صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

الكتاب: أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

الكتاب: أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا المؤلف: الدكتور عبد الرازق بن حمودة القادوسي الناشر: رسالة دكتوراه بإشراف الأستاذ الدكتور رجب عبد الجواد إبراهيم- قسم اللغة العربية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-12-2020 ~ 06:59 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الكتاب: أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الكتاب’لقرآنية ’القراءات


الكتاب: أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا

المؤلف: الدكتور عبد الرازق بن حمودة القادوسي
الناشر: رسالة دكتوراه بإشراف الأستاذ الدكتور رجب عبد الجواد إبراهيم- قسم اللغة العربية - كلية الآداب - جامعة حلوان
عام النشر: 1431هـ / 2010م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع (الرسالة العلمية)]
والرسالة أجيزت بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وقد أهداها مؤلفها للمكتبة الشاملة، جزاه الله خيرا
جامعة حلوان
كلية الآداب
قسم اللغة العربية

رسالة دكتوراه بعنوان
أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية
"تاج العروس نموذجا"

مقدمة من الباحث
عبد الرازق حمودة عبد الرازق القادوسي

إشراف
الأستاذ الدكتور
رجب عبد الجواد إبراهيم

1431هـ / 2010م
(1/1)
________________________________________
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1/2)
________________________________________
إهداء
(1/3)
________________________________________
المقدمة
(1/1)
________________________________________
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (1)، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2). هكذا اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ذلك الكتاب المعجز والخاتم لكل رسالات السماء إلى الأرض، وحري بلغة هذا شأنها أن تكون أوسع اللغات مذهبا، وأكثرها لفظا، وأجلها إفصاحا وبيانا.
يتناول الدارس في هذه المقدمة: الموضوع وسبب اختياره، وأهدافه، والمنهج المتبع، ومادة الدراسة، والجهود السابقة، ثم خطة الدراسة.
أما موضوع الدراسة فهو: ((أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية ـ تاج العروس نموذجا)) ويعود سبب اختياره؛ لكونه يدرس جانبا مهما لا زالت المكتبة العربية فقيرة إليه، حيث يدرس مدى أثر القراءات القرآنية، في جانب الصناعة المعجمية، وذلك من خلال معجم "تاج العروس من جواهر القاموس" للزبيدي محمد بن محمد بن عبد الرزاق (1145 - 1205هـ) وعلى الرغم من أن القراءات القرآنية قد ظهر إسهامها بفاعلية في صناعة المعجم العربي منذ "العين" - الذي يعد أول عمل معجمي للعربية - وتُوُسِّعَ في استخدامها فيما تلاه من معاجم موسوعية، فإن المكتبة العربية لا زالت في حاجة لمثل هذه الدراسة.
و"الصناعة المعجمية" علم - من حيث أُطُره وأُصُوله النظرية - جديدٌ لم تَلُكْهُ الألسنُ بَعْد، أما من حيث الممارسة والتطبيق، فهو من العلوم القديمة التي أبدع فيها العرب وشهد لهم بذلك الخصوم، إذاً الجديد فيه يتمثل في التنظير الذي يرسم الأطر والمحاور لينضبط العمل بمنهجيته. فالعرب مارسوا الصناعة المعجمية، ولكن في غياب المنهجية الدقيقة الصارمة الواضحة، التي تضفي على
__________
(1) الكهف: 17.
(2) إبراهيم: 4.
(1/2)
________________________________________
العمل الاستمرارية على نسق واحد، وفي نفس الوقت توفر على مطالع المعجم الجهد والعناء في سبيل الحصول على مبتغاه. فالحق أن هذا الفن كان له أكبر الأثر في صناعة المعجم المعاصر مما جعله مفيدا عن ذي قبل.
ووقع الاختيار على "تاج العروس نموذجا"؛ لأنه من أصح المعاجم، وأكبرها، وأشملها: من أصحها؛ لأن مؤلفه اطلع على كل ما حوته المعاجم القديمة، ونظر في قول أصحابها كل منهم لأخيه فأفاد منها كل الفائدة، وأكبرها لأنه طبع في أربعين مجلدا، وأشملها؛ لأنه احتوى على ما جاء في أكبر المعاجم العربية: كالمحكم، والعباب، واللسان (1) ...
وهو " أضخم معجم عربي شرح فيه مؤلفه القاموس جامعا ما تفرق في مؤلفات من سبقه من علماء اللغة والنحو والأمثال والطبقات والحديث ... " (2). فهو بحق موسوعة احتوت غالب المعاجم العربية الموسوعية فصار جديرا بأن يمثل المعجم العربي في جميع جوانبه وخصائصه.
طبع التاج عدة طبعات أقدمها طبعة المطبعة الوهابية بالقاهرة سنة 1286هـ صدرت منها خمسة مجلدات حتى آخر حرف العين، ثم طبعته المطبعة الخيرية بالجمالية سنة 1306هـ. ثم عكفت مطبعة الحكومة بالكويت على نشره منذ سنة 1379هـ -1960م محققا ومراجعا، بإشراف لجنة فنية من وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية، صدرت في أربعين مجلدا، وكان صدور آخر مجلد سنة 2001م، بتحقيق الدكتور ضاحي عبد الباقي. ثم أصدرت دار الفكر ببيروت طبعتها سنة 1414هـ - 1994م والتي قام بتحقيقها الأستاذ: علي شيري في عشرين مجلدا. وقد اعتمد الدارس على طبعة الحكومة الكويتية؛ لأنه عمل مؤسسي، تبنته وزارة الإرشاد الكويتية، وجندت له نخبة من خيرة العلماء الأكفاء، عكفوا على تحقيقه على مدار أكثر من أربعين عاما، مما دعاني إلى القول بأن هذا العمل أقرب إلى الكمال.
ومطالع التاج - دون عناء - يدرك أن الزبيدي قد اعتمد إلى حد كبير على القراءات القرآنية في صناعته لمعجمه، فما من مادة تطالعها، إلا وتَمُرُّ عليك عشرات المواضع للقراءات القرآنية، أوردها صانع المعجم محتجا بها للغة من اللغات، أو لعربية كلمة، أو تركيب، أو معنى من المعاني ... الخ. كما أن الزبيدي استطاع أن يستثمر القراءات على كل مستويات دراسة اللغة: صوتية وصرفية، ونحوية، ودلالية. ودراسة مثل هذه لابد منها لتجلية هذا الجانب في تراثنا الزاخر. وقد رأى الدارس أن هذه الدراسة تحقق الأهداف الآتية:
1 - استخلاص القراءات القرآنية من " التاج ".
2 - تصنيف هذه القراءات حسب أبوابها ومباحثها من علم اللغة.
3 - بيان أثر القراءات القرآنية في تأصيل المباحث الصوتية، كالهمز، والإبدال والإدغام، والجمع بين الساكنين، وهاء السكت ... إلخ.
4 - إبراز دور القراءات في تأصيل الكثير من المباحث الصرفية، كصيغ الأسماء والأفعال، والمشتقات.
5 - إسهام القراءات القرآنية في الكثير من المباحث الدلالية، نحو: المُعَرَّب وتغير الدلالة.
وأما عن المنهج الذي اختاره الدارس لتحقيق هذه الأهداف، فقد قام على حصر واستخلاص القراءات القرآنية ومتعلقاتها من معجم التاج، ثم تصنيف هذه القراءات حسب مستويات علم اللغة. إن المنهج العلمي المتبع في هذه الدراسة هو المنهج التحليلي. وهذا لا يمنع أن الدارس قد لجأ أحيانا إلى منهج آخر كالمنهج الوصفي.
وأما عن حيز الدراسة فهو القراءات القرآنية المتواتر منها والشاذ في معجم تاج العروس للزبيدي.
وقد رجعت بالقراءات التي ذكرها الزبيدي إلى مصادرها المتعددة: من كتب قراءات، واحتجاج، وتفسير، ومعاني، ونحو، ولغة ... كما أكثرت الرجوع إلى معجمين في القراءات: أولهما لأحمد مختار عمر، والآخر لعبد اللطيف محمد الخطيب، وكلاهما يحمل نفس الاسم تقريبا: (معجم القراءات)، فما ذكرت فيه (معجم القراءات) غير منسوب فهو لأحمد مختار، وأحيانا يأتي منسوبا لمختار، أما معجم الخطيب فهو يأتي دوما منسوبا لصاحبه منعا للبس.
وأما عن الدراسات السابقة ذات الصلة بهذا الموضوع فهي الدراسات التي تناولت القراءات في المعجم العربي، وهذا النوع من الدراسات عزيز في المكتبة العربية. بعد لأْيٍ توفر للدارس مطالعة أطروحة دكتوراه، بجامعة طنطا، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، عام 1999م، موضوعها: "القراءات القرآنية في معجم تهذيب اللغة للأزهري في ضوء علم اللغة الحديث". وتتلخص هذه الدراسة في أن صاحبها قد عمد إلى جمع نماذج من القراءات من معجم التهذيب، ثم نسقها حسب مستويات علم اللغة: الصوتي، والصرفي، والنحوي. ومباحثها، وكان منهجه في دراسته أن يحدد الظاهرة ثم يفرش لها بمقدمة من علم اللغة، ثم يذكر نماذج من القراءات القرآنية الواردة في التهذيب مرتبة حسب ترتيب هذه الشواهد في القرآن الكريم، ثم يتبعها بما قيل فيها في كتب توجيه القراءات بصفة خاصة، وكتب القراءات واللغة بصفة عامة. كما أن صاحب الدراسة لم يدع أنه حصر كل القراءات الواردة في التهذيب، وإنما أخذ منها شواهد بالقدر الذي يحقق أهداف الدراسة. وقد بين صاحب الدراسة هدفه منها فذكر أنها: " محاولة جادة لإيجاد نوع من العلاقة الوثيقة بين مستويات التحليل اللغوية، التي تسري فيها حركة دينامية، تسفر بعد ذلك عن اتساع في الدلالات المتعددة للكلمة الواحدة، ويعد هذا هو الهدف الرئيسي للدراسة، مستعينا بأدوات التحليل اللغوي، واختيار منهج تحليل يقوم على التصنيف والتخريج " (3).
أما عن الدراسات التي تناولت أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية فلم تقع يدي على دراسة متكاملة تعالج هذا الموضوع، وإن وجدت، فهي إشارات متناثرة في بطون الكتب، من أهمها دراسة ماجستير بعنوان (القراءات السبع والاستشهاد بها) (4)، وقد بينت الدارسة هدفها من هذه الدراسة فقالت: "وقد قصدت منه أن أتعرض للقراءات واستشهاد العلماء بها في مختلف فنون اللغة،
__________
(1) انظر: المعجم العربي لحسين نصار: 2/ 678، ومعجم مسائل النحو والصرف في تاج العروس لشوقي المعري: المقدمة صفحة رقم: ف.
(2) المعجم العربي لعدنان الخطيب: 58، وانظر: معجم مسائل النحو شوقي المعري: المقدمة.
(3) ص: 6.
(4) هذه الدراسة مقدمة من الطالبة رقية محمد صالح الخزامي، إلى قسم اللغة العربية، بكلية الشريعة الإسلامية، جامعة أم القرى بمكة المكرمة، تحت إشراف أ. د: عبد الفتاح إسماعيل شلبي سنة: 1401هـ. وقد طالع الدارس نسخة من هذا العمل مهداة إلى مكتبة جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
(1/3)
________________________________________
محاولة الإلمام ببعض ما جاد به القراء من قراءات مختلفة، والوقوف على مواقف علماء العربية منها، من حيث القبول والرفض" (1).
ويهمني من هذه الدراسة على وجه الخصوص معالجتها للجانب اللغوي حيث التزمت منهجا لا تحيد عنه يتمثل في أنها تذكر الآية، ثم تذكر القراءات الواردة فيها مسندة إلى أصحابها، ثم تذكر ما ورد عنها في كتب الاحتجاج، ثم تذكر ما قاله صاحب القاموس المحيط في الكلمة. وقد جاءت بخمسة وعشرين شاهدا على هذا النهج، وقد لخصت الدارسة منهجها في هذا الجانب بقولها: "ثم كان الميدان اللغوي .. فأوردت فيه بعض الآيات التي تضمنت كلمات قرئت بأوجه لغوية مختلفة، مثل: (ربوة، وجذوة، وضيق)، إلى غير ذلك من الكلمات، ثم رجعت إلى القراءات المختلفة فيها، واتخذت القاموس المحيط للفيروز آبآدي مرجعا، فوجدت هذه الأوجه وردت فيه، فأحيانا تأتي سردا فقط، وأحيانا أخرى يأتي بالقراءة نفسها على مجيء المادة على هذه الصورة ... واستدللت بواسع الاستدلالات على أن علماء اللغة والذين يمثلهم عندي الفيروز آبآدي قد اتخذوا من القراءات المورد العذب، والمعين الصافي، في الاستشهاد بها في موادهم اللغوية " (2).
وقد أشار الأستاذ الدكتور حسين نصار إلى استشهاد الخليل بن أحمد بالشواهد القرآنية بقوله: "وذكر ذات مرة القراءات في الآية" (3). وهذا القول قد يُفْهَمُ منه ندرة الاستشهاد بالقراءات في (العين)، ولكن مطالعتي له، قد أسفرت عن ورود العديد من المواضع التي تعرض فيها الخليل بن أحمد للقراءات لأغراض متنوعة.
وأما عن خطة الدراسة فإنها تقع في: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة، والفهارس. أما المقدمة فيتناول الدارس فيها: الموضوع من حيث سبب الاختيار والأهمية، والدراسات السابقة، ومادة الموضوع اللغوية، والمنهج المتبع ... وأما التمهيد فيتناول مفهوم القراءات القرآنية، وأثر القراءة والقراء في
__________
(1) القراءات السبع والاستشهاد بها لرقية محمد الخزامي: 259.
(2) السابق: 266.
(3) المعجم العربي: 1/ 212.
(1/6)
________________________________________
الدرس اللغوى، ومنهج الزبيدي في تناول القراءات، ومفهوم الصناعة المعجمية. وأما أبوابها فثلاثة: يتناول الباب الأول القراءات القرآنية والأصوت، وينقسم إلى فصلين: يتحدث الفصل الأول عن القراءات القرآنية والحركات، ويتحدث الفصل الثاني عن القراءات القرآنية والصوامت، تناولت فيه جملة من المباحث الصوتية نحو: الإدغام، والإبدال، والجمع بين الساكنين، والهمز، وهاء السكت ... أما الباب الثاني فيعالج القراءات القرآنية والبنية الصرفية، ويشتمل فصلين: يتناول الفصل الأول تغيير بنية الأفعال، ويتناول الثاني تغيير بنية الأسماء. وأما الباب الثالث فيتناول القراءات والدلالة، ويشتمل فصلين يعالج الأول منهما المُعَرَّب، ويعالج الثاني من قضايا التغير الدلالي مسألتين: إحداهما: تغير الدلالة لتغير الصوت، والأخرى: تغير الدلالة لتغير البنية الصرفية. وينتهي البحث بخاتمة تشمل أهم النتائج والتوصيات، يعقبها ثلاثة فهارس أحدهم يشتمل القراءات الوارد في التاج والتي خضعت للدراسة، وثانيهم لمراجع الدراسة، وثالثهم لموضوعات الدراسة.
(1/7)
________________________________________
تمهيد
- مفهوم القراءات القرآنية.
- أثر القراءة والقراء في الدرس اللغوي.
- منهج الزبيدي في تناول القراءات.
- مفهوم الصناعة المعجمية.
(1/8)
________________________________________
التمهيد
أولا: مفهوم القراءات القرآنية
اختلف العلماء في مفهوم القراءات؛ لأن منهم من عرفها بجزء منها كما فعل الزركشي في البرهان حيث قال:" القراءات هي: اختلاف ألفاظ الوحي في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرها " (1) ويفهم من تعريفه أن علم القراءات يهتم بكلمات القرآن التي وردت في قراءتها صور مختلفة دون الكلمات المتفق على قراءتها، فاقتصر على عنصر الاختلاف. وكما فعل أحد المعاصرين فقال: "القراءات: وجوه مختلفة في الأداء من النواحي الصوتية، أو التصريفية، أو النحوية " (2).
وقد أضاف الزرقاني عنصر الإسناد إلى عنصر الاختلاف، فقال: "القراءات هي: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها " (3).
ومنهم من نظر إليها نظرة عامة تشمل الفروع أو العلوم التي تنضوي تحتها فأضافوا عنصرا ثالثا إلى التعريف وهو الكلمات المتفق على قراءتها، كما فعل ابن الجزري حيث قال معرفا للقراءات: "هو علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله" (4).
ويعرفها البناء الدمياطي بكلام قريب من ذلك إلا أنه أكثر تفصيلا فيقول: "هو عِلْمٌ يُعْلَمُ منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى، واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين، والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره، من حيث السماع" (5). فشمل هذان التعريفان المتفق على قراءته من كلمات القرآن، والذي وردت قراءته على صور وكيفيات مختلفة الإسناد.
__________
(1) البرهان للزركشي: 1/ 395.
(2) في علوم القرآن للسيد رزق الطويل: 27.
(3) انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 412.
(4) النشر: 1/ 67.
(5) الإتحاف: 1/ 67.
(1/9)
________________________________________
فالقراءات إذن علم يبحث في كيفية أداء كلمات القرآن والنطق بها كما أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع معرفة مختلفها إعرابا وبناء، تذكيرا وتأنيثا، تخفيفا وتشديدا، مدا وقصرا ... عن طريق التلقي والمشافهة من المشايخ المجودين؛ لأن هناك أمورا في القراءة لم يدركها خط المصحف المكتوب، ولا تعرف إلا عن طريق المشافهة والسماع كالإمالة، والتفخيم، والترقيق، والقلقلة، ونطق الهمزة بين بين ونحو ذلك (1).
وهذه القراءات لم يكن مصدرها اجتهادا من العلماء، ولا طبيعة الخط العربي، ولا رسم مصحف سيدنا عثمان، وإنما كان مصدرها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهي أقدم وجودا من كتابة المصحف، وقد أقرأ النبي الصحابة بهذه الكيفيات، وليس أدل على ذلك من حديث يرويه البخاري بسنده عن سيدنا عمر بن الخطاب يقول فيه: "سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ" (2).
وعلى الرغم من تواتر هذا الحديث فإنه" من المشكل الذي لا يُدْرَى ما معناه؛ لأن الحرف يَصْدُقُ لغةً على حرف الهجاء، وعلى الكلمة، وعلى المعنى، وعلى الجهة " وهذا الإشكال أدى إلى اختلاف آراء العلماء في فهم معناه، حتى إن السيوطي في " الإتقان " يروي في معناه أربعين وجها (3).
__________
(1) انظر: القراءات القرآنية وأثرها في علوم العربية لمحمد محيسن: 1/ 9.
(2) رواه البخاري في صحيحه: 4/ 392، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف، رقم: 4608.
(3) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 1/ 45.
(1/10)
________________________________________
ومن أشهر هذه الآراء ما ذكره أبو عبد الله الزنجاني من أن " المراد بالأحرف السبعة: سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة، نحو: أقبل وهلم، وتعال، وعجل، وأسرع، وأخر، ومهل، وامض، وسر" (1). أما أبو حاتم السجستاني فيرى أن الأحرف السبعة هي سبع لغات نزل بها القرآن وهي " لغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر" (2). وأما الرأي الذي أطمئنُ إليه فهو ما قاله الإمام أبو الفضل الرازي، حيث يرى أن الأحرف السبعة تنحصر في الوجوه الآتية:
الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من: ماض، ومضارع، وأمر.
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير.
السادس: الاختلاف بالإبدال.
السابع: اختلاف اللغات (3).
وسبب اختياري لهذا الرأي أني وجدته يستوعب كل القراءات التي وقفت عليها في نطاق الدراسة متواترها وشاذها. أما الوجوه الأخرى فقد راعت جانبا من القراءات وأهملت جوانب أخرى فكأنها تفسر الأحرف بعيدا عن القراءات.
ويوضح ابن قتيبة سبب تعدد القراءات حاملا له على مبدأ التيسير فيقول: "فكان من تيسيره - عز وجل - أن أمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يقرأ كل قوم بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم، فالهذلي يقرأ {عَتَّى حِين} (4) يريد: {حَتَّى حِين}، لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها. والأسدي يقرأ {تِعْلَمُونَ} و {تِعْلَم} و {تِسْوَدُّ وُجُوهٌ} (5)، و {ألم إِعْهَدْ إليكم} (6)، والتميمي يهمز، والقرشي لا يهمز، والآخر يقرأ {وَإذِا قِيلَ
__________
(1) تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني: 15، 16.
(2) لطائف الإشارات لشهاب الدين القسطلاني: 1/ 33.
(3) مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني: 148.
(4) يوسف: 35.
(5) آل عمران: 106.
(6) يس: 60.
(1/11)
________________________________________
لَهُمْ} (1)، و {غِيضَ المَاءُ} (2) بإشمام الضم مع الكسر و {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} (3) بإشمام الكسر مع الضم، و {مَالَكَ لَا تَأْمَنَّا} (4) بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا مالا يَطُوعُ به كلُّ لسان. ولو أن كل فريق من هؤلاء أُمِرَ أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات، ومتصرفا في الحركات" (5).
وإذا كانت العلة من القراءات هي التيسير فإن الأمر في القراءة ليس كلأً مستباحا، فلكل أحد أن يقرأ بلغته أو ما شاء له أن يقرأ، ليس الأمر كذلك، إنما القراءة سنة متواترة عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن القاصح: "مذهب الأصوليين وفقهاء المذاهب الأربعة، والمحدثين، والقراء أن التواتر شرط في صحة القراءة، ولا تثبت بالسند الصحيح غير المتواتر، ولو وافقت رسم المصاحف العثمانية، والعربية" (6).
__________
(1) البقرة: 11.
(2) هود: 44.
(3) يوسف: 65.
(4) يوسف: 11.
(5) تأويل مشكل القرآن: 30.
(6) سراج القارئ المبتدئ وتذكرة المقرئ المنتهي لابن القاصح: 6.
(1/12)
________________________________________
ثانيا: أثر القراءة والقراء في الدرس اللغوي
كان لنزول القرآن باللغة العربية أعظم الأثر في توطيدها وتثبيت دعائمها وتقوية سلطانها على الألسن قبل النفوس، ومنذ نزول القرآن ارتبطت قدسية القرآن باللغة العربية فصار تعلم العربية فرضا على جماعة من الأمة وهم الذين يتصدون لتفسير القرآن، ودراسة التراث الإسلامي. والحقيقة التي لا مراء فيها أن العلاقة بين العربية والقرآن كالعلاقة بين وجهي العملة الواحدة، فلا فهم للقرآن إلا بالعربية، ولا سلطان للعربية إلا بالقرآن. والمتتبع للدرس اللغوي منذ عصر الجمع والرواية والتدوين، يرى إلى أي مدى أثر القرآن في اللغة العربية.
فعلى صعيد لهجات القبائل العربية، تجد الفضل الأكبر في الحفاظ عليها حتى آخر الزمان يعود إلى القرآن الكريم وقراءاته، ولولاه لما سمعت هذه اللهجات، ولضاعت كما ضاع الكثير غيرها من التراث العربي الذي لم يتعلق بالقرآن. وكان للقرآن الفضل دون منازع وراء جمع اللغة وروايتها وتدوينها وبعد عصر الجمع والتدوين، تفرغت جماعة من العلماء وتوفرت على دراسة العربية، وكانت هذه الدراسات معظمها وإن لم تكن كلها من منطلق ديني، وهو خدمة القرآن الكريم عن طريق تسهيل وتعليم لغته للخاصة والعامة قربة إلى الله تعالى، حتى أنه يصعب على المطالع في تراجم علماء اللغة القدامى أن يجد أحدا منهم بعيدا عن القرآن. وقد ذكر صراحة جُلُّ مَنْ أَلَّفَ في عِلْمِ العربية في مقدمة كتبهم أن دافعهم هو خدمة القرآن. بل إن معظم رجال الدين في مختلف العصور يعدون من اللغويين، ذلك أن التصدي لحمل القرآن لابد معه من أدوات تعين على فهمه، ومن أول هذه الأدوات اللغة العربية، ومن هنا تجد نجوما لمعت في سماء العربية ودراستها هم في الأصل دعاة وحملة قرآن مثل: ابن عباس، والطبري، والقرطبي، وأبي حيان وابن مالك، والإمام مالك بن أنس، والشافعي وغيرهم كثير؛ ذلك لأن" حياة لغتنا العربية في هذا الكتاب الكريم، ولا يعرف التاريخ لغة اتصلت حياتها بكتاب مقدس كما تتصل حياة العربية بالقرآن. ولا سبيل إلى فهم حياة هذه الأمة إلا بدرس كتابها ودرس لغتها التي عاشت فيه.
(1/13)
________________________________________
ولسنا نعرف درسا لغويا آصل ولا أعمق من درس يصل بين العربية والقرآن" (1)
ومجرد نظرة على الفهرس التفصيلي لكتاب البرهان للزركشي أو الإتقان للسيوطي، ترى عشرات المباحث اللغوية في سائر مستويات دراسة اللغة: صوتية، وصرفية، ونحوية، ودلالية، كان منطلقها هو القرآن الكريم وقراءاته. فعلى المستوى الصوتي تجد أن القرآن الكريم هو النص العربي الوحيد الذي نُقِلَ من جيل إلى جيل عن طريق التلقي القائم على السماع والعرض نقلا متواترا أجمعت الأمة على صحته، وقد بذل علماء القراءة في سبيل نقل القرآن كما سُمِعَ من النبي - صلى الله عليه وسلم - جهودا جبارة أثمرت علما واسعا، هو علم القراءات القرآنية، والتجويد يعد من أشهر أبوابه، ومباحثه تتعلق بكيفية الأداء الصوتي لبعض المواضع في القرآن الكريم، أداء منضبطا بقوانين صارمة، صاغها القراء ضمانا للأداء المتقن للقرآن، وهو يعبر الزمن والمحن لا يتأثر بعربية فَسَدَتْ، ولا بأَعْجَمِيَّةٍ حَكَمَتْ. فَأَيُّ نَصٍّ عربي له ما للقرآن الكريم من وسائل حفظ مُوكَلَةٍ لِرَبِّ الأَرْبَاب: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2). ولما كان الأمر كما وَصَفْتُ رأى العلماء - على امتداد التاريخ - القرآن الأنموذج اللغوي الفَذَّ، الذي يستحق أن يكون مُنْطَلَقَاً لأي دراسة لُغَوِيَّةٍ، يُرَادُ لها القبولُ والخلودُ، فَتَزَيَّنَتْ كُتُبُ اللُّغَةِ بِآيِهِ وشَوَاهِدِهِ حتى أنه يَعِزُّ على مُطَالِعِ كُتُبِ العَرَبِيَّةِ أن يجدَ كتاباً تَخْلُو صفحاته من شواهده وفوائده؛ لما امتلكه من ثقة جعلته قَيُّومَاً على اللغةِ وشاهداً ودليلاً. ومما يوضح مدى التأثير المتبادل بين العربية والقراءات، ما ذكر في تراجم اللغويين والقراء والفقهاء. لقد كان علماء العربية الأوائل يجمعون إلى علم العربية، علما أو أكثر من علوم القرآن من قراءة، أو تفسير، أو غير ذلك، فقد " أخذ عبد الله بن أبي إسحاق عن يحيى بن يعمر القراءة وأخذها عن نصر بن عاصم" (3). وكان أبو عمرو بن العلاء إماما في العربية والقراءة حتى " قال شعبة لعلي بن نصر الجهضمي: خذ قراءة
__________
(1) اللهجات العربية في القراءات القرآنية لعبده الراجحي: ص1.
(2) الحجر: 9.
(3) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 32.
(1/14)
________________________________________
أبي عمرو، فيوشك أن تكون إسنادا. قال أبو حاتم: وكان أبو عمرو يكتب إلى عكرمة بن خالد في مكة، فيسأله عن الحروف" (1).
وممن أجاد النحو من القراء يحيى بن يعمر، كان أعلم الناس وأفصحهم ومع ذلك لا يذكرونه؛ لأنه استبد بالنحو غيره (2).
وكان الأوائل من أهل العلم يعدون العلم بالعربية منقبة للقارئ، ومدعاة لتفضيله على غيره، حتى "قال أبو حاتم: الكسائي أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن، وهو قدوتهم " (3).
و"قال المازني: قرأت على يعقوب الحضرمي القرآن، فلما ختمت رمى إليَّ بخاتمه، وقال: خذ ليس لك مثل ". وختم أبو حاتم على يعقوب سبع ختمات، ويقال: خمسا وعشرين ختمة، فأعطاه خاتمه، وقال: أقرئ الناس (4). و"كان أبو حاتم في نهاية الثقة والإتقان، والنهوض باللغة والقرآن مع علم واسع بالإعراب أيضا" (5).
وقد قيل نحو من هذه العبارات في أمثال ابن مالك وغيره من الأئمة، وفيما أوردته كفاية، وهو يصور مدى الترابط والتلازم بين العربية وعلومها والقرآن وعلومه من قراءات، وتفسير، ورسم، وغير ذلك.
ولو نظر ناظر في تراجم القراء، وتأمل أحوالهم لوجد أن المقدم منهم في القراءة متقدم في علم العربية. ولو نظر في ترجمة الكسائي لوجد فيها " أحد القراء السبعة، كان إماماً في النحو، واللغة، والقراءات" (6)، ومثل هذا في ترجمة سبط الخياط " وهو أحد الذين انتهت إليهم رئاسة القراءة علما وعملا ... وكان إماما في اللغة والنحو جميعا " (7).
__________
(1) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 35
(2) السابق: 50.
(3) السابق: 121.
(4) وفيات الأعيان لابن خلكان: 6/ 173.
(5) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي:130 – 132.
(6) وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 295.
(7) غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 192.
(1/15)
________________________________________
وكان إحكام العربية مدعاة لحذق الفن وعلم القراءة، كما جاء في ترجمة أبي سعيد الذي قيل عنه "كان رأسا في نحو البصريين، تصدر لإقراء القراءات واللغة، والفقه، والفرائض، والعربية، والعروض. قرأ القرآن على ابن مجاهد، واللغة عن ابن دريد، والنحو عن أبي بكر بن السراج " (1). وقد وُصِفَ يوسف بن إبراهيم بإحكام العربية (2).
وكان القراء سابقا يبذلون ما يملكونه في سبيل إتقان العربية، قال خلف بن هشام (150 - 229هـ‍ (: "أشكل علي باب من النحو، فأنفقت ثمانية آلاف درهم حتى حذقته " (3). وكانوا يُعْنَوْنَ بمعرفة من أَخَذَ عنهم القَارِئُ عِلْمَ العربيةِ: النحوَ، واللغةَ، والأدبَ، والمعاني.
والتميز في علوم العربية مدعاة الاستقلال، والانفراد بالقراءة، ومدعاة للاجتهاد في الاختيار "قيل: إن وَرْشَاً لما تعمق في النحو اتخذ لنفسه مَقْرَأَ وَرْشٍ، فلما جِئْتُ (القائل أبو يعقوب الأزرق) لأقرأ عليه قلت له يا أبا سعيد: إني أحب أن تُقْرِئَنِي مَقْرَأَ نافعٍ خالصاً، وتَدَعُنِي مما استحسنتَ لنفسك، فَقَلَّدْتُهُ مَقْرَأَ نَافِعٍ" (4).
ويظهر من النصوص السابقة أنهم ما كانوا يقنعون بإتقان علوم العربية صناعة، بل كانوا يطلبون الفصاحة، وكانت الفصاحة قبل أن تدون علوم العربية وقالوا عن عاصم بن أبي النجود: "جمع بين الفصاحة، والإتقان والتحرير، والتجويد، وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن. قال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النجود. وقال حسن بن صالح: ما رأيت أحداً قط كان أفصح من عاصم، إذا تكلم كاد يدخله خيلاء" (5). و" كان أحمد بن عبد العزيز من أطيب الناس صوتا، وأفصحهم أداء" (6). وقد وصف عبد الوارث التنوري بالفصاحة والبلاغة، قال أبو عمر الجرمي: "ما رأيت فقيها أفصح
__________
(1) سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 16.
(2) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 54.
(3) السابق: 172.
(4) السابق: 150.
(5) غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 153.
(6) معرفة القراء الكبار للذهبي: 254.
(1/16)
________________________________________
منه" (1). وفي ترجمة عبد الله بن كثير " كان فصيحاً بليغاً مفوها ... قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو: قرأت على ابن كثير. قال: نعم، ختمت على ابن كثير، بعدما ختمت على مجاهد. وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد" (2).
وكان مما ينتقص به المقرئ أو القارئ قصوره في العربية، كما قال أبو حيان في حسن بن عبد الله التلمساني (ت 685 هـ) " كان بربريا، في لسانه شيء من رطانتهم، وكان مشهورا بالقراءات، عنده نزر يسير جدا من العربية كألفية ابن معط، ومقدمة ابن بابشاذ، يحل ذلك لمن يقرأ عليه" (3). وقد رد الذهبي على أبي حيان قوله فيه، وقال: "إنه كان عارفا بالعربية، بل قوي المعرفة، ويكفيه أن يشرح ألفية ابن معط للناس ... " (4). وكان القصور في علم العربية، مدعاة إلى القصور في علم القراءات، كما قيل في محمد بن منصور (ت700هـ‍ (: "إنه لم يبرع في العربية ... وكان متوسط المعرفة في القراءات" (5). وقال عاصم: "من لم يحسن من العربية إلا وجها لم يحسن شيئا" (6).
وبعد، لعل في هذه النظرة العجلى لجانب من كتب التراجم ما يوضح للقارئ الصلة الوثيقة بين علوم القرآن، وعلوم العربية، وكأنهما توأمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر. والنوعان من العلوم مختلفان. فأولهما غاية، والعلوم الأخرى خدم له، والثاني آلة يتوصل بها إلى فهم النوع الأول، وخدمته وإتقانه. ولا أغالي إذا قلت: إن علوم العربية على اختلاف أنواعها، إنما وجدت لخدمة القرآن وعلومه، ولعل المسلمين لم يُعنوا بالعربية وآدابها ولم يخدموها إلا لأنها الأصل الخادم للقرآن وعلومه، من قراءة، ورسم، وإعراب وبلاغة، وإعجاز، ومعنى وتفسير (7).
__________
(1) معرفة القراء الكبار للذهبي: 135.
(2) غاية النهاية: 198.
(3) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 561.
(4) السابق: 560 – 561.
(5) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 569.
(6) السابق: 75.
(7) عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم لسليمان بن إبراهيم
العايد: 40 - 51.
(1/17)
________________________________________
ولأن الدارس قد اتضح لديه أن معظم القراءات المستخدمة في دراسة اللغة من الشاذ، فقد رأى أن يوضح الموقف منها على صعيد الدراسات الدينية واللغوية. وجملة القول في هذه المسألة أنه قد تباين رأي المحققين من الفقهاء والقراء من ناحية، ورأي اللغويين من ناحية أخرى في موقفهم من القراءات الشاذة، فالمحققون من الفقهاء والقراء والأصوليين ينظرون إلى القراءة على أنها وسيلة تعبُّد، وطريق تقرُّب، وشرط لصحة الصلاة، ومصدر للتشريع والتحريم والتحليل. وهناك إلى جانبهم فريق اللغويين الذين نظروا إلى القراءة نظرة مغايرة؛ لأن هدفهم مختلف، وغايتهم من قبول القراءة ليست العبادة أو الصلاة بها، إنما هي مجرد إثبات حكم لغوي أو بلاغي؛ ولذا فقد وضعوا شرطًا واحدًا لصحة الاستدلال اللغوي بالقراءة، وهو صحة نقلها عن القارئ الثقة حتى ولو كان فردا، سواء رويت القراءة بطريق التواتر، أو الآحاد، وسواء كانت سبعية، أو عشرية، أو أكثر من ذلك. بل إن ابن جني في مقدمة كتابه المحتسب كان حريصًا على وضع القراءة الشاذة على قدم المساواة مع القراءة السبعية، وذلك بقوله: " وغرضنا منه – أي من كتاب المحتسب - أَنْ نُرِيَ وَجْهَ قُوَّةِ ما يُسَمَّى الآنَ شَاذاً، وأَنَّهُ ضَارِبٌ في صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِجِرَانِهِ، آخذٌ مِنْ سَمْتِ العربيةِ مُهْلَةَ مَيْدَانِهِ، لئلا يُرَى مُرَىً أَنَّ العُدُولَ عنه إنما هو غَضٌّ منه، أو تُهْمَةٌ له. ومعاذَ اللهِ! وكيف يكون هذا والرواية تَنْمِيهِ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى يقول: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (1)؟. وهذا حكم عام في المعاني والألفاظ، وأخذه: هو الأخذ به، فكيف يَسُوغُ مع ذلك أن ترفضه وتجتنبه. فإن قَصُرَ شيء منه عن بلوغه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن يَقْصُرَ عن وَجْهٍ من الإعراب داع إلى الفسحة والإسهاب، إلا إننا وإن لم نقرأ في التلاوة به مخافة الانتشار فيه، ونتابع من يتبع في القراءة كل جائز رواية ودراية، فإنا نعتقد قوة هذا المسمى شاذا، وأنه مما أمر الله تعالى بتقبله وأراد منا العمل بموجبه، وأنه حبيب إليه، ومرضي من القول لديه. نعم وأكثر ما فيه أن يكون غيره من المجتمع عندهم عليه أقوى منه إعرابا، وأنهض قياسا، إذ هما جميعا مرويان مسندان إلى السلف - رضي الله عنهم - فإن كان هذا قادحا فيه، ومانعا من الأخذ به، فليكونن ما ضَعُفَ إعرابه مما قرأ السبعة به
__________
(1) الحشر: 7.
(1/18)
________________________________________
هذه حاله، ونحن نعلم مع ذلك قراءة ابن كثير:" ضئاء" (1) بهمزتين مكتنفتي الألف، وقراءة ابن عامر: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ} (2) ... وهو أيضا مع ذلك مأخوذ به" (3).
والقراءة - من زاوية الاستشهاد اللغوي البحت - نص عربيّ، رواه أو قرأ به من يوثق في عربيته، ولهذا فهي - حتى على فرض اختلاف العلماء في صحة التعبد والصلاة بها - تحقق شرط اللغوي، وهو النقل عن العربي الثقة، حتى ولو كان فردًا، بل إن السيوطي يصرح بما هو أكثر من ذلك حين ينفي اشتراط العدالة في العربي الذي يستشهد بكلامه.
ولما كانت غاية دراسة القراءات هنا غاية لغوية معجمية، لا تتجاوز إثبات وجود اللفظ في اللغة، أو ضبط نطقه، أو ذكر معناه، أو غير ذلك من النتائج الجزئية التي لا تعمم حكمًا، ولا تبني قاعدة، فلا يفسد هذه الغاية أن تكون القراءة هي النموذج الوحيد المنقول إلينا؛ إذ لم يشترط أحد من اللغويين لحجية النص في مثل هذه الحالة كثرة أو قلة.
وإذا كان جَمْعُ عثمانَ المسلمين على المصحف الإمام قد أزال الفرقة بينهم ووحد كلمتهم، وألزمهم بالصلاة والتعبد بنصوصه - فإنّ ذلك لم يلغ ما سجله المسلمون من قراءات على اعتبار أنها - في أضعف حالاتها - تعد نصوصًا لغوية موثقة، وكلامًا عربيًا فصيحًا. وما خالف رسم المصحف من هذه القراءات لا يخرج - حتى في أدنى درجاته - عن أن يكون من باب التفسير، أو الشرح اللغوي الذي كان يسجله بعض الصحابة القراء أو بعض المتلقين عنهم وإذا كان جمهور العلماء يحظر التعبد بالقراءات التي لم تتوفر فيها الشروط الثلاثة سابقة الذكر، فهناك غايات أخرى كثيرة تُرْوَى من أجلها كُلُّ القراءات وتدرس، وتشرح ويستخرج منها الفوائد اللغوية (4).
يقول الأستاذ الدكتور السيد رزق الطويل: "وكتب النحو حافلة بعشرات القراءات الشاذة يستشهدون بها على قضايا نحوية. وهم على حق فيما فعلوا؛
__________
(1) يونس: 5.
(2) الأنعام: 137.
(3) المحتسب: 1/ 32، 33.
(4) انظر: القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب لعبد الفتاح القاضي: 1/ 8.
(1/19)
________________________________________
لأنها أوثق من أبيات الشعر مجهولة القائل، بل أوثق ممن عرف قائلها؛ لأنها من ناحية الرواية وإن كانت أحادا إلا أن رواتها أكثر ثقة " (1). ويقول الأستاذ الدكتور عبده الراجحي:" وليس من شك في أن القراءات القرآنية تمثل منهجا في النقل لا يصل إلى وثاقته علم آخر مهما يكن حتى علم الحديث" (2).
ما سبق كان بيانا للتأثير المتبادل بين القراء والعربية بصفة عامة، أما مدى تأثير القراءة في المعجم العربي فيشكل ظاهرة لا يمكن انكارها، في المعاجم العربية من لدن العين للخليل، وحتى التاج للزبيدي. فمن أمثلة ما جاء في "العين":
(1) في (ع. ك. ف) يستشهد بالقراءة على مجيء أكثر من لغة في مضارع عكف حيث جاء بكسر الكاف وضمها، فقال: "عكف يعكف عَكفا وعُكُوفا: وهو إقبالك على الشيء لا تصرف عنه وجهك ... وقرئ: {يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} (3) بكسر الكاف، و" يَعْكُُفُونَ "بضمها " (4).
(2) وفي (ط ل ع) تأتي القراءة كشاهد سماع يخالف القياس فيقول: "المَطْلَعُ: المَوْضِعُ الذي تَطْلُعُ عليه الشمس. والمَطْلَعُ: المصدرُ من طَلَعَ. ويقرأ: {مَطْلِعِ الْفَجْرِ} (5) وليس بقياس" (6).
(3) في (ع ب د) تأتي القراءة شاهدا على المعنى، يقول: "والعَبَدُ، بفتح العين والباء؛ الأَنَفَةُ والحمِيَّةُ من قول يُسْتَحْيَى منه ويُسْتَنْكَفُ. ومنه: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (7) أي: الآنفين من هذا القول. ويقرأ: "العَبِدِينَ "، مقصورة على: عَبَدَ، يَعْبُدُ. ويقال: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: كما أنه ليس للرحمن ولد فلست بأول من عبد الله من أهل مكة" (8).
(4) وفي (ب. د. ع) وفي مجال الاستدلال على أثر المعنى في الإعراب يقول: "ويقرأ: {بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (9)، بالنصب على جهة التعجب لما قال المشركون، بِدْعَاً ما قلتم، وبديعا ما اخترقتم. أي: عجيبا، فنصبه على التعجب والله أعلم بالصواب. ويقال: هو اسم من أسماء الله وهو البديع لا أحد قبله. وقراءة العامة الرفع، وهو أولى بالصواب" (10).
(5) وفي (ف ع ل) يذكر الفرق بين فتح الفاء وكسرها، وأن الفتح مصدر والكسر اسم، فيقول: "فَعَلَ يَفْعَلُ فَعْلاً وفِعْلاً، فالفَعْلُ: المصدر، والفِعْل: الاسم، والفَعالُ اسمٌ للفِعل الحسَن، مثل الجود والكرم ونحوه. ويقرأ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فَعْلَ الْخَيْرَاتِ} (11) بالنصب" (12).
وقد أثر (العين) بصفته المعجم الموسوعي الأول والرائد عند العرب، في جميع المعاجم التي ظهرت بعده، وإن اختلف هذا الأثر في كل منها. فتأثرت في الموضوعات اللغوية من تفسيرات، ولغات قبلية، ومعرب، ومولد، حتى إننا نجد كثيرا من عباراته بنصها في أكثر المعاجم المتأخرة. وتبنت جميعها أو معظمها الغرض الذي أراد أن يحققه، وهو جمع اللغة كلها: بواضحها، وغريبها، ولم يشذ عن ذلك إلا الجمهرة، وربما الصحاح، والأساس (13).
وعندما ألف الأزهري، أبو منصور: محمد بن أحمد (282 - 370هـ) معجمه "تهذيب اللغة " اعتنى فيه بالقراءات القرآنية عناية فاق فيها غيره من اللغويين. والسبب في ذلك هو ربط القرآن والدين باللغة، وسبب آخر أراه أهم وأكبر يتمثل في أن للمؤلف نفسه كتابا موضوعه: "معاني القراءات" وجه فيه للقراءات السبع، ومن الطبيعي أن هذا المخزون العلمي، يجد طريقه للظهور في "تهذيبه".
__________
(1) في علوم القرآن: 66.
(2) اللهجات العربية في القراءات القرآنية ص: 1.
(3) الأعراف: 138.
(4) العين: 1/ 46.
(5) الفجر: 5.
(6) معجم العين: 1/ 87.
(7) سورة الزخرف: 81.
(8) معجم العين: 1/ 96.
(9) سورة البقرة: 117.
(10) معجم العين: 1/ 97.
(11) سورة الأنبياء: 73.
(12) معجم العين: 1/ 115.
(13) انظر: المعجم العربي لحسين نصار: 1/ 232.
(1/20)
________________________________________
والمطالع لمادة (ك ذ ب) يستطيع أن يتبين إلى أي مدى اعتمد الأزهري على القراءة في شرح مادته المعجمية، فهو في هذه المادة قد اعتمد على القراءة القرآنية في تناول المداخل وشرحها، وقد استمر في ذكر القراءة مستدعيا بها أقوال العلماء من أهل اللغة، أو المفسرين، أو أصحاب المعاني من أول المادة إلى آخرها، ولو أنك جردت المادة من القراءات فلن يبقى فيها شيء. وكنت ألحقت هذه المادة في هذا الموضع من الدراسة لأدلل على صدق المقال، ثم حذفتها خشية الإطالة، واكتفيت بالإحالة عليها (1).
وقد أدرك الشِّدْيَاق عناية الأزهري بالقرآن والقراءات فقال: " كَلَفَ الأزهريُّ في التهذيب بتفسير الآيات القرآنية. وليس بغريب أن يُعْنَى الأزهري بهذه الناحية، وهو الذي أَلَّفَ في غريب ألفاظ الفقهاء، وما أشد الصلة بين كتب الفقه والحديث والتفسير" (2).
__________
(1) انظر تهذيب اللغة مادة: كذب: 3/ 356 – 359.
(2) الجاسوس على القاموس لأحمد فارس الشدياق: 48.
(1/22)
________________________________________
ثالثا: منهج الزبيدي في تناول القراءات
المعجميون في الغالب الأعم تتشابه طريقتهم في تناول الآية القرآنية بصفة عامة والقراءة بصفة خاصة، فحينما يضع المعجمي مداخله التي تتخلل المادة ينظر هل استخدم القرآن الكريم هذه المفردة؟ فإن وجدها غالبا ما يبني عليها مدخله، كما فعل الأزهري في مادة (ك ذ ب)، وكما فعل الزبيدي في (ق ن ط) حيث بدأ المادة بذكر الفعل الثلاثي المجرد ثم استشهد عليه بالآية والقراءة، واسترسل في ذلك فقال: " قَنَط: كنَصَرَ وضَرَبَ وحَسِبَ وكَرُمَ - وسَقَطَ في بَعْضِ النُّسَخِ وحَسِبَ - قُنُوطاً بالضَّمِّ مَصْدَرُ الأَوَّل والثّانِي قال ذلِكَ أَبو عَمْرِو ابنُ العَلاءِ، وبِهِمَا قُرِئَ قولُه تعالى: {ومَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّه إِلاَّ الضّالُّونَ} (1). قلتُ: أَمَّا يقنُط كيَنْصُر فَقَرَأَ به الأَعْمَشُ، وأَبو عَمْرٍو والأَشْهَبُ العُقَيْلِيُّ، وعِيسَى بنُ عُمَرَ وعُبَيْدُ بن عُمَيْر، وزَيْدُ بنُ عَلِيٍّ، وطاوُوس فهو قانِطٌ. وفيه لغةٌ أُخْرَى: قَنِطَ كَفَرِحَ وقَرَأَ أَبُو رجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، والأَعْمَشُ، والدُّورِيُّ عن أَبِي عَمْرٍو {مِنْ بَعْدِ مَا قَنِطُوا} (2). بكسرِ النُّونِ وَقَرَأَ الخَلِيلُ {من بَعْدِ ما قَنُطُوا} بضمِّ النُّونِ قَنَطاً مُحَرَّكةً وقَنَاطَةً كسَحَابَةٍ. وقَنَطَ كمَنَعَ وحَسِبُ وهاتَانِ على الجَمْعِ بين اللُّغَتَيْنِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الأَخْفَشِ أَي: يَئِسَ فهو قَنِطٌ كفَرِحٍ، {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} (3) وقُرِئَ: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَنِطِينَ} قلتُ: هو قِرَاءَةُ ابنِ وَثّابٍ، والأَعْمَش، وبِشْر بنِ عُبَيْد، وطَلْحَةَ، والحُسَيْنِ عن أَبِي عَمْرٍو" (4).
ولكي تؤتي القراءة ثمارها، وتُفُعَّلُ تَفْعِيلاً يسهم في الصناعة المعجمية لا بد لها من شروط أهمها:
الأول: أن توضع في المادة التي إليها تنتمي.
والثاني: أن توضع في المدخل المناسب داخل هذه المادة، كما فعل الزبيدي في (ق ن ط) السابق.
الثالث: أن يُكْتَفَى من القراءات الواردة في اللفظة بالقراءة المناسبة لمقام الشاهد دون الاستطراد بذكر كل القراءات الواردة فيه.
__________
(1) الحجر: 56.
(2) الشورى: 28.
(3) الحجر: 55.
(4) التاج: (قنط).
(1/23)
________________________________________
وهذا هو الأصل المعول عليه عند الزبيدي وغيره. ولكنه كثيرا ما يخرق هذا الأصل، فيذكر القراءة في غير مادتها كما فعل في (ك ذ ب) حيث ذكر قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} (1) ثم قال: "وقرىء {بِدَمٍ كَدِبٍ} بالمهملة، وقد تقدمت الإشارة إليه" (2). وهو عادة ما يكرر القراءة في مظانها، فقوله تعالى: {وإِنّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} (3) وقرئ أيضا بالدال: {حَادِرُونَ}؛ لذلك فقد ذكر القراءتين مرتين: الأولى في (ح در) وأخرى في (ح ذ ر).

إن ذكر القراءة التي لا تناسب المقام بهذه الكيفية لا قيمة لها في أصل الصنعة المعجمية؛ بحيث إنها لو حذفت لا يتبين أحد خللا في موضعها، وكل ما فيها من فائدة هو لفت الانتباه إلى أن في اللفظ قراءة بالدال المهملة، وهذه أيضا لا معنى لها؛ لأنه قد ذكر قراءة الدال في موضعها بالتفصيل، فَذِكْرُهَا هنا على كل الوجوه فضل من القول. وقد كرر الصنيع نفسه في (أخ ذ) حيث تناول قراءة مُجَاهِدٍ {لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (4) بالتفصيل، رغم أنه تناولها في موضع آخر حيث جعل لها مادة مستقلة مدخلها: (تخذ) وبنى هذه المادة من أولها إلى آخرها على هذه القراءة وأقوال العلماء فيها.

كما أن الزبيدي كثيرا ما يسترسل فيذكر كل القراءات الواردة في الموضع الواحد، وهذا ما يجعله كثيرا يخالف أصول الصناعة المعجمية، فقد تَكُونُ القراءات - التي ذَكَرَهَا استرسالا - لا تَمُتُّ بصلة للموضع الذي ذكرها فيه كما فعل في (ص ور) حيث ذكر قوله تعالى {فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ} (5) بضم الصاد وكسرها قراءتان سبعيتان: أي وَجِّهْهُنّ، من صار يصور ويصير، ولكنه يستدعي معهما قراءتين تنتميان إلى أصلين آخرين هما: {صُرَّهُنَّ} من الصَّرِّ أي الشَّدِّ، والثانية: {فَصِرَّهُنَّ} من الصَّرِيرِ أي الصوت أي صِحْ بِهِنَّ. وبهذا
__________
(1) يوسف: 18.
(2) التاج: (كذب).
(3) الشعراء: 56.
(4) الكهف: 77.
(5) البقرة: 260.
(1/24)
________________________________________
يكون قد وضع القراءة في غير موضعها، وهذا الصنيع لا يخدم المادة، ولا يُفَعِّلُ القراءة. وأحيانا ينطق الحال برغبته الشديدة في مجرد جمع واستقصاء القراءات الواردة في الموضع الذي يتناوله، حتى لو لم تكن مناسبة للمقام، كما فعل في (ع ب د) حيث ذكر كل القراءات الواردة في قوله تعالى {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (1) ومن بينها ما جاء بصيغة المبني للمعلوم، والمبني للمجهول، والمخفف، والمشدد، والمسند إلى ضمير الغائب المفرد، وضمير الغائب الجمع، وصيغ شتى من جموع التكسير، وفي هذا الخضم لا يستطيع القارئ أن يتبين موضع الشاهد، بل يصعب على الزبيدي نفسه إبرازه.

وفي أحيان أخرى يشعر الزبيدي بلون من ألوان الصراع بين رغبته في استقصاء القراءات، وأصول الصناعة المعجمية، فيشعر أن استقصاءه سوف يخل بتلك الأصول إخلالا واضحا، فابتكر طريقة يجمع فيها بين الحُسْنَيَيْنِ، فبعد أن تنتهي المادة يقول: "فائدة" (2) أو "مهمة" أو يجمع بينهما فيقول: "فائدة مهمة" (3) ثم يذكر القراءات التي اجتهد في جمعها من كتب القراءات. وقد فعل ذلك في (م ل ك) فبعد أن انتهى من عرض المادة قال: "مهمة" ثم استرسل في ذكر القراءات الواردة في "ملك"، والقراء الذين قرؤوا بها، والمعاني الواردة عليها، ومفاضلة العلماء بين هذه القراءات من حيث المعنى. وأعود فأقول: إن هذه الطريقة تخالف أصول الصناعة، حيث لم تقع القراءة في موضعها المناسب لها، فتفقد قيمتها الاستدلالية.

أما عن مسألة ذكر القراءة والإسناد فللزبيدي فيهما مشارب متعددة، فهو أحيانا يذكر القراءة مستقصيا كل من قرأ بها، كما فعل في (ق ن ط) سابق الذكر. وأحيانا يذكر القراءة دون ذكر القارئ، بل يكتفي بقوله:" وقرئ " ثم يذكر القراءة، كما فعل في {جُهْدَهُمْ} (4) بضم الجيم وفتحها.
__________
(1) المائدة: 60.
(2) انظر التاج: (أخذ).
(3) انظر التاج: (رمق).
(4) التاج: (جهد).
(1/25)
________________________________________
وكما فعل في {قَرْحٌ} (1) بفتح القاف وضمها، وفي {تَهْوِي} (2) بكسر الواو وفتحها، وسوف يتبن ذلك من خلال مطالعة الجداول التي تخللت الدراسة. وفي بعض المواضع يكتفي بقوله: "قرئ بها " منوها عن القراءة دون ذكرها صراحة.
__________
(1) التاج: (قرح).
(2) التاج: (ألى).
(1/26)
________________________________________
رابعا: مفهوم الصناعة المعجمية
عند الحديث عن الصناعة المعجمية لابد من التفريق بين مصطلحين كثيرا ما يحدث التداخل بينهما، أما المصطلح الأول فهو Lexicology ويعني: علم المعاجم، وهو فرع من فروع علم اللغة يعنى بتصنيف ودراسة مفردات أي لغة بالإضافة إلى شرح معناها، أو دلالتها المعجمية، استعدادا لعمل المعجم. أي أنه العلم النظري الذي ينظر لعمل المعجم. أما المصطلح الثاني فهو Lexicography ويعني: علم صناعة المعاجم، وهو الفرع التطبيقي للمصطلح الأول، ويختص هذا العلم بفن الصناعة المعجمية، والأصول التي تقوم عليها أنواع المعاجم، ونظم ترتيب المفردات وشرحها داخل المعجم (1).
وللصناعة المعجمية مبادئ وأصول تمثل محاور هذا الفن تتمثل في:
1 - مادة المعجم.
2 - ترتيب المداخل.
3 - ترتيب الألفاظ داخل كل مادة.
4 - شرح المعنى المعجمي (2).
أولا: مادة المعجم:
والمقصود بمادة المعجم الألفاظ التي يقوم المعجمي بجمعها وترتيبها وشرح دلالاتها، وتختلف هذه المادة تبعا للهدف الذي وضع له المعجم. وقد "اتبع العرب القدماء ثلاثة طرق لجمع مادة معاجمهم وهي:
1 - طريق الإحصاء العقلي الذي اتبعه الخليل بن أحمد في معجمه " العين" واستطاع من خلاله جمع مادة اللغة من خلال الإحصاء الرياضي، والقيام بعمليات التوافيق والتباديل.
2 - طريق المشافهة الذي اتبعه الأزهري في معجمه "تهذيب اللغة" واستطاع من خلاله القيام بجمع ميداني لمادة كثيرة سجلها في معجمه.
__________
(1) علم المعاجم (بحث ضمن: في المعجمية العربية المعاصرة، إصدار جمعية المعجمية العربية بتونس) لحلمي خليل: 74 - 89.
(2) السابق: 240.
(1/27)
________________________________________
3 - طريق جمع مادة المعجم من معاجم السابقين، وهو الطريق الذي ظل سائدا حتى العصر الحديث دون محاولة أخذ مادة المعجم من مادة حية تم جمعها من خلال النصوص" (1).
ثانيا: ترتيب المداخل:
أما المدخل فهو عبارة عن الوحدة اللغوية التي ستوضع تحتها بقية الوحدات اللغوية الأخرى أو المشتقات. وهو في اللغة العربية واللغات الاشتقاقية يتكون غالبا من الحروف التي تُكَوِّنُ البنية الأساسية الثابتة للكلمات والمشتقات، أي الجذر Root وهو غالبا ما يتكون في اللغة العربية واللغات السامية من حروف صامتة Consonants أما في غير العربية فقد يتكون من صوامت وصوائت Vowels. وغالبا ما تلتزم المعاجم بالترتيب الألفبائي Alphabetical Sequence سواء على مستوى المدخل الواحد أو على مستوى مداخل المعجم كلها (2).
وقد عرفت العربية أنواعا أخرى من ترتيب المداخل غير هذا الترتيب. فأقدم معجم عربي هو "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175هـ) قد رتب مداخله على أساس الترتيب المخرجي لأصوات حروف العربية، مبتدئا بأقصاها مخرجا من الحلق وهو حرف العين – كما تصور – ومنتهيا بما يخرج من الشفتين وهو الميم. وقد رتب مادته داخل المدخل على أساس من التقليب الصوتي؛ واقتفى أثره بعض المعجميين نحو: إسماعيل بن القاسم القالي (ت:356هـ) في معجمه "البارع في اللغة"، وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ) في "تهذيب اللغة"، وأبو القاسم الصاحب بن عباد (ت: 385هـ) في "المحيط الأعظم"، وأبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي (ت: 458هـ) في "المحكم". وقد عُرِفَتْ هذه المعاجم بمدرسة التقليب الصوتي (3).
__________
(1) صناعة المعجم الحديث لأحمد مختار عمر: 75، 76.
(2) علم المعاجم لحلمي خليل: 212.
(3) انظر: المعجم العربي نشأته وتطوره لحسين نصار: 173 - 287، والمعجم العربي، بحوث في المادة والمنهج والتطبيق لرياض زكي قاسم: 111، والمعاجم اللغوية لإبراهيم محمد نجا: 10.
(1/28)
________________________________________
وتزامنت هذه المدرسة مع مدرسة أخرى عرفت بمدرسة التقليبات الهجائية والتي ترتب المادة داخل المدخل على أساس تقليب المادة للحصول على المفردات المشتركة في الأصل من حيث المعنى والاشتقاق. ويمثل هذه المدرسة: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت:321هـ) في "الجمهرة" وأحمد بن فارس (ت: 395هـ) في معجميه: "مقاييس اللغة"، و"المجمل". واتسمت معاجم هاتين المدرستين بصعوبة البحث فيها لصعوبة تحديد تقاليب المادة وتوخي مواضعها من المعجم (1).
وكانت صعوبة البحث في المعاجم السابقة مدعاة لظهور المدرسة الثالثة والتي عرفت بمدرسة القافية؛ لأنها رتبت المداخل حسب الحرف الأخير (= القافية) من الكلمة، ترتيبا ألفبائيا؛ تيسيرا على الباحثين في معاجمهم. ويمثل هذه المدرسة: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت: 400هـ) في "الصحاح"، والصاغاني (ت:650هـ) في "العباب"، وأبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري (ت:711هـ) في "لسان العرب"، ومحمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت: 817هـ) في "القاموس المحيط"، ومحمد بن مرتضى الزبيدي (ت: 1205هـ) في "تاج العروس" (2).
أما المدرسة الرابعة فهي المدرسة الهجائية العادية، والفرق الوحيد بينها وبين المدرسة السابقة هو أنها رتبت مداخلها على أساس الحرف الأول من الكلمة. ويمثل هذا الاتجاه جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت: 538 هـ) في "أساس البلاغة"، والفيومي (ت:770هـ) في "المصباح المنير". ويعد هذا
__________
(1) انظر: المعجم العربي لحسين نصار: 315 - 365، والمعجم العربي بحوث في المادة والمنهج والتطبيق لرياض زكي: 113، والمعاجم اللغوية إبراهيم محمد نجا: 75.
(2) انظر: المعجم العربي لحسين نصار: 379 - 508، والمعجم العربي بحوث في المادة والمنهج والتطبيق لرياض زكي:115، والمعاجم اللغوية لإبراهيم محمد نجا: 95، والمعاجم العربية عبد الله درويش: 90.
(1/29)
________________________________________
الترتيب هو أسهلها جميعا؛ لذلك فهو الترتيب السائد في الكثير من اللغات، وعلى هديه سارت المعاجم الحديثة (1).
ثالثا: ترتيب المشتقات داخل كل مادة:
أما عن ترتيب المشتقات فهو يتمثل في وضع الكلمات والمشتقات تحت المدخل أيها يأتي أولا وأيها يأتي ثانيا. وإذا كانت المعاجم العربية القديمة قد اضطربت في ترتيب مداخلها "فإن الاختلاف بل الاضطراب أو تشتيت المشتقات تحت المدخل الواحد كان أشد وأعظم، بحيث يصعب على الباحث أن يجد منهجا واضحا اتبعه علماء المعاجم القدماء في سرد الكلمات والمشتقات داخل المادة الواحدة فقد يبدأ المعجمي بعد المدخل بذكر الفعل أو الاسم أو الصفة، وقد يبدأ بالأفعال الرباعية قبل الثلاثية وقد يقدم المجاز على الحقيقة، وقد يتكرر ذكر المشتق في أكثر من موضع، وقد يختلط المتعدي باللازم، وقد يأتي الجمع قبل المفرد، وقد تذكر الكلمات المعربة والدخيلة في مداخل مستقلة، وأحيانا تذكر مع المداخل العربية الأصل" (2).
وقد شعر كل من عانى المطالعة في المعاجم العربية – خاصة القديم منها – صعوبة في الحصول على ما يريد لغياب المنهجية في الترتيب الداخلي للمادة، ويرجع غياب هذه المنهجية إلى المنهج الذي اتبع في جمع مادة المعاجم في الأصل؛ لذلك لم يسلم منه معجم. وقد لاحظ ذلك كل من تصدى لدراسة المعاجم العربية (3). مما دفع العديد من اللغويين المعاصرين أن يقترحوا نموذجا لهذا الترتيب، وأول من نادى بذلك أحمد فارس الشدياق، حيث نعى على المعاجم العربية بصفة عامة، وعلى القاموس بصفة خاصة، خلوها من الترتيب في عرض المدخل، وكتاباه: "الجاسوس على القاموس"، و"سر الليالي" يعدان رؤية معاصرة ورائدة في أصول فن الصناعة المعجمية، وأصول الصناعة المشار
__________
(1) انظر: المعجم العربي حسين نصار: 549 - 586، والمعجم العربي بحوث في المادة والمنهج والتطبيق لرياض زكي: 116، والمعاجم اللغوية لإبراهيم محمد نجا: 175، والمعاجم العربية لعبد الله درويش: 119.
(2) حلمي خليل: بحث ضمن " في المعجمية العربية المعاصرة ": 214.
(3) انظر: المعجم العربي نشأته وتطوره لحسين نصار: 2/ 747.
(1/30)
________________________________________
إليها سابقا مبثوثة في ثنايا كتابيه. ويرى الشدياق أن ترتيب مادة المدخل يجب أن يراعى فيه الآتي:
1 - وضع الفعل الثلاثي ومشتقاته في أول المادة بعد المدخل.
2 - وضع الفعل الرباعي في وسطها.
3 - وضع الفعل الخماسي في آخرها.
مع مراعاة تقديم المعنى المحسوس على المعنى المجرد (1).
وقد أفاد اللغوي أحمد مختار عمر من ملاحظات الشدياق وغيره في تصور نموذج لعرض وتنظيم المادة المعجمية، وقد فصل ذلك في كتابه الرائد "صناعة المعجم الحديث". وقد رأى أن يكون الترتيب الأمثل لمادة المعجم يتمثل في العناصر الآتية:
1) ترتب مادة المعجم ترتيبا خارجيا حسب الترتيب الهجائي باعتبار جذر الكلمات.
2) ترتب كل مادة ترتيبا داخليا حسب النظام التالي:
أتبدأ كل مادة بالأفعال تتلوها الأسماء.
ب ترتب الأفعال على النحو التالي:
- •الأفعال الثلاثية المجردة حسب حركة العين في كل من الماضي والمضارع.
- •الأفعال الثلاثية المزيدة حسب عدد أحرف الزيادة من ناحية، ثم حسب الترتيب الهجائي لحروف الكلمة داخل كل نوع.
- •الأفعال الرباعية المجردة (وتضم مضعف الرباعي والملحق بالرباعي).
- •الأفعال الرباعية المزيدة (من مضعف الرباعي والملحق به).
3) فصل مضعف الرباعي عن مضعف الثلاثي.
4) ترتب الأسماء ترتيبا هجائيا دون اعتبار لحرف أصلي أو حرف مزيد.
5) يستخدم نظام الإحالة بالنسبة إلى الكلمات التي قد يشتبه أصلها.
6) توضع الألف بعد الهمزة في الترتيب الهجائي.
__________
(1) انظر: الجاسوس على القاموس لأحمد فارس الشدياق: ص10.
(1/31)
________________________________________
7) تعامل الهمزة بطريقة واحدة بصرف النظر عن هيئتها.
8) يعتبر الحرف المضعف بحرفين، ويراعى ذلك عند الترتيب.
9) توضع الكلمات الأعجمية تحت حروفها دون تجريد.
10) تكتب الكلمات الأعجمية التي لم تعرب بعد باللاتينية بعد العربية.
11) المعرب الذي اشتق منه يعامل معاملة الأسرة الواحدة (1).
رابعا: شرح المعنى المعجمي:
يذكر أحد المعاصرين أن " شرح المعنى موضوعه علم الدلالة، وهو كما يعرفه علم اللغة: العلم الذي يدرس المعنى، سواء على مستوى الكلمة المفردة أو التركيب، وتنتهي هذه الدراسة غالبا بوضع نظريات علمية في دراسة المعنى، تختلف من مدرسة لغوية إلى أخرى" (2).
ولكن بعض علماء اللغة المعاصرين يرى أنه فرع من علم اللغة يختص بدراسة المفردات ودلالاتها دون النظريات المختلفة التي قد يتطرق إليها علماء اللغة عند دراستهم للدلالة (3).
ويقع المعنى المعجمي في بؤرة اهتمام المعجمي؛ لأنه يعد أهم مطلب لمستعمل المعجم ... وكثير من مناقشات المعجميين تدور حول طريقة عرض المعاني المعجمية في معاجمهم. ويشكل المعنى صعوبة لصانع المعجم لأسباب منها (4):
1 - صعوبة تحديد المعنى، لتعدد أسس التفسير: نفسية، ولغوية، وسياقية.
2 - سرعة التطور والتغير في جانب المعنى قياسا إلى ما يحدث في جانب اللفظ.
3 - اعتماد تفسير المعنى على جملة من القضايا الدلالية التي تتعلق بمناهج دراسة المعنى، وشروط التعريف، والتغير الدلالي، وتخصيص المعنى أو تعميمه، وضرورة التمييز بين المعاني المركزية، والإضافية، والهامشية
__________
(1) انظر: صناعة المعجم الحديث لأحمد مختار عمر: 99 – 102.
(2) حلمي خليل: بحث ضمن " في المعجمية العربية المعاصرة ": 183.
(3) انظر: علم اللغة مقدمة للقارئ العربي لمحمود السعران: 283 – 341، ودراسات في علم اللغة لكمال بشر: 121 - 184.
(4) انظر: صناعة المعجم الحديث لأحمد مختار عمر: 117 – 120.
(1/32)
________________________________________
والإيحائية، والأسلوبية، وحتمية أخذ كل هذه المعاني في الاعتبار عند معالجة الكلمة دلاليا.
4 - أن جزءا من المعنى يتوقف على تحديد درجة اللفظ في الاستعمال.
5 - أن جزءا من الكلمة قد تم اكتسابه عن طريق مصاحبتها لكلمات أخرى معينة.
ويجب على المعجمي إذا أراد أن يصوغ المعنى بدقة، أن يراعي أمورا:
1 - أخذ المعنى الصرفي (الصيغة) في الاعتبار. فاستغفر تزيد على غفر معنى الطلب.
2 - ذكر الوظيفة النحوية كمكون دلالي.
3 - ربط المعاني الجزئية للجذر الناتجة عن تطبيقات الاستخدام، أو تنوع السياق – ربطها بمعنى عام يجمعها.
4 - وضع منهج دقيق لكيفية لذكر المعاني المتعددة للفظ واحد.
5 - وضع أولويات لتقديم بعض المعاني على بعض في المدخل الواحد سواء عن طريق الترتيب التاريخي، والترتيب حسب الأعم فالأخص، أو الحقيقي فالمجازي، أو الحسي فالتجريدي.
6 - تنويع طرق شرح المعنى، بحيث يخدم مهارتي التلقي: سماعا وقراءة، ومهارتي الأداء: تحدثا وكتابة (1).
ويقتضي تنوع شرح المعنى الأخذ بطرق الشرح الآتية بما يلائم المدخل:
أولا: طرق الشرح الأساسية:
1 - الشرح بالتعريف.
2 - الشرح بتحديد المكونات الدلالية.
3 - الشرح بذكر سياقات الكلمة.
4 - الشرح بذكر المرادف والمضاد.
ثانيا: طرق الشرح المساعدة:
1 - استخدام الأمثلة التوضيحية.
2 - استخدام التعريف الاشتمالي.
__________
(1) صناعة المعجم الحديث لأحمد مختار عمر: 117 – 120.
(1/33)
________________________________________
3 - اللجوء إلى الشرح التمثيلي أو التعريف الظاهري.
4 - استخدام الصور والرسوم (1).
إذن فالمحاور الأربعة السابقة ـ والمتمثلة في: مادة المعجم، وترتيب المداخل، وترتيب الألفاظ داخل كل مادة، وشرح المعنى المعجمي ـ تمثل الصناعة المعجمية التي تمثل الشق الثاني من عنوان هذه الدراسة.
__________
(1) صناعة المعجم الحديث لأحمد مختار عمر: 117 – 120.
(1/34)
________________________________________
الباب الأول: القراءات والأصوات
- الفصل الأول: القراءات والحركات
- الفصل الثانى: القراءات والصوامت
(1/38)
________________________________________
الباب الأول: القراءات والأصوات

يتناول هذا الباب ما حدث للقراءات القرآنية من تغير في الأصوات، وما ترتب على هذا التغيير من تعدد المعنى، أو بقي المعنى كما هو، وقد قسمت هذا الباب إلى فصلين: تناولت في أولهما القراءات والحركات الصوتية القصيرة (الفتحة، الكسرة، الضمة) ثم السكون، وتناولت في الفصل الآخر: القراءات والصوامت (التماثل التام، والتماثل الناقص، والهمز، والسكون).
(1/39)
________________________________________
الفصل الأول: القراءات والحركات
- المبحث الأول: التماثل الصوتى فى الفتح
- المبحث الثانى: التماثل الصوتى فى الكسر
- المبحث الثالث: التماثل الصوتى فى الضم
- المبحث الرابع: التماثل الصوتى فى السكون
(1/38)
________________________________________
الفصل الأول: القراءات والحركات

