صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

تلخيص كتاب سقوط العلمانية

بسم الله الرحمن الرحيم تلخيص كتاب (سقوط العلمانية) تأليف: أنور الجندي أعد الملخص: محمد فقهاء مدخـل: إنَّ العلمانية كلمة لها أكثر من مدلول، ولها تاريخ طويل،

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-05-2013 ~ 06:13 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي تلخيص كتاب سقوط العلمانية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص كتاب (سقوط العلمانية)
تأليف: أنور الجندي
أعد الملخص: محمد فقهاء

مدخـل:
إنَّ العلمانية كلمة لها أكثر من مدلول، ولها تاريخ طويل، وانتقَلَت مع الزمن من معنًى إلى آخر، ولفظة العلمانية ترجمة للكلمة اللاتينية (Secular)، ومعناها في لغة الأوروبيين: "لا ديني"، إلاَّ أنَّ الذين ترجَموها عن لغات الغرب حاوَلوا أن يُخفوا حقيقة هذه الكلمة؛ لئلا تَصطدم مع الواقع العربي، ولتبقى في نطاق العلم، وهذا من أجْل أن يبقى الهدف الحقيقي خَفي وراء اللفظ الذي هو أقرب الأسماء إلى نفوس المسلمين.

لقد نشَأت هذه الكلمة وهي على اتصال وثيق بالقول بالفصْل بين الدِّين والدولة، وكان لنشْأَتها أحداث تاريخيَّة معينة، ارتبَطَت بأوروبا وما دار فيها من أحداثٍ ومواقفَ بين الكنيسة، متمثِّلة في رجال الكنيسة من العلم والعلماء.

انتقَلَت هذه الكلمة إلى اللغة العربية وإلى العالم الإسلامي في ظلِّ ظروف غامضة، وتحت ضغوط قاسية؛ من أجْل استبدال الحُكم الإسلامي بالحُكم الوضعي، وحمَل لواءها دُعاة الاستشراق والتبشير، ومَن تابَعهم من أصحاب الفكر التغريبي، ثم ظهَرت هذه الدعوة واضحةً عند الدعوة إلى مذهب ديكارت، والقول بأنَّ الإسلام دين رُوحاني، وبروز ظاهرة دخول مذاهب ذات طابع مادي؛ مما أدَّى إلى تشكيل جماعات من الناس يحملون هذا الفكر، وهؤلاء أخذوا أماكن الصدارة في العديد من المجالات.

وكانت أوَّل مراحل العلمانيَّة في هذه البلاد العمل على نشْر النظريَّة الماديَّة والقانون الوضعي، ومنهج التربية والتعليم الأجنبي، والفصل بين الدِّين والدولة؛ للوصول إلى المرحلة النهائيَّة من العلمنة، وهو ما يسمونه بـ"تحرير الذات العربية من إطاراتها الغيبيَّة"، ويعنون بها الإسلام، وليس الدين بعامَّة، ومن خلال هذا يتبيَّن لنا أنَّ العلمانية لَم تكن فقط قاصرة نفسها على أنها دعوة إلى الفصل بين الدين والدولة، وإنما ترمي إلى أبعدَ من ذلك؛ إذ إنَّ الفصل بين الدين والدولة هو المرحلة الأولى في نظر أصحاب هذه الدعوة للوصول إلى علمنة الذات العربية نفسها؛ لتُسْقط كلَّ ما يتَّصل بفكرها وتراثها، ودينها وقِيمها إلى الأبد، وأن تَعتنق المنهج العلمي، وهو المنهج الذي يقوم على أساس قياس النظر إلى المجتمع والنفس، والأخلاق والإنسان جميعًا على النحو الذي تُقاس به العلوم الطبيعية على أساس الملاحظة والتجربة.

