابن حزم يستطيع لاستخرجهم .
ما زلنا أمام السؤال وهو: هل الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة تسعة وتسعين اسماً أم أكثرأم أقل ؟
بالبحث عن إجابة لهذا السؤال في كلام أهل العلم السابقين جميعاً في كل ما كتبوه عن أسماء الله الحسنى لا تجد بأن أحداً قال بأن الأسماء الحسنى الموجودة في الكتاب والسنة بنصها أكثر من تسعة وتسعين أو أقل من تسعة وتسعين ، فلا توجد إجابة واضحة ، ولكنهم يقصدون أن أسماء الله الحسنى أكثر من تسعة وتسعين على معناها الكلي ، وطالما أن الكتاب والسنة كلام مدون وأصبح الآن محصوراً فيسهل تتبعه ، ولكن من الصعب قراءته كلمة كلمة ، لكن لما نجد الآن الحاسب قد جمع ذلك كله ، ويفرز كل ما قيل في أسماء الله الحسنى ، فكانت النتيجة أن هناك تسعة وتسعين اسماً مطلقاً وردوا بنصهم ، ما معنى "وردوا بنصهم"؟ المعنى أن الاسم ورد بذكر رب العزة والجلال أو الرسول صلى الله عليه وسلم نصاً ، فورد اسم "الخالق" بنصه ، وليس أنه ورد "خلق" وحولته إلى "الخالق"، وإنما ورد اسماً نصاً في القرآن أو في السنة ، وبعد استخراج التسعة وتسعين اسماً بقيت أسماء كثيرة جداً، والأسماء التي تبقت لم أعرف عددها ، لكن لما بُحثت بعد الإعتراضات التي حدثت في هذه القضية وأن هناك أسماء قد تُركت - مع أن هذه الأسماء التي تُركت مقيدة - وُجد أن الأسماء المقيدة التي وردت بنصها في الكتاب والسنة (المضافة أو المقيدة تقييداً صريحاً أو الاسم المنقسم في معناه إلى كمال ونقص عند التجرد فيقيد بموضع الكمال) عددها تسعة وتسعون أيضاً، ولم نجد غيرها بعد جمع كل كلام العلماء وفرزهم على الحاسب ، فالنتيجة كانت وجود تسعة وتسعين اسماً مطلقاً وتسعة وتسعين اسماً مقيداً وردوا بنصهم دون اشتقاق ، فالاسم ورد إما في كتاب الله تعالى ، وإما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه المعلومة جديدة ولم تكن موجودة في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلا يمكن لابن تيمية أن يجد الاسم بنصه ويقول أنه ليس باسم ، فإذا قال أحد: إن هناك أسماء زيادة على هذه الأسماء ، نقول له :"أنت المُطالَب بأن تأتي بالزيادة" ، فلما لم يكن هناك إلا تسعة وتسعون اسماً مطلقاً ، كان سيأتي بالزيادة من الأسماء المقيدة ، ولكن الآن نقول أن هناك تسعة وتسعون اسماً مطلقاً وتسعة وتسعون اسماً مقيداً فنقول: لو زدت على هذا العدد فعليك أن تأتي بالدليل ، لكن طالما أننا نقول بأن هناك تسعة وتسعون اسماً مطلقاً وتسعة وتسعون اسماً مقيداً ، ففي هذه الحالة ظهر مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً" أنه يقصد الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة ، وهذا يعتبر إعجازاً في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ما هو وجه الإعجاز ؟
أننا كنا نتصور - وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة - أن العلة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"مائة إلا واحد" بعد قوله :"إن لله تسعة وتسعون اسماً" التأكيد على أن العدد تسعة وتسعون ، وهذا ورد في جميع الروايات التي يبلغ عددها خمساً وأربعين رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ولكنك إذا نظرت لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ستجد أنه ذكر التسعة وتسعين بطريقتين، طريقة فيها نص مطلق وطريقة فيها نص مقيد ، فقوله : "إن لله تسعة وتسعين اسماً" هذا نص مطلق ، وقوله :"مائة إلا واحد" هذا نص مقيد ، فهي مائة واستثنى منها واحدا ، فمن خلال التقييد بواحد ظهر التسعة وتسعون ، فلو أنك بحثت في القرآن وفي السنة عن أسماء الله ستجد تسعةً وتسعين اسماً مطلقاً وتسعةً وتسعين اسماً مقيداً .