يتناول هذا الفصل ما حدث من تغير في الحركات الصوتية القصيرة للقراءات القرآنية، وقد قسمته إلى أربعة مباحث: تناولت في المبحث الأول التماثل الصوتي في الفتح، وتناولت في المبحث الثاني التماثل الصوتي في الكسر، وتناولت في المبحث الثالث التماثل الصوتي في الضم، وتناولت في المبحث الرابع والأخير التماثل في السكون.
مظاهر اختلاف اللهجات في المجال الصوتي:
تعد الاختلافات الصوتية أوسع ظاهرة يمكن أن تصنف القراءات القرآنية تحتها. والمعروف أن الأصوات العربية نوعان:
الأول: حركات (= صوائت):
1 - قصيرة: الفتحة، والكسرة، والضمة.
2 - طويلة: الألف، والياء، والواو (عندما تكون أصوات مد).
الثاني: سواكن (= صوامت): وتتمثل في بقية أصوات اللغة الأخرى (1).
وتأخذ بعض القراءات صورا متعددة في هذا الإطار الصوتي بنوعيه كما يلي (2):
1 - قراءة تفضل حركة معينة: فتحة، أو كسرة، أو ضمة.
2 - قراءة تثبت حركة أو تحذف.
3 - قراءة تبدل حرفا من آخر.
4 - قراءة تقرب صوتا من آخر بما يحقق الانسجام والتماثل.
__________
(1) انظر: علم اللغة لمحمود السعران: 160 وما بعدها، وأثر القراءات في الأصوات والنحو العربي لعبد الصبور شاهين: 220 وما بعدها، وكلام العرب (من قضايا اللغة) لحسن ظاظا: 7 وما بعدها، ودراسة الصوت الغوي لأحمد مختار عمر:313 وما بعدها.
(2) اللهجات العربية نشأة وتطورا لعبد الغفار حامد هلال: 404.
(1/39)
________________________________________
ويقصد بالتماثل (1) تأثير الأصوات المجاورة بعضها في بعض تأثراً يؤدي إلى التقارب في الصفة والمخرج، تحقيقاً للانسجام الصوتي، وتيسيراً لعملية النطق، واقتصاداً في الجهد العضلي. والمماثلة شائعة في اللغات كلها بصفة عامة، غير أن اللغات تختلف في نسبة هذا التأثر ونوعه. وللقدماء من أهل اللغة إشارات جلية توضح إدراكهم لهذه الظاهرة وذلك مضمن في ثنايا حديثهم عن الإدغام، وإن لم يطلقوا عليها هذا الاسم. فقد أطلق عليها سيبويه اسم (المضارعة) ويقصد بذلك تقريب الأصوات المجاورة بعضها مع بعض فضارعوا بها أشبه الحروف (2). وأطلق عليها ابن جني اسم (التقريب) أثناء كلامه على الإدغام الأصغر إذ يقول: "والإدغام المألوف المعتاد إنما هو تقريب صوت من صوت" (3). ويطلق عليها ابن يعيش اسم التجنيس أو تقريب الصوت من الصوت (4).
ولم يبتعد المحدثون من أهل اللغة عن تقريرات القدماء لهذه الظاهرة الصوتية وأدرجوها تحت اسم (المماثلة)، وذكروا أن الأصوات اللغوية تتأثر ببعضها في المتصل من الكلام، وهي في هذا التأثر تهدف إلى تحقيق نوع من المماثلة بينها ليزداد مع مجاورتها قربها في الصفات والمخارج. غير أن لهذا المصطلح تسمية أخرى هي (التحييد) كما يطلقها عليه لغوي معاصر ويعرفه بأنه "تداخل أو ذوبان فونيم في فونيم آخر حتى يصير فونيماً واحداً في سياق صوتي معين. أو بعبارة أخرى: إلغاء أو محو فونيم معين نتيجة لتفاعله مع فونيم آخر يختلف معه في ملمح صوتي واحد على الأقل. ويكون الفونيم الجديد الناتج من عملية (التحييد) صورة جديدة أو وسطاً بين الفونيمين المحوَّل عنه والمحوَّل إليه نتيجة عملية المماثلة" (5).
__________
(1) انظر حول المماثلة: الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 180، والتطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه لرمضان عبد التواب: 30، والتطور النحوي للغة العربية لبرجستراسر:30 - 35، ودراسة الصوت اللغوي لأحمد مختار عمر: 378.
(2) الكتاب: 4/ 477.
(3) الخصائص: 2/ 139.
(4) شرح المفصل: 10/ 121.
(5) أصول تراثية في علم اللغة لكريم زكي حسام الدين: 89.
(1/40)
________________________________________
من أنماط المماثلة:
1 - المماثلة التقدمية المقبلة: وفيها يكون اتجاه التأثير من الأصوات السابقة على الأصوات التي تليها، نحو: (غُرُفَات) حيث أثرت ضمة الغين (وهي فاء الكلمة) على حركة الراء (وهي عين الكلمة) فأدت إلى ضمها.
2 - المماثلة التراجعية المدبرة: وفيها يكون اتجاه التأثير للأصوات اللاحقة على الأصوات السابقة نحو: تتغير حركة الراء في "امْرُؤٌ، امْرَأً، امْرِئٍ " بحسب حركة الهمزة.
ويمكن ترتيب الأصوات الصائتة القصيرة في اللغة العربية الفصحى من الخفيف إلى الثقيل كما يلي: الفتحة، فالكسرة، فالضمة، وهي أثقلها. واختلفت اللهجات العربية في هذه الأصوات فَتَسْتَعْمِلُ لهجةٌ ما الفتحةَ مكان الكسرة أو الضمة، في حين أن الكسرة أو الضمة مستخدمتين في نفس الموضع في لهجة أخرى. وقد درس أحد الباحثين (1) هذه الظاهرة، وانتهى إلى أن القبائل التي سكنت الحواضر كانت تميل إلى الأخف فتستعمل الفتح في موضع الكسر أو الضم نحو القبائل التي سكنت الحجاز. أما القبائل التي سكنت البادية، نحو: قَيْسٍ وتميمٍ، وأَسَدٍ فكانت تميل إلى الكسر وتستخدمه في موضع الفتح عند الحضريين (2).
__________
(1) اللهجات العربية في القراءات القرآنية لعبده الراجحي: 122.
(2) ومن الملاحظ الغريب أن هذه القاعدة قد انعكست الآن، حيث إن أهل الحضر هم
الذين يميلون إلى كسر المفتوح، فيقولون: "شِهِق" في:"شَهِقَ".
(1/41)
________________________________________
المبحث الأول:
التماثل الصوتي في الفتح
تحقق التماثل الصوتي في الفتح في عدد من القراءات القرآنية التي وردت في "التاج "، وهي على الوجه التالي:
• (مَكُثَ) (1): قال تعالى: {فَمَكَثَ غيرَ بَعِيد} (2). [التاج: مكث].
قرئ بفتح الكاف وضمها، فمن فتحها جعله من باب (نَصَرَ يَنْصُرُ)، ومن ضمها جعله من باب (كَرُمَ يَكْرُمُ). قال أَبو منصور: "اللُّغَة العَالِيَة "مَكُثَ" وهو نادرٌ، و"مَكَثَ" جائِزَةٌ وهو القياسُ.
ولغة الضم هي الأصل؛ وهي قراءة الجمهور، وجعلها أبو منصور اللغة العالية، ولغة الفتح جاءت من باب التماثل الصوتي طلبا لخفة النطق؛ لأن الكاف وقعت بين صوتين مفتوحين فالتأثير فيها تقدمي ورجعي في نفس الوقت. فَثِقَلُ النطق في "مَكُثَ" هو الذي جعلها نادرة الاستخدام على الرغم من أصالتها، وخفة النطق في "مَكَثَ" هو الذي أدى إلى فشوها وإن لم تكن هي الأصل.
ويعطي ابن زنجلة تبريرا آخر لشيوع لغة الفتح فيقول:" والاختيار مَكَثَ بالفتح لأن (فَعُلَ) بالضم أكثر ما يأتي الاسم منه على (فَعِيل) نحو: ظرف وكرم فهو ظريف وكريم، ومن (فَعَلَ) بالفتح يأتي الاسم على (فَاعِل) تقول: مَكَثَ فهو مَاكِثٌ، قال الله - عز وجل -:"مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدَاً" (3) ولا يكون من (فَعُلَ) بالضم (فَاعِل) إلا حرف واحد قالوا فَرُهَ فهو فَارِهٌ " (4).
ولكن هذه الحجة وَهَّنَهَا السَّمِينُ فقال:" واعْتُذِر عنه بأنَّ (فاعِلاً) قد جاء لفَعُل بالضمِّ نحو: حَمُض فهو حامِض، وخَثُرَ فهو خاثِرٌ، وفَرُهَ فهو فارِهٌ " (5).
__________
(1) قراءة حمزة والكسائي وابن عامر ونافع وأبي عمرو وخلف وأبي جعفر ويعقوب، انظر: السبعة لابن مجاهد:480، والتيسير لأبي عمرو:111، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 463.
(2) النمل: 22.
(3) الكهف: 3.
(4) الحجة: 525.
(5) الدر المصون: 11/ 257.
(1/42)
________________________________________
ويرى الدارس أن التفسير الذي يعتمد على التماثل الصوتي هو الصواب اعتمادا على معطيات الدرس الصوتي الحديث.
• " سَنَفْرَغُ " (1): قراءة في قوله تعالى: {سنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} (2).
[التاج: فرغ].
يذكر الزبيدي للفعل (فرغ) ثلاث لغات: الأولى: فَرَغَ يَفْرُغُ، والثانية: فَرَغَ يَفْرَغُ والثالثة: فَرِغَ يَفْرَغُ. وينص على أن اللغة الأولى هي الأصل، وأن الثانية والثالثة لغتان في الأولى، وقد قرئ (سَنَفْرَُغُ) بضم الراء وفتحها، فالضم قراءة الجمهور وأما الفتح فقراءة قَتَادَة، وسَعِيد بنُ جُبَيْرٍ على فَرِغَ يَفْرَغُ، وفَرَغَ يَفْرَغُ.
ويفسر ابن جني فتح المضارع، على أنه نوع من الإتباع الكامل، وهو الإتباع الناتج عن قلب حركتي (الضمة أو الكسرة) إلى (الفتحة)؛ لتلائم نطق الحرف الحلقي وتناسبه، فهو إتباع الحركة للحرف. يقول ابن جني: " ومن ذلك قولهم: (فَعَلَ يَفْعَلُ) مما عينه أو لامه حرف حلقي نحو: (سَأَلَ يَسْأَلُ، وقَرَأَ يَقْرَأُ، وسَعَرَ يَسْعَرُ، وقَرَعَ يَقْرَعُ وسَحَلَ يَسْحَلُ، وسَبَحَ يَسْبَحُ). وذلك أنهم ضارعوا بفتحة العين في المضارع، جنس الحرف الحلقي، لما كان موضعاً منه مخرج الألف التي منها الفتحة " (3). والمضارعة التي يعنيها ابن جني تتمثل في أن نطق حروف الحلق يصحبه انفتاح في الفم، يسهل عملية انقباض الحلق، والحركة الوحيدة التي تتصف بالانفتاح هي الفتحة، ولذا يتم الإتباع هنا.
• "حَبَطَ" (4): قراءة في قوله تعالى: {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (5). [التاج: حبط].
يذكر الزبيدي أن المشهور (حَبِطَ يَحْبَطُ) من باب (سَمِعَ)، ولكن وردت فيه القراءة بلغة أخرى من باب (ضَرَبَ) فيقول: "وحكي عن أَعْرابِيٍّ أَنَّهُ قرأَ {فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُه} بفَتْحِ الباءِ. قالَ الأّزْهَرِيّ: ولم أَسمع هذا لغيرِهِ والقِراءةُ {فَقَدْ حَبِطَ
__________
(1) وهي أيضا قراءة هبيرة، وابن شهاب، ويحيى بن عمارة، والأعمش، وابن إدريس، انظر: الدر المصون:13/ 273، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 27.
(2) الرحمن: 31.
(3) الخصائص:1/ 154.
(4) قراءة ابن السميفع وأبي السمال، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 6/ 74، والبحر المحيط لأبي حيان: 3/ 430، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 230.
(5) المائدة: 5.
(1/43)
________________________________________
عَمَلُهُ} بكَسْرِ الباءِ". وقد راعت اللغتان مبدأ المخالفة، فالباء مفتوحة في الماضي مكسورة في المضارع أوالعكس.
ولغة فتح الباء في الماضي يرويها أبو زيد الأنصاري عن أحد الأعراب، وهذا يتفق مع الرأي القائل بأن سكان البادية يميلون إلى السهولة في النطق، وتوفير المجهود المبذول، وأن سكان الحواضر يميلون إلى التأني والهدوء في النطق يقول باحِثٌ مُحْدَثٌ:" الانسجام الصوتي ـ أو المماثلة الصوتية ـ مظهر من مظاهر التخفيف والتسهيل في الكلام، اتسمت به بعض القبائل العربية؛ ربما كان معظمها من قبائل شرق الجزيرة، تلك القبائل البدوية؛ لأن البدوي بطبعه يميل إلى الاقتصاد في المجهود العضلي عند النطق، أما القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة فقد حافظت على الأصل في النطق؛ لأنها تميل إلى التأني والهدوء في النطق" (1)، والدليل على ذلك كسر هاء ضمير الغائب بعد ياء أو كسرة، فقد قيل: إن الضم الأصل، والكسر جاء اتباعا (2).
• "رَغْبَاً وَرَهْبَاً" (3): قراءة في قوله تعالى: "يَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً" (4).
[التاج: رغب].
يستدل الزبيدي على تعدد اللغات في (الرغب والرهب) بالقراءة فيذكر أن قوله تعالى: "يَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً" قرئ بفتح الأول وسكون الثاني منهما، وقرئ بضم الأول وسكون الثاني (5)، وقرئ بضمهما معا (6)، وبفتحهما معا (7) فيتحصل
__________
(1) اللهجات العربية في التراث لأحمد علم الدين الجندي: 1/ 98. ويرى الدارس أن هذا الحكم ليس بوصف عام، فثمة ظواهر، مالت فيها القبائل المتحضرة إلى التخفيف، على حين حافظت القبائل البدوية على الأصل في النطق، ومن ذلك تحقيق الهمز وتخفيفه.
(2) انظر: الكتاب:4/ 195، والحجة لأبي على: 1/ 46، والحجة لابن خالويه: 63 والمقتضب:1/ 399 والمحتسب: 1/ 44، وإبراز المعاني: 73، والهمع: 1/ 58.
(3) قراءة ابن وثاب والأصمعي ويونس وأبي زيد وهارون وآخرون، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 11/ 327، والدر المصون: 10/ 327.
(4) الأنبياء:90.
(5) قراءة أبي عمرو، انظر الإتحاف: 556، ومعجم القراءات للخطيب:6/ 52.
(6) قراءة الأعمش، انظر المصدرين السابقين.
(7) قراءة الجمهور، انظر المصدرين السابقين.
(1/44)
________________________________________
من ذلك أربع قراءات. قال ابن خالويه: "هن لغات ومعناهن الفزع" (1). وعلى ضوء الدرس الصوتي الحديث أرى أن القراءة بفتح فاء الكلمتين وتسكين عينهما إنما هي لغة مخففة من "رَغَبَاً وَرَهَبَاً" بالفتح فيهما.
• "شَنْآن" (2): قراءة في قوله تعالى:"ولا يجرمنكم شَنَآنُ قَوْمٍ" (3).
[التاج: شنأ].
يذكر الزبيدي – وهو بصدد تعديد مصادر الفعل (شنأ) – أنه قرئ بـ (شَنْآن) بالتسكين وَ (شَنَآن) بالتحريك (4)، فمن حرك فهو مصدر، ومن سَكَّنَ فقد يكون مصدراً، ويكون صفةً كسَكْرَان، أَي مُبْغِضُ قوم. والأجمع للقراءة أن يقال إن (شَنَآن) مصدر، و (شَنْآن) لغة فيه على التخفيف.
والذي يرجح ذلك قول السمين: "وجَوَّزوا في كل منهما أن يكونَ مصدراً وأن يكون وصفاً، حتى يُحْكى عن أبي عليّ أنه قال: "مَنْ زَعَم أن "فَعَلان" إذا سَكَنت عينه لم يكن مصدراً فقد أخطأ، إلا أن (فَعْلان) بسكون العين قليلٌ في المصادر نحو: "لَوَيْتُه دَيْتُه لَيَّاناً" بل هو كثير في الصفات نحو سَكْران وبِابِه و (فَعَلان) بالفتح قليلٌ في الصفات، قالوا: حمارٌ قَطَوان أي عَسِر السير، وتيس عَدَوان" (5). وقوله:"ولو قال قائل: إن الأصل "الشنآن" بفتح النون، وخفف الهمزة بحذفها رأساً، كما قرئ "إِنِّهَا لَاحْدى الْكُبَر" بحذفِ همزة "إحدى" لكان قولاً يسقط به الدليل لاحتماله" (6).
• "فَضَحَكَتْ" (7): قراءة في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} (8).
__________
(1) الحجة: 277، وانظر الدر المصون: 10/ 327، والإتحاف للدمياطي: 556.
(2) التسكين قراءة ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ وَرْدَانَ وَأَبُو بَكْرٍ، انظر النشر:2/ 253.
(3) المائدة: 2.
(4) التحريك قراءة الجمهور، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 300، والنشر:2/ 253.
(5) الدر المصون: 5/ 218.
(6) السابق: 5/ 220.
(7) انظر: الجامع للطبري: 15/ 389 – 394، والمحرر الوجيز لابن عطية: 3/ 444، والتبيان للعكبري: 2/ 43، والبحر المحيط لأبي حيان:6/ 428، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي: 2/ 527 ومعجم القراءات لمختار: 2/ 399، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 98.
(8) هود: 71.
(1/45)
________________________________________
قرأ الجمهور بكسر الحاء من (ضحك)، ولكن الزبيدي يروي قراءة الفتح فيقول: "قُرِئَ بفَتْحِ الحاءِ فقِيلَ هو مُخْتَصٌّ بمَعْنى حاضَ، وقِيلَ: إِنَّها لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ في ضَحِكَ بكسرِها". [التاج: ضحك]
ولم تذكر المعاجم قبل الزبيدي (ضَحَكَ) بفتح الحاء كلغة ثانية في الفعل، وإذا كان ابن جني ذكر قراءة الفتح هذه إلا أنه أنكرها فقال: "وليس في اللغة (ضَحَكَتْ) وإنما هو (ضَحِكَتْ) أي حاضت" (1). ويعد الزبيدي أول من أدخل هذه القراءة في المعجم العربي، وقد استفادها من قراءة محمد بن يزيد الأعرابي، والتي ذكرها كل من الزمخشري (2)، وأبي حيان (3)، والسمين الحلبي (4).
وإهمال المعاجم لها يدل على ندرتها وشذوذها، ومجيؤها عن أعرابي يطرد والرأي القائل بميول الأعراب إلى السهولة في النطق، فَتَخَلَّصَ من كسر الحاء إلى فتحها لتماثل ما قبلها وما بعدها.
• " يَقْنِطُ " (5): قراءة في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (6). [التاج: قنط].
قرئت الآية بفتح النون وبكسرها. يقول السمين: "وفي الماضي لغتان: (قَنِطَ) بكسر النون (يَقْنَظ) بفتحها، و (قَنَطَ) بفتحِها (يَقْنِط) بكسرِها، ولولا أنَّ القراءةِ سُنَّةٌ متبعةٌ لكان قياسُ مَنْ قرأ "يَقْنَطُ" بالفتح أن يقرأَ ماضيَه "قَنِطَ" بالكسر، لكنهم أَجْمعوا على فتحِه في قولِه تعالى في قوله: {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} والفتحُ في
__________
(1) المحتسب: 2/ 323، 324.
(2) انظر الكشاف: 2/ 411.
(3) انظر البحر المحيط: 5/ 236.
(4) انظر الدر المصون: 8/ 316.
(5) الكسر قراءة أبي عمرو والكسائي، والفتح قراءة الباقين، انظر: السبعة لابن مجاهد: 220، والحجة لابن خالويه: 133، والعنوان: 20، والإتحاف: 492.
(6) الحجر: 56.
(1/46)
________________________________________
الماضي هو الأكثر ولذلك أُجْمِعَ عليه. ويُرَجِّح قراءَة "يَقْنَطُ" بالفتح قراءةُ أبي عمروٍ في بعض الروايات "فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ" كفَرِح يَفْرَحُ فهو فَرِح" (1).
يقول لغوي معاصر: "صِيغَتَا (فَعَلَ) بالفتح (وفَعِلَ) بالكسر، هما أكثر الصيغ الماضية شيوعا في القرآن، فصيغة (فَعَلَ) بالفتح ورد عليها حوالي مائة وسبعة أفعال من الأفعال الصحيحة، في مقابل أربعة وعشرين فعلا من صيغة (فَعِلَ) بالكسر والقاعدة التي خضعت لها القراءة المشهورة في اشتقاق المضارع من هذه الأفعال هي المغايرة فصيغة (فَعَلَ) بالفتح يقابلها (يَفْعُِلُ) بالكسر أو بالضم، أما صيغة (فَعِلَ) بالكسر فيقابلها (يَفْعَلُ) بالفتح" (2).
ومما جاء منسجما مع هذه القاعدة، وقرئت عين ماضيه ومضارعه بالكسر والفتح على المخالفة، على أنه من بابي: سَمِعَ وضَرَبَ قوله تعالى:
• {مَا يَلْفَِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
• {هََلْ تَنْقَِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ}.
أما الأفعال التي وردت في القرآن مفتوحة العين في الماضي والمضارع فلامُها أو عينُها من أحرف الحلق التي تؤثر الفتحة على غيرها من الحركات، وقد اطردت هذه القاعدة في الأفعال القرآنية فيما عدا: نكح، نزع، رجع، بلغ، قعد، زعم ونفخ (3).
ومن الأفعال التي جاء فيها الماضي على (فَعَلَ) مفتوح العين، وخالفت عين مضارعه إلى الكسر والضم، وقرئ بالوجهين قوله تعالى:
• {يَهْبُِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} (4). [التاج: هبط]
• {يَلْمُِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} (5). [التاج: لمز]
• {وَمَا كَانُوا يَعْرُِشُونَ} (6). [التاج: عرش]
• {أَهُِشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (7). [التاج: هشش]
__________
(1) الدر المصون: 9/ 208.
(2) انظر: من أسرار اللغة لإبراهيم أنيس: 51.
(3) انظر: السابق: 52.
(4) البقرة: 74.
(5) التوبة: 58.
(6) الأعراف: 135.
(7) طه: 18.
(1/47)
________________________________________
• {فَيَحُِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (1). [التاج: حلل]
• {نَكُِصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} (2). [التاج: نكص]
• {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُِدُّونَ} (3). [التاج: صدد]
• {يَوْمَ نَبْطُِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} (4). [التاج: بطش]
• {لَمْ يَطْمُِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَكُمْ وَلا جَانٌّ} (5). [التاج: طمث]
يخلص الدارس من هذا إلى أن القاعدة العامة هي المغايرة إلا إذا كان الفعل عينه أو لامه من أحرف الحلق، فالقاعدة هنا المماثلة، وشذ عن هذه القاعدة الخاصة الأفعال السابقة حيث خضعت للقاعدة العامة وهي المغايرة. ويماثل هذه الأفعال من حيث الشذوذ الفعل (قَنَطَ يَقْنَطُ) بالفتح في الماضي والمضارع، إذ آثر المماثلة والأصل فيه المغايرة، وهذا الشذوذ استوقف اللغويين، ومن ثم أخذ من تحليلاتهم نصيبا موفورا، منها: أن المضارع المفتوح العين ماضيه مكسور العين كـ (عَلِمَ يَعْلَمُ) والمضارع المكسور العين ماضيه مفتوح العين كـ (ضَرَبَ يَضْرِبُ) فكلاهما خاضع لقاعدة المغايرة، وقد أجمع القراء على الفتح في قوله تعالى: "مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا" (6) فهذا يؤكد أن الأصل فتح عين الماضي وكسر عين المضارع، ولعل هذا مما دفع ابن خالويه لأن يرجح الكسر في المضارع (7).
أما ابن جني فقد كان بارعا في تعليله لفتح العين في الماضي والمضارع؛ حيث ذكر أنه لغة ثالثة نتجت من تركب لغتين: قَنَطَ (بالفتح) يَقْنِطُ (بالكسر) وقَنِطَ (بالكسر) يَقْنَطُ (بالفتح) (8).
__________
(1) طه: 81.
(2) الأنفال: 48.
(3) الزخرف: 57.
(4) الدخان: 16.
(5) الرحمن: 56.
(6) الشورى: 28.
(7) انظر: الحجة لابن خالويه: 207.
(8) انظر: الخصائص: 1/ 378.
(1/48)
________________________________________
• {المِخَاضُ} (1):من قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ} (2). [التاج: مخض].
يذكر الزبيدي أن الجمهور قرؤوا بفتح الميم، وقرأ ابنُ كَثِيرٍ في الشواذ: {المِخَاضُ} بكسر الميم، وأَنَّ كَسْرَ ما قَبْلَ حروفِ الحَلْقِ لغةُ لعامةِ: قَيْسٍ، وتميمٍ وأَسَدٍ، يقولون: مِخِضَت، بكَسْرِ الميم، ويفعلون ذلك في كلِّ حرفٍ كانَ قبل أَحد حُروف الحَلْقِ ... ويقولون: بِعِيرٌ، وزِئيرٌ، ونِهِيقٌ، وشِهيقٌ، ونِهِلَتِ الإِبلُ، وسِخِرْتُ مِنْهُ.
والجمهور على فتحِ الميم من "المَخَاض" (3). وقيل: المفتوح اسمُ مصدرٍ كالعَطاء والسَّلام والمكسورُ مصدرٌ كالقتال واللِّقاء، والفِعال قد جاء مِنْ واحد كالعِقاب والطِّراق (4).
فالفتح هو الأصل، وهو قراءة الجمهور، وهذا يتفق مع ما تقدم من أن الفتح لغة الحِجَازِ والكسرَ لغةُ نَجْدٍ. ولكنه لا يطرد مع السهولة التي ينشدها أهل نجد والتي عرفوا بها؛ لأن فتح الميم لتماثل فتح الحاء يجعل النطق بها أسهل منها في حالة كسر الميم.
• {يَهَدِّي} (5) من قوله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} (6). [التاج: هدي].
قرأ أبَو عَمْرٍو: {أَمَّنْ لا يَهَدِّي} بَفَتْحَ الهاءِ. والمعروف أن أبا عمرو يتخير قراءته وهو هنا اختار القراءة الأسهل في النطق؛ ومصدر السهولة جاء من كون الحركة فتحة وكونها مماثلة لحركة الياء قبلها. ومثل هذه القراءة وُجِدَتْ في حروف مشابهة هي:
__________
(1) هي رواية لابن كثير، انظر: الدر المصون: 12/ 122، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر: 3/ 159.
(2) مريم: 23.
(3) الدر المصون للسمين: 10/ 122.
(4) التبيان الأبي البقاء العكبري: 2/ 112.
(5) قراءة ابن عامر وابن كثير وأبي عمرو وورش عن نافع وآخرين، انظر: السبعة: 326، والحجة لابن خالويه: 181، والمحتسب: 1/ 60.
(6) يونس: 35.
(1/49)
________________________________________
• {يَخَصِّفَانِ} (1): قراءة في قوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (2). [التاج: خصف].
مُرَدَّفِينَ" (3): قراءة في قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (4). [التاج: ردف].
• {يَخَصِّمُونَ} (5): من قوله تعالى: {وهم يَخِصِّمُونَ} (6). [التاج: خصم] {ظَعَنِكُمْ} (7): قراءة في قوله تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} (8). [التاج: ظعن].
قُرِئَ بفتْحِ العين وسكونها. قال العكبري: "هما لغتان مثل النَّهْرِ والنَّهَر" (9). وقال ابن خالويه: "الحجة لمن حرك العين فلأنها من حروف الحلق والحجة لمن أسكن أنه أراد المصدر" (10). وقال السَّمِينُ الحلبي: "وزعم بعضُهم أن الأصلَ الفتحُ، والسكونُ تخفيفٌ لأجلِ حرفِ الحلق كالشَّعْر في الشَّعَر" (11).
• {زَهَرَة} (12): قراءة في قوله تعالى: {زَهْرَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} (13). [التاج: زهر]
__________
(1) قراءة الحسن ويعقوب والأخفش، انظر: مختصر ابن خالويه: 42، والمحتسب: 1/ 245.
(2) الأعراف: 22، وطه: 121.
(3) قراءة معاذ القارئ وأبي المتوكل وأبي مجلز، انظر: معجم القراءات للخطيب: 3/ 267.
(4) الأنفال: 9.
(5) قراءة ورش عن نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 541 والإتحاف:651، ومعجم القراءات للخطيب:7/ 493.
(6) يس: 49.
(7) قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو يعقوب وأبي جعفر، انظر: السبعة: 375، والحجة لابن خالويه: 212، والعنوان: 118، والنشر: 2/ 304، والإتحاف: 293.
(8) النحل: 80.
(9) التبيان: 2/ 84.
(10) الحجة: 213.
(11) الدر المصون: 9/ 287.
(12) وهي أيضا قراءة طلحة وحميد ويعقوب وسهل والجحدري والزهري وآخرون، انظر: مختصر شواذ القراءات لابن خالويه: 94، والنشر: 2/ 362، والإتحاف:550.
(13) طه: 131.
(1/50)
________________________________________
قرئ بسكون الهاء وفتحها، قال أَبو حاتم: الفتح قِراءَة العَامّة بالبَصْرة، وتسكين الهاء: (زَهْرَة) قِرَاءَة أَهْل الحَرَمَين، وأَكثرُ الآثارِ على ذلِك (1). وقال السمين: "العامَّةُ على تسكينِ الهاء. وقرأ الحسن وأبو البرهسم وأبو حيوةَ بفتحِها، فقيل: بمعنىً، كـ (جَهْرَة وجَهَرَة) (2). وأجاز الزمخشري أَنْ يكونَ جمعَ زاهر، كفاجِر وفَجَرَة، وبارّ وبَرَرَة" (3).
يقرر الصرفيون أن حركة (عين) جمع المؤنث السالم تماثل حركة (فاء) مفرده، إذا كان المفرد هذا اسماً ثلاثياً صحيح العين مفتوح الفاء، فعندئذ يجب الإتباع. ومما تناوله الزبيدي من هذا الباب:
• {حَسَرَاتٍ} من قوله تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (4).
[التاج: بخع].
• {صَدَقَاتِكُم} من قوله تعالى: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} (5).
[التاج: منن].
• وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَات" (6). [التاج: رفع].
فمثلاً كلمة (حَسَرَاتٍ) التي وردت في الآية الأولى، هي جمع مؤنث سالم، جاء بفتح العين (السين)؛ لأن مفرده (حَسْرَة)، اسم ثلاثي مفتوح الفاء، والعين فيه صحيحة ساكنة، ففتح عين الجمع جاء متابعة ومماثلة لفتح فاء المفرد. وعلي هذا يتم تأويل الإتباع الحركي في كلمتي (صَدَقَاتِكُم)، و (دَرَجَاتٍ) في الآيتين التاليتين.
__________
(1) انظر التاج: 11/ 473.
(2) الدر المصون: 10/ 271.
(3) الكشاف: 4/ 193.
(4) فاطر: 8.
(5) البقرة: 264.
(6) الأنعام: 165.
(1/51)
________________________________________
المبحث الثاني
التماثل الصوتي في الكسر
يرصد هذا المبحث القراءات القرآنية التي حدث فيها توالي الكسر، ليسير الباب عندهم على وتيرة واحدة، ويتحقق قانون المماثلة الصوتية، وقد لوحظ أنه عندما تأتي الكلمة على صيغة (افتعل) فقد تدغم تاء الافتعال في عين الفعل إن كان بينهما تماثل أو تجانس، ولما كان الحرف المدغم مكونا من صوتين أولهما ساكن، وفاء الفعل في الصيغة السابقة ساكنة، فقد أدى ذلك إلى الجمع بين الساكنين، مما حدا بمستخدم اللغة إلى تحريكه، وتَعَدَّدَتْ مَشَارِبُهُمْ في هذه الحركة، ويقتصر الحديث في هذا الموضع على تحريك فاء الكلمة بالكسر. وقد عالج الزبيدي هذه الظاهرة في عدة مواضع منها:
• {يَخِصِّفَانِ (1): قراءة في قوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (2). [التاج: خصف].
• {مُرِدِّفِينَ} (3): من قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (4). [التاج: ردف].
• {يَهِدِّي} (5): من قوله تعالى: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى} (6).
[التاج: هدي].
• {يَخِصِّمُونَ} (7): من قوله تعالى: {وهم يَخِصِّمُونَ} (8). [التاج: خصم].
__________
(1) قراءة الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب، انظر الدر المصون: 7/ 102.
(2) الأعراف: 22، وطه: 121.
(3) رواية الخليل بن أحمد، انظر: الدر المصون: 7/ 356، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 255.
(4) الأنفال: 9.
(5) قراءة حفص عن عاصم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 326.
(6) يونس: 35.
(7) قراءة حفص، ويعقوب، والكسائي، وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 541، والدر المصون: 12/ 172، والنشر لابن الجزري: 2/ 394، والإتحاف:651.
(8) يس: 49.
(1/52)
________________________________________
فأصل: (يَخِصِّفَانِ، ويَخِصِّمُونَ) هو يختصفان ويختصمون، أدغمت تاء الافتعال في الصاد، وأصل: (مُرِدِّفِينَ، ويَهِدِّي) هو مرتدفين ويهتدي، أدغمت تاء الافتعال في الدال.
ويتفق تحليل الزبيدي مع تحليل العلماء لهذه القراءات صرفيا حيث ذكر سيبويه أن "يَهِدِّي" و"يَخِصِّمُونَ" أصلهما: يَهْتَدِي ويَخْتَصِمُونَ وقد حدث إدغام، وهو أقوى؛ لأن التاء والدال من مخرج واحد، وتقارب المخرجين بين التاء والصاد، والبيان عربي حسن (1)، وذكر ابن خالويه في تحليل "يَهِدِّي" ـ وكذلك مكي ـ أنه حذف الحركة وأسكن التاء، فالتقي ساكنان؛ سكون الهاء وسكون الدال المشددة بعد قلب التاء دالا؛ فكسرت الهاء لالتقائهما (2)، وذكر الطبري أن كسر الهاء؛ استثقالا للفتحة بعدها كسرة في حرف واحد (3)، وأضاف أبو شامة أن الكسر أنسب للياء قبلها، والكسر لغة سفلى مضر (4).
وقال السمين الحلبي في قراءة "مُرِدِّفين" بكسرِ الراء وتشديدِ الدالِ مكسورةً وكسرُ الراء يَحْتمل وجهين: إمَّا لالتقاء الساكنين وإمَّا للإِتباع. قال ابن عطية: ويجوز على هذه القراءةِ كسرُ الميم إتباعاً للراء، ولا أحفظه قراءة " ... وقُرِئ "مِرْدِفين" بكسر الميم إتباعاً لكسرة الراء" (5).
كذلك الأمر بالنسبة لـ "يَخِصِّمُونَ" فقد ذكر النحاس أن الأصل (يختصمون) وأدغمت التاء في الصاد، فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين (6)، وقال القرطبي: كسر الخاء إتباعا مثل "يَهِدِّي" (7)، والكسر أجود وأكثر (8). ومثل ذلك يقال في (يخصفان).
__________
(1) انظر: الكتاب: 4/ 433، 474، 475، وأصوات العربية: 137 و150 و158.
(2) انظر: الحجة لابن خالوية: 181، والكشف لمكي: 1/ 518.
(3) انظر: جامع البيان: 15/ 87.
(4) انظر: إبراز المعاني: 508.
(5) الدر المصون: 7/ 357.
(6) انظر: جامع الأحكام: 6/ 5482.
(7) انظر: المرجع السابق.
(8) انظر: معاني الفراء: 2/ 379، وإبراز المعاني: 659.
(1/53)
________________________________________
والدارس يرجح رأي القرطبي ـ ومن ماثله الرأي ـ حيث إن الدرس الصوتي الحديث يؤكد سلامة رأيه، فكسر الهاء والخاء جاء نتيجة التماثل الرجعي؛ حيث أثرت حركة الدال والصاد على حركة الهاء والخاء؛ فتماثلت كسرة مثلها. وتحمل بقية الآيات على نفس التفسير.
• (عُتِيًّا) (1): قراءة في قوله تعالى: "وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ "عِتِيَّاً" (2)، وقوْلُه تعالى: {أَيُّهم أَشدُّ على الرَّحْمنِ عِتِيًّا} (3). [التاج: عتو].
قُرِئ بكسر العَيْنِ وضمها. ويحلل الجَوْهري (4) هذه القراءة صرفيا فيقول: الأَصْلُ عُتُوٌّ، ثم أَبْدلُوا مِن إحْدى الضَّمَّتَيْن كَسْرةً فانْقَلَبتِ الواوُ ياءً فقالوا عُتِيًّا ثم أَتْبَعُوا الكَسْرةَ الكَسْرَة وقالوا (عِتِيًّا) ليُؤَكِّدوا البَدَلَ.
• (بِكِيَّاً) من قوله تعالى: " إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" (5).
قال الزبيدي: (وبُكِيٌّ)، بالضَّمِّ وكَسْرِ الكافِ وتَشْديدِ الياءِ، وأَصْلُه (بُكُويٌ) على فُعُول، كسَاجدٍ وسُجُودٍ، قُلِبَ الواوُ ياءً فأُدغم؛ قالَهُ الرَّاغِبُ. قالَ شيْخُنا: وهو مَسْموعٌ في الصَّحيحِ ولا يُعْرَفُ في المُعْتلِّ وقد خَرَّجُوا عليه قَوْلُه تعالى: {خروا سجداً وَبُكيّاً}. [التاج: بكي].
• (صِلِيَّاً) من قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} (6).
قال الزبيدي: (صُلِيّاً وصِلِيّاً)، بالضمِّ والكسْر مع تَشْديدِ الياءِ فيهما. [التاج: صلي].
• (جِثِيَّاً) من قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (7).
__________
(1) الكسر قراءة حمزة، وحفص، والكسائي، والضم قراءة الباقين، انظر: التيسير: 102، والعنوان: 22، وحجة أبي زرعة: 439، والدر المصون: 10/ 113، والنشر: 2/ 356، والإتحاف: 528.
(2) مريم: 8.
(3) مريم: 69.
(4) الصحاح: عتو: 7/ 268.
(5) مريم: 58.
(6) مريم: 70.
(7) مريم: 72.
(1/54)
________________________________________
ذكر الزبيدي أن (جاثٍ) جمعه (جُثِيٌّ) بالضَّمِّ؛ مِثْل: جَلَسَ جُلوساً وقَوْم جُلُوس؛ والكَسْر لمَا بَعْده مِن الكسْرِ، يعني للمماثلة. [التاج: جثو].
وقد بين ابن خالويه سبب الكسر والضم في هذه المواضع وما شاكلها - وكأنه في تفسيره هذا ينطلق من قوانين الدرس الصوتي الحديث - فقال في قوله تعالى {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِياً}: "يقرأ بالكسر والضم وما شاكله من قوله: فالحجة لمن قرأ بالكسر أنه نحا ذلك لمجاورة الياء، وجذبها ما قبلها إلى الكسر؛ ليكون اللفظ به من وجه واحد؛ لأنه يثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسر. والحجة لمن ضم أن الأصل عنده في هذه الأسماء الضم؛ لأنها في الأصل على وزن (فعول) فانقلبت الواو فيهن ياء لسكونها، وكون الياء بعدها فصارتا ياء مشددة " (1).
إن الكلمات (عِتِيَّاً، وصِلِيَّاً، وجِثِيَّاً) قد خالف شكلها بنيتها نتيجة الانسجام أو التماثل الصوتي، حيث قرئت هذه الكلمات بكسر الأول وضمه. والكسر لغة (2) والضم هو الأصل، والكسر جاء اتباعا (3)؛ ليكون عمل اللسان من وجه واحد؛ لأن اسم الفاعل من "عِتِيَّاً وجِثِيَّاً" عَاتِو وجَاثِو ـ بكسر العين ـ إذ إنه من يَعْتُو ويَجْثُو، ثم انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: غَازٍ والأصل: غَازِو؛ لأنه من (يَغْزُو)، فأصبح اسم الفاعل الواحد "عَاتٍ، وجَاثٍ، وصَالٍ" فجاء الجمع على وزن (فُعُول) تاليا للواحد، فصار "جِثِيّ وعِتِيّ، وصِلِيّ" فكسرت عين (فعول) لكسرة الياء، ثم كسر الأول إتباعا له (4)، وذكر القرطبي أن الأصل الضم؛ لأن المصدر "عتو" من ذوات الواو، من: (عتا يعتو عتوا)، فأبدلوا الواو ياء؛ لأنها أختها وأخف. وقيل: الضم والكسر لغتان (5). وقال السمين:"الأصل: عُتُوْوٌ بواوين فاسْتُثْقِل واوان بعد ضمتين، فَكُسِرَتِ التاءُ تخفيفاً فانقلبت الواوُ الأولى ياءً لسكونها وانكسارِ ما قبلها، فاجتمع ياءٌ وواوٌ، وسَبَقَتْ إحداهما
__________
(1) الحجة: 235.
(2) انظر: السبعة: 407، والعنوان: 126، والنشر: 2/ 317، والإتحاف: 2/ 235.
(3) انظر: الكشف عن وجوه القراءات لمكي: 2/ 84.
(4) انظر: الحجة لابن خالويه 235، والكشف عن وجوه القراءات لمكي: 2/ 84.
(5) انظر: جامع الأحكام: 5/ 412.
(1/55)
________________________________________
بالسكون، فَقُلبت الواوُ ياءً وأُدْغِما فيها الياءُ الأُولى ... وقرأ الأخَوان "عِتِيَّا" و"صِلِيَّا" و"بِكِيَّا" و"جِثِيَّا" بكسر الفاء للإتباع، والباقون بالضمِّ على الأصل" (1).
ولا خلاف بين آراء العلماء، فالأصل الضم؛ لأنه (فُعُول)، وقلبت الواو ياء؛ لثقل الواو وخفة الياء؛ ولتناسب الكسرة قبلها، ثم قلبت ضمة الفاء كسرة؛ تماثلا مع الياء بعدها. ولم يكن هذا قانونا عاما في كل القبائل العربية، وإنما كان خاصا ببعض القبائل دون بعض، فثمة قبائل تستعمل الأصل، وأخرى تميل للانسجام تخفيفا، فأصبح الانسجام لغة ثانية، ومن ثم فالانسجام مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف (2).
• "فَنَعِمَّا" (3) قراءة في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (4).
[التاج: نعم].
حيث قرئ "فَنِعِمَّا" (5) بكسر النون والعين، و"فَنَعِمَّا" بفتح النون وكسر العين، و"فَنِعْمَّا" بكسر النون وإسكان العين، وقد احتج العلماء للقراءات السابقة، فذكر سيبويه أن كسر العين لغة هذيل، وهى على لغة كسر العين لا إسكانها (6)، وقد تبعه الرأي مكي وأبو حيان (7)، وكسر النون اتباعا لحركة العين (8)، وذكر ابن خالويه أن الأصل (نِعْمَ) بكسر النون وإسكان العين؛ لتوافق (بِئْسَ) (9)، وماثله الرأى القرطبى، وذكر أنها اللغة الجيدة؛ وكسرت العين لالتقاء الساكنين (10).
__________
(1) الدر المصون: 10/ 113.
(2) انظر الخصائص اللغوية لقراءة حفص دراسة في البنية والتركيب، أطروحة دكتوراه لعلاء إسماعيل الحمزاوي، قسم اللغة العربية بآداب المنيا سنة 1998م: 43.
(3) قراءة ابن عامر والكسائي وحمزة وخلف والأعمش ويحيى بن وثاب، انظر: السبعة: 191، والحجة لابن خالويه: 102، والحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 296، والنشر: 2/ 335.
(4) البقرة: 271.
(5) انظر: الحجة لابن خالويه: 102، والنشر: 2/ 323.
(6) انظر: الكتاب: 4/ 439، و 440، والحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 297.
(7) انظر: الكشف لمكي: 1/ 316، والبحر المحيط: 2/ 324.
(8) انظر: البحر المحيط: 2/ 324.
(9) انظر: الحجة لابن خالويه: 102.
(10) انظر: جامع الأحكام: 2/ 1142.
(1/56)
________________________________________
وفي ضوء الدرس الصوتي الحديث يرجح الدارس أن الأصل فتح النون وكسر العين، وإنما كسرت النون نتيجة مماثلة رجعية، وكسر النون أفصح اللغات؛ لأنها مكسورة في قوله تعالى: "نِعْمَ الْعَبْدُ (1) " (2).
نلمح ذلك في بعض الأمثلة القرآنية والتي تناول الزبيدي فيها كيفية ضبط ضمير هاء الغيبة ولغات العرب فيها من خلال:
• (يُؤدِّهِ) من قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (3).
• (نُؤْتِهِ) من قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} (4).
• (نُوَلِّهِ ونُصْلِهِ) من قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (5).
• (لِرَبِّهِ) من قوله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودُ} (6). [التاج: ها].
فأصل حركة الضمير (هُمْ) الضم كما يلي: (ـهُ) للمفرد المذكر، و (هُما) للمثنى، و (هُم) لجمع الذكور، و (هُنَّ) لجمع الإناث. وهذا ما جعل ابن يعيش (7) يتصور أن ضمير جمع الذكور أصله (هُمو) بإشباع الهاء المضمومة، وأنها تطورت في الاستخدام حتى آل إلى ما هو عليه الآن. لكن هذه الضمة الأصلية على (الهاء) لا تثبت بل تتغير إتباعاً لما قبلها من حركات مثل (الكسرة الطويلة أو القصيرة) أو (الياء) فتقلب إلى تلك الكسرة.
وردت القراءة في هذا الضمير بأكثر من وجه، حيث جاء ساكنا، ومبنيا على الكسر، وفي بعض المواضع مبنيا على أصله وهو الضم. وذكر ابن
__________
(1) سورة ص: 30، و44.
(2) انظر: إبراز المعاني: 374.
(3) آل عمران: 75.
(4) آل عمران: 145.
(5) النساء: 115.
(6) العاديات: 6.
(7) انظر: شرح المفصل: 10/ 47 - 49.
(1/57)
________________________________________
الجزري أن هذا الضمير يكسر إذا سبق بكسر أو ياء، ويضم إذا سبق بفتح أو ضم أو ساكن غير الياء (1).
وقال ابن خالويه:" هذا أصل لكل فعل مجزوم اتصلت به هاء فإن كان قبل الهاء كسرة فاكسره، واختلس، وأسكن، وإن كان قبل الهاء فتحة فاضمم الهاء، وألحق الواو، واختلس أو أسكن " (2).
وقال الكِسائي هي لُغاتٌ يقالُ: فيهِ، وفِيهِي، وفيهُ، وفِيهُو، بتمامٍ وغيرِ تمامٍ، وقال: لا يكونُ الجَزْم في الهاءِ إذا كانَ ما قَبْلَها ساكِناً (3).
وقد علل أبو زرعة لهذه الوجوه عند حديثه عن قوله تعالى: {يُؤَدِّهْ إِلَيْكَ} (4) فقال: " قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر {يُؤَدِّهْ إِلَيْكَ} و {لا يُؤَدِّهْ إِلَيْكَ} بسكون الهاء، وحجتهم أن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرك ما قبلها، فيقول: ضَرَبْتُهْ ضَرْبَاً شَدِيدَاً، فينزلون الهاء إذ سَكَّنُوهَا وأصلها الرفع بمنزلة (أَنْتُمْ ورَأَيْتُهُمْ) إذ سَكَّنُوا الميم فيها وأصلها الرفع ولم يصلوها بواو؛ فلذلك أجريت الهاء مجرى الميم في أَنْتُمْ ... وقرأ الباقون (يُؤَدِّهِي إِلَيْكَ) و (لا يُؤَدِّهِي إِلَيْكَ) يصلون بياء في اللفظ، وحجتهم أن الياء بدل من الواو، وأصلها (يُؤَدِّهُو إِلَيْكَ) لكن قلب الواو ياء لانكسار ما قبلها، فلا سبيل إلى حذف الياء وهي بدل من الواو، قال سيبويه: الواو زيدت على الهاء في المذكر، كما زيدت الألف في المؤنث في قولك: ضربتها ومررت بها، وضربتهو؛ ليستوي ضربته المذكر والمؤنث في باب الزيادة. وقرأ نافع في رواية الحلواني (يُؤَدِّه) بالاختلاس وحجته أن الكسرة تدل عل الياء وتنوب عنها" (5).
ونخلص مما سبق إلى أن الأصل في هذا الضمير البناء على الضم إلا أنه يخرج عن هذا الأصل فيكسر لمماثلة ما قبله، أي أن التأثير تقدمي حيث أثرت الكسرة التي قبل الضمير فيه فأدت إلى كسره، وقد تم هذا الإتباع مجانسة لهذه
__________
(1) انظر النشر:1/ 305.
(2) الحجة: 111.
(3) انظر التاج: 40/ 544.
(4) آل عمران: 75.
(5) الحجة: 166.
(1/58)
________________________________________
الياء وللمناسبة الصوتية. وهذا الإتباع تحقق به التخلص من الثقل، والمناسبة للذوق، والتيسير للأداء الصوتي.
والذي يدل على أن أصل بنائه الضم مجيء القراءة بضمه على الأصل مع أن ما قبله ياء وذلك في قراء حفص لقوله تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}، وقوله تعالى: "عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ" (1).
قال ابن خالويه:" "وما أنسانيه" يقرأ بضم الهاء وكسرها مختلستين، فالحجة لمن ضم أنه أتى بلفظ الهاء على أصل ما وجب لها، والحجة لمن قرأه بالكسر فلمجاورة الياء، ومثله "ومن أوفى بما عاهد عليه الله" (2).
ويعلل أبو زرعة قراءة الضم فيذهب مذهبا غريبا إذ يقول: "وإنما عدل عن كسر الهاء إلى الضم لما رأى الكسرات من أنسانيه وكانت الهاء أصلها الضم رأى العدول إلى الضم ليكون أخف على اللسان من الاستمرار على الكسرات ومن كسر فلمجاورة الياء " (3). فهو يزعم أن قراءة الضم أخف من قراءة الكسر، وهذا لا يتفق مع معطيات الدرس الصوتي الحديث، والذي يصرح بأن الكسر أخف من الضم، وأن الحركات المتماثلة أخف في النطق إذا تجاورت.
أما السمين فيرى أن الضم في {وَمَآ أَنْسَانِيهُ}؛ سببه أنَّ الياءَ أصلُها الفتح والهاءُ بعد الفتحةِ مضمومةٌ فنظر هنا إلى الأصل. وأمَّا في "عَلَيْهُ اللَّهَ"؛ فلأنَّ الياءَ عارضةٌ إذ أصلُها الألفُ، والهاءُ بعد الألف مضمومةٌ فنظر إلى الأصلِ أيضاً (4).
__________
(1) انظر النشر:1/ 305.
(2) الحجة: 226.
(3) الحجة: 422.
(4) الدر المصون:10/ 80.
(1/59)
________________________________________
المبحث الثالث
التماثل الصوتي في الضم
يتناول هذا المبحث أيضا ما حدث للقراءة القرآنية من تماثل في الضم، وسوف يسرد هذه القراءات الواردة في التاج مدعومة بأقوال المفسرين واللغويين وذلك على النحو التالي:
• (مُرُدِّفِينَ) (1): قراءة في قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2). [التاج: ردف].
قال الزبيدي: " قال الخليلُ: سَمِعْتُ رجلاً بمكَّةَ يَزْعُم أَنَّهُ مِن القُرَّاءِ، وهو يَقْرَأُ: مُرُدِّفِينَ، بضَمِّ المِيمِ والرًّاءِ وكَسْرِ الدَّالِ وتَشْدِيدِها ... أَصْلُهَا: مُرْتَدِفِينَ، لكنْ بعدَ الإِدْغَامِ حُرِّكتِ الرَّاءُ بحَرَكةِ المِيمِ ".
وهذا معناه أن في هذه القراءة تأثيرًا مقبلاً (تقدميًا) حيث تأثرت الراء الساكنة بحركة الميم قبلها فماثلتها في الضم (3).
• (يُخُصِّفانِ) (4): قراءة في قوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ} (5) [التاج: خصف].
وهي قراءة عبد الله بن يزيد، بضم الياء والخاء وكسر الصاد مشددة، وهي مِنْ (خَصَّفَ، يُخَصِّفُ) بالتشديد، فالفعل رباعي مضموم الياء في المضارع، والأصل أن تكون حركة الخاء الفتح، إلا أننا نجد أن الخاء تابعت الياء قبلها في الضم، وهي قراءة عَسِرةُ النطق، ويدل على أن أصلها مِنْ (خَصَّف) بالتشديد قراءةُ بعضهم "يُخَصِّفَانِ" كذلك إلا أنه بفتح الخاء على أصلها (6). ويعد التأثير هنا تقدميا حيث تأثرت حركة الخاء بحركة الياء قبلها.
__________
(1) هي رواية الخليل بن أحمد، انظر: الدر المصون: 7/ 356، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 255، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 265.
(2) الأنفال: 9.
(3) وانظر هذه الوجوه أيضا في: الكتاب لسيبويه: 4/ 444، إعراب القرآن للنحاس: 2/ 178، وإعراب القرآن للزجاج: 1/ 222، والدر المصون للسمين: 7/ 357.
(4) قراءة عبد الله بن يزيد، انظر: الدر المصون: 7/ 102.
(5) الأعراف: 22.
(6) انظر الدر المصون: 7/ 102.
(1/60)
________________________________________
إن الجموع التي وردت في القرآن الكريم على زنة (فُعُول) قرئت بضم فائها على الأصل، والكسر فيها لغة ثانية، وذلك نحو:
• (شُيُوخ) (1): من قوله تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} (2). [التاج: شيخ].
• (بُيُوت) (3): من قوله تعالى: {ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} (4) [التاج: بيت]. قال الزبيدي:" (شُيُوخٌ)، بالضمّ على القياس، (وشِيُوخٌ)، بالكسر لمناسَبَة التّحتيّة، كما في بيوتٍ وبابه".
• (جُيُوبٌ) (5): من قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (6).
ذكر الزبيدي أن الجيوب بضم الجيم وكسرها. [التاج: جيب].
• (عُيُون) (7): من قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (8). [التاج: عين].
والضم قراءة الجمهور، وهو الأصل (9)، بل قال الزجاج: وأكثر النحاة لا يعرفون الكسر، وهو رديء عند البصريين؛ لأنه ليس في كلام العرب "فِعُول" بكسر الفاء (10).
والدارس لا يؤيد رأي البصريين في وصفهم لغة الكسر بالرداءة؛ لأنها لغة فصيحة أكد القرآن على فصاحتها؛ والقراءة سنة متبعة.
__________
(1) كسر الشين قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة ونافع وآخرين، انظر: السبعة: 178، والنشر: 2/ 266، والإتحاف: 155.
(2) غافر: 67.
(3) كسر الباب قراءة ابن كثير وابن عامر والكسائي، السبعة لابن مجاهد: 178.
(4) البقرة: 189.
(5) كسر الجيم قراءة ابن كثير وابن ذكوان وأبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وآخرين، انظر: معاني القرآن للزجاج: 4/ 38، والنشر: 2/ 226، والإتحاف: 393.
(6) النور: 31.
(7) كسر العين قراءة ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم والأعمش، انظر: معاني القرآن للزجاج: 5/ 87، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 222.
(8) القمر: 12.
(9) انظر: الحجة لابن خالويه: 93، والبحر المحيط لأبي حيان: 2/ 64.
(10) انظر: إبراز المعاني: 357.
(1/61)
________________________________________
ويحتج ابن خالويه لمن كسر بانيا حجته على التأثيرات الصوتية المتبادلة بين الحروف فيقول: "الحجة لمن ضم أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب للجمع ... والحجة لمن كسر أنه لما كان ثاني الكلمة ياء، كرهوا الخروج من ضم إلى ياء، فكسروا أول الاسم لمجاورة الياء، ولم يجمعوا بين ضمتين إحداهما على ياء. فإن قيل فما حجة من ضم العين من (العيون) والجيم من (الجيوب) وكسر الباء من (البيوت)، فقل العين حرف مستعل مانع من الإمالة فاستثقل الكسر فيه، فأبقاه على أصله، والجيم حرف شديد متفش فثقل عليه أن يخرج به من كسر إلى ضم فأجراه على أصله، والحجة لمن كسر الباء كثرة استعمال العرب لذلك، وهم يخففون ما يكثرون استعماله، إما بحذف وإما بإمالة وإما بتخفيف، ودليل ذلك إمالتهم (النار) لكثرة الاستعمال، وتفخيم (الجار) لقلة الاستعمال" (1).
ويزيد أبو زرعة المسألة وضوحا فيقول: " إنهم استثقلوا الضمة في الباء وبعدها ياء مضمومة، فيجتمع في الكلمة ضمتان بعدها واو ساكنة، فتصير بمنزلة ثلاثة ضمات، وهذا من أثقل الكلام، فكسروا الباء لثقل الضمات، ولقرب الكسر من الياء " (2).
• (نُصُوحَاً) (3): من قوله تعالى: {تَوْبَةً نَصُوحَاً} (4).
قال الزبيدي: " قال الفرّاءُ (5): قرأَ أَهل المدينة " نَّصُوحاً " بفتح النُّون، وذُكِرَ عن عاصِمٍ بضمّ النّون. فالذين قَرَءُوا بالفتح جعلوه من صفة التَّوبَة، والذين قرءُوا بالضّمّ أَرادوا المصدر مثل القُعود. وقال المفضّل: بات عَزُوباً وعُزُوباً، وعَرُوساً وعُرُوساً ". [التاج: نصح].
__________
(1) الحجة: 93.
(2) الحجة: 127.
(3) قراءة الضم لأبي بكر وخارجة، والفتح للجمهور، انظر: معاني الفراء: 3/ 353، السبعة لابن مجاهد:641، والتيسير لأبي عمرو: 131.
(4) التحريم: 8.
(5) انظر: معاني القرآن: 3/ 168.
(1/62)
________________________________________
فضم الحاء هو الأصل في المصدر: نَصَحَ يَنْصَحُ نُصُوحَاً، والفتح على المبالغة في الصفة (فَعُول) (1).
• (السُّحُت) (2): من قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (3). [التاج: سحت].
استهل الزبيدي هذه المادة بقوله: السُّحْتُ، والسُّحُتُ (بالضَّمِّ وبضَمَّتَيْنِ)، وقُرِئِ بهما قولُه تعالَى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} مُثَقَّلاً ومُخَفَّفاً.
مخففا أي بسكون الحاء، ومثقلا أي بضمها، وضم الحاء هو الأصل، وسكونها لغة فيها قامت على التخفيف بالانتقال من الضم إلى السكون (4).
• (سُخْرِيَّاً) (5): من قوله تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيَّاً} (6).
قال الزبيدي:" الاسمُ السُّخْرِيَةُ والسُّخْرِيُّ، بالضَّمّ ويُكْسَرُ ... وقُرِئ بالضَّمّ والكَسْر قوله تعالى: {لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} (7) ... وهو سُخْرَةٌ لِي وسُخْرِيٌّ وسِخْرِيٌّ بالضَّمّ والكَسْر. وقيل: السُّخْرِيّ بالضَّمّ: من التَّسْخِير: والسِّخْرِيّ، بالكَسْر، من الهُزْءِ. وقد يقال في الهُزْءِ سُخْرِيّ وسِخْرِيّ، وأَمّا من السُّخْرَة فواحِده مَضْمُوم. وقوله تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} بِالْوَجْهَيْن، والضَّمّ أَجْوَدُ. [التاج: سخر].
والضم على أن أصل المصدر ضم السين والخاء (سُخُر) وتسكين الخاء لغة فيه راعت التخفيف. وفي (سِخْرِيَّاً) كسرت الراء لتماثل الياء، فكان ذلك مسوغا لكسر السين لتماثل الراء، فقرئ (سِخْرِيَّاً)، أما من قرأ (سُخْرِيَّاً) فعلى الأصل. وقيل بالرفع من التسخير، وبالكسر من الهزء (8).
__________
(1) انظر: الحجة لابن خالويه: 349، والحجة لابن زنجلة:714، والدر المصون: 7/ 99.
(2) الضم قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، والسكون قراءة الباقين، انظر: السبعة لابن مجاهد: 243، والتيسير للداني: 74، والدر المصون: 5/ 306.
(3) المائدة: 42.
(4) انظر: الحجة لأبي زرعة: 225.
(5) الضم قراءة نافع وحمزة والكسائي، والكسر قراءة الباقين، انظر: التيسير: 107، والسبعة: 448 والنشر: 2/ 329، والإتحاف: 571.
(6) المؤمنون: 110.
(7) الزخرف: 32.
(8) انظر: المعاني للفراء:2/ 243، والحجة لأبي زرعة:492، والدر المصون:1/ 70.
(1/63)
________________________________________
• (كُفُؤَاً) (1): من قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوَاً أَحَدٌ} (2). [التاج: كفأ].
• (هُزُؤَاً) (3): من قوله تعالى: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوَاً} (4). [التاج: هزأ].
يذكر الزبيدي أن في "كُفْوَاً" ثلاثُ قراءات، الأولى قراءة الجمهور: (كُفُؤَاً) بضمتين مع الهمز، والثانية قراءة حمزة: (كُفْأً، كُفْوَاً) بسكونِ العين مع الهمز وَصْلاً، وإبدالَ الهمز واواً وَقَفاً، والثالثة قراءة حفص: "كُفُوَاً" بضمتين مع الواوِ وَصْلاً وَوَقْفاً (5). وقراءة الجمهور على الأصل، والفرق بينها وبين قراءة حفص أن حفص راعى التخفيف فأبدل الهمزة واوا؛ لثقل توالي ضمتين وهمزة، أما حمزة فقد سكن الزاي تخفيفا في الوصل، وجمع بين تسكين الزاي وإبدال الهمزة واوا في الوقف، أي جمع بين وجهين من التخفيف (6).
ويقرر أبو زرعة أن التخفيف لغة تميم والتثقيل لغة أهل الحجاز. ويروي عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه نحو: اليُسُر واليُسْر، والعُسُر والعُسْر، فمن سَكَّنَ طلب التخفيف؛ لأنه استثقل ضمتين في كلمة واحدة (7).
وحكمُ "هُزُؤَاً" في قوله تعالى: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوَاً} حكمُ "كُفُؤَاً" في جميع ما تقدم.
• (غُلُفٌ) (8): قراءة في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} (9).
__________
(1) ضم الفاء قراءة حفص وأبي جعفر والشنبوذي، انظر: النشر: 2/ 215.
(2) الإخلاص: 4.
(3) بضم الزاي مع الهمز قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو والكسائي، انظر: السبعة: 157.
(4) البقرة: 67.
(5) انظر هذه القراءات: السبعة: 159، والنشر لابن الجزري: 1/ 449، والإتحاف: 258.
(6) انظر: الحجة لابن خالويه:81، والحجة لأبي زرعة: 101، والدر المصون: 1/ 314.
(7) الحجة: 100، و101.
(8) قراءة ابن عباس وابن هرمز وابن محيصن وأبي عمرو، انظر السبعة لابن مجاهد:164.
(9) البقرة: 88.
(1/64)
________________________________________
ذكر الزبيدي لهذا الحرف قراءات منها: "غُلُف" بضم الأول والثاني، و"غُلْف" (1) بتسكين الثاني، وعلى القول بأن ضم اللام أصل، وتسكينها تخفيف فالكلمة جمع لغلاف، أما إذا قلنا إن التسكين أصل لذاته، ولم ينتج عن تخفيف كان جمعا لـ (أَغْلَفٍ). قال الزبيدي: "ولا يَكُونُ الغُلُفُ بضمتين جمعَ أَغْلَفَ؛ لأَنّ فُعُلاً لا يَكُونُ جَمْعَ أَفْعَل عند سِيبوَيْهِ، وقال الكسائيُّ: ما كانَ جمعُ فِعالٍ وفَعُولٍ وفَعِيلٍ على فُعُلٍ مُثَقَّلٍ ". [التاج: غلف].
• (خُشْب) (2): قراءة في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} (3) [التاج: خشب].
ذكر الزبيدي أن هذا الحرف قد قرئ بضمتين "خُشُب" (4)، وبضمة وسكون "خُشْب"، وبفتحتين "خَشَب" (5). وكلها جمع لخَشَبَةٍ، والقراءة الأولى على الأصل والثانية والثالثة على التخفيف. وقيل: خَشَبَةٌ وخُشُبٌ مثلُ ثَمَرَةٍ وثُمُرٍ، وخَشَبَة وخُشْب مثل بَدَنَةٍ وبُدْنٍ، وخَشَبَة وخَشَب مثل شَجَرَةٍ وشَجَر (6).
قال السمين الحلبي:" فأمَّا القراءةُ بضمتَيْن فقيل: يجوزُ أَنْ تكونَ جمع خشَبَة نحو: ثَمَرَة وثُمُر، قاله الزمشخريُّ، وفيه نظرٌ؛ لأن هذه الصيغةَ محفوظةٌ في (فَعَلَة) لا تَنْقاس نحو: ثَمَرَة وثُمُر. ونقل الفاسيُّ عن اليزيدي أنه جمعُ خَشْباء، وأَحْسَبُه غَلِطَ عليه؛ لأنه قد يكون قال "خُشْب" بالسكون جمع خَشْباء نحو: حَمْراء وحُمْر؛ لأنَّ (فَعْلاء) الصفةَ لا تُجْمع على (فُعُل) بضمتين بل بضمةٍ وسكونٍ ... وقال أبو البقاء: "وخُشْب بالضمِّ والإِسكان جمعُ خَشَب مثل: أَسَد وأُسْد". فهذا يُوهم أنه يقال: أُسُد بضمتين وليس كذلك " (7).
__________
(1) هي قراءة الجمهور، انظر: الدر المصون:1/ 392.
(2) هي قراءة أبي عمروٍ والكسائيُّ وقنبلٌ، انظر: الحجة لأبي زرعة: 709.
(3) المنافقون: 4.
(4) هي قراءة الجمهور، انظر: الحجة لأبي زرعة: 709.
(5) قراءة ابن عباس والسعيدان: ابنُ جبير وابنُ المسيَّب، انظر الدر المصون: 13/ 407.
(6) انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 159، والحجة لابن خالويه: 1/ 346.
(7) الدر المصون: 13/ 407.
(1/65)
________________________________________
• (نُصُب): من قوله تعالى: "كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ" (1). [التاج: نصب].
ذكر الزبيدي أنه قرئ: "نُصُب" (2)، و"نُصْب" (3)، و"نَصَب" (4)، و"نَصْب" (5) وكلها بمعان متقاربة وهو الشيء المنصوب الذي يقصد لعبادة أو غيرها.
وقد جمع السمين ما تفرق في تفسير هذه القراءات فقال: "العامَّةُ على "نَصْبٍ" بالفتح والإِسكان، وابنُ عامر وحفصٌ "نُصُب"بضمتين، وأبو عمران الجوني ومجاهد "نَصَب" بفتحتَيْن، والحسنُ وقتادةُ "نُصْب"بضمةٍ وسكون.
فالأُولى: هو اسمٌ مفردٌ بمعنى العَلَم المنصوبِ الذي يُسْرِع إليها عند وقوعِ الصيدِ فيها مخافةَ انفلاتِه. وأمَّا الثانيةُ فتحتمل ثلاثَة أوجهٍ:
أحدها: أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى الصَّنَمِ المنصوبِ للعبادة، وأنشد للأعشى:
وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّه ... لعاقبةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا (6)
الثاني: أنه جمعُ (نِصَابٍ) ككُتُب في كِتَاب.
الثالث: أنه جمعُ (نَصْبٍ) نحو: رَهْن في رُهُن، وسَقْف في سُقُف، وهذا قولُ أبي الحسن. وجَمْعُ الجمعِ (أَنْصاب).
وأمَّا الثالثةُ: فَـ (فَعَل) بمعنى مَفْعُول، أي: نَصَب بمعنى مَنْصُوب كالقَبَضِ والنَّقَضِ.
والرابعةُ: تخفيفٌ من الثانية" (7).
والسمين ينص هنا على أن "نُصُب" بضمتين أصل، و"نُصْب" ساكنة الصاد فرع عنة نتيجة تخفيف الضم إلى سكون. والدارس يرى أن قراءة "نُصُب" بضمتين هي الأصل وباقي القراءات صور لتخفيفها، حيث خُفِّفَتِ الضمتان بشكلين: أحدهما تخفيفها إلى فتحتين فكانت قراءة "نَصَب"، والثانيها بتسكين
__________
(1) المعارج: 43.
(2) قراءة ابن عامر وحفص، انظر: التيسير لأبي عمرو: 136.
(3) قراءة الحسن وقتادة، انظر الدر المصون: 14/ 99.
(4) قراءة الحسن وأبي عمران الجوني ومجاهد، انظر: الإتحاف الدمياطي:751.
(5) قراءة الجمهور، انظر: التيسير لأبي عمرو: 136.
(6) ديوان الأعشى ميمون بن قيس ص: 135.
(7) الدر المصون: 14/ 99.
(1/66)
________________________________________
الصاد فكانت قراءة "نُصْب"، ثم إن قراءة "نَصَب" خففت هي الأخرى بتسكين الصاد فكانت قراءة "نَصْب"، وهذا التحليل يتمشى مع طبيعة اللغة وقوانين التطور فيها، ومن المنطقي أن نحكم بوجود اللغة الأصعب أولا، ثم يلجأ مستخدم اللغة إلى التخفيف فتكون اللغات الأخرى. ومما يقوي هذا التحليل كلام السمين السابق، وأيضا قول أبي زرعة بن زنجلة أن: النَّصْبَ والنُّصْبَ لغتان كالضَّعْفِ والضُّعْفِ (1). وقول الزبيدي أن النَّصْبَ والنَّصَبَ لغتان (2)، والجمع بين هذه الأقوال يجعلنا نطمئن إلى ما خلصنا من أن "نُصُب" هي الأصل وباقي القراءات صور مخففة منها. ومما يقوي هذا الرأي توجه المفسرين الذي يتلخص في حرصهم على التقريب بين القراءات في الحرف الواحد في اللفظ والمعنى إلا إذا دعا داع إلى غير ذلك (3).
• (سُحُقَاً) (4): قراءة في قوله تعالى:" فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ" (5).
[التاج: سحق].
يذكر الزبيدي أن السُّحْقَ، بالضَّمِّ، وبِضَمَّتَيْن مثال خُلْقٍ وخُلُقٍ، وأنه قد قرئ بهما "فَسُحْقَاً"، حيث أسكن الجمهور الحاء (6)، وضمها الكسائي مع لآخرين في رواية عنه. ويقرر السمين أنهما لغتان، والأحسنُ أَنْ يكونَ المثقَّلُ أصلاً للخفيفِ (7).
• (عُقُبَاً) (8): من قوله تعالى:"هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا" (9). [التاج: عقب].
__________
(1) الحجة لأبي زرعة ابن زنجلة: 724.
(2) انظر التاج:4/ 272.
(3) انظر: السبعة لابن مجاهد: 651، والتيسير: 136، والإتحاف الدمياطي: 751.
(4) قراءة علي بن أبي طالب والكسائي وأبي جعفر وابن وردان وابن جماز، انظر: السبعة: 644، والنشر: 2/ 217، والإتحاف: 420.
(5) الملك: 11.
(6) انظر: السبعة لابن مجاهد:644، والحجة لأبي زرعة: 716، والنشر: 2/ 217، والإتحاف للدمياطي: 420.
(7) الدر المصون: 14/ 38.
(8) ضم القاف قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو والكسائي وأبي جعفر ويعقوب، انظر: السبعة: 392.
(9) الكهف: 44.
(1/67)
________________________________________
يذكر الزبدي أن (العُقْبَ) بسكون القاف، وضمِّها (العُقُب) لغتان، مثل: عُسْر وعُسُر: بمعنى: العاقِبَة. وقد قرئ بهما قوله تعالى: "هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا".
وقراءة الجمهور "عُقُبَاً"، وقرأ عاصم وحمزة "وَخَيْرٌ عُقْبَاً" ساكنة القاف (1).
وللسمين عبارة قالها في سياق حديثه حول هذه الآية تدل على دقة ملاحظة علمائنا لطبيعة التطور اللغوي الذي يسير باللغة من الصب إلى السهل، فيقرر أنهما لغتان كالقُدُس والقُدْس. وأن الأصل الضمُّ، والسكونُ تخفيفٌ. ثم يقول: وقيل بالعكس كالعُسْر واليُسْر، وهو عكسُ معهودِ اللغةِ (2). ويقصد بمعهود اللغة أن طبيعة التطور اللغوي تتطلب أن يكون الأصل الصعب وهو "عُقُب" بضمتين، والفرع هو التخفيف.
• (رُحُمَاً) (3): من قوله تعالى:" وَأَقْرَبَ رُحْمَاً" (4). [التاج: رحم].
يذكر الزبيدي أن (الرُّحْمَ) بالضَّمِ، و (الرُّحُمَ) بِضَمَّتَين، ويستدل على اللغة الأخرى بقراءة أبي عَمْرو بن العلاء: "وأَقْرَبَ رُحُمًا" بالتَّثْقِيل، واحتَجَّ أبو عمرو بِقَوْلِ زُهَيْر يَمْدح هَرِمَ بنَ سِنان (5):
وَمِنْ ضَرِيبَتِهِ التَّقْوَى وَيَعْصِمُهُ ... مِنْ سَيِّئِِ العَثَرَاتِ اللهُ وَالرُّحُمُ
وهو مثل: عُسْر، وعُسُر. وقراءة أبي عمرو هي الأصل، والتخفيف لغة فيه (6).
إذا كان الاسم الثلاثي صحيح العين ساكنها مكسور الفاء أو مضمومها، فيجوز فيه ثلاث حالات هي:
__________
(1) انظر: الحجة لابن زنجلة: 418.
(2) انظر: الدر المصون: 10/ 62.
(3) ضم الحاء قراءة ابن عامر وأبي عمرو وهارون وأبي جعفر ويعقوب وأبي حاتم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 397، ومختصر ابن خالويه: 81، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 305، والإتحاف: 294.
(4) الكهف: 81.
(5) انظر البيت في: الحماسة البصرية لأبي الحسن البصري:51، وقبله (وإِنْ أَتاهُ خَلِيلٌ يومَ مَسْغَبَةٍ ... يقُولُ لا غائِبٌ مالِي ولا حَرِمُ) وبعده (مُوَرَّثُ المَجْدِ، لا يَغْتالُ هِمَّتَهُ ... عن الرِّيَاسَةِ لا عَجْزٌ ولا سَأَمُ)، وانظر أيضا: التهذيب للأزهري:2/ 113، والصحاح للجوهري: رحل، والمخصص لابن سيده: 3/ 171.
(6) انظر: الحجة لابن خالويه: 229، والحجة لأبي زرعة: 427.
(1/68)
________________________________________
1 - إتباع حركة عين الجمع لحركة فاء المفرد.
2 - الفتح للعين مطلقاً.
3 - التسكين للعين مطلقاً.
ويمكن بيان ذلك من خلال النص القرآني في قوله تعالى: "وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" (1) [التاج: زبر] فكلمة الغرفات مفردها ثلاثي صحيح العين ساكنها، غير أن فاء الكلمة مضمومة (غُرْفَة)، ولذا يجوز في كلمة (الغرفات) ثلاث حالات صوتية، وفقاً لقانون الإتباع كما يلي:
1 - الإتباع: (الغُرُفَات) بإتباع حركة العين (الضم) لحركة فاء المفرد المضمومة.
2 - الفتح: (الغُرَفَات) بفتح حركة عين الكلمة مخالفة لحركة فاء المفرد المضمومة أي بلا إتباع.
3 - السكون: (الغُرْفَات) بإسكان عين الكلمة بلا إتباع حركي.
وتعليل ذلك أنه "إذا كان الإتباع فيه شيء من التخفيف؛ لأن اللسان يعمل من جهة واحدة، فإن التسكين أخف من الإتباع، ولهذا جاز كلاهما. أما الفتح فإنه يجوز لخفته" (2). ومما ورد في التاج وتعددت فيه القراءات ويُحْمَلُ على هذا التفسير:
• (خُطُوَاتِ) من قوله: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (3). [التاج: خطو].
• (ظُلُمَاتٍ) من قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} (4).
[التاج: ترك].
نجد في الآيات القرآنية كلمات على صيغة جمع الإناث، لكنها معتلة العين، ولذا لا يحدث فيها الإتباع مثل قوله تعالى: {عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (5) [التاج: عور] فكلمة (عَوْرَات) جمع مؤنث سالم مفرده (عَوْرَة)، ولم يتم فيه الإتباع لحركة العين مماثلة لحركة الفاء في المفرد، إذ بقيت حركة العين على (السكون) في
__________
(1) سبأ: 37.
(2) ظاهرة التخفيف في النحو العربي لأحمد عفيفي:139.
(3) البقرة: 168.
(4) البقرة: 17.
(5) النور: 31.
(1/69)
________________________________________
حين أن حركة الفاء هي (الفتحة). وتعليل ذلك: أنه لو حدث الإتباع هنا للزم لمناسبة فتح العين قلب حرف العلة ألفاً مما يؤدي إلى التباس الصيغ. يقول ابن يعيش عن هذا الإتباع أنه لو تم: "لالتبس (فَعْلَة) ساكنة العين بـ (فَعَلَة) مفتوحة العين نحو: دارة ودارات، وقامة وقامات" (1). ويقول أبو زرعة:" إلا أن عامة العرب كرهوا تحريك العين فيما كان عينه واوا أو ياء لما كان يلزم من الانقلاب إلى الألف فأسكنوا وقالوا عَوْرَات وبَيْضَات" (2).
وعلى الرغم من أن العامَّةُ على "عَوْرَات" بسكون الواوِ، وهي لغةُ عامَّةِ العربِ، سَكَّنوها تخفيفاً لحرفِ العلة، فإننا نجد قراءة تخترق هذا الإجماع وتفتح عين الجمع لتحدث المماثلة، يقول السمين: " وقرأ ابنُ عامر في روايةٍ "عَوَرَات" بفتح العين. ونقل ابن خالويه أنها قراءةُ ابن أبي إسحاق والأعمش. وهي لغةُ هُذَيْلِ بن مُدْرِكَة ... وجعلها ابن مجاهد لحناً وخطأ، يعني من طريق الرواية، وإلاَّ فهي لغة ثابتة " (3).
وبعد .. فقد تبيّن للدارس بعد هذا العرض أن الانسجام الصوتي لغة ثانية عرفتها القبائل العربية واستعملتها بهدف التخفيف، ولم تستأثر به قبيلة دون أخرى ومن ثم يخالف الدارس من ذهب إلى أن الانسجام سمة من سمات لغة القبائل البدوية فحسب (4)؛ لأن قراءات حجازية حفظت لنا هذه اللغة في مواضع غير قليلة، فهذا يؤكد أن لغة الحجاز (قبائل غرب الجزيرة) اتسمت بهذه السمة، وقد اكتسبتها من لغة البدو (شرق الجزيرة) وبخاصة تميم. وهذا يؤكد لنا من ناحية أخرى أن القرآن لم ينزل بلهجة قريش الخاصة، وإنما بلغة أدبية راقية، احتضنتها قريش بعد اكتسابها بعض سماتها من القبائل الأخرى، من هذه السمات الانسجام الصوتي.
__________
(1) شرح المفصل: 5/ 42.
(2) الحجة: 506.
(3) الدر المصون:11/ 95، 131.
(4) انظر: اللهجات العربية في القراءات القرآنية للراجحي: 117.
(1/70)
________________________________________
المبحث الرابع
التماثل في السكون
يقف وراء حدوث هذه الظاهرة الأصل المقرر عند أهل العربية وهو أن الكلمة عندهم لا تبدأ بساكن، ولا يُجْمَعُ بين ساكنين وسطها، وقد انتبه لهذا القانون الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، وأَصَّلَهُ سيبويه في الكتاب، فصار أصلا للمدرسة البصرية أن التقاء الساكنين في دَرَجِ الكلام ما كان يكون في النطق العربي (1).
قال سيبويه: " وإذا كان قبل الحرف المتحرك الذي بعده حرف مثله سواء "حرف" ساكن لم يجز أن يسكن، ولكن إن شئت أخفيت، وكان بزنته متحركا" (2). ومعنى ذلك أنه إذا سُبِقَ الصوتُ المُدْغَمُ بساكن صحيح لم يَجُزْ أن يُسَكَّنَ المدغم - يعني أنه لا يصلح أن يكون محل إدغام - وإنما يجوز أن يَخْفِيَ المتكلمُ الحركةَ على الاخْتِلاس. وهذا الأصل الذي قرره سيبويه هو الذي صار عليه نَحْوِيُّو البَصْرَةِ، والكثير من غيرهم، في مناقشتهم للقراءات التي يجتمع فيها ساكنان، منطوقان على مذهب القراء (3).
ولم يُجِزْ سيبويه (4) أن يجتمع ساكنان ويُنْطَق بهما كما هما إلا في حالتين:
1 - حالة الوقف، نحو: بَكْرْ، وعَمْرْو. وهي في أواخر الكلمات لا محالة.
2 - وحين يكون الساكن الثاني مدغماً مسبوقاً بحرف مَدٍّ، نحو: دَابَّةٍ وشَابَّةٍ. وظَاهِرُهُ أن هذه الحالة تقع في حَشْوِ الكلام.
وحجتهم في اسْتِسَاغَةِ الجمع بين الساكنين آخر الكلمة يتمثل في أن "الوقف سَدَّ مَسَدَّ الحركة؛ لأن الوقف على الحرف يُمَكِّنُ جَرْسَ ذلك الحرف ويُوَفِّرُ الصوتَ عليه فيصير توفير الصوت بمنزلة الحركة له" (5).
__________
(1) انظر: الكتاب لسيبويه: 2/ 58، 75، 77، 83، والمقتضب: 1/ 41، والخصائص: 1/ 241، وشرح الشافية: 2/ 307، وشرح المفصل لابن يعيش: 1/ 493 - 495.
(2) الكتاب: 2/ 407.
(3) انظر: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي لعبد الصبور شاهين: 394.
(4) انظر: الكتاب لسيبويه: 4/ 173. وشرح المفصل لابن يعيش: 1/ 493 - 495.
(5) شرح المفصل لابن يعيش: 1/ 494.
(1/71)
________________________________________
فإذا التقى ساكنان في غير هاتين الحالتين لم يمكن ذلك " مِنْ قِبَلِ أن الحرف الساكن كالموقوف عليه، وما بعده كالمبدوء به، ومحال الابتداء بساكن فلذلك امتنع التقاؤهما في الدَّرَجِ " (1).
فإذا التقيا ففي الأول منهما الحذف إن كان حرف مد نحو: لم يَقُلْ، ولم يَبِعْ. أو تحريكه بالكسر إن كان حرفاً صحيحاً نحو: واذْهَبِ اذهب، ومَنِ ابْنَك. وقد يُحَرَّكُ بغيرها عند وجود مُسَوِّغٍ له (2).
وقد وردت قراءات سَبْعِيَّةٌ وغير سَبْعِيَّةٍ جَمَعَ فيها قُرَّاؤُهَا بين السَّاكِنَيْنِ الصَّرِيحَيْنِ فَوَقَفَ منها البصريون ومَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مَوْقِفَ الإنكار، فَخَطَّؤُهَا ونَسَبُوهَا إلى اللََّحْنِ. وأما الكوفيون فإنهم يُجِيزُونَ اجتماع السَّاكِنَيْنِ في مِثْلِ المواضع التي جَمَعَ فيها القُرَّاءُ، متمسكين في ذلك برواية القُرَّاءِ وبالسَّمَاعِ مِنَ العَرَبِ (3).
وقد توقف الزبيدي عند الكثير من المواضع التي قرئ فيها بالجمع بين الساكنين منها:
• (يَخْصِّفَانِ) (4): من قوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (5).
[التاج: خصف].
• (مُرْدِّفِينَ) (6): من قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (7). [التاج: ردف]
• (يَهْدِّي) (8): من قوله تعالى: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى} (9). [التاج: هدي]
__________
(1) شرح المفصل لابن يعيش: 1/ 494.
(2) انظر: الكتاب لسيبويه:4/ 152.
(3) انظر: اللهجات العربية في القراءات القرآنية لعبده الراجحي: 176.
(4) هي قراءة الحسن والأعرج ومجاهد، وأبي عمرو، انظر: التاج والعباب (خصف)، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 23.
(5) الأعراف: 22، وطه: 121.
(6) هي قراءة الجحدري، انظر: البصائر (ردف)، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 267.
(7) الأنفال: 9.
(8) هي رواية عن أبي عمرو، انظر: الإتحاف: 440.
(9) يونس: 35.
(1/72)
________________________________________
• (يَخْصِّمُونَ) (1): من قوله تعالى: {وهم يَخِصِّمُونَ} (2). ومنها أيضا:
[التاج: خصم]
• (فَنِعْمَّا) (3): من قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (4).
[التاج: نعم].
• (اسْطَّاعُوا) (5): من قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} (6).
[التاج: طوع].
وقد تبين من الشواهد السابقة أن الجمع بين الساكنين في الغالب يحدث عند إدغام حرفين قبلهما ساكن، مثلما يحدث في صيغة (افتعل) بأن تدغم تاء الافتعال في عين الفعل فيلتقي سكون فاء الكلمة مع السكون الناتج من الإدغام. والذين لا يجيزون الجمع بين الساكنين حجتهم أن السكون وقف، ولا يمكن الانتقال من وقف إلى وقف؛ لذلك حركوا الحرف السابق على الإدغام، وإن اختلفوا في هذه الحركة إلا أنهم أوجبوها.
ومما قرئ بالجمع بين الساكنين قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} (7) قرأ حمزة الزيات " فَمَا اسْطَّاعُوا" بالجمع بين الساكنين، وعلى الرغم من أن هذه القراءة سَبْعِيَّةٌ (8) فإنها قد أثارتْ جَدَلاً علمياً كبيراً خاصة عند النحويين الذين
__________
(1) هي قراءة قالون وأبي جعفر، انظر: الدر المصون:12/ 172، والإتحاف: 651.
(2) يس: 49.
(3) هي قراءة نافع، وأبي عمرو، وعاصم، والمفضل، انظر: السبعة لابن مجاهد: 541، والدر المصون:12/ 172، والنشر لابن الجزري: 2/ 394، والإتحاف:651.
(4) البقرة: 271.
(5) هي قراءة حمزة، وطلحة، والمطوعي، انظر: السبعة لابن مجاهد: 401، والدر المصون: 4/ 483، والنشر لابن الجزري: 2/ 316، والإتحاف:295.
(6) الكهف: 97.
(7) الكهف: 97.
(8) تشير هذه الكلمة إلى قراءات سبعة اختارها ابن مجاهد وصنف فيها مؤلفا تقبلته الأمة بالقبول، وذاع صيته في الآفاق، وكان من شأن هذا المؤلف أن أدخل على غير المتخصصين اللبس، فتوهموا أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة، بينما الأمر غير ذلك. وفوق ذلك كله هناك قراءات غير السبعة لا تقل صحة عنها، بل ربما تكون فوقها في الصحة، ومع ذلك لم تشتهر اشتهار القراءات السبع؛ وذلك لأن مدار الأمر على= =توفر وسائل حفظ هذه القراءات، انظر: نظرات في علم القراءات لسمير بن يحيى المعبر: 107، وفي علوم القراءات مدخل ودراسة وتحقيق، لسيد رزق الطويل: 150.
(1/73)
________________________________________
حَكَّمُوا فيها قَوَاعِدَهُم ومَقَايِيسَهُم فما كان منهم إلا أن رفضوها وجعلوها لَحْنًا وخَطَأً وعلى صعيد القُرَّاءِ أخذوا يُدَافِعُونَ عنها مُلْتَمِسِينَ لها أَسْبَابَ القُوَّةِ مِنَ السَّنَدِ، وكلام العرب.
فهذا ابن خالويه يحتج لقراءة حمزة فيقول:" وقد عيب بذلك؛ لجمعه بين الساكنين ليس فيهما حرف مد ولين، وليس في سورة الكهف ذلك عليه عيب؛ لأن القراء قد قرأوا بالتشديد قوله: {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}، و {أَمَّنْ لا يَهِدِّي}، و {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}، فإن قيل: فإن الأصل في الحرف الأول الذي ذكرته الحركة، وإنما السكون عارض، فقل: إن العرب تشبه الساكن بالساكن لاتفاقهما في اللفظ والدليل على ذلك، أن الأمر للمواجهة مبني على الوقف، والنهي مجزوم بلا، واللفظ بهما سِيَّان، فالسين في "اسْتَطَاعُوا" ساكنة كلام التعريف، ومن العرب الفصحاء من يحركها فيقول: اللبكة والاحمر، فجاوز تشبيه السين بهذه اللام، وأيضا فإنهم يتوهمون الحركة في الساكن والسكون في المتحرك، كقول عبد القيس: اسل، فيدخلون ألف الوصل على متحرك توهما لسكونه" (1).
أما الزَّجّاجُ فيرد هذه القراءة قائلا: "مَن قرأَ هذه القراءَةَ فهو لاحِنٌ مُخطِئٌ زعَمَ ذلكَ الخليلُ، ويونُسُ، وسيبويهِ وجَميعُ مَن يَقولُ بقولِهِم، وحُجَّتُهُم في ذلكَ أَنَّ السِّينَ ساكِنَةٌ وإذا أُدغِمَتِ التَاءُ في الطّاءِ صارَت طاءً ساكِنَةً، ولا يُجمَعُ بينَ ساكِنَينِ (2).
ويؤيد الفارسي الزجاج قائلا:"إنما هو على إدغام التاء في الطاء، ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك، ولكن أدغم، مع أن الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مد " (3).
ولكن ابن الجزري يقول: "والجَمعُ بينَهما في مثلِ ذلكَ جائزٌ مَسموعٌ. قال الحافظُ أَبو عَمروٍ: ومِمّا يُقَوِّي ذلكَ ويَسَوِّغُه أَنَّ السَّاكِنَ الثاني لمّا كان اللسان
__________
(1) الحجة: 233.
(2) معاني القرآن: 2/ 161.
(3) الحجة: 5/ 182.
(1/74)
________________________________________
عندَهُ يَرتفِعُ عنه وعن المُدْغَمِ ارتِفاعَةً واحِدَةً، صار بمنزلَةِ حَرْفٍ مُتَحرِّكٍ، فكأنَّ السّاكِنَ الأَوَّلَ قد وَلِيَ مُتَحَرِّكاً فلا يَجوزُ إنكارُه) (1).
ويؤيده الدمياطي فيقول: "وطَعْنُ الزَّجَّاجِ، وأَبي عليٍّ في هذه القراءة من حيثُ الجمعُ بين السَّاكِنينِ مَردودٌ بأَنَّها مُتواتِرَةٌ والجَمْعُ بينَهُما في مثلِ ذلكَ سائغٌ جائزٌ مَسموعٌ في مثلِه" (2).
وأما الذين لا يرون الجمع بين الساكنين فيتأولونها بـ" الرَّومِ "، وقد بسط الزبيدي هذه الرؤية متمثلة في قوله الذي أنكر فيه على القراء الذين جمعوا بين الساكنين، ورأى أن شواهدهم التي جاءت في الشعر محمولة على "الرَّوْمُ" أو "الاخْتِلاس"، بحيث يظن السامع أن المتحدث قد جمع بين الساكنين؛ لعدم ظهور الحركة؛ لذهاب الناطق بها مذهب "الرَّوْم" أو "الإِشْمَام" فقال: "قال الجوهري (3): و" الرَّوْمُ" الذي ذكره سيبويه: حَرَكَةٌ مُخْتَلَسَةٌ مُخَْفاةٌ بِضَرْبٍ مِنَ التَّخْفِيفِ، وهي أكثر من "الإشمام"؛ لأنها تُسْمَعُ وهي بِزِنَةِ الحركة وإن كانت مُخْتَلَسَةً مثل همزة بَيْنَ بَيْنَ كما قال (4):
أَأَنْ زُمَّ أَجْمَالٌ وَفَارَقَ جِيرَةٌ وَصَاحَ غُرَابُ الْبَيْنِ أَنْتَ حَزِينُ
قوله: " أأن زم" تقطيعه: فَعُولُن، ولا يجوز تسكين العين، وكذلك قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ} (5) فيمن أخفى، إنما هو بحركة مختلسة، ولا يجوز أن تكون الراء الأولى ساكنة؛ لأن الهاء قبلها ساكن، فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين في الوصل من غير أن يكون قبلها حرف لين، قال: وهذا غير موجود في شيء
__________
(1) النشر: 2/ 237، وانظر: معجم القراءات للخطيب: 5/ 309 – 311.
(2) الإتحاف: 373.
(3) انظر الصحاح: (روم). وينتهي كلام الجوهري في هذا الموضع في الصحاح ببيت الشعر، أما بقية العبارة والتي يتضح من سياقها أن الزبيدي ساقها على لسان الجوهري ليست موجودة عنده، ويبدو أنها لشخص آخر.
(4) هو في العقد الفريد لكثير عزة، وقبله: (أبائنة سُعدى نعم ستَبِين ... كما انبت من حَبل القَرين قرينُ) وبعده: (كأنك لم تَسمع ولم تَر َقبلها ... تفرُّق أُلاف لهنّ حَنِين): 2/ 262، وانظر أيضا: الأغاني: 2/ 262، والجليس الصالح: 1/ 340، وسمط اللآلي: 1/ 111، ومنتهى الطلب: 1/ 1/145.
(5) البقرة: 158. إدغام راء رمضان قراءة أبي عمر، ويعقوب (الإتحاف: 282).
(1/75)
________________________________________
من لغات العرب، قال: وكذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (1) و {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} (2) و {يَخِصِّمُونَ} (3) وأشباه ذلك قال: ولا يُعْتَبَرُ بقول القراء: إِنَّ هذا ونحوه مُدْغَمٌ؛ لأنهم لا يحصلون هذا الباب، ومن جمع بين ساكنين في موضع لا يصح فيه "اختلاس" الحركة فهو مخطئ كقراءة حمزة في قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا} (4)؛ لأن سين الاستفعال لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه ". [التاج: روم].
وفي حديث الزبيدي السابق تعرض لثلاثة مصطلحات صوتية هي:
(1) الاختلاس. (2) الروم. (3) الإشمام.
• أما "الاخْتِلاسُ" فهو الإسراع بالحركة حال النطق بها فيختطفها اختطافا، فلا يحقق النطق بها كاملا، وعكسه "الإِشْبَاعُ"، وقد تناول سيبويه هاذين المصطلحين في أحد أبواب كتابه وعنون له بـ "هذا باب الإشباع في الجر والرفع وغير الإشباع والحركة كما هي "ثم قال ما نصه: "فأما الذين يشبعون فيمططون، وعلامتها واو وياء، وهذا تحكمه لك المشافهة وذلك كقولك: يضربها، ومن مأمنك. وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاسا" (5).
وعنه أن أبا عمرو كان يختلس الحركة في {بَارِئكُم} (6) و {يَأْمُركُم} (7) وما أشبه ذلك مما تتوالى فيه الحركات، فيرى من سمعه أنه قد أسكن ولم يسكن (8).
• وأما "الرَّوْمُ" فهو "أن" تأتي بالحركة مع إضعاف صوتها، أي إخفائها؛ لأنك تروم الحركة مختلسا لها، ولا تتمها " (9)، وقال السيوطي: "هو ضعف
__________
(1) الحجر: 9. انظر: معجم القراءات لمختار: 2/ 527.
(2) يونس: 35.
(3) يس: 49.
(4) الكهف: 97.
(5) الكتاب: 2/ 297.
(6) البقرة: 54.
(7) البقرة: 67، 93، 169، وآل عمران: 80، والنساء: 58.
(8) انظر: الحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 12، 24.
(9) حاشية الصبان على شرح الأشموني: 4/ 137.
(1/76)
________________________________________
الصوت بالحركة من غير سكون فتكون حالة متوسطة بين الحركة والسكون وتكون في الحركات كلها" (1). يقول الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين: "ومعنى ذلك أن "الرَّوْمُ" يأتي بمعنى الاختلاس عند النحاة، ولكنهم وصفوه بضعف الصوت أو خفائه ومعنى ذلك أن الحركة في "الرَّوْمُ" و"الاخْتِلاسِ" تكون أقصر زمنا، كما تفقد عنصر الجهر بسبب إضعاف الصوت بها، مثلما يحدث في حالة "الإسرار" أو "الوشوشة"، ويبقى لها وضع اللسان وشكل الشفتين، واندفاع الهواء في مجرى الصوت مع قصر نسبي في المُدَّةِ التي يستغرقها النطق بها" (2).
• وأما "الإشمام": فهو تصوير الضمة باستدارة الشفتين، قال سيبويه: "وإشمامك في الرفع للرؤية، وليس بصوت الأذن، ألا ترى أنك لو قلت: هذا مَعْنْ، فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم" (3). ويقول السيوطي: "وهو الإشارة إلى الحركة دون صوت فهو لا يدرك إلا بالرؤية وليس للسمع فيه حظ ولذلك لا يدركه الأعمى ويدركه بالتعلم بأن يضم شفتيه إذا وقف على الحرف" (4). ومعنى هذا أن "الإشمام" خاص بالضمة دون الفتحة والكسرة؛ لأن الشفتين لا تستطيعان تصويرهما. وأما "الاختلاس" و"الروم" فيكونان في الحركات الثلاث.
وإذا كان النحاة قد شرحوا هذه المصطلحات فإن القراء لم يغفلوها؛ لأنها من مظاهر ضبط النطق في قراءة القرآن الكريم. فابن الجزري يقول:" اعلم أنه ورد النص عن أبي عمرو من رواية أصحاب اليزيدي عنه وعن شجاع: أنه كان إذا أدغم الحرف الأول في مثله أو مقاربه، وسواء أَسَكَنَ ما قبل الأول أو تَحَرَّكَ، إذا كان مرفوعا أو مجرورا أشار إلى حركته " (5). ثم حكى خلاف الأئمة في تفسير هذه الإشارة، ففريق يذهب إلى أنها "الرَّوْمُ"، وآخر إلى أنها "الإشْمَامُ"، ثم قال: "وهذا هو الأصل المقروء به والمأخوذ عن عامة أهل الأداء من كل ما
__________
(1) همع الهوامع: 3/ 432.
(2) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 370.
(3) الكتاب: 2/ 281.
(4) همع الهوامع: 3/ 432.
(5) النشر في القراءات العشر: 1/ 296.
(1/77)
________________________________________
نعلمه من الأمصار وأهل التحقيق من أئمة الأداء" (1) ويستطرد ابن الجزري في ذكر جمهور الأئمة والطرق التي جاءت برواية الإسكان الخالص إلى أن قال:" فهو الذي وصل إلينا أداء، لا نعلم بين أحد ممن أخذنا عنه من أهل الأداء خلافا في جواز ذلك" (2).
وقد أضاف القراء المتأخرون تفصيلا في المسألة حيث فرقوا بين "الروم" و"الاختلاس" وهما أمر واحد عند النحاة كما مر، فقالوا: "إن "الروم" لا يكون في فتح ولا نصب، ويكون في الوقف فقط، والثابت فيه من الحركة أقل من الذاهب، وأما "الاختلاس" فيكون في كل الحركات، كما في " أَرِنَا" (3) و" أَمَّنْ لَا يَهِدِّي" (4) و"يَأْمُركُم" (5)، ولا يختص بالوقف، والثابت فيه من الحركة أكثر من الذاهب، وقدره الأهوازي بثلثي الحركة، ولا يضبطه إلا المشافهة " (6).
وعلى هذا لا يصح تفسير "الروم" بـ"الاختلاس" إذ هما مختلفان من كل وجه، ويصبح ترتيب المصطلحات الثلاثة في هذا الباب على أساس أن "الإشمام" في المرفوع فقط، وأن "الروم" في المرفوع والمجرور، وأن "الاختلاس" في المرفوع والمجرور والمنصوب.
ونخلص مما سبق إلى أنه:
1 - كان للصائت القصير أثره في تعدد اللغات التي شكلت ظاهرة لا يمكن إنكارها في المعجم العربي، وقد جاءت القراءة شاهدا على ذلك في نحو: (بَهَُِتَ) مثلثة الهاء. وفي نحو: هِيتَ، وهِيتُ، وهِيتِ، وهَيْتَ، وهِئْتُ.
وهذا كله من قبيل تعدد طرائق النطق، وتوحد المعنى. ومن حسنات ذلك التوسعة على ناطق العربية، وتضييق مساحة الخطأ.
2 - ولكن هذا التعدد في النطق قد يصحبه أحيانا تغير في المعنى، كما في (بَهُتَ) مضمومة الهاء، فإنها تؤدي معنى المبالغة. وكما في (ضَحَِكَتْ) بفتح
__________
(1) السابق نفسه.
(2) النشر: 1/ 297.
(3) النساء: 153، وفصلت: 29.
(4) يونس: 35.
(5) البقرة: 67، 93، 169، وآل عمران: 80، والنساء: 58.
(6) الإتحاف للدمياطي: 101.
(1/78)
________________________________________
وكسر الحاء، قيل المعنى واحد، وهو الضحك المعروف، وقيل بالفتح الحيض وقيل هو مشترك لفظي للمعنيين بكلا الضبطين.
3 - إن مجيء (حرص) من بابي: سَمِعَ، وضَرَبَ.
ومكث من بابي: نَصَرَ، وكَرُمَ.
وحبط من بابي: سَمِعَ، وضَرَبَ.
وهلك من أبواب: ضَرَبَ، ومَنَعَ، وعَلِمَ.
وقنط من أبواب: نَصَرَ، وضَرَبَ، وحَسِبَ، وكَرُمَ.
إن مجيء هذه الأفعال وغيرها من أكثر من باب لفيه إثراء للغة، وتيسير على متعلميها ومستخدميها، خاصة وأن ضبط هذا الباب يصعب على المتخصصين فضلا عن غيرهم.
4 - كما انتبه واضعو المعاجم إلى ملحظ مهم وهو مجيء لغة مركبة من لغتين، كما حدث في (قَنَطَ يَقْنَطُ) بالفتح في ماضيه ومضارعه، حيث قيل بأنها مركبة من: قَنَطَ (بالفتح) يَقْنِطُ (بالكسر)، وقَنِطَ (بالكسر) يَقْنَطُ (بالفتح).
5 - إن مجيء الفعل المضارع مكسور العين في بعض القراءات، نحو: (تِرْكَنُوا، وتِمَسَّكُمُ، إِضَلُّ، وتِئْمَنَّا، ويِيأَسُ) وغيرها، فسر لنا كسر المضارع في العامية المصرية، فإنه يقال: يِضْرَب يِشْرَب، يِسَايِر، يِعَامِل يِحَارِب، يِسْمَع، يِكْتِب ... فهذا يدل على أن هذه الظاهرة لم تأت من فراغ وإنما استمدته من لهجة عربية أصيلة. وفي ذلك تضييق للهوة التي بين اللغتين.
6 - هناك بعض اللغات لم ترد إلا عن طريق القراءات فقط، ولولا القراءة لم تحفظ هذه اللغات، ومن أمثلة ذلك (حَبِطَ) بكسر الباء، و (ضَحَكَ) بفتح الحاء.
7 - اللغة دائما تميل إلى السهولة في النطق وتوفير الجهد، وقد بدا ذلك واضحا في جنوحها إلى المماثلة في الصوائت القصيرة. وقد تبيّن للدارس - من خلال هذا الفصل - أن الانسجام الصوتي لغة ثانية عرفتها القبائل العربية واستعملتها بهدف التخفيف، ولم تستأثر به قبيلة دون أخرى. وهذا يؤكد أن القرآن لم ينزل بلهجة قريش الخاصة، وإنما بلغة أدبية راقية، احتضنتها
(1/79)
________________________________________
قريش بعد اكتسابها بعض سماتها من القبائل الأخرى، من هذه السمات الانسجام الصوتي.
8 - تَبَيَّنَ من خلال هذا الفصل أن اللغة تميل إلى قاعدة عامة تنظم عن طريقها حركة عين الفعل في ماضيه ومضارعه وهي المغايرة، بمعنى إذا كان الماضي مفتوح العين فإن عين مضارعه تأتي مكسورة والعكس صحيح، إلا إذا كان الفعل عينه أو لامه من أحرف الحلق، فالقاعدة هنا المماثلة، وشذ عن هذه القاعدة الخاصة أفعال سبق ذكرها حيث خضعت للقاعدة العامة وهي المغايرة.
وأن قاعدة المغايرة هذه تسير في اتجاه مضاد للمماثلة طلبا للحفاظ على الملامح الفارقة، والمميزة للمعاني.
إن تأصيل هذه القاعدة وتعميمها لفيه تيسير على أبناء اللغة الذين يعانون من الخلط فيها على مستوى مثقفيها فضلا عن غير المتخصصين.
9 - وإذا كانت العربية تَجِدُّ في التخلص من مظاهر الصعوبة في النطق، فإننا نجد قراءة سبعية تأتي بالجمع بين الساكنين في أكثر من موضع من القرآن الكريم، وهو مذهب عسير عند البعض، ومستحيل عند البعض الآخر، وفي ذلك إشارة إلى عدم صرامة قوانين اللغة، وأنها تسمح بورود القليل النادر الذي يمثل استثناء القاعدة.
(1/80)
________________________________________
الفصل الثاني
القراءات والصوامت
- المبحث الأول: التماثل الصوتى التام (الإدغام)
- المبحث الثانى: التماثل الصوتى الناقص (الإبدال)
- المبحث الثالث: الهمز بين التحقيق والتخفيف
- المبحث الرابع: هاء السكت
(1/81)
________________________________________
الفصل الثاني
القراءات والصوامت

تناول هذا الفصل ما حدث للقراءات القرآنية من تغيير في بعض أصواتها في إطار أربعة مباحث، تناولت في المبحث الأول: التماثل الصوتي التام، وهو ما عرف عند القدامى بالإدغام، وتناولت في المبحث الثاني: التماثل الصوتي الناقص، وهو ما درسه القدامى تحت مسمى الإبدال، وتناولت في المبحث الثالث: الهمز في القراءات القرآنية وتراوحه بين التحقيق والتخفيف، أو بين بين، أما المبحث الرابع والأخير فقد خصصته لهَاء السَّكْتِ وتفسير اللغويين لها قديما وحديثا.
(1/82)
________________________________________
المبحث الأول
التماثل الصوتي التام (الإدغام)
Assimilation

الإدغام عند اللغويين: "إدخال حرف في حرف" (1). وعند النحويين: "أن تصل حرفاً ساكناً بحرف مثله متحرك من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف فيصيران لِشِدَّةِ اتصالهما كحرف واحد يرتفع اللسان عنهما رَفْعَةً واحدةً شديدةً فيصير الحرف الأول كالمستهلك على حقيقة التداخل والإدغام " (2). وهو عند ابن جني نوعان: أكبر، وأصغر. فأما الأكبر فهو ما كان الأول من الحرفين متحركاً أو ساكناً. وأما الأصغر فهو " تقريب الحرف من الحرف، وإدناؤه منه من غير إدغام يكون هناك " (3)، وجعل منه الإمالة، وكل ما يؤدي إلى تقريب الأصوات.
ويذكر ابن جني الدافع للإدغام فيقول: "والمعنى الجامع لهذا كله تقريب الصوت من الصوت، ألا ترى أنك في " قَطَّعَ " ونحوه قد أخفيت السَّاكنَ الأولَّ في الثاني حتى نَبَا اللسان عنهما نَبْوَةً واحدةً وزالتِ الوقفةُ التي تكون في الأولِّ لو أَدْغَمْتَهُ في الآخر، أَلا ترى أَنَّكَ لو تكلفتَ ترك إدغام الطاء الأولى لَتَجَشَّمْتَ لها وقفةً عليها تمتاز من شدة ممازجتها للثانية بها كقولك: قَطْطَعَ، سَكْكَرَ، وهذا إنما تحكمه المشافهة به، فإن أنت أزلت تلك الوقيفة والفترة على الأول خلطته بالثاني فكان قربه منه، وإدغامه فيه أشد لجذبه إليه، وإلحاقه به" (4).
وعند القراء: "اللَّفْظُ بحرفين حرفاً كالثاني مشدداً" (5)، وتعريف القراء يشتمل على عمليات: الحذف، والقلب، والإدغام، فاللفظ بحرفين كالثاني يقتضي ضرورة حذف الحركة عند وجودها، ثم قلب الأول من مثل الثاني، وإلا فلن يكون الصوت مشدداً.
__________
(1) تاج العروس: 24/ 375.
(2) شرح المفصل لابن يعيش: 10/ 121.
(3) الخصائص: 2/ 141.
(4) الخصائص: 2/ 140.
(5) ابن الجزري: النشر في القراءات العشر: 1/ 215، والدمياطي: الإتحاف: 30.
(1/83)
________________________________________
والإدغام عندهم نوعان: كبير، وصغير. أما الكبير فهو ما كان الأول من الحرفين فيه متحركاً. وأما الصغير فهو ما كان الحرف الأول فيه ساكناً (1).
ويذكر القراء للإدغام سبباً، وشرطاً، ومانعاً. أما السبب فينحصر في:
1 - تماثل الحرفين: أي اتحادهما في المخرج والصفة، مثل (التاءين) و (الراءين).
2 - أو تجانسهما: أي اتفاقهما في المخرج واختلافهما في الصفة، مثل: (التاء والطاء).
3 - أو تقاربهما: في المخرج أو الصفة أو فيهما معاً، مثل (الدال والسين) أو (الذال والشين).
وأما الشرط فَأَلَّا يَفْصِل بين المُدْغَمَيْنِ ما يجعل النطق بهما من موضع واحد متعذراً، كالفصل بينهما بصائت طويل نحو: {أَنَا النَّذِيرُ} (2). كما اشترطوا أن يكون المدغم فيه أكثر من حرف إن كان الإدغام في كلمة واحدة، نحو: {خَلَقَكُم} (3)، وأما {خَلَقَكَ} (4) فلا إدغام فيه؛ لأن المدغم فيه حرف واحد (5).
وأما موانع الإدغام المتفق عليها بين القراء، فهي ثلاثة:
1) كون الحرف الأول تاء ضمير للمتكلم، أو المخاطب، نحو:" كُنْتُ تُرَابَاً" (6) و {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} (7).
2) كون الحرف الأول مشدداً، نحو: "رَبَّ بِمَا" (8) و {مَسَّ سَقَرَ} (9) ذلك لما يظهر من أن الحرف المشدد يُنْطَقُ صَوْتَيْنِ من موضعٍ واحدٍ، فكيف إذا أُضِيفَ لهما ثالثٌ بالإدغام ... ؟.
__________
(1) انظر: ابن الجزري: النشر: 2/ 3 - 17، وعبد الفتاح القاضي: الوافي في شرح الشاطبية: 128 - 137.
(2) الحجر: 89.
(3) البقرة: 21، وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم ثماني عشرة مرة.
(4) الكهف: 37، والانفطار: 7.
(5) انظر: النشر: 2/ 3 - 17، والوافي في شرح الشاطبية للقاضي: 128 - 137.
(6) النبأ: 40.
(7) يونس: 42.
(8) الحجر: 39.
(9) القمر: 48.
(1/84)
________________________________________
3) كون الحرف الأول منوناً، نحو: {سَارِبٌ بِالنَّهَارِ} (1).
وأما المُخْتَلَفُ فيه: فالْجَزْمُ، قيل: وقلة الحروف، وتوالي الإعلال، ومصيره إلى حرف مَدٍّ. واختص بعض المتقاربين بخفة الفتحة، أو بسكون ما قبله، أو بهما كليهما أو بفقد المجاور، أو عدم التكرار (2).
وقد عولجت ظاهرة الإدغام في الدرس الصوتي الحديث في ضوء مصطلح Assimilation والذي يعني (المماثلة) وهي:" ضَرْبٌ من التأثير الذي يقع في الأصوات المتجاورة إذا كانت متماثلة، أو متجانسة، أو متقاربة.
ومما يجب إيضاحه أن هناك وجه اتفاق ووجه اختلاف بين الإدغام والمماثلة الصوتية، فالقدماء لما تناولوا المماثلة بإيضاح أشكالها دون أن ينصوا على مسماه الحديث كانوا يدورون في فلك التعريف بمصطلح (الإدغام) مثلما رأينا عند ابن جني، وابن يعيش. ويرى الأستاذ الدكتور: أحمد مختار عمر أن "المماثلة تعني إزالة الحدود بين الصوتين المدغمين وصهرهما معاً" (3). فالصلة قوية بين المماثلة والإدغام لاجتماعهما في حالة التماثل الكلي أو التام. غير أنه يجب القول بأن الإدغام أحد أشكال المماثلة، بل إنه أقيس أشكالها في العربية.
ويوضح (برجشتراسر) علاقة المماثلة الصوتية بالإدغام بقوله: "إن حروف الكلمة مع توالي الأزمان كثيراً ما تتقارب بعضها من بعض في النطق وتتشابه، وهذا التشابه نظير لما سماه قدماء العرب إدغاماً، غير أن التشابه والإدغام وإن اشتركا في بعض المعاني اختلفا في بعضها، وذلك أن معنى الإدغام: اتحاد الحرفين في حرف واحد مشدد، تماثلا أو اختلفا، نحو: "آمنا" و"ادعى". أما "آمنا" فالنون المشددة نشأت عن نونين، أولاهما لام الفعل، والثانية الضمير، فاتحادهما إدغام وليس بتشابه، وأما "ادعى" فأصل الدال المشددة: دال وتاء، الدال فاء الفعل، والتاء تاء الافتعال، قلبت دالا فهذا إدغام وهو تشابه أيضا. والتشابه في هذا المثال كلي إذ تطابق الحرفان تماما. وأما إذا تشابه الحرفان، ولم يتطابقا،
__________
(1) الرعد: 10.
(2) انظر: النشر: 2/ 3 - 17، والوافي في شرح الشاطبية للقاضي: 128 - 137.
(3) دراسة الصوت اللغوي: 328.
(1/85)
________________________________________
كان التشابه جزئيا نحو: "اضطجع" و"ازدجر" الطاء والدال أصلهما تاء، وقلبت طاء لتشابه الضاد ودالا لتشابه الزاي. فهذا تشابه، وليس بإدغام؛ إذ الحرفان لم يتحدا إلى حرف واحد مشدد " (1).
والشرط الأساسي للتأثر بين أي صوتين أن يكون الصوت متبوعاً بحركة غير قابلة للسقوط والإهمال، إما لكون هذه الحركة طويلة، وإما لكونها سبقت بحركة سقطت من قبل إسقاط الأخرى لأنها تزداد تشبثاً بموقعها، وتمنح الصوت قبلها قوة دلالية في موقعها وتمارس تأثيراً ما على الصوت السابق عليها.
ويُقَسِّمُ الْمُحْدَثُونَ تَأَثُّرَ الأصواتِ إلى أنواع (2):
1) تَأَثُّرٍ رَجْعِيٍّ: Regressive وفيه يتأثر الصوت الأول بالثاني.
2) وتَأَثُّرٍ تَقَدُّمِيٍّ: Progressive وفيه يتأثر الصوت الثاني بالأول (3).
3) وتَأَثُّرٍ مُتَبَادَل: Coalescent وفيه يؤثر كل من الصوتين في الآخر.
لعل هذا التقديم يتناسب ومدى تفشي ظاهرة الإدغام في القراءة القرآنية، حيث يقرر الأستاذ الدكتور عبده الراجحي "أن القراءة بالإدغام، كانت مشهورة وفاشية بين القراء حتى لا نكاد نجد واحداً، إلا وقد شارك فيه بقدر قليل. ومعنى ذلك أن الإدغام لم يكن يقل شيوعاً في اللغة العربية عن الإظهار إن لم يزد عليه، حتى إن أبا عمرو بن العلاء يقول: الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسنون غيره. أما عن لهجات القبائل في الإدغام فتتفق كتبهم على أن الإظهار لهجة الحجازيين، وأن الإدغام لهجة تميم، وهي القاعدة الكبيرة التي كانت تُتَّخَذُ مثلاً لقبائل وسط شبه الجزيرة وشرقيها" (4).
ويواصل كلامه فيقول:"فنحن نستطيع إذن أن ننسب الإدغام إلى تلك القبائل التي كانت تسكن وسط شبه الجزيرة وشرقيها، ومعظمها قبائل بادية تميل إلى
__________
(1) التطور النحوي: 29.
(2) انظر: الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 51، والتطور النحوي للغة العربية لرمضان عبد التواب: 29 – 32، ودراسة الصوت اللغوي لأحمد مختار عمر:378.
(3) انظر الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 51.
(4) اللهجات العربية في القراءات القرآنية: 131.
(1/86)
________________________________________
التخفف والسرعة في الكلام. كما نستطيع أن ننسب الإظهار إلى بيئة الحجاز المتحضرة، وهي تميل إلى التأني في الأداء بحيث تظهر كل صوت فيه" (1).
وأما على صعيد معجم التاج فقد تناول الزبيدي الإدغام فذكر تعريفه (2) وحَدَّدَ بيئته (3)، وذكر علله وأسبابه ولم يبتعد فيما ذكر عما تقدم (4). وتَوَقَّفَ عند الكثير من القراءات التي حدثت فيها هذه الظاهرة، موضحاً ما حدث في الكلمة من إدغام، أو إبدال، أو نَقْلٍ ... ولا ريب في أنه قد أفاد معجمه من هذه القراءات. وسوف يتضح ذلك عند عرض طائفة من مفردات هذه الظاهرة فيما يلي.
تميل اللغة العربية إلى الإدغام حين يتوالى صوتان متماثلان سواء في كلمة واحدة أو كلمتين، إذا كان الصوت الأول مُشَكَّلا بالسكون، والثاني محركا، وذلك لتحقيق حد أدنى من الجهد عن طريق تجنب الحركات النطقية التي يمكن الاستغناء عنها. وهناك حالتان أخريان يقع فيهما الإدغام أحيانا، هما:
1) تتابع صوتين متماثلين في كلمتين اثنتين حين يكون الصوت الأول محركا.
2) تتابع صوتين مختلفين – لكن متقاربين – سواء في كلمة واحدة أو في كلمتين.
ولكي يتم الإدغام (المماثلة الكاملة) في هاتين الحالتين لابد من اتخاذ الخطوات الآتية:
(أ) تحقيق المماثلة بين الصوتين المراد إدغامهما إن لم يكونا متماثلين فعلا.
(ب) تسكين الصوت الأول إن لم يكن كذلك.
(ج) سبق الصوتين المدغمين، وإتباعهما بحركة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة.
فإذا تم هذا يمكن إدغام الصوتين أو تداخلهما، والنطق بهما دفعة واحدة. وعلى هذا فإن الإدغام يمكن أن يفهم على أنه إذالة الحدود بين الصوتين
__________
(1) السابق: 133.
(2) انظر التاج: 32/ 161.
(3) انظر التاج: 2/ 422، 6/ 183، 10/ 410.
(4) التاج: 32/ 161.
(1/87)
________________________________________
المدغمين، وصهرهما معا، أو على أنه إحلال صوت ساكن طويل محل الصوتين الساكنين القصيرين (1).