يظنون بتلك الدعوة أنَّ هذه الأمة تخرج عن الإسلام؛ لتعتنقَ فكرًا آخرَ، هذا الفكر العلماني الذي خلَق الصراعات الحادة، والقلق والتمزُّق والضياع، هذا الفكر الذي ذوَّب قلبَ البشرية في دوَّامة الألَم والمرارة، والخوف والجَزع التي أفضَت إلى الجريمة والمخدرات والانتحار، فهم يظنُّون أنَّ المسلمين بذلك يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، أو يستبدلون المنهج الكامل بالمنهج الناقص، فالإسلام أقامَ منهجه في المعرفة على أساس الوحي والعقل، وجعَل العقل هاديًا ومرشدًا، وبنَى الحياة على العمل، فهو ليس منهجًا غيبيًّا كما يقولون، ولكنَّه منهج متكامل، لا يقف عند حدود المحسوس والمادة وحْدهما، ولَم تضرِب به السُّبل للوصول إلى المعرفة الحقَّة، فالمسلمون قضَوا أربعة عشر قرنًا يُشكِّلهم هذا الفكر، وهذا الدين الذي جعَل منهم طابعًا مميزًا في العالم كله.

ومصدر هذه الدعوة إلى العلمانية من صُنع المخَططات التلموديَّة المرسومة في البروتوكلات الصِّهْيَونية، فهذه الدعوة معروفة المصدر، ومعلومة الأهداف؛ ولهذا فهي مردودة على أصحابها، ومن خلال معرفة مصدرها نعلمُ أنَّ العلمانية لَم تكن دعوة علميَّة لوجْه الحقِّ.

1 - العلمانية في الفكر والمجتمع الغربي:
كان ظهورُ العلمانية في الغرب شيئًا طبيعيًّا، فهي عندهم ظاهرة طبيعيَّة، وهذا ما هو إلاَّ بسبب قصور المفاهيم الدينية عندهم، وكان بجانب هذا القصور تلك الحملة الشَّرِسة التي شنَّتها الكنيسة على العلم والعلماء، فهذا هو الذي أدَّى إلى الدعوة إلى إقصاء الدِّين عن الحياة.

وهذه القضيَّةُ معروفة عبر التاريخ الممتد من خلال مراحل متعددة تحوَّل فيها الفكر الغربي من مرحلة إلى أخرى؛ ليصلَ إلى ما وصَل إليه الآن، ومعروف أنَّ أوروبا كانت وثنيَّة في بداية الأمر قبل دخول المسيحية عليهم، ثم دخَلَت المسيحية، وصارعَت الوثنيَّة، لتستقر على الصورة التي هي تشكيل من الفلسفة اليونانيَّة والقانون الروماني بإطارٍ من مفاهيم المسيحية الوافدة على أوروبا، والتي كانت تَختلف تمامًا عن طبيعة الدين الذي أنزَله الله على عيسى - عليه السلام - وبطبيعة الحال رسالة عيسى - عليه السلام - لَم تكن رسالة مستقلة بذاتها، وإنما كانت مكمِّلة للتوراة؛ مما أدَّى إلى اضطراب في المجتمع الروماني الذي له حضارة طابعُها وثني، لتأتي مفاهيم باسم المسيحية تغزو هذه الحضارة، وتتشكَّل معه في إطار واحدٍ، ومن هذه النقطة كان موقف الغرب منها وموقفها هي من العلم والنهضة التي قدَّمها المسلمون للبشرية، والتي وصَلَت في نهاية جوْلتها إلى أوروبا عن طريق الأندلس.

ومن هنا بدأ الفكر الغربي يشكِّل نفسه من جديد، من خلال مفاهيم العلم التجريبي، ومن خلال المفاهيم المسيحية الممزوجة مع الجذور الوثنيَّة الرومانيَّة؛ مما أدَّى بالحضارة الغربية لتعاني صراعًا حادًّا، وأزمة عميقة بين العلم والوثنية من ناحية، وبين مفاهيم الرهبانيَّة والإباحية من ناحية ثانية.

كان هناك عوامل حاسمة بعيدة الأثر في كلِّ ما مضَى، ألا وهو تيقُّظ الحركة اليهودية في أوروبا، ونشْر مفاهيم التوراة والتلمود، وتشكيل تحدٍّ خطير وهو الماسونيَّة، وكانت الثورة الفرنسية في طليعة هذا التحدِّي، وعَمِل اليهود على السيطرة على المجتمعات الأوروبية، عن طريق الدعوة إلى العلمانية، والمساواة بين المواطنين؛ ليخرج اليهود من الجيتو، وينتشروا في أخْذ مكانتهم في البلاد الأوروبية، وهذه خُطوة أُولَى؛ ليُسقطوا بعدها الدولة العثمانيَّة.