فقد يقول أحد: يُمكن أن يحدث اختلاف بين المطلق والمقيد ، فأنت ترى أن هذا مطلق وغيرك يرى أنه مقيد ، نقول: أنت عندك المقيد والمطلق ، فالذى تراه مقيداً ضعه في المقيد والذي تراه مطلقاً ضعه في المطلق ، فطالما أن الخلاف أصبح محصوراً في اسمين أو ثلاثة في هذا العدد فلا يؤثر فيه، وهذا لضخامة السنة فهناك كمية كبيرة من الأحاديث.
فنقول :إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال : "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً " لا يعني إلا ما ورد في الكتاب و السنة ولا يعني أسماء الله الكلية وبهذا تستقيم الأمور، فإن جئت إلى اسم لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ولا دليل عليه والشخص هو الذي اشتق واستحدث لله اسماً بُناءً على معنى أو فعل ، ففي هذه الحالة نقول له: لا ، طالما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كلاماً وظهر أنه حقيقة ، فالصحيح أني أصدق الله في خبره عن طريق ما سمى نفسه به فأُثبت ما أَثبته الله لنفسه .
يقول قائل: الدكتورمحمود ألزم الناس باجتهاده من خلال الأسماء التي عرضها.
نقول: هذا الكلام غير صحيح لسبب واحد وهو أن باب العقيدة مبني على تصديق الخبر وتنفيذ الأمر ، فأنا أستخرجت أخبار الله التي وردت في القرآن والسنة والتي فيها نص الأسماء المطلقة ونص الأسماء المقيدة ، هل سيسع مسلم أن يردها طالما أن عليها الدليل؟!!!
هذه هي المشكلة فليس هناك شيخ سيجد أسماء وردت بنصها مطلقة وأسماء وردت بنصها مقيدة ويقول هذه ليست أسماء ، وطالما أن الأمر كذلك فالإلزام هنا ليس بكلام الدكتور ولكن الإلزام من قِبَل اعتقادك في أصول العقيدة أن أي اسم ورد بنصه لا يسعك أن ترده، أما إذا كان هناك كلام أخطأت فيه أو كلمة لم أعبر عنها تعبيراً صحيحاً نضرب بها عرض الحائط ،ولكن طالما الأسماء وردت بأدلتها فلو ملت عنها أصبح ذلك إلحاداً لأن القصد أن نلتزم بتصديق خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلو قال لك أحد: إن في الكتاب والسنة أكثر من تسعةٍ وتسعين اسماً ، فقل له: استخرجها ، فسيقف عاجزاً ، فالله تعالى سخر لنا تقنية الحاسب الآلي ، ولا يُقال أن هذه الأسماء فيها نظر ، فطالما أنها وردت بنصها فلا يكون هناك نظر ، فقد تقول: هذا الحديث ضعيف ، أقول لك: إني اعتمدت على تصحيح الشيخ الألباني وعلى تأكيد كلام الشيخ الألباني من خلال اثنين أو ثلاثة من العلماء المعاصرين أو القدامى ، وهذا كان منهجنا في الحكم على الحديث إن كان صحيحاً أم ضعيفاً ، فلو قال أحدٌ: إن هذا الحديث ضعيف ، نقول: لا إشكال ولكن لو صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسع أحد أن يرده؟!
بالطبع لا، فأصول العقيدة ستجمعنا وطالما أن الأمور هكذا فسنلتقي يوماً من الأيام إن شاء الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام :فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى:﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف : 180 )الإلحاد له عدة أوجه ، فمن صور الإلحاد :
المحاضرة الخامسة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif أن تسمي الله تعالى بما لم يُسم به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
المحاضرة الخامسة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif أن تنفي اسماً سمَّي الله تعالى به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
المحاضرة الخامسة :  شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله image001.gif أن تشتق لأسماء الآلهة والمعبودات أسماء من أسماء رب العزة والجلال كاشتقاقهم "العُزى" من "العزيز" و"اللات" من "الإله" ، وهذا الوجه من أوجه الإلحاد هو الذي يذكره العلماء في تفسير قوله تعالى: :﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف : 180 )

وأيضاً هناك قضية في الإلحاد في الأسماء نود أن ننبه عليها وهي قضية أن الاسم عند السلف الصالح وفي معتقد أهل السنة والجماعة يدل على ذات الله وعلى الصفة التي تضمنها الاسم بالمطابقة ، ويدل على أحدهما بالتضمن.