وتحدث دواعي الإدغام بكثرة على مستوى المفردة الواحدة في بعض الصيغ العربية نحو: اِفْتَعَلَ، وتَفَعَّلَ، وتَفَاعَلَ، وأكثر ما يقع في (اِفْتَعَلَ)، حيث تدغم تاء الافتعال في فاء الفعل فيكون التماثل تقدميا، أو تدغم في عين الفعل فيكون التماثل تراجعيا. والإدغام هو عبارة عن فناء أحد الصوتين في الآخر فناء تاما بحيث يصيران صوتا يرتفع عنه اللسان ارتفاعة واحدة، ولكي يحدث هذا الانصهار كان لابد من أن ينقلب الصوت الضعيف إلى صوت مجانس للصوت القوي، وهذه خطوة افتراضية متصورة، وإن لم يدركها المتحدث باللغة. وأما القراءات التي وردت في التاج وتحققت فيها ظاهرة المماثلة التامة (الإدغام) فهى:
• (فَاطَّلَعَ) (2): من قوله تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ ِفي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} (3).
[التاج: طلع]
طَلَعَ – افْتَعَلَ – اطْتَلَعَ – (اطْطَلَعَ) = اطَّلَعَ.
قلبت تاء الافتعال طاء ثم أدغمت في الطاء الأولى التي هي فاء الفعل، وهذا يعني أن الإدغام في هذا الموضع تقدمي؛ لأن فاء الفعل مَثَّلَتْ الصوت الأقوى، فالطاء صوت مفخم، والتاء صوت مرقق، ولا شك في أن المفخم أقوى من المرقق؛ لذلك قلبت التاء إلى طاء لتجانس الفاء (الطاء الأولى) وهي الصوت الأقوى.
ويعلل الشيخ خالد الأزهري سبب التماثل فيما يحدث في صيغة الافتعال بقوله: "إنما أبدلت تاء الافتعال إثر المطبق لاستثقال اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من اتفاق المخرج وتباين الصفة، إذ التاء من حروف الهمس،
__________
(1) انظر دراسة الصوت اللغوي لأحمد مختار: 378.
(2) قراءة الجمهور إلا ابن عباس في آخرين وأبي عمرو في رواية "فَأُطْلِعَ"، انظر: السبعة لابن مجاهد: 548، والدر المصون للسمين: 12/ 200
(3) الصافات: 55.
(1/88)
________________________________________
والمطبق من حروف الاستعلاء فأبدلت من التاء حرف استعلاء من مخرج المطبق، واختيرت الطاء لكونها من مخرج التاء" (1).
ويرى كريم حسام الدين أن " التاء تشترك مع هذه الفونيمات في الخصائص النطقية كالهمس واللثوية (ما عدا الضاد فهي مجهورة) ولكنها تختلف معها في شيء أساسي وهو الإطباق وعدم الإطباق، وقد اكتسبت التاء هذه الخاصية بالمماثلة أي بالمماثلة في الصفات؛ لأن تقريب الحرف من الحرف أدى إلى المماثلة في الصفات" (2).
وهذا التأويل لقلب تاء الافتعال طاء هو ما تعاوره أهل اللغة في تفسير ما حدث من تغير صوتي أو مماثلة في: "اصْطَفَى"، وَ"اصْطَبِرْ"، و" فَاطَّلَعَ" من الآيات السابقة.
والكثير من الآيات على هذا النهج. فقد رأوا في هذا التغيير فراراً من الثقل ونزوعاً إلى التخفيف بتحقيق الانسجام الصوتي في الصيغة الجديدة من صيغة الافتعال.
• (تَدَّخِرُونَ) (3): من قوله تعالى: {وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} (4).
[التاج: ذخر].
• (مُدَّكِرٍ): من قوله تعالى: {فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} (5). [التاج: دكر].
تناول الزبيدي الإدغام في الحرفين السابقين فَبَيَّنَ أن أصلهما: ذَخَرَ وذَكَرَ وأنهما مرا بمراحل افتراضية حتى وصلا إلى شكلهما الحالي كما يلي:
• يَذْخَرُ – يَفْتَعِلُ – يَذْتَخِرُ – (يَذْدَخِرُ - يَدْدَخِرُ) = يَدَّخَرَ.
• يَذْكُرُ – يَفْتَعِلُ – يَذْتَكِرُ – (يَذْدَكِرُ - يَدْدَكِرُ) = يَدَّكِرُ - مُدَّكِر.
ومعنى ذلك أن الفعل (يذخر) عندما جاء على زنة (يَفْتَعِلُ) صار (تَذْتَخِرون) فالتقت تاء الافتعال مع الذال (فاء الفعل)، قال أبو البقاء: "إلاَّ أنَّ
__________
(1) شرح التصريح على التوضيح: 3/ 391.
(2) كريم حسام الدين: أصول تراثية: 194.
(3) هي قراءة الجمهور، انظر: التبيان للعكبري: 1/ 263، والدر المصون:2/ 107.
(4) آل عمران: 49.
(5) القمر: 15.
(1/89)
________________________________________
الذالَ مهجورةٌ والتاءَ مهموسةٌ فلم يجتمعا، فأُبدلت التاءُ دالاً؛ لأنها من مَخْرَجها لتقربَ من الذالِ ثم أُبدلت الذالُ – دالا - وأُدْغِمَتْ " (1). والداعي إلى قلب التاء دالا صعبوبة الانتقال من نطق (الذال) المجهورة إلى نطق (التاء) المهموسة، فقلبت التاء إلى أقرب نظير مجهور وهو الدال، فصارت الكلمة (يَذْدَخِرُ)، وكان هذا التقارب داعيا إلى قلب آخر؛ ليحدث التماثل التام المسوغ لوقوع الإدغام، وهو إما أن تنقلب الذال إلى دال فتصير الكلمة (يَدْدَخِرُ) ثم يحدث الإدغام فتصير الكلمة (يَدَّخِرُ)، وهذا هو التماثل الرجعي. وإما أن تنقلب الدال ذالا وتدغم فتصير الكلمة (يَذَّخِرُ)، وهذا هو التماثل التقدمي. وقد وردت اللغتان عن العرب وقرئ بهما قوله تعالى: {وَمَا تَدَّخِرُونَ} (2) فِي بُيُوتِكُمْ". ومنه حَدِيث الضَّحِيَّة: " كُلُوا واذَّخِرُوا" (3). وما قيل في (تَدَّخِرُونَ) يقال في (مُدَّكِرٍ) من قوله تعالى: {فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ}.
قال الفَرَّاءَ: "حَدَّثَني الكِسَائيّ عن إِسْرَائِيلَ، عن أَبِي إِسحَاقَ، عن أَبِي الأَسْوَدِ قال: قلْت لعَبْدِ الله: "فهَلْ مِن مُذَّكِر" أو "مُدَّكِر"، فقال: أَقرَأَنِي رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُدَّكِر"، بالدال. ومُدَّكِر في الأَصْل مُذْتَكِر على مُفْتَعِل فصُيِّرت الذَّالُ وتَاءُ الافْتِعَالِ دَالاً مُشَدَّدَةً، قال: وبعَضُ بني أَسد يقول: مُذَّكِر فيقلبون الدالَ فتَصِير ذَالاً مُشدَّدَةً " (4).
وقال مكي بن أبي طالب: "الذال حرف مجهور قوي، والتاء مهموسة ضعيفة فأبدلوا من التاء حرفا من مخرجها، مما يوافق الذال في الجهر، وهو الدال ثم أدغمت الذال في الدال. ويجوز "مُذَّكِر" بالذال على إدغام الثاني في الأول وبذلك قرأ قتادة" (5). وعلى ما سبق يُفَسَّرُ
__________
(1) التبيان: 2/ 250.
(2) قرأ "تذدخرون" بذال ودال بغير إدغام أبو شعيب السوسي في رواية عن أبي عمرو، انظر: الدر المصون: 2/ 108
(3) هذا جزء من حديث رواه الإمام النسائي في السنن: 4/ 435، باب الادخار من الأضاحي، رقم: 4355.
(4) معاني القرآن: 3/ 107.
(5) مشكل إعراب القرآن: 2/ 697.
(1/90)
________________________________________
• (الْمُعَذِّرُونَ) (1): من قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} (2). [التاج: عذر]
• يَعْذِرُون – يَفْتَعِلُ – يَعْتَذِرُون – مُعْتَذِرون – (مُعْدذِرُون - مُعْذذِرُون) = مُعَذِّرون.
قال الزبيدي:"المُعَذِّرُونَ أَصلُه المُعْتَذِرُون، فأُلْقِيَتْ فتحةُ التاءِ على العَيْنِ وأُبدِلَ منها ذالٌ، وأُدْغِمَتْ في الذّال التي بعدها" (3).
ومما وقع فيه الإدغام بين التاء والدال:
• (يَهِدِّي) (4): من قوله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} (5).
[التاج: هدي]
• (مُرَدِّفِينَ) (6): من قوله تعالى: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (7). [التاج: ردف]
هاتان الكلمتان (يَهِدِّي ومُرَدِّفِينَ) تعودان في أصلهما إلى صيغة (افتعل)، وتمر الصيغة بعدة مراحل حتى تصل إلى الشكل النهائي المدغم كما يلي:
• يَهْدِي – يَفْتَعِلُ – يَهْتَدِي – (يَهْدَدِي) = يَهِدِّى.
• أرْدَفَ – يَفْتَعِلُ – يَرْتَدِفُونَ – مُرْتَدِفُونَ - (مُرَدْدِفُونَ) = مُرَدِّفُونَ.
فتاء الافتعال صوت مهموس ضعيف، والدال صوت مجهور قوي، ولكي يحدث الإدغام كان لابد من أن تنقلب التاء دالا في الكلمتين. وحتى لا يلتقي ساكنان، يحرك الصوت السابق على الإدغام، إما بحركة التاء الذاهبة، أو بالكسر
__________
(1) هي قراءة الجمهور، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 447، ومعاني الزجاج: 2/ 464، والمحتسب: 1/ 60، والنشر: 2/ 280، والإتحاف: 244.
(2) التوبة: 90.
(3) التاج: عذر: 12/ 555.
(4) قراءة عاصم والكسائي ويعقوب والحسن وأبي رجاء والأعمش وأبي بكر، انظر: السبعة لابن مجاهد، والكشف لمكي: 1/ 518، ومختصر ابن خالويه:28، والنشر: 2/ 283، والإتحاف: 249، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 544 – 550.
(5) يونس: 35.
(6) رواية الخليل عن أحد الأعراب، انظر: الطبري: 9/ 128، والكشاف: 2/ 6 ومختصر ابن خالويه: 49، والمحتسب: 1/ 273، والدر المصون: 3/ 399.
(7) الأنفال: 9.
(1/91)
________________________________________
مطلقا. قال الزبيدي: قال الخليلُ: "سَمِعْتُ رجلاً بمكَّةَ يَزْعُم أَنَّهُ مِن القُرَّاءِ، وهو يَقْرَأُ: "مُرُدِّفِينَ" (1) بضَمِّ المِيمِ والرَّاءِ وكَسْرِ الدَّالِ وتَشْدِيدِها. وعنه في هذا الوَجْهِ كَسْرُ الرَّاءِ: "مُرِدِّفِينَ" (2)، فالأُولَى أَصْلُهَا: مُرْتَدِفِينَ لكنْ بعدَ الإِدْغَامِ حُرِّكتِ الرَّاءُ بحَرَكةِ المِيمِ، وفي الثَّانِيَةِ حَرَّكَ الرَّاءَ السَّاكِنَةَ بالكَسْرِ. وعنه في هذا الوجْهِ وعن غيرِه بفَتْحِ الرَّاءِ، "مُرَدِّفِينَ" (3) كأَنَّ حَرَكَةَ التَّاءِ أُلْقِيَتْ عليها. وعن الجَحْدَرِىِّ بسُكُونِ الراءِ وتَشْدِيدِ الدَّالِ جَمْعاً بيْن السَّاكنَيْن: "مُرْدِّفِينَ". [التاج: ردف].
• (يَخِصِّمُونَ) (4): من قوله تعالى: {وَهُمْ يَِخِصِّمُونَ} (5). [التاج: خصم]
• (يَخِصِّفَانِ) (6): من قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (7). [التاج: خصف]
• يَخْصِمُون – يَفْتَعِلُ – يَخْتَصِمُونَ – (يَخْصَصِمُونَ) = يَخِصِّمُونَ.
• يَخْصِفُ – يَفْتَعِلُ – يَخْتَصِفُ – (يَخْصَصِفُ) = يَخِصِّفُ.
هاتان القراءتان: (يَخِصِّمُونَ، يَخِصِّفَانِ) على إدغام عين الفعل (الصاد) في تاء الافتعال؛ حيث إن الأصل: خصم وخصف، فلما أن جاءتا على زنة (افتعل) التقت الصاد بتاء الافتعال، والصاد صوت مفخم قوي، والتاء حرف مرقق ضعيف؛ لذلك قلبت التاء صادا لتماثل عين الفعل، ثم أدغمت فيه (8).
قال الزبيدي: "وأما مَنْ قَرَأ قَولَه تَعالَى: {وهم يخصمون} بفتح الخَاءِ، فإنه أراد يَخْتَصِمُون، فَقَلَب التِّاء صادًا فَأَدغَم ونَقَل حرَكَتُه إلى الخاء. ومنهم مَنْ لا يَنْقُل وَيَكْسِر الخَاءَ لاجْتِماع السَّاكِنَيْن؛ لأَنّ السّاكِنَ إذا حُرِّك حُرِّكَ بالكَسْر".
__________
(1) هي رواية الخليل بن أحمد عن أحد المكيين، انظر: الدر المصون: 7/ 356 ومعجم القراءات لمختار: 2/ 255.
(2) السابق نفسه.
(3) السابق نفسه.
(4) قراءة حفص، ويعقوب، والكسائي، وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 541، والدر المصون: 12/ 172، والنشر لابن الجزري: 2/ 394، والإتحاف:651.
(5) يس: 49.
(6) قراءة الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب والزهري، انظر: معاني الأخفش: 2/ 296، والمحتسب: 1/ 245، والتبيان: 4/ 373، والدر المصون: 3/ 251.
(7) الأعراف: 22.
(8) انظر معاني القرآن للفراء: 2/ 379.
(1/92)
________________________________________
وقال السمين: "أبو عمرٍو وقالون بإخفاءِ فتحةِ الخاء وتشديدِ الصاد. ونافعٌ وابن كثير وهشام كذلك، إلاَّ أنَّهم بإخلاصِ فتحةِ الخاءِ. والباقون بكسرِ الخاء وتشديدِ الصادِ. والأصلُ في القراءاتِ الثلاثِ: يَخْتَصِمون فأُدْغِمت التاءُ في الصاد، فنافعٌ وابن كثير وهشام نَقَلوا فتحَها إلى الساكنِ قبلَها نَقْلاً كاملاً، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتَها تنبيهاً على أنَّ الخاءَ أصلُها السكونُ، والباقون حَذَفُوا حركتَها فالتقى ساكنان لذلك، فكسروا أوَّلَهما، فهذه أربعُ قراءاتٍ، قُرِئ بها في المشهور" (1).
ويضم إلى هذا القسم من المماثلة ما يحدث من تغير في مضارع صيغتي (تَفَعَّلَ) و (تَفَاعَلَ) وذلك إذا كانت فاء الفعل صوتاً صفيرياً أو أسنانياً. يقول الأستاذ الدكتور: رمضان عبد التواب: "تتأثر التاء بعد تسكينها للتخفيف بفاء الفعل" (2). ومن ذلك:
• (اثَّاقَلْتُمْ) (3): من قوله تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} (4). [التاج: ثقل]
• (فَادَّارَأْتُم) (5): من قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُم فِيهَا} (6).
[التاج: درأ].
• (يَذَّكَّرُ) (7): من قوله تعالى: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} (8). [التاج: ذكر]
• (تَزَّاوَرُ) (9): من قوله تعالى: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِم} (10). [التاج: زور]
• (تَسَّاقَطُ) (11): من قوله تعالى: {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا} (12).
[التاج: سقط]
فكلمة (اثَّاقلتُم) من المضارع يتثاقل على وزن (يتفاعل)، وعند الإتيان بصيغة الماضي منه (تثَاقَلَ) على وزن (تَفَاعَلَ)، ثم يتم تسكين التاء للتخفيف فتصير الكلمة (تْثَاقَل)؛ ولأنه لا يصح الابتداء بالساكن جلبت الألف الموصولة للابتداء بها مع بقاء حركة التاء (السكون التخفيفي) كما هي، ثم قلبت التاء الساكنة إلى مماثل فاء الكلمة (حرف الثاء) تبعاً لقانون المماثلة الرجعية حيث أثر الصوت الثاني (الثاء) في الصوت الأول (التاء)، فأصبح لدينا مماثلان جاز إدغامهما في صوت واحد، فوصلت الكلمة إلى صيغتها النهائية وهي (اثَّاقَلْتُم) كما تم توظيفها في الآية القرآنية. وبالتفسير السابق فسر الزبيدي التغيرات التي حدثت لـ (ادَّارَأْتُمْ) فقال: "و (ادَّارَأْتُمْ) أَصْلُه (تَدَارَأْتُمْ) أُدغِمت التاء في الدَّال لاتحاد المخرج، واجتُلِبت الهمزةُ للابتداء بها ". [التاج: درأ]
كلمة (يذَّكّر) فعل مضارع على وزن (يتفعَّل) حدث فيه مماثلة رجعية حيث تم تسكين تاء التفعّل للتخفيف فأصبح الفعل على صورة (يَتْفَعَّل)، ثم حدثت المماثلة الرجعية عندما أثر الصوت الثاني (الذال) في الأول (التاء) فقلب إلى مماثل للثاني، فوُجِدَ لدينا عندئذ متماثلان فلزم إدغامهما.
أما (تَزَّاوَرُ، وتَسَّاقَطُ) فهما على زنة (تتفاعل)، وصورتهما قبل الإدغام: (تتزاور، تتساقط)، تأثرت تاء التفاعل بصوتي الزاي والسين بعدها، وأدي بها هذا التأثر إلى أن انقلبت زايا في (تززاور) وسينا في (تسساقط)، ثم حدث إدغام المثلين فصارتا: (تَزَّاوَرُ، وتَسَّاقَطُ).
• (حَيِيَ) (13): قراءة في قوله تعالى: {ويَحْيَ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} (14). [التاج: حيي].
__________
(1) الدر المصون: 12/ 171.
(2) التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: 29.
(3) قراءة الجمهور، انظر: معاني الفراء:1/ 95، ومختصر ابن خالويه: 53 والإتحاف: 242، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 385.
(4) التوبة: 38.
(5) قراءة الجمهور، وانظر بقية القراءات في: مختصر ابن خالويه: 8، والنشر: 1/ 272، والإتحاف: 139، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 128.
(6) البقرة: 72.
(7) قراءة الجمهور، انظر: الدر المصون: 6/ 478، ومعجم الخطيب: 10/ 303.
(8) عبس: 4.
(9) قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وأبي جعفر، انظر: النشر: 2/ 348، ومعجم القراءات
(10) الكهف: 17.
(11) قراءة أبو بكر، وعاصم، والكسائي، وابن كثير، ونافع، وابن عامر وشعبة، ويحيى، وخلف وأبي جعفر، انظر: الحجة لابن خالويه: 163، والنشر: 2/ 357، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 3/ 163.
(12) مريم: 25.
(13) فك الإدغام قراءة نافع وعاصم وقنبل وابن شنبوذ وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب وخلف وابن محيصن وشبل والبزي، انظر: السبعة: 76، والنشر: 2/ 311، وشرح الشاطبية:153، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 268، ومعجم القراءات للخطيب:3/ 301.
(14) الأنفال: 42.
(1/93)
________________________________________
قال الجوهري: والإدغام أكثر في "حَيَّ"؛ لأن الحركة لازمة، فإذا لم تكن الحركة لازمة لم تدغم، كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى} (1) ويقرأ: {ويَحْيَ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.
وقال الفراء: "كتابتها على الإدغام بياء واحدة، وهي أكثر قراءة القراء، وقرأ بعضهم: {ويَحْيَ مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ} بإظهارها. قال وإنما أدغموا الياء مع الياء وكان ينبغي أن لا يفعلوا؛ لأن الياء الأخيرة لزمها النصب في (فَعَلَ) فَأَدْغَموا لَمَّا التقى حرفان متحركان من جنس واحد. قال ويجوز الإدغام في الاثنين للحركة اللازمة للياء الأخيرة فتقول (للرجلين قد) (2): حَيَّا وحَيِيَا، وينبغي للجمع أن لا يدغم إلا بياء؛ لأن ياءها نصيبها الرفع وما قبلها مكسور فينبغي لها أن تسكن فيسقط بواو الجماع، وربما أظهرت العرب الإدغام في الجمع إرادة تأليف الأفعال وأن يكون كلها مشددة فقالوا في حَيِيتُ: حَيُّوا، وفى عَيِيتُ: عَيُّوا. قال وأجمعت العرب على إدغام التحتية بحركة الياء الأخيرة كما استحبوا إدغام حَيَّ وعَيَّ للحركة اللازمة فيها فأما إذا سكنت الياء الأخيرة فلا يجوز الإدغام من يَحْيَى ويَعْيَى وقد جاء في الشعر الإدغام وليس بالوجه وأنكر البصريون الإدغام في هذا الموضع" (3).
وللسمين الحلبى تحليل للإدغام في هذه الآية، وضح فيه بواعث الإدغام وشروطه فقال: "الإِظهارُ والإِدغام في هذا النوع لغتان مشهورتان: وهو كلُّ ما آخرُه ياءان من الماضي أولاهما مكسورة نحو: حَيِي وعَيِيَ. ومن الإِدغام قولُ المتلمس: (فهذا أَوانُ العِرْضِ حَيَّ ذُبابُه) (4).
__________
(1) القيامة: 40.
(2) ما بين القوسين زيادة من معاني الفراء: 1/ 411.
(3) التاج: 37/ 508، وأصل النص في: معاني الفراء: 1/ 411.
(4) هذا صدر بيت عجزه (زنابيره والأزرق المتلمس)، وهو لجرير بن عبد المسيح، وقد سمي بالمتلمس لهذا البيت، انظر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي: 21.
(1/95)
________________________________________
وقال آخر (1):
عَيُّوا بأمْرِهُمُ كَمَا ... عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمَامَهْ
فأدغم "عيُّوا"، ويُنْشَدُ: عَيَّتْ وعَيِيَتْ بالإِظهار والإِدغام. فَمَنْ أظهر فلأنه الأصلُ ولأن الإِدغامَ يؤدِّ إلى تضعيفِ حرفِ العلةِ وهو ثقيلٌ في ذاته؛ ولأن الياءَ الأولى يتعيَّن فيها الإظهارُ في بعضِ الصور، وذلك في مضارع هذا الفعلِ لانقلاب الثانية ألفاً في يَحْيَا ويَعْيَا، فَحُمِل الماضي عليه طَرْداً للبابِ؛ ولأن الحركة في الثاني عارضةٌ لزوالها في نحو: حَييت وبابه؛ ولأنَّ الحركتين مختلفتان، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين قالوا: ولذلك قالوا: لَحِِحَتْ عينُهُ، وضَبِبَ المكانُ، وأَلِلَ السِّقاءُ، ومَشِئَتْ الدابة. قال سيبويه (2): "أخبرَنا بهذه اللغة يونس" يعني بلغة الإِظهار. قال: "وسمعت بعض العرب يقول: أَحْيِياء وأَحْيِيَة فيُظْهر" وإذا لم يُدْغم مع لزومِ الحركةِ فمع عُروضها أَوْلى. ومَنْ أدغم فلاستثقالِ ظهورِ الكسرة في حرفٍ يُجانسه؛ ولأنَّ حركةَ الثانية لازمةٌ؛ لأنها حركةُ بناء، ولا يَضُرُّ زوالُها في نحو حَيِيْتُ، كما لا يضرُّ ذلك فيما يجب إدغامُه من الصحيح نحو: حَلَلْتُ وظَلَلْتُ وهذا كلُّه فيما كانت حركتُه حركةَ بناءٍ؛ ولذلك قُيِّد به بالماضي، أمَّا إذا كانت حركةَ إعراب فالإِظهارُ فقط له: يُحْيِِيَ ولن يُعْيِِيَ" (3).

نخلص من هذا المبحث إلى أن الإدغام والإظهار لغتان عرفتهما العربية، والإظهار هو الأصل وهو لغة الحضر، والإدغام فرع عنه، وهو لغة البدو الذين سكنوا قلب الجزيرة وشرقها. وقد قطعت الدراسة الصوتية الحديثة بأن السبب الداعي للإدغام هو طلب الخفة في النطق، أي الميول إلى توفير الجهد. كما تبين أن حدوث الإدغام تنحصر في قوة الصوت، فالصوت القوي هو الذي يفرض على الصوت الضعيف أن يماثله ثم ينصهر فيه. وهذه القوة تنحصر في:
__________
(1) عبيد بن الأبرص، انظر: أدب الكاتب لابن قتيبة:14، والحيوان للجاحظ: 1/ 231.
(2) انظر: الكتاب: 4/ 397.
(3) الدر المصون للسمين الحلبي: 7/ 398، 399.
(1/96)
________________________________________
1) قوة ذاتية في الصوت المؤثر ناشئة عن اشتماله عناصر صوتية أكثر من الصوت المتأثر.
2) قوة موقعية حين يكون الصوت المؤثر بداية مقطع في حين يحتل الصوت المتأثر نهاية المقطع السابق. مع مراعاة العامل الأساسي في الإدغام وهو التقارب والتجانس بين الصوتين.
(1/97)
________________________________________
المبحث الثاني
التماثل الصوتي الناقص (الإبدال)
الإبدال عند اللغويين " إِقَامَةُ حَرْفٍ مَكَانَ حَرْفٍ مَعَ الإِبْقَاءِ على سَائِرِ حُرُوفِ الكلمةِ" (1). والإبدال الذي يتناوله هذا المبحث، هو الإبدال الذي يشترط لكي تعد الكلمتان من بابه أن تكون بين الصوتين علاقة تدعو إلى إحلال أحدهما محل الآخر.
قال أبو سعيد السيرافي: " إنما يُعْلَمُ ما تَنَاسَبَ من الحروف باللغة أن يُبْدَلَ حرفٌ من أخيه ويكون معه في قافية واحدة، مثل: مَدَحَ ومَدَهَ، والنون والميم في قافية والعين والهمزة، مثل: استأديت واستعديت، وهذا كثير، يُبْدَلُ الحرف من أخيه فَيُدْغَمُ فيه إذا قَرُبَ ذلك القُرْبِ" (2).
ويقول الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين كأنه يشرح مقولة الفراء: "الصوتان المُبْدَلُ أحدُهما من الآخر لا يمكن إلا أن يكونا على علاقة مخرجية ووصفية وفي ضوء هذه العلاقة نستطيع أن نضع تعليلا لما لدينا من أمثلة حدث فيها إبدال فإذا انتفت فَثَمَّةَ مجالٌ للقول بالإبدال بل يكون كل منهما أصل لغوي بذاته فمثال ما كانت بين الصوتين فيه علاقة مخرجية ما روته المعاجم من أن: "كل جريء سَبَنْدَى وسَبَنْتَى"، فبين الدال والتاء وَحْدَةٌ في المخرج، واتفاق في صفة الشِّدَةِ واختلاف بالجَهْرِ والهَمْسِ، وهذه العلاقة تسمح بانتقال أحد الصوتين إلى الآخر على ألسنة الناطقين باللغة. كما ينبغي الإشارة إلى ضرورة اتحاد المعنى بين اللفظين المُبْدَلَيْنِ اتحاداً كاملاً؛ لأن اختلافه يدل على انعدام الصلة بينهما غالبا، وعلى استقلال كل منهما بوضعه" (3).
وعندما تحدث ابن جني عن الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه اشترط أن يؤول أحد اللفظين على الآخر عند التصرف، نحو: فلان
__________
(1) أبو الطيب اللغوي: الإبدال: 9.
(2) شرح كتاب سيبويه: 3/ 193.
(3) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 269.
(1/98)
________________________________________
خَامِلُ الذكر وخَامِنُهُ، فالفعل منهما: خمل يخمل خمولا، أما إذا استقل كل منهما بتصريف خاص، لم يَسُغْ أَنْ يُقُالَ بَالْبَدَلِ بينهما" (1).
ويقرر الأستاذ الدكتور: إبراهيم أنيس أن لفظة "إبدال" تدل على " أن التطور واقع على لفظ الكلمة، أي في أصواتها، لا في معناها، ومعلوم أن تطور الأصوات إنما يتجه بها إلى أن تماثل نظائرها أو أن تخالفها، ولكل من المماثلة والمخالفة حدود فالمماثلة يشترط فيها وجود علاقة بين الصوتين من تجانس أو تقارب، والمخالفة إنما تحدث دائما في اتجاه أصوات اللين وما أشبهها وبخاصة النون واللام " (2).
ويتم المعنى السابق بقول الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين:" فما خرج عن ذلك لم يكن بوسعنا تفسيره إلا على أساس استقلاله في أصل وضعه اللغوي. والغالب فيما جاء على قاعدة المماثلة أو المخالفة أن ينتسب إلى لهجتين مختلفتين، أما غيرهما فيمكن أن يجتمع الأصلان في لهجة واحدة " (3).
__________
(1) الخصائص: 2/ 82.
(2) الأصوات اللغوية: 152.
(3) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 271.
(1/99)
________________________________________
وقد جمع أحد اللغويين المعاصرين (1) عينة من الكلمات التي وقع فيها إبدال على أساس من التقارب أو التجانس بين الصوتين البدل والمبدل منه، وقد خرج بالنتائج الآتية:
م ... صوتا الإبدال ... عدد الروايات
1 س مع ص ... 48
2 س مع ش ... 25
3 ك مع ق ... 23
4 م مع ب ... 18
5 ح مع خ ... 17
6 ع مع غ ... 16
7 ص مع ض ... 9
8 ث مع س ... 9
9 ت مع ط ... 8
10 د مع ط ... 8
11 ز مع س ... 8
12 ء مع و ... 8

وهكذا ... إلى أن تبلغ حالات التبادل رواية واحدة في قليل من المتقارب، كالميم مع الفاء والحاء مع الهاء، وكثير من المتباعد، كالباء مع الدال، والقاف مع الفاء (2).
والواضح أن كثرة أمثلة الأزواج الثلاثة الأولى – في الجدول السابق - هي التي دعت القدماء من علماء اللغة إلى أن يعتبروا الإبدال بين كل زوجين منها
__________
(1) عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 292، 293. وعلى الرغم من أن هذه العينة من واقع معجم لسان العرب لابن منظور، فإنها جاءت صادقة لحد كبير مع القراءات لسبب بسيط يتمثل في أن المعاجم العربية ومنها اللسان أخذت غالب أمثلتها في هذا المجال من القراءات القرآنية.
(2) عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 292، 293.
(1/100)
________________________________________
قياسا وأن يفسروا ما ورد فيها من الروايات على أنه من الإبدال الجائز قياسا، لا على اللغات المنتسبة إلى بيئات مختلفة (1).
ويروي صاحب اللسان عن قطرب: " أن قوما من بني تميم يُقَالُ لهم "بَلْعَنْبَرِ" يَقْلِبُونَ السين صاداً عند أربعة أحرف: الطاء، والقاف، والغين، والخاء، إذا كُنَّ بعد السين، ولا يبالون أثانية كانت أم رابعة بعد أن يَكُنَّ بعدها يقولون: سراط وصراط، وبسطة وبصطة، وسيقل وصيقل، وسرقت وصرقت، ومسبغة ومصبغة، ومسدغة ومصدغة، وسَخَّرَ لكم وصَخَّرَ لكم، والسَّخَبُ والصَّخَبُ" (2).
ومن أمثلة الإبدال بين الصاد والزاي قول الجوهري: العلوز لغة في العلوص (3) ... والقَنْز لغة في القَنْص وحكى يعقوب أنه بَدَل (4). ويروي ابن سيده: الحَزْد لغة في الحَصْد مُضَارَعَةً، ومثلها: الزَّقْرُ والصَّقْرُ، مُضَارَعَةً (5).
وقد حفلت المعاجم العربية المطولة بالحديث عن الإبدال وأنواعه، وخير من يمثل هذا التوجه (المخصص) لابن سيده؛ لأنه عقد بابا للبدل، تناول فيه الحروف التي يقع فيها البدل، والعلة من البدل فأرجعه إلى ثلاثة أسباب هي: طلب الخفة وكثرة الاستخدام ومناسبة الأصوات بعضها البعض. ثم تناول مراتب حروف البدل في القوة والضعف، ثم تناول اللغات التي تبدل فيها السين صادا، ثم عقد بابا لم يجيء مقولا بحرفين وليس بدلا، ثم ختم الباب بما يجري مجرى البدل (6) وفي خضم تناول المعجميين لهذا الباب كان للقراءات القرآنية دورها البارز في الحفاظ على صور عدة من باب الإبدال الصوتي لم يغفلها المعجميون، بل اتخذواً منها شواهد في معاجمهم على وقوع هذه الظاهرة في اللغة؛ ولأنها صارت قرآناً يتعبد بتلاوته نالت اهتماماً كبيراً من اللغويين والنحويين والقراء على السواء.
__________
(1) عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 292، 293.
(2) اللسان: (صدغ).
(3) هو وجع يصيب البطن ويقال له أيضا اللوى، انظر: الصحاح: (علز).
(4) اللسان: (قنز).
(5) اللسان: (زقر).
(6) انظر: المخصص: 3/ 273 - 286.
(1/101)
________________________________________
وأفاد الزبيدي في تاجه من القراءات التي ورد فيها الإبدال إفادة جمة فهو لا يترك مادةً وردت فيها قراءة بالإبدال إلا نَبَّهَ عليها. وليس له في دراسة هذه الظاهرة منهج واضح؛ لأن طبيعة المعجم تدرس مفردات اللغة بشكل منفصل، مما يفوت على الدارس تكوين صورة واضحة المعالم.

والزبيدي عندما يتناول مفردات هذه الظاهرة كان أحيانا ينسبها إلى بيئتها وأحيانا أخرى لا ينسبها، وأحيانا يعلل لها، وفي الكثير من الأحيان لا يعلل لها وسوف تتضح طريقة تناوله لها من خلال دراسة شواهد الظاهرة في الأسطر القادمة.
أمثلة الإبدال التي تناولها التاج:
م ... الآية ... القراءة ... القارئ ... موضعها ... المبدل والبدل ... الصفة ... المادة
1 الصِّرَاطَ ... السِّرَاطَ ... يعقوب الحضرمي ... الفاتحة:6 ... ص- س ... تجانس ... سرط
2 الزِّرَاطَ ... أبوعمرو، وحمزة ... ص - ز ... تقارب ... زرط
3 بَسْطَةً ... بَصْطَةً ... (حمزة وأبو عمرو) ... البقرة:247 ... س- ص ... تجانس ... بصط
4 حَتَّى ... عَتَّى ... ابن مسعود. ... المؤمنون:45 ... ح - ع ... تجانس ... حتت
5 الْمُصَيْطِر ... الْمُسَيْطِر ... (ابن محيصن) ... الطور:37 ... س- ص ... تجانس ... سطر
6 كُشِطَتْ ... قُشِطَتْ ... ابن مسعود. ... التكوير:11 ... ك - ق ... تقارب ... قشط
7 بِضَنِين ... بِظَنِين ... (ابن كثير) ... التكوير:24 ... ض- ظ ... تقارب ... ضنن ...
(1/102)
________________________________________
8 بِمُصَيْطِر ... بِمُسَيْطِر ... (الكسائي وأبي عمرو وقنبل) ... الغاشية:22 ... س- ص ... تجانس ... سطر ...
بصط
9 تَقْهَرْ ... تَكْهَر ... ابن مسعود. ... الضحى:9 ... ق - ك ... تقارب ... كهر
10 يَصْدُرُ ... يَزْدُرُ ... (لم يذكروا قارئها) ... الزلزلة:6 ... ص - ز ... تجانس ... زدر
11 بُعْثِرَ ... بُحْثِرَ ... (ابن مسعود) ... العاديات:9 ... ع - ح ... تجانس ... بحثر

يشير الجدول السابق إلى ما يلي:
1 - كل الأصوات التي وقع فيها الإبدال هي من قبيل المتجانس أو المتقارب.
2 - أغلب حالات الإبدال بين السين والصاد.
3 - المعنى واحد قبل الإبدال وبعده، وكذلك في التصريف.
وهذا يؤكد أن الصور السابقة كلها من باب الإبدال الصوتي الذي يتناول لفظ الكلمة فقط دون معناها.
حينما يلتقي صوتان مجهوران أو مهموسان فإن أحدهما يُقْلَبُ إلى الآخر فيصيران مهموسين أو مجهورين (1)، والسين والصاد صوتان مهموسان والزاي مضارعهما المجهور؛ لذلك فإن أحد هذه الأحرف يُبْدَلُ من الآخر. وقد تحدث الزبيدي عن هذه الظاهرة في أكثر من موضع، كما ذكر بعضا من البيئات التي يحدث فيها هذا القلب وعلل أيضا لحدوث هذه الظاهرة.
وقد كان للقراءة القرآنية أثرها الواضح في تناول الزبيدي لهذه الظاهرة، حيث كانت بالنسبة له الشاهد التطبيقي الذي عَوَّلَ عليه، كما استفاد استفادة كبيرة من تلك الثروة اللغوية التي نتجت عن تناول اللغويين والنحاة والقراء لهذه الظاهرة فكانت مقتبساته من كلامهم مادة شارحه لمداخل معجمه.
ومن هذه المواضع تناوله لما يلي:
• (الصِّرَاط): من قوله تعالى: {اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيم} (2).
[التاج: زرط، وصرط].
__________
(1) انظر: الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 117.
(2) الفاتحة: 6.
(1/103)
________________________________________
• (يَصْدُرُ): من قوله تعالى: {يَوْمَئذ يَصْدُر النَّاسُ أشْتَاتاً} (1) حيث قرئ: "يَزْدُر" (2). [التاج: زدر].
• (بَصْطَةً): من قوله تعالى: {وزَادَه بَصْطَةً} (3)، حيث قرئ "بَسْطَةً". [التاج: بسط، بصط].
• (مُسَيْطِر): من قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهم بِمُسَيْطِر} (4)، وقوله تعالى: {أمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُم المُصَيْطِرُونَ} (5)، حيث قرئ بالسين. [التاج: سطر].
في الحروف السابقة حدث التبادل بين الأصوات الآتية: الصاد، والسين والزاي. والعلة في ذلك حسب معطيات الدرس الصوتي الحديث تكمن في مخارج وصفات هذه الأصوات؛ وذلك كما يلى:
• صوت الزاي: أسناني لثوي، رخو، مجهور، مرقق.
• صوت الصاد: أسناني لثوي، رخو، مهموس، مفخم.
• صوت السين: أسناني لثوي، رخو، مهموس، مرقق.
وبمقارنة هذه الأصوات نلاحظ أنها جميعا من مخرج واحد (أسناني لثوي)، وأنها اتفقت في بعض الصفات، فالسين والصاد صوتان متجانسان؛ لأنه لا فرق بينهما إلا أن السين مرققة، والصاد هو نظيرها المفخم. وأن الزاي أقرب إلى السين من الصاد؛ لأنهما لم يختلفا إلا في صفة واحدة من ثلاثة وهي أن الزاي
__________
(1) الزلزلة: 6.
(2) انظر: التبيان: 2/ 177، والنشر: 2/ 284، ومعجم القراءات لأحمد:5/ 451 ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 535.
(3) البقرة: 247. وقراءة السين لخلف عن حمزة، والدوري عن أبي عمرو، وهشام ورويس، انظر: النشر: 2/ 261.
(4) الغاشية: 22، ورسم المصحف (مصيطر) بصاد أسفلها سين، وقراءة السين الخالصة لابن عامر والكسائي وأبي عمرو وابن ذكوان وقنبل وحفص وهشام انظر: السبعة: 186، والدر المصون: 14/ 322، والإتحاف:460، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 5/ 372.
(5) الطور:37، والسين قراءة قنبل وهشام وابن محيصن، انظر: الإتحاف: 715.
(1/104)
________________________________________
مجهورة والسين مهموسة. ولكن يحكم بتجانس هذه الأصوات الثلاثة لتوحد المخرج، وبعض الصفات (1).
وعلى ضوء مفهوم التماثل الصوتي، يصح أن نقول إن تجانس هذه الأصوات هو السبب الرئيس الذي يقف وراء قراءة قوله تعالى: (الصِّرَاط) بالصاد، و (السِّرَاط) بالسين، و (الزِّرَاط) بالزاي الخالصة. فالأصل في (السراط) السين وهو صوت مرقق، ولكن لما جاور الطاء، وهو صوت شديد مفخم، كان من الأسهل في النطق أن يبدل من السين نظيرها المفخم وهو الصاد. يقول الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين: "والتأمل في هذه الأمثلة التي قلبت فيها الصاد زايا يجد أنها جميعا تخضع لقانون المماثلة، الأمر الذي جوز أن يجري مثله على لسان فرد واحد، كما يمكن أن يجري على لسان أفراد ينتمون إلى بطون مختلفة في قبيلة واحدة، أو في قبائل مختلفة أيضا" (2).
فالسِّرَاط: الطريق، "والصَّادُ والزَّاي لُغَتانِ فيه، والصَّادُ أَعْلى، للمُضارَعَة وإِنْ كانت السِّينُ هي الأَصلُ، قالَ الفَرَّاءُ: والصَّادُ لغةُ قريشٍ الأَوَّلين الَّتِي جاء بها الكتابُ وعامَّةُ العَرَبِ يَجْعَلُها سيناً، وبه قَرأَ يَعْقوبُ الحَضْرَميُّ، ورُوَيْس. وقولُ من قالَ: الزِّراط، بالزَّاي المُخَلَّصَةِ، وبه قَرأَ بعضُهم (3) " (4).
[التاج: صرط].
قال السمين: "وأصلُه السينُ، وقد قَرَأ به قنبل حيث وَرَدَ، وإنما أُبْدِلَتْ صاداً لأجل حرف الاستعلاء وإبدالُها صاداً مطردٌ عنده نحو: صَقَر في سَقَر، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر، لما بينهما من التقارب ... وقد تُقْرَأ زاياً مَحْضَةً ولم تُرْسم في المصحف إلا بالصادِ مع اختلافِ قراءاتِهم فيها كما تقدم" (5).
__________
(1) انظر: اللغة العربية معناها ومبناها لتمام حسان: 79، وأثر القراءات في الأصوات والنحو العربي لعبد الصبور شاهين: 293.
(2) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي:296.
(3) قراءة أبي عمرو، ورواية الكسائي عن حمزة، انظر: الحجة لابن خالويه: 303 والعنوان لابن خلف: 8، والتبيان للعكبري:1/ 7، ومعجم للخطيب: 1/ 17 – 19.
(4) التاج: 19/ 345.
(5) الدر المصون: 1/ 41.
(1/105)
________________________________________
ويذكر الزبيدي - عند تناوله لقوله تعالى: {وزَادَه بَصْطَةً} (1) - أن "البَسْطُ في جَميع مَا ذُكر من مَعانيه في السِّين يَجوز فيه الصَّاد. وأَصْلُ صادِهِ سِينٌ قُلِبت مع الطَّاءِ صاداً لقُرْبِ مَخَارِجِهَا" (2).
ويكرر قريبا من هذا المعنى في مادة (س ط ر) فيقول: "وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز {لَسْتَ عَلَيْهم بِمُسَيْطِر} (3) أَي بمُسَلَّط وقد تُقْلبُ السِّينُ صاداّ لأَجْلِ الطَّاءِ. وقال الفَرَّاءُ: في قوله تعالى: {أمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُم المُصَيْطِرُونَ} (4) قال المُصَيْطِرُونَ كِتَابَتُها بالصاد وقراءَتُها بالسين. يقال: قد تَسَيْطَرَ عَلَيْنَا وتَصَيْطَرَ بالسَّيْن والصّاد والأَصلُ السّين، وكُلُّ سينٍ بعدَهَا طاءٌ يَجُوزُ أن تقلب صاداً، يقال: سطر وصطر وسطا عليه وصطا" (5).
• (يَزْدُر) قراءة في قوله تعالى: {يَوْمَئذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} (6).
في (ز د ر) يتناول إبدال الصاد زايا فيقول: " قال ابنُ سِيدَه: وعِنْدِي أَنَّ الزَّايَ مُضَارعة وإِنما أَصلُها الصَّاد ... وقُرِئ: {يَوْمَئذ يَزْدُر النَّاسُ أشْتَاتاً} (7) وسائِر القُرَّاءِ قَرَؤُوا " يَصْدُر" وهو الحَقّ. قال شيخُنَا: أَما إشْمام صادِه زاياً فهي قراءَة حَمْزَةَ والكِسَائِيّ (8). وأمّا قِرَاءَةُ الزَّاي الخالِصَة فلا أَعْرِفُهَا وإن ثَبَتَتْ فهي شاذَّةٌ " (9).
__________
(1) البقرة: 247. وقراءة السين لخلف عن حمزة، والدوري عن أبي عمرو وهشام ورويس، انظر: النشر: 2/ 261.
(2) التاج: 19/ 154.
(3) الغاشية: 22، ورسم المصحف (مصيطر) بصاد أسفلها سين، وقراءة السين الخالصة لابن عامر والكسائي وأبي عمرو وابن ذكوان وقنبل وحفص وهشام انظر: السبعة: 186، والدر المصون: 14/ 322، والإتحاف:460، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 372.
(4) الطور:37، والسين قراءة قنبل وهشام وابن محيصن، انظر: الإتحاف: 715.
(5) التاج: 12/ 26.
(6) سورة الزلزلة: 6.
(7) انظر: التبيان:2/ 177، والنشر: 2/ 284، ومعجم القراءات لمختار:5/ 451 ومعجم القراءات للخطيب:10/ 535.
(8) انظر القراءة في: النشر: 2/ 284، والإتحاف: 344.
(9) التاج: 11/ 418.
(1/106)
________________________________________
ويُخْلَصُ مما سبق إلى أن كثرة تبادل كل من: السين، والصاد، والزاي هي التي دعت القدماء من علماء اللغة إلى أن يعتبروا الإبدال بين كل زوجين منها قياساً وأن يفسروا ما ورد فيها من الروايات على أنه من الإبدال الجائز قياساً، لا على اللغات المنتسبة إلى بيئات مختلفة (1).
• (كُشِطَتْ): من قوله تعالى: {وَإِِذََا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} (2)، حيث قرئ "قُشِطَتْ".
• (تَقْهَرْ): من قوله تعالى: {فَأمَّا اليَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (3)، حيث قرئ "تَكْهَرْ".
ذكر الزبيدي في مواضع عدة أن الكاف يُبْدَلُ منها القاف والعكس، من هذه المواضع مادتي (ق ش ط) و (ك ش ط) حيث دار شرح المادتين حول قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ لقوله تعالى: {وَإِِذََا السَّمَاءُ قُشِطَتْ} (4) بالقاف، وقد شكلت القراءة حيزاً كبيراً من شرح المادتين، ذكر خلال هذا الحيز أن تَمِيماً وأَسَداً يقولون: قَشَطْتُ بالقَاف. وأَنَّ قريشاً وقيساً يقولون: كَشَطْتُ بالكاف، والمعنى واحد وأن هذا البدل وقع في كثير من الكلمات، نحو: القَحْطِ والكَحْطِ، والقَافُور والكافُور ... ويروي عن يعقوب قوله: "ولَيْسَتِ الكافُ في هذا بَدَلاً من القَافِ لأَنَّهُمَا لُغَتَانِ لأَقْوامٍ مُخْتَلِفينَ" (5).
وكونهما لأقوام مختلفين لا ينفي عنهما البَدَلَ، ولكنه بَدَلٌ معروفٌ في بيئة محددةٍ والذي يؤكد البدل فيه أنه واقعٌ في كل تصاريف المادة مع تَوَحُّدِ المعنى، مما دعا الجوهري إلى إهماله على أن (قَشَطَ) لغةٌ في (كَشَطَ) على طريق البدل، وأن هذا البدل مُطَّرِدٌ في كثير من الكلمات كما مرَّ. وفي (ك هـ ر) يستهل الزبيدي المادة بقوله: " الكَهْرُ: القَهْر، وقرأَ ابنُ مَسْعُود: {فَأمَّا اليَتِيمَ فَلَا تَكْهَرْ} (6)
__________
(1) انظر: أثر القراءات القرآنية في الأصوات لعبد الصبور شاهين: 192، 193.
(2) التكوير: 11.
(3) الضحى: 9.
(4) انظر القراءة في الدر المصون: 14/ 281، ومعجم القراءات للخطيب:10/ 363.
(5) التاج: 20/ 59.
(6) هي قراءة ابن مسعود والشعبي وإبراهيم التيمي، انظر: الطبري في الجامع: 24/ 249، والقرطبي: جامع الأحكام: 19/ 235، وأبي حيان: البحر المحيط: 10/ 441، والدر المصون: 14/ 362، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 484.
(1/107)
________________________________________
وَزَعَم يعقوبُ أنَّ كافَه بدلٌ من قافِ القهر، كَهَرَه وقَهَرَه بمعنىً" (1). فهو يستدل بالقراءة على أن (الكَهْرُ) قد يأتي ويقصد به (القَهْر) على سبيل إبدال القاف كافا. وبمقارنة الصوتين من حيث المخرج والصفات يتضح أن صوت:
• القاف: لهوي، شديد، مهموس، مفخم.
• الكاف: طبقي، شديد، مهموس، مرقق.
وبذلك يتبين التقارب الشديد بين الصوتين، وهذا التقارب هو الذي دعا إلى وقوع البدل بينهما.
• (حَتَّى): من قوله تعالى: {حَتَّى حِين} (2) حيث قرئ بالحاء والعين في (حتى).
• (بُعْثِرَ): من قوله تعالى: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ} (3)، حيث قرئ "بُحْثِرَ" بالحاء.
تناول الزبيدي قوله تعالى: {حَتَّى حِين} في مادتي: (ح ت ت) (4)، و (ع ت ت) (5) ونص فيهما على أن (عَتَّى) لُغَةُ هُذَيْلٍ وثَقِيفٍ في (حَتَّى)، واستدل بقراءة ابن مسعود فقال: "وفي الحديث أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بَلَغَهُ أَنَّ عبدَ الله بن مسعود يُقْرِئُ الناسَ: {عَتَّى حِين} (6) يريد {حَتَّى حِين}، فقال: إِنَّ القُرْآنَ لم يَنْزِلْ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ فأقْرِئِ الناسَ بلغةِ قُرَيْشٍ (7).
فالعين في هذه القراءة قد أبدلت من الحاء، والذي سوغ هذا الإبدال أن العين هو النظير المجهور للحاء، يتضح ذلك من عرض صفاتهما ومخرجهما كما يلي:
• الحاء: حلقي، رخو، مهموس، مرقق.
__________
(1) التاج: 14/ 82.
(2) يوسف: 35، والمؤمنون:25،54، والصافات: 174،178، والذاريات: 43.
(3) العاديات: 9.
(4) التاج: 4/ 490.
(5) التاج: 5/ 8.
(6) انظر النشر: 1/ 34، والدر المصون: 9/ 19.
(7) انظر أيضا: جامع الأحكام للقرطبي: 1/ 45، وروح المعاني للألوسي: 9/ 12 والجامع للسيوطي: 27/ 333، مسند عمر بن الخطاب رقم: 30179.
(1/108)
________________________________________
• العين: حلقي، رخو، مجهور، مرقق.
فالصوتان اتفقا في المخرج، وصفتي الرخاوة، والترقيق. إلا أن الحاء مهموس والعين مجهور. وهذا التوحد في المخرج، والتقارب في الصفات هو الداعي للإبدال. وعلى هذا التحليل يحمل قوله تعالى: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ} (1)، حيث قرئ "بحثر" (2).
ويعلل الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين لحدوث هذه الصور من البدل فيقول: "السبب في حدوث مثل هذه الألفاظ على ألسنة العرب إنما هو انقسام المجتمع آنذاك إلى حضري أو متأثر بحضارة مجاورة، وإلى بدوي أو متأثر ببداوة مجاورة، وقد لاحظ أيضا أن الحضر يمتازون بهمس المجهورات، وإرخاء الشديد من الأصوات وترقيق المفخم منها غالبا في حين يغلب على البدوي أن يجهر بالمهموس، أو ينطق الرخو شديدا، وأن يفخم الأصوات المرققة" (3).
ويُخْلَصُ مما سبق إلى أن الإبدال مبحث من المباحث الصوتية التي يُطَالَبُ بها المعجميُّ عند صناعته لمعجمه؛ لأنه ضروري في تحديد العلاقة بين بعض المفردات التي اختلفت في صوت واحد نحو: "حَتَّى وعَتَّى"، و" بَعْثَرَ وبَحْثَرَ" و"السِّرَاط والصِّرَاط " ... هل هذه المفردات تختلف في المعنى أم تتفق؟. ومطالع المعجم لاشك أنه في حاجة إلى ذلك، ومن هذا المنطلق قد اهتم الزبيدي في معجمه بهذه الظاهرة متخذاً من القراءات القرآنية وما دار حولها من نقاشات لغوية زاداً له في معجمه. ويمكن إجمال مردود هذا المبحث على الصناعة المعجمية في النقاط الآتية:
1 - أفاد المعجم من درس الإبدال طرائق عدة لنطق بعض الكلمات، مما يفتح بابا من أبواب اليسر لمستخدم العربية من ناحية، ويفسر اختلاف النطق للكلمة الواحدة في بعض اللهجات من ناحية أخرى. وذلك نحو: "الصراط" و"السراط" و"الزراط" بالصاد والسين والزاي، والمعنى واحد، من قبيل الإبدال الاختياري أو تعدد اللغات. ونحو: يصدر ويزدر، وقشطت وكشطت، وبعثر وبحثر، وتقهر وتكقهر.
2 - كما أن هذا الدرس أفاد المعجم في معرفة أصل الكلمة، وما حدث لها من تغيير في الأصوات، وبالتالي أسهم ذلك في فهم المعنى، نحو: "مدكر" بالدال وأن أصلها بالذال من (ذكر)، وأن ما حدث فيها هو من باب الإبدال والإدغام.
3 - ومن أهم نتائج هذا المبحث أن الدراسة كشفت عن مواد في المعجم العربي كان الفضل في وجودها للقراءة القرآنية القائمة على الإبدال، منها:
1) مادة (زدر): بنيت على قراءة "يَزْدُرُ" (4) في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} (5).
2) مادة (زرط): بنيت على قراءة "الزِّرَاط" (6) في قوله تعالى: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (7). حيث إنها لغة فيه.
3) مادة (دكر): قال عنها الخليل: إنها ليست من كلام العرب (8). وأول ظهورها كمادة كان في التهذيب (9)، وقد بناها على قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (10). ثم توسع فيها كل من اللسان والتاج في ضوء الآية نفسها.
__________
(1) العاديات: 9.
(2) هي قراءة ابن مسعود، انظر: جامع البيان للطبري: 24/ 568، وجامع الأحكام للقرطبي: 20/ 163، والدر المصون: 14/ 391، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 456.
(3) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 298.
(4) انظر: التهذيب: 13/ 126، واللسان، والتاج (زرد).
(5) الزلزلة: 6.
(6) انظر: التهذيب: 13/ 124، والمحيط لابن عباد:2/ 292، والعباب للصاغاني، واللسان، والقاموس، والتاج (زرط).
(7) الفاتحة: 6.
(8) العين: 5/ 327.
(9) 11/ 64.
(10) القمر: 17.
(1/109)
________________________________________
4) مادة (قشط): أول ظهورها كمادة كان لدى الأزهري في التهذيب (1)، وبناها على قراءة "قُشِطَتْ" (2) في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ كُُشِطَتْ} (3).
5) مادة (كهر): ذكرها الخليل في العين (4)، وبناها على قراءة "تَكْهَر" (5) في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَر} (6).
6) مادة (بحثر): أول ظهورها كان في التهذيب (7)، وكانت تشكل ما بين السطر إلى الثلاثة، استمر هذا الحال في المعاجم حتى القاموس المحيط، ثم إن اللسان والتاج توسعا فيها بناء على قراءة "بُحْثِرَ" في قوله تعالى: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} (8).
7) مادة (صطر): بنيت على قراءة "بِمُصَيْطِرٍ" في قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (9) حيث قرئ بالسين والصاد (10).
8) مادة (بصط): وردت في المقاييس (11)، والمحيط في اللغة لابن عباد (12) وشُرِحَتْ على ضوء قراءة "بَصْطَةً" في قوله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (13).
__________
(1) 8/ 246.
(2) انظر: المحيط في اللغة لابن عباد: 1/ 435، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده: 1/ 223، واللسان والتاج (قشط).
(3) التكوير: 11.
(4) 3/ 376.
(5) انظر: الجمهرة لابن دريد:1/ 444، والمقاييس لابن فارس: 5/ 144، والمحيط في اللغة لابن عباد: 1/ 279، والصحاح للجوهري، والمحيط الأعظم لابن سيده: 1/ 12 واللسان والتاج، وقد توسعا فيها.
(6) الضحى:8.
(7) 5/ 218.
(8) العاديات: 9.
(9) الغاشية: 22.
(10) التاج: سطر: 12/ 26.
(11) 1/ 252.
(12) 2/ 213.
(13) البقرة: 247.
(1/110)
________________________________________
9) مادة (تخذ): ظهرت في المحكم (1)، وبنيت على قراءة "لتخذت" في قوله تعالى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (2)، وقد قرر المعجميون أنها من (تخذ) وليس من (أخذ) (3).
10) مادة (دخر): بنيت في التهذيب على قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ يَتَفَيَّؤُ ظِلاَلُهُ عِنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (4).
__________
(1) 1/ 140.
(2) الكهف: 77.
(3) انظر: السان، والقاموس، والتاج مادة: تخذ.
(4) النّحل: 48.
(1/112)
________________________________________
المبحث الثالث
الهمز بين التحقيق والتخفيف
الهمزة عند القدماء حرف مجهور من أقصى الحلق (1). أو هي "حرف مجهور سَفَلَ في الحلق، وحَصَلَ طَرَفَاً" (2). أو هي "حَرْفٌ شَدِيدٌ مُسْتَثْقَلٌ مِنْ أَقْصَى الحَلْقِ". (3)
وهي عند المُحْدَثِينَ "صوت صامت حنجري انفجاري، وهو يحدث بأن تُسَدَّ الفتحة الموجودة بين الوترين الصوتيين، وذلك بانطباق الوترين انطباقا تاما، فلا يُسْمَحُ للهواء بالنفاذِ من الحنجرة. يضغط الهواء فيما دون الحنجرة ثم ينفرج الوتران، فينفذ الهواء من بينهما فجأة محدثا صوتا انفجاريا" (4).
ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أن الهمزة "صوت شديد لا هو بالمجهور ولا بالمهموس؛ لأن فتحة المزمار معها مغلقة إغلاقا تاما، فلا يُسْمَعُ لهذا ذبذبة الوترين الصوتيين، ولا يُسْمَحُ للهواء بالمرور إلى الحلق إلا حين تنفرج فتحة المزمار ذلك الانفراج الفجائي الذي يُنْتِجُ الهمزة" (5).
وقد اهتم علماء القراءات اهتماما كبيرا بالهمزة، فعقدوا لها فصولا مطولة تحدثوا فيها عن أحكامها محققة، أو مبدلة، أو محذوفة، أو مخففة. وحصروا أحوال الهمزة المفردة، والهمزتين المجتمعتين، في كلمة واحدة أو في كلمتين (6).
وتجمع كتب العربية على أن تحقيق الهمزة لغة لتميم، وقيس، وبني أسد ومن جاورها أي قبائل وسط شبه الجزيرة وشرقيها، وأن تسهيلها لهجة أهل الحجاز (7).
__________
(1) انظر: الكتاب لسيبويه: 2/ 405.
(2) سر صناعة الإعراب لابن جني: 1/ 71.
(3) شرح المفصل لابن يعيش: 9/ 107.
(4) علم اللغة لمحمود السعران: 170. وانظر: القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 24.
(5) الأصوات اللغوية: 82.
(6) انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 390، واللهجات العربية في القراءات القرآنية للراجحي: 110.
(7) انظر: النشر: 1/ 386. والقراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 27، ومشكلة الهمزة العربية لرمضان عبد التواب: 12.
(1/113)
________________________________________
ويقول الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب: " إن الحجازيين لم يكونوا يهمزون في كلامهم. وقد روي (1) لنا ذلك عنهم بما لا يدع مجالا للشك في هذه القضية" (2) وقد استدل بقول أبي زيد الأنصاري: " أهل الحجاز، وهذيل، وأهل مكة والمدينة لا يَنْبِرُون. وقف عليها عيسى بن عمر، فقال: ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر وهم أصحاب النبر، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا" (3).
ويرى الدارس – في ضوء معطيات الدرس الصوتي الحديث – أن الهمز لغة مناسبة لأهل البادية؛ لأنهم يعيشون غالب وقتهم في فضاء مفتوح ومن المعروف أن هذا الفضاء يستهلك كمية كبيرة من الطاقة الصوتية، وقد أدرك أهل البادية هذا بفطرتهم، فألجأهم ذلك إلى استخدام السمات الصوتية، التي من شأنها ضمان وصول الكلمة واضحة المخارج والأصوات إلى السامع، ولا شك في أن الهمز من تلك السِّمَات، وقد أدرك اللغويون القدامى ذلك فسموا هذه الظاهرة "نبراً" (4). و"تَصَوَّرَ أصحابُ المعاجم "النَّبْرَ" على أنه ضغط المتكلم على الحرف" (5). أما المحدثون فقد عَرَّفُوا النبر بأنه "نشاط في جميع أعضاء النطق في وقت واحد، فعند النطق بمقطع منبور، نلحظ أن جميع أعضاء النطق تنشط غاية النشاط، إذ تنشط عضلات الرئتين نشاطا كبيرا، كما تقوى حركات الوترين الصوتيين، ويقتربان أحدهما من الآخر، ليسمحا بتسرب أقل مقدار من الهواء فتعظم لذلك سعة الذبذبات، ويترتب عليه أن يصبح الصوت عاليا واضحا في السمع هذا في حالة الأصوات المجهورة، وأما مع الأصوات المهموسة فيبتعد الوتران الصوتيان أحدهما عن الآخر، أكثر من ابتعادهما مع الصوت المهموس
__________
(1) انظر هذه المسألة في: معاني القرآن للفراء: 2/ 356، وتهذيب اللغة للأزهري: 15/ 691،692، وشرح الشافية للرضي: 3/ 23، والبرهان للزركشي: 1/ 284، والإتقان للسيوطي: 1/ 277.
(2) مشكلة الهمزة العربية: 12.
(3) لسان العرب لابن منظور: نبر.
(4) اللسان: نبر، وانظر أيضا: مشكلة الهمزة العربية: 24.
(5) القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 25.
(1/114)
________________________________________
غير المنبور، وبذلك يتسرب مقدار أكبر من الهواء، وكذلك يلاحظ مع الصوت المنبور نشاط في أعضاء النطق الأخرى، كأقصى الحنك واللسان، والشفتين" (1).
وهذا الوصف للنبر إنما يدل على مدى صعوبة نطق الهمزة، وقد أدرك القدماء هذه الحقيقة عن الهمزة، فعبر غير واحد عن ثقلها وصعوبتها في النطق، يقول ابن جني: "وإنما لم تجتمع الفاء والعين، ولا العين واللام همزتين؛ لثقل الهمزة الواحدة لأنها حرف سَفَلَ في الحلق، وبَعُدَ عن الحروف وحصل طَرَفَاً، فكان النطق به تكلفا، فإذا كُرِهَت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتين ورفضهما ـ لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفترقتين فاء وعينا أو عينا ولاما ـ أحرى فلهذا لم تأت في الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلان البتة" (2).
ويقول ابن يعيش: "الهمزة حرف شَدِيدٌ مُسْتَثْقَلٌ من أقصى الحَلْقِ، إِذْ كَانَ أَدْخَلَ الحروف في الحلق، فاسْتُثْقِلَ النُّطْقُ به، إِذْ كَانَ النطقُ به كالتَّهَوُّعِ؛ فلذلك الاسْتِثْقَال سَاغَ فيها التخفيفُ، وهي لغة قريش وأكثر أهل الحجاز، وهو نوع استحسان لِثِقَلِ الهمزة، والتحقيق لغة تميم وقيس، قالوا: لأن الهمزة حرف فوجب الإتيان به كغيره من الحروف" (3).
ويطمئن الدارس إلى أنه إذا كان أهل الصحراء قد اضطروا إلى الهمز بحكم بيئتهم، فإن أهل الحواضر قد عملوا على التخلص من الهمز؛ لانتفاء الحاجة إليه لأنهم يعيشون غالب أوقاتهم في حيز محدود وفرته لهم طبيعة مساكنهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لصعوبة النطق بها، فأهل الحضر دائما يميلون إلى السهولة واليسر.
وإذا كان هذا هو التوجه العام الذي يضبط الهمز، فلا ينبغي أن يُعْتَقَدَ فيه صرامة القوانين العلمية التي تضبط كل أفراد جنسها، بل وُجِدَتْ له اختراقاتٌ كأن تجد الهمز عند بعض ساكني الحواضر، وكذلك العكس: التسهيل عند بعض ساكني البوادي وخير دليل على هذا قول ابن عطية: "فأما الهمز فمن العرب من يستعمله، وهم تميم ومن يوافقها في ذلك، ومنهم من يَقِلُّ استعمالهم له، وهم
__________
(1) الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس: 118.
(2) سر صناعة الإعراب لابن جني: 1/ 71.
(3) شرح المفصل: 9/ 107.
(1/115)
________________________________________
هذيل، وأهل الحجاز" (1) فالتعبير بحرف الجر (من) الذي يفيد التبعيض له دلالته. وكذلك يقول ابن مجاهد: "كان أهل المدينة لا يهمزون، حتى همز ابن جندب فهمزوا: "مستهزئون"، و"استهزئ" (2).
وحتى القبائلُ المُحَقِّقَةُ للْهَمْزِ ليست كلها سواء في التحقيق، بل منهم من يذهب في تحقيقها مذهبا بعيداً فيُبْدل الألف، والواو، والياء همزة، وهم بنو أسد، إذ يذكر الفراء أن همز (يأجوج ومأجوج) لغة بني أسد، ولا وجه له إلا اللغة المحكية عن العجاج أنه كان يهمز العألم والخأتم (3). وقد روي عنه (4):
يَا دَارَ سَلْمَى يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي
فَخِنْدَفٌ هَامَةُ هَذَا العَأْلَمِ
وحكى اللحياني عنهم (بأز) بالهمز، والأصل من غير همز. قال الشاعر (5):
كَأَنَّهُ بَأْزٌ دَجْنٌ فَوْقَ مَرْقَبَةٍ جَلَّى القَطَا وَسْطَ قَاعٍ سَمْلَقٍ سَلِق
ويقول أبو زيد سمعت رجلاً من غنى يقول: هذه قسمة ضئزى بالهمز (6). وبنو غنى هؤلاء من قيس (7) وقيس من القبائل التي تحقق الهمز.
وعلى الجانب الآخر يمكن القول بأن قبائل الحجاز لم تستطع كلها التخلص من الهمز إذ يقول سيبويه: "وقد بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون: نبيء وبريئة، وذلك قليل رديء" (8). ونقل أبو علي الفارسي أن أهل
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور: 16/ 358.
(2) السبعة لابن مجاهد: 60.
(3) انظر البحر المحيط لأبي حيان: 6/ 163.
(4) ديوان العجاج: 60، وانظر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام: 64، وقد ورد في كتب القوافي على أنه من السناد، والسناد: فساد القافية عموما، هذا إذا لم يكن الهمز لغة له، انظر: القوافي للتنوخي: 18، والقوافي للأخفش: 1، 5، 8.
(5) انظر: شرح المفصل لابن يعيش: 1/ 12، والبيت نسبه ابن قتيبة الدينوري في: المعاني الكبير: 1/ 69 لعنترة بن شداد مع تغير في بعض لفظه.
(6) التاج: 15/ 194.
(7) انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم: 232.
(8) الكتاب: 2/ 170.
(1/116)
________________________________________
الحجاز يحققون الهمزتين المجتمعتين في كلمة، ويفصلون بينهما بألف نحو آإنك وآأنت (1).
والراجح أن القبائل الحجازية التي كانت تجنح إلى تحقيق الهمز هي تلك القبائل التي كانت تسكن أطراف الحجاز مجاورة لأهل البادية من وسط شبه الجزيرة وشرقيها (2).
أمثلة التحقيق:
م ... القراءة ... القارئ ... سورة/آية ... المادة
1 مُسْتَهْزِئُونَ ... (عاصم) ... البقرة:14 ... هزأ
2 جِبْرَئِيل ... (حمزة والكسائي) ... البقرة:98 ... ميكل
3 مَعَائِشَ ... نافع وزيد بن عليّ والأعرج. ... الأعراف:10 ... عيش
4 أَرْجِئْهُ ... (أبو عمرو وعاصم وغيرهما) ... الأعراف:111 ... رجأ
5 بَئِيسٍ ... أبو عمرو وعاصم والكسائي وحمزة. ... الأعراف:165 ... بئس
6 مُرْجِئُونَ ... (عاصم وابن عامر وغيرهما) ... التوبة:106 ... رجأ
7 بَادِئَ ... أبو عمرو. ... هود:37 ... بدو
8 مُتَّكَأً ... الناس. ... يوسف:31 ... متك
9 مِنْسَأَتِهِ ... (ابن كثير وأبو عمرو وغيرهما) ... سبأ:14 ... نسأ
10 التَّنَاؤُشَ ... حمزة، والكسائي. ... سبأ: 52 ... نأش ...
ونوش
11 تُرْجِئُ ... (ابن كثير وأبو عمرو وغيرهما) ... الأحزاب:51 ... رجأ
12 الْبَرِيئَة ... نافع، وابن ذكوان. ... البينة:6 ... برأ ...
__________
(1) انظر الحجة لابن خالويه: 267.
(2) انظر: اللهجات العربية لعبده الراجحي: 105، 106.
(1/117)
________________________________________
13 مُؤْصَدَةٍ ... أبو عمرو وحمزة وخلف وحفص ... الهمزة:8 ... وصد

أمثلة تخفيف الهمز:
م ... القراءة ... القارئ ... سورة/آية ... المادة
مُسْتَهْزُونَ ... (أبو جعفر). ... البقرة: 14 ... هزأ
1 بِيسٍ ... نافع، وأهل المدينة. ... الأعراف:165 ... بئس
2 مُتَّكَاً ... الزهري وأبو جعفر وشيبة ... يوسف:31 ... متك
4 سُولَكَ ... الحسن. ... طه:36 ... سأل
5 سُولُوا ... (الحسن) ... الأحزاب:14 ... سأل
6 سَالَ ... ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون. ... المعارج:1 ... سأل

أمثلة تخفيفها بين بين:
م ... الآية ... القراءة ... القارئ ... سورة/آية ... المادة
1 مُسْتَهْزُونَ ... بين الهمزة والواو ... (أبو جعفر) ... البقرة:14 ... هزأ
2 مِنْسَاتِه ... بين الهمزة والألف ... (ابن ذكوان) ... سبأ:14 ... نسأ
3 سُئِلُوا ... بين الهمزة والياء ... (الحسن) ... الأحزاب:14 ... سأل

همز ما لا يهمز:
م ... القراءة ... القارئ ... سورة/آية ... المادة
1 الضَّأْلِينَ ... أيوب السختياني. ... الفاتحة:7 ... ضلل
2 خُطُآت ... (عليٌّ وقتادة والأعرج والأعمش) ... البقرة:168 ... خطأ ...
(1/118)
________________________________________
3 تَلْؤُوا ... (جاءت في التهذيب بلا قارئ) ... النساء:135 ... لوي
4 مَعَائِشَ ... نافع وزيد والأعرج وحميد. ... الأعراف:10 ... عيش
5 أَدْرَأَكُم ... (الحسن) ... يونس:16 ... دري
6 يُؤْسِف ... طلحة بن مصرف. ... يوسف: 7 ... أسف
7 سَأْقَيْهَا ... ابن كثير. ... النمل: 44 ... سأق
8 بِالسُّؤْقِ ... ابن كثير. ... ص: 33 ... سأق
9 جَأْن ... (عمرو بن عبيد) ... الرحمن:39 ... جنن

ما سبق كان عرضاً موجزاً لكيفية تَنَاوُلِ القدماء والمحدثون للهمزة في أوضاعها المختلفة، على أنها ظاهرة لهجية تنضبط نسبيا بالعرف اللغوي، الذي ساد القبائل العربية كما مرَّ.
أما عن تَنَاوُلِ المعاجم لظاهرة الهمزة فمن الطبيعي أن يأتي تناولهم لها متفقاً مع تناول علماء اللغة؛ لأن الأقوال التي ذكروها في معاجمهم إنما جُمِعَتْ من أفواه أهل اللغة.
وكان من المتوقع أن يتناول الزبيدي الهمزة في مادة (هـ م ز)، لكنه تناولها في مادة (ن ب ر)، وعَرَّفَ النبر بأنه همز الحرف، وذكر في أكثر من موضع أن الهمز لم يكن من لغة قريش، واحتج بحديث: قال رجلٌ للنبى - صلى الله عليه وسلم -: يا نَبِيءَ الله فقال: "لا تَنْبِرْ باسمي" أي لا تَهْمِز. وفي رواية: " إنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا نَنْبِر" (1). وكذلك أَقَرَّ بأن الهمز لم يكن من لغة أهل المدينة، واستدل بهذا الحَدَثِ التاريخي، قال: "ولمّا حَجَّ المَهدِيُّ، قَدَّمَ الكِسائيَّ يُصلِّي بالمدينة فَهَمَزَ فأَنْكَرَ أَهْلُ المدينةِ عليه وقالوا: تَنْبِر في مَسْجِدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن؟ " (2).
__________
(1) روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين، باب لست بنبيء الله ولكني نبي الله حديثا قريب اللفظ من هذا الحديث، برقم: 2859. قال: عن أبي ذر - صلى الله عليه وسلم - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبيء الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لست بنبيء الله ولكني نبي الله». وقال بعده: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «ما همز رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبو بكر، ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة، ابتدعوها من بعدهم».
(2) التاج: 14/ 164.
(1/119)
________________________________________
وإذا كانت كُبْرَى مُدُنِ الحجاز - متمثلة في مكة والمدينة - تُؤْثِر تَسْهِيلَ الهمز على تحقيقه فقد ورد عنهم ما يدل على أنهم حققوا بعض الكلمات، التي اجتمع العرب على تسهيلها، فقد ذكر الزبيدي عن سيبويه قوله:" ليس أحدٌ من العرب إِلاَّ ويقول: تنَبَّأَ مُسَيْلِمَةُ بالهمز غير أَنهم تَرَكوا الهمز في "النَّبِيَّ" كما تَرَكوه في: الذُّرِّيَّة، والبَرِيَّة والخابِيَة، إِلاَّ أَهل مكَّة فإنَّهم يهمزون هذه الأحرف، ولا يَهْمزون في غيرها، ويُخالفون العربَ في ذلك، قال: والهمز في النَّبيِّ لغةٌ رَديئة، أَي لقلَّة استعمالها لا لكَوْنِ القياس يَمنع ذلك، وتَرْكُ الهمزِ هو المُخْتارُ عند العرب سوى أَهلِ مكَّة" (1).
ونقل الزبيدي عن الزجاج قوله: "القراءةُ المُجْمَع عليها في "النَّبيِّينَ" (2) و"الأَنْبِياءِ" (3) طرحُ الهَمْزِ، وقد همز جماعةٌ من أَهل المدينة جميع ما في القرآن من هذا واشتقاقُه من نَبأَ وأَنبأَ أَي أَخبر قال: والأَجودُ تَرْكُ الهمز" (4).
وصرح الزبيدي في بعض المواضع أن تسهيل الهمز لغة أهل الحجاز ففي مادة (ن وش) ذكر قول الفراء: "وأَهْلُ الحِجَازِ تَرَكُوا هَمْزَ "التَّنَاوُش" (5) وجَعَلُوه مِن: نُشْتُ الشَّيءَ، إِذا تَنَاوَلْتَهُ. وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ "التَّنَاؤُشُ" (6) بالهَمْزِ. يُقالُ على التَّخْفِيفِ البَدَلِيِّ: سَالَ يَسَالُ، كخَافَ يَخَافُ، وهي لُغَةُ هُذِيْلٍ" (7).
وإذا كان الزبيدي قد صَرَّحَ بأن التسهيل لغة الحجاز، فإنه لم يحدد القبائل التي كانت تحقق الهمز، وهذا يدل على شيوع الهمز عند العرب. ومع هذا الشيوع فقد أثر عنهم تخفيف الهمز في بعض الكلمات، مثل كلمة "نبيّ" كما مر.
__________
(1) التاج: 1/ 445، وانظر الكتاب: 3/ 460.
(2) البقرة: 61، 213، وآل عمران: 21، 81، والنساء: 69، والإسراء: 55، ومريم: 7، 40.
(3) آل عمران: 112، 181، والنساء: 155.
(4) التاج: 1/ 445.
(5) سبأ: 52.
(6) انظر: السبعة: 302، والحجة لابن خالويه: 188، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر:4/ 135.
(7) التاج: 17/ 395، 17/ 432، وانظر: معاني الفراء:4/ 58.
(1/120)
________________________________________
ولم يفت الزبيدي أن يعلل لظاهرة تسهيل الهمز وتخفيفه عند أهل التحقيق فيذكر قول ابن جني: "أَصْلُ "السُّولِ" الهَمْزُ عندَ العَرَبِ، اسْتَثْقَلُوا ضَغْطَةَ الهَمْزَةِ فيه فَتَكَلَّمُوا به عَلى تَخْفِيفِ الهَمْزَةِ" (1).
ويتحدث عن ظاهرة تسهيل الهمزة فيقول:"والهمزة المخففة تسمى همزة (بين بين) أي: همزة بين الهمزة وحرف اللين، وهو الحرف الذي منه حركتها إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والألف، مثل: "سَالَ"، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء مثل: "سَيِمَ "، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو مثل: "لَومَ". وهي لا تقع أَوَّلاً أَبَدَاً؛ لقربها بالضعف من السَّاكِنِ إلا أنها وإن كانت قد قربت من الساكن، ولم يكن لها تمكن الهمزة المحققة، فهي متحركة في الحقيقة وسميت بين بين لضعفها" (2).
عالج أبو منصور الأزهري في التهذيب الهمز تحت باب مستقل، حيث جعل لها عدة أبواب منها: (باب اجتماع الهمزتين لهما معنيان) (3) بين فيه مذاهب القراء والنحاة في الهمزتين المجتمعتين من خلال القراءات القرآنية. ثم أعقبه بباب تناول فيه ما جاء عن العرب من تحقيق الهمز وتليينه وتحويله وحذفه (4).
ولكن الأمر مختلف مع الزبيدي، فقد تَبَيَّنَ من خلال شواهد الدراسة أن القراءات القرآنية في التاج تكاد تخلو من معالجة الهمزتين المجتمعتين إلا ما كان من اجتماع همزة (أفعل) مع الهمزة التي هي فاء الفعل في نحو: قوله
__________
(1) التاج: 29/ 160، 25/ 580.
(2) التاج: 34/ 301.
(3) انظر التهذيب: 15/ 492، 493.
(4) السابق: 15/ 493.
(1/121)
________________________________________
تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} (1) حيث قرئ "آمَرْنَا" (2)، والأصل: أأمرنا (3). وقوله تعالى: {فَآزَرَهُ} (4) والأصل: أأزره (5).
ومن المواضع التي تعرض فيها الزبيدي للهمزتين المجتمعتين وأسهب في شرح مذاهب العرب فيها، حديثه الطويل عن أصل كلمة (أشياء) فذكر قول أبي الحسن الأخفش، والخليل والكسائي. وحاصل هذه الأقوال، وإن اختلفت في الوزن إلا أنها اجتمعت على أن سبب هذا الاختلاف مصدره اجتماع همزتين بينهما ألف فرأى الأخفش حذف الهمزة الأولى تخفيفاً، ورأى الخليل تحريكها إلى أوَّلِ الكلمة. أما الكسائي فقد رأى (أشياء) على زنة (أفعال) نحو: فَرْخٍ وأَفْرَاخٍ دون أن يحتاج إلى كُلْفَةٍ (6).
ومنها ما ذكره في (أمر) حيث قال:" وإذَا أمَرْتَ مِن أَمَرَ قلتَ: مُرْ، وأصلُه اؤْمُرْ فلما اجتمعتْ همزتان، وكَثُرَ استعمالُ الكلمةِ، حُذِفت الهمزةُ الأصليّةُ فزال السّاكنُ فاستُغْنِيَ عن الهمزةِ الزائدةِ، وقد جاءَ على الأصْل. وفي التَّنْزِيل العزيز: {وأْمُرْ أهْلَكَ بالصَّلاةِ} (7) وفيه: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ} (8).
قال (9): وهذه أحْرفٌ جاءَتْ عن العربِ نَوَادِرَ وذلك أنّ أكثرَ كلامِهَا في كلِّ فِعْلٍ أولُه همزةٌ مثل: أبَلَ يَأْبِلُ، وأَسَرَ يَأْسِرُ، أنْ يَكْسِرُوا (يَفْعِلُ) منه وكذلك: أبَقَ يَأْبِقُ فإذا كان الفِعْلُ الذي أولُه همزةٌ ويفْعِلُ منه مكسوراً مَرْدُوداً إلى الأمْر قيل: إيسِرْ فلانُ إيبِقْ يا غُلامُ، وكان أصْلُه إأْسِرْ بهمزتَيْن فكَرِهُوا جَمْعاً بين
__________
(1) الإسراء: 16.
(2) هي قراءة خارجة عن نافع، والحسن البصري، انظر: النشر: 2/ 344، والإتحاف: 502، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 3/ 51.
(3) التاج: 10/ 85.
(4) الفتح: 29.
(5) التاج: 10/ 42.
(6) التاج: 1/ 296.
(7) طه: 132.
(8) الأعراف: 199.
(9) الواضح من عبارة التهذيب أن القائل هو الليث، انظر: 15/ 207.
(1/122)
________________________________________
همزتَيْن فحَوَّلُوا إحداهما ياءً إذ كان ما قبلَها مكسوراً. قال: وكان حَقُّ الأمر من أَمَرَ يَأُمُر، وأخذ يأْخُذُ، وأكل يأْكلُ، أن يقال: أُؤمُرْ، أُؤْخُذْ، أُؤْكُل، بهمزتين فتُرِكَتْ الهمزةُ الثانيةُ، وحُوِّلتْ واواً للضَّمَّةِ، فاجتمعَ في الحَرْف ضَمَّتَان بينهما واوٌ والضَّمَّةُ مِن جنس الواو فاستَثْقلَتِ العربُ جَمْعاً بين ضَمَّتَين وواوٍ، وطَرَحُوا هَمْزَه والواوَ؛ لأنه بَقِيَ بعد طَرْحِهِما حرفان فقالوا: مُرْ فلاناً بكذا وكذا، وخُذْ من فلانٍ، وكُلْ، ولم يقولوا: أُكُلْ، وأُخُذْ ولا أُمُرْ كما تقدّم.
فإنْ قيل: لِمَ رَدُّوا وأْمُرْ إلى أصلها، ولم يَرُدُّوا كُلا، ولا خُذَا؟. قيل: لسَعَةِ كلامِ العربِ ربما رَدُّوا الشيءَ إلى أصله، وربما بَنَوْه على ما سَبَقَ له وربما كَتَبُوا الحرف مهموزاً، وربما كَتَبُوه على ترك الهمزة، وربما كَتَبُوه على الإدغام، وربما كتبوه على ترك الإدغام، وكلُّ ذلك جائز واسع" (1).
وترجع ندرة المواضع التي عالج المعجم فيها الهمزتين المجتمعتين إلى طبيعة الصناعة المعجمية حيث إن الهمزتين المجتمعتين غالبا ما تكونان من كلمتين، والصناعة المعجمية قائمة على معالجة المفردات كل كلمة في بابها. وأما الهمزة المفردة فقد أَمْكَنَ علاجها تحت النقطتين الآتيتين:
أولا: الهمزة الأصلية.
ثانيا: همز مالا يهمز.