أهداف العلمانية:
1 - عزْل الدين عن المجتمع عزلاً تامًّا.
2 - عزل جانب الرُّوح والوحي - وكلِّ ما يتعلَّق بالدين والعقائد - عن الفكر والحياة.
3 - إعلاء كلمة العقل، والمادية، والإلحاد.

إذًا فالغاية من وراء العلمانية ضخمة؛ للسيطرة على مختلف آفاق الفكر والحياة؛ ولهذا فالعلمانية تيَّار ومذهب خطير، وعليها تقوم المذاهب المادية في مجال الفكر والاجتماع، والاقتصاد والسياسة والتربية، وبعبارة موجزة: شطْب الدِّين وإلغاؤه كليًّا عن مختلف طوابع الحياة والمجتمع والفكر.

2 - العلمانية في الفكر والمجتمع الإسلامي:
إنه منذ أن فرَض الاستعمار سلطانه على المجتمع الإسلامي، جرَت محاولات واسعة؛ لإقصاء المنهج الإسلامي، وإحلال المنهج العلماني بديلاً عنه، وهذا بدا واضحًا عند محاولة فرْض القانون الوضعي بديلاً عن الشريعة الإسلاميَّة، وإنشاء معاهد الإرساليَّات التبشيريَّة، والسيطرة على مناهج المدارس، وإخلائها من دراسات القرآن والإسلام، وكانت هذه الدعوة في أوَّل أمرها تنطلق من خلال النظام السياسي، وحاوَل الاستعمار أن يشكِّل منهجًا فكريًّا يعزل العرب والمسلمين عن جوهر فكرهم الأصيل، وفي ضوء هذا المنهج تشكَّلت مناهج التعليم الجديدة الخالية تمامًا من كلِّ ما يُفيد بأنَّ الإسلام دينٌ قائم على منهج كامل، وعَمِل على القضاء على الرابطة العربيَّة القائمة على أُسس عميقة الجذور؛ كاللغة والتاريخ، والدعوة إلى تحرير المرأة.

وقد تولَّى السياسة في تلك الفترة ذلك الجيل الذي شكَّله الاستعمار، والصحافة تولاَّها خرِّيجو معاهد الإرساليَّات الذين قَدِموا من الشام، وكانت هذه النُّخبة هي التي برَزَت في العالم الإسلامي كله - في كلِّ المجالات: السياسية والفكرية، والتعليمية والصحافة - من ذلك الرعيل الذي تخرَّج في مدارس التبشير على مذاهب التغريب الذي كان فكره الفصل بين الدِّين والمجتمع.

أمَّا في مجال القانون، فقد سيْطَر القانون الفرنسي، ثم وُضِع تقنين آخر أشدُّ إيغالاً في تركيز النفوذ الأجنبي، وهو القانون المدني، ثم زادَت السيطرة للتمهيد للإلغاء المحاكم الشرعيَّة.

ثم بعد هذه الفترة انكشَف عجْزُ هذه القوانين الوضعيَّة، وأوَّل هذه البوادر التي كَشَفت العجز، هي عدم تحقيق هذه القوانين الطمأنينة والأمن للمواطن، ثم بدا تحوُّل للاعتراف بأنَّ الشريعة الإسلامية مصدرٌ من مصادر التشريع، وأنها تشريع قائم بذاته، وأنه ليس مأخوذًا من غيره، وتَمَّ الكشْف عن عَظَمة الشريعة الإسلاميَّة، ثم أخْذها أساسًا للقوانين المدنية في كثيرٍ من البلاد العربية.

أمَّا في مجال التربية والتعليم، فقد ركَّز النفوذ الاستعماري قُواه الضخمة لتحقيق مفهوم العلمانية، من خلال تشكيل نماذج من النُّخبة والمثقفين بتجاوز الدين أساسًا، وكانت مهمة التغريب مركَّزة على إنشاء المدارس الأجنبيَّة، ومدارس الإرساليَّات التبشيريَّة؛ للقضاء على المدارس الإسلاميَّة.

ومن خلال هذا تُحقِّق العلمانية المحاولة الأولى لها، من خلال السيطرة على العقول، وكان هدف العلمانيين واضحًا من خلال سيطرته على العلم، واستقطاب النشء؛ لإخراجهم من قوالب الإسلام، وركَّزت على إخراج الشاب والفتاة من الوسائط التي تَخلق فيهم العقيدة والوطنية، والدفاعَ عن الحق.