فلو قال أحد بأن الاسم يدل على الذات فقط ولا يدل على الصفة بالمطابقة فقد وقع في الإلحاد لأنه مال عن الواقع وهو ما يجب أن يكون في أسماء الله تبارك وتعالى ، والذي قال هذا الكلام هم المعتزلة ، فمن قال بأن الاسم يدل على الذات بالمطابقة مذهبه مذهب معتزلي ، فالمعتزلة يقولون : الله عالم بذاته أو عالم بعلم هو ذاته ، ويمكن أن تقرأ هذا الكلام في بعض كتب السلف الصالح ، وهذا خطأ من الذي كتب وليس اعتقاداً ، فالشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى في كتاب معارج القبول قال: "إن اسم الله الرحمن يدل على الذات بالمطابقة" وهذا خطأ لأن هذا هو مذهب المعتزلة ، فالاسم يدل على الذات بالتضمن وعلى الصفة بالتضمن وعلى الذات والصفة معاً بالمطابقة ، والذي يؤكد بأن هذا القول كان خطأً منه رحمه الله تعالى أنه قال بعدها أن الاسم يدل على الصفة بالتضمن ، وأفضل من تكلم في هذا هو الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى فقال بأن الاسم يدل على الذات بالتضمن وعلى الصفة بالتضمن وعلى الذات والصفة بالمطابقة.
يقول شيخ الإسلام : وقال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (فصلت:40).
ماذا يقصد ابن تيمية رحمه الله تعالى بالإلحاد في الآيات؟
قلنا بأن الإلحاد هو أن تميل بالآية عما يجب أن تكون عليها ، فابن تيمية رحمه الله تعالى يقصد بالإلحاد في الآيات التأويل بغير دليل ، فالإلحاد في الأسماء -كما ذكرنا- هو أن تسمي الله تعالى بما لم يسم به نفسه أو أن تترك اسماً سمى به نفسه فلا تأخذه ولا تعتقده أو أن تشتق من أسماءِ الله أسماء لمعبودات أخرى أو ما شابه ذلك ، وأما الإلحاد في الآيات فهو أن الآية يكون لها معنى يدل على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيأتي الموؤل بغير دليل ويصرف هذا المعنى بالتأويل الباطل ، فابن تيمية رحمه الله تعالى يُسمي هذا إلحاداً ، وقد قلنا أن أصل الإلحاد هو الميل عما يجب أن تكون عليه الآية.
فقد قال الله سبحانه وتعالى :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى : 11) ، فهذا يدل على إثبات وصفين ذاتيين لله تعالى وهما وصف السمع ووصف البصر، وهذه الآية ذكرها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في قصة خلق القرآن لما قال له إسحاق بن إبراهيم (والي الخليفة على بغداد): ماذا تقول في القرآن؟ ، قال أحمد : "هو كلام الله ولا أزيد على ذلك" ، فأرادوا أن يجعلوه يُوقِّع على وثيقة مكتوب فيها :"أشهد أن الله واحد أحد ، فرد صمد ليس قبله شئ ولا بعده شئ ولا يُشبه أحداً من خلقه في معنىً من المعاني ولا وجه من الوجوه "، فأبى الإمام أحمد أن يُوَقِّع على هذه الوثيقة ،وقال : "أنا لن أوَقِّع على هذه الوثيقة ولكن أقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ فقال أحد المعتزلة: "يا أمير إنه يقول سميع بأذن وبصير بعين "
وهذا الذي قاله المعتزلي إلحاد ، فالآية لا تدل على ذلك أبداً .