أولاً: الهمزة الأصلية:
• (مُسْتَهْزِئُونَ): من قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (2). [التاج: هزأ].
تناول الزبيدي مذاهب العرب في الهمزة من حيث: التحقيق وبين بين، والإبدال وذلك من خلال قوله تعالى {مُسْتَهْزِئُونَ} وقول الزجَّاج: "القراءةُ الجيَّدةُ على التحقيق فإذا خفَّفْتَ الهمزة جعلتَ الهمزَةَ بين الواوِ والهمزة فقُلْتَ: "مُسْتَهْزِئون" (3) فهذا الاختيارُ بعد التحقيق، ويجوز أَن يُبدل منها ياء، فيُقْرَأَ
__________
(1) التاج: 10/ 85.
(2) البقرة: 14، 15.
(3) هي قراءة حمزة، انظر: السبعة: 60، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 172.
(1/123)
________________________________________
"مُسْتَهْزِيُون" (1)، وأَمَّا "مُسْتَهْزونَ" (2) فضعيفٌ لا وجه له إِلاَّ شاذًّا على وجه من أَبدَلَ الهمزَةَ ياءً، فقال في (استهْزَأْتُ): استَهْزَيْتُ، فيجبُ على استهزَيْتُ مُسْتَهْزونَ".
قال السمين: "قياسُ تخفيفِ همزةِ "مستهزئون" ونحوِه أن تُجْعَلَ بينَ بينَ، أي بين الهمزةِ والحرفِ الذي منه حركتُها وهو الواو، وهو رأيُ سيبويه، ومذهبُ الأخفش قَلْبُها ياءً محضةً. وقد وَقَفَ حمزةُ على "مستهزئون" و"فمالئون" ونحوِهما بحَذْفِ صورة الهمزة إتْباعاً لرسمِ المصحفِ" (3).
فقراءات الآية جاءت هنا كشاهد تطبيقي للفعل (استهزأ) وأيضا مبينة لمذاهب العرب في النطق بالهمزة. والمتأمل في كلام الزجاج السابق قد يفهم منه أن ما عرضه من وجوه يجوز في العربية، إلا أنه لم يقرأ به، وهذا غير صحيح؛ لأنها كلها قراءات صحيحة واردة عن السبعة وغيرهم (4).
• (جِبْرِيلَ ومِيكَالَ): من قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (5). [التاج: ميكل].
بنيت هذه المادة عند الزبيدي على القراءة القرآنية، وقد ناقشت هذه القراءات طريقة نطق اسم الملكين: "جِبْرِيلَ" و"مِيكَالَ"، الَّذَيْنِ ذُكِرَ اسْمُهُمَا في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} " حيث قُرِآ بالهمز: "جِبْرَائِيل" و"مِيكَائِيل" (6)، وبإبدال الهمزة ياءً في قراءة الأعمش: "جِبْرَايِيل" و"مِيكَايِيل". وذكر توجيه ابن جني (7) لهذه القراءة ولكن
__________
(1) قراءة حمزة، ويزيد بن القعقاع، انظر المصدرين السابقين.
(2) قراءة أبي جعفر، انظر: السبعة:60، والنشر: 2/ 237، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 172.
(3) الدر المصون: 1/ 105.
(4) انظر: إبراز المعاني لأبي شامة: 247، والنشر:1/ 503، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 172، ومعجم القراءات للخطيب:1/ 48.
(5) البقرة: 98.
(6) انظر: الحجة لابن خالويه: 23، والعنوان: 8، والنشر: 2/ 249، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 223 – 227.
(7) المحتسب: 1/ 98.
(1/124)
________________________________________
منسوباً إلى يعقوب فقال: " فأمّا (جِبْرايِيل) و (مِيكايِيل) بياءَيْن بعد الألِفِ والمَدِّ فَيَقْوَى في نفسي أنّها همزةٌ مُخَفّفةٌ وهي مَكْسُورةٌ فَخَفِيَتْ وقَرُبَتْ من الياءِ فعبَّرَ القُرّاءُ عنها بالياءِ، كما قالوا في قولِه سُبحانَه: "آلاء" عندَ تخفيفِ الهمزةِ "آلاي" بالياء".
وقد ذكر ابن جني (1) كلاماً دقيقاً دلل فيه على اضطراب العرب في النطق بالأسماء الأعجمية، والذي يدل على صحة كلام ابن جني كثرة القراءات الواردة في اسمي الملكين السابقين، فقد ذكر معجم القراءات (2) لـ "جبريل" اثنتي عشرة قراءة، ولـ "ميكال" عشر قراءات (3)، بينما الزبيدي لم يذكر من هذه القراءات إلا ثلاث قراءات فقط.
ومما جاء بتحقيق الهمز وتخفيفه:
• (أَرْجِئْه): قراءة في قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (4). [التاج: رجأ].
• (تُرْجِئْ): قراءة في قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (5).
• (مُرْجَؤُونَ): قراءة في قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} (6).
يقرر الزبيدي أن (أرجأ) مهموز، وترك الهمز لغة فيه، على لغة من يقول من العرب: أَرْجَيْتُ، وأَخْطَيْتُ: وتَوَضَّيْتُ، وقد استدل على ذلك بذكر ثلاث آيات، ورد فيها الفعل مقروءاً باللغتين (7): التحقيق والتخفيف، هذه الآيات هي: "أَرْجِهْ" و"أَرْجِئْه" (8)، و {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (9). حيث قرئ "ترجئ" (10) و {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} (11) حيث قرئ "مُرْجَؤُونَ" (12).
__________
(1) المحتسب: 1/ 98.
(2) انظر معجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 223 – 227.
(3) انظر: القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين: 391 – 400، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 157 - 160.
(4) الأعراف: 111.
(5) الأحزاب: 51.
(6) التوبة: 106.
(7) انظر الحجة لابن خالويه: 159، والحجة لابن زنجلة: 290.
(8) قراءة أبي عمرو وعاصم، انظر: عنوان الدليل: 15، والحجة لابن خالويه: 86 ومعجم القراءات لأحمد مختار: 2/ 202، ومعجم القراءات الخطيب: 3/ 118.
(9) الأحزاب: 51.
(10) قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وشعبة، ويعقوب. انظر: الحجة لابن خالويه: 85، وإبراز المعاني من حرز الأماني:2/ 12، والنشر: 2/ 389، ومعجم القراءات مختار: 4/ 97 ومعجم القراءات للخطيب:7/ 302.
(11) التوبة: 106.
(12) قراءة ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وأبي عمرو، وشعبة، ويعقوب، انظر: الحجة لابن خالويه: 488، وشرح الشاطبية: 163، والنشر:461، ومعجم القراءات لمختار: /2/ 316، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 452.
(1/125)
________________________________________
قال ابن خالويه في توجيه قوله تعالى "أرجه": "تحقيق الهمز وتركه، لغتان فاشيتان قرئ بهما "تُرْجِئ مَنْ تَشَاءُ" و"تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ" (1).
ومما قرئ بالهمز وتخفيفه:
• (بَئِيسٍ): من قوله تعالى: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (2). [التاج: بأس].
يذكر الزبيدي في هذه الآية أربع قراءات، ثلاث منهن بالهمز وهنَّ:
• "بعَذابٍ بَئيسٍ" كأمير، وهي قراءة أبي عمرو وعاصِمٌ والكسائيُّ وحَمزةُ.
• "بِئِيس" على (فِعِيل) بالكَسْر، وهي قراءة ابنُ كَثير، وكذلك قَرَأَها شِبْلٌ، وأهلُ مكَّةَ.
• "بِئْسٍ" على (فِعْلٍ) بالهمزة والكسر، وهي قراءة ابنُ عامرٍ.
وواحدة مخففة هي: "بِيِس" (3) بغيرِ همزة، وهي قراءة نافعٌ وأهلُ المدينةِ"
ويُلاحَظُ مما سبق أن قراءة ابن كثير جاءت غير ممثلة لبيئته، فأهل مكة يسهلون الهمز وقد قرأ هو بالتحقيق، وأما قراءة أهل المدينة فقد جاءت متفقة مع ما عُرِفَ عنهم من التسهيل.
قال ابن زنجلة: قرأ ابن عامر "بِعَذَابٍ بِئْسٍ" بكسر الباء وبهمزة ساكنة، خرج الهمزة على الأصل، ولم يألف في الهمزة ها هنا ثقلا؛ لخفة الحرف وقلة حروفه. وقرأ نافع:"بعذاب بِيسٍ" بغير همز (فِعْلٍ) من البؤس، ترك همزه فأبدلت الياء من الهمزة لثقل الهمز؛ لأن الياء أخف منه. وقرأ أبو بكر عن
__________
(1) الحجة: 159، وانظر الدر المصون: 7/ 219.
(2) الأعراف: 165.
(3) انظر: النشر: 2/ 272، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 199 - 206.
(1/126)
________________________________________
عاصم:"بَيْأَسٍ" على (فَيْعَلٍ)، مثل: رَجُلٍ صَيْرَفٍ، إذا كان يتصرف في الأمور. وقرأ الباقون: "بعذاب بَئِيسٍ" على (فَعِيلٍ) من البؤس" (1).
ومن باب التحقيق والتخفيف.
• (يَكْلَؤُكُمْ): من قوله تعالى: {قلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ باللَّيْلِ والنَّهار} (2).
[التاج: كلأ].
ذكر الزبيدي الآية السابقة، ثم نقل عن الفراء قوله: "هي مهموزة ولو تَركْتَ همزَ مِثله في غير القرآن قلت: (يَكْلُوكُم) بواوٍ ساكنة، و (يَكْلاَكُم) بألف ساكنة، ومن جعلها واواً ساكنةً قال: (كَلاَتُ) بألفٍ بترك النَّبْرَةِ منها، ومن قال: (يَكْلاكُمْ) قال: كَلَيْتُ مثل قَضَيْتُ وهي من لغة قريشٍ وكُلٌّ حَسَنٌ، إِلاَّ أنَّهم يقولون في الوَجْهَيْنِ: مَكْلُوٌّ، وهو أَكثر ما يقولون: مَكْلِيٌّ، ولو قيل: مَكْلِيٌّ في الذينَ يقولونَ: كَلَيْت كانَ صواباً (3) "
الواضح من كلام الفراء أن (يَكْلُوكُم)، و (يَكْلاَكُم) ليستا قراءتين، ولكن النحاس (4)، وأبا حيان (5) ذكراهما على أنهما قراءتان. وذكر أبو حيان قراءة أخرى (يَكْلَوُكُم) بضمة خفيفة من غير همز، وأسندها إلى أبي جعفر، والزهري، وشيبة. وقال النحاس: هي بين الهمزة والواو. وذكر الأزهري في معانيه أن حمزة وقف على "يَكْلَوكُمْ" وأشار إلى الهمزة ولم يهمز. ثم قال: أما قراءة حمزة فإنه رام ضمة الواو، وقد قال الفراء: الهمزة المضمومة لا يبدل منها واو، ومن أبدل منها واوا فقد أخطأ (6).
ولم يتعرض الزبيدي لأي من هذه القراءات (7) بل اكتفى بما ذكره الفراء من فرضيات حول هذه الكلمة من الآية ما حُكْمُهَا من كلام العرب لو قِيلَتْ؟، وفرق
__________
(1) الحجة لابن زنجلة: 300، وانظر: الدر المصون: 7/ 298.
(2) الأنبياء: 42.
(3) معاني القرآن: 2/ 204.
(4) انظر إعراب القرآن للنحاس: 2/ 374.
(5) انظر البحر المحيط لأبي حيان: 6/ 314.
(6) انظر: معاني القراءات للأزهري: 306، والدر المصون: 10/ 301، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 23.
(7) انظر: العنوان: 5، والإتحاف: 255، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 258.
(1/127)
________________________________________
كبير بين الفرض والواقع، ولو أن الزبيدي استند إلى هذه القراءات في بيان مذاهب العرب في همز هذه الكلمة لكان أقوى في الدلالة من كلام الفراء.
ومن باب التحقيق والتخفيف:
• (مِنْسَأَتَهُ): من قوله تعالى: {فَمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} (1). [التاج: نسأ].
ذكر الزبيدي أن (المِنْسَأَةَ) قد أَبدلوا همزها إِبْدالاً كلِّيًّا فقالوا: مِنْسَاةٌ وأصلها الهمز ولكنه بَدَلٌ لازمٌ حكاه سيبويه (2) ... وقد قُرِئَ بهما جميعاً قوله تعالى: {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} حيث قرئ: {مِنْسَاتَهُ} (3) بلا همز.
قال ابن خالويه: "الحجة لمن همز أنه أتى باللفظ على أصل الاشتقاق؛ لأن العصا سميت بذلك؛ لأن الراعي يَنْسَأُ بها الإبل عن الحوض، أي يؤخرها، والحجة لمن ترك الهمز أنه أراد التخفيف (4).
وقال السمين: المِنْسَأَةُ: العَصا اسمُ آلةٍ مِنْ نَسَأهُ أي: أخَّرَهُ كالمِكْسَحَةِ والمِكْنَسَة. وفيها الهمزةُ، وهو لغةُ تميم ... فأمَّا بالهمزةِ المفتوحةِ فهي الأصلُ؛ لأنَّ الاشتقاقَ يدلُّ ويشهد له، والفتحُ لأَجْلِ بناء مِفْعَلة كمِكْنَسَة ... وأمَّا قراءةُ الإِبدالِ فقيل: هي غيرُ قياسيةٍ، يَعْنُون أنها ليسَتْ على قياسِ تَخْفيفِها. إلاَّ أنَّ هذا مردودٌ: بأنها لغةُ الحجازِ ثابتةً، فلا يُلْتَفَتُ لمَنْ طَعَن. وقد قال أبو عمرو: - وكَفَى به - "أنا لا أَهْمِزُها، لأنِّي لا أَعْرِفُ لها اشتقاقاً، فإنْ كانَتْ مما لا يُهْمَزُ فقد أُخْطِئُ. وإن كانَتْ تُهْمَزُ فقد يجوزُ لي تَرْكُ الهمزِ فيما يُهْمَزُ" (5). وهذا الذي ذكره أبو عمرٍو أحسنُ ما يقالُ في هذا ونظائرِه" (6).
__________
(1) سبأ: 14.
(2) انظر الكتاب: 3/ 554، ونص الكتاب:"فمن ذلك قولهم: منساةٌ، وإنما أصلها منسأةٌ.
(3) قراءة نافع، وأبي عمرو، وأبي جعفر، واليزيدي، والحسن، وزيد، ويعقوب. انظر: السبعة: 527، والحجة لابن خالويه: 218، والنشر: 2/ 390، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 114.
(4) الحجة لابن خالويه: 293، وانظر الحجة لأبي زرعة: 584، والدر المصون: 12/ 74 – 76.
(5) رواها عنه الفراء في معاني القرآن: 2/ 357.
(6) الدر المصون: 12/ 74، 75.
(1/128)
________________________________________
ومن ذلك:
• (ضِئْزَى): قراءة في قوله تعالى: {تلكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} (1).
[التاج: ضأز].
ذكر الزبيدي أن العرب تقول: ضِئْزى بالكسر والهمز وضِيزى بالكسر وتركِ الهمز، ومعناها كلّها الجُور. وفي (ضوز) قال: "في التنزيل العزيز: {"تلكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزى" (2)، والقُرّاء جميعُهم على تَرْكِ هَمْز ضِيزى. ويقولون: ضِئْزى وضُؤْزى بالهمز، ولم يقرأ بهما أحدٌ، وحُكِيَ عن أبي زَيْد أنّه سَمِعَ العربَ تَهْمِزُ ضِيزى نَقَلَه الجَوْهَرِيّ عن أبي حاتم".
ويبدو أن الزبيدي تابع الفراء (3) في دعوى أن القراء جميعهم على ترك الهمز في ضيزى، وهذا غير صحيح؛ لأن الثابت في كتب القراءات (4) والتفسير (5) أن ابن كثير – وهو من القراء السبعة - قد قرأ: "ضِئْزَى" بالكسر والهمز.
قال السمين:" قرأ ابنُ كثير "ضِئْزَى" بهمزةٍ ساكنةٍ، والباقون بياءٍ مكانَها ... فأمَّا قراءةُ العامَّةِ فيُحْتمل أَنْ تكونَ مِنْ ضازه يَضَيزه إذا ضامه وجارَ عليه. فمعنى ضِيْزَى أي: جائرة ... مصدر كذِكْرى، قال الكسائي: يقال: ضازَ يَضيز ضِيْزَى كذَكَر يَذْكُر ذِكْرى. ويُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ ضَأَزَة بالهمز كقراءةِ ابن كثير، إلاَّ أنه خُفِّفَ همزُها، وإن لم يكنْ من أصولِ القُرَّاءِ كلِّهم إبدالُ مثلِ هذه الهمزةِ ياءً لكنها لغةٌ التُزِمَتْ فقرؤُوا بها، ومعنى ضَأَزَه يَضْأَزُه بالهمز: نَقَصه ظُلماً وجَوْراً، وهو قريبٌ من الأول. ومِمن جَوَّز أَنْ تكونَ الياءُ بدلاً مِنْ همزة
__________
(1) النجم: 22.
(2) قراءة الهمز رواية عن ابن كثير، انظر: السبعة لابن مجاهد: 615، والنشر: 1/ 447، والإتحاف: 105، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 189.
(3) انظر: معاني القرآن: 3/ 98.
(4) انظر: السبعة لابن مجاهد: 336، معاني القراءات للأزهري: 467، والحجة لابن خالويه: 261، والنشر: 1/ 395، والإتحاف للدمياطي: 522، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 514.
(5) انظر: جامع البيان للطبري: 22/ 526، وجامع الأحكام للقرطبي: 17/ 103، والبحر المحيط: 8/ 162، وروح المعاني للألوسي: 19/ 499.
(1/129)
________________________________________
أبو عبيد، وأَنْ يكونَ أصلُها ضُوْزَى بالواوِ؛ لأنه سُمِع ضازَهُ يَضُوْزُهُ ضُوْزى، وضَازَهُ يَضِيْزُهُ ضِيْزى وضَأَزه يَضْأَزُه ضَأْزاً، حكى ذلك كلَّه الكسائيُّ، وحكى أبو عبيد ضِزْتُه وضُزْته بكسرِ الفاء وضمِّها. وكُسِرت الضادُ مِنْ ضُوْزَى؛ لأنَّ الضمةَ ثقيلةٌ مع الواو وفعلوا ذلك ليَتَوَصَّلوا به إلى قَلْب الواوِ ياءً" (1).
ومن ذلك:
• (سَالَ): قراءة في قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ} (2). [التاج: سأل].
• (سُولَكَ): قراءة في قوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوْسَى} (3).
ذكر الزبيدي القراءات الواردة في الموضعين السابقين فقال: {سَأَلَ سَائِلٌ} قرئ: "سَالَ" (4) على التَّخْفِيفِ البَدَلِيِّ: سالَ يَسالُ، كخَافَ يَخافُ، وهي لُغَةُ هُذِيْلٍ. ومن ذلك: {ثُمَّ سُئِِلُوا الْفِتْنَةَ} (5) حيث قرئ: "سُولُوا" (6) ويستدعي الزبيدي بهذه القراءة حديثاً طويلاً عن ابن جني يشرح فيه كيف تحول النطق من "سُئِلُوا" إلى "سُولُوا" مستفيداً في معجمه من هذا التحليل الصرفي الذي أبدعه ابن جني (7).
ويذكر أن (السُّول) الْحَاجَةُ التي تَحْرِصُ عليها النَّفْسُ، لُغَةٌ في الْمَهْمُوزِ اسْتَثْقَلُوا ضَغْطَةَ الهَمْزَةِ فيه، فَتَكَلَّمُوا به على التَّخْفِيفِ، ويستدل على أن (السُّولَ) أَصْلُهُ الهَمْزُ لورود القِراءَةُ بالتحقيق والتخفيف في قَوْلَهُ عَزَّ وجَلَّ: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوْسَى} (8) حيث قرأ الحسن: "سُولَكَ" (9) بالتخفيف.
قال السمين: "قرأ مجاهد "سُويِلُوا" بواوٍ ساكنة ثم ياءٍ مكسورةٍ كقُوتِلُوا. حكى أبو زيد: هما يَتَساوَلان بالواو. والحسنُ: "سُولُوا" بواوٍ ساكنةٍ فقط فاحتملت
__________
(1) الدر المصون: 13/ 215.
(2) المعارج: 1.
(3) طه: 36.
(4) قراءة ابن عباس، انظر: السبعة لابن مجاهد: 348، والحجة لابن خالويه: 276، والنشر: 2/ 430، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 75.
(5) الأحزاب: 14.
(6) قراءة الحسن، انظر: البحر المحيط لأبي حيان: 9/ 139، والدر المصون للسمين: 12/ 24، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 4/ 81، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 260.
(7) انظر المحتسب: 2/ 177.
(8) طه: 36.
(9) انظر: الإتحاف: 539، ومعجم القراءات للخطيب:5/ 431.
(1/130)
________________________________________
وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ أصلُها (سُئِلوا) كالعامَّةِ ثم خُفِّفَتِ الكسرةُ فسَكَنَتْ، كقولِهم في "ضَرِب" بالكسر: ضَرْب بالسكون فَسَكَنت الهمزةُ بعد ضمة فقُلِبت واواً نحو: بُوْس في بُؤْس. والثاني: أن تكونَ مِنْ لغة الواو. ونُقل عن أبي عمرو أنه قرأ "سِيْلُوا" بياءٍ ساكنةٍ بعد كسرةٍ نحو: مِيْلُوا" (1).
ومن ذلك:
• (البَرِيئَة): قراءة في قوله تعالى: {شَرُّ البَريَةِ} (2)، و {خَيْرُ البَريَةِ} (3).
[التاج: برأ]
ذكر الزبيدي أن " البَرِيَّةَ: الخَلق، والأصل فيها الهمز، ولكن العربَ قد تركت هَمزها، يدل على ذلك قراءة نافعٍ وابن ذَكْوان على الأَصلِ قوله تعالى: {شَرُّ البَريئَةِ ... خَيْرُ البَريئَةِ} (4). إلا أن الفراء يرى أن الأصل غير مهموز حيث يقول:"البرية غير مهموز، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها كأنه أخذها من قول الله جل وعز: "برأكم"، وبرأ الخلق، ومن لم يهمزها فقد تكون من هذا المعنى. ثم اجتمعوا على ترك همزها كما اجتمعوا على: يرى وترى ونرى، وإن أخذت من البرى كانت غير مهموزة " (5).
وقد أخذ السمين هذا المعنى فوسعه فقال:"قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان "البَريئة" بالهمزِ في الحرفَيْن، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ. واخْتُلِف في ذلك الهمز، فقيل: هو الأصلُ مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ: ابتدأه واخترعَه فهي (فعيلةٌ) بمعنى مَفْعولةٌ، وإنما خُفِّفَتْ، والتُزِمَ تخفيفُها عند عامَّةِ العربِ. وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها: النبيُّ والخابيةَ والذُّرِّيَة والبَرِيَّة. وقيل: بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ مشتقةٌ مِنْ البَرَى، وهو الترابُ فهي أصلٌ بنفسِها، فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال: "وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ
__________
(1) الدر المصون: 12/ 25.
(2) البينة: 6.
(3) البينة: 7.
(4) قراءة نافع وابن عامر، في الموضعين، والباقون بغير همز، انظر: السبعة لابن مجاهد: 693 ومعجم القراءات للخطيب: 527/ 10.
(5) معاني القرآن: 3/ 282، وانظر الحجة لابن خالويه: 374، والحجة لابن زنجلة: 769.
(1/131)
________________________________________
الهمزةَ خطأً وهو اشتقاق غيرُ مَرْضِيّ" ... والمعنى بالقراءتين شيءٌ واحدٌ، وهو جميعُ الخَلْقِ. ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ ضَعَّف الهمزة من النحاةِ والقُرَّاءِ لثبوتِه متواترِاً" (1).
ومن ذلك:
• (مُؤْصَدَةٌ): من قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (2).
[التاج: أصد، وصد].
تناول الزبيدي الآية السابقة في المادتين السابقتين، وخلص إلى أن: أَوصَدَ البَابَ: أَطْبَقَه وأَغْلَقه كَآصَدَه فهو مُوصَدٌ، ثم ذكر أن الآية قرئت: "مُوصَدَة" بغير هَمْزٍ ... هَمَزَهَا أَبو عَمْرٍو وحَمْزَةُ، وخَلَفٌ، وَحَفْصٌ واختلف على يَعقُوب، والبَاقُون بغير هَمْزٍ (3). ولم يبين الزبيدي سبب الهمز وهل هو عِنْدَ مَنْ هَمَزَ مِنْ (أَأْصَدَ = آصد) وهي مُؤْصَدَة، أم هو من (أَوْصَدَ) وهي مُوْصَدَة، فلما أن سُبِقَتْ الواو بضمة تُوُهِّمَ أنها مضمومة فَأُبْدِلَتْ بهمزةٍ. وقد ذكر أن (أوصد) مثل (آصد) فاسم المفعول الدال على المفردة المؤنثة من (أوصد) بلا همز، ومن (آصد) مهموز؛ لأن فاءه همزة (4).
قال أبو زرعة:"من همزه جعله (مُفْعَلَة) من آصدت الباب، أي أطبقته مثل: آمنت فاء الفعل همزة، تقول: آصد يؤصد إيصادا، ومن ترك الهمز جعله من أوصد يوصد إيصادا فاء الفعل واو. قال الكسائي: أوصدت الباب وآصدته إذا رددته" (5).
ثانياً: همز ما لا يهمز:
يذكر الزبيدي في مواضع عدة أن القراءة جاءت بهمز ما ليس أصله الهمز. ويمكن عرض ذلك كما يلي:
__________
(1) الدر المصون: 14/ 381.
(2) الهمزة: 8.
(3) انظر: السبعة لابن مجاهد: 364، والحجة لابن خالويه: 296، والنشر:1/ 446.
(4) انظر: الحجةلابن خالويه: 296، والدر المصون: 14/ 344.
(5) الحجة: 766.
(1/132)
________________________________________
• (خُطُؤَاتِ) (1): قراءة في قوله تعالى: {ولا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ} (2).
[التاج: خطأ]
ذكر الزبيدي في الآية السابقة إن بعض القراء قرأها مهموزة الواو {خُطُؤَاتِ} من الخطيئة والمأثم، وأنه لم يعلم أن أحداً من قراء الأمصار قرأها بالهمز، وأنه لا معنى له.
وقد خَرَّجَ ابن جني هذه القراءة على أنه مما همزته العرب وليس حقه الهمز فقال: "قراءة عليٍّ بن أبي طالب، والأعرج، وعمرو بن عبيد: {خُطُؤَات} ... أما الهمز في هذا الموضع فمردود؛ لأنه من خَطَوْتُ لا من أَخْطَأْتُ والذي يُصْرَفُ إليه هذا أن يكون كما تهمزه العرب ولا حظ له في الهمز نحو: حَلَّأْتُ السَّوِيقَ ورَثَّأْتُ روحي بأبيات والذئبُ يَسْتَنْشِئُ ريحَ الغنمِ، والحَمْلُ على هذا فيه ضعف إلا أن الذي فيه من طريق العذر، أنه لما كان من فعل الشيطان غلب عليه معنى الخطأ فلما تصور ذلك المعنى أطلت الهمزة رأسها" (3).
إن مما قرر في اللغة أن الواو إذا جاءت مضمومة فإنها تهمز في نحو: وُجُوهٍ وأُجُوهٍ ومن هذا القبيل قوله تعالى:
• (التَّنَاؤُشُ) (4): قراءة في قَوله تَعَالَى: {وأَنَّي لَهُمُ التَّناوُشُ} (5).
يذكر الزبيدي أن "النَّأْش، كالمَنْعِ، لُغَةٌ في النَّوشِ، وهُوَ: التَّنَاوُلُ يُقَال: نَأَشْتُ الشيءَ نَأْشاً، إِذا تَنَاوَلْتَه، كالتَّناؤُشِ. وقالَ ثَعْلَب: التَّناؤُشُ الأَخْذُ من بُعْدٍ مَهْمُوز، فإِنْ كانَ عن قُرْبٍ فهو التّناوشُ، بغَيْرِ هَمْزٍ، وقَولُهُ تَعَالَى: "وأَنَّي لَهُمُ التَّناوشُ" قُرِئَ بالهَمْزِ وغَيْرِ الهَمْزِ. وقال الزَّجّاجُ (6): مَنْ هَمَزَ فَعَلَى وَجْهَيْن، أَحَدهمَا: أَنْ
__________
(1) قراءة علي بن أبي طالب والأعرج وعمرو بن عبيد، انظر: التهذيب: 7/ 207، والمحتسب: 1/ 117، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 277، 278.
(2) البقرة: 168.
(3) المحتسب: 1/ 117.
(4) بهمز الواو قراءة حمزة والكسائي وأبي عمرو والأعمش واليزيدي وأبي بكر وخلف وحماد وآخرين، انظر: معاني الفراء: 2/ 365، والسبعة: 530، والنشر: 2/ 351، والإتحاف: 360.
(5) سبأ: 52.
(6) معاني القرآن وإعرابه: 4/ 395.
(1/133)
________________________________________
يَكُونَ من النَّئيِشِ الَّذي هُوَ الحَرَكَةُ في إِبْطَاءٍ، والآخَرُ: أَنْ يَكُونَ من النَّوْشِ الَّذِي هُوَ التّناوُلُ، فَأَبْدَلَ من الواو هَمْزَةً، لمَكَانِ الضَّمَّةِ".
[التاج: نأش].
ونقل عن الفراء (1) في (نوش) أن الحواضر المتمثلة في:"أَهْل الحِجَازِ تَرَكُوا هَمْزَ "التَّنَاوُشِ"، وجَعَلُوه مِن نُشْتُ الشَّيءَ إِذا تَنَاوَلْتهُ. وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ: "التَّنَاؤُشُ" بالهَمْزِ". فالحجة لمن قرأ بالهمز (2) أن الواو مضمومة؛ أو لأنها من نَأَشَ وليس من نَوَشَ (3).
• (تَلْؤُوا) (4): قراءة في قوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (5). [التاج: لوي].
ذكر الزبيدي أن {تَلْؤُوا} همزت لانضمام الواو. قال السمين:"أنه من لَوَى يَلْوي كقراءة الجماعة، إلاَّ أنَّ الواوَ المضومةَ قُلِبَتْ همزةً كقلبها في "أُجوه" و"أُقِّتتْ"" (6).
• (أُقِّتَتْ): من قوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَت} (7).
ذكر الزبيدي أن قوله تعالى: {أُقِّتَتْ} "لغة مثل وُجُوهٍ وأُجُوهٍ. اجتمع القراء على همزها، وهي في قراءة عبد الله: "وُقِّتَتْ". وقرأها أبو جعفر المديني: "وُقِتَتْ" خفيفة بالواو (8)، وإنما همزت؛ لأن الواو إذا كانت أول حرف وضُمَّتْ هُمِزَتْ. يقال: هذه أُجُوهٌ حِسَانٌ، بالهمز؛ وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة "وقرئ
__________
(1) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 365.
(2) انظر: الحجة لابن خالويه: 220، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 379.
(3) انظر: الجامع للطبري: 20/ 425، وروح المعاني للألوسي: 16/ 336.
(4) انظر: الجامع للطبري: 9/ 310، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 546، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 173، 174.
(5) النساء: 135.
(6) الدر المصون: 5/ 143.
(7) المرسلات: 11.
(8) انظر: السبعة: 666، والنشر: 2/ 396، والإتحاف: 762.
(1/134)
________________________________________
{وإذا الرسل وُوقِتَتْ} (1) (فُوعِلَتْ) من المواقتة، وهي من الشواذ وهكذا قرأ جماعة". [التاج: وقت].
ويرى الطبري القراءات الثلاثة السابقة متساوية الجودة فيقول: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن كل ذلك قراءات معروفات، ولغات مشهورات بمعنى واحد، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب، وإنما هو (فُعِّلَتْ) من الوقت، غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو، كما يستثقل كسرة الياء في أوّل الحرف فيهمزها فيقول: هذه أجوه حسان بالهمزة" (2).
ويحدد أبو حيان بيئة قراءة "وُقِّتَتْ"، فيقول إنها لغة سفلى مُضَر، ثم يقرر أن: "الواو في هذا كله أصل والهمزة بدل" (3).
ولم يقتصر الأمر على إبدال الواو المضمومة همزة، بل أبدلوا الواو التي سبقت بضمة همزة أيضا، على تَوَهُّمِ أن الضمة على الواو نفسها، وتَمَثَّلَ ذلك في ثلاثة مواضع:
• (يُؤْسِفَ) (4): قِرَاءة طلَحَة بن مُصَرِّف لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} (5) بالْهَمْزِ وكَسْرِ السِّين. [التاج: أسف].
• (بالسُّؤْقِ) (6) مهموزة الواو، قراءة ابن كثير لقوله تعالى: {بَالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} (7) [التاج: سأق].
• (مُؤْصَدَةٌ): من قوله عز وجل: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (8).
[التاج: وصد].
__________
(1) هي قراءة الحسن، انظر: والسبعة: 355، والحجة: 290 البحر المحيط: 10/ 413، والنشر: 2/ 437، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 275.
(2) جامع البيان: 24/ 130، وانظر: معجم القراءات للخطيب:10/ 239، 240.
(3) البحر: 10/ 413.
(4) انظر: معاني الزجاج: 3/ 92، ومختصر ابن خالويه: 30، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 170.
(5) يوسف: 7.
(6) انظر: السبعة: 483، والنشر:2/ 378، والإتحاف: 665، ومعجم القراءات للخطيب: 8/ 101.
(7) سورة ص: 33.
(8) الهمزة: 8.
(1/135)
________________________________________
قال الزبيدي: هَمَزَهَا أَبو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ وخَلَفٌ، وَحَفْصٌ، ويَعقُوب، والبَاقُون بغير هَمْزٍ: {مُوصَدَةٌ} (1) على الأصل (أوصد).
وكما أبدلوا الواو همزة على تَوَهُّمِ أنها مضمومة لانضمام ما قبلها، كذلك أبدلوا الألف همزة لِتَوَهُّمِ أنه مفتوحٌ لانْفِتَاحِ ما قبله، وقد جاءت القراءة بذلك في ثلاثة مواضع:
) ?الضَّألِّينَ) (2): من قوله تعالى: {ولا الضَّاَلِّينَ} (3).
قال الزبيدي: وأَمَّا قِراءَةُ مَنْ قَرَأَ {وَلَا الضَّاَلِّينَ} بِهَمْزِ الأَلِفِ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الْتِقاءَ السَّاكِنَيْنِ الأَلِفِ واللاَّمِ، فَحَرَّكَ الأَلِفَ لاِلْتِقائِهِما، فانْقَلَبَتْ هَمْزَةً؛ لأَنَّ الأَلِفَ حَرْفٌ ضَعِيفٌ، واسِعُ المَخْرَجِ، لا يَتَحَمَّلُ الحَرَكَةَ فَإِذا اضْطُرُّوا إلى تَحْرِيكِهِ، قَلَبُوهُ إلى أَقْرَبِ الحروفِ إليه وهوَ الهَمْزَةُ. قالَ: وعلى ذلكَ ما حَكاهُ أبو زَيْدٍ مِن قَوْلِهِمْ: شَأْبَّةٌ ومَأَدَّةٌ. قلتُ: وهي قِرَاءَةُ أيوب السَّخْتِيانِيّ". [التاج: جنن].
• (سَأقَيْها) (4): من قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} (5). [التاج: سأق].
قرأ ابن كثير: {سَأقَيْها}. قال ابن خالويه:"قرأه الأئمة بإرسال الألف إلا ما قرأه ابن كثير بالهمز مكان الألف، وله في ذلك وجهان:
أحدهما: أن العرب تشبه مالا يهمز بما يهمز فتهمزه تشبيها به، كقولهم: حلأت السويق، وإنما أصله في قولهم: حلأت الإبل عن الحوض، إذا منعتها من الشرب.
والآخر: أن العرب تبدل من الهمز حروف المد واللين، فأبدل ابن كثير من حروف المد واللين همزة تشبيها بذلك" (6).
__________
(1) هذه القراءة لكل من: ابن عامر ونافع والكسائي وأبي عمرو وابن كثير وأبي جعفر، انظر: السبعة: 364، والعنوان: 36 وحجة ابن خالويه: 296، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 475.
(2) قراءة أيوب السختياني، انظر: مختصر ابن خالويه: 1، والمحتسب: 1/ 46 – 49.
(3) الفاتحة: 7، وانظر القراءة في: النشر: 1/ 63، والتبيان للعكبري: 1/ 8.
(4) انظر: السبعة: 282، والحجة لابن خالويه: 197، وإبراز المعاني: 335، والنشر: 1/ 20.
(5) النمل: 44.
(6) الحجة: 272.
(1/136)
________________________________________
• (جَأَنٌ) (1): قراءة عمرو بن عبيد لقوله تعالى: {إِنْسٌ وَلَا جَانٌ} (2).
[التاج: جنن].
لأن ما قبلهما مفتوح فَتُوُهِّمَ حركةُ الألف فَهُمِزَتْ؛ لأن الألف إذا تَحَرَّكَتْ هُمِزَتْ.
ويخلص مما سبق إلى أن الزبيدي قد تناول مذاهب العرب في الهمزة وهو يتمثل في محورين: الأول: التحقيق.
الثاني: التخفيف (= التسهيل): وصوره:
(1) الحذف. (2) الإبدال. (3) بين بين.
ومعنى ذلك أن مبحث الهمزة قريب الصلة بالمماثلة الصوتية؛ لأن الإبدال والتخفيف بين بين، من أشكال المماثلة. ولكن المعضلة في هذه المسألة تتمثل في أن المماثلة بكل أشكالها كي تتم لابد من تجانس أو تقارب بين الصوتين، وهذا ما لم يتوفر بين صوت الهمزة وصوت كل من: الواو، والياء، التي تبدل منهما، حيث لا تقارب في المخرج، ولا تجانس في الصفات، وهذا واضح مما يلي:
• الهمزة: صوت حنجري، شديد (انفجاري)، مهموس، مرقق.
• الواو: صوت شفوي، متوسط، لين (مجهور = انطلاقي).
• الياء: صوت غاري، متوسط، لين (مجهور = انطلاقي). يقول الدكتور عبد الصبور شاهين:" إنه لا علاقة صوتية مطلقا بين الهمزة من ناحية وبين الواو والياء من ناحية أخرى - تعين على القول بإمكان حدوث تبادل بينها، طردا وعكسا سواء أكان إبدالا واجبا، أم جائزا، أم شاذا" (3).
وبالتالي يرفض هذا العالم الجليل وقوع البدل في هذا الباب، ويخلص إلى: "أن ما تعوده اللسان العربي في معاملته للواو والياء وللهمزة - ناشئ عن بعض
__________
(1) انظر: المحتسب لابن جني: 1/ 46 - 49، والتبيان للعكبري: 2/ 252.
(2) الرحمن: 39.
(3) القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث:77.
(1/137)
________________________________________
الكراهات التي لم يألفها "، ويرجع هذه الكراهات إلى ثقل النطق وتنافره مما يدفع الناطق إلى المخالفة أو التصرف بصورة ما، هربا من هذا الذي يكرهه (1).
ويقرر أن وظيفة الهمزة لدى العربي تتمثل في وظيفتين:
أولاهما: الهروب من تتابع الحركات.
وثانيتهما: المبالغة في نبر بعض المقاطع، فيتحول بذلك نبر الطول إلى نبر توتر (2).
فما حدث بين الهمزة وكل من الواو والياء، ما هو إلا نوع من أنواع الهروب من الثقل المتمثل في نطق الهمزة نفسها أحيانا، أو توالي الحركات، وقد يلجأ إلى الهمز رغبة في المبالغة في مقطع معين لغرض دلالي.
ويرى الدارس أن الهمز هو الأصل (3)؛ ومن ثم فهو اللغة الأولى، وتركه لغة ثانية، ولذلك يعده مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، كما يري أن ميل القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة - وتَتَمَرْكَزُهَا قريشٌ - إلى الهمز راجع إلى اختصار عدد المقاطع الصوتية وانتقال موضع النبر؛ فمثلا كلمة (سأل) تتكون من ثلاثة مقاطع من النوع القصير، والنبر في هذه الحالة على المقطع الثالث من الآخر (س: ص ح)، فإذا ما خفّفنا الهمز اختصرت المقاطع الثلاثة إلى مقطعين: متوسط مفتوح وقصير، وانتقل موضع النبر إلى المقطع قبل الأخير (سا: ص م) (4).
ويمكن إجمال نتائج هذا المبحث فيما يلي:
1 - المعروف أن تحقيق الهمز فيه شيء من الصعوبة؛ لذلك جنح العرب إلى تخفيف الهمز وقد أمدت القراءة القرآنية المعجم العربي بكثير من الشواهد الموثقة التي تمثل كل أشكال التخفيف من حذف، أو إبدال، أو بين بين.
__________
(1) انظر السابق: 78.
(2) انظر السابق: 80.
(3) مما يؤكد أن الهمز هو الأصل في اللغة العربية أصالته في اللغات السامية؛ يقول أحد الباحثين: "إذا نظرنا إلى اللغات السامية نجد أن الهمز هو الأصل؛ إذ يمثل طورا أذهب في القدم من طور التسهيل". انظر: في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد: 179.
(4) انظر: الخصائص اللغوية لقراءة حفص: 49.
(1/138)
________________________________________
2 - وعلى النقيض مما سبق نجد أن اللغة أحيانا تلجأ إلى المخالفة بالميل نحو الصعب فتهمز ما ليس أصله الهمز حفاظا على قوانينها وثوابتها، كأن تتحاشى الجمع بين الساكنين فتهمز (الضألين)، وقد مدت أيضا القراءات المعجم العربي بالعديد من شواهد هذا النوع.
3 - كما أسهم هذا المبحث في إثراء المعجم العربي بالكثير من طرائق نطق الكلمة الواحدة، نحو: جبريل، وجبرائيل، وجبراييل ... ولا شك أن في هذا توسعة وتيسيرا على مستخدم اللغة، ومتعلمها.
4 - كما أن الهمز أحيانا قد يؤدي إلى تغير في المعنى، مما يثري النص القرآني، نحو: (خطؤات)، يحتمل أن تكون جمع خطوة، والهمز من قبيل همز ملا يهمز، ويحتمل أن تكون من الخطأ.
5 - كما يبدو واضحاً أن بعض المواد في المعجم قد بُنِيَتْ على القراءة القرآنية وما دار حولها من مادة شارحة في كتب القراءات واللغة، نحو: مادة (سأق) والتي بنيت على قراءة (سأقيها) بالهمزة، قراءة في قوله تعالى "وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا".
ومادة (ميكل) بنيت على القراءات المختلفة الواردة في اسم الملك الكريم "ميكائيل" عليه السلام.
(1/139)
________________________________________
المبحث الرابع
هَاءُ السَّكْتِ
عَرَّفَهَا الإستراباذي، وحدد موضع زيادتها، فقال:"هي هاء تزاد في آخر الكلمة الموقوف عليها في موضعين:
أحدهما: إذا كان آخرها ألفا، والكلمة حرف أو اسم عريق البناء، نحو: لا، وذا، وهنا، وذلك لأن الألف حرف خفي، إذا جئت بعدها بحرف آخر، وذلك في الوصل، تبين النطق بها، وإذا لم تأت بعدها بشيء، وذلك في الوقف، خفيت، حتى ظن أن آخر الكلمة مفتوح، فلذا وصلت بحرف، ليبين جوهرها واختاروا أن يكون ذلك الحرف هاء، لمناسبتها خفائها حرف اللين.
وثاني الموضعين: إذا وقفت على كلمة متحركة الآخر غير إعرابية ولا مشبهة بالإعرابية، لبيان تلك الحركة اللازمة، إذ لو لم تزد الهاء لسقطت الحركة للوقف، وإنما لم تبين الأعرابية، لعروضها وسرعة زوالها" (1).
ومثل لها ابنُ يعيش بقوله: "وهي التي في نحو قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (2)، وهي مختصة بحال الوقف، فإذا أَدْرَجْتَ قُلْتَ: "ما أغنى عني مالي هلك عني سلطاني خذوه". وكل متحرك ليست حركته إعرابية، يجوز عليه الوقف بالهاء، نحو: ثُمَّهْ، ولَيْتَهْ، وكَيْفَهْ وأَنَّهْ، وحَيْهَلَهْ، وما أَشْبَهَ ذلك. وحقها أن تكون ساكنة وتحريكها لَحْنٌ. ونحو ما في إصلاح ابن السَّكِّيتِ من قوله (3): (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ عَفْرَاء) و (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ نَاجِيَة) مما لا مُعَرِّجَ عليه للقياس واستعمال الفصحاء، ومعذرة من قال ذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف مع تشبيه هاء السكت بهاء الضمير" (4).
__________
(1) شرح الكافية للإستراباذي: 4/ 498.
(2) الحاقة: 28، 29.
(3) هما شطران لبيتين مختلفين رواهما ابن السِّكِّيت في: إصلاح المنطق: 1/ 28 عن الفراء، وعجز الأول منهما (إذا أتى قربته لما شاء) ولم يذكر له قائلاً، وذكره البغدادي = في خزانة الأدب: 4/ 232 الشاهد رقم: 955، وذكر البطليوسي البيتين كاملين في: الحلل في شرح أبيات الجمل:1/ 13، قال: (يا مَرْحَبَاهُ بحمار ناجية ... إذَا أتى قربته للسَّانية) وقال الآخر: (يا مرحباهُ بحمار عفْراء ... إذَا أتى قرْيتُه لما يَشَاء).
(4) شرح المفصل: 1/ 461، 462.
(1/140)
________________________________________
وهي عند ابن هشام الهاء: "اللاحقة لبيان حركة أو حرف نحو "مَا هِيَهْ" (1) ونحو: هَاهُنَاهْ، ووَازَيْدَاهْ. وأصلها أن يوقف عليها، وربما وُصِلَتْ بِنِيَّةِ الوَقْفِ" (2).
وعلى الرغم من أن حركة آخر الماضي هي حركة بناء إلا أن في اتصال هاء السكت به ثلاثة أقوال:
الأول: المنع مطلقا، وهو مذهب سيبويه والجمهور واختيار المصنف.
والثاني: الجواز مطلقا؛ لأنها لازمة.
والثالث: أنها تلحقه إذا لم يُخَفْ لبسٌ نحو: "قَعَدَهْ"، إلا إذا خِيفَ لبسٌ نحو ضَرَبَهْ والصحيح الأول؛ لأن حركته وإن كانت لازمة فهي شبيهة بحركة الإعراب؛ لأن الماضي إنما بني على حركة لشبهه بالمضارع المعرب في وجوه مذكورة في موضوعها (3).
أما الزبيديُّ فإنه يذكر تعريف ابن هشام السابق، بنصه وهو يتحدث عن أنواع الهاء، ثم يقول: " هاء السكت تلحق المتحرك بحركة غير إعرابية للوقف، نحو: ثُمَّهْ، وكَيْفَهْ، وقيل: لم أبله؛ لتقدير الحركة كما أُسْقِطَ ألفُ "ها" في "هَلُمَّ" لتقدير سكون اللام، وهي ساكنة، وتحريكها لَحْنٌ، ونحو: (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ عَفْرَاء)، و (يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارِ نَاجِيَة) مما لا يعتد به. وفى الصحاح: وقد تُزَادُ الهاءُ في الوقف لبيان الحركة، نحو: لِمَهْ و {مَالِيَهْ} و {سُلْطَانِيَهْ}، وثُمَّ مَهْ، بمعنى: ثم ماذا، وقد أتت هذه الهاء في ضروة الشعر كما قال (4):
هُمُ القَائِلُونَ الخَيْرَ وَالأَمِرُونَه ... إِذَا مَا خَشَوْا مِنْ مُعْظَمِ الأَمْرِ مُفَظَّعَاً
فأجراها مجرى هاء الإضمار انتهى. وتسمى هذه الهاء يعني التي في {مَالِيَهْ} و {سُلْطَانِيَهْ} هاء الاستراحة". [التاج: الهاء].
__________
(1) القارعة: 10.
(2) مغني اللبيب: 1/ 455.
(3) انظر توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك لابن قاسم المرادي:3/ 148.
(4) ذكره سيبويه في الكتاب:1/ 38، وقال: وقيل إنه مصنوع. وشرحه عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب: 2/ 46، الشاهد: 296، كما ذُكِرَ في التهذيب: 2/ 100 واللسان في (طلع)، ونقله الكامل عن سيبويه:1/ 97، ولم تذكر هذه المصادر له قائلا.
(1/141)
________________________________________
وردت هاء السكت في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} (1)، وقوله {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (2) وقوله: {أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (3) وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} (4).
والقراء وإن أجمعوا على الوقف عليها بالسكون، فقد اختلفوا عليها في الوصل فمنهم من أثبتها، ومنهم من حذفها لاعتبارات عندهم. وتعد هذه الهاء طريقة في الوقف على أواخر بعض الكلم، قلما خلا مصدر من مصادر العربية من الحديث عنها (5) خاصة أنها تعلقت بالقرآن الكريم وقراءاته.
والواضح أن الزبيدي قد طالع هذا الباب عند النحاة والقراء، وأفاد منه في صناعة معجمه فيما يخصه منه. فمن المواضع التي كان لهاء السكت دور بارز في شرح المادة المعجمية عنده ما ذكره في (س ن هـ) حيث قال: "وسَنِهَ الطعام والشراب، كفَرِحَ سَنَهَاً وتَسَنَّهَ تغير، ومنه قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} (6) وقيل لم تغيره السنون. وقال الفراء لم يتغير بمرور السنين عليه. قال ثعلب: قرأها أبو جعفر وشيبة، ونافع وعاصم، بإثبات الهاء إن وصلوا أو قطعوا، وكذلك قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (7) ووافقهم أبو عمرو في: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" (8)، وخالفهم في: "اقْتَدِهِ" (9) فكان يحذف الهاء منه في الوصل، ويثبتها في الوقف.
__________
(1) البقرة: 259.
(2) الأنعام: 90.
(3) الحاقة: 25 - 29.
(4) القارعة: 10.
(5) انظر على سبيل المثال: الشافية في علم التصريف:1/ 64، والتبيان: 1/ 517 ومغني اللبيب: 1/ 455، وأوضح المسلك: 4/ 349.
(6) البقرة: 259.
(7) الأنعام: 90.
(8) انظر: السبعة: 188، والحجة لابن خالويه: 100، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 370.
(9) انظر: معجم القراءات للخطيب:2/ 478 - 482.
(1/142)
________________________________________
وكان الكسائي يحذف الهاء منهما في الوصل ويثبتها في الوقف. وقال الأزهري: الوجه في القراءة: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" بإثبات الهاء في الوقف والإدراج، وهو اختيار أبي عمرو ومن قولهم سَنِهَ الطعامُ ... إذا تغير وقال أبو عمرو، والشيباني: أصله يَتَسَنَّنُ فأبدلوا، كما قالوا تَظَنَّيْتُ وقَصَّيْتُ أظفاري".
وهو هنا لم يبين السبب الذي من أجله اتفق أبو عمرو مع القراء في إثبات الهاء وقفا ووصلا في "لم يَتَسَنَّهْ" واختلافه معهم في "اقْتَدِهْ"، ولكن وَضَّحَهُ في موضع آخر فقال: "إذا كانت (السَّنَةُ) من سَنَا يَسْنُو فالهاء للوقف نحو: "كِتَابِيَهْ"، و"حِسَابِيَهْ" وأما إذا كان أصلها (سَنْهَةً) لقولهم سَانَهْتُ فلاناً إذا عاملته سَنَةً فَسَنَةً، وقولهم (سُنَيْهَة) فتكون الهاء أصلية، قيل ومنه قوله تعالى: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" " [التاج: سنو].
ومعنى هذا أن من رأى الهاء في "لَمْ يَتَسَنَّهْ" أصلية أثبتها في الوصل والوقف، ومن رآها هاء اجتلبت للوقف حذفها عند الوصل. وهذا ما قررته كتب التفسير (1)، وتوجيه القراءات، قال السمين:" وقرأ حمزةُ والكسائي: "لم يَتَسَنَّهْ" بالهاء وقفاً وبحذفها وصلاً، والباقون بإثباتِها في الحالين. فأمَّا قراءتهما فالهاءُ فيها للسكتِ. وأمَّا قراءةُ الجماعَةِ فالهاء تحتملُ وجهين، أحدُهما: أن تكونَ أيضاً للسكتِ، وإنما أُثبتت وصلاً إجراء للوصلِ مُجْرى الوقفِ - وهو في القرآن كثيرٌ سيمرُّ بك منه مواضعُ - فعلى هذا يكون أصلُ الكلمةِ: إمَّا مشتقاً من لفظ "السَّنة" على قولنا إنَّ لامَها المحذوفةَ واوٌ، ولذلكَ تُرَدُّ في التصغير والجمع، قالوا: سُنَيَّة وسَنَوات، وعلى هذه اللغة قالوا: "سأنَيْتُ" أُبْدِلَتِ الواوُ ياءً لوقوعِها رابعةً وقالوا: أَسْنَتَ القومُ، فقلبوا الواوَ تاءً، والأصل أَسْنَوُوا، فأَبْدَلوها في تُجاه وتُخَمة كما تقدَّم، فأصله: يَتَسَنَّى فحُذِفَتْ الألفُ جزماً، وإمَّا مِنْ لفظ "مَسْنون" وهو المتغيِّرُ ومنه "مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ"، والأصل: يتَسَنَّنُ بثلاثِ نونات، فاسْتُثْقِلَ توالي الأمثال فَأَبْدَلْنَا الأخيرةَ ياءً، كما قالوا في تَظَنَّنَ: تظَنَّى، وفي قَصَّصْت أظفاري: قَصَّيْت، ثم أَبْدَلْنَا الياء ألفاً لتحرُّكِها وانفتاح ما قبلَها، ثم حُذِفَتْ جزماً، قاله أبو عمرو
__________
(1) انظر: إصلاح المنطق ابن السكيت: 98، وتفسير الألوسي: 2/ 335، التحرير والتنوير: 2/ 444.
(1/143)
________________________________________
وخَطَّأَه الزجاج قال: "لأنَّ المسنونَ المصبوبَ على سَنَنِ الطريق" (1). وقريبا من ذلك قال كل من ابن خالويه (2) وأبي زرعة بن زنجلة (3).
ويخلص مما سبق إلى أن اللغة العربية من اللغات التي تعتمد على الإعراب في تحديد المعنى، ولما كانت حركة الإعراب محلها الحرف الأخير من الكلمة فقد سلكت العربية تجاه الوقف طرقا عدة للحفاظ على هذه العلامة - حرصا على وضوح المعنى - تتمثل في: الوقف بالسكون، والوقف بالروم، والوقف بالإشمام والوقف بالتضعيف، والوقف بنقل حركة الحرف الأخير إلى ما قبله، ولكل طريقة تفصيل موضعه كتب النحو (4) ومرادي هنا هو التنبيه على أن اللغة حافظت على الحركة الإعرابية بالطرق السابقة، ما عدا الوقف بالسكون والذي يستخدم عند أمن اللبس. والمعني بالحديث هنا اجتلاب هاء السكت للوقف، وسميت بالسكت لأن شرطها أن يُوقَفَ عليها بالسكون على الصحيح فهي لا تتحرك أبدا، إلا عند من أثبتها في الوصل فقد أجراها مجرى الوقف فاضطر إلى تحريكها على خلاف (5) فهي إذن اجتلبت لتكون محلا للسكون العارض للوقف، ولتظل حركة الحرف الأخير ظاهرة بَيِّنَة. وجعلها النحاة خاصة بحركة البناء، اعتمادا على أن الطرق السابقة كفيلة بالحفاظ على حركة الإعراب (6). وسماها البعض بهاء الاستراحة؛ لأن في الوقف فرصة لأخذ النفس، خاصة وأنها تدخل على ما آخره ألف حيث يحتاج إلى نفس طويل في مثل: واإسلاماه ونحوه، ورخصوا في الجمع بين ساكنين في مثل هذا الموضع؛ لأنه موضع وقف (7).
__________
(1) الدر المصون: 3/ 100.
(2) الحجة: 100.
(3) الحجة: 142.
(4) انظر توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك لابن قاسم المرادي: 3/ 148.
(5) انظر المفصل للزمخشري: 64، وشرح الكافية للإستراباذي: 4/ 501.
(6) انظر توضيح المقاصد لابن قاسم المرادي: 3/ 148.
(7) انظر شرح الكافية للإستراباذي: 4/ 501.
(1/144)
________________________________________
الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية
- الفصل الأول: تغيير بنية الأفعال
- الفصل الثانى: تغيير بنية الأسماء
(1/145)
________________________________________
الباب الثاني: القراءات والبنية الصرفية

يتناول هذا الباب التغيرات التي حدثت في البنية الصرفية وذلك على مستوى الأفعال والأسماء، وليفي بهذا الغرض فقد قسمته إلى فصلين: تناولت في الفصل الأول: التغيير الذي لحق بنية الأفعال، وتناولت في الفصل الثاني: التغيير الذي لحق بنية الأسماء.
(1/146)
________________________________________
الفصل الأول
تغيير بنية الأفعال
- المبحث الأول: التغيير فى الحركات
(البناء للفاعل والمفعول)
- المبحث الثانى: التغيير فى الصوامت
(بالزيادة)
(1/147)
________________________________________
الفصل الأول
تغيير بنية الأفعال