أمَّا مجال الاقتصاد، فركَّز النفوذ الاستعماري على المصرف والنظام الرِّبوي، وسيْطَر على الحياة الاقتصاديَّة.

الفصل الأول: العلمانية والعلم:
ما هي العلاقة بين العلمانية والعلم؟
نادَى العلمانيون بالقول بأنَّ العلمانية هي دعوة إلى الاعتماد على الواقع المحسوس، ونبْذ كلِّ ما لا تؤيِّده التجربة، والتحرُّر من العقائد الغيبية التي هي في حدِّ زعمهم ضرْبٌ من الأوهام، وإنها هي التي تُضلل صاحبها، وهي التي تَحُول بينه وبين الوصول إلى أحكام موضوعيَّة مُحايدة.

وهذا المفهوم واضحٌ في ظلِّ ظروف معيَّنة وبيئة مُحددة، وفي العصر الذي ظهَر فيه، إلاَّ أنه لا يَصلح أن يكونَ منهجًا عالَميًّا أو إنسانيًّا، أو أن يكون مذهبًا صالحًا للتطبيق في مختلف البيئات والثقافات، وأكثر ما يكون متعارضًا هذا مع مفاهيم الفكر الإسلامي؛ لأنه يُعَدُّ قاصرًا وغريبًا، ولأنَّ منهج الإسلام قائمٌ على الموازنة بين كلِّ الجوانب، فهو يقوم على الدليل والبرهان، ويَعتمد على الوحي والعقل، ويُناسب الفطرة الإنسانية التي فُطِرت البشرية عليها، فالإسلام لا يقوم فقط على التجربة وحْدها؛ لأنه لو كان كذلك، لأهْمَل وتجاهَل عالَمًا واسعًا، لا تصل إليه الحواس، ولا يُدركه العقل، ولا تَصِل إليه التجربة، وهو عالَم الغيب.

فالعلمانية تنظر إلى العلم نظرة قاصرة، فهي تقف عند المحسوس، وهو جانب قليل مما يُتيح للبشرية من العلم الذي تفهمه وتؤمِن به.

وعلى هذا فإنَّ اشتقاق العلمانية من العلم خطأ، وهذا إنما هو تَمويه خطير، وزَيْف كبير؛ لأن العلم نفسه لا يقرُّ منهجًا ناقصًا، وهو أيضًا لا يرى أنَّ العلم التجريبي القائم على المحسوس وحْده هو العلم، والعلم الحقيقي إنما هو جِماع العلم كله؛ علم الحياة، وعِلْم ما بعد الحياة.

ومِن خلال تتبُّع منهج العلمانية ومعرفة حقيقته، يُعْلَم أنَّ العلمانية كانتْ تهدِف إلى تحقيق أمرٍ ما، وهو القضاء على منهج المعرفة الذي جاء به الدِّين الحق؛ ليُحَطِّم هذه الجوانب كلَّها، وتعمَّ حياة قائمة على أساس هذا الجزء القليل المتمثِّل في جانب علاقة الإنسان بالطبيعة وحْدها.

الفصل الثاني: العلمانية والفلسفة:
إنَّ كلَّ الدَّلائل تدلُّ على أنَّ النهج الذي سارَتْ عليه العلمانيَّة، هو نَهْج الفلسفة، وليس نَهْج العلم التجريبي؛ وذلك لأنَّ العلم التجريبي قصَرَ مجاله على علوم الطبيعة والرياضة، ولَم يتجاوزهما، ليَهتم بأمورٍ تتعلَّق بالإنسان والمجتمع، وأيضًا لأنه رجَع في الزمن الأخير، وخفَّض من غلوائه، واعترَف بأنه قَصَر مهمَّته على تفسير ظواهر الأشياء.