فقال للإمام أحمد : ماذا أردت بقولك "ليس كمثله شىء وهو السميع البصير"؟
قال أحمد رحمه الله تعالى: أردت منها ما أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذه العبارة التي طلبوا من الإمام أحمد أن يوقع عليها عبارة مجملة ، لأن هناك قدر مشترك وقدر فارق، فما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق ، فمن نفى القدر المشترك فقد عطَّل ومن نفى القدر الفارق فقد مثَّل، فقد يكون النص مشتركاً بيننا وبين الخالق عند التجرد ، فمثلاً عندما نقول: زيد سميع والله تعالى سميع ، ما هو القدر المشترك بين الإثنين؟
القدر المشترك بين الاثنين هو صفة السمع عند التجرد ، فلفظ (سميع) يُمكن أن يضاف إلى أي شىء، ولكن إذا قلنا "سمع الله" فهو غير سمع البشر، فنحن نعلم كيفية سمع البشر، وأما سمع الله تعالى فلا نعلم كيفيته لأننا لم نره ولأنه ليس هناك مثيل ، فالله تعالى يسمع بكيفية تليق به يعلمها هو ولا نعلمها نحن ، وهي كيفية حقيقية موجودة ، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، أما المعتزلة فإنهم يستخدمون قياس التمثيل وقياس الشمول ، وعندما لا تعجبهم الصورة التي تخيلوها يُعطلون النص ثم بعد ذلك يؤولون بغير دليل ، وابن تيمية رحمه الله تعالى يسمي التأويل بغير دليل إلحاداً وتحريفاً ، وهذه المصطلحات من أدق ما يُمكن في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
يقول شيخ الإسلام : فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى: ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأعراف : 180 ) ، وقال تعالى: :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(فصلت:40).يقول رحمه الله تعالى بأن الله تعالى ذَمَّ الذين يلحدون في أسمائه وآياته ، ففي الآية الأولى ذكر ربنا تعالى الإلحاد في الأسماء وأن هذا جُرم لا يجوز في حق الخالق ، وفي الآية الثانية ذكر تعالى الإلحاد في الآيات .
وقد ذكر الله تعالىاليهود ووصفهم بالتحريف ، وهناك نوعين من التحريف:
الأول: قال تعالى فيه:﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ(المائدة:13) ، والثاني قال فيه :﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (المائدة:41) ، فهناك تحريف لفظي وهناك تحريف معنوي ، فالتحريف المعنوي هو أن يترك الآية كما هي ولكنه يأتي ويضع الآية على معنىً لا يريده الحق سبحانه وتعالى ولا يريده رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو التحريف المعنوي المذكور في قوله تعالى : :﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ(المائدة:13)، أما التحريف اللفظي فهو أن يحذف الآية أو يستبدل حرفاً بحرف، وكلا النوعين كان يعملهما اليهود ، سواء كان التحريف اللفظي أو التحريف المعنوي .
ومن صور الإلحاد في الآيات أن يأتي أحد بمعنى باطني للآية لا يقصده الحق سبحانه وتعالى ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن عربي في تفسير قوله تعالى: ﴿(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (الجمعة:9) ،فيوم الجمعة الذي يقصده الحق سبحانه وتعالى معلوم ولا يحتاج إلى بيان ، فيوم الجمعة هو اليوم الذي يأتي بعد يوم الخميس وقبل يوم السبت ، والذي نصلي فيه صلاة الجمعة ، فهذا هو المعنى الظاهر ، وأما الباطنية والصوفية وغيرهم ممن كان يُقرمط[1] في نصوص الكتاب فيقصدون بيوم الجمعة شيئاً آخر وهو أن يوم الجمعة هو يوم الاجتماع على الخلق ، بحيث يظهر الحق في الخلق ويظهر الخلق في الحق ، وهذا هو كلام ابن عربي، فابن عربي الذي كان يقول بفكرة وحدة الوجود يقول : "ليس هناك خالق ومخلوق ، فهذا العالم كله هو ربنا ، لكنه يظهر في أشكال متعددة، فتراه في صورة رجل أو امرأة أو إنسان أو حيوان أو طير، فالناس ترى هذه الصور كثرة، ونحن نراها وحدة".