يتناول هذا الفصل التغيير الذي لحق بنية الأفعال، وقد قسمته إلى مبحثين، يتناول المبحث الأول: التغيير في الحركات، وما ينجم عنه من أثر في المبنى والمعنى. وتناولت في المبحث الثاني: التغيير الذي يحدث في الصوامت (بالزيادة) وما ينجم عنه من تغير في المبنى والمعنى.
(1/148)
________________________________________
المبحث الأول
التغيير في الحركات
(البناء للفاعل والمفعول)
يرصد هذا المبحث القراءة القرآنية التي حدث للفعل الوارد فيها تغيير في حركته، من خلال تحويله من فعل مبني للمعلوم إلى فعل مبني للمجهول وقد تعددت المواضع التي تردد الفعل فيها بين البناء للفاعل والبناء للمفعول في القراءات القرآنية، بحيث أصبحت تشكل ظاهرة تفرض نفسها على الدَّرْسِ اللغوي، فقد بلغ عدد مرات ورودها في القراءات العشر المتواترة فقط اثنين وسبعين موضعا، منها أربعة وعشرون موضعا بصيغة الماضي، وثمانية وأربعون بصيغة المضارع، فضلا عن القراءات الشواذ. أما معجم التاج فلم يذكر من قراءات هذه الظاهرة إلا سبع عشرة قراءة منها خمس من القراءات العشر، واثنتا عشرة من القراءات الشاذة.
وقد استشهد الزبيدي في مواضع متفرقة من التاج باثنتي عشرة آية من الآيات التي تردد الفعل فيها بين المبني للفاعل والمبني للمفعول في القراءات العشر المتواترة.
وأما القراءات التي تناولها الزبيدي وعرض فيها القراءة المقابلة فهي:
• (أُظْلِمَ): قراءة في قوله تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} (1).
[التاج: ظلم].
دلل الزبيدي على تعدي الفعل (أَظْلَمَ): بقراءة ابن قطيب: {أُظْلِمَ} (2) بالبناء للمفعول؛ لأن الأصل في الفعل المبني للمفعول أن يكون متعديا. وقراءة البناء للفاعل "أَظْلَمَ" تدل على لزومه. وقد شغلت فكرة التعدي واللزوم الزبيدي بحيث تتبعها في العديد من المصادر المتنوعة، حيث يقول: "قال شَيخُنا: فهو لاَزِمٌ في اللُّغَتَيْن، وبذلك صَرَّحَ ابنُ مَالكٍ وغَيرُه. وفي الكَشَّاف (3): احتِمالُ أنَّه مُتَعَدٍ في
__________
(1) البقرة: 20.
(2) هي قراءة يزيد بن قطيب، والضحاك، انظر: الكشاف للزمخشري:1/ 170، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 91، ومعجم القراءات لمختار:1/ 179، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 59.
(3) 1/ 51.
(1/149)
________________________________________
قَولِهَ تَعالَى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ} بِدَليلِ قراءة يَزِيدَ بنِ قُطَيْبٍ: (أُظْلِمَ) مَجْهُولاً، وتَبِعَه البَيْضَاوِيُّ (1)، وفي بَحْرِ أبِي حَيَّان (2). المَحْفُوظُ أَنَّ أَظْلَمَ لا يَتَعَدَّى، وَجَعَلَه الزَّمخشَرِيُّ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ، قالَ شَيْخُنا (3): ولم يَتَعَرَّضْ ابنُ جِنِّي لِتِلْكَ القِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ، وجَزَمَ ابنُ الصَّلاحِ بِورُودِهِ لازِمًا ومُتَعَدِّيًا، وكأَنّه قَلَّدَ الزَّمَخْشَرِيَّ في ذلك، وأبو حَيَّانَ أعرفُ باللُّزُومِ والتَّعَدِّي. قُلتُ: وهذا الذي جَزَم به ابنُ الصَّلاح قد صَرَّحَ به الأزهَرِيُّ في التَّهْذِيب".
قال السمين: "وقرئ "أُظْلِمَ" مبنياً للمفعول، وجَعَلَهُ الزمخشريُّ دالاَّ على أنَّ أَظْلَمَ متعدٍ ... ولا دليلَ في الآيةِ لاحتمالِ أن أصلَه: وإذا أَظْلم الليلُ عليهم، فلمَّا بُنِي للمفعولِ حُذِف "الليل" وقام "عليهم" مَقَامَه" (4).
• (يُطَوَّقُونَهُ) (5): قراءة في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ} (6).
[التاج: طوق].
ذكر الزبيدي في هذه المادة قراءتين جاءتا بالبناء على المفعول هما: "يُطَوَّقُونَهُ" "يُطَيَّقُونَهُ"، القراء الأولى بواو بعد الطاء، والثانية بياء، وقد نقل الزبيدي هاتين القراءتين عن ابن جِنّي حيث قال: "وقُرِئَ شاذّاً "يُطَوَّقُونَهُ" ... أي يُجْعَلُ كالطّوْقِ في أعْناقِهم، ووزنه (يُفَعَّلُونَهُ)، وهو كقولك: يُجَشَّمُونَهُ ويُكلَّفُونَهُ. و"يُطَيَّقُونَهُ" وهي قِراءَةُ ابنِ عبّاس بخِلاف. أصلُه (يُطَيْوَقونَه) قُلِبت الواوُ ياءً كما قُلِبت في سَيّد ومَيّت، وقد يجوزُ أن يكونَ القَلْب على الُمعاقَبة، كتهوّر وتهَيَّر،
__________
(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل:1/ 41.
(2) 1/ 150.
(3) ترجم الزبيدي لشيخه فقال: " وشَيْخُنَا المرحُومُ أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّد بْن الطَّيِّب بْنِ مُحَمَّد بْنِ مُوسَى الفَاسِيّ صَاحِبُ الحَاشِيَةِ عَلَى هَذَا الكتَابِ إِمَام اللُّغَةِ والحَديث، وُلِدَ بِفَاس سنة 1110 هـ وسَمِعَ الكَثِيرَ عَنْ شُيُوخ المَغْرِبِ والمَشْرِق، وَمَاتَ بالمدينة المنوّرة سنة: 1170هـ رَحمَهُ اللهُ تَعَالى وَأَرْضَاهُ ". (تاج العروس من جواهر القاموس مادة: طيب). وفي الغالب الأعم عندما يقول الزبيدي: قال شيخنا، فإنما يقصد ابن الطيب، وقد ذكر الزبيدي (قال شيخنا) في التاج 3551 مرة.
(4) الدر المصون: 1/ 133.
(5) هي قراءة ابن عباس وعائشة (رضي الله عنهما) وسعيد بن المسيب وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأيوب السختياني وعطاء، انظر: الكشاف: 1/ 252، والمحتسب لابن جني: 1/ 118، والمحرر الوجيز: 1/ 200، والتحرير والتنوير لابن عاشور: 2/ 141.
(6) البقرة: 184.
(1/150)
________________________________________
على أنّ أبا الحسَن قد حَكَى: هار يَهِير، فهذا يؤنِّسُ أنّ ياءَ تهيّرَ وضْعٌ، وليست على المُعاقَبة، قال: ولا تحْمِلَنَّ هارَ يَهِير على الواوِ، قِياساً على ما ذهَبَ إليه الخَليل في تاهَ يَتيه، وطاحَ يَطيح، فإنّ ذلك قَليل ... ويُؤْنِّسُ كَوْنَ "يُطَيَّقُونَهُ" (يَتَفَعَّلُونَهُ) لا (يتفَيْعَلونَه) قِراءَة من قرأ: "يُطَوَّقُونَهُ" والظاهر من بعد أن يكون (يتَفَيْعَلونه) ".
ونقل الزمخشري عن ابن عباس أنه قرأ: "يُطَوَّقُونَهُ" تفعيل من الطوق إما بمعنى الطاقة أو القلادة أي يكلفونه أو يقلدونه. و"يُطَيَّقُونَهُ" وأصلها (يطيوقونه) على أنها من (فيعل) من الطوق فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء كقولهم: تَدَيَّرَ المكان وما بها ديار. ويجوز أن يكون معنى "يُطَيَّقُونَهُ" أي يصومونه جهدهم وطاقتهم ومبلغ وسعهم (1).
وقد خَرَّجَ السمين لقراءة "يُطَيَّقُونَهُ"، فقال:"وقد رَدَّ بعضً الناسِ هذه القراءةَ. وقال ابن عطية: "تشديدُ الياء في هذه اللفظةِ ضعيفٌ" (2) وإنما قالوا بِبُطْلاَنِ هذه القراءةِ لأنها عندهم من ذوات الواوِ وهو الطَّوْق، فمن أين تَجِيءُ الياءُ؟ وهذه القراءةُ ليست باطلةً ولا ضعيفةً، ولها تخريجٌ حسنُ: وهو أنَّ هذه القراءةَ ليست مِنْ (تَفَعَّل) حتى يلزمَ ما قالوه من الإشكال، وإنما هي من (تَفَيْعَل)، والأصلُ: تَطَيْوَق من الطَّوْقِ، كتَدَيَّر وتَحَيَّر من الدَّوَران، والحَوْر، والأصلُ: تَدَيْوَر وتَحَيْوَرَ، فاجتمعت الياءُ والوُاو، وسبقت إحداهما بالسكونِ فقُلِبَت الواوُ ياءً، وأُدْغِمَت الياءُ في الياءِ، فكان الأصلُ: يَتَطَيْوَقُونه، ثم أُدْغِمَ بعد القلبِ، فَمَنْ قَرَأَه "يَطَّيَّقونه" بفتح الياءِ بناه للفاعل، ومَنْ ضَمَّها بَناه للمفعول. وتَحْتَمِل قراءةُ التشديد في الواوِ أو الياءِ أن تكونَ للتكلفِ، أي: يتكلَّفون إطاقَتَه، وذلك مجاز من الطَّوْقِ الذي هو القِلاَدَةُ، كأنه بمنزلةِ القِلادَةِ في أَعْنَاقِهِم" (3).
• (فَبُهِتَ): من قوله تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} (4). [التاج: بهت].
استشهد الزبيدي بقراءة الجمهور {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} على مجيء الفعل (بُهِتَ) مبنيا للمفعول مثل: (زُهِيَ) و (عُنِيَ) على سبيل الاقتصار، وذكر أنها أفصح اللغات، لمجيء القرآن بها (5).
__________
(1) الكشاف: 1/ 252.
(2) المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي: 1/ 200.
(3) الدر المصون: 2/ 256.
(4) البقرة: 258.
(5) انظر هذه القراءات: جامع البيان: 5/ 432، والمحرر الوجيز: 1/ 341، والدر المصون للسمين: 3/ 92، وروح المعاني للألوسي: 3/ 19.
(1/151)
________________________________________
وقد علل ابن جني لبناء الفعل هنا للمفعول فقال: "فإن قيل: فما معنى هذا التطاول والإبعاد في اللفظ؟، ولم يقل: "بُهِتَ"، وإبراهيم عليه السلام هو الباهت؟!. قيل: إن الفعل إذا بني للمفعول لم يلزم أن يكون ذلك للجهل بالفاعل بل ليعلم أن الفعل قد وقع به، فيكون المعنى هذا لا ذكر الفاعل. لا ترى إلى قوله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا} (1)، وقوله: {خلق الإنسان من عجل} (2)، وهذا مع قوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} (3)، وقال سبحانه: {خلق الإنسان من علق} (4) فالغرض في نحو هذا المعروف الفاعل إذا بني للمفعول إنما هو الاخبار عن وقوع الفعل به حسب، وليس الغرض فيه ذكر من أوقعه به" (5).
• (يُغَلَّ): قراءة في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} (6). [التاج: غلل]
اعتمد الزبيدي على قراءات الآية السابقة اعتمادا كليا في شرحه للمدخلين (أَغَلَّ) و (غَلَّ). ومن المدخل (غَلَّ) تتفرع مداخل تتغاير معانيها على النحو التالي: أَغَلَّ يُغِلُّ إِغْلالاً، وحَقْلُهُ الدَّلالي الخِيَانَةُ مطلقًا. وغَلَّ يَغِلُّ غِلَّاً، وحَقْلُهُ الدَّلالي الحِقْدُ. وغَلَّ يَغُلُّ غُلُولاً، وحَقْلُهُ الدَّلالي الخِيَانَةُ في المَغْنَمِ خَاصَّةً. قال ابن السِّكِّيت: "لم نسمعْ في المَغنَمِ إلاّ غَلَّ غُلولاً" (7). وقال أبو عُبَيْدٍ: "الغُلول من المَغنَمِ خاصّةً، ولا نراه من الخيانةِ، ولا من الحِقدِ، وممّا يُبيِّنُ ذلك أنّه يقال من الخيانة: أَغَلَّ يُغِلُّ، ومن الحِقد: غَلَّ يَغِلُّ بالكَسْر، ومن الغُلول: غَلَّ يَغُلُّ بالضَّمّ".
وفي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قراءتان: إحداها: {يَغُلَّ} (8) من الثلاثي المبني للمعلوم. والأخرى: "يُغَلَّ" (9) من (أُغِلَّ) الرباعي المبني للمفعول (10).
__________
(1) النساء: 28.
(2) الأنبياء: 37.
(3) سورة ق: 16.
(4) العلق: 2.
(5) المحتسب: 1/ 135.
(6) آل عمران: 161.
(7) انظر إصلاح المنطق: 86.
(8) هي قراءةُ ابنِ كَثيرٍ، وأبي عمروٍ، وعاصمٍ، وَرَوْحٍ، وَزَيْدٍ. انظر: معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: 112، والإتحاف للدمياطي: 231.
(9) قراءة عبد الله بن مسعود، انظر: التيسير لأبي عمرو:70، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 457.
(10) انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 246، والحجة لابن خالويه: 115، والحجة لابن زنجلة: 179، والدر المصون للسمين: 4/ 230.
(1/152)
________________________________________
وقد ذكر الزبيدي أن أبا عمرو، ويونس كانا يختاران قراءة " يَغُلَّ " بالبناء للفاعل من الفعل الثلاثي (غَلَّ)، ويوضح ابن بَرِّيٍّ سبب هذا الاختيار بقوله: " قَلَّ أن تَجِدَ في كلامِ العربِ: ما كان لفلانٍ أن يُضرَبَ، على أن يكونَ الفِعلُ مَبْنِيّاً للمَفْعول، وإنّما تجدُه مبنيّاً للفاعل كقولِك: ما كان لمؤمنٍ أن يَكْذِبَ وما كان لنبيٍّ أن يَخون، وما كان لمُحْرِمٍ أن يَلْبِسَ، قال: وبهذا يُعلَمُ صِحَّةُ قراءةِ من قَرَأَ: {وَمَا كَانَ لِنَبيٍّ أَنْ يَغُلَّ} على إسنادِ الفِعلِ للفاعلِ دونَ المَفْعول".
وقد عرض الألوسي لقراءة "يُغَلَّ" فذكر أن في توجيهها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون ماضيه: أَغْلَلْتُهُ أي: نسبته إلى الغُلُولِ، كما تقول: أَكْفَرْتُهُ أي نسبته إلى الكُفْرِ قال الكُمَيْتُ (1):
وَطَائِفَةٍ قَدْ أَكْفَرَتْنِي بِحُبِّكُمُ ... وَطَائِفَةٍ قَالَتْ مُسِيءٌ وَمُذْنِبٌ
والمعنى ما صح لنبي أن يَنْسِبَهُ أَحَدٌ إلى الغُلُولِ.
وثانيها: أن يكون من أَغْلَلْتُهُ إذا وجدته غَالَّاً كقولهم: أَحْمَدْتُهُ، وأَبْخَلْتُهُ، وأَجْبَنْتُهُ بمعنى: وَجَدْتُهُ كذلك، والمعنى ما صَحَّ لِنَبِيٍّ أَنْ يُوجَدَ غَالاً.
وثالثها: أنه من (غَلَّ) إلا أن المعنى ما كان لنبي أن يَغُلَّهُ غَيرُهُ أو يَخُونَهُ ويَسْرِقَ مِنْ غَنِيمَتِهِ" (2).
• (يُورَثُ): من قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (3)، [التاج: كلل].
أحاط الغموض بكلمة "كَلالَةٍ" في قوله تعالى: {يُورَثُ كَلَالَةً} نظراً لتعدد معناها فهي تعني الموروث: المال، أو الميت، كما تدل أيضا على الوارث. والمعنيان جائزان على قراءة "يُورَثُ" بالبناء للمفعول؛ لذلك اختار البصريون أن تكون الكلالة اسما للموروث، وعليه جاء التفسير في الآية: إن الكلالة الذي لم
__________
(1) هذا البيت من إحدى قصائده الهاشميّات، وهي من "الطويل" ومطلعها: (طَرِبْتُ وَمَا شَوْقَاً إِلى الْبِيضِ أَطْرَبُ ... وَلا لَعِبَاً مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ)، انظر خزانة الأدب للبغدادي: 2/ 60.
(2) روح المعاني: 4/ 110.
(3) النساء: 12.
(1/153)
________________________________________
يُخَلِّفْ ولداً ولا والداً. ولكن الكوفيين خالفوهم الرأي، ورأوا أن الكلالة اسم للوارث، وكان لقراءة الفعل بالبناء للفاعل {يُورِثُ} (1)، و {يُوَرِّثُ} (2) دورها الإيجابي في ترجيح هذا الوجه عندهم؛ لأن الكلالة على ظاهر هذه القراءة هم ورثة الميت وهم الأخوة للأم. وهذه المسألة لما اكتنفها من غموض قد أَوْجَدَتْ لنفسها مكانا واسع الانتشار في كتب اللغة (3) والتفسير (4)، وما وُجِدَ مِنْ كَثْرَةِ النُّقُولِ التي حَشَدَهَا الزبيدي في تاجه أكبر دليل على ذلك. وقد كان لتحول بناء الفعل من المعلوم إلى المجهول أثره في التفسير والحكم الفقهي كما مر.
• (أُحْصِنَّ): من قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (5)، [التاج: حصن].
تناول الزبيدي في المادة السابقة قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}، وقد قرئ الفعل (أَحْصَنَ) مسندا إلى نون النسوة، مرة بصيغة البناء للفاعل (أَحْصَنَّ) (6)، ومرة أخرى مبنيا للمفعول (أُحْصِنَّ) (7) وقد تغيرت دلالة الفعل مع تغير القراءة، فالفعل في حالة بنائه للمفعول معناه: تَزَوَّجْنَ. وأما في حالة بنائه للفاعل فإن معناه: أَسْلَمْنَ (8).
قال أبو زرعة: "قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر "فَإِذَا أَحْصَنَّ" بفتح الألف والصاد أي أسلمن، ويقال: عففن كذا جاء في التفسير، يسندون الإحصان إليهن،
__________
(1) "يُورِثُ" مخففا، للحسن، انظر المحتسب: 1/ 182،183.
(2) و"يُوَرِّثُ" مشددا قراءة عيسى بن عمر، انظر المحتسب: 1/ 182،183، والإتحاف: 238.
(3) انظر على سبيل المثال: مغني اللبيب لابن هشام: 1/ 680، والمحتسب لابن جني: 1/ 182، 183، والتبيان للعكبري: 1/ 336، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 441.
(4) انظر على سبيل المثال: جامع البيان للطبري: 8/ 53، والكشاف للزمخشري: 1/ 387، وجامع الأحكام للقرطبي: 5/ 76. والبحر المحيط لأبي حيان: 4/ 56، وروح المعاني للألوسي: 16/ 136.
(5) النساء: 25.
(6) هي قراءة أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي، انظر: السبعة لابن مجاهد: 231، والتيسير الأبي عمرو: 72، ومعجم القراءات لمختار:1/ 501.
(7) هي قراءة ابن عباس ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وعبد الله بن عامر ويعقوب حفص عن عاصم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 231، والتيسير الأبي عمرو: 72، ومعجم القراءات لمختار:1/ 501.
(8) انظر: الحجة لأبي زرعة: 196 – 189، والدر المصون: 4/ 411.
(1/154)
________________________________________
وإذا قرئ ذلك على ما لم يسم فاعله - أُحْصِنَّ - كان وجوب الحد في ظاهر اللفظ على المملوكة ذات الزوج دون الأيم، وفي إجماع الجميع على وجوب الحد على المملوكة غير ذات الزوج دليل على صحة فتحة الألف. وقرأ الباقون "فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي الأزواج جعلوهن مفعولات بإحصان أزواجهن إياهن، فتأويله: فإذا أحصنهن أزواجهن، ثم رُدَّ إلى ما لم يسم فاعله نظير قوله: "مُحْصَنَات" بمعنى أنهنَّ مفعولات، وهذا مذهب ابن عباس قال: لا تُجْلَد إذا زنت حتى تتزوج، وكان ابن مسعود يقول: إذا أسلمت وزنت جلدت، وإن لم تتزوج" (1).
وهذا الموضع من المواضع التي أدى تحول الفعل فيها من البناء للفاعل إلى البناء للمفعول إلى اختلاف في الحكم الفقهي، فابن عباس (رضي الله عنهما) يرى على قراءة البناء للمفعول أن الأَمَةَ لا تَسْتَوْجِبُ الحَدَّ ما لم تُزَوَّجْ، وبقوله يقول فقهاء الأمصار.
وقد حسم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري هذا الخلاف بأن جعلها محدودة بالسنة وليس بالقرآن فقال: "قرأه بعضهم: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) بفتح "الألف"، بمعنى: إذا أسلمن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام. وقرأه آخرون: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) بمعنى: فإذا تزوّجن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج. والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ في قراءته الصوابَ. فإن ظن ظانٌّ أنّ ما قلنا في ذلك غيرُ جائز، إذ كانتا مختلفتي المعنى، وإنما تجوز القراءةُ بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني = فقد أغفل، وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا، فغير دافع أحدُهما صاحبه؛ لأن الله قد أوجب على الأمَة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الحدَّ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زَنت أمَةُ أحدكم فَليجلدها، كتابَ الله، ولا يُثَرِّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّب عليها. ثم إن زَنت الرابعة فليضربها، كتابَ الله، وليبعها ولو بحبل من شَعَرٍ" (2).
• (يَنْفَُخُ) (3) من قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّور} (4). [التاج: صور].
__________
(1) الحجة: 198.
(2) جامع البيان: 8/ 196.
(3) القراءة بالنون والياء مع البناء للفاعل لأبي عمرو بن العلاء وابن عباس وابن بكار عن أبي عامر وابن وردان عن الكسائي، انظر: السبعة لابن مجاهد: 424، والحجة لابن زنجلة: 463، والنشر: 2/ 362.
(4) سورة الأنعام: 73.
(1/155)
________________________________________
قرأ الجمهور ببناء الفعل للمجهول، ونائب الفاعل (إسرافيل) عليه السلام. وقرأ أبو عمرو في رواية "نَنْفُخُ" بنون العظمة والبناء للفاعل، وفي أخرى "يَنْفُخُ"، وعلى الروايتين يجوز أن يكون الفاعل فيهما هو (عالم الغيب).
قال القرطبي: "وقد روي عن بعضهم أنه قرأ "يَنْفُخُ" فيجوز أن يكون الفاعل" عالم الغيب"؛ لأنه إذا كان النفخ فيه بأمر الله - عز وجل - كان منسوبا إلى الله تعالى. ويجوز أن يكون ارتفع (عالم) حملا على المعنى" (1).
وقال السمين: "قرأ أبو عمروٍ: "نَنْفُخُ" مبنياً للفاعل بنونِ العظمة، أُسْنِدَ الفعلُ إلى الآمِر به تعظيماً للمأمورِ، وهو المَلَكُ إسرافيل. والباقون بالياءِ مضمومةً مفتوحَ الفاءِ على البناءِ للمفعول. والقائمُ مقامَ الفاعل الجارُّ والمجرورُ بعدَه" (2).
وقال ابن خالويه: "إجماع القراء فيه على الياء وضمها على ما لم يسم فاعله إلا ما اختاره أبو عمرو من النون وفتحها، وله في ذلك وجهان:
أحدهما: أنه أتى بالنون في ننفخ ليوافق به لفظ "نحشر" فيكون الكلام من وجه واحد.
والثاني: أن النافخ في الصور وإن كان (إسرافيل) فإن الله - عز وجل - هو الآمر له بذلك والمقدر والخالق له فنسب الفعل إليه لهذه المعاني ودليله قوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} والمُتَوَفِّي لها مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام (3).
• (يُضَاعِفْ) (4) من قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (5). [التاج: ضعف]
قال القرطبي: وقرأت فرقة: "يُضَاعِفْ" بكسر العين على إسناد الفعل إلى الله تعالى. وقرأ أبو عمرو فيما روى خارجة "نُضَاعِفْ" بالنون المضمومة ونصب "العذاب" وهذه قراءة أبن محيصن " (6).
__________
(1) جامع الأحكام: 11/ 244.
(2) الدر المصون: 10/ 253.
(3) الحجة: 247، وانظر الحجة لأبي زرعة: 463.
(4) هذه قراءة محبوب عن أبي عمرو بياء الغيبة وإسناد الفعل لله تعالى، انظر: الكشاف للزمخشري: 4/ 478، جامع الأحكام للقرطبي: 14/ 176، والدر المصون للسمين: 3/ 48، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 277.
(5) الأحزاب: 30.
(6) جامع الأحكام: 14/ 176.
(1/156)
________________________________________
وقال السمين: "وقد تقدَّم أنه قرئ "يُضاعِفُ"، و"يُضَعِّفُ" فقيل: هما بمعنىً، وتكونُ المفاعلَةُ بمعنى فَعَل المجرد، نحو: عاقَبْت، وقيل: بل هما مختلفان، فقيل: إنَّ المضعَّفَ للتكثير. وقيل: إنَّ "يُضَعِّف" لِما جُعِلَ مثلين، و"ضاعَفَه" لِما زيد عليه أكثرُ من ذلك (1).
• (يَنْقُصُ) (2) قراءة في قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3).
قال القرطبي: قراءة العامة "يُنْقَصُ" بضم الياء وفتح القاف، وقرأت فرقةٌ منهم يعقوب "يَنْقُصُ" بفتح الياء وضم القاف، أي لا ينقص من عمره شيء. يقال، نقص الشيء بنفسه ونقصه غيره، وزاد بنفسه وزاده غيره، متعد ولازم " (4).
وقال السمين: وقرأ يعقوبُ وسلام - وتُرْوى عن أبي عمروٍ - "ولا يَنْقُصُ" مبنياً للفاعلِ (5).
• (يُخْرَجُ) (6) قراءة في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (7). [التاج: مرج].
وقال أبو زرعة: قرأ نافع وأبو عمرو: "يُخْرَجُ مِنْهُمَا" بضم الياء، وقرأ الباقون بالنصب. من قال "يُخْرَجُ" بالضم كان قوله بينا لأن ذلك إنما يُخْرَجُ ولا يَخْرُجُ بنفسه فهما يستخرجان، وحجته قوله: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً} فهي مفعولة
__________
(1) الدر المصون: 3/ 48.
(2) هي قراءة عبد الوارث وهارون كلاهما عن أبي عمرو، والحسن وابن سيرين، وروح وزيد ورويس عن يعقوب، وسلام، والمطوعي وقتادة والجعفي عن حمزة، انظر: الكشاف للزمخشري: 3/ 604، مختصر ابن خالويه: 123، والإتحاف للدمياطي: 261، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 418.
(3) فاطر: 11.
(4) جامع الأحكام: 14/ 334.
(5) الدر المصون: 12/ 123.
(6) القراءة بالبناء للفاعل لنافع وأبي جعفر وأبي عمرو واليزيدي ويعقوب وسهل، انظر: السبعة لابن مجاهد: 619، والحجة لابن خالويه: 339، ومعالم التنزيل للبغوي: 7/ 445، وجامع الأحكام للقرطبي: 17/ 163، والنشر لابن الجزري: 2/ 420، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 256.
(7) الرحمن: 22.
(1/157)
________________________________________
لا فاعلة. ومن قرأ:"يَخْرُجُ" جعل الفعل للؤلؤ والمرجان وهو اتساع لأنه إذا أُخْرِجَ ذلك خَرَجَ (1).
وقال السمين: قرأ نافع وأبو عمرو "يُخْرَج" مبنياً للمفعول. والباقون مبنياً للفاعل على المجاز (2).
__________
(1) الحجة: 691.
(2) الدر المصون: 13/ 268.
(1/158)
________________________________________
المبحث الثاني
التغيير فى الصوامت (بالزيادة)
يتناول هذا المبحث الأفعال التي تحولت من مجردة إلى مزيدة بحرف أو أكثر، ويبين ما ترتب على هذه الزيادة من تغير في المعنى أو عدمه، وذلك من خلال ما ورد في التاج، وما قرره المفسرون واللغويون.
وسوف يتخذ الدارس من حروف الزيادة أساسا لتصنيف مادة هذا المبحث كما يلي:
أولا: الثلاثي المزيد بحرف:
(أ) زيادة (فَعَلَ) بالتضعيف: (فَعَّلَ).
(ب) زيادة (فَعَلَ) بالهمزة: (أَفْعَلَ).
(ج) زيادة (فَعَلَ) بالألف: (فَاعَلَ).
ثانيا: الثلاثي المزيد بحرفين:
(أ) زيادة (فَعَلَ) بالتاء والتضعيف: (تَفَعَّلَ).
(ب) زيادة (فَعَلَ) بالهمزة والتاء: (افْتَعَلَ).
(ج) زيادة (فَعَلَ) بالتاء والألف: (تَفَاعَلَ).
ثالثا: التبادل بين: (فَعَّلَ) و (فَاعَلَ).
رابعا: التبادل بين: (أَفْعَلَ) و (فَعَّلَ).
(1/159)
________________________________________
أولا: الثلاثي المزيد بحرف:
(أ) زيادة (فَعَلَ) بالتضعيف: (فَعَّلَ).
• (يَذْبَحُونَ): قراءة في قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} (1). [التاج: ذبح].
يأتي الفعل على زنة (فَعَّلَ) ليفيد التكثير، وقد يأتي مخففا ويفيد أيضا معنى التكثير؛ لأن المعنى لا يؤخذ من لفظ الفعل وحده، وإنما من السياق الذي وضع فيه هذا الفعل، ومن دلالات أخرى يدل عليها، كدلالة الفعل على مصدره؛ لذلك يذكر الزبيدي أن: ذَبَّحَهُ: كَذَبَحَهُ، أي أن الفعل المخفف قد يستخدم في موضع الفعل المشدد ويؤدي معناه؛ لأنه وضع في الأصل ليدل على القليل والكثير.
وليدلل الزبيدي على صحة هذا المعنى يستشهد بقراءة الزُّهْرِيِّ وابن محيصن حيث قرآ بـ "يَذْبَحُونَ" مخففا (2) في قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ}، فالقراءة استخدمت الفعل المخفف في موضع الفعل المشدد والمعنى واحد. وليزيد هذا المعنى وضوحا ينقل عن أبي إسحاق الزجاج قوله: "القراءة المُجْمعُ عليها بالتَّشديد، والتخفيف شاذٌّ، والتَّشديد أَبلغُ؛ لأَنه للتّكثير و (يَذْبَحون) يَصلُح أَن يكون للقليل والكثيرِ، ومعنى التكثيرِ أَبلغُ ".
وقد أدرك أبو الفتح عثمان بن جني ذلك فقال في تعليقه على هذه القراءة: " (فَعَلْتَ) بالتخفيف قد يكون فيه معنى التكثير؛ وذلك لدلالة الفعل على مصدره، والمصدر اسم الجنس، وحسبك بالجنس سعة وعموما" (3).
• (يُمَيِّزَ): قراءة في قوله تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (4).
[التاج: ميز].
ذكر الزبيدي أن الأفعال: ماز، وأماز، ومَيَّزَ، تأتي بمعنى واحد، وقد استدل على ذلك بالقراءات الواردة في قوله تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} حيث قرئ "يَمِيزَ" مخففا من (ماز)، كما قرئ "يُمَيِّزَ" مشددا من (مَيَّزَ)، والمعنى واحد.
__________
(1) البقرة: 49.
(2) انظر: الجامع للطبري: 1/ 385، والكشاف للزمخشري: 1/ 89، والبحر المحيط لأبي حيان: 1/ 246، وروح المعاني للألوسي: 1/ 307.
(3) المحتسب: 1/ 81.
(4) آل عمران: 179.
(1/160)
________________________________________
وقال السَّمِين في تخريج القراءتين السابقتين: "قرأ حمزة والكسائي: "يُمَيِّز" (1) بالتشديد، والباقون بالتخفيف. وعن ابن كثير أيضاً "يُمِيزَ" من أماز، فهذه ثلاث لغات يقال: مازَه ومَيَّزه وأمازه. والتشديد والهمزة ليسا للنقل، لأنَّ الفعل قبلهما متعدٍ، وإنما (فَعَّل) بالتشديد و (أَفْعَل) بمعنى المجرد، وهل ماز ومَيّز بمعنى واحد أو بمعنيين مختلفين؟ قولان. ثم القائلون بالفرق اختلفوا فقال بعضهم: لا يقال: "مازا" إلا في كثير من كثير، فأما واحد من واحد فَمَيَّزت؛ ولذلك قال أبو معاذ: يقال: "مَيَّزْتُ بين الشيئين ومِزْتُ بين الأشياء". وقال بعضُهم عكسَ هذا: مِزْتُ بين الشيئين ومَيِّزْتُ بني الأشياءِ، وهذا هو القياسُ، فإنَّ التضعيفَ يُؤْذِنُ بالتكثير وهو لائقٌ بالمتعددات. ورجَّح بعضُهم "مَيَّز" بالتشديد بأنه أكثر استعمالاً، ولذلك لم يُسْتعمل المصدرُ إلا منه فقالوا: التمييز، ولم يقولوا: "المَيْز" يعني لم يقولوه سماعاً وإلا فهو جائز قياساً" (2).
• (عَقَّدَتْ): قراءة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (3). [التاج: عقد]
ذكر الزبيدي قراءة "عَقَّدَتْ" (4) بغرض الاستدلال على أن الفعلين: عَقَدَ، وعَقَّدَ، يأتيان بمعنى واحد وهو توكيد العهد وتغليظه. قال صاحب الكشاف: "وقرىء (عقدت) بالتشديد والتخفيف بمعنى: عقدت عهودَهم أيمانُكم" (5). وهذا المعنى مجازي وليس حقيقيا. مع الأخذ في الاعتبار أن التوحد في المعنى هنا ليس كاملا إذ توجد اختلافات بين هذين الفعلين في الدرجة (6)، على اعتبار أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
• (خَرَّقُوا): قراءة في قوله تعالى: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} (7).
[التاج: خرق].
__________
(1) انظر: معاني القراءات للأزهري:114، والتبيان للعكبري: 1/ 314، والإتحاف للدمياطي:232،233.
(2) الدر المصون: 4/ 273.
(3) النساء: 33.
(4) هي قراءة حمزة والمطوعي، انظر: الدر المصون: 5/ 450، وروح المعاني: 5/ 22، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 505.
(5) الزمخشري: 1/ 536.
(6) انظر: وروح المعاني: 5/ 22، والدر المصون: 5/ 450.
(7) الأنعام: 100.
(1/161)
________________________________________
ذكر الزبيدي أن من المَجاز: التَّخْرِيقُ: المُبالَغَةُ في الخرْقِ أَي: كَثرَة الكَذِبِ. والتخريق مصدر خَرَّقَ، وقد استشهد الزبيدي بقراءة أبي جعفر ونافع حيث قرآ: {وَخَرَّقُوا} (1) بالتَّشدِيدِ.
قال السمين: قرأ الجمهور "خَرَقُوا" بتخفيف الراء ونافع بتشديدها ... والتخفيف في قراءة الجماعة بمعنى الاختلاق. قال الفراء: "يقال خلق الإِفك وخَرَقه واختلقه وافتراه وافتعله وخَرَصَه بمعنى كَذَب فيه" (2)، والتشديد للتكثير لأن القائلين بذلك خلق كثير وجمٌّ غفير، وقيل: هما لغتان، والتخفيف هو الأصل " (3). وقال ابن عاشور: "وقراءة نافع تفيد المبالغة في الفعل؛ لِأَنَّ التَّفْعِيلَ يَدُلُّ على قوّة حصول الفعل" (4).
• (أَمَّرْنَا): قراءة في قوله تعالى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} (5). [التاج: أمر].
ذكر الزبيدي أن أَكثر القراءِ على "أَمَرْنَا" مخففة. ورُوِيَ عن أَبي عَمْرٍو وابنِ كَثِيرٍ وأَبي العالِيَةِ: "أَمَّرْنَا" (6) بالتَّشدِيد، قال الفَرْاءِ (7): مَنْ قرأَ: "أَمَرْنَا" خَفِيفَةً فَسَّرها بعضُهُم أَمَرنا مُترفِيها بالطّاعَة ففسقُوا فيها؛ لأَن المُتْرَفَ إِذا أُمِرَ بالطَّاعَة خالَفَ إِلى الفِسْق، قال: وهو موافِقٌ لتفسِيرِ ابنِ عَبّاس، وذلك أَنّه قال: سَلَّطْنَا رُؤَساءَهَا فَفَسَقُوا.
وقد قصر ابن جني قراءة التضعيف على معنى المبالغة والزيادة في العدد أو الإمارة فقال: "وأما "أمَّرْنَا" فقد يكون منقولا من: أَمِرَ القوم أي كَثُرُوا، كعَلِمَ وعَلَّمْتُهُ، وسَلِمَ وسَلَّمْتُهُ. وقد يكون منقولا من: أَمَرَ الرجلُ، إذا صار أميرا، وأَمَرَ علينا فلان إذا وَلِيَ. وإن شئت كان "أمَّرْنَا" كَثَّرْنَا، وإن شئت كان من الأَمْرِ والإِمَارَةِ" (8).
__________
(1) انظر: السبعة لابن مجاهد: 264، والحجة لابن زنجلة: 264، والبحر المحيط: 5/ 221، والنشر: 2/ 261، والإتحاف: 381، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 119.
(2) معاني القرآن: 1/ 348.
(3) الدر المصون: 6/ 362.
(4) التحرير والتنوير: 7/ 407.
(5) الإسراء:16.
(6) انظر: السبعة لابن مجاهد: 379، والنشر: 2/ 306، والإتحاف: 502، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 51.
(7) انظر معاني القرآن: 2/ 119.
(8) المحتسب: 2/ 17.
(1/162)
________________________________________
ويوافق السَّمِينُ ابن جني في معنى جعلناهم أُمَراءَ، ويخالفه في أنه رأى التشديد للتعدية فقال: "أمَّرْنَا" بالتشديد فيه وجهان، أحدهما: أنَّ التضعيفَ للتعديةِ، عدَّاه تارةً بالهمزة وأخرى بتضعيفِ العين، كأَخْرَجْته وخَرَّجته. والثاني: أنه بمعنى جعلناهم أُمَراءَ، واللازمُ من ذلك "أُمِّر". قال الفارسيُّ، "لا وجهَ لكون "أَمَّرْنَا" من الإمارة؛ لأنَّ رئاستَهم لا تكونُ إلاَّ لواحدٍ بَعْدَ واحدٍ، والإهلاكُ إنما يكون في مُدَّة واحدة". وقد رُدَّ على الفارسي: بأنَّا لا نُسَلِّم أن الأميرَ هو المَلِك حتى يَلْزَمَ ما قلت، لأنَّ الأمير عند العرب مَنْ يَأْمُرُ ويُؤْتَمَرُ به. ولَئِنْ سُلِّم ذلك لا يلزم ما قال؛ لأنَّ المُتْرَفَ إذا مَلَكَ فَفَسَق ثم آخرَ بعده فَفَسَق، ثم كذلك كَثُر الفسادُ، ونزل بهم على الآخِر مِنْ ملوكهم" (1).
) ?فَرَّقْنَاهُ): قراءة في قوله تعالى: {وَقُرْآنَاً فَرَقْنَاهُ} (2).
• (فَرَّقْنَا): قراءة في قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ} (3).
) ?فَرَقُوا): قراءة في قوله تعالى: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعَاً} (4).
[التاج: فرق]
في أثناء تعديد معاني الفَرْقِ استشهد الزبيدي بقوله تعالى: {وَقُرْآنَاً فَرَقْنَاهُ} على أن الفَرْقَ: هو الفصل بين الأشياء بغرض الإحكام والتبيين، وبقراءة ابن عباس وأُبَيٍّ بن كعب لنفس الآية "فَرَّقْنَاهُ" (5) مشدداً، من (فَرَّقَ) وهو أيضا فَصْلٌ ولكن بزمن، بمعنى أنزلناه مفرقا ومنجما، ليسهل على الناس العمل به.
قال السمين: والعامَّةُ "فَرَقْناه" بالتخفيف، أي: بَيَّنَا حلالَه وحرامَه، أو فَرَقْنا فيه بين الحق والباطل. وقرأ علي بن أبي طالب - كرَّم اللهُ وجهَه - وأُبَيُّ وعبدُ الله وابنُ عباس والشعبي وقتادة وحميد في آخرين بالتشديد. وفيه وجهان:
أحدُهما: أنَّ التضعيفَ فيه للتكثير، أى: فَرَّقْنا آياتِه بين أمرٍ ونهي وحِكَمٍ وأحكامٍ ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار ماضيةٍ ومستقبلةٍ.
والثاني: أنه دالٌّ على التفريق والتنجيم.
__________
(1) الدر المصون: 9/ 332.
(2) الإسراء: 106.
(3) البقرة: 50.
(4) الأنعام: 159.
(5) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 133، ومعالم التنزيل للبغوي: 5/ 135، والجامع للقرطبي: 1/ 387، والإتحاف: 510، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 80،
(1/163)
________________________________________
قال الزمخشري: "وعن ابن عباس أنه قرأ مشدَّداً، وقال: لم يَنْزِلْ في يومين ولا في ثلاثةٍ، بل كان بين أولِه وآخره عشرون سنةً، يعني أنَّ "فَرَقَ" بالتخفيف يدلُّ على فصلٍ متقاربٍ" (1) " (2).
وفي ذات المعنى استشهد الزبيدي بقوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ} (3) مخففا، وقراءة الزُّهْرِيِّ والأخفش: "فَرَّقْنَا" (4) مشدًا، مبالغة في الفَرْقِ. وهذه المبالغة وضح الزمخشري مناسبتها للمقام فيقول "فَرَقْنَا" فصلنا بين بعضه وبعض، حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ: "فَرَّقْنَا"، بمعنى فصلنا. يقال: فَرَقَ بين الشيئين، وفَرَّقَ بين الأشياء؛ لأن المسالك كانت اثني عشر على عدد الأسباط" (5).
وقرر ابن عاشور المعنى السابق ولكنه يضيف أن فَرَّقَ بالتشديد فيه علاج ومحاولة فيقول: "و"فَرَقْنَا" و"فَرَّقْنَا" بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد، إذ التشديد يفيده تعدية، ومعناه الفصل بين أجزاء شيء متصل الأجزاء، غير أن (فَرَّقَ) يدل على شدة التفرقة، وذلك إذا كانت الأجزاء المفرقة أشد اتصالاً، وقد قيل إن (فَرَّقَ) للأجسام، و (فَرَقَ) للمعاني، نقله القرافي عن بعض مشايخه، وهو غير تام ... فالوجه أن فَرَّقَ بالتشديد لما فيه علاج ومحاولة، وأن المخفف والمشدد كليهما حقيقة في فصل الأجسام، وأما في فصل المعاني الملتبسة فمجاز. وقد اتفقت القراءات المتواترة العشر على قراءة (فَرَقْنَا) بالتخفيف، والتخفيف منظور فيه إلى عظيم قدرة الله تعالى، فكان ذلك الفرق الشديد خفيفاً " (6).
ويذكر الزبيدي أيضا - أثناء تناوله لمعنى التفريق - قوله تعالى: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعَاً} (7) من التفريق، أي جعلوه أَبْعَاضَاً وخَالَفُوا بين هذه الأَبْعَاضِ، وقرئ "فَرَقُوا" مخففا (8)، من الفَرْقِ، أي: مازوه عن سائر الأديان.
__________
(1) الكشاف: 2/ 699.
(2) الدر المصون: 10/ 5.
(3) البقرة: 50.
(4) انظر: المحتسب: 1/ 82، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 199.
(5) الكشاف: 1/ 138.
(6) التحرير والتنوير: 2/ 206.
(7) الأنعام: 159.
(8) هي قراءة الأعمش، وإبراهيم، وأبو صالح، والنخعي، انظر: الدر المصون: 7/ 59، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 154.
(1/164)
________________________________________
وفي هذا الموضع ينقل الزبيدي عن ابن جني كلاما طويلا مؤداه أن الفعل المخفف قد يؤدي معنى الفعل المشدد "ووجهُ هذا أنّ الفِعلَ عندنا موضوعٌ على اغْتِراقِ جِنْسِه ألا ترى أنّ معْنى: قامَ زيدٌ: كان منه القِيام وقعَدَ: كان منه القُعود. والقيامُ - كما نعلم - والقُعودُ جِنسان فالفعلُ إذنْ على اغتِراقِ جنسِه يدُلُّ على ذلك عملُه عندَنا في جميع أجزاءِ ذلِك الجِنْسِ من مُفردِه ومُثنّاه ومجموعِه ونَكِرته ومَعرِفته وما كان في معْناه" (1).
• (نَقَبُوا): قراءة في قوله تعالى: {فَنَقَّبُوا فِي البِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} (2).
[التاج: نقب].
ذكر الزبيدي أن الأفعال: نَقَبَ، وأَنْقَبَ، ونَقَّبَ كلها بمعنى واحد: ذهب في الأرض، إلا أن ابن الأعرابي جعل (نَقَّبَ) لمن ذهب في الأرض هربا. وقد استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في قوله تعالى: {فَنَقَّبُوا فِي البِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} على معناه، حيث قرئت الآية "نَقَّبُوا" (3) (فَعَّلُوا) بصيغة الماضي المشدد، وهي قراءة الجمهور، وقرئت "نَقَبُوا" (فَعَلُوا) بصيغة الماضي المخفف.
وإن كانت الأفعال مشتركة في المعنى إلا أنها مختلفة في قدر ذلك المعنى، وقد نبه الزبيدي إلى ذلك بجعله (نَقَّبَ) المضعف خاص بالهارب؛ لأنه يجد في الذهاب. قال ابن خالويه: "فنقبوا في البلاد" يقرأ بالتشديد والتخفيف فالحجة لمن شدد أنه دل بذلك على مداومة الفعل وتكراره، والحجة لمن خفف أنه أراد المرة الواحدة، وأصله التطواف في البلاد" (4).
• (وَدَعَكَ): قراءة في قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} (5). [التاج: ودع].
ساق الزبيدي الآية السابقة ليدلل على أن (وَدَّعَكَ) المشدد استخدم في معنى {وَدَعَكَ} (6) المخفف. وهذه المسألة – أعني استخدام الفعل (وَدَعَ) مخففًا –
__________
(1) المحتسب: 1/ 238.
(2) سورة ق: 36.
(3) قراءة التخفيف رواية عن أبي عمرو، وقراءة التشديد قراءة الجمهور، انظر: السبعة لابن مجاهد: 607، والدر المصون:13/ 169، والإتحاف: 710، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 476، 477.
(4) الحجة: 332.
(5) الضحى: 3.
(6) وهي قِرَاءَةُ عُرْوَةَ ومُقَاتِلٍ وأبي حَيْوَةَ وأبي البَرَهْسَمِ وابنُ أبي عَبْلَةَ ويَزِيدُ النَّحْوِيُّ، انظر: المحتسب لابن جني: 2/ 364.
(1/165)
________________________________________
ترددت كثيرا في كتب النحاة (1)، وكان إمامهم في ذلك سيبويه عندما قال: " وأما استغناؤهم بالشيء عن الشيء فإنّهم يقولون يَدَعُ ولا يقولون وَدَع استغنوا عنها بتَرَكَ" (2) والواضح أن مقولة سيبويه هذه قد تبناها النحويون كَالْمُسَلَّمَةِ، حتى قيل بموت ماضي هذا الفعل إلا أن قلة من اللغويين، رفضوا مبدأ الإماتة، وأقروا مبدأ قلة الاستخدام، وحملوا مبدأ الإماتة عليه، منهم الليث وابن الأثير. واستطاع الزبيدي أن يلخص هذه المسألة عن طريق بعض النقول فقال: " قال شَيْخُنَا عِنْدَ قَوْلهِ: {وقدْ أُمِيتَ ماضِيهِ} قلتُ: هي عِبَارَةُ أئِمَّةِ الصَّرْفِ قاطِبَةً، وأكْثَرُ أهْلِ اللُّغَةِ، ويُنَافِيه ما يَأْتِي بأثَرِهِ، منْ وُقُوعِه في الشِّعْرِ، ووُقُوعِ القَراءَةِ، فإذا ثَبَتَ وُرُودُه ولو قَلِيلاً، فكَيْفَ يُدَّعَى فيهِ الإماتَة؟. قلت: وهذا بعَيْنِه نَصُّ اللَّيثِ فإنّه قالَ: وزَعَمَتِ النَّحْوِيَّةُ أنَّ العَرَبَ أماتُوا مَصْدَرَ يَدَعُ، ويَذَرُ واسْتَغْنَوا عنْهُ بتَرْكٍ، والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أفْصَحُ العَرَبِ، وقد رُوِيَتْ عَنْهُ هذهِ الكَلِمَةُ. قالَ ابنُ الأثِيرِ: وإنّمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُم على قِلَّةِ استِعْمَالِهِ، فهُوَ شاذٌّ في الاسْتِعْمَالِ، صَحِيحٌ في القِيَاسِ، وقد جاءَ في غَيْرِ حديثٍ، حتى قُرِئَ بهِ قولُه تعالى: {مَا وَدَّعَكَ}.
(ب) زيادة (فَعَلَ) بالهمزة: (أَفْعَلَ).
• (نُنْسِخْ): قراءة في قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (3). [التاج: نسخ].
قال الزبيدي:"قرأَ ابن عامرٍ {مَا نُنْسِخْ مِنْ آيَةٍ} بضمّ النّون من (أَنْسَخَ) رُباعيّاً. قال أَبو عليّ الفارسيّ: الهَمْزَة للوجُود كأَحْمَدْتُه: وجَدْتُه: مَحموداً (4). وقال الزمخشَريّ: الهَمْزَة للتعدية". وذكر البغوي أن الهمزة يجوز أن تكون للجعل، والمعنى: نجعله نسخة له (5).
__________
(1) انظر: الخصائص لابن جني: 1/ 99،266،296، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري: 2/ 485، وهمع الهوامع للسيوطي: 1/ 425،435 والأصول في النحو لابن السراج: 1/ 57.
(2) الكتاب: 1/ 25.
(3) البقرة: 106.
(4) وانظر هذا المعنى في: الحجة لأبي زرعة: 109، والجامع للقرطبي: 2/ 67، والبحر المحيط لأبي حيان: 1/ 294.
(5) انظر معالم التنزيل: 1/ 134.
(1/166)
________________________________________
وقال السمين:"قرأ ابنُ عامر: "نُنْسِخْ" بضمِّ النونِ وكسر السينِ من (أَنْسَخَ) قال أبو حاتم: "هو غلطٌ" وهذه جرأةٌ منه على عادَتِه، وقال أبو عليّ (1): ليسَتْ لغةٌ لأنه لا يُقال: نَسَخَ وأَنْسخ بمعنىً، ولا هي للتعديةِ؛ لأنَّ المعنى يجيءُ الأمرُ كذلكَ، فلم يبقَ إلا أَنْ يكونَ المعنى: ما نَجِدْه منسوخاً إلا بأَنْ يَنْسَخَه، فتتفقُ القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ"، فالهمزةُ عنده ليست للتعديةِ. وجَعَلَ الزمخشري (2) وابنُ عطية (3) الهمزةَ للتعديةِ، إلا أنهما اختلفا في تقدير المفعولِ الأولِ المحذوفِ وفي معنى الإِنساخ، فَجَعَل الزمخشري المفعولَ المحذوفَ جبريلَ عليه السلام، والإِنساخَ هو الأمرَ بنَسْخِها أي: الإِعلامُ به، وجَعَلَ ابنُ عطية المفعولَ ضميرَ النبي عليهِ السلام، والإِنساخَ إباحةَ النَّسْخ لنبيِّه، كأنه لَمَّا نَسَخَها أباحَ لَه تَرْكَها، فَسَمَّى تلك الإِباحة إنساخاً " (4).
• (تَنْسَهَا) (5): قراءة في قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (6).
قال الزبيدي:"عامَّة القُرَّاء يَجْعلُونَه مِن النِّسْيان، والنِّسْيانُ هنا على وَجْهَيْن: أَحَدُهما على التَّرْك المَعْنى نَتْرُكُها فلا نَنْسَخها ومنه قولهُ تعالى: "ولا تَنْسَوا الفَضْلَ بَيْنكم"؛ والوَجْه الآخَرْ: مِن النِّسْيان الذي يُنْسَى.
وقال الزجَّاج (7): وقولُ أَهْل اللغَةِ في قولهِ "أَو نُنْسِها" على وَجْهَيْنِ: يكونُ مِن النِّسْيان واحْتَجُوا بقولهِ تعالى: {سَنُقْرِئك فلا تَنْسَى إلا ما شاءَ الله} (8)، فقد أَعْلَم الله أَنَّه يَشاءُ أَن يَنْسَى، قالَ: وهذا القولُ عنْدِي غيْرُ جائِزٍ؛ لأنَّ الله تعالى قد أَخْبَر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في قولِه: {ولئِنْ شِئْنا لنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنا} (9)، أنَّه لا يَشاءُ أَن يَذْهَبَ بما أَوْحَى به إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ وقولهُ: "فلا تَنْسى"، أَي فلسْتَ تَتْرُك إلاَّ ما شاءَ الله أَن يَتْرُك قالَ: ويجوزُ أَن يكونَ إلاَّ ما شاءَ الله ممَّا يَلْحَق بالبَشَرِيَّة ثم
__________
(1) انظر الحجة للقراء السبعة: 2/ 186.
(2) انظر الكشاف: 1/ 178.
(3) انظر المحرر الوجيز: 1/ 179.
(4) الدر المصون: 2/ 41.
(5) هي قراءة أبي بن كعب، انظر: السبعة لابن مجاهد: 168، والتيسير لأبي عمرو: 62، والحجة لأبي زرعة: 110، والدر المصون: 2/ 40، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 171، ومعجم القراءات لمختار:1/ 243.
(6) البقرة: 106.
(7) انظر معاني القرآن: 1/ 189.
(8) الأعلى: 6، 7.
(9) الإسراء: 86.
(1/167)
________________________________________
يَذْكُر بعْدُ ليسَ أنَّه على طرِيقِ السّلْب للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أُوتِيَه مِن الحِكْمةِ، قالَ: وقيل في قولهِ تعالى: {"أَو نُنْسِها} قولٌ آخَرُ، وهو خَطَأٌ أَيْضاً، ونَتْرُكُهَا، وهذا إنَّما يقالُ فيه نَسِيتُ إذا تَرَكْت، ولا يقالُ أُنْسِيتُ تَرَكْت، قالَ: وإنَّما مَعْنى أَو نُنْسِها أَي نَأْمُرْكُم بتَرْكِها". [التاج: نسي]
وقال أبو زرعة في الاحتجاج للقراءتين السابقتين: "أما قراءة أُبَيِّ بن كعب "أَوْ نُنْسِهَا" بضم النون، فمعناها: ننسك نحن يا محمد، وأما قراءة سعد بن أبي وقاص "أَوْ تَنْسَهَا" بتاء مفتوحة، فمعناها: أو تَنْسَهَا أَنْتَ يا محمد، وقراءتهما تدل على النسيان، وإن كان بعضهم أضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم أخبر أن الله فعل ذلك به، وليس بين القولين اختلاف لأنه ليس يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما وفقه الله له، إذا أنساه نسي. قال أبو عبيد: "أَوْ نُنْسِهَا" من النسيان، ومعناه أن الله إذا شاء أنسى من القرآن من يشاء أن ينسيه. وقال آخرون منهم ابن عباس: "أَوْ نُنْسِهَا" أو نتركها فلا نبدلها. قال علماؤنا يلزم قائله أن يقرأها "أَوْ نَنْسَهَا" بفتح النون ليصح معنى نتركها، فأما إذا ضمت النون فإنما معناه نُنْسِكَ يا محمد، وهذا لا يكون بمعنى الترك. الجواب عنه يقال نسيت الشيء أي تركته، وأُنْسِيتُهُ أي أُمِرْتُ بتركه فتأويل الآية {ما ننسخ من آية} أي نرفعها بآية أخرى ننزلها "أو ننسها" (1).
• (تَزُغْ): قراءة في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} (2). [التاج: زوغ]
ذكر الزبيدي أن الفعل (زاغ) الثلاثي يأتي لازما، نحو: زاغ عن الطريق: مال عنه كما يأتي متعديا، نحو: زاغَ قَلْبَهُ: أَمَالَهُ، وعلى تعدي الفعل، استشهد الزبيدي بِقِرَاءَةٍ قَالَ إِنَّهَا لِنَافِعٍ في الشواذ تقول: {ربَّنَا لا تَزُغْ قُلُوبَنَا} (3) بفَتْحِ التاءِ، وضَمِّ الزّايِ، ونصب القلوب على المفعولية. كما استشهد على أن (أزاغ) الرباعي بمعنى: أمال أيضا بقراءة الجمهور {لا تُزِغْ قُلُوبَنَا}.
وفي الآية قراءتان أخريان من الثلاثي ذكرهما السمين في سياق تفسير هذه الآية حيث قال: "العامَّةُ على ضَمِّ حرفِ المضارعة من: أزاغ يُزيغ. "قلوبَنا"
__________
(1) الحجة: 109، 110.
(2) آل عمران: 8.
(3) هي قراءة لنافع، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 4/ 10، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 444.
(1/168)
________________________________________
مفعول به. وقرأ أبو بكر وابن فايد والجراح: {لا تَزِغْ قُلُوبُنَا} (1) بفتح التاء ورفع "قلوبنا"، وقرأه بعضهم كذلك إلا أنه بالياء من تحت، وعلى القراءتين فالقلوب فاعلٌ بالفعل المنهيِّ عنه، والتذكير والتأنيث باعتبار تأنيثِ الجمعِ وتذكيرِه، والنهيُ في اللفظ للقلوب، وفي المعنى دعاءُ الله تعالى، أي: لا تُزِغْ قلوبَنا فَتَزيغَ، فهو من باب "لا أُرَيَنَّك" (2).
• (تَصْعَدُونَ) (3): قراءة في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} (4). [التاج: صعد]
اختلف اللغويون في التصاحبات اللغوية التي تصحب: صَعِدَ، وأَصْعَدَ، وصَعَّدَ، وتمثلت أقوالهم في التصاحبات الآتية: صَعِدَ في السُّلَّم، وأَصْعَدَ في الجبل، وصَعَّدَ في الأرض، مع اختلاف بينهم في ذلك، إلا أن الزبيدي قد اتخذ من قراءة الحسن البصري: {إِذْ تَصْعَدُونَ} شاهدا على أن الصعود في الجبل كالصعود في السلم، تقول: صَعِدَ في السلم، وصَعِدَ في الجبل.
واستشهد ابن الأعرابي على نفس الاستخدام بقوله تعالى: {إليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} (5) كما استشهد على: أَصْعَدَ في الجبل، بقراءة الجمهور: {إذ تُصْعِدُونَ} من (أصعد) الرباعي.
قال الفراء: "الإصعاد في ابتداء الأسفار والمخارج. تقول: أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان، وشبيه ذلك. فإذا صعدت على السلم أو الدّرجة ونحوهما قلت:
صعدت، ولم تقل أصعدت. وقرأ الحسن البصرىّ: «إِذْ تَصْعَدُونَ وَلَا تَلْوُونَ» جعل الصعود في الجبل كالصعود في السلم " (6).
وقال السمين: والجمهور على "تُصْعدِونَ" بضم التاء وكسر العين، من أصْعَدَ في الأرض إذا ذهب فيها، والهمزة فيه للدخول نحو: "أصْبح زيدٌ" أي: دخل في الصباح، فالمعنى: إذ تَدْخُلون في الصُّعود، ويبيِّن ذلك قراءةُ أبُيّ:
__________
(1) انظر القراءتين: الكشاف: 1/ 339، وجامع الأحكام للقرطبي: 4/ 20، ومختصر الشواذ لابن خالويه: 19
(2) الدر المصون: 3/ 249.
(3) قراءة الحسن انظر: الدر المصون: 4/ 204، وإتحاف الفضلاء: 324.
(4) آل عمران: 153.
(5) فاطر:10.
(6) معاني القرآن: 1/ 239.
(1/169)
________________________________________
"تُصْعِدون في الوادي". والحسن والسلمي: "تَصْعَدون" من صَعِد في الجبل أي رَقِي، والجمع بين القراءتين: أنهم أولاً أَصْعَدوا في الوادي، ثم لَمَّا حَزَبهم العدوُّ صَعِدوا في الجبل، وهذا على رأي مَنْ يفرِّقُ بين: أَصْعَدَ وصَعِد ... وقال المفضل: صَعِدَ وصَعَّدَ وأَصْعَدَ بمعنى واحد، والصعيدُ وجهُ الأرض" (1).
وقال الراغب الأصفهاني: "وأما الإصعاد فقد قيل هو الإبعاد في الأرض، سواء كان ذلك في صعود أو حدور، وأصله من الصعود، وهو الذهاب إلى الأمكنة المرتفعة كالخروج من البصرة إلى نجد وإلى الحجاز، ثم استعمل في الإبعاد، وإن لم يكن فيه اعتبار الصعود، كقولهم: تعال، فإنه في الأصل دعاء إلى العلو، صار أمرا بالمجيء سواء كان إلى أعلى أو إلى أسفل، قال الله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ}، قيل: لم يقصد بقوله: "إذ تصعدون" إلى الإبعاد في الأرض، وإنما أشار به إلى علوهم فيما تحروه وأتوه، كقولك: أبعدت في كذا، وارتقيت فيه كل مرتقى، وكأنه قال: إذ بعدتم في استشعار الخوف والاستمرار على الهزيمة" (2).
• (يُخْصِفَانِ) (3): قراءة في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (4).
قال الزبيدي "ومِن المَجَازِ: خَصَفَ العُرْيَانُ الْوَرَقَ علَى بَدَنِهِ، يَخْصِفُهَا، خَصْفاً: أَلْزَقَهَا، أَي: أَلْزَقَ بَعْضَها إِلى بَعْضٍ، وأَطْبَقَهَا عَلَيْهِ وَرَقَةً وَرَقَةً، لِيَسْتُرَ به عَوْرَتَهُ، وبه فُسِّرَ قَوْلُه تعالَى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} ... كَأَخْصَفَ، ومنه قِرَاءَةُ ابنُ بُرَيْدَةَ، والزُّهْرِيِّ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: "وَطَفِقَا يُخْصِفَانِ". [التاج: خصف].
فالزبيدي يقرر أن قراءة الجمهور "يَخْصِفَانِ" من (خَصَفَ) الثلاثي، وأن قراءة الزهري "يُخْصِفَانِ" من (أخصف) الرباعي، وأن القراءتين معناهما واحد أي أن خصف الثلاثي بمعنى أخصف الرباعي هنا. وقد ذكر السمين هذا الوجه وزاد عليه وجها آخر، وهو أن تكون الهمزة للتعدية فقال: " قرأ الزهري "يُخْصِفان" مِنْ أخصف وهي تحتمل وجهين أحدهما: أن يكون أَفْعَلَ بمعنى فَعَل.
__________
(1) الدر المصون: 4/ 204.
(2) مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني: 281
(3) هي قراءة ابن بريدة، والزهري، انظر:، المختصر لابن خالويه: 42، والمحتسب: 1/ 245، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر: 2/ 164.
(4) الأعراف: 22.
(1/170)
________________________________________
والثاني: أن تكون الهمزةُ للتعدية، والمفعولُ على هذا محذوفٌ أي: يَخْصِفان أنفسهما أي: يجعلان أنفسَهما خاصِفين" (1). وكون الهمزة للنقل هو الوجه الأشهر في التفسير (2).
• (تُهْجِرُونَ) (3): قراءة في قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرَاً تَهْجُرُونَ} (4). [التاج: هجر]
استشهد الزبيدي أثناء تناوله لـ (أهجر) بقراءة ابن عباس: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرَاً تُهْجِرُونَ} بضم التاء، وكسر الجيم، من أَهْجَرَ. وفي تناوله لهَجَرَ الثلاثي قال: هَجَرَ في نَوْمِه ومَرضِه: هَذَى. واستشهد على هذا المعنى بقراءة الجمهور لنفس الآية: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرَاً تَهْجُرُونَ}.
قال أبو زرعة: " قرأ نافع "سامرا تُهْجِرُونَ" بضم التاء وكسر الجيم، من أهجر يُهْجِرُ إذا هذى، فمعنى تُهْجِرُونَ: أي تهذون، وقالوا: أهجر المريض إذا تكلم بما لا يفهم، فكان الكفار إذا سمعوا قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلموا بالفحش وسَبُّوهُ، فقال جلَّ وَعَزَّ: "مستكبرين به" أي بالقرآن أي يحدث لكم بتلاوته عليكم استكبارا، "سامرا تهجرون" قال ابن عباس: تأتون بالهجر والهذيان وما لا خير فيه ... وقرأ الباقون بفتح التاء المعنى: أنكم تَهْجُرُونَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وآياتي وما يتلى عليكم من كتابي، فشبه الله تعالى مَنْ تَرَكَ القرآنَ والعملَ به كالهاجر لرشده" (5).

وقال السمين: " قرأ العامَّةُ "تَهْجُرُونَ" بفتح التاءِ وضمِّ الجيمِ، وهي تحتمل وجهين: أحدهما: أنَّها مِن الهَجْرِ بسكونِ الجيمِ، وهو القطع والصَّدُ، أي: تهجُرُون آياتِ الله ورسولَه وتَزْهَدون فيهما، فلا تَصِلُونهما.
الثاني: أنها من الهَجَرِ بفتحها وهو الهَذَيانُ. يقال: هَجَر المريضُ هَجَراً أي هَذَى، فلا مفعولَ له. ونافع وابن محيصن "تُهْجِرُونَ" بضم التاءِ وكسرِ الجيم مِنْ أهجر إهْجاراً أي: أَفْحَشَ في مَنْطِقِه" (6).
__________
(1) الدر المصون: 7/ 102.
(2) انظر الكشاف: 2/ 96، والمحرر لابن عطية: 1/ 37، والجامع للقرطبي: 1/ 181.
(3) هي قراءة نافع وابن محيصن و، انظر: الحجة لأبي زرعة: 494، والدر المصون: 11/ 61.
(4) المؤمنون: 67.
(5) الحجة: 489.
(6) الدر المصون: 11/ 61.
(1/171)
________________________________________
وقال البغوي: قرأ نافع "تُهْجِرُونَ" بضم التاء وكسر الجيم من الإهجار وهو الإفحاش في القول، أي: تفحشون وتقولون الخنا، وذكر أنهم كانوا يسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقرأ الآخرون: "تَهْجُرُونَ" بفتح التاء وضم الجيم، أي: تعرضون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الإيمان والقرآن، وترفضونها: وقيل: هو من الهَجَرِ وهو القول القبيح، يقال هَجَرَ يَهْجُرُ هَجَرَاً إذا قال غير الحق. وقيل: تهزؤون وتقولون ما لا تعلمون، من قولهم: هَجَرَ الرجلُ في مَنَامِهِ إذا هَذَى" (1).
• (تَشْطُطْ) (2): قراءة في قوله تعالى: "ولا تُشْطِطْ" (3). [التاج: شطط]
ذكر الزبيدي القراءتين السابقتين في سياق شرحه لـ (شَطَّطَ) فقال: "وشَطَّطَ تَشْطيطاً: بالَغَ في الشَّطَطِ، أَي الجَوْرِ والتَّجاوُز عن الحَدّ، وقُرِئَ: "ولا تُشْطِطْ" بضَمِّ التّاء، وكَسْرِ الطاء الأُولى. وقَرَأ الحَسَن البَصْرِيُّ، وأبو رَجاءٍ، وأبو حَيْوَةَ، واليَمانِيُّ، وقَتادَةُ في إحْدَى رِوايَتَيْه، وأبو إبراهيمَ، وابنُ أَبي عَبْلَةَ: "ولا تَشْطُطْ" بفَتْحِ التّاءِ، وضمِّ الطّاء الأُولَى.
ولم ينبه الزبيدي على أن فعل وأفعل من هذا الفعل بمعنى واحد، ولكن السمين قد صرح بذلك حيث يقول: العامَّةُ على "تُشْطِطْ" ضَمِّ التاء وسكونِ الشينِ وكسرِ الطاءِ الأولى مِنْ أشْطَطَ يُشْطِطُ إذا تجاوز الحقَّ. قال أبو عبيدة: "شَطَطْتُ في الحُكْمِ؛ وأَشْطَطْتُ فيه، إذا جُرْتُ "فهو ممَّا اتفق فيه فَعَل وأَفْعَل ... وقرأ الحسن وأبو رجاء وابنُ أبي عبلة "تَشْطُطْ" بفتح التاءِ وضَمِّ الطاءِ مِنْ شَطَّ بمعنى أشَطَّ كما تقدَّم" (4). أما ابن عطية فقد جعل الهمزة للتعدية حيث يقول: "شَطَّ إذا بَعُدَ وأَشَطَّ إذا أَبْعَدَ غَيْرَهُ" (5).
• (فَأَزَرَهُ) (6): قراءة في قوله تعالى: {فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} (7). [التاج: أزر]
__________
(1) معالم التنزيل للبغوي: 5/ 423.
(2) هي قراءة أبي رجاء وأبي عبلة والحسن وأبي حيوة واليماني وقتادة وأبي إبراهيم ورواية لإبي جعفر، انظر: معاني الفراء: 2/ 403، ومعاني الزجاج: 4/ 326، والمختصر لابن خالويه:129، والبحر المحيط: 7/ 392، والمحتسب: 2/ 231.
(3) سورة ص: 22.
(4) الدر المصون للسمين الحلبي: 12/ 248.
(5) معالم التنزيل: 2/ 5.
(6) هي قراءة ابن عامر وابن ذكوان وهشام وحميد بن قيس وأبي حيوة، وبالمد قراءة الجمهور، انظر: السبعة لابن مجاهد: 605، والحجة لابن خالويه: 330، والبحر المحيط: 8/ 103، والنشر: 1/ 375، والإتحاف: 397.
(7) الفتح: 29.
(1/172)
________________________________________
ذكر الزبيدي أن الأَزْرَ: القوة، واستشهد بقراءة ابن ذكوان {فَأَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} من الفعل الثلاثي (أزر) على زنة (فَعَلَ)، وذكر أن سائر القراء قرؤو: "فَآزَرَهُ". وقد آزرَه: أعانَه وأسعدَه. والواضح من تمثيل الزبيدي بـ (أعان) و (أسعد) أن "آزره" على زنة (أفعل). وعند شرحه للمؤازرة قال: "المُؤازرةُ أن يُقَوِّيَ الزَّرْعُ بعْضُه بعضاً، فَيَلْتَفَّ ويتلاصَقَ، وهو مَجازٌ كما في الأساس. وقال الزَّجّاج في قوله تعالى: {فآزَرَه فاسْتَغْلَظَ} أي: فآزَر الصِّغارُ الكِبَارَ، حتى استَوَى بعضُه مع بعضِ. فاستشهاده بالآية هنا يدل على أنه جعل (آزر) على زنة (فاعل)، وهذا اللبس جاء من أن الفعل (أزر) على وزني: (فاعل) و (أفعل)، تجتمع أوله همزتان: أازر، وأأزر، والقاعدة تستبدل الهمزتين بألف مد (آ) فيصير شكل الفعل في الحالتين (آزر).
ولم يوضح الزبيدي هذا الإشكال، وقد ذكر الزمخشري ما يفيد جواز الوجهين فقال: "فَآزَرَهُ من المؤازرة وهي المعاونة. وعن الأخفش: أنه (أفعل).
وقرئ: "فَأَزَرَهُ" بالتخفيف والتشديد، أى: فشدّ أزره وقوّاه. ومن جعل آزر (أفعل)، فهو في معنى القراءتين" (1). ولكن السمين يذكر خطأ (فاعل) فيقول: "العامَّةُ على المدِّ "فآزَرَه" وهو على (أَفْعَل). وغَلَّطوا مَنْ قال: إنه (فاعَلَ) كمجاهدٍ وغيرِه بأنَّه لم يُسْمَعْ في مضارِعه يُؤَازِرُ بل يُؤْزِرُ. وقرأ ابن ذكوان "فَأَزَرَهُ" مقصوراً جعله ثلاثياً ... والمعنى في الكلِّ: قَوَّاه" (2).
(ج) زيادة (فَعَلَ) بالألف: (فَاعَلَ).
• (يَخْدَعُونَ اللهَ) (3): قراءة في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ والَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} (4). [التاج: خدع]
تناول الزبيدي المخادعة من خلال القراءات الواردة في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ والَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}، حيث ورد الفعل (يخدعون) مرتين في الآية، وقد قرئ في الموضعين مرة على زنة (يفعلون) وثانية على زنة (يفاعلون) وذكر أن الفعل إذا جاء على زنة (فاعل) فإنه يقتضي المشاركة بين طرفين فأكثر وبَيَّنَ أن هذا المعنى ليس مطرداً على الدوام؛ لأن السياق يرفض أحيانا هذه المشاركة، وهو لا يكتفي بتقرير هذا المعنى، وإنما
__________
(1) الكشاف: 4/ 348.
(2) الدر المصون: 13/ 146.
(3) قراءة عبد الله وأبي حيوة، انظر: حجة ابن خالويه: 68، والبحر: 1/ 63.
(4) البقرة: 9.
(1/173)
________________________________________
يعلل له بما ورد عن العرب من استخدامات، فيقول: "قَرَأَ ابنُ كَثِيرِ ونافِعٌ وأَبُو عَمْروٍ: {ومَا يُخَادِعُونَ} (1) بالأَلِفِ. وقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ {يَخْدَعُونَ اللهَ والَّذِينَ آمَنُوا ومَا يَخْدَعُونَ} (2) جَمِيعاً بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى أَنَّ الفِعْلَ فِيهِمَا جَمِيعاً من الخَادِع. وفي اللِّسَان: جَازَ (يُفَاعِلُ) لِغَيْرِ الاثْنَيْنِ؛ لأَنَّ هذَا المِثَالَ يَقَعُ كَثِيراً في اللُّغَةِ للْوَاحِدِ نَحْو: عاقَبْتُ اللِّصَّ وطارَقْتُ النَّعْلَ. وقالَ الفَارِسِيّ: والعَرَبُ تُقُولُ: خَادَعْتُ فُلاناً، إِذا كُنْتَ تَرُومُ خَدْعَهُ. وعلَى هذا يُوَجَّهُ قَوْلُه تَعالَى: "يُخَادِعُونُ اللهَ وهُوَ خَادِعُهُم" (3) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ في أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُم يُخَادِعُونَ اللهَ، واللهَ هُوَ الخَادِعُ لَهُمْ أَي المُجَازِي لَهُمْ جَزَاءَ خِدَاعِهم. وقالَ الرَّاغِبُ في المُفْرَدَاتِ (4): وقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنَّ هذا على حَذْفِ المُضَافِ، وإِقَامَةِ المُضَافِ إِلَيْهِ مُقَامَهُ، فيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ المَقْصُودَ بمِثْلِهِ في الحَذْفِ، لا يَحْصُلُ لَوْ أُتِيَ بالمُضَافِ المَحْذُوفِ، ولِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّنْبِيه عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحْدِهِمَا: فَظَاعَةُ فِعْلِهِمْ فِيمَا تَجَرَّؤُوهُ مِنَ الخَدِيعَةِ، وأَنَّهُمْ بمُخَادَعَتِهِمْ إِيّاه يُخَادِعُونَ اللهَ.
والثانِي: التَّنْبِيهُ علَى عِظَمِ المَقْصُودِ بالخِدَاعِ، وأَنَّ مُعَامَلَتَهُ كمُعَامَلَةِ اللهِ.
وقد ذكر أبو زرعة حجة القراءتين فقال: " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "وما يخادعون إلا أنفسهم" بالألف واحتج أبو عمرو بأن قال: إن الرجل يخادع نفسه ولا يخدعها. قال الأصمعي ليس أحد يخدع نفسه إنما يخادعها. وقرأ أهل الشام والكوفة "وما يخدعون" بغير ألف وحجتهم في ذلك أن الله أخبر عن هؤلاء المنافقين أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر، فأثبت لهم مخادعتهم الله والمؤمنين، ثم يخبر عنهم عقيب ذلك أنهم لا يخادعونه، ولا يخادعون إلا أنفسهم، فيكون قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوله، ولكنه أخبر أن المخادعة من فعلهم، ثم إن الخدع إنما يحيق بهم خاصة دونه" (5).
ويرجح السمين معنيين لـ (فاعل) هما: المشاركة، أو أن يكون (فاعل) بمعنى (فعل) فيقول: ومعنى {يخادعون الله} أيْ مِنْ حيث الصورةُ لا مِنْ حيث المعنى، وقيل: لعدم عرفانِهم بالله تعالى وصفاته ظنُّوه مِمَّنْ يخادَعُ ... و (فَاعَلَ)
__________
(1) انظر: الحجة لأبي زرعة:87، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 168، 169.
(2) المرجعان السابقان الصفحات نفسها.
(3) النساء: 142.
(4) مفردات غريب القرآن: 143، 144.
(5) الحجة: 87.
(1/174)
________________________________________
له معانٍ خمسةٌ: المشاركةُ المعنويةُ نحو: "ضاربَ زيدٌ عمراً" وموافقةُ المجرد نحو: "جاوَزْتُ زيداً" أي جُزْتُه، وموافقةُ أَفْعَل متعدياً نحو: "باعَدْتُ زيداً وأَبْعدته"، والإغناءُ عن أَفْعل نحو: "وارَيْتُ الشيءَ"، وعن المجردِ نحو: سافَرْت وقاسَيْت وعاقَبْت، والآيةُ فيها (فاعَلَ) يحتمل المعنيين الأَوَّلَيْنِ. أمَّا المشاركةُ فالمخادعةُ منهم لله تعالى تقدَّم معناها، ومخادعةُ الله إياهم من حيث إنه أجرى عليهم أحكامَ المسلمين في الدنيا، ومخادعةُ المؤمنين لهم كونُهم امتَثلوا أمرَ الله تعالى فيهم، وأمَّا كونُه بمعنى المجرد فيبيِّنه قراءةُ ابن مسعود وأبي حيوة: "يَخْدَعون" " (1).
• (وَعَدْنَا) (2): قراءة في قوله تعالى: {وإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (3).
[التاج: وعد]
في هذه المادة يضع الزبيدي تذييلا يناقش فيه مسألة المشاركة ومدى مناسبتها في قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ويبين فيه الأساس اللغوي الذي من أجله اختار بعض القراء قراءتهم، حيث اختار أبو عمرو بن العلاء "وَعَدْنَا" بغيرِ أَلفٍ؛ لأَن المُوَاعَدَة إِنما تَكُونُ مِن الآدمِيّينَ، بدليل قولُه تعالى: {إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ} (4).
وذكر كلاما للزجاج سوغ فيه قراءة "وَاعَدْنا" (5) لأَن الطَّاعَةَ في القَبُولِ بمَنْزِلةِ المُوَاعَدَةِ، فهو من الله وعْدٌ، ومِن مُوسى قَبُولٌ واتِّبَاعٌ، فَجَرَى مَجْرَى المُواعَدَة.
وقد لخص السمين احتجاج العلماء للقراءتين السابقتين فقال: " قرأ أبو عمروٍ "وَعَدْنَا "، وقرأه الباقون: "وَاعَدنا" بألف. واختارَ أبو عُبَيْد قراءةَ أبي عمروٍ، ورجَّحها بأنَّ المواعدةَ إنما تكونُ من البشر، وأمَّا اللهُ تعالى فهو المنفردُ
__________
(1) الدر المصون: 1/ 87.
(2) قراءة أبي جعفر وشيبة وأبي عمرو واليزيدي وابن محيصن ويعقوب والحسن وأبي رجاء وعيسى بن عمرو وقتادة وأبي إسحاق. انظر: معاني الزجاج: 1/ 132، والحجة لابن خالويه: 76، والبحر: 1/ 199، والنشر: 2/ 112، والعنوان: 7، وإبراز المعاني لأبي شامة:1/ 434، ومعجم القراءات: 1/ 199.
(3) البقرة: 51.
(4) إبراهيم: 22.
(5) انظر: العنوان: 8، والنشر: 2/ 212، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 199.
(1/175)
________________________________________
بالوَعْدِ والوعيد، على هذا وجَدْنَا القرآن، نحو: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ} (1) و {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} (2) و {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} (3) و {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ} (4). وقال مكي مُرَجِّحاً لقراءةِ أبي عمرو أيضاً: "وأيضاً فإنَّ ظاهرَ اللفظِ فيه وَعْدٌ من الله لموسى، وليسَ فيه وعدٌ مِنْ موسى، فَوَجَبَ حَمْلُهُ على الواحدِ بظاهر النص" (5) ثم ذَكَرَ جماعةً جِلَّةً من القرَّاءِ عليها. وقال أبو حاتم مُرَجِّحاً لها أيضاً: "قراءةُ العامَّة عندَنا: وَعَدْنا - بغيرِ ألفٍ - لأن المواعَدَةَ أكثرُ ما تكونُ من المخلوقين والمتكافِئين". وقد أجابَ الناس عن قول أبي عُبَيْد وأبي حاتم ومكي بأن (المفاعلةَ) هنا صحيحةٌ، بمعنى أنَّ موسى نزَّلَ قبوله لالتزام الوفاءِ بمنزلة الوَعْدِ منه، أو أنَّه وَعَدَ أن يُعْنَى بما كلَّفه ربُّه. وقال مكي: "المواعدة أصلُها من اثنين، وقد تأتي بمعنى (فَعَل) نحو: طارَقْتُ النَّعْلَ"، فجعل القراءتين بمعنىً واحد، والأولُ أحسنُ. ورجَّح قوم "واعدنا". وقال الكسائي: وليس قولُ الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} من هذا البابِ في شيء؛ لأن "واعَدْنا موسى" إنما هو من بابِ الموافاة، وليس من الوَعْد في شيء، وإنما هو من قولك: مَوْعِدُكَ يومُ كذا وموضعُ كذا، والفصيحُ في هذا "واعَدْنا". وقال الزجاج: "واعَدْنا" بالألفِ جَيِّدٌ، لأن الطاعةَ في القَبول بمنزلةِ المواعدة، فمِنَ الله وَعْدٌ، ومِنْ موسى قَبولٌ واتِّباعٌ، فجَرى مَجْرَى المواعدة" (6). وقال مكي أيضاً: "والاختيارُ "واعَدْنا" بالألفِ، لأن بمعنى وَعَدْنَا، في أحدِ مَعْنَيَيْه، وأنه لا بُدَّ لموسى وَعْدٍ أو قبول يقُومُ مقامَ الوعدِ فَصَحَّت المفاعلة" (7).

• (عَاقَدَتْ) (8): قراءة في قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (9). [التاج: عقد]
__________
(1) النور: 55.
(2) الفتح: 20.
(3) إبراهيم: 22.
(4) الأنفال: 7.
(5) الكشف عن وجوه القراءات: 1/ 239.
(6) معاني القرآن وإعرابه: 1/ 133.
(7) الدر المصون: 1/ 262.
(8) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وابن عباس وأبي جعفر ويعقوب. انظر: السبعة لابن مجاهد: 232، والحجة لابن خالويه: 123، والنشر:2/ 49.
(9) النساء: 33.
(1/176)
________________________________________
وعلى غرار ما سبق أتى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} حيث قرئ {عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}؛ لأن الفعل يقتضي المشاركة، حيث إن العقد لا يكون إلا بين طرفين.
قال ابن خالويه: "عقدت" يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبترك الألف وتخفيف القاف، فالحجة لمن أثبت الألف، أنه جعله من المعاقدة، وهي المحالفة في الجاهلية أنه يواليه ويرثه ويقوم بثأره، فأمروا بالوفاء لهم، ثم نسخ ذلك بآية المواريث، فحسنت الألف ها هنا؛ لأنها تجيء في بناء فِعْلِ الاثنين. والحجة لمن حذف الألف أنه يقول ها هنا صفة محذوفة والمعنى: والذين عَقَدَتْ أيمانُكُمْ لَهُمُ الحَلِفَ " (1).
• (لَمَسْتُمُ) (2): قراءة في قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3). [التاج: لمس]
تناول الزبيدي الملامسة فقال: "والمُلامَسَةُ أَكْثَرُ ما جاءَت من اثْنَيْن"، واستدل بقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}، وقُرِئَ "أَو لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ" وهي قراءَةُ عن حَمْزَةَ والكِسَائيِّ وخَلَفٍ".
قال أبو زرعة: "قرأ حمزة والكسائي "أو لمستم النساء" بغير ألف جاعلا الفعل للرجال دون النساء، وحجتهما أن اللمس ما دون الجماع، كالقبلة والغمزة، عن ابن عمر اللمس ما دون الجماع، أراد اللمس باليد، وهذا مذهب ابن مسعود وسعيد بن جبير وإبراهيم والزهري. وقرأ الباقون "أو لامستم" بالألف أي جامعتم، والملامسة لا تكون إلا من اثنين، الرجل يلامس المرأة، والمرأة تلامس الرجل، وحجتهم ما روي في التفسير، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: قوله "لامستم النساء" أي جامعتم، ولكن الله يكني" (4).
ويلاحظ هنا أن اختلاف القراءة قد أثمر ختلافا معنويا وفقهيا، فمجرد لمس الرجال للنساء يوجب الوضوء، هذا على قراءة "لمستم". أما قراءة "لامستم" والتي حملوها على الجماع فإنها توجب الاغتسال.
__________
(1) الحجة: 123.
(2) قراءة حمزة والكسائي وخلف، انظر: الحجة لابن خالويه: 124، والدر المصون: 5/ 16، ومعجم القراءات لأحمد مختار: 1/ 513.
(3) النساء: 43.
(4) الحجة: 205.
(1/177)
________________________________________
• (دَارَسْتَ): قراءة في قوله تعالى: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} (1). [التاج: درس]
ذكر الزبيدي عند تناوله للمدارسة ثلاث قراءات لقوله تعالى: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} كلها على وزن (فاعل) وهي قِرَاءَة ابنِ كَثِيرٍ وأَبِي عَمْرٍو: {وَلَيقُولُوا دَارَسْتَ} (2) وفسَّرَه ابنُ عبّاسٍ (رضي الله عنهما) بقوله: "قَرَأْتَ على اليَهُودِ وقَرَؤُوا عَلَيْكَ" يعني أن المفاعلة على بابها من المشاركة، والثانية قراءة الحَسَن البَصْريّ: "دَارَسَتْ" (3) بفتح السين وسكونِ التاءِ، وفيه وَجْهَانِ، أَحدُهما: دَارَسَتِ اليَهُودُ محمَّداً - صلى الله عليه وسلم -. والثاني: دَارَسَتِ الآيَاتُ سَائِرَ الكُتُبِ، أَيْ ما فيها، وطَاوَلَتْهَا المُدَّةَ، حتَّى دَرَسَ كُلُّ وَاحِدٍ منها، أَي مُحِيَ وَذَهَبَ أَكْثَرُه. والثالثة قراءة الأَعْمَش: "دَارَسَ" (4) أَي دَارَسَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اليَهُودَ. وكلها ترجع إلى معنى المشاركة السابق (5).
ثانيا: الثلاثي المزيد بحرفين:
(أ) زيادة (فَعَلَ) بالتاء والتضعيف: (تَفَعَّلَ).
• (يَسْمَعُونَ) (6): قراءة في قوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} (7).
[التاج: سمع]
يدلل الزبيدي على أن: تَسَمَّعَ مثل سَمِعَ في المعنى والتعدي، على الرغم من أن الأول خماسي (تَفَعَّلَ)، والثاني ثلاثي (فَعَلَ) فيقول: "وَتَسَمَّعَ الصوتَ: مثلُ سَمِعَ، قال لَبيدٌ - رضي الله عنه - يصفُ مَهاةً:
وَتَسَمَّعَتْ رِزَّ الأَنيسِ فَرَاعَهَا ... عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالأَنِيسُ سَقَامُهَا
إذا أَدْغَمتَ قلت: اسَّمَّعَ، وقرأ الكوفيُّون، غيرِ أبي بكرٍ: "لا يَسَّمَّعُونَ"، بتشديد السينِ والميم، وفي الصحاح: يقال: تَسَمَّعْت إليه، وسَمِعْتُ إليه، وسَمِعْتُ له، كلُّه
__________
(1) الأنعام: 105.
(2) انظر: النشر: 2/ 294، ومعجم القراءات: 2/ 120، 121.
(3) انظر: السبعة لابن مجاهد: 264، والعنوان لابن خلف: 14.
(4) انظر: السبعة لابن مجاهد: 264، والحجة لابن زنجلة: 265.
(5) انظر في قراءات هذه الآية: معاني القرآن للفراء:1/ 394، والتبيان للعكبري: 1/ 256، والحجة لابن زنجلة: 264، والدر المصون: 6/ 370، ومفردات غريب القرآن للأصفهاني: 167.
(6) قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والأعمش ومجاهد وابن عباس وشعبة وأبو جعفر ويعقوب، انظر: السبعة لابن مجاهد: 547، والحجة لابن زنجلة: 560، ومعجم القراءات: 4/ 195.
(7) الصافات: 8.
(1/178)
________________________________________
بمعنى واحدٍ؛ لأنّه تعالى قال: {وَقَالُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرَآنِ}، وقُرِئَ: "لا يَسْمَعُونَ" مُخَفّفاً".
وقول الزبيدي إن (تَسَمَّعَ) و (سَمِعَ) يستويان في المعنى لا يسلم له؛ لأن التسمع مبالغة في طلب السماع، ومجيء القراءة في الموضع الواحد بالفعلين ليس دليلا على تساويهما في المعنى، وهذا هو الواضح من كلام اللغويين والمفسرين (1).
فأبو زرعة يحتج للقراءتين فيقول:" قرأ حمزة والكسائي وحفص "لا يَسَّمَّعُونَ" بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف، وحجتهم ما روي عن ابن عباس أنه قرأ: "لا يَسْمَعُونَ" وقال: هم يَسَّمَّعُونَ ولكن لا يَسْمَعُونَ، والدليل على صحة قول ابن عباس قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (2) وقوله بعدها: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (3)، فعلم بذلك أنهم يقصدون للاستماع. ومن حجتهم أيضا إجماع الجميع على قوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} (4)، وهو مصدر سمع، والقصة واحدة، وتأويل الكلام وحفظا من كل شيطان مارد لئلا يسمعوا بمعنى أنهم ممنوعون بالحفظ عن السمع، فَكَفَتْ (لا) مِنْ (أَنَّ) ... فإن قال قائل: فلو كان هذا هو الوجه لم يكن في الكلام (إلى) ولكان الوجه أن يقال: لا يسمعون الملأ الأعلى، قلت: العرب تقول: سمعت زيدا، وسمعت إلى زيد، فكذلك قوله: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}، وقد قال جل وعز: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (5)، وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (6) فيعدي الفعل مرة بـ "إلى" ومرة باللام.
ومن قرأ: "يَسَّمَّعُونَ" الأصل (يَتَسَمَّعُونَ) فأدغم التاء في السين لقرب المخرجين وحجتهم في أنهم مُنِعُوا من التَّسَمُّعِ، الأخبارُ التي وردت عن أهل التأويل بأنهم كانوا يَتَسَمَّعُونَ الوحي فلما بُعِثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رُمُوا بالشُّهُبِ ومُنِعُوا، فإذا كانوا عن التَّسَمُّعِ ممنوعين كانوا عن السَّمْعِ أَشَدّ منعًا وأبعد منه؛
__________
(1) انظر: تفسير أبي حاتم: 12/ 79، والكشاف: 4/ 35، ومعالم التنزيل للبغوي: 7/ 35، والجامع للقرطبي: 15/ 65، والدر المصون: 12/ 187.
(2) الجن: 9.
(3) الصافات: 10.
(4) الشعراء: 212.
(5) الأعراف: 204.
(6) الأنعام: 25.
(1/179)
________________________________________
لأن المُتَسَمِّعَ يجوز أن يكون غيرَ سامعِ، والسَّامعُ قد حصل له الفعل. قالوا فكان هذا الوجه أبلغ في زجرهم لأن الإنسان قد يَتَسَمَّعُ ولا يَسْمَعُ فإذا نُفِيَ التَّسَمُّعُ عنه فقد نَفَى سَمْعَهُمْ من جهة التَّسَمُّعِ ومن جهة غيرِهِ فهو أَبْلَغُ " (1).
وقد رجح الطبري قراءة التخفيف اعتمادا على الأثر فقال: "وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف؛ لأن الأخبار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، أن الشياطين قد تَتَسَمَّعُ الوحي، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تَسْمَع ... فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام "إلى"، كان التَّسَمُّعُ أولى بالكلام من السَّمْعِ، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن العرب تقول: سَمِعْتُ فلانا يقول كذا، وسَمِعْتُ إلى فلان يقول كذا، وسَمِعْتُ من فلان" (2).
أما أبو عبيد فيختار قراءة التشديد: "لاَّ يَسَّمَّعُونَ" ويقول: لو كان مخففاً لم يتعَدَّ بـ "إلى". وأُجيب عنه: بأنَّ معنى الكلامِ: لا يُصْغُون إلى الملأ. وقال مكي: "لأنه جرى مَجْرى مُطاوِعِه وهو يتَسَمَّعُون، فكما كان تَسَمَّع يتعدَّى بـ "إلى" تَعَدَّى سَمِع بـ "إلى" وفَعِلْتُ وافتعلْتُ في التعدِّي سواءٌ، فَتَسَمَّع مطاوع سمعَ، واستمع أيضاً مطاوع سَمِع فتعدَّى سَمِعَ تعدِّيَ مطاوعِه" (3).
• (يَطَّهَّرْنَ): قراءة في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكُمُ اللهُ} (4). [التاج: طهر].
ساق الزبيدي القراءات الواردة في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ}؛ ليدلل على أن (طَهُرَتْ) الثلاثي يعني انقطع عنها دم الحيض، وأَنَّ (تَطَهَّرَتْ) الخماسي يعني اغتسلت بالماء وأنه يجوز استخدام (طَهُرَتْ) في المعنيين، على خلاف واقع بين العلماء (5) في ذلك، إلا أن الزبيدي يستخدم القراءة كدليل ترجيح على تساوي المعنى فيقول: وقُرِئَ: "حَتَّى يَطَّهَّرْنَ" (6) قال أبو العباس: والقراءة "حتى يَطَّهَّرْنَ"؛ لأنّ من قَرَأ "يَطَْهُرْنَ" (7)
__________
(1) الحجة: 605، 606.
(2) جامع البيان: 21/ 12.
(3) الدر المصون للسمين: 12/ 187.
(4) البقرة: 222.
(5) انظر مثلا: الزمخشري: الكشاف: 1/ 191، والطبري: الجامع: 4/ 385، وأبا حيان: البحر المحيط: 2/ 364.
(6) قراءة حمزة والكسائي وعاصم الجحدري وخلف والفضل وشعبة، انظر معجم القراءات:1/ 315.
(7) قراءة الباقين غير حمزة والكسائي وعاصم، انظر: معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: 76.
(1/180)
________________________________________
أراد انقطاع الدم "فإذا تَطَهَّرْنَ" اغْتَسَلْنَ فصيَّر معناهما مختلفاً والوَجْهُ أنْ تكونَ الكَلِمَتَانِ بمعنىً واحدٍ يريدُ بهما جميعاً الغُسْلَ ولا يَحلّ المَسِيسُ إلاّ بالاغْتِسَالِ. ويُصَدِّق ذلك قراءَةُ عبد الله بنِ مَسْعُود: "حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ" (1).
قال السمين الحلبي:" قراءةُ التشديد معناها يَغْتَسِلْنِ. وقراءةُ التخفيف معناها يَنْقَطِعُ دَمُهُنَّ. ورجَّح الطبري قراءة التشديدِ وقال: "هي بمعنى يَغْتَسِلْنَ لإِجماع الجميع على تحريمِ قُرْبان الرجلِ امرأتَه بعد انقطاع الدم حتى تَطْهُرَ، وإنما الخلافُ في الطُهْر ما هو؟ هل هو الغُسْلُ أو الوضوءُ أو غَسْل الفرجِ فقط؟ " (2). ... قال ابنُ عطية: " كُلُّ واحدة من القراءتين تَحْتِمَل أن يُرادَ بها الاغتسالُ بالماءِ، وأن يُرادَ بها انقطاع الدمِ" (3)، وقراءةُ التخفيف مُضَمَّنُها انقطاعُ الدم أمرٌ غيرُ لازم، وكذلك ادعاؤه الإِجماع، وفي رَدَّ ابنِ عطية عليه نظرٌ؛ إذ لو حَمَلْنَا القراءتين على معنىً واحدٍ لَزِم التكرارُ. ورجَّح الفارسي قراءةَ التخفيف؛ لأنها من الثلاثي المضادِّ لطمِثَ وهو ثلاثي" (4).
(ب) زيادة (فَعَلَ) بالهمزة والتاء: (افْتَعَلَ).
• (يَخَدِّعُون): قراءة في قوله تعالى: {وما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} (5).
[التاج: خدع]
في معرض حديثه عن المخادعة ذكر الزبيدي جملة من القراءات منها: قِرَاءِةُ مُوَرِّقٍ العِجْلِيّ: {وما يَخَدِّعُون إِلاَّ أَنْفُسَهم} (6) بفَتْحِ الياءِ، والخاءِ وكَسْرِ الدَّالِ المُشَدَّدَةِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، عَلَى إِرادَةِ (يَخْتَدِعُونَ) أُدْغِمَت التَّاءُ في الدَّال، ونُقِلَتْ فَتْحَتُها إِلَى الخاءِ (7).
• (يَخِصِّفَانِ): قراءة في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (8). [التاج: خصف].
__________
(1) عبارة التاج: طهر، وانظر: النشر:2/ 259، والعنوان:9، والسبعة: 106.
(2) انظر: جامع البيان: 4/ 384.
(3) انظر: المحرر الوجيز: 1/ 249.
(4) الدر المصون: 2/ 396.
(5) البقرة: 9.
(6) انظر: معجم القراءات: 1/ 168، 169.
(7) انظر: المحرر الوجيز: 1/ 66، والكشاف: 1/ 58، والدر المصون: 1/ 89.
(8) الأعراف: 22.
(1/181)
________________________________________
وعند شرحه للاختصاف قال: " اخْتَصَفَ بكذا (افتعل). وقَرَأَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ والزُّهْرِيُّ والأَعْرَجُ وعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}، وقرئ: {وَطَفِقَا يَخِصِّفَانِ} (1) بكَسْرِ الخاءِ والصَّادِ وتَشْدِيدِهَا علَى معنَى (يخْتَصِفان) ثم تُدْغَمُ التَّاءُ في الصَّادِ وتُحَرَّكُ الخاءُ بحَرَكةِ الصَّادِ، وبعضُهُمْ حَوَّلَ حَرَكَةَ التَّاءِ ففَتَحَهَا".
(ج) زيادة (فَعَلَ) بالتاء والألف: (تَفَاعَل).
• (يَصَّاعَدُ): قراءة في قوله تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} (2).
[التاج: صعد]
دلل الزبيدي على أن الأفعال: صَعِدَ، واصَّعَّدَ، واصَّاعَدَ، بمعنًى واحد.
بالقراءات الواردة في قوله تعالى: "كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء". وما ذكره الزبيدي هنا هو ما قرره أبو زرعة في حجته حيث قال:"قرأ ابن كثير:"كَأَنَّمَا يَصْعَدُ" خفيفا من صَعِدَ يَصْعَدُ، وحجته قوله: "إليه يَصْعَدُ الكلم الطيب". وقرأ أبو بكر:"يَصَّاعَدُ"، الأصل (يتصاعد) فأدغم التاء في الصاد لقربها من الصاد. وقرأ الباقون:"يَصَّعَّدُ" الأصل (يتصعد) فأدغموا التاء في الصاد. ومعنى يَصَّعَّدُ ويَصَّاعَدُ ويَصْعَدُ كله واحد" (3).
• (يَحُضُّونَ): قراءة في قوله تعالى: {ولا تَحَاضُّونَ عَلى طَعَامِ المِسْكِينِ} (4). [التاج: حضض]
في هذه المادة ذكر الزبيدي قَرَاءة أَهْل المَدِينَةِ: "ولا يَحُضُّونَ"، وقَرَاءة الحَسَن: "ولا تَحُضُّونَ"، وكلاهما من الفعل الثلاثي (حضَّ)، والفرق بينهما في ضمير المخاطب والغائب. ثم ذكر قَرَاءة الأَعْمَش، وعاصِم، ويَزِيد بن القَعْقَاع "ولا تَحَاضُّون" (5) بفَتْح التاء، على زنة (تفاعلون) والأصل تتحاضون، حذفت إحدى التاءين (6). قال الفَرَّاءُ (7): وكُلٌّ صَوَابٌ، فمَنْ قرأَ: "تُحَاضُّون" فمعْنَاه
__________
(1) هي قراءة الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب، انظر: الإتحاف: 394، ومعجم القراءات: 2/ 164، 165.
(2) الأنعام: 125.
(3) الحجة: 271، وانظر: الدر المصون: 6/ 414.
(4) الفجر: 18.
(5) انظر قراءات الآية: الحجة لابن زنجلة: 762، والعنوان لابن خلف: 36، والنشر: 2/ 400، والإتحاف: 774.
(6) الدر المصون: 14/ 334.
(7) انظر معاني القرآن: 3/ 261.
(1/182)
________________________________________
تُحَافِظُون، ومَنْ قرأَ: "تَحَاضُّونَ" فمَعْناه يَحُضُّ بَعْضُكُم بَعْضاً، ومَنْ قَرَأَ "تَحُضُّون" فمَعْنَاهُ تَأْمُرُونَ بإِطْعامِه". فالمفاعلة على بابها من المشاركة (1).
ثالثا: التبادل بين: (فَعَّلَ) و (فَاعَلَ):
صيغة (فَعَّلَ) تفيد التكثير ما لم يصرفها صارف عنه، بينما صيغة (فَاعَلَ) تفيد المشاركة، أي أن الفاعل فيها لا يكون واحدا. ولكن أحيانا تفقد هاتان الصيغتان هذا المعنى، بل قد تأتيان بمعنى واحد هو معنى (فَعَّلَ) أو معنى (فَعَلَ). وقد استدل الزبيدي على ذلك بمجيء القراءة مترددة بين (فَعَّلَ) و (فَاعَلَ) في العديد من المواضع من ذلك:
• (فَزَايَلْنَا) (2) قراءة في قوله تعالى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُم} (3). [التاج: زيل].
وقد جعل الزبيدي هذه القرءاة من قبيل قولك: لا تُصَعِّرْ ولا تُصَاعِرْ. والقراءتان، معناهما واحد: فَرَّقَ ومَيَّزَ.
• (وُرِّيَ) (4) قراءة في قوله تعالى: "مَا وُورِيَ عَنْهُمَا" (5) [التاج: وري]
والقراءتان عند الزبيدي بمعنى واحد: ستر وخفي.
• (يُضَعَّفْ) (6) قراءة في قوله تعالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفِيْنِ} (7). [التاج: ضعف]
وهي قراءة أَبي عَمرٍو، والمعنى واحد: وهو التكثير.
• (تُشَطِّطْ) (8) قراءة في قوله تعالى: {ولا تُشْطِطْ} (9). [التاج: شطط].
__________
(1) انظر: الحجة لأبي زرعة: 762، والدر المصون: 14/ 334.
(2) انظر معاني القرآن للفراء: 1/ 462، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 347.
(3) يونس: 28.
(4) انظر: لسان العرب: (وري)، والدر المصون: 7/ 96، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 163.
(5) الأعراف: 20.
(6) قراءة أبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب واليزيدي والحسن وعيسى، انظر: الدر المصون للسمين الحلبي: 12/ 36، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 88.
(7) الأحزاب: 30.
(8) انظر معاني القرآن للفراء: 2/ 403، والدر: 12/ 248، ومعجم القراءات لمختار: 225.
(9) سورة ص: 22.
(1/183)
________________________________________
قرأ قتادة: {ولا تُشَطِّطْ}، وقرأ زر بن حبيش {ولا تُشاطِطْ} (1)، ومَعْنَى الكُلِّ واحد: أَي لا تُبْعِدْ عن الحَقِّ.
وجاءت القراءة مترددة بين (فَعَّلَ) و (فَاعَلَ) وبينهما فارق في المعنى، نحو:
• (عَاقَدَت) (2): قراءة في قوله تعالى: {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (3).
[التاج: عقد]
حيث قرئ {عَاقَدَت أَيمانُكُم} بالنظر إلى وقوع الفعل من طرفين، وقرئ أيضا: "عَقَّدَتْ" بالتشديد، معناه التَّوكِيدُ والتَّغلِيظُ.
قال القرطبي: "روى علي بن كبشة عن حمزة "عَقَّدَتْ" بتشديد القاف على التكثير. والمشهور عن حمزة "عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ" مخففة القاف، وهي قراءة عاصم والكسائي، وهي قراءة بعيدة؛ لأن المعاقدة لا تكون إلا من اثنين فصاعدا، فبابها (فاعل). قال أبو جعفر النحاس (4): وقراءة حمزة تجوز على غموض في العربية، يكون التقدير فيها والذين عَقَّدَتْهُمْ أَيْمَانُكُمُ الحَلِفَ، وتعدى إلى مفعولين، وتقديره: عقدت لهم أيمانكم الحلف، ثم حذفت اللام مثل قوله تعالى: {وإذا كالوهم} (5) أي كالوا لهم. وحذف المفعول الثاني، كما يقال: كلتك أي كلت لك برا. وحذف المفعول الأول؛ لأنه متصل في الصلة " (6).
رابعا: التبادل بينالكتاب: أثر القراءات القرآنية في الصناعة المعجمية تاج العروس نموذجا smile.gif أفعل) و (فَعَّلَ):
• (سَيُصَلَّوْنَ، سَيُصْلَوْنَ) (7): قراءتان في قوله تعالى: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (8). [التاج: صلي]
يتعدى الثلاثي إلى مفعوله الأول، أو الثاني، أو الثالث، بدخول الهمزة على أوله: (أَفْعَلَ)، أو تضعيف عينه (فَعَّلَ). وإذا تعاقب (أَفْعَلَ) و (فَعَّلَ) على الموضع الواحد يكون معناهما واحد إذا كانا بغرض التعدية، وقد استدل الزبيدي على هذا
__________
(1) المصادر السابقة.
(2) ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، انظر: الحجة لابن خالويه: 207، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 505.
(3) النساء: 33.
(4) انظر: إعراب القرآن: 1/ 412.
(5) المطففين: 1.
(6) الجامع لأحكام القرآن: 5/ 167.
(7) انظر: جامع البيان للطبري: 7/ 29، والكشاف: 1/ 479، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 71، وجامع الأحكام للقرطبي: 5/ 52، وروح المعاني للألوسي: 1/ 284.
(8) النساء:10.
(1/184)
________________________________________
المعنى بالقراءات التي تعاقب فيها (أَفْعَلَ) و (فَعَّلَ) وذلك نحو قوله تعالى: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} (1)، حيث قرئ "نُصَلِّيهِ" (2). قال الفراء: "وتقرأ: "نُصَلِّيهِ"، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صَلَّيْتُ وأَصْلَيْتُ. وكأنّ صَلَّيْتُ: تصليه على النار، وكأنّ أَصْلَيْتُ: جعلته يصلاها" (3).
ومنه قوله تعالى {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (4) حيث قرئ {وَسَيُصَلَّوْنَ} (5)، وقرئ أيضا {وسَيُصْلَوْنَ} (6)، والمعنى واحد: يبتلى بحرها (7).
قال السمين: قرأ الجمهور "سَيَصْلَوْنَ"بفتحِ الياء واللام، وابن عامر وأبو بكر "سَيُصْلَوْنَ" بضمِّ الياء مبنياً للمفعول من الثلاثي. ويَحْتمل أن يكونَ من أَصْلى، فلمَّا بُني للمعفولِ قام الأولُ مقامَ الفاعلِ. وابن أبي عبلة بضمِّها مبنياً للفاعلِ من الرباعي، والأصلُ على هذه القراءة: سيُصْلِيُون من أصْلى مثل يُكْرِمون من أكرم، فاستثقِلَت الضمةُ على الياءِ فَحُذِفت فالتقى ساكنان، فحُذِفَ أولُهما وهو الياءُ وضُمَّ ما قبل الواو لتصِحَّ. و"أَصْلَى": يُحتمل أَن ْ تكونَ الهمزةُ فيه للدخول في الشيء، فيتعدَّى لواحد وهو "سعيراً" وأن تكونَ للتعديةِ فالمفعولُ محذوفٌ، أي: يُصْلُون أنفسَهم سعيراً.
وأبو حيوة "سَيُصَلَّوْنَ" بضمِّ الياءِ وفتحِ الصاد، واللام مشددة، مبنياً للمفعول من "صَلَّى" مضعفاً. قال أبو البقاء: "التضعيف للتكثيرِ" ... وقال الخليل: "صَلِي الكافرُ النارَ" قاسَى حَرَّها. وصلاة النارَ وأَصْلاه غيرُه، هكذا قال الراغب، وظاهرُ هذه العبارةِ أنَّ فَعِل وأَفْعَل بمعنىً، يتعدَّيان إلى اثنين ثاينهما بحرفِ الجر، وقد يُحْذَف. وقال غيرُه: "صَلِيَ بالنارِ أي: تَسَخَّن بقربها، فـ "سعيراً" على هذا منصوبٌ على إسقاط الخافض" (8).
__________
(1) النساء:30.
(2) هى قراءة الأعمش والنخعىّ وحميد بن قيس، انظر: البحر المحيط: 3/ 233، وجامع الأحكام للقرطبي: 5/ 253، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 503.
(3) معاني القرآن: 1/ 263.
(4) النساء: 10.
(5) هي قراءة ابن أبي عبلة وأبو حيوة، انظر: الدر المصون: 4/ 350، ومعجم القراءات:1/ 489.
(6) قراءة ابن عامر وعاصم وأبو بكر والحسن، انظر: السبعة: 138، والحجة لابن خالويه: 120، والحجة لأبي زرعة: 191، ومعجم القراءات: 1/ 489.
(7) انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 263.
(8) الدر المصون: 4/ 350.
(1/185)
________________________________________
نتائج هذا الفصل:
1 - أدى التغيير في حركة البناء الصرفي إلى تغيير في المعاني، في نحو اسمي الفاعل والمفعول من غير الثلاثي، حيث إن الفرق بينهما فتح أو كسر ما قبل الآخر. وقد جاءت قراءات عدة قرئ في الموضع الواحد بالشكلين معا مما يسمح للدارس أن يقول إن هذه الظاهرة قد أسهمت في إثراء المعجم العربي بتعدد المباني والمعاني. فمثلا "يُطَوَّقُونَهُ" يجوز أن يكون من الطوق، أو من الطاقة.
2 - ومن أمثلة تعدد المعنى مع توحد البناء "يُغَلَّ"، حيث يجوز أن يكون من (أَغْلَلْتُهُ) أي نسبته إلى الغلول. ويجوز أن يكون من (أَغْلَلْتُهُ) أي وجدته غالا. ويجوز أن يكون من (غَلَّ) مبنيا للمفعول، بمعنى: ما كان لنبي أن يَغُلُّهُ غيرُهُ.
3 - وكان لهذا التعدد في المعنى أثره في اختلاف الأحكام الفقيهة في نحو: "يُورَثُ كَلَالَةً" و"يُوَرِّثُ"، فإن مفهوم الكلالة يختلف باختلاف بناء الفعل كما مر. وكذلك "فَإِذَا أُحْصِنَّ" و"أَحْصَنَّ"، فقد اختلف في حد الأمة بناء على قراءة الفعل.
4 - في الغالب الأعم تميل اللغة للحصول على معان جديدة من ذات اللفظ عن طريق إضافة بعض حروف الزيادة إليه، وإن لم تكن اللغة في ذلك مطردة الاطراد الكامل، إلا أن ذلك هو الظاهر من القراءات وتحليل اللغويين والمفسرين لها، فزيادة الفعل بتضعيف عينه (فَعَّلَ) تفيد المبالغة في معنى الفعل في نحو: "يُذَبِّحُونَ"، و" خَرَّقُوا"، و"نَقَّبُوا"، و"وَدَّعَكَ". وفي "أَمَّرْنَا" تفيد الكثرة في العدد أو جعلهم أمراء. وفي "فَرَّقْنَاهُ" تفيد تكثير أغراض القرآن أو كثرة تنجيمه. أما في "يُمّيِّزَ"، و"عَقَّدَتْ" فإنها لا تفيد معنى زائدا على معنى (فَعَلَ). وقد عمدت اللغة لذلك؛ لأن الألفاظ محدودة، والمعاني غير محدودة، ومعنى ذلك أن في حروف الزيادة بابا واسعا لثراء اللغة في المفردات.
5 - زيادة الهمزة في (أَفْعَلَ) تدل على التعدي في نحو: "نُنْسِهَا"، و"تُزِغْ"، و"يُخْصِفَانِ" كما أفادت الوجود في "نُنْسِخْ". وأفادت مجرد الدخول في الشيء في "تُصْعِدُونَ". ولم تفد معنى زائدا عن (فَعَلَ) في نحو: "تَشْطُطْ" و"تُشْطِطْ"، وفي نحو: "أَزَرَهُ" و"آزَرَهُ". كما غيرت المعنى في نحو: "تُهْجِرُونَ" من الفحش، و"تَهْجُرُونَ" من الصد.
(1/186)
________________________________________
6 - كما أن زيادة الألف في (فَاعَلَ) دلت غالبا على معنى المشاركة في نحو: {عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}، و {لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، و"دَارَسْتَ". وقد افتقدت هذا المعنى بدلالة السياق في نحو: {يُخَادِعُونَ اللهَ}، و {وَاعَدْنَا مُوسَى}.
7 - وجاءت زيادة الثلاثي بالتاء والتضعيف (تفعل) لتفيد المبالغة والتكثير في "يَطَّهَّرْنَ"، بينما لم تفد معنى زائدا عن (فعل) في "يَسَّمَّعُونَ".
8 - كما أفادت (افتعل) معنى المبالغة في:"يَخَدِّعُونَ"، و"يَخِصِّفَانِ".
8 - أما (تفاعل) فقد أفادت المشاركة في "تَحَاضُّونَ"، ولم تفد معنى زائدا على (فعل) في "يَصَّاعَدُ".
9 - جاءت (فَعَّلَ) مساوية لـ (فَاعَلَ) في:"زَيَّلْنَا" و"زَايَلْنَا"، و"وُورِيَ" و"وُرِّيَ"، و"يُضَاعَفْ" و"يُضَعَّفْ"، فالمعنى في كل ذلك للمبالغة والتكثير. بينما اختلفت الدلالة في تعاقب "عَاقَدَتْ" و"عَقَّدَتْ"؛ لأن الأولى أفادت المشاركة، والثانية أفادت المبالغة.
10 - وجاء التعاقب بين (أَفْعَلَ) و (فَعَّلَ) مفيدا للتعدي في نحو: "نُصْلِيهِ" و"نُصَلِّيهِ"، وفي نحو: "سَيُصْلَوْنَ" و"سَيُصَلَّوْنَ".
(1/187)
________________________________________
الفصل الثاني
تغيير بنية الأسماء
- المبحث الأول: تغيير المشتق
- المبحث الثانى: التغيير فى صيغة الجمع
(1/188)
________________________________________
الفصل الثاني
تغيير بنية الأسماء

يتناول هذا الفصل تغيير بنية الأسماء، وقد قسمته إلى مبحثين تناولت في المبحث الأول: تغيير المشتق من اسم فاعل إلى اسم مفعول، ومن اسم فاعل إلى صفة مشبهة. وتناولت في المبحث الثاني: التغيير في صيغة الجمع، سيما كان الجمع سالما: مذكرا ومؤنثا، أو جمع تكسير، أو التحويل من جمع إلى جمع آخر.
(1/189)
________________________________________
المبحث الأول
تغيير المشتق
أولا: من اسم فاعل إلى اسم مفعول
يقرر الصرفيون أن اللغة العربية تشتق من الأفعال أسماء تدل على الفاعل، أو المفعول أو المبالغة، أو الصفة المشبهة ... وتخضع في هذا الاشتقاق إلى قواعد صارمة، وصيغ محددة. وهذا المطلب يتناول نوعين من المشتقات: اسم الفاعل، واسم المفعول، وهما يشتقان من الأفعال غير الثلاثية على زنة المضارع مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة مع مراعاة كسر ما قبل الآخر في حالة اسم الفاعل، وفتحه في حالة اسم المفعول. ومعنى ذلك أن التشابه في الرسم الإملائي كبير بين هذين الاسمين، حيث لا فرق بينهما في عدد الحروف، ولا في ترتيبها، ولا في ضبطها إلا في حركة حرف واحد وهو كسر أو فتح ما قبل الآخر. وتترك اللغة للسياق الحق في تحديد نوع المشتق حسب المعنى المراد من الكلام.
وعلى الرغم من أن اسم الفاعل واسم المفعول ضدان في المعنى فإن السياق يحتملهما أحيانا. وقد جاءت القراءات القرآنية شاهدة على هذا في بعض المواضع في القرآن الكريم، وقد ورد من ذلك في التاج ما يلي:
• (مُوَلَّاهَا) (1): قراءة في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (2).
[التاج: ولي]
يذكر الزبيدي أن التولية من الألفاظ المتضادة، ويستدل على معنى الانصراف فيها بقوله تعالى: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} (3) أي ما عدلهم وصرفهم. وعلى معنى الإقبال بقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}، قال الفراء (4): هو مستقبلها والتولية في هذا الموضع استقبال، وقد قرئ: {هُوَ مُوَلَّاهَا} أي: الله تعالى يولى أهل كل مِلَّةٍ القبلة التي تريد.
__________
(1) هي قراءة ابن عامر وابن عباس وأبي بكر وعاصم وأبي جعفر والباقر ويعقوب، انظر: الدر المصون: 2/ 158، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 213.
(2) البقرة: 148.
(3) البقرة: 142.
(4) انظر: معاني القرآن: 1/ 78.
(1/190)
________________________________________
قال ابن زنجلة: " قرأ ابن عامر:"هُوَ مُوَلَّاهَا" بفتح اللام أي هو موجهها وحجته أنه قَدَّرَ لَهُ أن يَتَوَلَّاهَا، ولم يُسْنَدْ إلى فاعل بعينه، فيجوز أن يكون (هو) كناية عن الاسم الذي أضيفت إليه (كل) وهو الفاعل، ويجوز أن يكون فاعل التولية الله و (هو) كناية عنه، والتقدير: ولكل ذي ملة قبلة الله موليها وجهه، ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله.
وقرأ الباقون: "هُوَ مُوَلِّيهَا" أي متبعها وراضيها، وحجتهم ما قد جاء في التفسير عن مجاهد: (ولكل وجهة هو موليها) أي لكل صاحب ملة وجهة: أي قبلة هو موليها، هو مستقبلها، قوله: هو موليها، (هو) كناية عن الاسم الذي أضيفت إليه كل في المعنى؛ لأنها وإن كانت منونة، فلا بد من أن تسند إلى اسم" (1).
وقال أبو إسحاق الزجاج: "في (هو) وجهان، أحدهما: أن يكون ضمير (كل)، أي لكل أهل وجهة وجهة هم الذين يتولونها ويستقبلونها عن أمر نبيهم عن مجاهد، والثاني: الله تعالى هو الذي يوليهم إليها، وأمرهم باستقبالها عن الأخفش (2)، وقد قرئ "هو مُوَلَّاهَا" وهذا حسن يدل على الثاني من القولين" (3).
ويرى الألوسي أن عود الضمير على الله تعالى يفسد المعنى فيقول: "وروي عن ابن عباس (رضي الله عنهما): "هُوَ مُوَلَّاهَا" على صيغة اسم المفعول أي هو قد ولى تلك الجهة فالضمير المرفوع حينئذٍ عائد إلى "كل" الْبَتَّة ولا يجوز رجوعه إلى الله تعالى لفساد المعنى" (4). وعبارة الطبري: "هُوَ مُوَلِّيهَا"، فإنه يعني هو مولٍّ وجهه إليها ومستقبلها ... وقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم قرؤوها: "هُوَ مُوَلَّاهَا" بمعنى أنه مُوجَّهٌ نحوها. ويكون الـ" كل" حينئذ غير مسمًّى فاعله، ولو سُمي فاعله، لكان الكلام: ولكلّ ذي ملة وجهةٌ، اللهُ مولِّيه إياها بمعنى: موجِّهه إليها" (5).
__________
(1) الحجة لابن زنجلة: 117.
(2) انظر معاني القرآن له: 1/ 119.
(3) إعراب القرآن: 1/ 126.
(4) روح المعاني: 1/ 345.
(5) جامع البيان: 1/ 412.
(1/191)
________________________________________
• (مُسَوَّمِينَ) (1): قراءة في قوله تعالى {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلآفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (2).
قال الزبيدي: " وسَوَّم الخَيْل: أَرْسَلَها إلى المَرْعَى تَرْعَى حيث شَاءَت. وبه فَسَّرَ الأخفشُ قَوْلَهُ تَعَالى: {مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوَّمِينَ} قال: وإِنَّما جاء باليَاءِ والنُّون؛ لأَنَّ الخيلَ سُوِّمَت وعَلَيها رُكْبانُها". واستدلال الزبيدي هنا بقراءة الفتح، أي باسم المفعول؛ لأنها اختيار الأخفش، وعبارته في (معاني القرآن) تقول: "مُسَوِّمِينَ" لأنهم سَوَّمُوا الخيلَ. وقال بعضهم: "مُسَوَّمِينَ" مُعَلَّمِينَ؛ لأنهم هم سُوِّمُوا وبها نقرأ" (3). [التاج: سوم].