إذًا العلمانية هي من نتاج الفلسفة، وليستْ من نِتاج العلم، ولمعرفة وفَهْم التيارات الغربية على وجْهها الصحيح، لا بد من معرفة الفوارق بين العلم والفلسفة، فالعلم هو ما يجري داخل المعامل، أما الفلسفة فهي ما يقوله أصحاب الأيديولوجيَّات، والعلم واقعٌ قائمٌ على حساب وتجربة، أمَّا الفلسفة فهي نظرة عقْلٍ نافذٍ، وفرضيَّة رأي يُصيب ويُخطئ، والعلم هو حقائق قابلة للنقْض والتقدير، أمَّا الفلسفات فهي نظرات تخضع لظروف ومواصفات وتحدِّيات في العصر والبيئة، وبهذا فهي معرَّضة للخطأ والصواب، وصالحة لعصر دون آخر وبيئة دون أخرى، والعلم هو تُراثٌ مشترك بين سائر البشر، أما الفلسفات فهي خاصة بكلِّ أُمَّة؛ لأنها تَنبع وتَنبثق من خلال قِيَمها ودينها وتاريخها، فلكلِّ أُمَّة فلسفتها للحياة وأسلوبها فيه.

إنَّ أتْباع الفكرة العلمانية يقرِّرون أنَّ عقيدتهم ترفُض اعتبار الدين أساسًا لحياة الجماعات البشرية، وتدعو إلى الاعتماد على الواقع الذي يُدْرَك بالحواس، ونَبْذ كلِّ ما لا تؤيِّده التجربة.

ومن خلال هذا نعلم أنَّ العلمانية تعتمد على المنهج المادي والنظريَّة الماديَّة لتفسير حياة المجتمع، والمنهج التجريبي والعقل الخالص، وهذا هو الذي أطْلَق عليه العلمانيون النظرة العلميَّة.

وخلاصة هذا، فإنَّ العقل وحْده عاجزٌ عن أن يَصِل إلى الصواب، والعقل ليس مستقلاًّ بالإحاطة بجميع المطالب، وتمجيد العقل واعتباره سبيلاً وحيدًا للمعرفة ليس نظرية إسلاميَّة، وهذا ما قالَه وما وصَل إليه بعض الفلاسفة، فقال: إنَّ الذِّهن البشري وحْده لا يستطيع فَهْمَ حقائق الحياة.

الفصل الثالث: العلمانية والدين:
إنَّ أخطر ما تُعارِضه العلمانية هو الدِّين، وتتميَّز العلمانية بالتحرُّر من العقائد الغيبيَّة، والتحرُّر من العواطف، وهذا في تقدير العلمانيين بديل عن الدين، ومنهج العلمانيين يهدف إلى تفسير الحياة والمجتمع تفسيرًا حسيًّا دنيويًّا؛ ليحرِّر البشرية من الأديان التي تتَّسِم بالغيبيَّات والأساطير والحياة الآخرة، ورفْض اعتبار الدين أساسًا لحياة الجماعات البشريَّة.

وتقول بأنَّ الكون مُستقل في ذاته، وأنه تُفَسِّره القوانين والقوى التي تَشَكَّل منها، وأنه لا يحتاج إلى أيِّ قوَّة خارجيَّة، وبأنَّ الطبيعة والمجتمع في حركة وتغيير لا يَنقطعان، وأنَّ النشاط البشري لا يعرف الاستقرار.

وتقول أيضًا: مَهْما اختلفتِ الأديان في نظرتْها إلى الكون والمجتمع والإنسان، إلاَّ أنَّ نظرتها واحدة في النهاية، وهي أنها تَعتبر أنَّ العالم الذي نعيش فيه مَحطة انتقال إلى عالم أُخْرَوي، هذا هو موقف العلمانية من الدين باختصار.

والحق أنَّ العلمانية هي النتاج الأخير لمحاولات خطيرة منذ عصر التنوير في أوروبا؛ من أجْل هدف خطير تقوم به الأيديولوجيَّة التلموديَّة، وهو إحلال دين جديد بدلَ الدِّين الحقِّ المنزَّل من عند الله عن طريق الوحي، وإقامة مجتمع بشري متحلِّل ومتحرِّر من الألوهيَّة، وقائم على الرِّبا والجنس، والوثنيَّة والإباحيَّة، وهذه التجربة نَجَحت في الغرب نجاحًا فائقًا؛ مما شجَّع دُعاة العلمانية إلى حمْل المسلمين عليها، غير مُبالين بالفوارق بين العقائد والمِلل والنِّحل بين الغرب والشرق؛ ولهذا فقد كان الإسلام هو الصخرة الصمَّاء التي تعجز العلمانية على مُناطحتها بمختلف الأساليب والطُّرق؛ من تعليم وثقافة، وقانون وضعي، ومصارف وصحافة.