ويقول بأن الذين يرون هذه الصور كثرة هم أهل الشرك ، ويقول بأن الله هو الذي ظهر في صورة محمد وصورة أحمد وصورة مصطفى وصورة علي وصورة يهودي وصورة نصراني ...........، ولذلك فهو يصحح كل الأديان على أساس أن الله يظهر في كل شئ ، بل ويقول: "طالما أن الله يظهر في ذلك كله فإنه يظهر فيَّ أنا أيضاً" ، ولذلك يقول:
فإنا أعبدٌ حقــــاً وإن الله مولانا وإنَّا عينه فاعلم إذا مــا قلتُ إنساناً
فلا تُحجب بإنسانٍ فقد أعطاك برهانا فكن حقاً وكن خلقاً تكن بالله رحمانـا
قوله : "فإنا أَعبدٌ حقاً " أي أنه يرى أناساً كثيرين ، وهذه اسمها كثرة.
وقوله: "وإن الله مولانا" على أساس أن هناك خالق وهناك مخلوق .
ثم قال :"وإنا عينه فاعلم إذا ما قلتُ إنساناً" ..أي: نحن هو ، فلا تظن أن هؤلاء أشخاص كثيرون ، فربنا واحد وهو هذا العالم ولكنه يظهر في صورة أشكال كثيرة.
وقوله: "فلا تُحجب بإنسانٍ فقد أعطاك برهانا" أي لا تنظر للشخص على أنه إنسان ، فإنه الله تعالى ولكنه ظهر في صورة هذا الإنسان.
وقوله: "فكن حقاً وكن خلقاً تكن بالله رحمانا" ، أي أنه لا فارق بين خالق ومخلوق ، ونحن الذين ألهتنا الكثرة وتركنا الوحدة.
فيقصدون بيوم الجمعة أنه اليوم الذي تفهم فيه أن هذه الكثرة هي التي يتجلى الله فيها أو أنه ظاهر من خلالها .
هل ليوم الجمعة عندهم وقت مخصوص؟
لا ، يقول ابن عربي : "وكل أيام الُلقى يوم جمعة " أي أن الوقت الذي تفهم فيه أنك إله ، أو أن الله يظهر في صورتك فأنت بذلك أدركت معنى يوم الجمعة وحضرت صلاة الجمعة .
فهذا اسمه نظام قرمطة أو نظام باطني أو نظام إلحاد في آيات الله ، وهذا الذي يقصده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام : وقال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(فصلت:40). (فصلت:40).
فالذي يأتي آمناً يوم القيامة هو الذي صدق الله في خبره وأثبت ما أثبته لنفسه ونفى ما نفاه الحق سبحانه وتعالى عن نفسه.
يقول شيخ الإسلام :فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات ، مع نفي مماثلة المخلوقات ، إثباتاً بلا تشبيه ، وتنزيهاً بلا تعطيل، كما قال تعالى: :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى : 11) ففي قوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى : 11) رد للتشبيه والتمثيل ، وقوله: :﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى : 11) رد للإلحاد والتعطيل.
قوله: "فطريقتهم" أي طريقة السلف الصالح .
قوله: "إثباتاً بلا تشبيه" لأن الله تعالى يقول : :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى : 11) ، وقلنا أن التشبيه عند ابن تيمية رحمه الله تعالى هو التكييف ، والمكيف يستخدم قياس الشمول ، ولا يستخدم قياس الشمول إلا وقد مر على قياس التمثيل ، ولذلك ذِكره هنا للتشبيه أدق من لو كان ذكر التمثيل.
وقوله: "وتنزيهاً بلا تعطيل" لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ،فأثبت لنفسه سبحانه أوصاف الكمال.
فبذلك وحدنا الله تعالى ونزهناه عن مشابهة المخلوقات ، فما استخدمنا في حقه قياس التمثيل ولا قياس الشمول لقوله تعالى﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (الإخلاص : 4 ) ولقوله:﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم :65 ) ، فكل هذا يدل على تنزيه الحق سبحانه وتعالى عن مماثلة المخلوقات .
يقول شيخ الإسلام : ففي قوله:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد للتشبيه والتمثيل
نجد في هذه العبارة دقة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فعندما يُعربون "ليس كمثله شئ" يقولون : إن الأصل أن نقول "ليس مثله شئ" ، والكاف زائدة .
نقول: هي ليست زائدة ، فالكاف تنفي التكييف وقياس الشمول ، والمِثل ينفي قياس التمثيل ، فكلمة "كمثله" في موضعها لتنفي نوعين من القياس يكونان في البشر وهما قياس التمثيل وقياس الشمول.