قال السمين:" فأما القراءة الأولى - مُسَوِّمِينَ - فتحتمل أن تكون من السَّوْم وهو تَرْكُ الماشية ترعى، والمعنى أنهم سَوَّموا خيلَهم أي: أعطَوها سَوْمَها من الجري والجوَلان وتركوها، كذلك يَفْعل مَنْ يَسِيمُ ماشِيتَه في المَرْعى، ويحتمل أن يكون من السَّوْمَة وهي العلامة، على معنى أنهم سَوَّموا أنفسهم أو خيلهم، ففي التفسير أنهم كانوا بعمائَم بيضٍ إلا جبريلَ فبعمامةٍ صفراء (4) ... وأما القراءة الثانية فواضحةٌ بالمعنيين المذكورين فمعنى السَّوْم فيها: أنَّ الله أرسلهم، إذ الملائكة كانوا مُرْسَلين مِنْ عندِ الله لنصرةِ نبيِّه والمؤمنين ... قال أبو الحسن الأخفش: "معنى مُسَوَّمين: مُرْسَلين". ومعنى السَّومةِ فيها أنَّ الله تعالى سَوَّمَهم، أي: جَعَل عليهم علامَةً وهي العمائم، أو الملائكةُ جَعَلوا خيلَهم نوعاً خاصاً وهي البُلْق، فقد سَوَّموا خيلَهم" (5).
__________
(1) بصيغة اسم المفعول قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي ونافع وخلف ويعقوب والأخفش، وبصيغة اسم الفاعل قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب واليزيدي، انظر: السبعة: 216، والحجة لأبي زرعة: 173، والنشر: 2/ 242، والإتحاف: 322، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 569.
(2) آل عمران: 125.
(3) التاج: سوم: 1/ 182.
(4) انظر هذا المعنى أيضا في: جامع البيان للطبري: 7/ 185، والكشاف: 1/ 411، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 505، وجامع الأحكام للقرطبي: 4/ 196، وروح المعاني للألوسي: 4/ 348.
(5) الدر المصون: 4/ 158
(1/192)
________________________________________
• (مُرْدَفِينَ) (1) قراءة في قوله تعالى: {بِأَلْفٍ مِن الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِين} (2).
[التاج: ردف].
ساق الزبيدي هذه القراءة وهو بصدد الاستدلال على أن رَدِفَ وأَرْدَفَ يأتيان بمعنى واحد، فـ"مُرْدِفِينَ" اسم الفاعل من (أَرْدَفَ) الرباعي، قال الزَّجَّاجُ (3): يَأْتُونَ فِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ وقال الفَرَّاءُ (4): أَي: مُتَتَابِعِينَ: رَدِفَه وأَرْدَفَهُ بمَعْنًى واحدٍ، وقَرَأَ أَبو جعفرٍ ونافِعٌ ويعقوبُ وسَهْلٌ: "مُرْدَفِينَ" بفَتْحِ الدَّالِ، أَي: فُعِلَ ذلك بهم أَي: أَرْدَفَهُمْ اللهُ بغَيْرِهِم.

ويفرق أبو جعفر النحاس بين قراءة فتح الدال وكسرها فيقول:" "مُرْدَفِينَ" بفتح الدال فيها تقديران: يكون في موضع نصب على الحال من (كم) في (ممدكم) أي: أردف بهم المؤمنين، وهذا مذهب مجاهد قال مجاهد: أي مُمَدِّينَ. قال أبو جعفر: ويجوز أن يكون "مُرْدَفِينَ" في موضع خفض نعتا للأَلْفِ. و"مُرْدِفِينَ" بكسر الدال، قال أبو عمرو فيه: أي أردف بعضَهم بعضَا، وَرَدَّ أُبُو عُبَيْدٍ على أَبي عَمْرٍو هذا القول، وأنكر كسر الدال، واحتج أن معنى أَرْدَفَ فلانٌ فلاناً جَعَلَهُ خَلْفَهُ، قال: ولا نَعْلَمُ هذا في صفة الملائكة يومَ بَدْرٍ، وأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ (أَرْدَفَ) بمعنى (رَدِفَ) قال: لقول الله - عز وجل -: {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} ولم يَقُلْ المُرْدِفَةُ. قال أبو جعفر: لا يلزم أبا عمرو هذا الرد، ولا يتأول قوله على ما تأوله أبو عبيد، ولكن المعنى في "مُرْدِفِينَ" قد تقدم بعضُهم بعضًا، يقال: رَدِفْتُهُ وأَرْدَفْتُهُ بمعنى تَبِعْتُهُ وأَتْبَعْتُهُ، ولو كان كما قال أبو عبيد لكان معنى "مُرْدَفِينَ" بفتح الدال مُرْدَفِينَ خلفكم، وإنما معنى مُرْدَفِينَ في آثاركم أي اتبع بعضهم بعضا، وهذا أقوى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مُرْدَفٌ بهم أَرْدَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا " (5).
__________
(1) قرأ بفتح الدال على اسم المفعول كل من: نافع وعاصم وأبو جعفر وأبو عون وشيبة وسهل، انظر: السبعة لابن مجاهد: 304، والتيسير لأبي عمرو: 84، والحجة لابن زنجلة: 307، والجامع للطبري: 13/ 414، والدر المصون: 7/ 356، ومعجم القراءات: 2/ 255.
(2) الأنفال: 9.
(3) انظر: معاني القرآن وإعرابه: 1/ 222.
(4) انظر: معاني القرآن:1/ 404.
(5) إعراب القرآن: 2/ 178.
(1/193)
________________________________________
• (الْمُخْلِصِينَ) (1): قراءة في قوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (2).
جاء الزبيدي بالقراءة شاهدا على استخدام كل من اسم الفاعل، واسم المفعول، من الفعل الرباعي (أخلص) حيث يقول: "وأَخْلَصَ للهِ الدِّينَ: أَمْحَضَهُ وتَرَكَ الرِّياءَ فِيهِ فهُوَ عَبْدٌ مُخْلِصٌ ومُخْلَصٌ وهو مَجَازٌ ... وقُرِئَ: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَِصِينَ} بِكَسْرِ الَّلامِ وفتْحِها، قال الزَّجّاجُ: المُخْلَص: الَّذِي جَعَلَه اللهُ مُخْتاراً خَالِصاً من الدَّنَسِ، والمُخْلِصُ: الَّذِي وَحَّدَ الله تعالى خَالِصاً".
[التاج: خلص]
وقال أبو زرعة: " "الْمُخْلِصِينَ" بكسر اللام في جميع القرآن أي أخلصوا دِينَهُمْ وأَعْمَالَهُمْ مِنَ الرِّيَاءِ، وحجتهم قوله: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ} (3) وقوله: {مُخْلِصَاً لَهُ دِينِي} (4)، فإذا أَخْلَصُوا فهم مُخْلِصُونَ، تقول: رجل مُخْلِصٌ مُؤْمِنٌ، فترى الفعل في اللفظ له. وقرأ أهل المدينة والكوفة "الْمُخْلَصِينَ" بفتح اللام أي الله أخلصهم من الأسواء والفواحش فصاروا مُخْلَصِينَ، وحجتهم قوله تعالى: "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ" (5) فصاروا مُخْلَصِينَ بإخلاص الله إِيَّاهُمْ" (6).
• (مُبَيَّنَاتٍ) (7): قراءة في: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} (8).
[التاج: بين]
__________
(1) بكسر اللام قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي عمرو ويعقوب، وبفتحها قراءة نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي. انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 89، والسبعة لابن مجاهد: 348، والحجة لأبي زرعة: 358، والنشر: 2/ 332، التيسير: 90، والحجة لأبي زرعة: 358، والدر المصون للسمين: 8/ 415، والإتحاف للدمياطي: 346، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 530.
(2) الحجر: 40، وسورة ص: 83.
(3) النساء: 146.
(4) الزمر: 14.
(5) سورة ص: 46.
(6) الحجة: 358.
(7) قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وشعبة، وأبي جعفر، ويعقوب، انظر: العنوان: 12، وحجة أبي زرعة: 498، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 186، والمحرر الوجيز: 1/ 165، والبحر المحيط: 6/ 450، وروح المعاني: 18/ 159، ومعجم القراءات لمختار:3/ 371.
(8) النور: 34.
(1/194)
________________________________________
في هذه المادة يذكر الزبيدي خمسة صيغ للفعل (بان) وهي: بَانَ وبَيَّنَ وتَبَيَّنَ وأَبَانَ واسْتَبَانَ وكلها لازمة ومتعدية. وجاءت القراءة في قوله تعالى: {آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} شاهدا على تعدي الفعل (بَيَّنَ) ولزومه، حيث وردت القراءة بكسر الياء وتشديدها، بمعنى مُتَبَيِّنَات، فهي اسم فاعل، والفعل على هذا المعنى لازم، ومن قرأ بفتح الياء "مُبَيَّنَاتٍ"، فالمعنى: أن الله بَيَّنَهَا، فهي اسم مفعول، والفعل على هذا المعنى متعد.
قال الفراء: " قرأ يحيى بن وثّاب (مُبَيِّنَاتٍ) بالكسر. والناس بعد (مُبَيَّنَاتٍ) بفتح الياء ... فمن قال (مُبَيَّنَاتٍ) جعل الفعل واقعا عليهنّ، وقد بيّنهن الله وأوضحهنّ (ومُبَيِّنَاتٍ): هاديات واضحات" (1).
وقال أبو زرعة: " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر "آياتٍ مُبَيَّنَاتٍ" بفتح الياء أي لا لبس فيها، وحجتهم قوله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ} (2) والفعل مسند إلى الله، فهي الآن مُبَيَّنَاتٍ بدلالة ما في التنزيل على صحة وجه إخراجهن مفعولات. وقرأ أهل الشام والكوفة غير أبي بكر:"مُبَيِّنَاتٍ" بالكسر المعنى: بَيَّنَّ لكم الحلالَ من الحرامِ فهن الفاعلات، وحجتهم قوله: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} (3) فأسند التبيين إلى السورة، فكذلك قوله: {آيات مُبَيِّنَاتٍ} فأسندوا التبيين إلى الآيات " (4).
ومن هذا القبيل استشهد الزبيدي بقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (5) أي ظاهرة مُتَبَيِّنَةٌ، فهي اسم فاعل من (بَيَّنَ) المشدد، وقد قرئت "مُبَيَّنَةٍ" (6) بالفتح، على أنها اسم مفعول. قال ابن عطية: "وهذه القراءات كلها لغات فصيحة يقال بَيَّنَ الشيء وأَبَانَ إذا ظهر وبَانَ الشيء وبَيَّنْتُهُ" (7).
وقال الزمخشري:" "مُبَيَّناتٍ" هي الآيات التي بُيِّنَتْ في هذه السورة وأُوضِحَتْ في معاني الأحكام والحدود. ويجوز أن يكون الأصل مُبَيَّنَاً فيها فاتسع
__________
(1) معاني القرآن: 2/ 246.
(2) آل عمران: 118.
(3) التوبة: 64.
(4) الحجة: 498.
(5) النساء:19، والطلاق:1.
(6) قراءة ابن كثير وعاصم وشعبة، وابن محيصن، والحسن، انظر: الإتحاف: 337، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 497، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 42.
(7) المحرر الوجيز: 1/ 165.
(1/195)
________________________________________
في الظرف. وقرئ بالكسر، أى: بَيَّنَتْ هي الأحكامَ والحدودَ، جعلَ الفعلَ لها على المجاز. أو من «بَيَّنَ» بمعنى تَبَيَّنَ " (1).
• (المُحْتَظَر) (2): قراءة في قوله تعالى: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِر} (3).
قال الزبيدي: احتَظَرَ به أَي احْتَمَى، وأن هذا اللفظ قد استخدمه القرآن الكريم بصيغتي اسم الفاعل واسم المكان، ويستشهد على هذا بالقراءات الواردة في قوله تعالى: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِر}، فالمحتظِر، بكسر الظاء، اسم فاعل من احتظر، والمعنى: كالْهَشِيم الّذي جَمَعَه صاحِبُ الحَظِيرَة. وقرِئ: "المُحْتَظَر" بالفَتْح، على أنه اسم مفعول. [التاج: حظر].
قال ابن عطية:" قرأ جمهور الناس (كهشيم المحتظِر) بكسر الظاء، ومعناه الذي يصنع حظيرة من الرعاء ونحوهم ... وقال قوم (المحتظَر) بالفتح، الهشيم نفسه، وهو (مفتعل) وهو كمسجد الجامع وشبهه" (4).
وقال السمين: "العامَّةُ على كسر الظاء اسم فَاعلٍ وهو الذي يَتَّخِذُ حَظيرةً مِنْ حَطَب وغيرِه. وقرأ أبو السَّمَّال وأبو حيوة وأبو رجاء وعمرو بن عبيد بفتحها ... قيل هو اسمُ مفعولٍ وهو الهَشيمُ نفسهُ، ويكون من بابِ إضافةِ الموصوفِ لصفتِه كمسجدِ الجامع" (5).
وقال الألوسي: " و"المُحْتَظِر" الذي يعمل الحظيرة، فإنه يتفتت منه حالة العمل، ويتساقط أجزاء مما يعمل به، أو يكون الهشيم ما يبس من الحظيرة بطول الزمان، تطؤه البهائم فيتهشم، وتعقب هذا بأن الأظهر عليه كهشيم الحظيرة ... وقرأ الحسن، وأبو حَيْوَةَ، وأبو السَّمَّال وأبو رجاء، وعمرو بن عَبِيد: "المُحْتَظَر" بفتح الظاء، على أنه ... اسم مفعول (6)، قيل: ويقدر له موصوف أي "كَهَشِيمِ" الحائط "المُحْتَظَر" (7).
__________
(1) الكشاف: 3/ 240.
(2) هي قراءة الحسن، وأبي حيوة، وأبي السمال، وأبي رجاء، وأبي عمرو بن عبيد، وقتادة، وأبي العلية (معجم القراءات: 5/ 14)، وانظر أيضا: الإتحاف:722.
(3) القمر: 31.
(4) المحرر الوجيز: 1/ 178.
(5) الدر المصون: 13/ 251.
(6) انظر: التبيان للعكبري: 2/ 250، والمفردات للأصفهاني: 1/ 247.
(7) روح المعاني: 9/ 97.
(1/196)
________________________________________
• (مُسْتَنْفَرَةٌ) (1): قراءة في {كأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَة} (2).
[التاج: نفر].
جاء قوله تعالى: {حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَة فَرَّتْ} شاهدا على أن: نَفَرَ، ونَفَّرَ وأَنْفَرَ، واسْتَنْفَرَ تأتي بمعنى واحد، وأن اسم الفاعل من السداسي (مُسْتَنْفِر) يأتي بمعنى اسم الفاعل من الثلاثي (نَافِر). وقراءة الفتح "مُسْتَنْفَرَةٌ" على اسم المفعول، أي: مُنَفَّرَة مَذْعُورة. وسياق الآية يحتمل القراءتين؛ وهما قراءتان سبعيتان (3). وَجَّهَ لهما الزمخشري قائلا: "والـ «مُسْتَنْفِرَة» الشديدة النِّفَار، كأنها تطلب النِّفَارَ من نُفُوسِهَا في جَمْعِهَا له وحَمْلِهَا عَلَيْهِ. وقرئ بالفتح: وهي الْمُنَفَّرَةُ الْمَحْمُولَةُ على النِّفَارِ" (4). فالزمخشري هنا قد أبقى السين على بابها، من حيث إنها تفيد معنى الطلب، ومعنى ذلك أنه يُبْقِي لاسم الفاعل من السداسي خُصُوصِيَّتَهُ في المعنى الذي يميزه عن غيره، وهو الطلب.
قال ابن عاشور:" "مُسْتَنْفَرِة" بفتح الفاء، أي استنفرها مستنفر، أي أنفرها، فهو من استنفره المتعدي بمعنى أنفره. وبناء الفعل للنائب يفيد الإِجمال ثم التفصيل بقوله: {فَرَّت من قَسْوَرة}. وقرأها الجمهور بكسر الفاء، أي اسْتَنْفَرَتْ هي مثل: استجاب، فيكون جملة "فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ " بياناً لسبب نفورها. قال محمد بن سَلَّامٍ: سَأَلْتُ أَبَا سَوَّارٍ الغَنَوِيِّ، وكان أعرابياً فصيحاً فقلت: كأنهم حُمُرٌ مَاذا؟، فقال: مُسْتَنْفَرَة: بفتح الفاء، فقلت له: إنما هو "فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ". فقال: أَفرَّتْ؟ قلت: نعم، قال: فَمُسْتَنْفِرَةٌ إِذَنْ، فكسَرَ الفاء" (5).
قال السمين:" يعني أنها مع قولِه "طَرَدَهَا" تُناسِبُ الفتحَ؛ لأنها اسمُ مفعولٍ فلما أُخْبر بأنَّ التلاوةَ "فَرَّتْ مِن قسْوَرَةٍ"، رَجَعَ إلى الكسرِ للتناسُبِ، إلاَّ أنَ بمثلِ هذه الحكاية لا تُرَدُّ القراءةُ المتواترةُ " (6).
__________
(1) قراءة الفتح لنافع، وابن عامر، وأبي جعفر، انظر: جامع البيان للطبري: 24/ 39، ومعالم التنزيل للبغوي: 8/ 274، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 423، وجامع الأحكام للقرطبي: 19/ 89، والبحر المحيط لأبي حيان: 10/ 342.
(2) المدثر: 50، 51.
(3) انظر: السبعة لابن مجاهد: 660، ومعاني القراءات للأزهري: 514، والحجة لابن خالويه: 356، والحجة لأبي زرعة: 734، والنشر لابن الجزري: 2/ 393، والإتحاف للدمياطي:562، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 241.
(4) الكشاف: 4/ 380.
(5) التحرير والتنوير: 27/ 191.
(6) الدر المصون: 14/ 174.
(1/197)
________________________________________
• (مُفْرِطُونَ) (1): قراءة في قوله تعالى: {وأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} (2). [التاج: فرط].
حمل الزبيدي قراءة فتح الراء على معنى: أَفْرَطَ الأَمْرَ، إِذا نَسِيَه، فهو مُفْرَطٌ، أَي مَنْسِيٌّ وبه فَسَّرَ مُجاهِدٌ قوله تعالَى: {وأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} أَي مَنْسِيُّون. وقال الفرَّاءُ: مَنْسِيُّونَ في النَّارِ.
قال الطبري: "قرأته عامة قرّاء المِصرَينِ الكوفة والبصرة (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) بتخفيف الراء وفتحها، على معنى ما لم يُسَمّ فاعله من أُفرِط فهو مُفْرَط ... وقرأ نافع بن أبي نعيم: "وأنَّهُم مُفْرِطُونَ" بكسر الراء وتخفيفها ... بتأويل: أنهم مُفْرِطُونَ في الذنوب والمعاصي، مُسْرِفون على أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أَفْرط فلان في القول: إذا تجاوز حَدَّه، وأسرف فيه" (3).
• (الْمُنْشِآتُ) (4): قراءة في قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأْعْلَامِ} (5). [التاج: نشأ].
قال الزجاج: "الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ"، هي السُّفُنُ المَرْفوعَةُ الشُّرُعِ والقُلُوعِ، وإِذا لم يُرْفَع قِلْعُها فَلَيْسَتْ بِمُنْشَآتٍ، وقرِئ "المُنْشِئآتُ"، أَي الرَّافِعَاتُ الشُّرُع (6). وقال الفرّاءُ: من قَرَأَ: "المُنْشِئاتُ" فهن اللاتي يُقْبِلْنَ ويُدْبِرْن، ويقال: المُنْشِئآتُ: المُبْتَدِئَاتُ في الجَرْيِ، قال: والمُنْشَآتُ: أُقْبِلَ بِهنَّ وأُدْبِرَ (7).
قال أبو زرعة:" "المنشِآت" بكسر الشين، أي المبتدئات في السير ... وقال بعض أهل النحو: المعنى: المنشئات السير فحذف المفعول للعمل به، ونسب الفعل إليها على الاتساع، كما يقال: مات زيد، ومرض عمرو، ونحو ذلك مما يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه، وهو في الحقيقة بهبوب الريح ودفع الرجال. وقرأ الباقون: "المنشَآت" بفتح الشين. قال أبو عبيدة: "المنشَآت": المُجْرَيَاتُ
__________
(1) هي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس ونافع، انظر: السبعة لابن مجاهد: 374، ومعالم التنزيل للبغوي: 5/ 26، وجامع الأحكام للقرطبي: 10/ 121، والحجة لأبي زرعة: 391.
(2) النحل: 62.
(3) جامع البيان: 17/ 235.
(4) الكسر قراءة حمزة وأبي بكر والأعمش ويزيد بن علي وطلحة، انظر: جامع البيان للطبري: 23/ 37، والكشاف: 4/ 446، والحجة لأبي زرعة: 691، والدر المصون: 13/ 271، وروح المعاني للألوسي: 2/ 468
(5) الرحمن: 24.
(6) انظر: معاني القرآن وإعرابه: 5/ 100.
(7) انظر: معاني القرآن: 3/ 115.
(1/198)
________________________________________
المَرْفُوعَاتُ الشُرُع، وهي مفعولة؛ لأنها أنشئت، وأجريت، ولم تفعل ذلك بأنفسها أي فُعِلَ بها الإنشاء، فهذا بين لا إشكال فيه" (1).
• (والمُحْصِنَاتُ) (2): قراءة في قوله تعالى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِن النِّسَاءِ} (3).
[التاج: حصن].
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَجْمَعَ القُرَّاء على نَصْبِ الصَّاد في الحَرْفِ الأَوَّل مِن النِّساء (4)، فلم يَخْتلِفوا في فتْحِ هذه؛ لأَنَّ تأَوِيلَها ذَوَات الأَزْواجِ يُسْبَيْنَ فيُحِلُّهنَّ السِّباءُ لمَنْ وَطِئها مِن المالِكِين لها، وتَنْقطِع العِصْمةُ بينهنَّ وبينَ أَزْواجهنَّ بأَنْ يَحِضْنَ حَيْضَة ويَطْهُرْنَ منها، فأَمَّا سِوَى الحَرْف الأَوَّل فالقُرَّاء مُخْتَلِفونَ: فمنهم مَنْ يَكْسِر الصَّاد، ومنهم مَنْ يَفْتَحها فمَنْ نَصَبَ ذَهَبَ إِلى ذَواتِ الأَزْواجِ اللاَّتي قد أَحْصَنَهُنَّ أَزْواجُهنَّ، ومَنْ كَسَر ذهَبَ إِلى أَنَّهنَّ أَسْلَمْنَ فأَحْصَنَّ أَنْفسهنَّ فهُنَّ مُحْصِنات (5).
قالَ الفرَّاءُ: "والمُحْصَنَاتُ مِن النِّساءِ"، بنَصْبِ الصَّاد أَكْثَرُ في كَلامِ العَرَبِ (6).
وقال السمين:" "الْمُحْصَنَاتُ" قرأ الجمهور هذه اللفظة سواء كانت معرفة بـ "أل" أم نكرة بفتح الصاد، والكسائي بكسرها في الجميع، إلا قوله "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ" (7) في رأس الجزء، فإنه وافق الجمهور. فأمَّا الفتحُ ففيه وجهان:
__________
(1) الحجة: 691.
(2) بكسر الصاد قراءة طلحة بن مصرف والحسن وعلقمة، انظر: السبعة لابن مجاهد: 230، الجامع للطبري: 8/ 187، والكشاف للزمخشري: 1/ 497، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 196، والمحرر الوجيز لابن عطية: 2/ 193، والحجة لأبي زرعة: 196، وروح المعاني: 1/ 345.
(3) النساء: 24.
(4) ورد لفظ "محصنات" معرفا "بال" ونكرة، في القرآن الكريم ثمان مرات، أربع في النساء: 24، 25، ومرتان في المائدة: 5، وموضعان في النور: 4، 23.
(5) التاج: حصن، وانظر ذات المعنى: الجامع للطبري: 8/ 187، والكشاف للزمخشري: 1/ 497، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 196، والمحرر الوجيز: 2/ 193، والحجة لأبي زرعة: 196، وروح المعاني: 1/ 345.
(6) انظر: معاني القرآن: 1/ 260.
(7) النساء: 24.
(1/199)
________________________________________
أشهرهما: أنه أَسْند الإِحصان إلى غيرهن، وهو إمَّا الأزواج أو الأولياء، فإن الزوج يُحْصِنُ امرأته أي: يُعِفُّها، والوليَّ يُحصِنُها بالتزويجِ أيضاً والله يُحْصِنُها بذلك.
والثاني: أن هذا المفتوحَ الصادِ بمنزلة المكسور، يعني أنه اسمُ فاعل، وإنما شَذَّ فتحُ عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظَ: أَحْصَنَ فهو مُحْصَن وأَلْقح فهو مُلْقَح، وأَسْهَب فهو مُسْهَب.
وأمَّا الكسر فإنه أسند الإِحصان إليهن؛ لأنهن يُحْصِنَّ أنفسهن بعفافهن، أو يُحْصِنَّ فروجهن بالحفظ، أو يُحْصِنَّ أزواجهن. وأما استثناء الكسائي التي في رأس الجزء قال: "لأن المراد بهن المُزَوَّجات فالمعنى: أن أوزاجَهُنَّ أحصنوهن، فهن مفعولاتٌ"، وهذا على أحدِ الأقوال في المحصنات هنا مَنْ هن؟ على أنه قد قرئ ـ شاذاً ـ التي في رأس الجزء بالكسر أيضاً، وإنْ أُريد بهن المزوِّجات؛ لأنَّ المراد أحصنَّ أزواجهنّ أو فروجهنّ، وهو ظاهر" (1).

ثانيا: من اسم الفاعل إلى الصفة المشبهة
الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد، وهي الصفة المصوغة لغير تفضيل، لإفادة نِسْبَةِ الحَدَثِ إلى مَوْصُوفِهَا دونَ إِفَادَةِ الحُدُوثِ، مثال ذلك "حَسَن" في قولك: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسَنِ الْوَجْهِ، فَـ"حَسَنُ" صفة؛ لأن الصفة ما دل على حَدَثٍ وَصَاحِبِهِ، وهذه كذلك وهي مصوغة لغير تفضيل قطعا؛ لأن الصفات الدالة على التفضيل هي الدالة على مشاركة وزيادة، كَأَفْضَل، وأَعْلَم وأَكْثَر، وهذه ليست كذلك، وإنما صيغت لنسبة الحدث إلى موصوفها، وهو الحُسْنُ، وليست مصوغة لإفادة معنى الحدوث، وأعني بذلك أنها تفيد أن الحُسْنَ في المثال المذكور ثابت لوجه الرجل، وليس بحادث متجدد وهذا بخلاف اسمي الفاعل والمفعول، فإنهما يفيدان الحدوث والتجدد ألا ترى أنك تقول: مررت برجل ضارب عمرا، فتجد ضاربا مفيدا لحدوث الضرب وتجدده، وكذلك مررت برجل مضروب. وإنما سميت هذه الصفة مشبهة؛ لأنها كان أصلها أنها لا تنصب لكونها مأخوذة من فعل قاصر؛ لكونها لم يقصد بها الحدوث، فهي مباينة للفعل تؤنث وتثنى وتجمع، فتقول: حَسَنٌ، وحَسَنَةٌ، وحَسَنَانِ وحَسَنَتَانِ، وحَسَنُونَ، وحَسَنَات، كما تقول في اسم الفاعل: ضارب وضاربة، وضاربان، وضاربتان، وضاربون، وضاربات. وهذا بخلاف اسم التفضيل كأعلم وأكثر، فإنه لا يثنى
__________
(1) الدر المصون: 4/ 400.
(1/200)
________________________________________
ولا يجمع ولا يؤنث أي في غالب أحواله، فلهذا لا يجوز أن يشبه باسم الفاعل (1). والصفة المشبهة لا تنصب إلا اسما واحدا. ولم تشبه باسم المفعول؛ لأنه لا يدل على حدث وصاحبه، كاسم الفاعل؛ ولأن مرفوعها فاعل كاسم الفاعل، ومرفوعه نائب فاعل (2).
وكل صيغة لاسم الفاعل هي صيغة للصفة المشبهة ما دلت على ثبوت الصفة.
وقد وردت القراءة في مواضع عدة من التاج مترددة بين اسم الفاعل والصفة المشبهة منها:
• (حامِئَةٍ) (3): قراءة في قوله تعالى: {تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (4).
قال الزبيدي: "حَمِئت البئرُ حَمَأً فهي حَمِئَةٌ إذا صارت فيها الحَمْأَة، وهو الطين الذي تغير لونه ورائحته. وفي التنزيل {تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ}، وقرأَ ابنُ مسعود وابنُ الزُّبَيْر {في عَيْنٍ حامِئَةٍ}. [التاج: حمأ].
وقراءة ابن مسعود كما روتها كتب التفسير (5) والقراءات (6) "حَامِيَة" بالياء وليس بالهمزة وقد جوز بعض المفسرين أن يكون أصلها الهمزة ثم خففت، وعليه تلتقي القراءتان في معنى واحد، ويجوز أن تكون من (حمي) والمعنى: شديدة الحر. ويجوز أن تجمع أيضا العين بين الوصفين فتصير حمئة وحامية.
غير أن العكبري قال: "ويقرأ بالألف من غير همز - حامية - وهو مخفف من المهموز- حامئة - أيضا، ويجوز أن يكون من حمي الماء، إذا اشتد حره،
__________
(1) انظر في الصفة المشبهة: الكتاب لسيبويه: 1/ 194 - 209، والمقتضب للمبرد: 4/ 158– 165، وهمع الهوامع للسيوطي: 3/ 79 - 82، والأصول في النحو لابن السراج: 1/ 130 - 132 ومغني اللبيب لابن هشام: 1/ 598 - 600، والشافية في علم التصريف للدويني: 1/ 25، والمفصل للزمخشري: 1/ 293 - 295.
(2) انظر: المقتضب للمبرد: 4/ 158– 165، وهمع الهوامع: 3/ 79 - 82، والأصول في النحو لابن السراج: 1/ 130 - 132 ومغني اللبيب لابن هشام: 1/ 598 - 600.
(3) لم أقف على مصدر ذكر هذه القراءة غير التاج، ويبدو أنه أراد (حامية) قبل إبدال الهمزة ياء.
(4) الكهف: 86.
(5) انظر: جامع البيان للطبري: 18/ 97، والكشاف: 2/ 743، والمحرر الوجيز: 1/ 415، وروح المعاني للألوسي: 4/ 370، والتحرير والتنوير لابن عاشور: 15/ 113، ومعاني الفراء: 2/ 158.
(6) انظر: السبعة لابن مجاهد: 378، والحجة لأبي زرعة: 428، والنشر: 2/ 314.
(1/201)
________________________________________
كقوله تعالى: {نَارَاً حَامِيَةً} (1) " (2)، فحامية على القول بالتخفيف من حامئة تتصل بالمادة لاشك.
وفي مادة (خ ل ب) يذكر الزبيدي الآية مرة أخري مستدلا بها على أن الخُلُبَ هو الحمأ فيقول: "وفي حديث ابنِ عباسٍ وقد حَاجَّهُ عُمَرُ في قولِه تعالى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فقال عُمَرُ: "حَامِيَة"، فأَنشَدَ ابنُ عباس بَيْتَ تُبَّعٍ (3):
فَرَأَى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ مَآبِهَا ... فِي عَيْنِ ذِي خُلُبٍ وثَأطٍ حَرْمَدِ
الخُلُب: الطِّينُ والحَمْأَةُ "
ولكن الطحاوي قد عقد بابا في (شرح مشكل الآثار) سماه: "باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تغرب فيه الشمس " ذكر فيه سبعة أحاديث ليس فيها محاجة بين ابن عباس وعمر بن الخطاب، ولكنها كانت بين ابن عباس وعبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، في بعض الأحاديث، وبين ابن عباس وعمرو بن العاص في أحاديث أخرى، ويبدو أن الزبيدي أو من نقل عنه قد التبس عليه الاسم الصحيح. ونص الحديث: عن ابن عباس قال: «خالفني عمرو بن العاص ونحن عند معاوية فقال ابن عباس: "عَيْنٍ حَمِئَةٍ" وقال عمرو: "حَامِيَةٍ " قال: فسألنا كعبا فقال: إنها في كتاب الله المنزل لتغرب في طينة سوداء» (4).
ويذكر الدمياطي في الإتحاف أن من قرأ "حمئة" فهي صفة مشبهة من (حمأ)، ومن قرأ "حامية" فهي اسم فاعل من (حمي) (5). والمعروف أن دلالة الصفة المشبهة أقوى من اسم الفاعل لإفادتها معنى الثبوت في الصفة.
قال القرطبي: "قرأ ابن عاصم وعامر وحمزة والكسائي "حامية" أي حارة.
الباقون "حمئة" أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء، تقول: حمأت البئر حمأ (بالتسكين) إذا نزعت حمأتها. وحمئت البئر حمأ (بالتحريك) كثرت حمأتها.
ويجوز أن تكون "حامية" من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء. وقد يجمع بين القراءتين فيقال: كانت حارة وذات حمأة " (6).
__________
(1) الغاشية: 4.
(2) التبيان في إعراب القرآن: لأبي البقاء العكبري: 2/ 859.
(3) نسب صاحب الأغاني البيت لأمية بن أبي الصلت، انظر الأغاني: 1/ 389.
(4) شرح مشكل الآثار للطحاوي: 1/ 257 رقم: 283.
(5) انظر: إتحاف فضلاء البشر: 371.
(6) الجامع للقرطبي: 11/ 49.
(1/202)
________________________________________
قال أبو حيان: "ولا تنافي بين الحامية والحمئة إذ تكون العين جامعة للوصفين. وقال أبو حاتم: وقد تمكن أن تكون حامية مهموزة بمعنى ذات حمأة فتكون القراءتان بمعنى واحد يعني إنه سهلت الهمزة بإبدالها ياء لكسرة ما قبلها، وفي التوراة تغرب في ماء وطين" (1).
• (حَذِرُونَ) (2): قراءة في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} (3).
يذكر الزبيدي القراءتين: "حاذِرُونَ"، و"حَذِرُونَ"، ويفرق بين الصياغتين في المعنى دون أن يلفت الانتباه إلى أن الأولى اسم فاعل، والثانية صفة مشبهة فيقول: "وفي الكتاب العزيز: {وإِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ} وقُرِئ: "حَذِرُونَ" ... ومعنَى: حاذِرُون: مُتَأَهِّبُون، ومعنَى: حَذِرُون: خائِفُون، وقيل: مُعِدُّونَ. ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ أَنه قال: مُؤْدُونَ: ذو أَداة من السِّلاح. وقال الزَّجّاج: الحاذِرُ: المُسْتَعِدُّ. والحَذْرُ: المُتَيَقِّظُ. وقال شَمِرٌ: الحاذِرُ: المُؤْدِي الشَّاكُّ في السِّلاح".
[التاج: حذر].
قال الطبري: "قرأته عامة قرّاء الكوفة: (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) بمعنى: أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوّة وسلاح. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة: "وأنا لجميع حذرون" بغير ألف. وكان الفرّاء يقول (4): كأن الحاذر الذي يحذرك الآن، وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا ... والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ، فمصيب الصواب فيه" (5). وقال البغوي: هما لغتان (6).
وقال الرازي: "واعلم أن الصفة إذا كانت جارية على الفعل وهي اسم الفاعل واسم المفعول كالضارب والمضروب أفادت الحدوث، وإذا لم تكن كذلك وهي المشبهة أفادت الثبوت، فمن قرأ "حَذِرُونَ" ذهب إلى إنا قوم من عادتنا
__________
(1) البحر المحيط: 7/ 488.
(2) قراءة ابن عامر، وأبي عمرو، ونافع وابن كثير وهشام ويعقوب وأبي جعفر، انظر: معاني الفراء: 2/ 275، والسبعة لابن مجاهد: 471، والكشاف: 3/ 315، ومعالم التنزيل: 6/ 114، وروح المعاني: 19/ 82، والإتحاف: 594، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 433.
(3) الشعراء: 56.
(4) معاني القرآن: 3/ 245.
(5) جامع البيان للطبري: 19/ 353.
(6) معالم التنزيل: 6/ 114.
(1/203)
________________________________________
الحذر واستعمال الحزم ومن قرأ: "حَاذِرُونَ" فكأنه ذهب إلى معنى إنا قوم ما عهدنا أن نحذر إلا عصرنا هذا" (1).
وقال القرطبي: قال النحاس: أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى "حذرون" و"حاذرون" واحد. وهو قول سيبويه، وأجاز: هو حذر زيدا، كما يقال: حاذر زيدا، وأنشد:
حَذِرٌ أُمُورَاً لا تَضِيْرُ وَآمِنٌ ... مَا لَيْسَ مُنْجِيَهِ مِنَ الأَقْدَارِ (2)
وزعم أبو عمر الجرمي أنه يجوز: هو حذر زيدا، على حذف من. فأما أكثر النحويين فيفرقون بين حذر وحاذر، منهم الكسائي والفراء ومحمد بن يزيد، فيذهبون إلى أن معنى حذر في خلقته الحذر، أي متيقظ متنبه، فإذا كان هكذا لم يتعد، ومعنى حاذر مستعد وبهذا جاء التفسير عن المتقدمين" (3).
• (فَرِهِينَ) (4): قراءة في قوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} (5).
قال الزبيدي: "فَرِهَ كفَرِحَ: أَشِرَ وبَطَر. قال الفراء: أقيمت الهاء هنا مقام الحاء في فَرِحَ والفَرَحُ في كلام العرب: الأَشَرُ والبَطَرُ، يقال: لا تَفْرَحْ أي لا تَأْشَرْ، وفى الصحاح قوله تعالى: {بُيُوتًا فَرِهِينَ} فمن قرأه كذلك فهو من هذا، ومن قرأه: {فَارِهِينَ} فهو من فَرُهَ بالضم. فعلى الأولى أي: أشرين بطرين، وعلى الثانية: حاذقين قاله الفراء (6) ". [التاج: فره].
والواضح من كلامه اختلاف معنى القراءتين لاختلاف أصلهما. وللألوسي إسهام في هذه الآية حيث يرى أن الأصل واحد والاختلاف في الصيغة فقط؛ يقول: "وقراءة الجمهور أبلغ لما ذكروا في حاذر وحذر" (7)، أي أن "فَارِهَاً" اسم
__________
(1) مفاتيح الغيب: 24/ 119.
(2) انظر: البحر المحيط: 8/ 404، والدر المصون: 11/ 200، وذكر البطليوسي في: الحلل في شرح أبيات الجمل: 21، أن هذا البيت مصنوع.
(3) جامع الأحكام: 3/ 102.
(4) هي قراءة أبي عمرو، وابن كثير، وأبي جعفر، ويعقوب، انظر: جامع البيان للطبري: 19/ 382، ومعالم التنزيل للبغوي: 6/ 125، والحجة لابن زنجلة: 519، والنشر: 2/ 336، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 444.
(5) الشعراء: 149.
(6) انظر: معاني القرآن: 2/ 277.
(7) روح المعاني: 7/ 380.
(1/204)
________________________________________
فاعل و"فَرِهَاً" صفة مشبهة (1)، فهي أقوى في الدلالة؛ لأنها تدل على ثبوت الصفة في موصوفها، وما ذكره الألوسي أقرب إلى الصواب؛ لأن جمهور القراء على التقريب بين القراءتين ما أمكن ذلك.
قال البغوي: معناهما واحد (2). وقيل: "فارهين" أي: حاذقين بنحتها، من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره، ومن قرأ "فرهين" قال ابن عباس: أَشِرين بطِرِين (3). وقال عكرمة: ناعمين. وقال مجاهد: شرهين. قال قتادة: معجبين بصنيعكم، قال السدي: متجبرين. وقال أبو عبيدة: مرحين. وقال الأخفش فرحين. والعرب تعاقب بين الهاء والحاء مثل: مدحته ومدهته. قال الضحاك: كَيِّسِينَ (4) " (5).
• (فَكِهُونَ) (6): قراءة في قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} (7). [التاج: فكه].
يذكر الزبيدي قراءة {فَكِهُونَ} وأن معناها متعجبون. وهي جمع فَكِهٍ كحذر وحذرون، وهي صفة مشبهة تدل على المبالغة والثبوت ... وقرىء {فَاكُهُونَ} (8) بفتح الفاء وضم الكاف، و"فَعُل" بضم العين من أوزان الصفة المشبهة، كنَطُسٍ وهو الحاذق الدقيق النظر الصادق الفراسة" (9).
__________
(1) انظر: معاني القراءات للأزهري: 349، والإتحاف للدمياطي: 423.
(2) وهذا ما ذهب إليه أبو عبيدة في "مجاز القرآن": 2/ 98.
(3) قال أبو جعفر النحاس: "وهذا أعرفها في اللغة، وهو قول أبي عمرو، وأبي عبيدة، فكأن الهاء مبدلة من حاء، لأنهما من حروف الحلق"، معاني القرآن: 5/ 97.
(4) قال الطبري: ومعنى قراءة من قرأ (فارهين): حاذقين بنحتها، متخيرين لمواضع نحتها، كيسين، من الفراهة. ومعنى قراءة من قرأ (فرهين): مرحين أشرين، وقد يجوز أن يكون معنى: فاره وفره، واحدا .. ". جامع البيان: 19/ 101.
(5) معالم التنزيل: 6/ 125.
(6) قراءة نافع وأبي جعفر، وقتادة، وأبي حيوة، ومجاهد وشعبة، وأبي رجاء، والحسن والأعرج انظر: جامع البيان للطبري: 20/ 536، والكشاف: 4/ 21، ومعالم التنزيل: للبغوي: 7/ 22، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 180.
(7) يس: 55.
(8) هي قراءة الجمهور، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 15/ 44، والبحر: 7/ 321 والدر المصون: 7/ 22.
(9) روح المعاني للألوسي: 8/ 296.
(1/205)
________________________________________
قال القرطبي: وهما لغتان كالفاره والفره، والحاذر والحذر، قاله الفراء (1). وقال الكسائي وأبو عبيدة: الفاكه ذو الفاكهة، مثل شاحم، ولاحم وتامر، ولابن، والفكه المتفكه والمتنعم. و"فكهون" بغير ألف في قول قتادة معجبون. وقال أبو زيد: يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا" (2).
• (لَبِثِينَ) (3): قراءة في قوله تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (4).
[التاج: لبث].
يشرح الزبيدي معنى لابِثٍ ولَبِثٍ على ضوء الآية وقراءتها، فيقول: "وهو لابِثٌ ولَبِثٌ أَيضاً قال الله تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}، قال الفراءُ (5) النّاس يقرؤونَ: "لابِثِينَ" ورُوِي عن علقَمَةَ أَنه قَرَأَ: "لَبِثينَ"، قال: وأَجودُ الوَجْهيْن "لابِثِينَ" قال: واللَّبِثُ: البَطِيء وهو جائزٌ كما يُقَال: طَامِعٌ وطَمِعٌ بمعنىً واحدٍ، ولو قلت: هو طَمِعٌ فيما قِبَلَكَ كان جائزاً". ويذكر البغوي أنهما لغتان (6).
ومع ذلك يؤكد غير واحد من اللغويين والمفسرين على أن هناك فرقا في المعنى بين القراءتين، قال الزمخشري: " قرئ: "لابثين" و"لبثين"، واللبث أقوى؛ لأنّ اللابث من وجد منه اللبث، ولا يقال «لبث» إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه" (7). وقال الألوسي (8): وفي "لَبِثِينَ" من المبالغة ما ليس في "لابثين"". ويقول أبو حيان (9): إن فَاعِلاً يدل على من وجد منه الفعل وفَعِلاً يدل على من شأنه ذلك كحاذر وحذر. ويقول الأزهري (10): هو لَبِثٌ إذا صار البث من شأنه.
__________
(1) انظر: معاني القرآن: 2/ 380.
(2) جامع الأحكام للقرطبي: 15/ 44.
(3) هي قراءة حمزة والكسائي والأعمش وعلقمة ويحيى بن وثاب وطلحة، وابن مسعود، وزيد بن علي وقتيبة، انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 228، وجامع البيان للطبري: 24/ 159، والكشاف: 4/ 688، ومعالم التنزيل: 8/ 314، والنشر: 2/ 397، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 287.
(4) النبأ: 23.
(5) انظر: معاني القرآن: 3/ 228.
(6) انظر: معالم التنزيل: 8/ 314.
(7) الكشاف: 4/ 688.
(8) انظر: روح المعاني:10/ 250.
(9) انظر: البحر:10/ 301.
(10) انظر: معاني القراءات:525.
(1/206)
________________________________________
قال السمين: "وضَعَّفَ مكيٌّ قراءةَ حمزةَ، قال: "ومَنْ قرأ "لبِثين"، شَبَّهه بما هو خِلْقَةٌ في الإِنسان نحو: حَذِر وفَرِق، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ اللُّبْثَ ليس مِمَّا يكونُ خِلْقَةً في الإِنسان، وبابُ فَعِل إنما هو لِما يكونُ خِلْقَةً في الإِنسانِ، وليس اللُّبْثُ بخِلْقةٍ" ... وقولُ مكيّ: الُّلبْثُ ليس خِلْقَةً مُسَلَّمٌ؛ لكنه بُولِغَ في ذلك فجُعِلَ بمنزلةِ الأشياءِ الخِلْقيَّة" (1).
أما الإمام الطبري (رحمه الله تعالى) فقد فاضل بين القراءتين على أساس من العامل النحوي فقال:"واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لابِثِينَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (لابِثِينَ) بالألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة "لَبِثِينَ" بغير ألف، وأفصح القراءتين وأصحهما مخرجا في العربية، قراءة من قرأ ذلك بالألف، وذلك أن العرب لا تكاد توقع الصفة إذا جاءت على (فَعِل) فتعملها في شيء، وتنصبه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجل بَخِل بماله، ولا عَسِر علينا، ولا هو خَصِم لنا؛ لأن (فَعِل) لا يأتي صفة إلا مدحا أو ذما، فلا يعمل المدح والذمّ في غيره، وإذا أرادوا إعمال ذلك في الاسم أو غيره جعلوه (فاعلا) فقالوا: هو باخل بماله، وهو طامع فيما عندنا، فلذلك قلت: إن (لابِثِينَ) أصح مخرجا في العربية وأفصح، ولم أُحِلّ قراءة من قرأ (لَبِثِينَ) وإن كان غيرها أفصح؛ لأن العرب ربما أعملت المدح في الأسماء، وقد يُنشد بيت لبيد (2):
أوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ ... بِسَرَاتِهَا نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ
فأعمل (عَمِل) في (عِضادة)، ولو كانت (عاملا) كانت أفصح" (3).
ولكن أبا جعفر النحاس لا يرد قراءة "لَبِثِينَ" على أساس نحوي كما رأى الطبري؛ لأنه يرى أن المعمول ظرف، والظرف يتعدى إليه ما لا يتعدى لغيره ولكنه يردها على أساس من السند فيقول: " قرأ علقمة، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة: "لَبِثِينَ" بغير ألف. وقد اعترض في هذه القراءة فقيل: هي لحن لا يجوز: هو حذر زيدا، وإن كان سيبويه قد أجازه وأنشد (4):
__________
(1) الدر المصون:14/ 247.
(2) البيت من الطويل للبيد الصحابي (رضي الله عنه)، الشاهد: 122، في الخزانة للبغدادي: 1/ 239.
(3) جامع البيان في تأويل القرآن للطبري: 24/ 159.
(4) البيت من الكامل وهو الشاهد: 605 في الخزانة: 3/ 161 وقال: قيل إنه مصنوع وذكره التوحيدي في: الهوامل والشوامل: 1/ 54، والبطليوسي في: الحلل في شرح = الجمل: 1/ 21. والمعنى: أنه يقلب الأمور، فيحذر مما لا يستحق الحذر، ويأمن ما لا يستحق الأمن.
(1/207)
________________________________________
حذِرٌ أموراً لا تَضِير وآمِنٌ ... ما لَيْسَ مُنجِيَهُ مِنَ الأقدارِ
وأنشد الفراء: (بيت لبيد السابق) إلا أن سيبويه أنشده (أو مِسْحَلٌ شَنْجٌ). وقال قوم: هو لحن؛ لأنه إنما يقال: حذر، وكذا باب (فَعِل) لمن كان في خلقته الحذر، فأما اللابث فليس من ذلك في شيء. قال أبو جعفر: أما القول الأول فغلط، ولا يشبه هذا قولك: حذر زيدا؛ لأن أحقابا ظرف، وما لا يتعدى يتعدى إلى الظرف، وأما الثاني فهو يلزم إلا أنه يجوز على بعد، والقراءة بـ"لابثين" بينة حسنة، فأما حجة من احتج بـ"لبثين" بما رواه شعبة عن أبي إسحاق، قال في قراءة عبد الله "لبثين"، فلا حجة فيه؛ لأن أبا إسحاق لم يلق عبد الله، ولو كان إسناده متصلا كانت فيه حجة" (1).
• (مَلِكِ) (2): قراءة في قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3).
ذكر الزبيدي القراءتين السابقتين، ثم عرض حجة الفريقين فقال: " قرأَ عاصِمٌ والكِسائي ويَعقُوبُ "مالِكِ" بأَلِفٍ. وقرأَ باقِي السَّبعَةِ وهم ابنُ كَثِيرٍ ونافِع وأَبُو عَمرو وابنُ عامِرٍ وحَمزَةُ: {مَلِكِ يَومِ الدِّينِ} بغيرِ أَلِفٍ ... وما ذُكِرَ من تَخالُف مَعْنَى "مالكٍ" و"مَلِك" هو المَشْهُورُ (4)، وقَوْلَ الجُمْهُورِ، وقال قومٌ: هُما بمَعْنًى واحد كفارِه وفَرِهِ، وفاكِهٍ وفَكِه، وعلى الأَوّل قيلَ: مالِكُ أَمْدَحُ؛ لأَنه أَوْسَعُ وأَجْمَعُ، وفيه زيادَةُ حَرف يتَضَمَّن عشرَ حَسَناتٍ، والمالكِيَّة تثبت لإِطْلاقِ التَّصَرّف دونَ المَلَكيَّة، وأَيْضًا المَلِكُ مَلِكُ الرَّعِيَّة، والمَالِكُ مالِكُ العبد، وهو أَدْوَنُ حالاً من الرَّعِيَّة، فيَكُونُ القَهْرُ والاسْتيلاءُ في المالكيَّةِ أَكْثَر؛ ولأَنَّ الرَّعِيَّةَ يمكِنُهم إِخْراجُ أَنْفُسهِم عن كَوْنِهم رَعيَّةً، والمَمْلوكُ لا يُمْكِنُه إِخراجُ نفسِه عن كَوْنِه
__________
(1) إعراب القرآن للنحاس: 3/ 387.
(2) "ملك" بغير ألف قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة، و"مالك" بألف قراءة باقي السبعة، انظر: الحجة لأبي زرعة: 77، والدر المصون: 1/ 28، والنشر: 1/ 47، والإتحاف: 193.
(3) الفاتحة: 4.
(4) انظر هذا الخلاف: جامع البيان للطبري: 1/ 148، والكشاف: 1/ 12، ومعالم التنزيل للبغوي: 1/ 53، والمحرر الوجيز: 1/ 39، وجامع الأحكام للقرطبي: 1/ 140، ومفاتيح الغيب للرازي: 1/ 118، وروح المعاني للألوسي: 1/ 181، والتحرير والتنوير لابن عاشور: 1/ 77.
(1/208)
________________________________________
مَمْلُوكًا، وأَيْضًا المَمْلُوكُ يجبُ عليه خِدْمَةُ المالِكِ بخِلافِ الرَّعِيَّةِ مِع المَلِكِ، فلهذه الوُجوه كانَ مالِكُ أكْمَلَ من ملِكِ ومِمَّن قالَ به الأَخْفشُ، وأَبو عُبَيدَةَ.
وقِيل: مَلِك أَمْدَحُ؛ لأَنَّ كُلَّ أَحَد من أَهْلِ البَلَدِ مالِكٌ، والمَلِكُ لا يَكُونُ إِلاّ واحِداً من أَعْظَمِ النّاسِ وأَعْلاهُم، ولأَنَّ سِياسَةَ المُلُوكِ أَقْوَى من سياسَةِ المالِكِينَ، لأَنَّه لو اجْتَمَع عالَمٌ من المُلاّكِ لا يُقاوِمُونَ مَلِكاً واحِداً، قالوا: ولأَنِّه أَقْصَرُ، والظاهِرُ أَنَّ القارِئَ يُدْرِكُ من الزَّمانِ ما يُدْرِكُ فيه الكَلِمَةَ بتمامِها بخِلافِ مالِكِ فإِنَّهَا أَطْوَل، فيَحْتَمِلُ أَن لا يَجِدَ من الزَّمانِ ما يُتمُّها فيه، فهو أَوْلَى وأَعْلَى، ورُوِي ذلك عن عُمَر، واخْتَارَه أَبو عُبَيدٍ". [التاج: ملك].
والواضح من كلام الزبيدي أن العلماء قد انقسموا في توجيه هذا الحرف إلى قسمين:
الأول: يذهب إلى أنهما لغتان والمعنى واحد (1)، قال أبو علي قال السري: "والحجة في ذلك أن المِلْكَ والمُلْكَ يجمعهما معنى واحد، ويرجعان إلى أصل وهو الربط والشد، كما قال الشاعر:
مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ دُونَهَا مَا ورَاءَهَا (2)
يصف طعنة، يقول شددت بها كفي" (3).
والقسم الثاني: يرى أنهما لمعنيين مختلفين، وقد فصلوا في اختلاف المعنى بين الصيغتين إلا أنهما جميعا ينطلقون من فكرة العموم والخصوص. وقد اشتد الخلاف بين العلماء في هذا الموضع إلى حد تكاد تسقط معه كل قراءة القراءة الأخرى، وهذا يتناقض مع ثبوت سند القراءتين ووجهيهما، وعدم اتصاف الرب بالصفتين اللتين يتبين له وجه الكمال فيهما؛ وقد رفض السمين الحلبي هذا الخلاف فقال: وهذا غير مرضي؛ لأن كلتيهما متواترة، ويدل على ذلك ما روي عن ثعلب أنه قال: " إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى" (4).
__________
(1) انظر: البحر المحيط لأبي حيان: 1/ 136.
(2) البيت لقيس بن الحطيم، انظر المحرر الوجيز: 1/ 68.
(3) الحجة لأبي علي: 1/ 34.
(4) الدر المصون: 1/ 48.
(1/209)
________________________________________
• (قَسِيَّةً) (1): قراءة في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} (2).
[التاج: قسو]
ذكر الزبيدي القراءة السابقة وهو بصدد التفريق في المعنى بين: قاسي وقَسِيٍّ (3) فقال: "قرئ: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً} وهي التي ليست بخالصة الإيمان".
وقد تناول الطبري القراءتين وذكر الحجة فيهما فقال: "قرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً". ثم اختلف الذين قرؤوا ذلك كذلك في تأويله. فقال بعضهم: معنى ذلك معنى "القسوة"؛ لأن "فَعِيلَة" في الذم أبلغ من "فَاعِلَة"، فاخترنا قراءتها "قَسِيِّة" على "قَاسِيَة" لذلك. وقال آخرون منهم: بل معنى "قَسِيَّة" غير معنى "القسوة"، وإنما "القَسِيَّة" في هذا الموضع: القلوبُ التي لم يخلص إيمانها بالله، ولكن يخالط إيمانها كُفْر، كالدراهم "القَسِيَّة"، وهي التي يخالط فضّتها غشٌّ من نحاس أو رَصاص وغير ذلك، كما قال أبو زُبَيْد الطائي:
لَهَا صَوَاهِلُ فِي صُمِّ السِّلامِ كَمَا ... صَاحَ القَسِيَّاتُ فِي أَيْدِي الصَّيارِيفِ (4)
يصف بذلك وقع مَسَاحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور، وهي "السِّلام".
قال أبو جعفر: "وأعجبُ القراءتين إليّ في ذلك، قراءة من قرأ: "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً" على "فعيلة"؛ لأنها أبلغ في ذم القوم من "قاسية". وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوله: "فعيلة" من "القسوة"، كما قيل: "نفس زكيّة" و"زاكية"، و"امرأة شاهدة" و"شهيدة"؛ لأن الله جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم
__________
(1) بغير ألف قراءة عبد الله وحمزة والكسائي، انظر: معالم التنزيل للبغوي: 3/ 31، ومفاتيح الغيب للرازي: 11/ 149، والسبعة لابن مجاهد: 243، والحجة لأبي زرعة: 223، والدر الصون:5/ 254.
(2) المائدة: 13.
(3) وانظر أيضا المفاضلة بين المعنيين في: الكشاف: 1/ 615، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 394، والجامع للقرطبي: 6/ 115، والبحر المحيط: 4/ 381، وروح المعاني: 6/ 89، التحرير: 7/ 120.
(4) المعاني الكبير: 1024، 1025، وأمالي القالي: 1/ 28، وسمط اللآلئ: 128، 931، واللسان (أمر) (صهل) من قصيدته في رثاء أمير المؤمنين عثمان بن عفان، يقول فيها: (يَا لَهْفَ نَفْسِي إنْ كَانَ الَّذِي زَعَمُوا ... حَقًّا، وَمَاذَا يَرُدُّ الْيَومَ تَلْهِيفِي!)، وقبل البيت: (على جَنَابَيْهِ مِنْ مَظَلُومَةٍ قِيَمٌ ... تَعَاوَرَتْهَا مَسَاحٍ كَالْمَنَاسِيفِ)، وبعده: (كَأنَّهُنَّ بِأَيْدِي الْقَوْمِ فِي كَبَدٍ ... طَيْرٌ تَكَشفُ عَنْ جُونٍ مَزَاحِيفِ).
(1/210)
________________________________________
ميثاقَهم وكفرِهم به، ولم يصفهم بشيء من الإيمان، فتكون قلوبهم موصوفة بأنّ إيمانها يخالطه كفر، كالدراهم القَسِيَّة التي يخالط فضَّتها غشٌّ" (1).
ويؤخذ مما سبق أن في "قاسي" و"قسي" قولين: أحدهما: أنهما لغتان يتواردان على الموضع الواحد ولا خلاف بينهما إلا في درجة الصفة. والآخر: أن المعنى مختلف؛ لأن "قاسية" من القسوة، أما "قسية" فمن الرداءة قال الألوسي: {قَسِيَّةً}، إما مبالغة "قاسية" لكونه على وزن (فعيل)، أو بمعنى رَدِيَّة من قولهم: درهم قَسِيٌّ إذا كان مغشوشاً (2).
• (الْقَنِطِينَ) (3): قراءة في قوله تعالى: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} (4).
[التاج: قنط].
ساق الزبيدي القراءة السابقة في معرض حديثه عن صيغة المبالغة من الفعل (قنط) على زنة (فَعِل): قَنِط، كفَرِحٍ. وقراءة الجمهور جاءت على صيغة اسم الفاعل (القانطين). قال الطبري: "قرأه عامَّة قراء الأمصار (الْقَانِطِينَ) بالألف. وذكر عن يحيى بن وثاب أنه كان يقرأ ذلك (القَنِطِينَ) " (5).
• (فَرِغَاً) (6): قراءة في قوله تعالى: {وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فارِغاً} (7).
[التاج: فرغ].
استشهد الزبيدي بقراءة الجمهور السابقة على أن فَارِغاً وفَرِغاً بمعنى واحد - مع أن فارغا اسم فاعل، وفرغا صيغة مبالغة أو صفة مشبهة - فقال: "ورَجُلٌ فَرِغٌ أي: فارِغٌ كفَكِه وفاكِهٍ وفَرِهٍ وفارِهٍ، ومنه قِرَاءَةُ أبي الهُذَيْلِ: {وأصْبحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَرِغَاً}.
__________
(1) جامع البيان:10/ 127.
(2) روح المعاني: 6/ 89.
(3) بغير ألف قراءة الحسن وابنِ وَثّابٍ، والأَعْمَش، وبِشْر بنِ عُبَيْد وطَلْحَةَ، والحُسَيْنِ عن أَبِي عَمْرٍو، انظر: الكشاف: 2/ 581، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 125، والجامع للقرطبي: 10/ 36، والبحر لأبي حيان: 5/ 455، وروح المعاني للألوسي: 2/ 183، والإتحاف للدمياطي:491، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 534.
(4) الحجر: 55.
(5) جامع البيان: 17/ 113.
(6) قراءة أبي الهذيل وفضالة ابن عبيد، انظر: الكشاف: 3/ 395، والجامع للقرطبي: 13/ 255، والبحر لأبي حيان: 9/ 6، وروح المعاني: 4/ 464، والإتحاف: 612، والدر المصون: 11/ 308.
(7) القصص: 10.
(1/211)
________________________________________
قال ابن عطية: "وقرأ بعض الصحابة - رضي الله عنهم - "فِرْغَاً" بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة، ومعناها ذاهبا هدرا تالفا من الهم والحزن، ومنه قول طليحة بن خويلد الأسدي في حِبَالٍ أخيه "من الطويل" (1):
فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغَاً بِقَتْلِ حِبَالِ" (2).

• (أَنِفَاً) (3): قراءة في قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفاً} (4). [التاج: أنف].
ذكر الزبيدي أن (آنِفَاً) و (أَنِفَاً) على زنة (فَاعِل) و (فَعِل)، معناهما واحد، فقال: " قَالَ آنِفاً وسَالِفاً، كصاحِب، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، أَنِفاً، مِثْل كَتِف، وهذه عن ابن الأَعْرَابِيِّ، وقُرِئ بهما قولُه تعالى: "مَاذَا قَالَ آنِفاً" و"أَنِفاً"، قال ابنُ الأعْرَابِيِّ: أَي مُذْ ساعَةٍ، وقال الزَّجَاجُ: أَي ماذا قالَ السَّاعَةَ أَي: في أَولِ وَقْتٍ يَقْرُبُ مِنّا".
وقال السمين: " قرأ البزيُّ عنه "أَنِفاً" بالقصرِ. والباقون بالمدِّ، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ، وهما اسما فاعِل كـ حاذِر وحَذِر، وآسِن وأَسِن، إلاَّ أنَّه لم يُسْتعمل لهما فِعْلٌ مجردٌ، بل المستعملُ ائْتَنَفَ يَأْتَنِفُ، واسْتَأْنف يَسْتأنف. والائْتِنافُ والاسْتِئْناف: الابتداء. قال الزجَّاج: "هو مِنْ اسْتَأْنَفْتُ الشيءَ إذا ابتدَأْتَه أي: ماذا قال في أولِ وقتٍ يَقْرُب مِنَّا" (5).
• (نَاخِرَةٌ) (6): قراءة في قوله تعالى: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} (7).
قال الزبيدي: "النَّخِرُ ككَتِف والناخِر: البالي المُتَفَتِّت. يقال: عَظْمٌ نَخِرٌ وناخِرٌ، وقد نَخِرَ كفَرِح، وكذلك الخَشَبة، وقد نَخِرَت إذا بَلِيَتْ واسْتَرْخَت تَتَفَتَّت إذا مُسَّتْ. أو النَّخِرَةُ من العِظام: البالِيَة والناخِرةُ: التي فيها بَقِيَّة. وقيل: هي المُجَوَّفة التي فيها ثُقْبَةٌ يجيءُ منها عندَ هُبوب الرِّيح صوتٌ كالنَّخير. وقولُه
__________
(1) انظر: مجمع الأمثال للميداني: 294، والبحر المحيط: 9/ 6، والمحرر الوجيز: 5/ 185.
(2) المحرر الوجيز: 1/ 164.
(3) هي قراءة ابن كثير والبزي والداني وابن محيصن، انظر: السبعة: 600، وإبراز المعاني: 2/ 417، والبحر المحيط: 10/ 72، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 428.
(4) محمد: 16.
(5) الدر المصون: 13/ 120.
(6) قراءة حمزة والكسائي وعاصم ويعقوب وشعبة وخلف ورويس وأبي والأعمش وابن عباس وعمر، انظر: السبعة لابن مجاهد:670، ومعالم التنزيل للبغوي: 8/ 327، ومفاتيح الغيب للرازي: 31/ 33، والتحرير والتنوير: 27/ 387، والنشر: 1/ 373.
(7) النازعات: 11.
(1/212)
________________________________________
تعالى: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً}، وقُرئ: "نَاخِرَةٌ". قال الفَرَّاء (1): و"نَاخِرَةٌ" أَجْوَدُ الوَجْهَيْن؛ لأنّ الآيات بالألف ألا ترى أنّ {ناخِرة}، مع {الحافِرة} (2)، و {السَّاهِرة} (3) أشبه بمَجيءِ التَّأْويل قال: و {النَّاخِرة}، و {النَّخِرَة} سَواءٌ في المعنى بمنزلِةِ الطامِعِ والطَّمِع. [التاج: نخر].
وقال الطبري: " قرأته عامة قرّاء المدينة والحجاز والبصرة (نَخِرَةً) بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (ناخِرَةً) بألف، بمعنى: أنها مجوّفة تنخَر الرياح في جوفها إذا مرّت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الناخرة والنخرة سواء في المعنى، بمنزلة الطامع والطمِع، والباخل والبَخِل؛ وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا (نَخِرَةً)، بغير ألف، بمعنى: بالية، غير أن رءوس الآي قبلها وبعدها جاءت بالألف، فأعجب إليّ لذلك أن تُلْحق ناخرة بها ليتفق هو وسائر رءوس الآيات، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إليّ حذف الألف" (4).
وقال أبو زرعة: " "نَاخِرَة" أي بالية، كذا قال ابن عباس، وقيل: فارغة وقال آخرون: الناخرة العظم المجوف الذي تمر فيه الريح فتنخر، وقالوا النَّخِرَةُ: البالية، وحجتهم في ذلك أن رؤوس الآيات بالألف نحو: "الحَافِرَة" و "الرَّادِفَة" و"الرَّاجِفَة" و"السَّاحِرَة" فالألف أشبه بمجيء التنزيل وبرؤوس الآيات. وقرأ الباقون: "نَخِرَةً" بغير ألف، وحجتهم في ذلك أن ما كان صفة منتظر لم يكن فهو بالألف، وما كان وقع فهو بغير ألف، قال اليزيدي: يقال عظم نَخِرٌ ونَاخِرٌ غدا، فدل على أنهم قالوا إذ كنا بعد موتنا عظاما نخرة قد نخرت، وقال أبو عمرو: نخرة وناخرة واحد " (5).
قال السمين: " هما كحاذِر وحَذِر، (فاعِل) لمَنْ صَدرَ منه الفِعْلُ، و (فَعِل) لِمَنْ كان فيه غَريزةً، أو كالغَريزة. وقيل: ناخِرة ونَخِرة بمعنى بالية. وقيل: ناخِرَة، أي: صارَتِ الريحُ تَنْخِرُ فيها، أي: تُصَوِّتُ، ونَخِرَة، أي: تَنْخِرُ فيها دائماً. وقيل: ناخِرَة: باليِية، ونَخِرَة: متآكلة. وعن أبي عمروٍ: الناخِرة: التي لم تَنْخَرْ بعدُ، والنَّخِرَةُ: البالية. وقيل: الناخِرَةُ: المُصَوِّتَهُ فيها الريحُ، والنَّخِرةُ: الباليةُ
__________
(1) انظر: معاني القرآن: 3/ 231.
(2) النازعات:10.
(3) النازعات:14.
(4) جامع البيان: 24/ 195.
(5) الحجة: 748.
(1/213)
________________________________________
التي تَعَفَّنَتْ. قال الزمخشري: "يُقال: نَخِر العظمُ، فهو نَخِرٌ وناخِرٌ، كقولِك: طَمعَ فهو طَمعٌ وطامعٌ، وفَعِل أَبْلَغُ مِنْ فاعِل، وقد قُرِىء بها، وهو البالي الأجوفُ الذي تُمُرُّ فيه الرِّيحُ فيُسْمَعُ له نَخِير" (1).
ويمكن إجمال ما سبق في ثلاثة وجوه: أحدهما: أنهما اسما فاعل بمعنى واحد، والثاني: مثله إلا أن في "نخرة" معنى المبالغة، والثالث: أن "ناخرة"، اسم فاعل، و"نخرة" صفة مشبهة تفيد ثبات الصفة في موصوفها.
__________
(1) الدر المصون: 14/ 259.
(1/214)
________________________________________
المبحث الثاني
التغيير في صيغة الجمع
يتناول هذا المبحث التغيير في صيغة الجمع، وقد قسمته إلى أقسام ثلاثة جعلت القسم الأول للتغيير في الجمع السالم مذكرا ومؤنثا. وجعلت القسم الثاني للتغيير في جمع التكسير. وجعلت القسم الثالث للتغيير من جمع إلى جمع.

أولا: التغيير في الجمع السالم:
(أ) جمع المذكر.
عرفت العربية نوعين من الجموع: أحدهما: سالم (مذكر ومؤنث). والآخر: هو جمع التكسير، ويدل أيضا على النوعين: المذكر والمؤنث، ولكل صيغته. كما أجمعت كتب اللغة على أن الجمع السالم قياسي، والمكسر سماعي. ويشترط في الجمع المذكر السالم أن يدل مفرده على مذكر، وأن نحصل على صيغة الجمع من مفرده بإضافة واو ونون في حالة الرفع، أو ياء ونون في حالتي النصب والجر، فإذا اختل شرط من هذه الشروط حكم على الكلمة بأنها ليست من الجمع المذكر السالم، حتى ولو شابهته في الصيغة، نحو: (قوانين)، فهي صيغة جمع، ودلت على مذكر، وانتهت بياء ونون، إلا أننا لو جردناها من علامة الجمع (الياء والنون) لا نحصل على المفرد (قانون)، بل نحصل على (قوان)، وهي ليست بشيء.
وقد وردت القراءة القرآنية بصيغة الجمع السالم المذكر في التاج وهي:
• (رَبِّيُّونَ) (1): قراءة في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (2). [التاج: ربب].
يذكر الزبيدي الاختلاف في "ربيين" الوارد في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} وهل هو منسوب إلى "الرُّبَّةِ": عَشَرَة آلافٍ، أو منسوب إلى الرَّبِّ.
__________
(1) هي قراءة ابن عباس (رضي الله عنهما)، انظر: جامع البيان للطبري: 7/ 265، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 117، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 521، وجامع الأحكام للقرطبي: 4/ 230.
(2) آل عمران: 146.
(1/215)
________________________________________
وقد استطاع الزبيدي أن يجمل ما تفرق في كتب التفسير (1) والقراءات (2) حول هذه المسألة فقال: "والرِّبِّيُّ بالكسر واحدُ الرِّبِّيِّين وهم الأُلوف من الناسِ قاله الفراءُ. وقال أَبو العباس أَحمدُ بن يحيى (ثعلب): قال الأَخْفَش: الرِّبِّيُّونَ منسوبونَ إلى الرَّبِّ قال أَبو العبَّاس: يَنْبَغِي أَن تُفْتَحَ الراءُ على قوله، قال: وهو على قول الفَرّاءِ من الرِّبَّةِ، وهي الجَمَاعَة، وقال الزجّاج: "رُبِّيُّونَ" بكَسْرِ الرَّاءِ وضمها، وهم الجَمَاعَة الكثيرَة، وقيلَ: الرِّبِّيُّونَ: العُلماءُ الأَتْقِيَاءُ الصُّبُر، وكِلاَ القولينِ حَسَنٌ جِمِيلٌ، وقال أَبو العباسِ: الرِّبَّانِيُّونَ: الأُلوف، والرَّبَّانِيُّونَ: العُلَمَاءُ وقد تقدَّم. وقرأَ الحَسَن: "رُبِّيُّونَ" (3) بضَمِّ الراءِ. وقَرَأَ ابن عباس "رَبِّيُّونَ" بفَتْحِ الرَّاءِ كذا في اللسان. قلت: ونَقَلَهُ ابن الأَنباريِّ أَيضاً وقال: وعَلَى قِرَاءَة الحَسَنِ نُسِبُوا إلى الرُّبَّةِ والرُّبَّةُ: عَشَرَة آلافٍ).
قال الطبري: وأما "الربيون"، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه. فقال بعض نحويي البصرة: هم الذين يعبدون الرَّبَّ، واحدهم "رِبِّي". وقال بعض نحويي الكوفة: لو كانوا منسوبين إلى عبادة الربّ لكانوا "رَبِّيون" بفتح "الراء"، ولكنه: العلماء، والألوف و"الربيون" عندنا، الجماعات الكثيرة، واحدهم "رِبِّي"، وهم الجماعة" (4).
وقال السمين:"والربيُّون: جمعُ "رِبِّي" وهو العالمُ منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وإنما كُسرت راؤه تغييراً في النسب نحو: "إِمْسِيّ" بالكسرِ منسوبٌ إلى "أَمْس". وقيل: كُسِر للإِتباع، وقيل: لا تغييرَ فيه وهو منسوبٌ إلى الرُّبَّة وهي الجماعةُ. وهذه القراءةُ بكسرِ الراء قراءة الجمهور. وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس والحسن: "رُبِّيُّون" بضمِّ الراء، وهو من تغيير النسب إنْ قلنا هو منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وقيل: لا تغييرَ وهو منسوب إلى الرُّبَّة وهي الجماعةُ، وفيها لغتانِ: الكسر والضم. وقرأ ابن عباس في رواية قتادة: "رَبَّيُّون" بفتحِها على الأصل، إنْ قلنا: منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وإلاَّ فَمِنْ تغييرِ النسب إنْ قلنا: إنَّه منسوبٌ إلى الرُّبَّة. قال ابن جني: "والفتحُ لغة تميم" (5).
__________
(1) انظر: معلم التنزيل للبغوي: 2/ 117، ومعاني القرآن للنحاس: 1/ 488، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 521، وإعراب القرآن للسيوطي: 1/ 170،
(2) انظر: الحجة لابن خالويه: 1/ 380، والإتحاف لبناء الدمياطي: 223.
(3) السابق نفسه.
(4) جامع البيان: 7/ 265.
(5) الدر المصون: 4/ 197.
(1/216)
________________________________________
ويخلص مما سبق إلى أن "رِبِّيُّونَ" جمع مذكر سالم، وفي مفرده وجهان: أحدهما: أنه "رِبِّيّ" وهو منسوب إلى "رُِبَّةٍ"، وفيه لغتان: كسر الراء وضمها، ويقصد بها الجماعة من الناس.
والآخر: أنه "رَبِّيَ"، وهو منسوب إلى "رَبٍّ" بفتح الراء على القياس، ويقصد به العلماء. وذهب بعض المفسرين إلى أن اللغتين اللتين في الوجه الأول تعودان إلى الوجه الثاني، وكسر الراء وضمها جاء على تغيير النسب (1). قال ابن عطية: "وروي عن ابن عباس وعن الحسن بن أبي الحسن وغيرهما أنهم قالوا "ربيون" معناه علماء، وقال الحسن: فقهاء علماء، قال أيضا: علماء صبر، وهذا القول هو على النسبة إلى الرب، إما لأنهم مطيعون له أو من حيث هم علماء بما شرع، ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ "ربيون" بفتح الراء، وأما في ضم الراء وكسرها فيجيء على تغيير النسب، كما قالوا في النسبة إلى الحرم حِرْمِيّ بكسر الحاء، وإلى البصرة بِصْرِيّ بكسر الباء، وفي هذا نظر وقال ابن زيد: الربانيون الولاة والربيون الرعية الأتباع للولاة" (2).
• (المُعْذِرُونَ) (3) قراءة في قوله تعالى: {وجَاءَ المُعَذِّرُونَ منَ الأَعْرَابِ ليُؤْذَنَ لَهُم} (4).
اختلفت القراءة في "المُعَذِّرُونَ" من الآية السابقة من حيث أصل الكلمة وصياغتها وقد عرض الزبيدي هذا الاختلاف كما يلي:
1 - أن يكون أصل (المُعَذِّرُونَ) "المُعْتَذِرُونَ: الذينَ لَهُم عُذْرٌ، به قرأَ سائِرُ قراءِ الأَمْصَارِ والمُعَذِّرُونَ في الأَصْلِ المُعْتَذِرُونَ فأَدْغِمَت التاءُ في الذّال لقُرْبِ المَخْرجَيْنِ.
2 - ويجوزُ أَن يكون "المُعَذِّرُونَ" الذين يُعَذِّرُون: يوُهِمُون أَن لهم عُذْراً ولا عُذْرَ لهم. فهو اسم فاعل من (عَذَّرَ) مضعف العين، والمَعْنى: المُقَصِّرُونَ بغير عُذْرٍ فهو على جِهَة المُفَعِّل؛ لأَنّه المُمَرِّضُ والمُقَصِّرُ يَعْتَذِرُ بغير عَذْرٍ.
__________
(1) انظر المسألة في: الكشاف للزمخشري: 1/ 424، وجامع الأحكام للقرطبي: 7/ 265، ومفاتيح الغيب للرازي: 9/ 521.
(2) المحرر الوجيز: 1/ 521.
(3) قراءة حمزة وابن ذكوان والكسائي وعاصم والشنبوذي، وابن عباس، وزيد بن علي والأعرج، وقتيبة وشعبة، انظر: الحجة لابن زنجلة: 1/ 321، والإتحاف:430، والنشر: 2/ 315، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 311.
(4) التوبة: 90.
(1/217)
________________________________________
3 - وقَرَأَها ابنُ عَبّاسٍ (رضي الله عنهُما): "المُعْذِرُونَ" بالتَّخْفيف، قال الأَزْهَريّ: وقَرأَهَا كذلك يَعْقُوبُ الحَضْرَمِيُّ وحْدَه مِنْ أَعْذَرَ يُعْذِرُ إِعْذَاراً، وكان يَقُولُ: واللهِ لهكذَا أُنْزِلَتْ. وكان يقول: لَعَنَ اللهُ "المُعَذِّرِينَ" بالتَّشْدِيد، كأَنَّ المُعَذِّر عندَه إِنما هو غَيْرُ المُحِقِّ ... وبالتَّخْفِيفِ مَنْ له عُذْرٌ.
[التاج: عذر].
قال الطبري: "فإن الذي عليه من القراءة قرأة الأمصار، التشديد في "الذال"، أعني من قوله: (المُعَذِّرُونَ)، ففي ذلك دليلٌ على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار؛ لأن القوم الذين وُصفوا بذلك لم يكلفوا أمرًا عَذَّرُوا فيه وإنما كانوا فرقتين: إما مجتهد طائع وإما منافق فاسقٌ، لأمر الله مخالف. فليس في الفريقين موصوفٌ بالتعذير في الشخوص مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو مُعَذِّرٌ مبالغٌ، أو معتَذِر. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجة من القرأة مجمعة على تشديد "الذال" من "المعذرين"، عُلم أن معناه ما وصفناه من التأويل" (1).