إنَّ العلمانية عندما وصَفَت الدِّين بأنه مجموعة من الغيبيَّات والأساطير، والخُرافات والأوهام، إنَّما كانت تَصِف واقعًا مُعاشًا أمامها، إلا أنَّ هذا الوصف لَم يكن على كلِّ دينٍ في حقيقة الأمر، وكل الأوصاف التي كانتْ تخرج منهم - حين يَصِفون أتْباع هذا الدين بأنهم أصحاب عقلية غيبيَّة - لا تقع على أصحاب بيئة أخرى، ومقولتهم بأنَّ الدِّين أفيون الشعوب، أو مصدر استبدادٍ وصراع، كلُّ هذا واردٌ على دين مُزَيَّف، ومن حقِّ العلمانية أن تردِّد هذه الأوصاف وتلك الكلمات على ذلك الدين التالف الزائف، وعلى الفكر المعروض باسم الدين.

أمَّا الإسلام فقد حرَّر البشريَّة من العقليَّة الغيبيَّة التي تقوم على الوهْم والتقليد الأعمى غير القائم على دليلٍ ولا برهان، وتُحرِّر البشرية مما أقامَه الفكر البشري من وثنيَّة وإلحاد وماديَّة؛ ولهذا لا يوصَف المنهج والفكر الإسلامي بأنه منهجٌ غيبيٌّ؛ لأنه منهج أكثر كمالاً، أمَّا عن عالم الغيب، فهو جزءٌ من منهج المعرفة الإسلاميَّة.

الفصل الرابع: العلمانية والإنسان:
قالت العلمانية بأنَّ الإنسانيَّة أصبَحَت راشدة، وهي ليستْ في حاجة لوصاية الدِّين، ورأْيها هذا رتَّبتْه على القول بأنَّ الإنسانية بدأَت ضالَّة، ثم بلَغَت درجة الرشد الذي به يحقُّ لها أن تتحرَّر من وصاية الدِّين.

إنَّ الفلسفة هي التي هدَّت العلمانية إلى هذا، وجعَلت العلم بديلاً لها عن الدِّين، وبه أصبَحَت البشرية راشدة، وليستْ بحاجة إلى وصاية الدين بوجود العلم، وهذا هو البديل الذي قدَّمته الأيديولوجيَّة التلموديَّة على قاعدة تقديم البديل قبل إلغاء الأصل.

إنَّ أزمة الإنسان الحديث هي أنه فقَد نِصف المعرفة الحقيقية، فجعَله هذا الفقدان يَعيش في قلقٍ وتمزُّق؛ لأنه اعتمَد فقط على العلم والعقل والمادة، فعاش في أزمة رُوحيَّة وحضاريَّة، جعلتْه يَشعر بوجود فراغٍ مُوحِش بداخله، يحتاج إلى حلٍّ ولا حلَّ له إلاَّ عن طريق الدين، وليس أي دين، وإنما الدين الحقُّ الذي يُجيب للإنسان على كلِّ ما يحتاجه من إجابات.

إن َّالعلمانية تقول بأنَّ نهاية الإنسان تكون بالموت، وهذا هو الذي وصَل بهم إلى طريق مسدود، فأيُّ قيمة للحياة إذا كان الموت هو نهاية الإنسان فيها؟ وأيُّ هدف وأي رسالة لهذا النظام الضخم الدقيق كله؟

إنَّ أخطر ما واجَهت الفلسفة المادية به الإنسان، هو أنها وضعتْه في قائمة الأشياء.

وإنَّ الفلسفة المثالية كانتْ غالية حين جعلَت الإنسان في مقام السيادة للكون، ثم جاءَت الفلسفة المادية أشدَّ غُلوًّا حين وضعتْه في قائمة الحيوانات والأحجار، وحاوَلَت أن تحكم عليه كما تحكم من خلال التجربة والمحسوس، فالإنسان ليس سيِّدَ الكون إلاَّ تحت حُكم الله، وهو مستخلف في الأرض بعقد الأمانة وميثاق التقوى.