يقول شيخ الإسلام : وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ رد للإلحاد والتعطيل.
يقصد بالإلحاد أن تميل بالنص أو الآية أو الاسم عما يجب أن يكون عليه من إظهار مراد الله ورسوله ، فمثلاً قال المعتزلة: "إن الله سميع بذاته بلا سمع ، واسم السميع لا يدل على صفة السمع" .
نقول: هذا إلحادٌ في اسم الله "السميع" ، فما معنى قولهم: "سميع بذاته بلا سمع" ؟
معناه أن الله تعالى اسمه "السميع" ولكن بلا معنى ، فليس فيه الصفة، فهو سميع لكنه لا يسمع ، وهذا كما نقول عن شخصٍ اسمه "سعيد" وهو تعيس ، أو اسمه "منصور" وهو مهزوم، فهذه أسماء بلا أوصاف ، فالمعتزلة أرادوا ذلك في أوصاف الله تعالى، وهذا إلحاد.
ففي حق المخلوق قد تكون الأسماء أعلاماً على الذات فقط ولا تدل على الأوصاف، مثل أن يكون الشخص اسمه "سعيد" وهو تعيس ، أما في حق الخالق فلابد أن تكون الأسماء أعلام وأوصاف ، فالله تعالى "سميع" ، فالسميع علم على ذاته تعالى وتتضمن أيضاً صفة السمع ، فاسم الله "السميع" دل بالمطابقة على ذات الله وصفة السمع ، ودل على ذات الله وحدها بالتضمن وعلى صفة السمع وحدها بالتضمن ، أما لو قالوا بأن الله تعالى سميع بلا سمع فقد شبهوه بالمخلوق الذي يُمكن أن يكون اسمه "سعيد" وليس فيه صفة السعادة فهذا إلحاد منهم في أسماء الله .
وأما الإلحاد في آيات الله فيكون بتأويل النص بلا دليل، كأن يأتي إلى قوله تعالى:﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه : 5 )، فيؤول "استوى" بمعنى "استولى" ، فهذا إلحاد ، والسبب في ذلك أن هذا ليس هو المعنى المراد وليس هذا ما يقصده الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلمl، بل إن الله تعالى يريد بقوله:﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ما فهمه الصحابة وأصحاب اللغة بأن الله تعالى بذاته فوق عرشه على كيفية تليق به ، يعلمها هو ولا نعلمها نحن .
يقول شيخ الإسلام : والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل ......
إن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام دقيق وجميل ، فطريقة الفطرة في المدح هي أن تُفصِّل في الإثبات وأن تُجمل في النفي ، فتخيل مثلاً أن إنساناً أراد أن يمدح أميراً ، فبدلاً من أن يمدحه بالإثبات المفصل والنفي المجمل نفى عنه النقائص تفصيلاً فقال له : يا أيها الأمير أنت لست بزبال ولا كناس ولا حمار ولا نسناس ، ولست كفلان سئ الخلق .......و......وأخذ يعد له كل أوصاف النقص وينفيها عنه وصفاً وصفاً.
هل يليق هذا التفصيل في النفي أم أن يقول :"ليس لك أيها الأمير نظير فيما رأت عيناي"؟!
فقوله "ليس لك أيها الأمير نظير فيما رأت عيناي" إجمال في النفي، فنفى عنه النقص إجمالاً ، وهذه هي الفطرة، فالإنسان عندما يمدح أحداً فإنه يمدح بالتفصيل في الإثبات والإجمال في النفي ، وهذه هي طريقة السلف الصالح وطريقة القرآن والسنة ، فعندما ينفي الله تعالى النقص عن نفسه ينفيه مرة واحدة فيقول :﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ؛ وأما المخالفين عندما يصفون الله تعالى يقولون : ليس بجسم ولا بعرض وليس له أعضاء ولا طويل ولا قصير ولا وسط ولا بذي لون ولا بذي مجسة ولا بذي رائحة ولا أبيض ولا أحمر ولا أصفر ولا أخضر ولا يتبعض ولا يتجزأ ......و......