• {إِنَّ المُصَدِّقينَ والمُصَدِّقاتِ} (2) قراءة في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (3). [التاج: صدق].
ذكر الزبيدي قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}؛ ولأن المعنى في الآية يحتمل أن يكون من التَّصَدُّقِ ومن التَّصْدِيقِ فقد تعددت القراءات فيها على وجوه ثلاثة فقراءة الجمهور: {إنّ المُصَّدِّقينَ والمُصَّدِّقات} (4) فأصله المُتَصَدّقين والمُتَصَدِّقات قُلِبَت التّاءُ صاداً وأُدغِمَت في مثلِها ... وهم الذين يُعطون الصَّداقات. وعلى الأصل قرأ أبيّ بن كعب: "الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ" (5) ... وقرأ ابن كثير، وأبو بكر، والمفضل، وأَبَّان، وأبو عمرو في رواية هارون: {إِنَّ
__________
(1) جامع البيان: 14/ 418.
(2) هي قراءة ابن كثير وعاصم وابن محيصن والمفضل وهارون، انظر: جامع البيان للطبري: 23/ 190، ومعالم التنزيل للبغوي: 8/ 38، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 235، ومفاتيح الغيب للرازي: 29/ 201، وجامع الأحكام للقرطبي: 17/ 252، والحجة لابن خالويه: 342، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 63.
(3) الحديد: 18.
(4) انظر: معجم القراءات للخطيب: 9/ 341.
(5) انظر قراءات الآية في: التيسير لأبي عمرو: 133، والعنوان للداني: 33، والإتحاف: 731، معجم القراءات: 5/ 63.
(1/218)
________________________________________
المُصَدِّقينَ والمُصَدِّقاتِ} بتخفيف الصاد، من التصديق لا من الصدقة كما في قراءة الجمهور، أي: الذين صدقوا واللاتي صدقن الله (تعالى) ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: وقراءة الجمهور أنسب لقوله تعالى: {وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً}، وقراءة ابن كثير أرجح؛ لأن الإقراض يغني عن ذكر التصدق".
قال الفراء: " قرأها عاصم: "إنّ المصدّقين والمصدّقات" بالتخفيف للصاد، يريد: الذين صدّقوا الله ورسوله، وقرأها آخرون: "إن المصّدّقين" يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهي في قراءة أبيّ: "إن المتصدقين والمتصدقات" بتاء ظاهرة، فهذه قوة لمن قرأ: "إن المصّدّقين" بالتشديد" (1).
وقال السمين: " قوله: "الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ": خَفَّفَ الصاد منها ابنُ كثير وأبو بكر، وثَقَّلها باقي السبعة. فقراءةُ ابنِ كثيرٍ من التصديق، أي: صَدَّقوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به كقولِه تعالى: "وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ "، وقراءةُ الباقين من الصدقة وهو مناسِبٌ لقولِه "وأَقْرَضوا" والأصل: المُتَصَدٍِّقين والمتُصدِّقات فَأَدْغَمَ، وبها قرأ أُبَيٌ. وقد يُرَجَّحُ الأولُ. بأنَّ الإِقراضَ مُغْنٍ عن ذِكْرِ الصدقة" (2).
وقال أبو زرعة: " قرأ ابن كثير وأبو بكر: إن المصدقين والمصدقات" بتخفيف الصاد فيهما أي المؤمنين والمؤمنات الذين صدقوا الله ورسوله. وقرأ الباقون: "إن المصدقين والمصدقات" بتشديد الصاد فيهما، أرادوا المتصدقين والمتصدقات فأدغموا التاء في الصاد، وحجتهم أن في حرف أبي: "إن المتصدقين والمتصدقات" بتاء ظاهرة فهي حجة لمن قرأ بالتشديد، وأخرى وهي في قوله: {وأقرضوا الله قرضا حسنا} وذلك أن القرض هو أشبه بالصدقة من التصديق. وحجة من خفف هي أن التخفيف في قوله: "المصدقين" أعم من التشديد، ألا ترى أن "المصدقين" بالتشديد مقصورة على الصدقة، و"المصدقين" بالتخفيف يعم التصديق والصدقة؛ لأن الصدقة من الإيمان فهو أوجب في باب المدح" (3).
• (مُعَجِّزِينَ) (4) قراءة في: {والّذينَ يَسْعَوْنَ في آياتِنا مُعاجِزين} (5).
[التاج: عجز].
معاجزين جمع معاجز من عاجز. وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الحرف من القرآن؛ لأن معناه الظاهر أن الكفار يتحدون الله تعالى؛ لأن صيغة (فاعل) من أشهر معانيها المشاركة؛ لذلك رُفِضَ هذا المعنى؛ لأنه لا يليق بالله - عز وجل -، ومن هنا اجتهد المفسرون ليصلوا إلى قول يصح معه المعنى كما يلي (6):
1 - قال ابنُ عرفَةَ: "يُعاجِزون الأَنبياءَ وأَولياءَهم، أَي يقاتلونَهم ويُمانِعونَهُم؛ لِيُصَيِّروهُم إلى العَجْز عن أَمر اللهُ تعالى، وليس يُعجِزُ اللهَ جَلَّ ثناؤُه خَلْقٌ في السَّماء ولا في الأَرض، ولا مَلجأَ منه إلاّ إليه ".
2 - قال الزَّجّاج: {مُعَاجِزِينَ} (7): مُعانِدين.
3 - وقيل: مُسابقين من: عاجَزَه إذا سابقَه.
وقُرِئ {مُعَجِّزِينَ} بالتَّشديد، جمع مُعَجِّز من (عَجَّزَ)، والمعنى: مُثَبِّطين ... وقيل: يَنْسبون مَنْ تَبِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلى العَجْز، نحو: جَهَّلْتُه، وسَفَّهْتُه.
قال أبو شامة:" معنى (معجزين) ينسبون من تبع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العجز، وقيل مثبطين الناس عنه، وقيل معناه يطلبون تعجيزنا، وفي المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا في التعجيز واختار أبو عبيد قراءة المد ورواها عن ابن عباس، وقال معناها مُشَاقِّينَ، وقال أبو علي: (معاجزين) ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا؛ لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب" (8).
قال أبو زرعة: " قرأ ابن كثير وأبو عمرو "معجزين" بغير ألف أي ينسبون من تبع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العجز، وهذا كقولهم: جهلته نسبته إلى الجهل، وفسقته نسبته إلى الفسق. وقال مجاهد: معجزين أي مثبطين ومبطئين أي يثبطون الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أتباع الحق. وقرأ الباقون "معاجزين" بالألف أي ظانين أنهم
__________
(1) معاني القرآن: 3/ 135.
(2) الدر المصون: 13/ 333.
(3) الحجة: 701.
(4) ابن كثير وأبو عمرو، انظر: جامع البيان للطبري: 18/ 662، والكشاف: 3/ 568، ومعالم التنزيل: 5/ 392، والمحرر الوجيز: 2/ 134، والبحر المحيط: 6/ 370، وروح =المعاني للألوسي: 2/ 51 والتحرير والتنوير لابن عاشور: 9/ 292، والنشر للجزري: 2/ 367.
(5) الحج: 51، وسبأ: 5، 38.
(6) انظر هذه الوجوه: جامع البيان للطبري: 18/ 662، والكشاف: 3/ 568، ومعالم التنزيل: 5/ 392، والمحرر الوجيز: 2/ 134، والبحر المحيط: 6/ 370، وروح المعاني للألوسي: 2/ 51.
(7) هي قراءة الجمهور، انظر: معاني الفراء: 3/ 185، والسبعة لابن مجاهد: 439، وإعراب النحاس: 4/ 424، والحجة لابن زنجلة: 1/ 481، والإتحاف للبنا: 564.
(8) إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة: 2/ 303.
(1/219)
________________________________________
يعجزوننا؛ لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون، وأنه لا جنة ولا نار. قال قتادة: ظنوا أنهم يعجزون الله. وقال ابن عباس: معاجزين مسابقين. وقال الفراء: معاجزين أي معاندين" (1).
قال السمين: "فأمَّا الأُولى - مُعَجِّزِينَ - ففيها وجهان:
أحدُهما: قال الفارسي: معناه: ناسِبين أصحابَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى العَجْز نحو: فَسَّقْتُه أي نَسَبْتَه إلى الفسق.
والثاني: أنها للتكثير. ومعناها: مُثَبِّطِيْنَ الناسَ عن الإِيمان. وأمَّا الثانيةُ – مُعَاجِزِينَ - فمعناها: ظانِّين أنهم يَعْجِزوننا. وقيل: معاندِين. وقال الزمخشري: عاجَزَه: سابقَه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما في طَلَب إعجازِ الآخرِ عن اللِّحاق به. فإذا سبقه قيل: أعجزه وعَجَزه. فالمعنى: سابقين أو مُسابقين في زعمهم وتقديرِهم طامِعين أنَّ كيدَهم للإِسلامِ يَتِمُّ لهم. والمعنى: سَعَوا في معناها بالفسادِ". وقال أبو البقاء: إنَّ معاجزين في معنى المُشَدَّدِ، مثلَ عاهَدَ وعَهَّد. وقيل: عاجَزَ سابَقَ، وعَجَز سَبَق" (2).
• (مُطْلِعُونَ فأُطْلِعَ) (3): قراءة في: {هل أنتُم مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ} (4).
ذكر الزبيدي أن قَوْله تَعالى: {مُطَّلِعُونَ} بتشديدِ الطاءِ وفتحِ النونِ - جمع مُطَّلِعٍ - هي القراءةُ الجيِّدةُ الفَصيحةُ، أي: هل أنتُم تُحِبُّون أن تَطَّلِعوا فتعلموا أين مَنْزِلة الجَهَنَّمِيِّين، فاطَّلَع المُسلِم، فرأى قَرينَه في سَواءِ الجَحيم. وقرأ جماعاتٌ وهم: ابنُ عبّاسٍ (رضي الله عنهما) وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأبو البَرَهْسَم، وعمّارُ مولى بَني هاشمٍ: {هل أنتُم مُطْلِعُونَ فأُطْلِعَ} بضمِّ الهمزةِ، وسكونِ الطاءِ، وكسرِ اللام – جمع مُطْلِعٍ من أَطْلَعَ - وهي جائزةٌ في العربيّةِ على معنى: هل أنتم فاعِلونَ بي ذلك. وقرأ أبو عمروٍ وعمار المذكورُ، وأبو سِراجٍ، وابنُ أبي عَبْلَة،
__________
(1) الحجة: 480.
(2) الدر المصون: 11/ 4، 5.
(3) وهي قراءة أبي عمرو، وحسين الجعفي وابن محيصن وأبي سراج، انظر: جامع البيان: 21/ 49، والسبعة لابن مجاهد: 548، ومفاتيح الغيب: 26/ 122، والبحر المحيط: 7/ 349، وروح المعاني: 3/ 307، والإتحاف للدمياطي: 658، ومعجم القراءات لمختار:4/ 203.
(4) الصافات: 54، 55.
(1/221)
________________________________________
بكسرِ النون {مُطْلِعُونِ فأُطْلِعَ} (1) كما مرَّ. قلتُ: وهي روايةُ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ عن أبي عمروٍ.
قال الأَزْهَرِيّ: وهي شاذَّةٌ عند النَّحْوِيِّين أَجْمَعين، ووَجْهُه ضعيفٌ، وَوَجْهُ الكلامِ على هذا المعنى: هل أنتم مُطْلِعِيَّ، وهل أنتم مُطْلِعوه بلا نونٍ كقولِك: هل أنتم آمِروه وآمِريَّ. وأمّا قولُ الشاعر (2):
همُ القائِلونَ الخَيرَ والآمِرونَه ... إذا ما خَشُوا من مُحْدَثِ الأمرِ مُعْظَما
فَوَجْهُ الكلامِ: والآمِرونَ به، وهذا من شَواذِّ اللُّغَات. ... [التاج: طلع].

وقال الفراء:" وقد قرأ بعض القرّاء "مُطْلِعُونِ فَأُطْلِعَ" فكسر النون. وهو شاذّ؛ لأنّ العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلا مجموعا أو موحّدا إلى اسم مكنّى عنه. فمن ذلك أن يقولوا: أنت ضاربي. ويقولون للاثنين: أنتما ضارباي، وللجميع: أنتم ضاربيّ، ولا يقولوا للاثنين: أنتما ضاربانني ولا للجميع: ضاربونني. وإنّما تكون هذه النون في فَعَلَ ويَفْعِلُ، مثل (ضربوني ويضربني وضربني). وربما غلط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول: أنت ضاربني، يتوهّم أنه أراد: هل تضربني، فيكون ذلك على غير صحّة ... وإنما اختاروا الإضافة في الاسم المكنى؛ لأنّه يختلط بما قبله. فيصير الحرفان كالحرف الواحد. فلذلك استحبّوا الإضافة في المكنى، وقالوا: هما ضاربان زيدا، وضاربا زيد لأن زيدا في ظهوره لا يختلط بما قبله؛ لأنه ليس بحرف واحد والمكنى حرف" (3).
وقال السمين: " وقرأ العامَّةُ "مُطَّلِعُوْنَ" بتشديد الطاءِ مفتوحةً وبفتح النونِ ... و"مُطْلَعُوْنَ" على هذه القراءةِ يحتمل أَنْ يكونَ قاصراً أي: مُقْبِلون مَنْ قولِك: أَطْلَعَ علينا فلانٌ أي: أَقْبَلَ، وأَنْ يكونَ متعدياً، ومفعولُه محذوفٌ أي: أصحابَكم. وقرأ أبو البرهسم وعَمَّار بن أبي عمار: "مُطْلِعُوْنِ" خفيفةَ الطاء
__________
(1) وهي أيضا لابن عباس وأبي البرهسم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 548، ومفاتيح الغيب: 26/ 122، والبحر المحيط: 7/ 349، والإتحاف للدمياطي: 658، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 203.
(2) هذا البيت من مرويات سيبويه في الكتاب: 1/ 188، وذكره صاحب الخزانة: 2/ 45 تحت الشاهد: 95، والكامل في اللغة: 1/ 97، وكلهم قال: إن البيت مصنوع، ويحمل على الضرورة في أحسن الأحوال.
(3) معاني القرآن: 2/ 386.
(1/222)
________________________________________
مكسورةَ النونِ، "فَأُطْلِعَ" مبنياً للمفعول. وقد رَدَّ الناسُ - أبو حاتم وغيرُه - هذه القراءةَ من حيث الجمعُ بين النونِ وضميرِ المتكلم؛ إذ كان قياسُها مُطْلِعيَّ، والأصل: مُطْلِعُوْي، فأُبْدِل وأُدْغِمَ نحو: جاء مُسْلِميَّ العاقلون، وقوله عليه السلام "أوَ مُخْرِجِيَّ هم". وقد وَجَّهها ابنُ جني على أنَّه أُجْرِيَ فيها اسمُ الفاعل مُجْرى المضارع، يعني في إثباتِ النونِ فيه مع الضميرِ" (1).

(ب) جمع المؤنث:
اشترط النحاة في الجمع المؤنث السالم أن نحصل عليه بإضافة ألف وتاء إلى مفرده الدال على مؤنث، دون أدنى تغيير في هذا المفرد، لا في الحركات ولا في الحروف، وقد حدث تغيير في بنية جمع المؤنث في القراءات القرآنية الواردة في التاج، وهي:
• (صُدْقَاتِهِنَّ) (2) قراءة في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (3).
ذكر الزبيدي لِلْصُّدْقَةِ: مَهْرُ المَرْأة، سبع لغات، واستشهد بالقراءة على خمس منها وردت في الآية السابقة بصيغة الجمع المؤنث السالم، فيقول: "والصُّدْقَةُ كغُرْفَة، وصَدْمَة، وبضمّتَيْن، وبفتْحَتَيْن، وككِتاب، وسَحاب سَبع لُغاتِ ... وجمْعُ الصَّدُقَةِ كنَدُسَةٍ: صَدُقَاتٌ. قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، وجمْعُ الصُّدْقةِ بالضَّمِّ: "صُدْقَاتٌ" (4) وبه قرأ قَتادَةُ، وطَلحَةُ بنُ سُلَيْمان وأبو السَّمّالِ والمَدَنيّون. ويقال: صُدَقَات بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، و"صُدُقَات" (5) بِضَمَّتَيْنِ، وهي قِراءَة المَدَنِيّين وهي أقْبَحُها ... وعن قَتادَة "صَدْقَاتِهِنَّ" (6) بفَتْح فسُكون. وقال الزّجّاجُ: ولا يُقرأُ من هذِه اللُغاتِ بشَيْءٍ؛ لأنّ القِراءَةَ سُنّةٌ. [التاج: صدق].
__________
(1) الدر المصون: 12/ 199 – 201.
(2) هي قراءة قَتادَة، وطَلحَة بن سُلَيْمان وأبي السَّمّالِ والمَدَنيّون، انظر: الكشاف: 1/ 469، والمحرر الوجيز: 1/ 132، ومفاتيح الغيب: 9/ 146، وجامع الأحكام: 5/ 23، والبحر المحيط: 3/ 150، وروح المعاني: 1/ 241، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 483.
(3) النساء: 4.
(4) انظر: جامع الأحكام: 5/ 23، والبحر المحيط: 3/ 150، وروح المعاني: 1/ 241، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 483.
(5) قراءة مجاهد وموسى بن الزبير وابن أبي عبلة، انظر: البحر المحيط: 3/ 150.
(6) هي قراءة قتادة وأبي السمال، انظر: البحر المحيط: 3/ 150، ومعجم القراءات: 1/ 484.
(1/223)
________________________________________
ويذكر الفراء لغتين من هذه اللغات فيقول:" "صَدُقَاتِهِنَّ" حجازية، وتميم: "صُدْقَات"، واحدها صُدْقَة. وأهل الحجاز يقولون: أعطها صَدُقَتَهَا، وتميم تقول: أعطها صُدْقَتَهَا" (1).
وقال السمين:" "صَدُقَاتِهِنَّ" جمع (صَدُقَةٍ) بفتحِ الصاد وضم الدال بزنة "سَمُرَةٍ"، والمرادُ بها المَهْر، وهذه القراءةُ المشهورة، وهي لغةُ الحجاز. وقرأ قتادة: "صُدْقَاتِهِنَّ" بضم الصاد وإسكان الدال، جمعُ (صُدْقَةٍ) بزنة غُرْفَةٍ. وقرأ مجاهد وابن أبي عبلة "صُدُقَاتِهِنَّ "بضمِّهما، وهي جمعُ (صُدُقَةٍ) بضم الصاد والدال، وهي تثقيلُ الساكنة الدالِ للإِتباع ... وقرئ: "صَدْقَاتِهِنَّ" بفتح الصاد وإسكان الدال، وهي تخفيف القراءة المشهورة كقولهم في عَضُدٍ: عََضْدٍ" (2).
• (المُصَدِّقَاتِ): قراءة في: {إِنَّ المُصَّدِّقينَ وَالمُصَّدِّقَاتِ} (3).
[التاج: صدق].
يأتي لفظ "المُصَّدِّقَات" من قوله تعالى: {إِنَّ المُصَّدِّقينَ وَالمُصَّدِّقَاتِ} دالا على الجمع المؤنث السالم، ولكنه من الممكن أن يكون مشتركا لفظيا بين مادتين: صَدَقَ، وتَصَدَّقَ وقد جاءت القراءة بالوجهين: "المُصَدِّقَاتِ" (4)، جمع (مُصَدِّقَةٍ)، وهي قراءة ابن كَثيرٍ وأبي بكْر، و"المُصَّدِّقَاتِ"، جمع (مُصَدِّقَةٍ)، وهي قراءة الجمهور (5).
• (نَحْسَاتٍ) (6): قراءة في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في أَيّامٍ نَحِسَاتٍ} (7).
تجمع (نَحْسَةٌ) على (نَحْسَاتٍ)، بسكون الحاء، وبها قرأَ أَبو عمرو: {أَيَّامٍ نَحْسَاتٍ}. وتجمع (نَحِسَةٌ) على (نَحِسَاتٍ) بكسر الحاء، وبها قَرأَ الجمهور: {أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} (8)، وهي المَشْؤوماتُ عليهِم في الوَجْهَيْنِ.
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 59، وانظر أيضا: معاني القرآن للأخفش: 1/ 192.
(2) الدر المصون: 1/ 1608.
(3) الحديد: 18.
(4) انظر: معاني الفراء: 3/ 135، ومعاني الأخفش: 3/ 39، والدر المصون للسمين: 7/ 408.
(5) سبق عرض هذا الشاهد مفصلا في المطلب السابق (جمع المذكر السالم) عند الحديث عن (المصدقين)، ص: 218، 219.
(6) هي قراءة نافع وابن كثير والنخعي وعيسى والأعرج ويعقوب، انظر: التيسير لأبي عمرو: 125، والسبعة: 576، والنشر: 2/ 406، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 307.
(7) فصلت: 16.
(8) هي قراءة الجمهور، انظر: التيسير لأبي عمرو: 125، والسبعة لابن مجاهد: 576، والنشر: 2/ 406.
(1/224)
________________________________________
وقَرَأَ به قُرّاءُ الكُوفَةِ والشّامِ ويَزِيدُ والبَاقُونَ بسُكُونها. [التاج: نحس].

قال الفراء: "العوام على تثقيلها لكسر الحاء، وقد خفف بعض أهل المدينة: (نحسات). قال: وقد سمعت بعض العرب ينشد:
أبْلِغْ جُذَاما وَلَخْماً أنَّ إخْوَتَهُمْ ... طَيَّا وَبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ (1)
وهذا لمن ثقَّل، ومن خفّف بناه على قوله: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» " (2).
قال الطبري: " وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقراته عامة قراء الأمصار غير نافع وأبي عمرو "فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ" بكسر الحاء، وقرأه نافع وأبو عمرو: "نَحْسَاتٍ" بسكون الحاء. وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقوله: {يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} وأن الحاء فيه ساكنة.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما قرّاء علماء مع اتفاق معنييهما، وذلك أن تحريك الحاء وتسكينها في ذلك لغتان معروفتان، يقال هذا يوم نحْس، ويوم نَحِس، بكسر الحاء وسكونها" (3).
وقال القرطبي:" قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "نَحْسَاتٍ" بإسكان الحاء على أنه جمع نَحْسٍ الذي هو مصدر وصف به. الباقون: "نَحِسَاتٍ" بكسر الحاء أي ذوات نحس. ومما يدل على أن النحس مصدر قوله: {في يوم نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} (4) ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه، وبهذا كان يحتج أبو عمرو على قراءته، واختاره أبو حاتم. واختار أبو عبيد القراءة الثانية وقال: لا تصح حجة أبي عمرو؛ لأنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن، وإنما كان يكون حجة لو نون اليوم ونعت وأسكن، فقال: {في يومٍ نَحْسٍ}، وهذا لم يقرأ به أحد نعلمه. وقال
__________
(1) انظر: جامع البيان للطبري:21/ 447، والمحرر الوجيز لابن عاشور: 6/ 24، والبصائر للفيروز آبادي: 1/ 725، واللسان: (نحس)، وكلهم رووه عن الفراء في هذا الموضع، ولم ينسب لقائل.
(2) معاني القرآن: 3/ 14.
(3) التبيان في إعراب القرآن: 21/ 447.
(4) القمر: 19.
(1/225)
________________________________________
المهدوي: ولم يسمع في "نَحْسٍ" إلا الإسكان. قال الجوهري: وقرئ في قوله "في يومِ نَحْسٍ" على الصفة، والإضافة أكثر وأجود " (1).
وقال العكبري:" (نَحِسَات) يقرأ بكسر الحاء، وفيه وجهان: أحدهما: هو اسم فاعل مثل نصب ونصبات. والثاني: أن يكون مصدرا في الأصل مثل الكلمة.
ويقرأ بالسكون وفيه وجهان: أحدهما: هي بمعنى المكسورة، وإنما سكن لعارض. والثاني: أن يكون اسم فاعل في الأصل وسكن تخفيفا " (2).
وقال الصاغاني: " قَرَأَ قُرّاءُ الكوفة والشَّامِ ويَزِيْدُ: "في أيّامٍ نَحِسَاتٍ" بكسر الحاء؛ والباقونَ بسُكُونها" (3).
والمعجميون من لدن الخليل إلى الزبيدي يرددون أن من أضاف (نحسات) سَكَّنَ الحاءَ، ومن جعلهما صفة كسر الحاء. وابن سيده يذكر أن أبا علي الفارسي يزعم أن (نَحْسَاتٍ) ساكنة الحاء من باب العدول، وأنها مخففة من مكسورة الحاء (4).
ثانيا: التغيير في جمع التكسير
جمع التكسير سماعي، ليس له قاعدة تضبطه، وقد تعدد جمع المفرد الواحد أحيانا، حتى إنه ليصل في بعض الأحيان إلى نيف وعشرين جمعا. وجاءت القراءة بالعديد من هذه الجموع، يعرضها الدارس كما يأتي:
• "غُلُفٌ" (5) و"غُلَّفٌ" (6) قراءتان في: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} (7).
ذكر الزبيدي أن غِلاف وأَغْلَفَ يجمعان على (غُلْفٌ) بضَمّ الأول وسكون الثاني، ثم قال:" ولا يَكُونُ (الغُلُفُ) بضمتين جمعَ (أَغْلَفَ)؛ لأَنّ فُعُلاً لا يَكُونُ
__________
(1) جامع الأحكام: 15/ 348.
(2) التبيان في إعراب القرآن: 2/ 221.
(3) العباب: نحس: 1/ 203.
(4) انظر المخصص: نحس: 4/ 226.
(5) هي قِراءةُ ابنِ عباس، وسعيد بن جُبَيرٍ، والحسنِ البَصْرِيِّ، والأَعرَجِ، وابنِ مُحيْصنٍ، وعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، والكَلْبِيِّ، وأَحمد عن أَبي عمرو، وعيسى، والفضلِ الرَّقاشي، وابن أَبي إِسْحاقَ، وأبي عمرو، انظر: السبعة لابن مجاهد: 164، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 229.
(6) هي قراءة لابن محيصن أيضا، انظر: السبعة لابن مجاهد: 164، والدر المصون للسمين: 1/ 392، والإتحاف:261 ومعجم القراءات للخطيب:1/ 149، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 149.
(7) البقرة: 88.
(1/226)
________________________________________
جَمْعَ أَفْعَل عند سِيبوَيْهِ، وقال الكسائيُّ: ما كانَ جمعُ فِعالٍ وفَعُولٍ وفَعِيلٍ على فُعُلٍ مُثَقَّلٍ. [التاج: غلف].
ولكن الطبري يرى أن (غُلْفاً) المخففة مفردها "أَغْلَف" وليس (غلاف) كما ذكره الزبيدي، أما جمع (غلاف) فهو "غُلُفٌ" المثقلة. يقول: " و"الغُلْفُ" - على قراءة هؤلاء - جمع "أَغْلَفٍ" وهو الذي في غلاف وغطاء، كما يقال للرجل الذي لم يُخْتَتَنْ "أَغْلَف"، والمرأة "غَلْفَاء". وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه: سيف "أَغْلَف"، وقوس"غَلْفَاء" وجمعها "غُلْفٌ"، وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على "أَفْعَل" وأنثاه على"فَعْلَاء"، يجمع على"فُعْل" مضمومة الأول ساكنة الثاني، مثل: "أَحْمَر وحُمْر وأَصْفَر وصُفْر"، فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير. ولا يجوز تثقيل عين"فُعْلٍ" منه إلا في ضرورة شعر، كما قال طرفة بن العبد (1):
أَيُّهَا الْفِتْيَانُ فِي مَجْلِسِنَا ... جَرِّدُوا مِنْهَا وِرَادَاً وَشُقُر
يريد: شُقْرًا، إلا أن الشعر اضطره إلى تحريك ثانيه فحركه.
وأما الذين قرؤوها "غُلُفٌ" بتحريك اللام وضمها، فإنهم تأولوها أنهم قالوا: قلوبنا غُلُفٌ للعلم، بمعنى أنها أوعية. قال: و"الغُلُفُ" على تأويل هؤلاء جمع "غِلَافٍ". كما يجمع الكِتَابُ كُتُب، والحِجَابُ حُجُب، والشِهَابُ شُهُب. فمعنى الكلام على تأويل قراءة من قرأ "غُلُفٌ" بتحريك اللام وضمها، وقالت اليهود: قلوبنا غُلُفٌ للعلم وأَوْعِيَةٌ لَهُ ولغيره" (2).
وقال السمين: " قرأ الجمهورُ: "غُلْفٌ" بسكون اللام، وفيها وجهان:
أحدهما: - وهو الأظهرُ - أن يكونَ جمع "أَغْلَف" كأحمر وحُمْر وأصفر وصُفْر، والمعنى على هذا: أنها خُلِقَتْ وجُبِلت مُغَشَّاةً لا يَصِلُ إليها الحقُّ استعارةً من الأغلف الذي لم يُخْتَتَنْ.
والثاني: أن يكونَ جمعَ "غِلاف"، ويكونُ أصلُ اللامِ الضمَّ فخُفِّفَ نحو: حِمار وحُمُر وكتاب وكُتُب، إلاَّ أنَّ تخفيفَ فُعُل إنما يكون في المفرد غالباً نحو عُنْق في عُنْق، وأمَّا فُعُل الجمع فقال ابن عطية: "لا يجوز تخفيفُه إلا في ضرورةٍ" (3)، وليس كذلك، بل هو قليل، وقد نصّ غيرُه على جوازه، وقرأ ابن
__________
(1) هذا البيت ذكره البغدادي في الخزانة: 3/ 386، في أبيات، وقبله: (فترى الحيَّ إذا ما فَزِعوا ... ودعا الداعي وقد لَجَّ الذُّعُر) وبعده (أعوَجيات طوالا شُزَّبا ... دورِكَ الصنعةُ فيها والضُّمُر)، والجليس الصالح: 1/ 5، وشرح أدب الكاتب: 1/ 82.
(2) جامع البيان: 2/ 324 – 327.
(3) المحرر الوجيز: 1/ 177.
(1/227)
________________________________________
عباس - ويُروى عن أبي عمرو - بضمِّ اللامِ وهو جمع "غِلاف"، ولا يجوز أن يكون فُعُل في هذه القراءة جمعَ "أَغْلَف"؛ لأنَّ تثقيلَ فُعُل الصحيحِ العينِ لا يجوز إلاَّ في شِعْر، والمعنى على هذه القراءة جمعَ "أَغْلف"؛ لأنَّ تثقيلَ فُعَل الصحيحِ العينِ لا يجوز إلاَّ في شِعْر، والمعنى على هذه القراءة أنَّ قلوبَنا أوعيةٌ للعلمِ فهي غيرُ محتاجةٍ إلى علمٍ آخر، والتغليفُ كالتغشِيَة في المعنى" (1).
• (ظِلاَلٍ) (2): قراءة في قوله: {إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ} (3)
ذكر الزبيدي أن الظُّلَّة تجمع على: ظُلَلٌ، وظِلاَلٌ، واستدل على ذلك بالقراءات الواردة في الآية السابقة فقال: "وقُرِئَ أيضاً: "في ظِلاَلٍ" وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ وخَلَفٌ: {في ظُلَلٍ عَلى الأَرائِكِ مُتَّكِئُونَ} (4). وقولُهُ تَعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} (5). [التاج: ظلل].

فالآيات السابقات في كل مواضعها قرئت بالقراءتين: ظُلَل، وظِلَال. وظلل جمع ظلة، نحو: غرفة وغرف، وحلة وحلل. وظلال جمع ظل، أو جمع ظلة أيضا، نحو: قلة وقلال (6).
قال الطبري: "من قرأها " في ظُلَلٍ"، فإنه وجهها إلى أنها جمع "ظُلَّة"، و"الظُلَّة"، تجمع "ظُلل وظِلال"، كما تجمع "الخُلَّة"، "خُلَل وخِلال"، و"الجلَّة"، جُلَلٌ وجلال" (7).
وقال أبو زرعة:" قرأ حمزة والكسائي: "في ظُلَلٍ" بغير ألف وضم الظاء، الظلل جمع ظلة كما تقول: حلة وحلل، وغرفة وغرف، وقربة وقرب ... وقرأ
__________
(1) الدر المصون: 1/ 392.
(2) هي قراءة قتادة وأبي وعبد الله بن مسعود والضحاك وعاصم وأبي جعفر ويزيد بن القعقاع، انظر: جامع البيان: 4/ 261، والمختصر لابن خالويه: 13، والحجة لأبي زرعة: 601، والمحتسب: 1/ 122، والدر المصون 2/ 341، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 304، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 285.
(3) البقرة: 210.
(4) يس: 56.
(5) الزمر: 19.
(6) انظر: الجامع للطبري: 20/ 538، والحجة لأبي زرعة:601، وجامع الأحكام للقرطبي: 3/ 25، والدر المصون:2/ 341، والنشر: 2/ 355، والإتحاف: 652، ومعجم القراءات للخطيب:7/ 504.
(7) جامع البيان: 4/ 261.
(1/228)
________________________________________
الباقون: "في ظلال" بالألف جمع ظلة مثل: قلة وقلال، وحلة وحلال، وحفرة وحفار، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن تكون ظلال جمع ظل، وحجتهم:"يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل" (1).
قال السمين: " قرأ أُبَيّ وقتادةُ والضحاكُ: في ظلالٍ، وفيها وجهان، أَحدُهما: أَنَّها جمع ظِلّ نحو: صِلّ وصِلال. والثاني: أنها جمعُ ظُلَّة كقُلَّة وقِلال، وخُلَّة وخِلال، إلاَّ أنَّ فِعالاً لا يَنقاس في فُعْلَة" (2).
• (فَرُجَّالاً) (3): قراءة في قولُه تعالى: {فَرِجَالاً أوْ رُكْبَاناً} (4).
[التاج: رجل].
يعدد الزبيدي صيغ جمع اسم الفاعل (رَاجِل) من الفعل (رَجِلَ): أي مشى على رجليه - عكس الرَاكِبٌ - إلى أن يبلغ بالجموع الواردة فيه عشرين جمعا على ما في بعضها من خلاف. وقد جاءت القراءة القرآنية بالعديد من هذه الجموع كما يلي (5):
1 - رِجَالٌ بالكسر، ومنه قولُه تعالى: {فَرِجَالاً أوْ رُكْبَاناً}.
2 - ورُجَّالٌ كرُمَّانٍ، ومنه قِراءَةُ عِكْرَمَةَ وأبي مِجْلزٍ: "فَرُجَّالاً أَوْ رُكْبَانَاً " (6).
3 - ورُجَال كغُرَابٍ، ومنه قِراءَةُ عِكْرِمَةَ: {فَرُجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (7).
4 - ورُجَّل كسُكَّرٍ، ومنه قراءة: "فَرُجَّلاً" (8).
5 - ورَجْل كقَلْبٍ، ومنه قراءة: "فَرَجْلاً" (9) بالْفَتْحِ. ومنه قَوْلُه تَعالى: {وأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ} (10).
__________
(1) الحجة: 601.
(2) الدر المصون: 2/ 341.
(3) هي قراءة ابن محيصن، انظر: الدر المصون للسمين: 3/ 37، والإتحاف للدمياطي: 290، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 330.
(4) البقرة: 239.
(5) انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 3/ 223، والبحر المحيط لأبي حيان: 2/ 178، والدر المصون للسمين: 3/ 37، والإتحاف للدمياطي: 290.
(6) المصادر السابقة.
(7) المصادر السابقة.
(8) قراءة عكرمة وأبي مجلز وابن محيصن، انظر: الدر المصون للسمين: 3/ 37، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 336.
(9) انظر: الدر المصون للسمين: 3/ 37، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 336.
(10) الإسراء: 64.
(1/229)
________________________________________
• (فَرُهُنٌ) (1): قراءة في قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2).
ذكر الزبيدي أن رَهْنَاً قد يجمع على: رِهَانٍ أو رُهُنٍ مستدلا بالقراءة الواردة في الآية السابقة، فيقول: وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وشيبة: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وقرأ أبو عمرو وابن كثير {فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ}، وكان أبو عمرو يقول: الرهان في الخيل قال قَنْعَبُ (3):
بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى دُونَهَا عَدَنٌ ... وَغَلِقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قِبَلِكَ الرُّهُنُ
وقال الفراء (4): من قرأ "فَرُهُنٌ" فهي جمع رِهَانٍ مثل ثُمُر وثِمَار. وفى المحكم: وليس رُهُنٌ جمعَ رِهَانٍ؛ لأن رِهَانَاً جمعٌ وليس كل جمعٍ يُجْمَعُ، إلا أن يُنَصَّ عليه بعد أن لا يحتمل غيره ذلك كأَكْلُبٍ وأَكَالِبٍ، وأَيْدٍ وأَيَادٍ، وأَسْقِيَةٍ وأَسَاقٍ". [التاج: رهن].
قال الطبري: " قرأ عامة قرأة الحجاز والعراق: "فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ"، بمعنى جماع "رَهْن" كما "الكباش" جماع "كبش"، و"البغال" جماع "بَغل"، و"النعال" جماع "نعل". وقرأ ذلك جماعة آخرون: "فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ" على معنى جمع: "رِهان"، "ورُهن" جمع الجمع، وقد وجهه بعضهم إلى أنها جمع "رَهْن"، مثل: "سَقْف وسُقُف" (5).
قال السمين: " فأمَّا قراءةُ ابن كثير - فَرُهُنٌّ - فجمع رَهْن، و (فَعْل) يُجْمع على (فُعُل) نحو: سَقْف وسُقُف ... وقال أبو عمرو: "وإنما قَرَأت (فَرُهُن) للفصلِ بين الرهانِ في الخيلِ وبين جمع "رَهْن" في غيرها"، ومعنى هذا الكلام أنما اخترتُ هذه القراءةَ على قراءة "رهان"؛ لأنه لا يجوزُ له أَنْ يفعلَ ذلك كما ذَكَر دونَ اتِّباع روايةٍ. واختار الزجاج قراءتَه هذه قال: "وهذه القراءة وافَقَت المصحفَ، وما وافقَ المصحفَ وصَحَّ معناه، وقَرَأت به القُرَّاء فهو المختارُ".
__________
(1) هي قراءة ابن كثير وابن محيصن واليزيدي وابن عباس، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 188، والعنوان: 10، والحجة لابن خالويه: 104، والحجة لأبي زرعة: 152، وجامع الأحكام للقرطبي: 3/ 408، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 371، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 422.
(2) البقرة: 283.
(3) البيت في لسان العرب: (رهن)، وفي مفاتيح الغيب للرازي: 4/ 59، واللباب لابن عادل: 3/ 383.
(4) انظر: معاني القرآن: 1/ 188.
(5) جامع البيان: 6/ 96، وانظر: جامع الحكام للقرطبي: 3/ 408، ومعالم التنزيل: 1/ 352، والبحر المحيط: 2/ 270، والتحرير والتنوير لابن عاشور: 5/ 34.
(1/230)
________________________________________
قلت: إن الرسم الكريم "فَرُهُنٌ" دون ألفٍ بعد الهاء، مع أنَّ الزجاج يقول: "إنَّ فُعُلاً جمع فَعْلٍ قليلٌ" ... وقال يونس: "الرَّهْنُ والرِّهان عربيان، والرُّهُنْ في الرَّهْنِ أكثرُ، والرِّهان في الخيلِ أكثرُ" ... وقيل: إنَّ رُهُنا جمعُ رِهان، ورِهان جمعُ رَهْن، فهو جَمْعُ الجمع، كما قالوا في ثِمار جمعَ ثَمَر، وثُمُر جَمعُ ثِمار، وإليه ذهب الفراء وشيخه، ولكنَّ جَمْعَ الجمعِ غيرُ مطرَّدٍ عند سيبويه وجماهيرِ أتباعه. وأمَّا قراءةُ الباقين " فرِهان" جمعُ "رَهْن" وفَعْل وفِعال مطردٌ كثير نحو: كَعْب وكِعَاب، وكَلْب وكِلاب" (1).
• (أُنُثاً) (2): قراءة في قوله {إِنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً} (3).
استدل الزبيدي بقراءة ابن عباس السابقة على أن أُنُثاً جمع الجمع، أي جمع لإناث، مثْل نِمَارٍ ونُمُرٍ. قال الفرّاءُ (4): هو جَمْع الوَثَنِ كالأَنَاثَى كعَذَارَى جاءَ ذلك في الشِّعْر. ومن قرأَ: "إِلَّا إِنَاثَاً" أَرادَ المَوَات الذي هو خِلافُ الحَيَوَان، كالشَّجَرِ والحَجَرِ والخَشَب عن اللِّحْيَانِيّ. [التاج: أنث].

قال القرطبي:" قرأ ابن عباس أيضا (أُثُنَاً) كأنه جمع وَثَنَاً على وِثَانٍ، كما تقول: جَمَل وجِمَال، ثم جمع أَوْثَانَاً على وُثُنٍ، كما تقول: مِثَال ومُثُل، ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت ... فأثن جمع الجمع" (5).
وقال السمين: "إلا أُنُثا" كرُسُل، وفيها ثلاثة أوجه: أحدها: وبه قال ابن جرير: أنه جمعُ "إناث" كثِمار وثُمُر، وإناث جمع أنثى فهو جمع الجمع، وهو شاذ عند النحويين. والثاني: أنه جمع "أنيث" كقليب وقُلُب وغدير وغُدُر، والأنيث من الرجال المُخَنَّثُ الضعيفُ ... والثالث: أنه مفردٌ أي: يكون من الصفات التي جاءت على فُعُل نحو امرأة حُنُثٌ" (6).
__________
(1) الدر المصون: 3/ 204، 205.
(2) هي قراءة ابن عباس، وأبو حيوة، والحسن، وعطاء، وأبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ وعائشة، انظر: جامع البيان: 9/ 210، ومعالم التنزيل: 2/ 288، وجامع الأحكام: 5/ 387، والبحر المحيط: 3/ 286، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 539، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 157.
(3) النساء:117، 167.
(4) معاني القرآن: 1/ 284.
(5) الجامع للقرطبي: 5/ 387.
(6) الدر المصون: 5/ 114.
(1/231)
________________________________________
• (زُلُفَاً) (1): قراءة في: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِّ النَّهَارِ وَزُلَفَاً مِنَ اللَّيْلِ} (2).
استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في الآية السابقة على مجيء "زُلَفاً" محتملة لأن تكون جمع تكسير أو مفردا فيقول: "وقُرِئَ: "زُلُفَاً" بِضَمَّتَيْنِ، وهي قِرَاءَةُ ابنِ مُحَيْصِنٍ وفيها وَجْهَان: إِمَّا مُفْرَدٌ كَحُلُمٍ، وإِمَّا جَمْعُ زُلُفَةٍ كَبُسُرٍ وبُسُرَةٍ بِضَمِّ سِينِهِمَا. وقُرِئَ: "زُلْفَاً" (3) بِضَمَّةٍ فسُكُونٍ وفيها أيضاً وَجْهَانِ: إِمَّا جَمْعُ زُلْفَةٍ بالضَّمِّ، جَمَعَهَا جَمْعَ الأجْنَاسِ المَخْلُوقةِ، وإِنْ لم تكُنْ جَوَاهِرَ كما جَمَعُوا الجَوَاهِرَ المَخْلُوقَةَ كَدُرَّة ودُرٍّ، وإِمَّا جَمْعُ زَلِيفٍ مِثْل القُرْبِ والقَرِيبِ، والغُرْبِ والغَرِيبِ".
[التاج: زلف].
قال الطبري: " قرأ عامة قراء المدينة والعراق: (وَزُلَفًا)، بضم الزاي وفتح اللام. وقرأه بعض أهل المدينة - زُلُفًا - بضم الزاي واللام، كأنه وجَّهه إلى أنه واحدٌ، وأنه بمنزلة "الحُلُم". وقرأ بعض المكيين: (وَزُلْفًا)، ضم الزاي وتسكين اللام. وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها: (وزُلَفًا)، بضم الزاي وفتح اللام، على معنى جمع "زُلْفة"، كما تجمع "غُرْفَة غُرف"، و"حُجْرة حُجر". وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك، لأن صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زُلَفٍ من الليل، وهي التي عُنِيت عندي بقوله: (وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ) " (4).
وقال السمين: " قرأ العامَّةُ "زُلَفاً" بضم الزاي وفتح اللام، وهي جمعُ "زُلْفة" بسكون اللام، نحو: غُرَف في جمع غُرْفة، وظُلَم في جمعِ ظُلْمة. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق بضمهما، وفي هذه القراءةِ ثلاثةُ أوجه: أحدها: أنه جمع زُلْفة أيضاً، والضمُّ للإِتباع، كما قالوا بُسْرة وبُسُر بضم السين إتباعاً لضمة الباء.
والثاني: أنه اسمٌ مفرد على هذه الزِّنة كعُنُق ونحوه. الثالث: أنه جمع زَلِيف، قال أبو البقاء: "وقد نُطِق به"، يعني أنهم قالوا: زَليف، وفَعيل يُجمع على فُعُل نحو: رَغِيف ورُغُف، وقَضِيب وقُضُب.
__________
(1) هي قراءة أبي عمرو، وطلحة والحضرمي وشيبة ونصر بن علي وأبي جعفر، انظر: جامع البيان للطبري: 15/ 506، والنشر: 2/ 329، والإتحاف: 462، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 414.
(2) هود: 114.
(3) الحسن وابن محيصن ومجاهد، انظر: معالم التنزيل: 4/ 204، والمحرر الوجيز لابن عطية: 2/ 116، وروح المعاني للألوسي: 4/ 277، ومعجم القراءات لمختار: 2/ 414.
(4) جامع البيان: 15/ 506.
(1/232)
________________________________________
وقرأ مجاهد وابن محيصن بإسكان اللام. وفيها وجهان: أحدهما: أنه يُحتمل أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مخففةً مِنْ ضم العين فيكون فيها ما تقدَّم. والثاني: أنه سكونُ أصلٍ من باب اسمِ الجنس نحو: بُسْرة وبُسْرة مِنْ غير إتباع" (1).

• (النُّجُمِ) (2): قراءة في: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (3).
ذكر الزبيدي أن النَّجْمَ يجمع على أَنْجُمٍ وأَنْجَامٍ ونُجُومٍ، ونُجُمٍ بضمتين وهو قليل، كَسَقْفٍ وسُقُفٍ، واستدل على ورود " نُجُمٍ " بقراءة الحسن: {وَبِالنُّجُمِ}.
قَالَ الرَّاجِزُ (4): إنَّ الفَقِيرَ بَيْنَنَا قَاضٍ حَكَمْ
أن تَرِدَ المَاءَ إِذَا غَابَ النُّجُمْ
وذَهَبَ ابنُ جِنِّي إلى أَنَّه جَمَعَ (فَعْلاً) على (فُعْل) ثُمَّ ثَقَّلَ، وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذَفَ الوَاوَ تَخْفِيفاً (5). قال شَيخُنا: وضَبَطَه بِعضٌ بِضمٍّ فَسُكُون (6)، وجَزَمَ قَومٌ بِأَنَّه مَقْصُورٌ مِنْ نُجُومٍ (7). [التاج: نجم].

وقال السمين:" فأمَّا قراءةُ الضمتين ففيها تخريجان، أظهرُهما: أنها جمعٌ صريحٌ لأنَّ فَعْلاً يُجْمع على فُعُل نحو: سَقْف وسُقُف، ورَهْن ورُهُن. والثاني: أنَّ أصلَه النجومُ، وفَعْل يُجمع على فُعُول نحو: فَلْس وفُلُوس، ثم خُفِّف بحَذْفِ الواوِ كما قالوا: أَسَد وأُسُود وأُسُد. قال أبو البقاء: "وقالوا في خِيام: خِيَم، يعني أنه نظيرُه، من حيث حَذَفوا منه حرفَ المدِّ " (8). وقال ابنُ عصفور: إن قولهم النُّجُم مِنْ ضرورة الشعر ... وأمَّا قراءةُ الضمِّ والسكونِ ففيها وجهان، أحدهما: أنها
__________
(1) الدر المصون: 8/ 373.
(2) هي قراءة الحسن، انظر: الكشاف: 2/ 599، والمحرر الوجيز: 1/ 153، وجامع الأحكام للقرطبي: 10/ 91، والبحر المحيط: 5/ 480، والإتحاف: 494، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 606.
(3) النحل: 16.
(4) انظر: نضرة الإغريض في نصرة القريض للمظفر بن الفضل: 47، وسر صناعة الإعراب لابن جني: 2/ 632، والسان (نجم)، وجامع الأحكام للقرطبي: 10/ 91، ولم يذكروا له قائلا.
(5) المحتسب: 2/ 8، وسر صناعة الإعراب: 2/ 632.
(6) انظر الكشاف: 2/ 599.
(7) ابن عصفور في شرح المفصل: 4/ 120.
(8) التبيان: 2/ 79.
(1/233)
________________________________________
تخفيفٌ من الضم. والثاني: أنها لغةٌ مستقلة" (1). قال أبو حيان: "وجعله مما جمع على (فُعْل) أولى من حمله على أنه أراد النجوم، فحذف الواو" (2).

• (ثُمُرٌ (3) وثُمْرٌ (4)): قراءتان في قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} (5).
ذكر الزبيدي أن الثَّمَرَ: أنواعُ المال المُثَمَّرِ المُسْتَفَادِ، ويُخَفَّفُ ويُثَقَّلُ، ويضم ويفتح واستدل على ذلك بقراءة أبي عمرو: {وَكَانَ لَهُ ثُمْرٌ} وفَسَّره بأَنواع المالِ. "قال مُجَاهِد: ما كان في القرآن مِن (ثُمُرٍ) فهو المال، وما كان مِن (ثَمَرٍ) فهو الثِّمار (6). ورَوَى الأزهريُّ بسَنَدِه قال: قال سَلاّم أبو المُنْذِر القارئ في قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}: مفتوح جَمْع ثَمَرة، ومَن قرأَ "ثُمُر" قال: مِن كلّ المالِ قال: فأَخبرتُ بذلك يُونُسَ فلم يَقْبله كأَنّهما كانا عنده سَواءً". [التاج: ثمر].

قال الطبري: "وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر، كما يجمع الكتاب كتبا، والحمار حمرا، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة "ثُمْرٌ" بضم الثاء وسكون الميم، وهو يريد الضمّ فيها، غير أنه سكنها طلب التخفيف، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة، كما تجمع الخَشبة خَشَبا. وقرأ ذلك بعض المدنيين: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} بفتح الثاء والميم، بمعنى جمع الثمرة، كما تجمع الخشبة خشبا، والقصبة قَصبا " (7).
وقال البغوي: "فمن قرأ بالفتح - ثَمَرٌ - هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة. ومن قرأ بالضم - ثُمْرٌ - فهي الأموال الكثيرة
__________
(1) الدر المصون: 9/ 234.
(2) البحر المحيط: 5/ 480.
(3) هي قراءة ابن عامر وابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وأبي عمرو وابن عباس ومجاهد ويعقوب، انظر: السبعة لابن مجاهد: 264، والحجة لابن خالويه: 147، والحجة لابن زنجلة: 416، وجامع الأحكام: 10/ 403، والنشر: 2/ 310، والإتحاف: 515، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 206.
(4) هي قراءة أبي عمرو والأعمش وأبي رجاء والحسن واليزيدي، المصادر السابقة.
(5) الكهف:34.
(6) انظر: معاني الفراء: 2/ 144، والمحرر الوجيز: 1/ 377، ومعاني القرآن للنحاس: 4/ 239، والبحر المحيط: 6/ 123، والدر المصون: 10/ 50.
(7) جامع البيان: 18/ 21.
(1/234)
________________________________________
المثمرة من كل صنف جمع ثمار. وقيل: جميع الثمرات. قال الأزهري: "الثمرة" تجمع على "ثَمَر" ويجمع "الثمر" على "ثِمار" ثم تجمع "الثمار" على "ثُمُر" (1).

• (جِذَاذَاً) (2): قراءة في قوله تعالى: {فجَعَلَهُمْ جُذَاذَاً} (3).
ذكر الزبيدي أن الجُذَاذَ: الحُطام. "وقيل: هو جَمْعُ جَذِيذ وهو من الجَمْعِ العَزِيزِ. وقال الفرَّاءُ (4): هو مثْلُ الحُطامِ والرُّفَاتِ. ومن قرأَها: "جِذَاذَاً" فهو جمَع جَذِيذٍ مثْل خِفَافٍ وخَفِيف. قلْت: وهو قِراءَة يَحيى بن وَثَّاب. وقال الليث: الجُذَاذُ: قِطَعُ ما كُسِرَ، الواحِدَةُ جُذاذَةٌ. والجَذَاذُ بالفتْحِ: فَصْلُ الشيْءِ عن الشَّيْءِ كالجَذَاذَةِ بالهاءِ. [التاج: جذذ].
قال الطبري:" وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأه (جُذَاذَاً) بضمّ الجيم، لإجماع قرّاء الأمصار عليه، وأن ما أجمعت عليه فهو الصواب، وهو إذا قرئ كذلك مصدر مثل الرُّفات، والفُتات، والدُّقاق لا واحد له، وأما من كسر الجيم فإنه جمع للجَذِيذ، والجَذِيذ: هو فعيل صُرِف من مجذوذ إليه، مثل كسير وهشيم، والمجذوذة: المكسورة قِطَعا" (5).
وقال أبو زرعة:" بالكسر جمع لـ (جَذِيذٍ) و (جَذِيذ) معدول عن (مجذوذ)، مثل: قتيل مقتول، ثم جَمَعَ الجَذِيذَ جِذَاذًا، كما جمع الخفيف خفافا، والكبير كبارا، والصغير صغارا، وكان قطرب يذهب إلى المصدر يقول: جذذته جذاذا مثل ضَرَمْتُهُ ضِرَاماً. وقرأ الباقون "جُذَاذا" بالضم، قال اليزيدي: واحدها جُذَاذَة مثل: زُجَاجَة وزُجَاج وقال الفراء: الجُذَاذ مثلُ الحُطَام، فهو عند اليزيدي جمعٌ، وعند الفراء في تأويل مصدر مثل الرُّفَات والفُتَات لا واحد له" (6).
وقال السمين: " قال قطرب: "هي في لغاتها كلِّها مصدرٌ فلا يثنَّى ولا يُجمع ولا يؤنَّثُ". والظاهرُ أن المضمومَ اسمٌ للشيءِ المكسِّرِ كالحُطام والرُّفات والفُتاتِ
__________
(1) معالم التنزيل: 5/ 171.
(2) هي قراءة الكسائي، والأعمش، وابن محيصن، وابن مقسم، وأبي حيوة، وحميد وبن وثاب، انظر: العنوان: 23، وحجة أبي زرعة: 468، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 262.
(3) الأنبياء: 58.
(4) انظر: معاني القرآن: 2/ 201.
(5) جامع البيان: 18/ 457.
(6) الحجة: 468.
(1/235)
________________________________________
بمعنى الشيء المحطَّمِ والمفتَّتِ. وقال اليزيديُّ: "المضمومُ جمعُ جُذاذة بالضم نحو: زُجاج في زُجاجة، والمكسورُ جمع جَذيذ نحو: كِرام في كريم". وقال بعضُهم: المفتوحُ مصدرٌ بمعنى المفعولِ أي: مَجْذوذين. ويجوز على هذا أن يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي: ذوات جُذاذ. وقيل: المضمومُ جمع جُذاذَة بالضمِّ، والمكسورُ جمع جِذاذَة بالكسر، والمفتوح مصدرٌ" (1).
ومن خلال ما سبق يتبين أن "جذَاذًا" قرئت مثلثة الجيم، وقيل في حالتي ضم الجيم وكسرها بالجمع والمصدر، وفي حالة الفتح بالمصدر فقط.

• (وُلْدُهُ (2)، وِلْدُهُ (3)): قراءتان في: {مَالُهُ وَوَلَدُهُ} (4).
ذكر الزبيدي أن "الوَلَدَ" تجمع على: أَوْلاَدٍ، ووِلْدٍ ووُلْدٍ، ثم استدل بالقراءة على ورود بعضها فيقول: "قال الفَرَّاءُ: قرأَ إِبراهِيمُ {مَالُهُ وَوُلْدُهُ} وهو اخْتِيَار أَبي عَمْرو، وكذلك قَرأَ ابنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ. وروى خارِجةُ عن نافِعٍ: "وَوُلْدُهُ" أَيضاً. وقرأَ ابنُ إِسحاقَ: "مَالُهُ وَوِلْدُهُ" وقال: هما لغتانِ وُلْد ووِلْد. [التاج: ولد].

قال أبو زرعة:" قال الفراء: هما لغتان مثل الحُزْنِ والحَزَنِ، والرُّشْد والرَّشَد، والبُخْل والبَخَل ... وقال الزجاج: الوَلَدُ وَاحِدٌ والوُلْدُ بالضم جَمْعٌ مثل أَسَدٍ وأُسْدٍ، وقال ابنُ أَبِي حَمَّادٍ: الوُلْدُ بالضم وَلَدُ الوَلَدِ، والوَلَدُ بالفتح وَلَدُ الصُّلْبِ، والوُلْدُ بالضم يصلح للواحِد وللجمع، والوَلَدُ لا يصلح إلا للواحِد فلهذا قرأ أبو عمرو ها هنا بالضم " (5).
وقال السمين:" فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحةٌ وهو اسمٌ مفردٌ قائمٌ مقامَ الجمع. وأمَّا قراءةُ الضمِّ والإسكانِ، فقيل: هي كالتي قبلها في المعنى، يقال: وَلَدَ
__________
(1) الدر المصون:10/ 309.
(2) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 173، والسبعة:412، والعنوان: 34، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 474، والجامع للقرطبي: 11/ 155، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 103.
(3) هي قراءة أبي عمرو والحسن والجحدري وقتادة وزر وطلحة، انظر: الحجة لابن خالويه: 353، والنشر: 2/ 431، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 207.
(4) نوح: 21.
(5) الحجة: 725.
(1/236)
________________________________________
ووُلْد، كما يقال: عَرَب وعُرْب، وعَدَمَ وعُدْم. وقيل: بل هي جمع لوَلَد نحو: أَسَد وأُسْد" (1).
مما سبق يتضح أن "الولد" جاءت مثلثة الواو، وقد قيل في الكل بالمفرد والجمع.
• (لِبَدًا (2) ولُبْدًا (3) ولُبَّدًا (4)): قراءات في قوله: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} (5).
[التاج: لبد].
استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في الآية السابقة على صحة بعض صيغ جمع التكسير كما يلي:
1 - لُبَد جمعُ لُبْدَةٍ، وبها قرأ الجمهور: "مَالًا لُبَدًا".
2 - ولِبَد جَمْع لِبْدَة مِثال عِنَبٍ وعِنَبَة، وبها قرأَ زيدُ بن عَليٍّ وابنُ عُمَيْرٍ وعاصِمٌ: "لِبَدًا".
3 - ولُبَّد جمع لابد، وبها قرأَ أَبو جَعْفَرٍ: {مَالاً لُبَّدًا} مُشَدَّدَا.
4 - ولُبْد جمع لابد، كَفَارِهٍ وفُرْهٍ، وبها قرأَ الحسن ومُجَاهِد: "لُبْدًا" بسكون الباءِ.

قال الفراء: "اللُّبَدُ: الكثير. قال بعضهم واحدته: لُبْدَةٌ، ولُبَدٌ جماع. وجعله بعضهم على جهة: قُثَم، وحُطَم واحدا، وهو في الوجهين جميعا الكثير. وقرأ أبو جعفر المدني: "مالًا لُبَّدَاً" مشددة مثل رُكَّعٍ، فكأنه أراد: مَالٌ لابِدٌ، ومَالانِ لابِدَانِ، وأَمْوَالٌ لُبَّدٌ" (6).
__________
(1) الدر المصون: 10/ 163.
(2) هي قراءة زيد بن علي وابن عمير وعاصم في رواية وعلي بن أبي الجوزاء، انظر: السبعة: 656، والمحرر الوجيز: 1/ 401، والحجة لابن أبي زرعة: 729، والجامع للقرطبي: 19/ 24، والبحر المحيط: 8/ 344، والنشر: 2/ 401، والإتحاف: 754، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 391.
(3) هي قراءة زيد بن علي، وأبي جعفر وابن محيصن ومجاهد، انظر المصادر السابقة.
(4) هي قراءة أبي جعفر وعائشة وأبيها وأبي عبد الرحمن وقتادة وأبي العالية، انظر المصادر السابقة.
(5) البلد: 6.
(6) معاني القرآن: 3/ 263.
(1/237)
________________________________________
وقال الطبري: "واحدها لِبْدَةٌ، وفيها لغتان: كسر اللام لِبْدَةٌ، ومن كسرها جمعها لِبَد؛ وضم اللام لُبْدَةٌ، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد، ومن جمع لابد قال: لُبَّدًا، مثل راكع وركع" (1).
وقال السمين: " قرأ هشام - لُبَدَاً - بضمِّ اللامِ، والباقون - لِبَداً - بكسرِها. فالأولى. جمعُ لُبْدَة بضمِّ اللامِ نحو: غُرْفة وغُرَف. وقيل: بل هو اسمٌ مفردٌ صفةٌ من الصفاتِ نحو: "حُطَم"، وعليه قولُه تعالى: "مَالاً لُّبَداً". وأمَّا الثانيةُ: فجمعُ "لِبْدَة" بالكسر نحو: قِرْبَة وقِرَب. واللِّبْدَة واللُّبْدة. الشيءُ المتلبِّدُ أي: المتراكبُ بعضُه على بعضٍ ... وقرأ الحسنُ والجحدريُّ "لُبُداً" بضمتين، ورواها جماعةٌ عن أبي عمروٍ، وهي تحتملُ وجهَيْنِ: أحدُهما: أَنْ يكونَ جمعَ لَبْد نحو: "رُهُن" جمعَ "رَهْن". والثاني: أنَّه جمعُ "لَبُود" نحو: صَبورُ وصُبُر، وهو بناءُ مبالغةٍ أيضاً. وقرأ ابن مُحَيْصن – لُبْداً - بضمةٍ وسكونٍ، فيجوزُ أَنْ تكونَ هذه مخففةً من القراءةِ التي قبلها، ويجوزُ أن تكونَ وَصْفاً برأسِه. وقرأ الحسن والجحدريُّ أيضاً "لُبَّداً" بضم اللام وتشديد الباء، وهو جمعُ "لابِد" كساجِد وسُجَّد، وراكع ورُكَّع" (2).
• (عُمُدٍ) (3): قراءة في قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (4).
ويتناول العماد والعمود من حيث المعنى والجمع من خلال القراءة فيقول: "وأَما قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}. قُرِئَتْ "في عُمُدٍ" وهو جمع عِمادٍ وعَمَد وعُمُد كما قالوا: إِهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ. ومعناه: أَنَّهَا في عُمُدٍ من النار نَسب الأَزهَريُّ هذا القَولَ إلى الزَّجَّاجِ (5). وقال الفرَّاءُ (6): العَمَدُ والعُمُد جميعاً: جَمْعَانِ للعَمُودِ مثل: أَدِيمٍ وأَدَمٍ وأُدُمٍ، وقَضِيمٍ وقَضَمٍ وقُضُمٍ. وفي
__________
(1) جامع البيان للطبري: 23/ 666.
(2) الدر المصون: 14/ 125.
(3) هي قراءة حمزة والكسائي، وعاصم، والحسن، وشعبة، والأعمش، وعلي، وابن مسعود، وزيد ابن ثابت وابن وثاب، وخلف، انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 290، وجامع البيان: 24/ 600، وجامع الأحكام للقرطبي: 20/ 186، والدر المصون: 9/ 89، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 475.
(4) الهمزة: 8، 9.
(5) معاني القرآن: 3/ 236.
(6) بل هو قول الفراء. أنظر: معاني القرآن: 3/ 290.
(1/238)
________________________________________
المصباح: العَمُود معروفٌ والجمع: أَعْمِدَةٌ وعُمُدٌ بضمتين وبفتحتين، والعِمَادُ ما يُسْنَد به، والجمع عَمَدٌ بفتحتين. قال شيخُنَا: فالعَمَد محرّكَةً يكون جمْعاً لِعَمُودٍ ولِعِمَادٍ، وهذا لم يُنَبِّهُوا عليه". [التاج: عمد].

وقال الطبري: "لغتان صحيحتان، والعرب تجمع العمود: عُمُدا وعَمَدا، بضم الحرفين وفتحهما" (1).
وقال السمين: "عُمُد" بضمتين، ومفرُده يحتمل أن يكونَ (عِماداً) كشِهاب وشُهُب، وِكتاب وكُتُب، وأن يكون (عَمُوداً) كرَسُول ورُسُل، وقد قرِئ في السبع: "عَمَدٍ" بالوجهين. وقال ابن عطية في (عَمَد): اسم جمعِ عَمُود، والبابُ في جمعه "عُمُد" بضم أوله وثانيه كرَسُوْل ورُسُل" (2).
ثالثا: التغيير من جمع إلى جمع
يرصد هذا المطلب ما حدث في القراءات القرآنية الواردة في التاج والتي انتقلت من جمع إلى جمع آخر، وهي:
• (خُيَّفاً) (3): قراءة في: {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ} (4).
قرأ الجمهور هذه الآية بصيغة الجمع المذكر "خائفين"، وقرأها ابن مسعود "خُيُّفَاً" جمعا مكسرا، وذكر الزبيدي أن الجمع المكسر من (خاف يخاف خوفا) يأتي بالواو: خُوَّف، وبالياء: خُيَّف وخِيَّف بضم الخاء وكسرها، واستدل على ذلك بالقراءة السابقة. [التاج: خوف].
قال الزمخشري:" "خُيَّفَا" مثل صُيَّمَاً" (5). وقال أبو حيان: " قرأ أُبَيٌّ: "إلا خُيَّفَاً" وهو جمع خائف، كنائم ونُوَّم، ولم يجعلها فاصلة، فلذلك جمعت جمع التكسير. وإبدال الواو ياء، إذ الأصل خوَّف، وذلك جائز كقولهم، في صُوَّمٍ صُيَّم" (6).
__________
(1) جامع البيان: 24/ 600، وانظر جامع الأحكام للقرطبي: 20/ 186.
(2) الدر المصون: 9/ 89.
(3) هي قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، انظر: والكشاف: 1/ 180، والبحر المحيط: 1/ 354، والدر المصون: 2/ 66، وروح المعاني: 1/ 364، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 179.
(4) البقرة: 114.
(5) الكشاف: 1/ 180.
(6) البحر المحيط: 1/ 468.
(1/239)
________________________________________
وقال السمين: " قرأ أُبَيّ "خُيَّفاً" وهو جمعُ خَائِفٍ، كضَارِبٍ وضُرَّبٍ، والأصل: خُوَّف كصُوَّم، إلا أنه أَبْدل الواوَيْنِ ياءَيْنِ وهو جائزٌ، قالوا: صُوَّم وصُيَّم " (1).
• (الشَّيَاطُونَ) (2): قراءة في قوله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} (3).
[التاج: شوط].
احتج الزبيدي بهذه القراءة على أن الشيطان (فعلان) من (شاط)، وفي (ش ط ن) حكم عليها بالشذوذ ونسبها إلى اللحن والخطأ. وقراءة الجمهور (الشياطين) جمع مكسر، أما الحسن - رضي الله عنه - فقد جعلها جمع سلامة، وقد تعددت فيها آراء العلماء فَلَحَّنَهَا جمهورهم، والتمس القليل منهم لها تخريجا، يتضح ذلك من العرض الآتي:
ويذكر الجاحظ أن الحسن غلط في حرفين جعل الثاني منهما قراءته "الشَّيَاطُونَ" (4). ويقول البغدادي: "وممَّا وهموا فيه قوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطُونَ} " (5).
ويرى الأخفش أن هذه الواو المذهب فيها هو الإِتْبَاعُ، يقول: "وقد قال ناس من العرب: "الشياطون"؛ لأنهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين" إذا كانت بعدها نون وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة، بياء الإعراب التي في الجمع. فلما صاروا إلى الرفع أدخلوا الواو. وهذا يشبه "هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ" فافهم" (6).
وقريب من هذا المعنى يقول أبو البقاء العكبري: " قرأ الحسن "الشياطون" وهو كالغلط شبه فيه الياء قبل النون بياء جمع التصحيح" (7).
قال الزمخشري:" قرأ الحسن: "الشياطون" ووجهه أنه رأى آخره كآخر يبرين وفلسطين، فتخير بين أن يجرى الإعراب على النون، وبين أن يجريه
__________
(1) الدر المصون: 2/ 66.
(2) قِراءةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، والأَعْمَشِ، وسعيدِ بن جُبَيْرٍ وأبو البَرَهْسَمِ وطاوُوسٍ والأعمش وطاووس، انظر: جامع البيان للطبري: 19/ 404، والكشاف: 3/ 339، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 503، والمحرر الوجيز: 2/ 123، والجامع للقرطبي: 7/ 18، والبحر المحيط: 7/ 46.
(3) الشعراء: 210.
(4) البيان والتبيين: 1/ 185.
(5) خزانة الأدب: 2/ 98.
(6) معاني القرآن: 1/ 10.
(7) التبيان: 1/ 55.
(1/240)
________________________________________
على ما قبله، فيقول: الشياطين والشياطون، كما تخيرت العرب بين أن يقولوا. هذه يبرون ويبرين. وفلسطون وفلسطين. وحقه أن تشتقه من الشيطوطة وهي الهلاك كما قيل له الباطل. وعن الفرّاء: غلط الشيخ في قراءته "الشياطون" ظنّ أنها النون التي على هجاءين (1)، فقال النضر بن شميل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة، فهلا جاز أن يحتجّ بقول الحسن وصاحبه - يريد: محمد ابن السميقع - مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به إلا وقد سمعا فيه" (2).

وقال ابن عطية: " عن الحسن أنه قرأ "الشياطون" وهي قراءة مردودة، قال أبو حاتم: هي غلط منه أو عليه، وحكاها الثعلبي أيضا عن ابن السميفع وذكر عن يونس بن حبيب أنه قال: سمعت أعرابيا يقول: دخلت بساتين من ورائها بساتون، قال يونس: فقلت: ما أشبه هذه بقراءة الحسن" (3).

وقال النحاس: " وهذا غلط عند جميع النحويين، وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: هكذا يكون غلط العلماء، إنما يكون بدخول شبهة، لما رأى الحسن في أخره ياء ونونا، وهو في موضع رفع، اشتبه عليه بالجمع المُسَلَّمِ فَغَلَطَ، وفي الحديث: "أحذروا زلة العالم" (4) " (5).

وقال القرطبي: " وقد قرأ هو مع الناس {وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} (6) ولو كان هذا بالواو في موضع رفع لوجب حذف النون للإضافة" (7).
__________
(1) انظر معاني القرآن: 2/ 284.
(2) الكشاف: 3/ 339.
(3) المحرر الوجيز: 1/ 113.
(4) هذا جزء من حديث خرجه الديلمي عن أبي هريرة وتمامه: "فإن زلته تكبكبه في النار"، وهو في سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني: 5/ 86 رقم 2066، وفي الجامع الكبير للسيوطي: 1/ 409 رقم 768.
(5) إعراب القرآن: 2/ 503.
(6) البقرة: 114.
(7) جامع الأحكام: 13/ 142.
(1/241)
________________________________________
• (مَعَاقِيبُ) (1): قراءة في تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ} (2).
[التاج: عقب].
تذكر معظم المعاجم العربية قولة تعالى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ}؛ وذلك يعود لغرابة "معقبات"؛ لأنها صيغت صياغة الجمع المؤنث، على الرغم من دلالتها على جمع الذكور، وهم الملائكة، وفسر كثير من اللغويين التأنيث على معنى المبالغة في التكرار والكثرة، على نحو قولهم لمن كثر علمه: عَلَّامَة، ونَسَّابَة. وقد ذكر المحكم واللسان والتاج قراءة أخرى لـ "معقبات" وهي "معاقيب" وهي من صيغ الجمع المكسر، وفيها تخلص من معنى التأنيث الذي في قراءة "معقبات". يقول الزبيدي: والمُعَقِّبَاتُ: الحَفَظَة في قوله - عز وجل -: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} والمُعْقِّبَاتُ: مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ والنَّهَارِ؛ لأَنَّهم يَتَعاقَبُونَ وإِنَّمَا أَنَّثَ لكَثْرة ذلِكَ مِنْهُم، نحو نَسَّابَةٍ وعَلاَّمَةٍ وقَرَأَ بَعْضُ الأَعْرَاب: {لَهُ مَعَاقِيبُ}.
وقال السمين: " في "مُعَقِّبات" احتمالان: أحدهما: أن يكون "مُعَقِّبة" بمعنى مُعَقِّب والتاء للمبالغة كعلاَّمَة ونسَّابة، أي: مَلَكٌ مُعَقِّبٌ، ثم جُمِع كعلاَّمات ونسَّابات. والثاني: أن يكون "مُعَقِّبةِ" صفةً لجماعة، ثم جُمِع هذا الوصفُ.
وذكر ابن جرير أنَّ "مُعَقِّبة" صفةً لجماعة، ثم جُمِع هذا الوصفُ. وذكر ابن جرير أنَّ "مُعَقِّبة": جمعُ مُعَقِّب، وشبَّه ذلك برجل ورِجال ورجالات (3). قال الشيخ: "وليس كما ذَكَر، إنما ذلك كَجَمَل وجِمال وجِمالات، ومُعَقِّبة ومُعَقِّبات إنما هي كضاربةِ وضاربات (4). ويمكن أن يُجابَ عنه بأنه يريد بذلك أنه أُطْلِق مِنْ حيث الاستعمالُ على جمع مُعَقِّب، وإن كان أصلُه أن يُطْلَق على مؤنث "مُعَقِّب"، فصار مثلَ "الوارِدَة" للجماعة الذين يَرِدُون، وإن كان أصلُه للمؤنثة من جهةِ أن جموعَ التكسير في العقلاء تُعَامَلُ معاملةَ المؤنثة في الإخبار وعَوْدِ الضمير، ومنه قولهم "الرجال وأعضادُها"، والعلماء ذاهبة إلى كذا"، وتشبيهه ذلك برجل
__________
(1) قراءة أبي البرهسم، وعبيد الله بن زياد وزياد بن أبي سفيان وإبراهيم، انظر: الكشاف: 2/ 517، ومعلم التنزيل: 1/ 46، والجامع للقرطبي: 9/ 291، والبحر المحيط: 5/ 356، والدر المصون: 4/ 232، معجم القراءات لمختار: 2/ 487، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 392، 393.
(2) الرعد: 11.
(3) انظر جامع البيان: 16/ 369.
(4) وهذا قول ابن عطية، انظر: معالم التنزيل: 1/ 46.
(1/242)
________________________________________
ورجال ورِجالات من حيث المعنى لا الصناعةُ" (1). وقرأ أُبَيّ وإبراهيم وعُبيد الله بن زياد "له مَعاقيبُ". قال الزمخشري: "جمع مُعْقِب أو مُعْقِبة، والياءُ عوضٌ مِنْ حذف إحدى القافين في التكسير" (2). قلت: ويوضِّحُ هذا ما قاله ابنُ جني (3) فإنه قال: معاقيب تكسير مُعْقِب بسكونِ العين وكسر القاف كمُطْعِم ومَطاعِيْم، ومُقْدِم ومَقاديم، فكأنَّ مُعْقِباً جُمِع على مَعاقِبَة، ثم جُعِلَتِ الياء في "مَعاقيب" عوضاً من الهاء المحذوفة في مَعاقبة" (4).

• ("جِمَالاتٌ" (5) و"جُمَالَاتٌ" (6)): قراءتان في قوله: {كَأنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} (7).
[التاج: جمل].
تعددت صيغ الجمع لكلمة (جَمَلٍ)، وقد استدل الزبيدي بالقراءات الواردة في الآية السابقة على بعض هذه الصيغ كما يلي:
1 - جِمَالَةٌ، وبها قرأ حَفْصٌ ويعقوبُ: {جِمَالَةٌ صُفْرٌ}، وقيل إنها جمع (جَمَلٍ) أو جمع الجمع (جِمَالٍ)، فالصيغة هنا جمع مكسر. وقال أبو البقاء إنها اسم جمع.
2 - جِمَالاتٌ، وبها قرأ عمرُ بن الخَطّاب: "جِمَالاتٌ"، قيل إنها جمع (جمالة)، أو (جمال) فهي جمع الجمع، أو (جمل) فهي جمع المفرد.
3 - جُمَالاتٌ، وبها قرأ ابنُ عبّاس (رضي الله عنهما) والحَسن البَصْريُّ وقَتَادَةُ "جُمَالَاتٌ" بالضم أيضاً، قيل إنها جمع (جُمَال) أو (جُمْلَة) أو (جُمَالَة). ويتضح ذلك من العرض الآتي:
__________
(1) يقصد بالشيخ هنا أبا حيان، انظر البحر المحيط: 5/ 364.
(2) انظر الكشاف: 2/ 517.
(3) انظر: المحتسب: 1/ 355.
(4) الدر المصون: 9/ 104.
(5) هي قراءة عمر بن الخطاب وابن عامر ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن كثير وأبي جعفر وشعبة، انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 225، وجامع البيان للطبري: 24/ 141، ومعالم التنزيل: 8/ 307، والبحر المحيط: 5/ 240، والدر المصون: 14/ 237، والنشر: 2/ 438، والإتحاف: 763، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 279، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 249، 250.
(6) هي قراءة ابن عباس وقتادة وابن جبير ومجاهد وحميد ويعقوب ورويس والحسن وأبي رجاء وهارون والبزي، انظر المصادر السابقة.
(7) المرسلات: 33.
(1/243)
________________________________________
قال الفراء: "اختلف القراء في «جمالات» فقرأ عبد الله بن مسعود وأصحابه: «جِمالَةٌ» ... عن أبي عبد الرحمن يرفعه إلى عمر بن الخطاب (رحمه الله) أنه قرأ: «جِمَالاتٌ» وهو أحب الوجهين إليَّ؛ لأن الجِمَال أكثر من الجِمَالة في كلام العرب. وهى تجوز، كما يقال: حَجَرٌ وحِجَارَةٌ، وذَكَرٌ وذِكَارَةٌ إلّا أن الأول أكثر، فإذا قلت: جِمَالات، فواحدها: جِمَال، مثل ما قالوا: رِجَالٌ ورِجَالات، وبُيُوت وبُيُوتَات، فقد يجوز أن تَجْعَلَ واحد الجِمَالات جِمَالَة، وقد حكى عن بعض القراء: جُمَالات، فقد تكون من الشيء المُجْمَل، وقد تكون جُمَالات جمعا من جمع الجِمَال. كما قالوا: الرَّخْل والرُّخَال، والرِّخَال" (1).
وقد وجه السمين لهذه القراءات فقال: الجِمالَةُ فيها وجهان:
أحدُهما: أنَّها جمعٌ صريحٌ، والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ. يُقال: جَمَلٌ وجِمال وجِمالَة نحو: ذَكَر وذِكار وذِكارة، وحَجَر وحِجارة.
والثاني: أنه اسمُ جمعٍ كالذِّكارة والحِجارة. قاله أبو البقاء (2)، والأولُ قولُ النُّحاةِ. وأمَّا (جِمَالَات) فيجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً لـ "جِمَالَة" هذه، وأَنْ يكونَ جمعاً لـ (جِمال)، فيكون جمعَ الجمعِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً لـ (جَمَل) المفردِ كقولهم: "رجِالات قريش" كذلك قالوه: وفيه نظرٌ؛ لأنَّهم نَصُّوا على أنَّ الأسماءَ الجامدةٌ غيرَ العاقلةِ لا تُجْمَعُ بالألفِ والتاءِ، إلاَّ إذا تُكَسَّرْ. فإنْ كُسِّرَْتْ لَم تُجْمَعْ. قالوا: ولذلك لُحِّن المتنبيُّ (3) في قولِه:
إذا كان بعضُ الناسِ سَيْفاً لدولةٍ ... ففي الناسِ بُوْقاتٌ لها وطُبولُ
فجمع "بُوقاً" على "بُوقات" مع قولِهم: "أَبْواق"، فكذلك (جِمالات) مع قولهم: جَمَل وجِمال. على أنَّ بعضَهم لا يُجيزُ ذلك، ويَجْعَلُ نحو: حَمَّامات وسِجلاَّت شاذَّاً، وإنْ لم يُكَسَّرْ. وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وابن جبير وقتادةُ وأبو رجاء بخلافٍ عنهم، كذلك، إلاَّ أنَّهم ضَمُّوا الجيمَ – جُمَالَاتٌ - وهي حِبالُ السفنِ. وقيل: قُلوس الجسورِ، الواحدةِ "جُمْلة" لاشتمالِها على طاقاتِ الحِبال. وفيها وجهان:
__________
(1) معاني القرآن: 3/ 225.
(2) انظر: التبيان في إعراب القرآن: 2/ 278.
(3) البيت في شرح ديوان المتنبي للبرقوقي: 3/ 314، انظر: يتيمة الدهر للثعالبي: 1/ 46، والعمدة في محاسن الشعر ومثالبه لابن رشيق: 210، والصبح المنبي ليوسف البديعي: 1/ 34.
(1/244)
________________________________________
أحدهما: أَنْ تكونَ "جُمَالات" جمعَ جُمَال، وجُمَال جَمْعَ جُمْلة، كذا قال الشيخ (1)، ويَحْتاجُ في إثباتِ أنَّ جُمالاً بالضمِّ جمعُ (جُمْلة) بالضمِّ إلى نَقْلٍ.
والثاني: أنَّ "جُمَالات" جمع (جُمالة)، قاله الزمخشري (2)، وهو ظاهرٌ. وقرأ ابنُ عباس والسُّلَمِيُّ وأبو حيوةَ "جُمالة" بضمِّ الجيم، وهي دالَّةٌ لِما قاله الزمخشريُّ آنِفاً" (3).
نتائج هذا الفصل:
1 - كان لتردد القراءة بين اسم الفاعل واسم المفعول أثره الواضح في إثراء المعجم بالمزيد من المعاني، من حيث إن اللفظ واحد والمعنى متعدد، وذلك نحو: مُوَلِّيهَا ومُوَلَّاهَا، ومُسَوِّمِينَ ومُسَوَّمِينَ، ومُخْلِصِينَ ومُخْلَصِينَ، ومُحْتَظِر ومُحْتَظَر، ومُنْشِآت ومُنْشَآت، ومُحْصِنَات ومُحْصَنَات. كما جاءت القراءة في "مُبَيِّنَات" مترددة بين اسمي الفاعل والمفعول لتدل على تعدي الفعل (بَيِّنَ) ولزومه. وجاءت قراءة "مُرْدِفِينَ" بفتح الدال وكسرها شاهدا على توحد معنى: ردف وأردف، وعلى شاكلته جاءت قراءة "مُسْتَنْفِرَة" لتدل على توحد معنى: نفر واستنفر. وقد لا ينصرف المعنى للضد دوما فقراءة "مُفْرَطُونَ" باسم المفعول صرفها كثير من المفسرين إلى معنى: منسيون، بينما قراءة "مُفِرطُونَ" باسم الفاعل معناها: كثيرو الذنوب.
2 - المقرر في كتب النحو أن صيغ المبالغة صور لاسم الفاعل، والفرق بين اسم الفاعل وصيغ المبالغة تكمن في كم الصفة فقط، وقد أفاد المعجم من تردد القراءة بين اسم الفاعل وصيغ المبالغة في ثراء المفردات والمعاني معا؛ لأن تعدد القراءة جاء بصيغة جديدة ومعنى زائد، وذلك في نحو: مَالِك ومَلِك، وقَاسِيَة وقَسِيَّة، وقَانِطِينَ وقَنِطِينَ، وفَارِغَاً وفَرِغَاً، وآنِف وأَنِف، ونَاخِرَة ونَخِرَة.
3 - الفرق بين اسم الفاعل والصفة المشبهة يكمن في المعنى وليس في الفظ؛ لأن كل صيغ الفاعل تصلح للصفة المشبهة، والفيصل بينهما في دلالة الصفة المشبهة على ثبوت الصفة في صاحبها، بينما لا يدل اسم الفاعل على ذلك. والملاحظ أن القراءة جاءت مترددة بين (فَاعِل) و (فَعِل)، وذلك نحو: حَامِئَة وحَمِئَة، وحَاذِرُونَ وحَذِرُونَ، وفَارِهِينَ وفَرِهِينَ، وفَاكِهُونَ
__________
(1) انظر أبا حيان في البحر: 10/ 415.
(2) انظر: الكشاف: 7/ 212.
(3) الدر المصون: 14/ 237.
(1/245)
________________________________________
وفَكِهُونَ، ولَابِثِينَ ولَبِثِينَ. وبين الصيغتين اختلاف في اللفظ والمعنى، مما يدعونا للقول بأن في ذلك ثراء للمعجم في اللفظ والمعنى.
4 - كما أفادت دراسة صيغ الجموع المعجم في مجالي الثراء اللفظي والمعنوي على السواء، وإن كان الجانب الأبرز هو الثراء اللفظي، ويتضح هذا بشدة عند الحديث عن جموع التكسير، حيث وردت القراءة في هذا الجانب - على الحد الأدنى- بقراءتين، نحو: غُلُف وغُلَّف، وظِلَال وظُلَل، ورِهَان ورُهُن، وإِنَاث وأُنُث، وزُلُف زُلْف، ونُجُم ونُجْم، وثَمَر وثُمُر، وعَمَد وعُمُد. وقد تأتي القراءة بأكثر من ذلك في نحو: رِجَال ورُجَال ورُجَّال ورُجَّل ورَجْل، وكلها جمع لـ (راجل) أي الماشي على رجليه. ومن ذلك: وُلُد ووُلْد ووَلَد ووَلْد ووِلْد، على ما في ذلك من خلاف. ونحو: ولُبَد ولُبْد ولُبَّد ولِبَد.
وكما تعددت صيغة الجمع المكسر، تعددت أيضا بعض صيغ الجمع السالم في نحو: صَدَقَات وصُدْقَات، ونَحِسَات ونَحْسَات. أما في مجال الجمع المذكر السالم فقد جاءت صيغة (المُعَذِّرُونَ) مشتركا لفظيا بين اسم الفاعل من عَذَّرَ ومن اعتذر، وفي ذلك ثراء للمعنى المعجمي.
(1/246)
________________________________________
الباب الثالث: القراءات والدلالة
- الفصل الأول: المعرب
- الفصل الثانى: التغير الدلالى
(1/247)
________________________________________
الباب الثالث: القراءات والدلالة

يتناول هذا الباب القراءات القرآنية تناولا دلاليا، وقد قسمته إلى فصلين، وجعلت الفصل الأول: لدراسة المُعَرَّبِ في القراءات القرآنية، أما الفصل الثاني فقد جعلته للتغير الدلالي.
(1/248)
________________________________________
الفصل الأول
المُعَرَّب
(1/249)
________________________________________
الفصل الأول
المُعَرَّب
اللغات تؤثر وتتأثر بغيرها، هذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن تتعدد صور التأثير والتأثر حسب طبيعة اللغة. واللغة العربية واحدة من هذه اللغات أثرت وتأثرت، وكان من صور تأثرها بغيرها من اللغات أن اقترضت ألفاظا كثيرة على مدار رحلتها مع الزمن قبل نزول القرآن الكريم، وقد استعملها العرب وجعلوها موافقة في بنيتها لكلام العرب، وجاء القرآن الكريم فاستعمل هذه الألفاظ التي صارت بالاستعمال عربية. وحتى لا يختلط اللفظ الفصيح بالأجنبي وُجِدَ أن اللغة العربية تسم هذه الألفاظ بما يميزها، كأن تمنعه من الصرف، أو يظل على بناء ليس من أبنيتها، أو تتصرف فيه بما لا تتصرف في غيره من فصيحها فتحذف أو تزيد في بنائه، أو تتعدد لغاتهم فيه. وتعدد اللغات فيما عربته العرب هي السمة التي أكدتها القراءات القرآنية، وهذا ما سوف يوضحه الدارس في هذا الفصل من خلال الشواهد الآتية:
• (فَصِرْهُنَّ): كلمة سريانية دخلت العربية، ومعناها: قطعهن أو شققهن أو أَمِلْهُنَّ، وردت في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1).
وقد تعددت فيها القراءات، حيث قرئت: فَصِرْهُنَّ، فَصُرَّهُنَّ، فَصِرَّهُنَّ (2).
والذي دعا إلى تعدد اللغات فيها أنها لفظة معربة عن السريانية أو النبطية، وقد اشتهر ذلك في كتب التفسير والغريب، حيث نص على ذلك الطبري (3)،
__________
(1) البقرة: 260.
(2) (صِرْهُنَّ) قراءة حمزة وأبي جعفر ورويس والأعمش وخلف وغيرهم، و (صُرَّهُنَّ) قراءة ابن عباس وعكرمة، (صِرَّهُنَّ) قراءة ابن عباس أيضا، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 174، السبعة لابن مجاهد: 190، والحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 292، والمحتسب: 1/ 136، ومختصر ابن خالويه: 16، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 1/ 345.
(3) جامع البيان: 5/ 502.
(1/250)
________________________________________
والقرطبي (1)، وأبو حيان (2) وغيرهم، كما ذكرها صاحب الإتقان (3) في لغة غير العرب في القرآن، ونص في الدر المنثور على أنها رومية (4).
قال السمين: "واختُلف في هذه اللفظةِ: هل هي عربيةٌ أو مُعَرَّبة؟ فعن ابنِ عباس أنها مُعَرَّبةٌ من النبطية، وعن أبي الأسود أنها من السريانية والجمهورُ على أنها عربيةٌ لا معرَّبةٌ" (5).

وأما الزبيدي فقد قال: صَارَ وَجْهَهُ، يَصُورُه: ويَصِيرُه: أَقْبَلَ بهِ، وقال الأَخْفَشُ: صُرْ إِلَيَّ، وصُرْ وَجْهَكَ إِليَّ أَي أَقْبِلْ عليّ. وفي التنزيل العزيز: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}، أَي وَجِّهْهُنّ، وهي قراءَةُ عليّ وابن عبّاس، وأَكثرِ الناسِ، وذَكَرَه ابن سيدَه في الياءِ أَيضاً؛ لأَنّ صُرْتُ وصِرْتُ لغتان. وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً: قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً، ومنه: صارَ الحاكِمُ الحُكْمَ، إِذا قَطَعَه وحَكَم بهِ. قلْت: وبه فَسَّر بعضٌ هذِه الآيةَ، قال الجَوْهرِيّ: فَمَن قال هذا جَعَلَ في الآية تَقْدِيماً وتأْخيراً، كأَنه قال خُذْ إِليكَ أَربعةً فصُرْهُنَّ. قال اللِّحْيَانيُّ: قال بعضُهم: معنَى صُرْهُنَّ: وَجِّهْهُنَّ ومعنَى صِرْهُنَّ: قَطِّعْهُنَّ وشَقِّقْهُنَّ. والمعروف أَنّهما لُغَتَان بمعنًى واحدٍ، وكلُّهم فسَّرُوا: فصُرْهُنَّ: أَمِلْهُنَّ، والكَسْرُ فُسِّر بمعنَى قَطِّعْهُنَّ.
قال الزَّجّاجُ: ومَنْ قرأَ: (فَصِرْهُنَّ إِليكَ) بالكسر، ففيه قولان: أَحدُهما: أَنه بمعنَى صُرْهُنَّ يقال: صارَه يَصُورُه ويَصِيرُه، إِذا أَمالَه لُغتان. وقال المصنّف في البصائر: وقال بعضُهم: "صُرَّهُنَّ" بضمّ الصّادِ، وتشديد الراءِ وفتحها من الصَّرّ، أَي الشَّدّ، قال: وقُرِئ: "فَصِرَّهُنَّ"، بكسر الصاد وفتح الراءِ المشددة، من الصَّرِيرِ، أَي الصوت، أَي صِحْ بِهِنَّ". [التاج: صرر].