إنَّ الفلسفة المادية هي التي قتَلَت الإنسان وأخرجته من موضعه الحقيقي، وجعلَته إلهًا، ثم جعَلته مادة ينطبق عليه ما ينطبق على الحشرات، ومِن هنا نشأَت أزمة وصراعٌ دَامٍ.

الفصل الخامس: موقفنا وموقف الغرب:
إنَّ العلمانية هي نتاج بيئة الغرب بكلِّ تحدِّياتها ومفاهيمها، والعلمانية مرحلة من المراحل الكثيرة التي قطَعها المجتمع الغربي والفكر الغربي؛ من أجْل تحقيق الفصل بين الوجود الاجتماعي عن الكنيسة والدِّين، وإنَّ محاولة نقْل العلمانية إلى بيئة أخرى تختلف تمامًا عن بيئة المَنْشأ يُعَدُّ تحدِّيًا كبيرًا؛ لأنَّ بيئة المَنْشأ قاوَمَت هذا الفكر وعارَضَتْه، وتُعارضه وتُقاومه إلى الآن؛ فلهذا لا يُمكن فرض العلمانية في بيئة أخرى لا يوجد فيها نفسُ الأوضاع التي في بلد المَنشأ.

إنَّ الغرب عجَز عن أن يلتمسَ مفاهيم الدين الحق، ووقَف من الإسلام موقِفَ العداء الشديد والخصومة المستعصية بدون أن يقِفَ على حقيقة، والغرب اليوم يفهم أزمته تمامًا، لكنه غير قادرٍ على الْتِماس الطريق الصحيح؛ يقول أحد علماء الغرب: "إنَّ دين أوروبا اليوم هو الماديَّة لا النصرانية، وإنَّ حضارة الغرب تعوزها الرُّوح".

والحقيقة أنه يوجد في أوروبا المعاصرة يَقَظة دينية، جعَلت العلمانية تَقِف موقِفَ العاجز عن متابعة السَّيْر، هذا يعني أنَّ العلمانية لَم تنجح في تحقيق غايتها في إقامة دولة ينحصر الدِّين فيها على الصعيد الفردي، والعلمانية يصعُب عليها أن تنجح في بلدٍ يكون فيه الشعور الديني يَقَظة، والواضح أنَّ القضاء على الشعور الديني لَم ينجح حتى في البلاد التي تَدين بالإلحاد رسميًّا.

إنَّ المجتمَع الغربي الذي وُلِدت فيه العلمانيَّة ونشَأت وترعْرَعت، يواجِهها اليوم بعُنف ويُعارضها بشدَّة، باعتبارها مُعارضة للفطرة والطبائع الإنسانيَّة.

إنَّ العلمانية لا تستطيع أن تشقَّ طريقها في بلدٍ يكون فيه الشعور الديني يقظة، فكيف هذا في بلاد المسلمين الذين يَعُدُّون الدين جزءًا من تكوينها الأساسي؟!

لهذا فمِن العجيب القول بالفصل بين الدين والدولة في مجتمع المسلمين، فلا يوجد مُبَرِّر لفصْل الدين عن الدولة، ولا يُمكن وصْفُ المسلمين بأنهم رجعيُّون ومتخلِّفون، بل هم مَن يحقُّ لهم وصْف العلمانية بأنها التخلُّف والرجعيَّة!

إنَّ العلمانية لَم تنجح في تطبيق أهدافها في البلاد التي طُبِّقت فيها؛ لأنَّ الإسلام جاء بنظامٍ شامل ومتكاملٍ.

كما أنه كانت هناك ظروف جعَلَت الغرب على غير وفاقٍ مع الدين الموجود عندهم، هذا ما انعكسَت آثارُه على نُظم الحياة كلها، ثم أصبَحت المصلحة هي القانون المهيمن عند الغرب لا الدِّين.

الفصل السادس: منهج الإسلام في المعرفة:
إنَّ منهج الإسلام منهج قام بذاته، ولا يحتاج إلى مناهجَ وافدة، وهذا لأنه منهج كامل وشامل، جمَع بين العقل والقلب، والرُّوح والمادة، ووازَن بين الدنيا والآخرة، وله طابعه الإنساني الخالص، ولأنه منهج مَرِنٌ قادرٌ على الحركة والانفتاح للبشريَّة في كلِّ زمن وبيئة.