فهذا يُسمَّى تفصيل في النفي ، فلما تجد شخصاً يكتب في أول كتابه : الله ليس بكذا ولا بكذا.............، فقد علمت مذهبه دون أن تقرأ باقي الكتاب ، وهذا ستجده في أغلب كلام المتكلمين ، تجدهم يفصلون في النفي ، وأما طريقة السلف وطريقة القرآن والسنة هي الإجمال في النفي.
وقد قال الرازي في نهاية حياته: "لقد جربت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية (أي المعتمدة على التفصيل في النفي والإجمال في الإثبات) فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ،فأقرأ في الإثبات :﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
فإذا قرأنا قوله تعالى: :﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فنحن بذلك أثبتنا وصفاً وكذلك:﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ(فاطر:10) ،وكذلك:﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*ُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (الحشر:22-23) فهذا إثبات مفصل لأسماء وأوصاف لله تبارك وتعالى.
أما النفي فيكون مجملاً كقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (الإخلاص:4) وكقوله تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(الشورى : 11 )وكقوله تعالى: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (النحل:74) وكقوله تعالى ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم:65) فقد أجمل سبحانه وتعالى في النفي وفصَّل في الإثبات ، وهذه هي طريقة السلف الصالح ، وهذه هي طريقة الفطرة، ولذلك فإن أساس التوحيد أن تنفي النقص عن الله تعالى مطلقاً وإجمالاً وهو الذي يُمثل في كلمة "لا إله إلا الله" الكفر بالطاغوت ، فكل الآلهة الباطلة تنفيها ، فتقول "لا إله إلا الله "، فتُثبت أن الله هو المعبود بحق.
فلو قلنا بأن الله تعالى متوحد ومنفرد عن أي شئ وليس كمثله شئ ونفينا عنه مماثلته لكل المخلوقات ولم نُُثبت له وصفاً فما وحدناه ، ولذلك النفي عند السلف يؤدي إلى إثبات الصفات ، والنفي عند الخلف يؤدي إلى تعطيل الصفات .
فنحن نقول بأن الله تعالى ليس كمثله شئ في ربوبيته ، فلا رب سواه ، وليس كمثله شئ في أسمائه وصفاته ، وفي عبوديته لا يقبل شريكاً معه في العبادة ، فإما أن تعبده وحده وإما لا يقبل منك عبادة ، يقول الله تعالى:))أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (( فالعبادة يجب أن تكون خالصة لله بلا شريك ، فلا يجوز لك أن تعبده وتعبد معه غيره. فأهل التوحيد يعبدون الله وحده ولا يُشركون به شيئاً ، ولا يُطيعون غير الله في معصيته ،لأن طاعة غير الله في معصيته عن محبة عبادة لغير الله تعالى ، وهذا هو معنى الشرك ، وهو أن تُطيع غير الله في معصية الله وأنت راضٍ مُحب ، فقد يطيع الإنسان غير الله في معصية الله وهو كاره ، وقد استثنى الله تعالى المُكرَه في قوله تعالى:﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ(النحل:106) ، أما لو كان الأمر عن محبة وانشراح صدر فهي عبادة ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
يقول شيخ الإسلام : والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل، فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ، ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل ، كما قال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم : 65 )، قال أهل اللغة﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ، أي نظيراً يستحق مثل اسمه ، ويُقال: مسامياً :يساميه ، وهذا معنى ما يُروى عن ابن عباس : (هل تعلم له مثيلاً أو شبيهاً).
الدليل على النفي المجمل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى : 11 )، وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ( (الإخلاص:4) ، وقوله تعالى : ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم : 65 )،
الأسئلة:
إذا أثبتنا لله تعالى صفة السمع والبصر ، فهل نُثبت لله تعالى الأذن والعين كثبوت اليد؟
بالنسبة للصفة ، لا نستطيع أن نقول لفظ الأذن في حق الله تعالى لأنه تعالى لم يذكر هذا ، فلو ذكر الله تعالى الأذن لقلنا بها ، فكيفية السمع في حقنا تكون عن طريق الأذن ، وأما كيفية السمع عند الله فلكي نعلمها يلزمنا إما أن نرى ذلك بأعيننا ، وإما أن نرى له مثيلاً وإما أن يُخبرنا الله تعالى ، فالله تعالى ذكر بأن له يداً ونحن لنا يد ، ويد المخلوق معلومة الكيفية ، وأما يد الخالق فلم يرها أحد مع أن اسمها "يد" ، فلم ير أحد كيفيتها ولا يوجد مثيل نقيس عليه.