وهذا المنهج لا يَعتمد على التجربة وحْدها؛ فهو منهج علمي؛ لمُطابقته للفِطرة والعقل، ولارْتِقائه عن جزئيَّة مناهج العلم التجريبي المنشطر، وإن منهجه يُنكر الأساطير والخُرافات، والتفسيرات السريَّة للدِّين، وهو دين متكاملٌ مع الإيمان بالله والوحي، وعِلم الآخرة والغيْب، فمنهج الإسلام منهجٌ عامٌّ في المعرفة، وإن المنهج التجريبي هو جزءٌ منه، حتى قبل أن تعرفه أوروبا، بل هو مَن أنشأَ هذا المنهج.

إنَّ المسلمين هم مَن نادَوا بالاستقراء والقياس والتمثيل، وهذا هو ما اعتَرَف به علماؤهم، عندما قالوا بأنه ليس ثَمَّة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الأوروبي، إلاَّ ويُمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة الإسلاميَّة بصورة قاطعة.

إنَّ المسلمين هم أوَّل مَن قالوا: إنَّ أساس العلم هو الملاحظة والتجربة، وقال العلاَّمة دراير: إنَّ العرب أوَّل من علَّم العالم كيف تتَّفق حرية الفكر مع استقامة الدِّين، إن المسلمين أنشؤوا منهج المعرفة على دعامتين: الوحي والتجربة، فحافَظوا على الأصالة، وأنشؤوا منهجًا علميًّا تجريبيًّا، وهذا المنهج لَم يَسبق له مثيلٌ، وكانت نزعة المعرفة عندهم قائمة على الموضوعيَّة، ومُعاداة الأمور الشخصيَّة والخاصة، فالمعرفة عندهم قائمة على الإنصاف.

وأقام الإسلام منهج المعرفة على أساس البرهان والتجربة، والتحرُّر من الظن والمتابعة بغير دليلٍ، والتحرُّر من التقليد الأعمى بغير حقٍّ، وإجراء البحث عن الحقيقة، وإقامة القضايا على أساس الدليل والبرهان.

كما أنَّ الإسلام لا يَتنكَّر للعقل ومنطقه، ولا يُحمِّله أكثر من طاقته وقُدرته ووظيفته، ويؤمن بأنَّ المعرفة إنما تتمُّ عن طريق جمْع كلِّ الجزئيَّات، ومنهجه منهج متكاملٌ تكامُل الإنسان نفسه، فهو يجمع بين العقل والجسد والرُّوح.

إنَّ منهج الإسلام هو منهج الفِطرة، وهذا المنهج أتاحَ للإنسان أن يكتشفَ سُنن الله في الكون والطبيعة، وأن تكون مصدرًا للعلم، فالمنهج الإسلامي قائم على سُنن الله في الكون والطبيعة، وسُنن الله في الإنسان والمجتمعات.

إنَّ منهج الإسلام ربَط بين العلم والدين، وجعَل منهج العلم في نِطاق منهج الدين بحُكم أنَّ منهج الإسلام هو الذي هدى إلى العلم، وأتاحَ للمسلمين إنتاجَ المعرفة والمنهج العلمي القائم على التجربة، فالإسلام جمَع بين شطري العلم والدِّين.

وإنَّ خلاف المنهج الإسلامي الشامل في العلم والمعرفة ليس مع العلم التجريبي، ولكنَّ الخلاف مع العلمانية بمفهوم النظريَّة الماديَّة.

والحمد لله ربِّ العالمين؛ الذي نصَر المسلمين، وقهَر الكافرين، وأذلَّ الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيِّين.



المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العلمانية وثمارها الخبيثة نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 19-05-2013 06:53 AM
تلخيص ألفية ابن مالك , منهجها و أبرز شروحها مزون الطيب المكتبة العامة 0 01-02-2012 06:03 PM
تلخيص لمادة مبادئ مالية وسلايدات للمادة مزون الطيب المكتبة العامة 0 30-01-2012 08:35 PM
تمييز ابن تيمية بين (إرادة الشعب) و (التدرج) مزون الطيب أخبار منوعة 0 30-01-2012 02:38 PM
موسوعة العلمانية والإسلام لكبار العلماء نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 15-01-2012 11:40 AM


الساعة الآن 08:42 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22