وأما بالنسبة لصفة البصر فإن الله تعالى ذكر العين ، فنقول بأن الله تعالى بصير بعين لأن الله تعالى نص على ذكر العين ، قال تعالى:﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا(الطور:48) ، وقال:﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي(طه:39) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدجال أعور العين اليمنى ، وإن ربكم ليس بأعور العينين" ، فمرة جاءت العين مفردة ومرة جاءت مثناة ومرة جاءت مجموعة ، وإن جاء اللفظ مفرداً أو مجموعاً يصح أن يُفسر بمعناه تأويلاً له بدليل ، فتفسر العين بالرعاية أو بالحفظ ، وأما إن جاءت في سياق التثنية ، فلا يؤول إطلاقاً .
ومثال ذلك : لفظ "اليد" فإنها تَرِد مفردة ومثناة ومجموعة ، قال تعالى :﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ(الفتح:10)، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ(يس:71) وقال تعالى:﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ(المائدة:64) ، وقال تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ(ص:75) ، فيجوز التأويل في حال الإفراد وفي حال الجمع لأن اللغة تقتضيه ، فيجوز أن تؤول اليد بمعنى القدرة أو بمعنى النعمة ، وأما إذا أولت في حال التثنية فهذا تحريف وإلحاد ، فإذا كان هناك شخص يقول بالتأويل ويؤول اليد فلا تستطيع أن تعلم مذهبه من خلال التأويل في حال الإفراد والجمع ، ولكن تعلم مذهبه من خلال كلامه في حال التثنية ، فإذا فسر قول الله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بأن اليد معناها القدرة وليست يد حقيقية ، فهذا مذهبه مذهب أشعري أو مذهب متكلمين ، لأنه في حال التثنية لا يُمكن أن تؤول بالنعمة أو القدرة.
هل "ذو الجلال والإكرام" من الأسماء أم من الصفات؟
"الجلال" وصف و"الإكرام" وصف ، و"الجليل" اسم ولكنه لم يثبت ، فليس من أسماء الله "الجليل" ، ولا يجوز لي أن أنادي على الوصف لأن الوصف لا يقوم بنفسه ، فيجب أن أضع اسماً من الأسماء الخمسة ، فأقول :"يا ذا الجلال والإكرام" وهذا اسم مركب ، فهو اسم مقيد وليس اسماً مطلقاً ، فـ "ذو الجلال والإكرام" اسم من الأسماء المقيدة فيُدعى بها كما ورد النص ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" ، ولكنه ليس من الأسماء المطلقة ، فالإسم المطلق كلمة واحدة تُفيد المدح والثناء على الله بنفسها.
هل قوله تعالى :"والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون" يثبت صفة اليد لله تعالى أم أنها بمعنى القدرة؟
في حال الإفراد أو الجمع مثل قوله تعالى : ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ يدل على إثبات اليد بجانب إثبات صفة من أوصافها ، فأحياناً تُذكر اليد ويُذكر صفة من أوصاف اليد ، فمثلاً من أوصاف اليد القوة ، لكن لا يُقال قوي لمن ليس له يد ، بل هو عاجز ، فإن قال لك أحد في قوله تعالى : ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْأن اليد هنا معناها القوة ، نقول له: لا بأس ، ولكنها تدل على إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، فاليد تُفسر بمعنى القوة مع إثبات الصفة ، لأن بعض الناس يريدون نفي اليد ظناً منهم أن إثبات اليد يؤدي إلى التشبيه .




والقرمطة نسبة إلى طائفة القرامطة الذين كانوا يفعلون في كلام الله عز وجل عجباً [1]

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المحاضرة السادسة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:25 AM
المحاضرة الرابعة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:23 AM
المحاضرة الثالثة : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:21 AM
المحاضرة الثانية : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:19 AM
المحاضرة الأولى : شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نور الإسلام المكتبة العامة 0 07-11-2013 09:18 AM


الساعة الآن 09:26 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22