وعلى الرغم مما قاله العلماء في هذه الكلمة من حيث إنها معربة فإن الزبيدي لم يمس هذا الجانب، واكتفى بتعليل تعدد القراءات بتعدد اللغات فيها.
__________
(1) جامع الأحكام: 3/ 301.
(2) البحر: 3/ 38.
(3) السيوطي: في الإتقان: 1/ 162، والمهذب: 1/ 3.
(4) الدر المنثور: السيوطي: 2/ 35.
(5) الدر المصون:1/ 966.
(1/251)
________________________________________
• (هِئْتُ لَكَ) (1): لفظة قبطية، معناها: هَلُمَّ لَك، وردت في قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (2).
قال السمين: "اختلف أهلُ النحوِ في هذه اللفظة: هل هي عربيةٌ أم معرَّبةٌ، فقيل: معربةٌ من القبطية بمعنى هلمَّ لك، قاله السدي. وقيل: من السريانية، قاله ابن عباس والحسن. وقيل: هي من العبرانية وأصلها هَيْتَلَخ أي: تعالَه فأعربه القرآن، قاله أبو زيد الأنصاري. وقيل: هل لغة حَوْرانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلَّموا بها ومعناها تعال، قاله الكسائي والفراء، وهو منقولٌ عن عكرمة. والجمهور على أنها عربية، قال مجاهد: هي كلمة حَثٍّ وإقبال، ثم هي في بعض اللغات تَتَعَيَّن فعليَّتُها، وفي بعضها اسميتُها، وفي بعضها يجوز الأمران" (3).
وقال أبو البقاء الكفومي:" "هَيْت لَك" عن ابن عباس: هلم لك بالقبطية، وقال الحسن: بالسريانية، وقال عكرمة: بالحورانية، وقال أبو زيد الأنصاري: بالعبرانية، وأصلها (هيتلج) أي تعال، وقال بعضهم: تهيأت لك وكان ابن عباس يقرؤها مهموزة " (4).
وذكر السيوطي في الإتقان والمهذب أنها غير عربية، ونص الإتقان: "أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هيت لك: هلم لك بالقبطية. وقال الحسن: هي بالسريانية كذلك، أخرجه ابن جرير. وقال عكرمة: هي بالحورانية، كذلك أخرجه أبو الشيخ. وقال أبو زيد الأنصاري: هي بالعبرانية وأصله هينلج: أي تعال وراء، قيل معناه أمام بالنبطية، حكاه شيدلة وأبو القاسم. وذكر الجواليقي أنها غير عربية" (5).
قال الزبيدي: هَيْتَ: تعَجُّبٌ، تقولُ العربُ: هَيْتَ لِلْحِلْمِ: وهَيْتَ لَكَ، وهِيتَ لك أَي أَقْبِلْ، وقال الله - عز وجل - حكايةً عن زَلِيخَا، أَنها قالَتْ لما راوَدَت
__________
(1) قراءة علي وأبي وائل وأبي رجاء ويحيى وعكرمة ومجاهد وغيرهم، انظر هذه القراءة وبقية القراءات الواردة في هذه الكلمة في: معاني القرآن للفراء: 2/ 40، والسبعة: 247، والمحتسب: 1/ 337، ومختصر ابن خالويه: 63، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 3/ 100، والنشر: 2/ 294.
(2) يوسف: 23.
(3) الدر المصون:3/ 349.
(4) كتاب الكليات: 1543.
(5) وانظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 163.
(1/252)
________________________________________
يُوسُفَ عَلَيْهِ السّلامُ عن نفْسه: "وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ" مُثلَّثَةَ الآخر، قال الزّجّاج: وأَكثَرُها هَيْتَ لَكَ، بفتح الهاءِ والتّاءِ، وقد يُكْسَر أَوّلُه، رُوى ذلك عن عليّ - رضي الله عنه -، أَي هَلُمَّ، ورويت عن ابنِ عباس رضي الله عنهما "هِئْتُ لك" بالهَمْزِ وكسرِ الهاءِ من الهيْئة، كأَنّها قالت: تَهَيّأْت لكَ، قال: فأَمّا الفتحُ من هَيْتَ؛ فلأَنّها بمنزلةِ الأَصْواتِ، ليس لها فِعْلٌ يَتصرّفُ منها، وفُتِحتِ التَّاءُ لسكونِهَا وسكون الياء، واختِيرَ الفتْحُ لأَنّ قبلَها ياء، كما فَعلُوا في (أَيْنَ)، ومن كسر التَّاءَ فلأَنَّ أَصلَ التقاءِ السّاكِنيْنِ حركة الكَسْرِ، ومن قال: هَيْتُ، ضمَّها؛ لأَنَّهَا في مَعْنَى الغايَات، كأَنها قالت: دُعائِي لك، فلما حُذِفَت الإِضافةُ، وتضَمَّنَت هَيْتُ معناها بُنِيَتْ على الضَّمِّ، كما بُنِيتْ حَيثُ، وقراءَةُ عليّ - رضي الله عنه - "هِيتُ لَكَ" بمنزلة هَيْتُ لك، والحُجّة فيهما واحدة. وقال الفرّاءُ (1) في "هيْتَ لكَ" يقال: إِنهَا لغةُ حَوْرانَ، سَقطَتْ إِلى مَكَّةَ، فتَكلَّموا بِهَا، قال: وأَهلُ المدينةِ يَقرَؤُون: "هِيتَ لَك"، يكسرون الهَاءَ ولا يَهْمزون قال: وذُكِرَ عن علي وابنِ عبّاسٍ أَنهما قرآ: "هِئْتُ لكَ:، يرادُ به في المَعْنَى تَهيَّأْتُ لك ... وروى الأَزهَرِيّ عن أَبي زيد قال: "هَيْتَ لَكَ" بالعِبْرَانية "هَيْتَا لَجْ" أَي: تعال أَعرَبَه القرآنُ ... وقد أَوْضح البَيضاويّ (2) قراءَاتِ الكلمةِ ومَن قرَأَ بها، وحقّق ذلك العَلاّمة ابنُ الجَزَريّ في نَشْرِ (3)، وأَشار إِلى بعضِهَا أَبو عليّ الفارِسِيّ في الحُجَّة (4)، وغلَّطَ بعضَها، وأَوَّلَ البعضَ، وأَوْصَلوا القراءَاتِ إِلى سَبْعٍ، وصَرّحوا بأَنّها كُلَّها لُغاتٌ. واختَلفَ أَهلُ الغريبِ في هذه الكِلمَة: هل هي عرِبِيَّةٌ أَو مُعرَّبة؟ وهل مَعْناها تَعالَ كما جَزَم به الفرّاءُ والكِسَائِيّ وغيرهما؟ وقالوا: هي لغةُ الحجازِ ولذلك قال مُجاهِدٌ: هي كلمَةُ حَثٍّ وإِقبَالٍ أَو غير ذلك؟ وهلْ هي اسمٌ أَو فِعْلٌ؟ أَو هي علَى أَنْحاءٍ كثيرة: منها ما هو في السَّبْعَةِ ومنها مَالاً وأَشار أَبو حيّان - في بَحْرِه (5) - إِلى أَنه لا يَبْعُد أَن تكون مُشْتَقَّةً من اسم". [التاج: هيت].
وكلام الزبيدي فيه دلالة واضحة على تعدد صور هذه الكلمة، وتعدد مذاهب اللغويين في نطقها، مما يقوم حجة قوية على عدم عربيتها؛ لأنه غالبا ما تقترن
__________
(1) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 40.
(2) انظر أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي: 3/ 281.
(3) انظر: 2/ 293.
(4) انظر: 4/ 416
(5) 7/ 1.
(1/253)
________________________________________
الكلمة الأجنبية بتعدد اللغات فيها. قال ابن خالويه: " إن العرب إذا أعربت اسما من غير لغتها أو بنته اتسعت في لفظه لجهل الاشتقاق فيه" (1).
• (مُتْكًا) (2): لفظة قبطية أو حبشية، معناها: الأترج. وقد وردت في قوله تَعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} (3). وقد قرئت بأكثر من وجه، وذكر القرطبي أنها من الألفاظ المعربة فقال: "مُتْكَاً" مخففا غير مهموز، والْمُتْكُ هو الأُتْرُجُّ بلغة القِبْطِ، وكذلك فسره مجاهد" (4). وكذلك ذكره السيوطي (5) على أنه الأُتْرُجُّ بلغة الحَبَشَةِ. ويذكر ابن حسنون أنها من موافقات العربية للقِبْطِيَّةِ (6).
وأما الزبيدي فقال: " سُمِّيت الأَتْرُجَّةُ مُتْكَةً لأَنَّها تُقْطَعُ. وقال الجَوّهَرِيُّ: قال الفَرّاءُ: حَدَّثَني شَيخٌ من ثِقاتِ أَهْلِ البَصْرَةِ أَنّه الزُّماوَرْدُ وبكُل مِنْهُما فُسِّر قولُه تَعالى: {وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتْكًا} بضَم فسُكُون، وهي قِراءةُ ابنِ عَبّاس ... وأَما الزُّهْرِيّ وأَبو جَعْفَرٍ وشَيبَةُ فإِنهم قَرَءُوا: "مُتَّكًا" مُشَدَّدَةً من غَيرِ هَمْزٍ، وقرأَ الحَسَنُ "مُتَّكاءً"، بزيادَةِ الأَلفِ، وزنه مُفْتَعال، وقراءةُ النّاس "مُتَّكأ"، وَزْنه مَفْتَعَلٌ، وقد وَجَّهَ لكُل من ذلك ابنُ جِني في كِتابِه". [التاج: وكأ].
• (غَسَاقٌ) (7): لفظة تركية، معناها بلسانهم: البارد المنتن. وردت في قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} (8). وقد تعددت فيها القراءة، وذكرها كثير من العلماء فيما عربته العرب.
__________
(1) الحجة: 85.
(2) انظر هذه القراءات في: معاني القرآن للفراء: 2/ 42، وجامع البيان: 16/ 74، ومعالم التنزيل: 4237، جامع الحكام: 9/ 178، ومعاني القرآن للنحاس: 3/ 420.
(3) يوسف: 31.
(4) الجامع: 9/ 178.
(5) الإتقان: 1/ 162.
(6) اللغات في القرآن: 1/ 1/3، وانظر مفردات الراغب: 1/ 74
(7) مخففة قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو، وابن عامر وعاصم وشعبة وأبي جعفر، ويعقوب، والباقون بالتشديد، انظر: السبعة لابن مجاهد: 555، والتيسير للداني: 122، والعنوان لابن خلف: 29، البحر لأبي حيان: 9/ 350، والدر المصون: 6/ 429، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 237.
(8) سورة ص: 57.
(1/254)
________________________________________
يقول أبو منصور الجواليقي:" "الغَسَّاقُ" البارد المنتن بلسان الترك" (1). وكذلك يذكر الألوسي عن الواسطي أن الغَسَّاقَ هو البَارِدُ الْمُنْتَنُ بلسانِ التُّرْكِ أي أن الكلمة غير عربية، ولكنه يعلق على هذا القول فيقول: "والحق أنه عربي" (2). ويذكر أبو منصور الأزهري في معانيه أن هذا اللفظ:" أصله فارسي تكلمت به العرب فأعربته" (3).
ويذكر السيوطي في "الإتقان" وفي "المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" الغَسَّاقَ فيقول: "غَسَّاقُ: قال الْجَوَالِيقِيُّ، وغيرُهُ .. هو البَارِدُ الْمُنْتَنُ بلسان التُّرْكِ. ونقله الكَرْمَانِيُّ عن النَّقَّاشِ. وقال ابن جَرِيرٍ ... الغَسَّاقُ: الْمُنْتَنُ. وهو بالطَّحَاوِيَّةِ " (4).
يتناول الزبيدي معنى الغَسَّاق من خلال القراءة الواردة في الآية السابقة فيقول:" الغَسَاقُ كسَحَاب وشَدَّاد: ما يغسَقُ من جُلودِ أهلِ النارِ من الصَّديد والقَيْح أي: يَسيل ويَقْطُر. وقيل: من غُسالَتِهم. وقيلَ: من دُموعِهم. وفي التّنزيل: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} قرأَه أبو عَمْرو بالتّخْفيف، وقرأَه الكِسائيُّ بالتّشْديد. ثقّلها يَحْيَى بن وَثّاب وعامّة أصحاب عبد الله، وخفّفَها النّاسُ بعد. واخْتار أبو حاتمٍ التّخفيفَ. وقرأَ حفْصٌ، وحَمْزَة، والكِسائي: "وَغَسَّاقٌ" بالتّشديد، ومِثلُه في (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) - {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} (5). وقرأ الباقون: "غَسَاقاً" خَفيفاً في السّورَتيْن. ورُوِي عن ابنِ عبّاس، وابنِ مسْعودٍ أنّهما قرآ بالتّشديدِ وفسّراه بالزمْهَريرِ. وقيل: إذا شدّدتَ السّينَ فالمُراد به ما يقْطُرُ من الصّديدِ، وإذا خفّفْتَ فهو البارِدُ الشّديدُ البَرْدِ الذي يُحرِقُ من بَرْدِه كإحْراقِ الحَميم. وقال اللّيثُ: الغَساقُ: المُنْتِنُ ودَلّ على ذلك قولُ النّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا" (6) ". [التاج: غسق]
ويُسْتَخْلَصُ من كلام الزبيدي أن في معنى "الغَسَّاق" وجهين:
__________
(1) المعرب من الكلام الأعجمي: 283.
(2) روح المعاني: 17/ 373.
(3) معاني القراءات: 417.
(4) الإتقان: 1/ 139، و 161، والمهذب: 1/ 6.
(5) النبأ: 25.
(6) رواه الترمذي في سننه: 4/ 706، باب صفة شراب أهل النار، رقم: 2584. ورواه السيوطي في الجامع الكبير، باب اللام، رقم: 745 بلفظ: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ في الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا".
(1/255)
________________________________________
الأول: أنه مشتق من غَسَقَ الجرح يَغْسِقُ أي يسيل ويقطر، ومعناه: ما استقذر من عصارة أهل النار.
الثاني: أنه بالتخفيف اسم موضوع للزمهرير، أو لِلْمُنْتَنِ. وهذا الوجه يتطابق مع من قال بأنها تركية تعني بلسانهم البارد المنتن. ولكن الزبيدي لم يشر إلى كونها معربة مع اشتهارها في كتب الغريب.
• (اسْتَبْرَقَ) (1): لفظة فارسية تعني: غيظ الديباج، وردت في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (2). وقرئ بقطع الهمزة ووصلها، وهو عند من قطع الهمزة معرب، وعند من وصلها عربي مشتق من البرق على زنة استفعل.
ذكره أبو البقاء الكفومي فقال: " (إستبرق) من ديباج غليظ بلغة العجم أصله (استبرك) " (3).
وقال الجواليقي:" الإستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرب، وأصله (استفره)، وقال ابن دريد: (استروه)، ونقل من الأعجمية إلى العربية " (4).
ويذكر الزبيدي أيضا أن "الإِستبرَق": هو الدِّيباجُ الغَلِيظُ، ويصرح من البداية أنه مُعَرَّبٌ، فيقول: " مُعَرَّب اسْتَرْوَه، وقيل: اسْتَفْرَه، وقيل: اسْتَبْرَه، واختلف في أصله فقيل: فَارِسِيٌّ، وقيل: سُرْيَانِيٌّ". وعلى الرغم من أنه نَقَلَ الإجماعَ في عُجْمَتِهِ إِلَّا أَنَّ بعضَ الآراءِ قَالتْ بِعَرَبِيَّتِهِ، قيل: (اسْتَفْعَلَ) مِنْ بَرَقَ، ومَنْ قال بهذا جعلَ همزتَهُ للوصلِ، وقرأ ابنُ مُحَيْصِنٍ "اسْتَبْرَقَ" بوصل الهمزة.
[التاج: برق].
قال القرطبي: "وقرئ "اسْتَبْرَق" بوصل الهمزة والفتح على أنه سُمِّيَ بـ (اسْتَفْعَل) من البريق، وليس بصحيح أيضا؛ لأنه مُعَرَّبٌ مَشْهُورٌ تَعْرِيبُهُ، وأن أصله "إستبرك"" (5).
__________
(1) قراءة ابن محيصن ورويس وورش وأبي جعفر وابن جماز، انظر: جامع البيان: 24/ 113، وجامع الأحكام: 19/ 146، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 104، 105، معجم القراءات لمختار: 5/ 32.
(2) الرحمن: 54.
(3) كتاب الكليات: 161.
(4) المعرب من الكلام الأعجمي: 63.
(5) الجامع: 19/ 146.
(1/256)
________________________________________
ولكن ابن جني يسوغ قراءة ابن محيصن ويُوَجِّهُها قائلا: "هذه صورة الفعل البَتَّةَ، بمنزلة اسْتَخْرَجَ، وكأنه سُمِّيَ بالفعل وفيه ضمير الفاعل، فَحُكِيَ كأنه جُمْلَةٌ، وهذا بابٌ طريقُهُ في الأَعْلامِ، كَتَأَبَّطَ شَرَّاً، وذَرَّى حَبَّاً، وشَابَ قَرْنَاهَا.
وليس الإِسْتَبْرَقُ عَلَمَاً يُسَمَّى بِالْجُمْلَةِ، وإنما هو كقولك: بِزْبَوْن. وعلى أنه إنما اسْتَبْرَقَ: إذا بَلَغَ فَدَعَا البصرَ إلى البَرَقِ ... ولستُ أَدْفَعُ أَنْ تكون قراءةُ ابن محيصن بهذا؛ لأنَّهُ تَوَهَّمَ فِعْلَاً، إِذْ كانَ عَلَى وَزْنِهِ، فَتَرَكَهُ مَفْتُوحَاً على حَالِهِ" (1).
ويتفق الزبيدي مع غيره في أن الإستبرق غير عربي فهذا السيوطي يقول: "الإستبرق: الديباج الغليظ، وهو بلغة العجم (استبره). وقال الجواليقي: الإستبرق: غليظ الديباج، فارسي مُعَرَّب، وممن صرح بأنه بالفارسية أبو عبيد، وأبو حاتم، وآخرون " (2).
• جِبْرَائِيلَ ومِيكَائِيلَ (3): كلمتان سريانيتان معناهما: عبد الله وعبد الرحمن، حيث إن: جبر، وميك تعنيان: عبد، وئيل تعني: الله. وقد ورد الاسمان في أكثر من موضع في القرآن الكريم منها قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (4).
وقد تعددت فيهما القراءات حسب لغات العرب فيهما، قال الطبري: "وأما "جبريل" فإن للعرب فيه لغات. فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون "جِبْرِيل، ومِيكَال" بغير همز، بكسر الجيم والراء من "جِبْرِيل" وبالتخفيف. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل المدينة والبصرة. أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون: "جَبْرَئِيل ومِيكَائِيل" على مثال "جَبْرَعِيل ومِيكَاعِيل"، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة، وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل الكوفة. وقد ذكر عن الحسن البصري وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن: "جَبْرِيل" بفتح الجيم. وترك الهمز. وهي قراءة غير جائزةٍ القراءةُ بها؛ لأن "فَعْلِيل" في كلام العرب غير موجود.
__________
(1) المحتسب:2/ 304، 305.
(2) المهذب: 1/ 3.
(3) قراءة حمزة وابن كثير والكسائي وابن عامر وأبي بكر عن عاصم وقنبل والبزي وابن مجاهد وخلف والأعمش وابن محيصن، وفي الاسمين قراءات أخرى انظرها في: جامع البيان: 2/ 388، ومعالم التنزيل: 1/ 125، والمحرر الوجيز: 1/ 186، والحجة لابن خالويه: 85، والحجة لابن زنجلة: 107، والتيسير لأبي عمرو: 61، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 160.
(4) البقرة: 98.
(1/257)
________________________________________
وقد اختار ذلك بعضهم وزعم أنه اسم أعجمي، كما يقال: "سَمْوِيل" ... وأما بنو أسد فإنها تقول: "جِِبْرِين" بالنون. وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في "جِبْرِيل" "ألفا" فتقول: "جِبْرَايِيل ومِيكَايِيل". وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ: "جَبْرَئِلّ" بفتح الجيم، والهمز، وترك المد، وتشديد اللام. فأما "جِبْر" و"مِيك"، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى: "عبد"، والآخر بمعنى: "عبيد" " (1).
وقال البغوي: " قال عكرمة: (جِبْر) و (مِيكَ) و (إِسْرَاف) هي العبد بالسريانية، وإيل هو الله تعالى ومعناهما عبد الله وعبد الرحمن" (2).
وقال ابن عطية:" وفي "جبريل" لغات "جِبرِيل" بكسر الجيم والراء من غير همز، وبها قرأ نافع، و"جَبرِيل" بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وبها قرأ ابن كثير وروي عنه أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم وهو يقرأ "جَبْرِيلَ ومِيكَالَ" فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك، و"جَبْرَئِل" بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام، وبها قرأ عاصم، و"جَبْرَئِيل" بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء وياء بين الهمزة واللام، وبها قرأ حمزة والكسائي وحكاها الكسائي عن عاصم، و"جَبْرَائِل" بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة، و"جبرائيل" بزيادة ياء بعد الهمزة، و"جِبْرَايِيل" بياءين وبها قرأ الأعمش و"جَبْرَئِلَّ" بفتح الجيم والراء وهمزة ولام مشددة وبها قرأ يحيى بن يعمر، و"جِبْرَال" لغة فيه، و"جِبْرِينَ" بكسر الجيم والراء وياء ونون. قال الطبري هي لغة بني أسد، ولم يقرأ بها و"جبريل" اسم أعجمي عربته العرب فلها فيه هذه اللغات فبعضها هي موجودة في أبنية العرب وتلك أدخل في التعريب كجبريل الذي هو كقنديل وبعضها خارجة عن أبنية العرب فذلك كمثل ما عربته العرب ولم تدخله في بناء كإبريسم وفرند وآجر ونحوه. وذكر ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره أن جبر وميك وسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك وإيل اسم الله تعالى" (3).
وقال ابن خالويه: "قوله تعالى: {وجبريل وميكال} فيهما أربع قراءات: "جَبْرَئِيل" بفتح الجيم والراء وبالهمز، و"جِبْرِيل" بكسر الجيم والراء وترك الهمز، و"جَبْرِيل" بفتح الجيم وكسر الراء وترك الهمز، و"جَبْرَئِيل" بفتح الجيم والراء واختلاس الهمز. و"مِيكَالَ" يقرأ "مِيكَائِيل" بالمد والهمز، و"مِيكَالَ" بالألف من غير مد ولا همز، و"مِيكَئِل" بالهمز من غير ألف، و"مِيكَائِل" بالقصر والهمز. والحجة
__________
(1) جامع البيان: 2/ 388.
(2) معالم التنزيل للبغوي: 1/ 125.
(3) المحرر الوجيز: 1/ 186.
(1/258)
________________________________________
في ذلك أن العرب إذا أعربت اسما من غير لغتها أو بنته اتسعت في لفظه لجهل الاشتقاق فيه" (1).
وقد تناول الزبيدي الاسمين الكريمين تحت مادة (ميكل)، وهي مادة صنعت خصيصا لمعالجة الاسم الكريم (مِيكَالَ)، قال فيها: مِيكائِيلُ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيّ والصَّاغانِيّ، وقال يعقوبُ: هو و (ميكائِينُ) على البدَلِ بكسرِهما: اسمُ ملَكٍ من الملائكةِ م معروفٌ، مُوَكَّلٌ بالأرزاقِ، وبهذا الوزنِ (ميكايينُ) من غيرِ هَمْزٍ بياءَيْنِ عن الأعمَش، وقرأ: "مِيكئِلَ" على وزنِ (مِيكَعِل) ابنُ هُرْمُزَ الأعرجُ وابنُ مُحَيْصِن، فأمّا "جِبْرايِيل ومِيكايِيل" بياءَيْن بعد الألِفِ والمَدِّ فَيَقْوى في نفسي أنّها همزةٌ مُخَفّفةٌ، وهي مَكْسُورةٌ، فَخَفِيَتْ وقَرُبَتْ من الياءِ فعبَّرَ القُرّاءُ عنها بالياءِ كما قالوا في قولِه سُبحانَه: "آلاء" عندَ تخفيفِ الهمزةِ "آلاي" بالياء، انتهى. وقد يقال: إنْ كانتْ الكلمةُ سُرْيانِيّةً فَمَحَلُّ ذِكرِها آخِرُ هذا الحرف، كما فَعَلَه صاحبُ اللِّسان وغيرُه، فإنّ الحروفَ كلَّها أصليّة، وإنْ كانتْ مُرَكّبةً من (مِيكا) و (إيل) كتركيبِ (جِبْرائِيلَ) وغيرِهما من أسماءِ الملائكةِ فالأنسَبُ حينَئِذٍ ذِكرُها في (ميك) كما فَعَلَه المُصَنِّف في جِبْرائيلَ فإنّه ذَكَرَه في (جبر)، وتركيب (ميك) ساقطٌ عند المُصَنِّف وغيرِه ". [التاج: ميكل].
• (إِبْرَاهَام) (2): كلمة سريانية، تعني: الأب الرحيم، وهي اسم علم على أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم كثيرا من هذه المواضع قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (3).
وقد تعددت فيها القراءات القرآنية حتى وصلت إلى عشرة أوجه. ذكره أبو منصور الجواليقي وقرر أنه أعجمي فقال:" فأما إبراهيم ففيه لغات. قرأت عن أبي زكرياء عن أبي العلاء قال: "إبراهيم" اسم قديم، ليس بعربي. وقد تكلمت به
__________
(1) الحجة: 85.
(2) قراءة هشام وابن ذكوان وابن عامر والمفضل وابن الزبير، وفيه قراءات أخرى انظرها في: المحرر الوجيز: 2/ 26، والحجة لابن زنجلة: 113، والبحر المحيط: 1/ 453، والدر المصون: 2/ 83، والنشر: 2/ 221، والإتحاف: 273، وروح المعاني: 1/ 374، والتحرير والتنوير: 1/ 702.
(3) البقرة: 124.
(1/259)
________________________________________
العرب على وجوه، فقالوا: "إبراهيم" وهو المشهور، و"إبراهام" وقرئ به، و"إبراهم" على حذف الياء، و"إبرهم" " (1).
وقال أبو البقاء الكفومي:" إبراهيم: اسم سرياني، معناه أب رحيم. وقال في القاموس: اسم أعجمي، وعلى هذا لا يكون معربا. وقال بعض المحققين إن إجماع أهل العربية على أن منع الصرف في "إبراهيم" ونحوه للعجمة والعلمية، فتبين منه وقوع المعرب في القرآن" (2).
وقال أبو حيان:" قرأ الجمهور: "إِبْرَاهِيم" بالألف والياء. وقرأ ابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان في البقرة " إِبْرَاهَام" بألفين ... وقرأ المفضل: "إِبْرَاهَام" بألفين، إلا في الموؤدة والأعلى. وقرأ ابن الزبير: "إِبْرَاهَام"، وقرأ أبو بكرة: "إِبْرِاهِم" بألف وحذف الياء وكسر الهاء" (3).
وقال السمين:" "إبراهيم" علَمٌ أَعْجَمي، قيل: معناه قبل النقلِ: أبٌ رحيمٌ وفيه لغاتٌ تسعٌ، أشهرُها: "إِبْرَاهِيم" بألف وياء، و"إِبْرَاهَام" بألِفَيْن، وبها قرأ هشام وابنُ ذكوان في أحدِ وَجْهَيْهِ في البقرةِ.
الثالثة: "إِبْرَاهِم" بألفٍ بعد الراء وكسرِ الهاءِ دون ياءٍ، وبها قرأ أبو بكر.
الرابعة: "إِبْرَاهَم" كذلك، إلا أنه بفتحِ الهاءِ.
الخامسة: "إِبْرَاهُم" كذلك إلا أنه بضمِّها.
السادسة: "إبْرَهَم" بفتح الهاء من غير ألفٍ وياء.
السابعة: "إِبْرَاهُوم" بالواو" (4).
وقد وضعت المعاجم العربية مادة (برهم) لتعالج فيها الاسم الكريم (إبراهيم)، ومنهم الزبيدي حيث قال: "إِبْرَاهِيم، وإِبْرَاهَام، وإِبْرَاهُوم، وإِبْرِاهَُِم مثلثة الهاء أيضا وإِبْرَهَم بفتح الهاء بلا ألف فهي عشر لغات، اقتصر الجوهري منها على أربعة الأولى والثانية وإِبْرَاهَِم بفتح الهاء وكسرها ... قال الصاغاني وروى الوصل في همزته ... ثم هذه اللغات كلها بكسر أولهن وإنما ترك الضبط اعتمادا على الشهرة ... وهو اسم أعجمي أي سرياني، ومعناه عندهم كما نقله الماوردي وغيره: أب رحيم. والمراد منه هو إبراهيم النبي - صلى الله عليه وسلم -. [التاج: برهم].
__________
(1) المعرب من الكلام الأعجمي: 61.
(2) كتاب الكليات: 27.
(3) البحر المحيط: 1/ 453.
(4) الدر المصون: 2/ 83.
(1/260)
________________________________________
• (زَكَرِيَّاء) (1): اسم أعجمي لم يذكر أحد لأي لغة ينتمي، ولم يذكروا له معنى، وهو علم على نبي الله ذكريا كافل مريم، ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2).
تعددت فيه القراءات، قال الفراء: "وفى (زكريا) ثلاث لغات: القصر في ألِفه، فلا يستبِين فيها رفع ولا نصب ولا خفض، وتمدّ ألفه فتنصب وترفع بلا نون؛ لأنه لا يُجْرَى، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدّة والياء الساكنة فيقال: هذا (زكريّ) قد جاء فيُجْرَى؛ لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب" (3).
وقال أبو منصور الجوالقي:" قال ابن دريد: زكرياء: اسم أعجمي، يقال: (زكريّ) و (زكريَّا) مقصور، و (زكرياء) ممدود، وقال غيره: زكري، بتخفيف الياء" (4).
وقال الزبيدي: وفيه أَربعُ لُغَات: "زَكَرِيَّاء" مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، وبه قَرَأَ ابنُ كَثِير ونافِعٌ وأَبو عَمْرو وابنُ عَامِر ويَعْقُوبُ، ويُقْصَرُ "زَكَرِيَّا"، وبه قَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائِيّ وحَفْص، و"زَكَرِيُّ"، كعرَبِيّ، بحذْفِ الأَلف غَيْر مُنَوَّن أَيضاً، ويُخَفَّفُ "زَكَرِي" وهي اللُّغَةُ الرَّابِعَة ... وقال بعضُ النَّحْوِيِّين: لم يَنْصرف لأَنَّه أعجميّ".
[التاج: زكر]
• (آزَرُ) (5): لفظة معربة، علم على والد إبراهيم عليه السلام، أو بمعنى: ضال في كلامهم وقيل هي اسم لصنم (6). لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (7). وذكره أبو منصور الجواليقي في المعرب (8).
__________
(1) هي قراءة أبي وابن عباس والحسن ومجاهد وأبي عمرو ويعقوب وغيرهم، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 340، والمحتسب: 1/ 223، والنشر: 2/ 259، والإتحاف: 211.
(2) آل عمران: 37.
(3) معاني القرآن: 1/ 188.
(4) المعرب من الكلام الأعجمي: 219.
(5) انظر: جامع البيان: 11/ 468، ومعالم التنزيل: 3/ 158، والدر المصون: 6/ 282.
(6) انظر: مفردات القرآن للراغب: 1/ 27.
(7) الأنعام: 74.
(8) انظر: ص: 63.
(1/261)
________________________________________
وقال الطبري:" "آزَرَ" بالفتح على إتباعه "الأب" في الخفض، ولكنه لما كان اسمًا أعجميًّا فتحوه، إذ لم يجروه، وإن كان في موضع خفض" (1).
وقال البغوي:" القراءة المعروفة بالنصب، وهو اسم أعجمي لا ينصرف فينتصب في موضع الخفض" (2).
وقال القرطبي: "آزر اسم أعجمي" (3).
وقال أبو حيان: "آزر اسم أعجمي علم ممنوع الصرف للعلمية والعجمة الشخصية" (4).
وقال الفراء: "آزر: في موضع خفض ولا يُجْرى؛ لأنه أعجمي" (5).
وقال ابن سيده: "آزر امتنع من الصرف للعلمية والعجمة" (6).
وقال العكبري: "آزر يقرأ بالمد ووزنه أفعل ولم ينصرف للعجمة والتعريف على قول من لم يشتقه من الأزر أو الوزر ومن اشتقه من واحد منهما قال هو عربي ولم يصرفه للتعريف ووزن الفعل ويقرأ بفتح الراء على أنه بدل من أبيه وبالضم على النداء" (7).
وقال السمين: وآزر ممنوع الصرف واختلف في علةِ مَنْعِه فقال الزمخشري: والأقربُ أن يكون آزر فاعَل كعابَر وشالخَ وفالغَ، فعلى هذا هو ممنوع للعلمية والعجمة" (8).
وتناوله الزبيدي بالتفصيل فذكر أصل (آزر) ومعناه وإعرابه فقال: "صَنَمٌ كان تارَحُ أَبُو إِبراهِيمَ عليه السلامُ سادِناً له، كذا قالَهُ بعضُ المُفَسِّرِين. ورُوِيَ عن مُجَاهِدٍ في قوله تعالَى: {ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً} قال: لم يَكُن بأَبِيه، ولكنّ آزرَ اسمُ صَنَمٍ فموضِعُه نَصْبٌ على إِضمارِ الفِعْل في التِّلاوة، كأَنّه قال: وإِذ قال إِبراهيمُ لأَبية أَتَتَّخِذُ آزَرَ إِلاهاً، أَي أَتَّتَّخذُ أَصناماً آلهةً ... ". [التاج: أزر].
__________
(1) جامع البيان: 11/ 467.
(2) معالم التنزيل: 3/ 158.
(3) جامع الأحكام: 7/ 22.
(4) البحر المحيط: 4/ 161.
(5) معاني القرآن: 2/ 14.
(6) إعراب القرآن: 4/ 42.
(7) التبيان: 1/ 248.
(8) الدر المصون: 6/ 282.
(1/262)
________________________________________
نخلص من هذا الفصل إلى أن الألفاظ المعربة التي وردت في القرآن الكريم لم يجتمع العرب على نطقها بطريقة واحدة، وإنما تعددت قراءاتها بحسب كل قبيلة أو جماعة، كما في (إبراهيم) التي وردت عند العرب في عشر لغات.
كما تأكد من خلال هذا الفصل أن للقراءة القرآنية دورها الواضح في المعجم العربي في مجال المعرب، حيث حفظت لنا هذه القراءات العديد من لغات العرب وتصرفهم في الكثير من الألفاظ المعربة، نحو: هيت، وصرهن، ومتكا، وغساق، وإستبرق، وجبريل، وميكال، إبراهيم، وزكريا، وآزر.
وقد تبين من خلال دراسة الكلمات السابقة أن العرب توسعوا في طرق نطقها مما أثرى المعجم العربي بكثير من المفردات التي تفتح لمستخدم اللغة باب اختيار اللفظ الذي يسهل عليه نطقه واستخدامه.
(1/263)
________________________________________
الفصل الثاني
التغير الدلالى
- المبحث الأول: تغير الدلالة لتغير الصوت.
- المبحث الثانى: تغير الدلالة لتغير البنية.
(1/264)
________________________________________
الفصل الثاني
التغير الدلالي

يتناول هذا الفصل جانب التغير الدلالي في القراءات القرآنية محل الدراسة وقد قسمته إلى مبحثين جعلت المبحث الأول لتغير الدلالة لتغير الصوت، وجعلت المبحث الثاني لتغير الدلالة لتغير البنية الصرفية.
(1/265)
________________________________________
المبحث الأول
تغير الدلالة لتغير الصوت
يتناول هذا المبحث القراءات القرآنية التي وردت فيها اللفظة القرآنية بصوتين مبدلين، وترتب على هذا تغير في المعنى، كما في قوله تعالى: "فجاسوا" بالجيم، و"فحاسوا" بالحاء. ومن خلال تتبع أقوال المفسرين واللغويين سوف يتبين لنا الفارق في الدلالة بينهما، وإن لم يكن هناك فرق سأرصده أيضا، وذلك على النحو التالي:
• (شَعَفَهَا) (1): قراءة في: {قَدْ شَغَفَهَا حُبَّاً} (2) [التاج: شعف وشغف].
قراءة الجمهور "شَغَفَهَا" بالغين المعجمة المفتوحة، ورجح الطبري هذه القراءة على غيرها (3). وذهب النحاس إلى أنه المعروف من كلام العرب (4). والشَّغَفُ شدةُ الحبِّ، سمي بذلك لأنه يخترق شَغَافَ القلبِ - أي غشاءه المحيط به - حتى يستقرَّ في سُوَيْدَائِهِ. كما قرئت "شَعَفَهَا" بالعين المهملة المفتوحة.
والمعنى على هذه القراءة أن حبه قد بلغ في قلبها أعلاه. قال الزجاج: ومعنى شَعَفَهَا: ذهب بها كل مذهب، مشتق من شَعَفَاتِ الجبال، أي رؤوس الجبال، فإذا قلت: فلان مشعوف بكذا، فمعناه أنه قد ذهب به الحب أقصى المذاهب" (5).
والفرق بين القراءتين يكمن في التبادل بين صوتي الغين والعين، ومع اختلاف المادة إلا أن المعنى متقارب؛ لأنه يؤول في النهاية إلى عظيم أثر حب يوسف في قلب امرأة العزيز.
__________
(1) (شَعَفَ) بفَتْح العين قراءَةُ الحسنِ البَصْرِي وقَتَادَةَ وأَبي رَجَاءٍ والشَّعْبِي وسعيد بن جُبَيْرٍ وثابتٍ البُنَانِي ومُجَاهِدٍ والزُّهْرِيَّ والأَعْرَجِ وابنِ كَثِيرٍ وابنِ مُحَيْصِنٍ وعَوْفِ بن أَبِي جَمِيلَةَ ومحمدٍ اليَمَانِيِّ ويُزِيدَ بنِ قُطَيْبٍ، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 42، والكشاف: 2/ 463، ومعالم التنزيل للبغوي: 4/ 236، والبصائر للفيروز آبادي: 2/ 250، والدر المصون للسمين: 5/ 459، والإتحاف: 469، ومعجم القراءات لمختار:2/ 440.
(2) يوسف: 30.
(3) انظر: جامع البيان: 16/ 68.
(4) انظر: معاني القرآن: 3/ 419.
(5) معاني القرآن وإعرابه: 3/ 105.
(1/266)
________________________________________
• (فَحَاسُوا) (1): قراءة في قوله تعالى: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيارِ} (2).
[التاج: جوس وحوس].
قراءة الجمهور "فَجَاسُوا" بالجيم المعجمة، والجَوْسُ: التَّرَدُّدُ خِلالَ الدُّورِ والبُيوتِ في الغارَةِ. وقرئ "فَحَاسُوا" بالحاء المهملة، والقراءتان سواء في المعنى. قال الفرَّاءُ: قَتَلُوكُمْ بينَ بيوتِكُم، قال: وجَاسُوا وحَاسُوا بمعنىً واحِدٍ: يَذهبونَ ويَجيئون (3).
ولا فرق بين القراءتين إلا في التخالف بين صوتي: الجيم والحاء. مما دفع عالما كالزركشي أن يجعل القراءة من باب البدل فقال:" من كلامهم إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض يقولون مدحه ومدهه، وهو كثير ألف فيه المصنفون وجعل منه ابن فارس قوله تعالى: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (4) فقال فالراء واللام متعاقبان كما تقول العرب: فلق الصبح وفرقه. قال: وذكر عن الخليل ولم أسمعه سماعا، أنه قال في قوله تعالى: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} إنما أراد "فَحَاسُوا" فقامت الجيم مقام الحاء. قال ابن فارس: وما أحسب الخليل قال هذا ولا أحقه عنه. قلت ذكر ابن جني في المحتسب أنها قراءة أبي السَّمَّال، وقال: "قال أبو زيد أو غيره قلت له: إنما هو "فَجَاسُوا" فقال: حَاسُوا وجَاسُوا واحد. وهذا يدل على أن بعض القراء يتخير بلا رواية ولذلك نظائر" (5).
وهذا الذي قاله ابن جني غير مستقيم، ولا يحل لأحد أن يقرأ إلا بالرواية وقوله إنهما بمعنى واحد، لا يوجب القراءة بغير الرواية كما ظنه أبو الفتح، وقائل ذلك والقارئ به هو أبو السوار الغنوي لا أبو السَّمَّال فاعلم ذلك، كذلك أسنده الحافظ أبو عمرو الداني فقال: حدثنا المازني قال سألت أبا السوار الغنوي فقرأ "فحاسوا" بالحاء غير الجيم، فقلت إنما هو "فجاسوا" قال: حاسوا وجاسوا
__________
(1) هي قراءة أبي السمال وطلحة وابن عباس وأبي السرار الغنوي، انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 243، والجامع للقرطبي: 4/ 246، والدر المصون للسمين: 14/ 142، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 46، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 13.
(2) الإسراء: 5.
(3) معاني القرآن: 2/ 116.
(4) الشعراء: 63.
(5) المحتسب: 2/ 15.
(1/267)
________________________________________
واحد، يعنى أن اللفظين بمعنى واحد، وإن كان أراد أن القراءة بذلك تجوز في الصلاة والغرض كما جازت بالأولى، فقد غلط في ذلك وأساء" (1).
والذي ذكره الزركشي من البدل في القراءة السابقة لم يقل به أحد، والمعاجم العربية كلها على أنهما من مادتين مختلفتين، وإن كان معناهما واحد فالعلاقة بينهما ترادف وليس بدل (2).
• (صَلَلْنَا) (3): قراءة في قوله تعال: {أَئِذَا ضَلَلْنَا في الأَرْضِ} (4).
[التاج: صلل، وضلل].
قراءة الجمهور: "ضَلَلْنَا" بالضاد المعجمة، ومعناها: مِتْنَا وصِرْنَا تُراباً وعِظاماً فَضَلَلْنَا في الأَرْضِ فلم يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِنا. وقالَ الرَّاغِبُ: هو كِنايةٌ عن المَوْتِ واسْتِحَالَةِ البَدَنِ. وضَلَّ الشَّيْءُ: إِذا خَفِيَ وغَابَ، ومنهُ ضَلَّ الماءُ في اللَّبَنِ، وهو مَجازٌ ويُقالُ: ضَلَّ الكافِرُ، إِذا غَابَ عن الحُجَّةِ وضَلَّ النَّاسِي إذا غابَ عنهُ حِفْظُهُ (5).
وقرئ "صَلَلْنَا" بالصاد المهملة، وفي معناها وجهان:
أَحَدُهما: أَنْتَنَّا وتَغَيَّرْنا وتَغَيَّرَتْ صُوَرُنا، مِنْ صَلَّ اللَّحْمُ إِذا أَنْتَنَ.
والآخر: صَلَلْنا: يَبِسْنَا مِنَ الصَّلَّةِ، وهي الأَرْضُ اليابِسَةُ (6).
والفرق بين القراءتين يتمثل في تخالف صوتي الضاد والصاد، هذا التخالف نجم عنه اختلاف في المعنى كما تقدم، ويمكن التقريب بين المعاني السابقة؛ لأن الإنسان إذا مات مر بمراحل:
أولها: أنه يَنْتَنُ.
وثانيها: أن تبقى عظامه يابسة قدرا من الزمان.
__________
(1) البرهان في علوم القرآن للزركشي: 3/ 388.
(2) انظر: المحرر الوجيز: 1/ 243، والجامع للقرطبي: 4/ 246، والبحر: 6/ 2.
(3) قراءة الحسن وعلي بن أبي طالب وابن عباس والأعمش وأبان بن سعيد بن العاص انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 331، والجامع للطبري: 20/ 174، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 285، الإتحاف: 626، والجامع للقرطبي: 14/ 92، والبحر المحيط: 7/ 195، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 65، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 225.
(4) السجدة: 10.
(5) انظر: الكشاف: 3/ 509، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 293، والدر المصون: 12/ 9، وروح المعاني للألوسي: 1/ 497.
(6) المصادر السابقة نفسها.
(1/268)
________________________________________
وثالثها: أنه بعد فترة يغيب كل شيء منه في التراب فلا يَتَبَيَّنُ منه شيء. وقد راعت كل قراءة معنى من هذه المعاني، وطورا من هذه الأطوار، وكلها تَدُلُّ على المعنى المراد من الآية، وهو إنكار الكافر للبعث بعد الموت والبلى.
• (يَنْقاصَ (1)، ويَنْقَاضَ (2)) قراءتان في قوله تعالى: {جِدَارَاً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (3). [التاج: قيص، وقيض].
فأما قراءة: "يَنْقاصَ" بقاف بعدها الألف وصاد فوجهه: التقيص وهو التهدم، أو الانشقاق طولا، قال صاحب التاج: قاصَ الضِّرْسُ وانْقَاصَ وتَقَيَّصَ إِذا انْشَقَّ طُولاً فسَقَطَ. وتَقَيَّصَتِ البِئْر إِذا مَالَتْ وتَهَدَّمَتْ وكذا الحائطُ. قال الأَصْمَعِيّ: المُنْقاصُ: المُنْقَعِرُ من أَصْلِه". [التاج: قيص]
وأما قراءة: "يَنْقاضَ" فوجهها أنها من التقيض وهو التهدم قال صاحب التاج: "وتَقَيَّضَ الجِدارُ: تَهَدَّمَ وانْهالَ كانْقَاضَ. قالَ أَبو زيدٍ: انْقَاضَ الجدارُ انْقِياضاً: تصَدَّعَ من غيرِ أَن يسقُطَ فإنْ سَقَط قيلَ: تَقَيَّضَ. قُلْتُ: وانْقَاضَ ذو وجهَيْنِ يُذْكَرُ في الواوِ وفي الياءِ. وروى المُنْذِرِيُّ عن أَبي عَمْرٍو: انْقَاضَ وانْقَاصَ بمعنًى واحدٍ أَي انْشَقَّ طولاً. وقال الأَصْمَعِيّ: المُنْقاضُ: المُنْقَعِرُ من أَصلِهِ. والمُنْقاصُ: المُنْشَقُّ طُولاً ... وقال اللَّيْثُ: انْقَاضَ الحائِط إِذا انْهَدَمَ من مكانِهِ من غيرِ هَدْمٍ فأَمَّا إِذا هَوَى وسَقَطَ فلا يُقَالُ إلاَّ انْقَضَّ". [التاج: قيض]
وقال السمين: " قرأ الزُّهْري "أنْ يَنْقَاضَ" بألفٍ بعد القاف. قال الفارسيُّ: "هو مِنْ قولهم قِضْتُه فانقاضَ" أي: هَدَمْتُه فانهدم". قلت: فعلى هذا يكونُ وزنُه (يَنْفَعِل). والأصل انْقَيَض فَأُبْدِلَت الياءُ ألفاً. ولمَّا نَقَل أبو البقاء هذه القراءةَ قال: "مثل: يَحْمارّ"، ومقتضى هذا التشبيه أن يكونَ وزنُه (يَفْعالَّ). ونقل أبو البقاء أنه قُرِئ كذلك بتخفيف ِالضاد قال: "وهو مِنْ قولِك: انقاضَ البناءُ إذا تهدَّم" (4).
__________
(1) هي قراءة علي وعكرمة وابن مسعود وخليد بن سعيد ويحيى بن يعمر والزهري وأبي العالية وأبي عثمان النهدي، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 156، والجامع للطبري: 18/ 78، والبحر المحيط: 6/ 140، والدر المصون: 10/ 88، وروح المعاني: 4/ 314، ومعجم القراءات: 3/ 126، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 27.
(2) بتشديد الضاد قراءة ابن مسعود وأبي شيخ البناني وخليد العصري، وبتخفيفها قراءة الزهري، انظر: الدر المصون: 10/ 88، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 126، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 276.
(3) الكهف: 77.
(4) الدر المصون: 10/ 88.
(1/269)
________________________________________
والفرق بين "انقاص" و"انقاض" ينحصر في تخالف صوتي الصاد والضاد، أما من حيث المعنى فواحد عند البعض، ومتقارب عند البعض الآخر كما سلف (1).
• (نُنْشِرُها) (2): قراءة في قوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمَاً} (3).
قال الزبيدي: "أَنْشَزَ عِظامَ المَيِّت إنْشازاً: رَفَعَها إلى مَواضِعها، ورَكَّبَ بَعْضَها على بعضٍ، وبه فُسِّرَ قَوْله تَعالى: {وانظُر إلى العِظامِ كيفَ نُنْشِزُها ثمّ نَكْسُوها لَحْمَاً}. قال الفَرّاء: قرأ زيدُ بنُ ثابت "نُنْشِزُها" بالزاي، والكُوفيُّون بالراء". [التاج: نشز].
وقال الطبري: وقرأ ذلك آخرون: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا} بضم النون. قالوا: من قول القائل، "أنشرَ الله الموتى فهو يُنشِرهم إنشارًا"، وذلك قراءة عامة قرأة أهل المدينة، بمعنى: وانظر إلى العظام كيف نحييها، ثم نكسوها لحمًا. واحتج بعض قرَأة ذلك بالراء وضم نون أوله، بقوله: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} (4)، فرأى أنّ من الصواب إلحاق قوله: {وانظر إلى العظام كيف ننشرها} به. والقول في ذلك عندي أنّ معنى "الإنشاز" ومعنى "الإنشار" متقاربان؛ لأن معنى "الإنشاز": التركيبُ والإثبات ورد العظام إلى العظام، ومعنى "الإنشار" إعادة الحياة إلى العظام. وإعادتها لا شك أنه ردُّها إلى أماكنها ومواضعها من الجسد بعد مفارقتها إياها. فهما وإن اختلفا في اللفظ، فمتقاربا المعنى. وقد جاءت بالقراءة بهما الأمة مجيئًا يقطعُ العذر ويوجب الحجة، فبأيِّهما قرأ القارئ فمصيب، لانقياد معنييهما. ولا حجة توجب لإحداهما القضاءَ بالصواب على الأخرى" (5).
__________
(1) انظرهذا المعنى في: معاني القرآن للفراء: 2/ 156، والجامع للطبري: 18/ 78، والبحر المحيط: 6/ 140، والدر المصون: 10/ 88، وروح المعاني: 4/ 314.
(2) قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب وأبي جعفر وابن عباس والحسن، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 172، ومعاني القرآن للأخفش: 1/ 151، والسبعة: 189، والحجة لابن خالويه: 100، ومعالم التنزيل: 1/ 320، والمحرر الوجيز: 1/ 351، وجامع الأحكام: 3/ 295، والبحر المحيط: 2/ 285، والنشر:1/ 50.
(3) البقرة: 259.
(4) عبس: 22.
(5) جامع البيان: 5/ 476 – 478.
(1/270)
________________________________________
وقال ابن خالويه: "فمن قرأ بالزاي فالحجة له أن العظام إذا كانت بحالها لم تبل فالزاي أولى بها؛ لأنها ترفع ثم تكسى اللحم، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإليه النشور} أي الرجوع بعد البلى. والحجة لمن قرأ بالراء أن الإعادة في البلى وغيره سواء عليه "فإنما يقول له كن فيكون" ودليله قوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} (1).
وقال السمين: " وأمَّا قراءةُ الزاي فَمِنْ "النَّشْز" وهو الارتفاعُ، ومنه: "نَشْزُ الأرضِ" وهو المرتفعُ، ونشوزُ المرأةِ وهو ارتفاعُها عن حالِها إلى حالةٍ أخرى، فالمعنى: يُحَرِّك العظامَ ويرفعُ بعضَها إلى بعضٍ للإحياء. قال ابنُ عطية: "وَيَقْلَقُ عندي أن يكونَ النشوزُ رَفْعَ العظامِ بعضِها إلى بعضٍ، وإنما النشوزُ الارتفاعُ قليلاً قليلاً"، قال: "وانظُر استعمالَ العربِ تجدْه كذلك، ومنه: "نَشَزَ نابُ البعير" و"أَنْشَزُوا فَأَنْشَزوا" (2) " (3)، فالمعنى هنا على التدرُّجِ في الفعلِ فَجَعَل ابنُ عطية النشوزُ ارتفاعاً خاصاً" (4).
ونخلص مما سبق إلى أن القراءتين سبعيتان، والفرق بينهما هو "فونيم" الزاي والراء، هذا من ناحية الصوت، أما من ناحية المعنى فالكلمة بالراء تدل على الإحياء، وبالزاي تدل على رفع العظام وتركيبها، وإن كان بينهما فرق في المعنى إلا أن الدلالة في النهاية تلتقي لتحقق الهدف من الآية، وهذا ما قرره الطبري في كلامه السابق.
• (حَطَبُ) (5): قراءة في قوله تعالى:"إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ حَصَبُ جَهَنَّمَ" (6).
قال الزبيدي: "الحَصَبُ: الحَطَبُ عَامَّةً، وقَال الفَرَّاءُ: هي لُغَةُ اليَمَنِ، وكُلُّ مَا يُرْمَى به في النَّارِ من حَطَبٍ وغَيْرِه فهو حَصَبٌ، وهو لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ (7)، أَوْ لاَ يَكُونُ الحَطَبُ حَصَباً حَتَّى يُسْجَرَ به، وفي التنزيل:" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ حَصَبُ
__________
(1) الحجة: 101، وانظر: الحجة لابن زنجلة: 144.
(2) المجادلة: 11.
(3) المحرر الوجيز: 1/ 351.
(4) الدر المصون: 3/ 103.
(5) قراءة أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعائشة وابن الزبير وزيد بن علي وعكرمة وأبي العالية وعمر بن عبد العزيز، انظر: جامع البيان: 18/ 536، ومعالم التنزيل: 5/ 356، ومختصر ابن خالويه: 92، والمحتسب: 2/ 67، والمحرر الوجيز: 2/ 101، وجامع الأحكام:11/ 343، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 61.
(6) الأنبياء: 98.
(7) انظر: معاني القرآن: 2/ 207.
(1/271)
________________________________________
جَهَنَّمَ". ورُوِيَ عنْ عَليَ - رضي الله عنه - أَنه قرأَه: "حَطَبُ جَهَنَّمَ". وقال عِكْرِمَةُ: حَصَبُ جَهَنَّمَ هو حَطَبُ جَهَنَّمَ بالحَبَشِيَّةِ ". [التاج: حصب]
قال الطبري: قرأته قراء الأمصار "حَصَبُ جَهَنَّمَ" بالصاد، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة عليه. ورُوي عن عليّ وعائشة أنهما كانا يقرآن ذلك {حَطَبُ جَهَنَّمَ} بالطاء. ورُوي عن ابن عباس أنه قرأه "حَضَبُ" بالضاد ... أراد أنهم الذين تسجر بهم جهنم، ويوقد بهم فيها النار، وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به، فهو عند العرب حضب لها. فإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا، وكان المعروف من معنى الحصب عند العرب: الرمي، من قولهم: حصبت الرجل: إذا رميته، كما قال جلّ ثناؤه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} (1) كان الأولى بتأويل ذلك قول من قال: معناه أنهم تقذف جهنم بهم ويرمى بهم فيها. وقد ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمين: الحطب، فإن يكن ذلك كذلك فهو أيضا وجه صحيح، وأما ما قلنا من أن معناه الرمي فإنه في لغة أهل نجد" (2).
وقال ابن عطية: الحصب ما توقد به النار إما لأنها تحصب به أي ترمى وإما أن تكون لغة في الحطب إذا رمي، وأما قبل أن يرمى به فلا يسمى حصبا إلا بتجوز. وقرأ الجمهور: "حَصَبُ" بالصاد مفتوحة ... وقرأ علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعائشة وابن الزبير: "حَطَبُ" جهنم بالطاء" (3).
قال السمين:"قرأ العامَّةُ "حَصَبُ" بالمهملتين والصادُ مفتوحةٌ، وهو ما يُحْصَبُ أي: يُرْمَى في النارِ، ولا يقالُ له حَصَب إلاَّ وهو في النارِ. فأمَّا ما قبل ذلك فَحَطَبٌ وشجرٌ وغير ذلك وقيل: هي لغةٌ حبشية. وقيل: يُقال له حَصَبٌ قبل الإِلقاء في النار ... وقرأ ابن عباس بالضاد معجمةً مفتوحة أو ساكنةً، وهو أيضاً ما يُرمَى به في النار، ومنه المِحْضَبُ: عُوْدٌ تُحَرَّك به النارُ لِتُوقَدَ ... وقرأ أميرُ المؤمنين وأُبَيٌّ وعائشة وابن الزبير "حَطَبُ" بالطاء ولا أظنُّها إلاَّ تفسيراً لا تلاوةً" (4).
والفرق بين هذه القراءات: حصب وحطب وحضب هو "فونيم" الصاد والطاء والضاد، ويلاحظ أن كل هذه المفردات تستخدم في إشعال النار، وهذا
__________
(1) القمر: 34.
(2) جامع البيان: 18/ 536.
(3) المحرر الوجيز: 2/ 101.
(4) الدر المصون: 10/ 337.
(1/272)
________________________________________
هو القاسم المشترك بين معانيها، وإن استقل كل لفظ بما يميزه عن الآخر. فالحطب ما يوقد به النار، ألقي فيها أو لم يلق. أما الحصب فهو وقود النار شرط أن تسجر به النار، فإذا لم تسجر به فلا يسمى حصبا. وأما الحضب فهو أداة تشعل بها النار، أو هو وقود النار أيضا.

• (ثُومِهَا) (1): قراءة في قَوْلِه - عز وجل -: {وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا} (2).
قال الزبيدي: الفُومُ بالضَّمِّ: الثُّومُ لُغَةٌ فيه، قال ابنُ سِيدَه (3): أَرَاهُ عَلَى البَدَلِ، قَالَ ابنُ جِنِّي: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ في قَوْلِه عَزَّ وَجَلّ: "وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا" إلى أَنَّه أَرادَ الثُّومَ، فالفَاءُ على هذا عِنْدَه بَدَلٌ من الثّاء قال: والصَّوابُ عِنْدَنَا: أَنَّ الفُومَ "الحِنْطَةُ"، ولَيْسَتِ الفَاءُ علَى هَذَا بَدَلاً مِن الثَّاءِ (4) ... وقَالَ بَعْضُهم: الفُوْمُ الحِمِّصُ، لُغَةٌ شَامِيَّةٌ، قال الفَرَّاءُ في قَوْلِه تَعالَى: {وَفُومِهَا} مَا نَصُّه: الفُومُ مِمَّا يَذْكُرونَ لُغَةٌ قَدِيمَةٌ وهِيَ: الحِنْطَةُ والخُبْزُ جَمِيعًا. وقَالَ الزَّجَّاجُ: لا اخْتِلافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أن الفُومَ الحِنْطَةُ، وسائِرُ الحُبوبِ التِي تُخْبَزُ يَلْحَقُها اسْمُ الفُومِ (5). وكُلُّ عُقْدَةٍ من بَصَلَةٍ أَوْ ثُومَةٍ أَوْ لُقْمَةٍ عَظِيمَةٍ: فُومَةٌ. [التاج: فوم].
قال الفراء: فإن الفوم فيما ذكر لغة قديمة وهى الحنطة والخبز جميعا قد ذكرا. قال بعضهم: سمعنا العرب من أهل هذه اللغة يقولون: فَوِّمُوا لنا، بالتشديد لا غير، يريدون اختبزوا، وهي في قراءة عبد الله "وَثُومِهَا" بالثاء، فكأنّه أشبه المعنيين بالصّواب؛ لأنّه مع ما يشاكله: من العدس والبصل وشبهه. والعرب تبدل الفاء بالثّاء فيقولون: جدث وجدف، ووقعوا في عاثور شرّ وعافور شرّ، والأثاثيّ والأثافيّ. وسمعت كثيرا من بني أسد يسمّي المغافير المغاثير" (6).
وقال القرطبي: اختلف في "الفوم" فقيل هو الثوم؛ لأنه المشاكل للبصل. والثاء تبدل من الفاء كما قالوا مغافير ومغاثير. وجدث وجدف للقبر. وقرأ ابن مسعود "ثومها" بالثاء المثلثة وروي ذلك عن ابن عباس. وقيل: الفوم الحنطة
__________
(1) قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 41، وجامع البيان: 2/ 130، والكشاف: 1/ 145، والمحتسب: 1/ 88، ومختصر ابن خالويه: 6، والبحر المحيط: 1/ 216، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 112.
(2) معاني القرآن: 1/ 41.
(3) انظر: المخصص: 3/ 286.
(4) انظر المحتسب: 1/ 88. والراجح أنه قصد بقوله هذا مقالة الفراء سابقة الذكر.
(5) انظر: معاني القرآن وإعرابه: 1/ 143.
(6) معاني القرآن: 1/ 36.
(1/273)
________________________________________
روى عن ابن عباس أيضا وأكثر المفسرين واختاره النحاس قال: وهو أولى ومن قال به أعلى وأسانيده صحاح، وإن كان الكسائي والفراء قد اختارا القول الأول لإبدال العرب الفاء من الثاء والإبدال لا يقاس عليه وليس ذلك بكثير في كلام العرب" (1).
والفرق بين قراءة الجمهور "فوم" وقراءة ابن مسعود "ثوم" هو فونيم الفاء والثاء هذا من ناحية الجانب الصوتي، أما من ناحية المعنى فقد قيل باتحادهما حيث إن الفوم هو الثوم؛ لأن الثاء مبدلة من الفاء، ولكن ابن جني ينكر وقوع البدل هنا، ويرجح أن يكون الفوم هو الحنطة. أما الثوم فهو الثمرة المعروفة.
نخلص من هذا المبحث إلى إن أصغر وحدة صوتية تؤدي إلى تغاير الكلمات تسمى عند علماء اللغة "فونيم"، وقد يكون الفونيم صوتا أساسيا في الكلمة، نحو: جَاسَ وحَاسَ، وصَلَّ وضَلَّ، وشَغَفَ وشَعَفَ، فالفرق بين (جاس وحاس) فونيم الجيم، وفونيم الحاء. ومثل ذلك: الصاد والضاد في (صل وضل)، والغين والعين في (شغف وشعف)، وهذا التغاير تَعْمَدُ إليه اللغة لتمايز بين الألفاظ؛ لأن الأصل أن يكون لكل لفظ مختلف معنى مختلف، كما هو الحال في (صل وضل) و (شغف وشعف)، إلا أنه مع هذا الاختلاف قد يحدث الترادف بين الكلمتين أحيانا كما في (جاس وحاس)، وليس هناك من شك في أن المعجم قد استفاد من هذا التمايز حيث جعل أساس ترتيب مواده قائما على تمايز أصوات الكلمات.
__________
(1) جامع الأحكام: 1/ 425.
(1/274)
________________________________________
المبحث الثاني
تغير الدلالة لتغير البنية
يتناول هذا المبحث القراءات القرآنية التي وردت فيها اللفظة الواحدة ببنيتين صرفيتين مختلفتين، وترتب على ذلك تغير في المعنى، كما في: "قَرْح" على زنة (فَعْل)، و"قُرْح" على زنة (فُعْل)، وذلك من خلال رصد أقوال المفسرين واللغويين الواردة في "التاج" على النحو التالي:
• (كَرْهٌ) (1): قراءة في: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (2). [التاج: كره].
عرض الزبيدي هذه الظاهرة في كل مواضعها من القرآن الكريم فقال: "الكَُرْهُ بالفتح ويضم لغتان جيدتان بمعنى: الإباء ... وقيل هو المشقة عن الفراء (3).
قال ثعلب: قرأ نافع، وأهل المدينة في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (4) بالضم في هذا الحرف خاصة، وسائر القرآن بالفتح. وكان عاصم يضم هذا الحرف، والذي في {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (5) ويقرأ سائرهن بالفتح. وكان الأعمش، وحمزة، والكسائي يضمون هذه الحروف الثلاثة والذي في النساء {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} (6) ثم قرؤوا كل شيء سواها بالفتح. [تهذيب اللغة للأزهري: كره].
وقال الأزهري:" ونختار ما عليه أهل الحجاز، أَنَّ جميعَ ما في القرآن بالفتح إلا الذي في البقرة خاصة، فإن القراء أجمعوا عليه. قال ثعلب: ولا أعلم بين الأحرف التي ضمها هؤلاء، وبين التي فتحوها فرقا في العربية ولا في سنة تتبع، ولا أرى الناس اتفقوا على الحرف الذي في سورة البقرة خاصة، إلا أنه اسم، وبقية القرآن مصادر. أو"كُرْهٌ" بالضم ما أكرهت نفسك عليه، و"كَرْهٌ" بالفتح ما أكرهك غيرك عليه، تقول: جئتك كَرْهَاً، وأدخلتني كَرْهَاً، هذا قول الفراء.
__________
(1) هي قراءة السلمي ومعاذ بن مسلم، انظر: الجامع للطبري: 4/ 298، والحجة لابن زنجلة: 196، والتبيان للعكبري: 1/ 92، والجامع للقرطبي: 3/ 38، والبحر المحيط: 2/ 133، والدر المصون: 2/ 363، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 297.
(2) البقرة: 216.
(3) انظر: معاني القرآن: 2/ 97.
(4) البقرة: 216.
(5) الأحقاف: 15.
(6) النساء: 19.
(1/275)
________________________________________
وقال الأزهري:" وقد أجمع كثير من أهل اللغة أن الكَرْهَ والكُرْهَ لغتان فبأي لغة وقع فجائز، إلا الفراء فإنه فرق بينهما بما تقدم". [التهذيب: كره].
وقال ابن سيده:" الكَرْهُ: الإباء والمشقة، تُكَلَّفُهَا فَتَحْتَمِلهَا، والكُرْهُ بالضم المشقةُ تَحْتَمِلُهَا من غيرِ أَنْ تُكَلَّفَهَا، يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ كَرْهَاً وعلى كُرْهٍ".
[المحكم والمحيط الأعظم: 2/ 136].
وقال ابن بَرِّيٍّ: "ويدل لصحة قول الفراء قول الله - عز وجل -: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (1) ولم يقرأ أحد بضم الكاف، وقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} ولم يقرأ أحد بفتح الكاف فيصير الكَرْهُ بالفتح فِعْلَ المضطر، والكُرْهُ بالضم فِعْلَ المختار". [التاج: كره].
وقال الراغب:" المشقة التي تنال الإنسان من خَارِجٍ مما يَحْتَمِلُ عليه بإكراهٍ وبالضم ما يَنَالُهُ من ذَاتِهِ وهو ما يَعَافُهُ، وذلك إما من حيث العقل أو الشَّرْعِ ولهذا يقول الإنسان في شيء واحد أُرِيدُهُ وأَكْرَهُهُ، بمعنى أُرِيدُهُ من حيث الطَّبْعِ وأَكْرَهُهُ من حيث العقل أو الشَّرْعِ" (2). [التاج: كره].
وقال الطبري: "والكُرْهُ" بالضم: هو ما حَمَلَ الرجلُ نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه، و"الكَرْهُ" بفتح "الكاف"، هو ما حَمَّلَهُ غيرُهُ، فأدخله عليه كرهًا. وممن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلم. وقد كان بعض أهل العربية يقول: "الكُره والكَره" لغتان بمعنى واحد، مثل: "الغُسْل والغَسْل" و"الضُّعف والضَّعف"، و"الرُّهبْ والرَّهبْ". وقال بعضهم: "الكُرْهُ" بضم "الكاف" اسم و"الكَرْهُ" بفتحها مصدر" (3).
وقال الألوسي:" الكُرْهُ بالضم كالكَرْهِ بالفتح وبهما قرئ. وقيل: المفتوح المشقة التي تنال الإنسان من خارج، والمضموم ما يناله من ذاته. وقيل: المفتوح اسم بمعنى الإكراه، والمضموم بمعنى الكراهة. وعلى كل حال فإن كان مصدرا فمؤول أو محمول على المبالغة، أو هو صفة كخبز مخبوز. وإن كان بمعنى الإكراه وحمل الكره عليه فهو على التشبيه البليغ، كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته" (4).
__________
(1) آل عمران: 83.
(2) انظر مفردات ألفاظ القرآن الكريم: 3/ 324.
(3) جامع البيان للطبري: 4/ 198.
(4) روح المعاني للألوسي: 2/ 106.
(1/276)
________________________________________
• (قُرْحٌ) (1): قراءة في قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ} (2). [التاج: قرح].
يذكر الزبيدي معنى القرح فيقول: "القَرْحَ بالفتحِ ويُضَمُّ لغتان: عَضُّ السِّلاحِ ونَحوِه مما يَجْرَحُ البَدَنَ وممّا يَخْرُجُ بالبَدَن". ولكنه يذكر عن بعض اللغويين أن بين فتح القاف وضمها اختلافا في المعنى فيقول: "القَرْح بالفَتْح: الآثَارُ، وبالضَّمِّ الأَلَمُ، يقال: به قُرْحٌ من قَرْحٍ أَي أَلَمٌ من جِراحَةٍ. وقالَ يعقوب: كأَنَّ القَرْحَ الجِرَاحَاتُ بأَعْيَانها وكأَنَّ القُرْحَ أَلَمُها ... قال الفرَّاءُ: أكثَرُ القرّاءِ على فَتْح القافِ، وهو مِثْل الجَهْد والجُهْد، والوَجْد والوُجْد (3). وفي حديثِ أُحُدٍ: {مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} (4) وهو بالفَتْح والضَّم: الجُرْحُ. وقيل: هو بالضمّ الاسمُ، وبالفَتْح المصدَر. أَرادَ ما نَالهُم من القَتْل والهَزيمةِ يومئذٍ". [التاج: قرح].
قال الطبري:" قرأته عامة قرأة أهل الحجاز والمدينة والبصرة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، كلاهما بفتح "القاف"، بمعنى: إن يمسسكم القتل والجراح، يا معشر أصحاب محمد، فقد مس القوم من أعدائكم من المشركين قرح = قتلٌ وجراح = مثله. وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قُرْحٌ مِثْلُهُ}. كلاهما بضم القاف. وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: {إن يمسسكم قَرْحٌ فقد مس القوم قَرْحٌ مثله}، بفتح "القاف" في الحرفين لإجماع أهل التأويل على أن معناه: القتل والجراح، فذلك يدل على أن القراءة هي الفتح. وكان بعض أهل العربية يزعُمُ أن "القَرح" و"القُرح" لغتان بمعنى واحد. والمعروف عند أهل العلم بكلام العرب ما قلنا" (5).
وقال أبو زرعة:" قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} بضم القاف فيهما. وقرأ الباقون بالفتح فيهما. قال الفراء:
__________
(1) بضم القاف قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص وأبو جعفر ويعقوب. وبفتح القاف قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف والأعمش وعبد الله بن مسعود، انظر: السبعة لابن مجاهد: 216، والكشاف: 1/ 418، ومختصر ابن خالويه: 22، والتيسير: 90، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 1/ 470، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 159، والحجة لأبي زرعة: 174، والنشر: 2/ 242.
(2) آل عمران: 140.
(3) انظر: معاني القرآن: 1/ 234.
(4) آل عمران: 172.
(5) الجامع: 7/ 236، 237.
(1/277)
________________________________________
كأن القُرْحَ بالضم ألم الجراحات، وكأن القَرْحَ الجراح بأعيانها (1). وقال الكسائي: هما لغتان مثل الضَّعْفِ والضُّعْفِ والفَقْرِ والفُقْرِ. وأولى القولين بالصواب قول الفراء لتصييرهما لمعنيين، والدليل على ذلك قول الله - عز وجل - حين أساهم بهم في موضع آخر بما دل على أنه أراد الألم فقال: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} (2) فدل ذلك على أنه أراد إن يمسسكم ألم من أيدي القوم فإن بهم من ذلك مثل ما بكم" (3).
ويتحصل من كلامه أن في القرح ثلاثة وجوه:
الأول: أنهما لغتان في المصدر، والمعنى واحد.
الثاني: أن المعنى مختلف، فالقَرْح بالفَتْح: الآثَارُ وبالضّم الأَلَمُ.
الثالث: أن القرح بالضمّ الاسمُ، وبالفَتْح المصدَر (4).

• (جَهْدَهُم) (5): قراءة في: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} (6). [التاج: جهد].
ذكر الزبيدي على ضوء القراءة السابقة أن الجَهْدَ بالفتح: الطَّاقَةُ والوُسْعُ ويُضَمُّ. والجَهْد بالفتح فقط: المَشَقَّة. ثم يقول: قال الفراءُ: الجُهْد في هذه الآيةِ الطاقَةُ، تقولُ: هذَا جُهْدي أَي طَاقَتي. وقُرِئ {جُهْدَهُمْ} و"جَهْدَهُمْ" بالضَّمِّ والفَتْحِ، الجُهْد بالضَّمِّ: الطَّاقَة، والجَهْد بالفتح من قولك اجهَدْ جَهْدَك في هذا الأَمْرِ، أَي ابلغْ غايَتَك". [التاج: جهد].
ويضيف الإمام البغوي قائلا إن: "الجُهْدَ: الطاقةُ، بالضم لغة قريش وأهل الحجاز. وقرأ الأعرج بالفتح. قال القُتَيْبِيُّ: الجُهْدُ بالضَّمِّ الطاقةُ، وبالفَتْحِ
__________
(1) انظر: معاني القرآن:1/ 234.
(2) النساء: 104.
(3) الحجة: 174.
(4) انظر في هذه الوجوه: الكشاف: 1/ 418، ومعالم التنزيل للبغوي: 2/ 110، ومعاني القرآن للنحاس: 1/ 481، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 174، والتبيان للعكبري: 1/ 150، والجامع للقرطبي: 4/ 217، والبحر المحيط: 3/ 55، وروح المعاني: 4/ 397، والتحرير والتنوير: 5/ 383، ومعجم القراءات للخطيب: 1/ 577.
(5) قراءة عطاء ومجاهد وابن هرمز، انظر: مختصر ابن خالويه: 54، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/ 462، والدر المصون: 8/ 75، ومعجم القراءات للخطيب: 3/ 429.
(6) التوبة: 79.
(1/278)
________________________________________
الْمَشَقَّةُ" (1). وما قاله البغوي ذكره كثير من العلماء نحو: الفراء (2)، والزمخشري (3)، والنحاس (4)، والقرطبي (5)، والسمين الحلبي (6)، وغيرهم.
أما الألوسي فيقول: "وقيل: المضموم شيء قليل يعاش به، والمفتوح العمل" (7).
• (ضُعْف) (8): قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} (9). [التاج: ضعف].
قراءة الجمهور بضم الضاد، وقرئ بفتحها. وذكر الزبيدي أن الفعل (ضَعُفَ) يأتي مصدره على ضَعْفٍ وضُعْفٍ بالفتح والضمِّ، مستدلا بالقراءة النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعبدَ اللهِ بن عمر: "من ضُعْفٍ" بالضمِّ (10).
وقد توقف كثير من اللغويين عند هاتين القراءتين وذكروا فيهما وجهين (11):
الأول: أنهما لغتان والمعنى واحد.
والثاني: يقول بالفرق بينهما فيجعل الضُّعْفَ بالضم للجسد خاصة، بينما الضَّعْفَ بالفتح يكون للجسد والرأي والعقل. ويذكر معجم الفروق اللغوية الفرق بينهما قائلا: "الفرق بين الضُّعْفِ والضَّعْفِ: أن الضُّعْفَ بالضم يكون في الجسد
__________
(1) معالم التنزيل: 4/ 79.
(2) معاني القرآن: 1/ 447.
(3) الكشاف: 2/ 294.
(4) معاني القرآن وإعرابه: 3/ 237.
(5) الجامع لأحكام القرآن: 7/ 62.
(6) الدر المصون: 8/ 75.
(7) روح المعاني: 7/ 308.
(8) قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر والكسائي وحفص في اختياره لا عن عاصم وعيسى بن عمر وأبي جعفر ويعقوب الجحدري والضحاك وأبي عبد الرحمن وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 309، والحجة لابن خالويه: 284، ومعالم التنزيل = للبغوي: 6/ 277، والبحر المحيط: 7/ 160، والدر المصون: 7/ 420، والنشر: 2/ 345، ومعجم القراءات للخطيب: 7/ 175.
(9) الروم: 54.
(10) خرجه الترمزي في (باب ومن سورة الروم) برقم: 3187 عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خلقكم من ضَعْفٍ"، فقال: "من ضُعْفٍ". ثم قال: حديث حسن غريب: 11/ 144.
(11) انظر: الكشاف: 3/ 486، ومعالم التنزيل: 6/ 277، والمحرر الوجيز: 1/ 260، والبحر المحيط: 7/ 160، والدر المصون: 7/ 420، والحجة لابن خالويه: 284.
(1/279)
________________________________________
خاصة، وهو من قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}، والضَّعْف بالفتح يكون في الجسد والرأي والعقل، يقال: في رأيه ضَعْفٌ ولا يقال: فيه ضُعْفٌ كما يقال: في جسمه ضُعْفٌ وضَعْفٌ" (1).
ويقول الألوسي: " الضم والفتح لغتان في ذلك كما في الفَقْر والفُقْر. الفتح لغة تميم، والضم لغة قريش؛ ولذا أختار النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة الضم ... لأنها لغة قومه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقصد - صلى الله عليه وسلم - بذلك رد القراءة الأخرى؛ لأنها ثابتة بالوحي أيضا كالقراءة التي أختارها ... وحكي عن كثير من اللغويين أن الضُّعْفَ بالضم ما كان في البدن، والضَّعْفَ بالفتح ما كان في العقل، والظاهر أنه لا فرق بين المضموم والمفتوح" (2).
• (السُّدَّيْنِ) (3): قراءة في: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ} (4). [التاج: سدد].
يذكر الزبيدي معنى السَّد بالفتح، والفرق بينه وبين السُّد بالضم، على هدي من القراءة فيقول: "السَّدُّ بالفتح: الجبلُ والسّدُّ: الحاجزُ كذا في التهذيب ويُضَمُّ فيهما صَرَّحَ به الفَيُّوميُّ وغيره. وقال ابن السّكّيت: يقال لكل جَبَل سَّدٌّ وصَدٌّ وصُدٌّ. أَو بالضم: ما كان مخَْلُوقاً لله - عز وجل - وبالفَتْح مِنْ عَمَلِنَا حكاه الزَّجّاجُ (5). وعلى ذلك وَجْهُ قِراءَةِ من قَرَأَ {بَيْنَ السَّدَّين} و"السُّدَّيْن" ورواه أَبو عبيدة (6)، ونحو ذلك قال الأَخفش.
وقَرَأَ ابن كَثير وأًَبو عمرو {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ}، و {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (7) بفتح السين. وقرآ في يس {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} (8). وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب
__________
(1) معجم الفروق اللغوية: 1/ 330.
(2) روح المعاني: 21/ 58.
(3) هي قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي وأبي بكر عن عاصم وأبي جعفر ويعقوب وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 399، والحجة لابن خالويه: 231، ومعالم التنزيل للبغوي: 5/ 201، والمحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 419، والإتحاف: 294، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 297.
(4) الكهف: 93.
(5) انظر: معاني القرآن وإعرابه: 3/ 310.
(6) مجاز القرآن: 70.
(7) الكهف: 94.
(8) يس: 9.
(1/280)
________________________________________
بِضَمِّ السِّينِ في الأربعةِ المواضعِ، وقرأ حمزةُ والكسائي: {بَيْنَ السُّدَّيْنِ} بضم السين". [التاج: سدد]
ويبدو من خلال معالجة كُتُبِ اللغةِ والتفسير لهاتين القراءتين أَنَّ فيهما اختلافا بَيِّنَاً، فالإمام الطبري رغم أنه يذكر فروقا أخرى بين البناءين، لكنه ينتهي إلى أنه لا فرق بينهما في المعنى إذ لم يرد عن العرب بالطريق الذي لا شك فيه، أن بينهما فرقا بدليل عدم ورود ذلك الفرق في تأويل القراءتين فيقول: واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين: {حتَّى إذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ} بضمّ السين، وكذلك جميع ما في القرآن من ذلك بضم السين. وكان بعض قرّاء المكيين يقرؤونه بفتح ذلك كله. وكان أبو عمرو بن العلاء يفتح السين في هذه السورة، ويضمّ السين في "يس"، ويقول: السَّدُّ بالفتح: هو الحاجز بينك وبين الشيء؛ والسُّدُّ بالضم: ما كان من غشاوة في العين. وأما الكوفيون فإن قراءة عامتهم في جميع القرآن بفتح السين غير قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} فإنهم ضموا السين في ذلك خاصة. عن عكرمة قال: ما كان من صنعة بني آدم فهو السَّدُّ، يعني بالفتح، وما كان من صنع الله فهو السُّدّ. وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، ولغتان متفقتا المعنى غير مختلفة، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، ولا معنى للفرق الذي ذكر عن أبي عمرو بن العلاء وعكرمة بين السُّد والسَّد؛ لأنا لم نجد لذلك شاهدا يبين عن فرق ما بين ذلك على ما حكي عنهما" (1).
وإذا كان الطبري قد أضاف وجها ثالثا في الفرق بين البناءين وهو أن: السَّدَّ بالفتح: هو الحاجز بينك وبين الشيء؛ والسُّدَّ بالضم: ما كان من غشاوة في العين، فإن ابن عطية يزيد وجها رابعا وهو أن "السَّد": بالفتح مصدر، وبالضم اسم، فيقول: "قال الخليل (2) وسيبويه: الضم هو الاسم والفتح هو المصدر، وقال الكسائي: الضم والفتح لغتان بمعنى واحد، وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة (3): ما كان من خلقة الله لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم وما كان من صنع البشر فهو بالفتح. قال القاضي أبو محمد ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرأ:"بين السُّدَّيْنِ" بالضم وبعد ذلك سدا بالفتح، وهي قراءة حمزة والكسائي
__________
(1) الجامع: 18/ 101، 102.
(2) انظر معجم العين: 7/ 183.
(3) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 71.
(1/281)
________________________________________
وحكى أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة. وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سُد بالضم، وما لا يرى فهو سَد بالفتح" (1).
وأما الألوسي فإنه يخرج الفرق الذي ذكروه بين البناءين فيقول: "ووجه دلالة المضموم على ذلك أنه بمعنى مفعول، ولكونه لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعين وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله تعالى. وأما دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فللاعتبار بدلاله الحدوث وتصوير أنه ها هو ذا يفعله فليشاهد، وهذا يناسب ما فيه مدخل العباد على أنه يكفي فيه فوات ذلك التفخيم، وأنت تعلم أن القراءة بهما ظاهرة في توافقهما، وعدم ذكر الفاعل والحدوث أمران مشتركان، وعكس بعضهم فقال: المفتوح ما كان من خلقه تعالى إذ المصدر لم يذكر فاعله، والمضموم ما كان بعمل العباد؛ لأنه بمعنى مفعول والمتبادر منه ما فعله العباد وضعفه ظاهر" (2).

ومما جاء على (فِعْل) و (فَعْل) بكسر الفاء وفتحها، واختلف في معناه:
• (بِشَقِّ) (3): قراءة في: {لَمْ تَكونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ} (4). [التاج: شق]
قراءة الجمهور بكسر الشين، وقرئ بفتحها. والشَّقَّ: المَشَقةُ والجَهْدُ والعَناءُ. وفي كسر الشين وفتحها عند اللغويون والمفسرون وجوه (5):
الأول: يرى أنهما لغتان في المصدر والمعنى واحد.
الثاني: يرى أنه بالكَسْرِ اسمٌ من المشقة، وبالفَتْح مَصْدر بالمعنى نفسه.
الثالث: يرى أنه بالفتح مصدر شَقَّ يَشُقُّ شَقَّاً أي جعله نصفين، وذلك على معنى المجاز؛ كأن متاعب السفر تنقص من نفس المسافر الشق أي النصف.
قال الفراء: " أكثر القُرّاء على كسر الشين ومعناها: إلا بجَهْدِ الأنفس. وكأنه اسْم وكأن الشَّقَّ فِعْل؛ كمَا تُوهِّم أن الكُرْهَ الاسم وأن الكَرْهَ الفعل. وقد قرأ به
__________
(1) المحرر الوجيز: 1/ 419.
(2) روح المعاني: 11/ 444.
(3) قراءة نافع وأبي عمرو واليزيدي ومجاهد والأعرج وعمرو بن ميمون وابن أرقم، انظر: معالم التنزيل: 5/ 9، والدر المصون: 9/ 229، معجم القراءات لمختار: 3/ 8، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 596.
(4) النحل: 7.
(5) انظر: معالم التنزيل: 5/ 9، ومعاني القرآن للنحاس: 4/ 56، والتحرير والتنوير لابن عطية: 14/ 10، وروح المعاني للألوسي: 14/ 100.
(1/282)
________________________________________
بعضهم (إلاَّ بِشَقِّ الأَنْفُسِ) وقد يجوز في قوله: "بِشِقِّ الأَنفُسِ" أن تذهب إلى أن الجَهْدَ يُنْقِصُ من قوَّةِ الرجُل ونَفْسِهِ حتى يجعله قد ذَهَبَ بالنصف من قوَّتِهِ فتكون الكسرة على أنه كالنصف والعرب تقول: خذ هذا الشِّقّ لشقّة الشاة ويقال: المال بيني وبينك شَقّ الشعرة وشِقّ الشَعَرة وهما متقاربان، فإذا قالوا شققت عَليك شَقّا نصبوا ولم نسمع غيره" (1).
قال الطبري: "واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الأمصار بكسر الشين "إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ" سوى أبي جعفر ... قارئ المدينة، أنه كان يقرأ "لم تكونوا بالغيه إلا بِشَقِّ الأنفس" بفتح الشين، وكان يقول: إنما الشَقُّ: شَقُّ النَّفْسِ. وقال ابن أبي حماد: وكان معاذ الهرّاء يقول: هي لغة، تقول العرب بشَقِّ وبشِقِّ، وبرَق وبرِق. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار وهي كسر الشين، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه" (2).
وقال الزمخشري:" قرئ: "بِشِقِّ الأَنْفُسِ"، بكسر الشين وفتحها. وقيل: هما لغتان في معنى المشقة، وبينهما فرق: وهو أن المفتوح مصدر شَقَّ الأمرُ عليه شَقَّاً، وحقيقته راجعة إلى الشَّقِّ الذي هو الصَّدْع، وأما الشِّقُّ فالنِّصْفُ، كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد" (3).
وقال السَّمِينُ:" والعامَّةُ على كسر الشين. وقرأ أبو جعفر ... بفتحها. فقيل: هما مصدران بمعنىً واحدٍ، أي: المَشَقَّة، فمِنَ الكسر قولُه:
رَأَى إِبِلاً تَسْعَى، وَيَحْسِبُها لَهُ ... أَخِي نَصَبٍ مِنْ شِقِّهَا وَدُؤُوبِ (4)
أي: مِنْ مَشَقَّتها. وقيل: المفتوحُ المصدرُ، والمكسورُ الاسمُ. وقيل: بالكسرِ نصفُ الشيء. وفي التفسير: إلا بنصفِ أنفسكم، كما تقول: "لم تَنَلْه إلا بقطعةٍ من كَبِدك" على المجاز" (5).
• (ضِيْقٍ) (6): قراءة في: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (7). [التاج: ضيق].
__________
(1) معاني القرآن:3/ 42.
(2) جامع البيان: 17/ 171.
(3) الكشاف: 2/ 594.
(4) البيت للنمر بن تولب، انظر: جامع البيان للطبري: 17/ 171، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 62، والبخلاء للجاحظ: 56.
(5) الدر المصون: 9/ 229.
(6) قراءة ابن كثير ونافع وابن محيصن، انظر: السبعة لابن مجاهد: 376، والحجة لابن خالويه: 395، والدر المصون: 9/ 312، والنشر: 2/ 305، والإتحاف: 281، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 38، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 705، 706.
(7) النحل: 127.
(1/283)
________________________________________
جاءت قراءة الكسر: "ضِيقٍ" شاهدا على أن مصدر ضاق يَضيقُ هو: ضَِيْقاً بالكَسْرِ والفَتْح. وأن الضَّيْقَ: الشّكُّ في القَلْب وهو مَجاز وبه فُسِّرت الآية. ويختلف علماء اللغة في: هل هما لغتان في المصدر والمعنى واحد أم بينهما اختلاف؟ على وجوه (1): الأول: قال أبو عَمْرو: الضَّيَقُ بالتّحْريك: الشَّكُّ، وهو بالفَتْحِ بهذا المعنى أكثَر فحينَئِذ الصّوابُ ويُحَرَّك. وقال الفَرّاء: الضَّيْقُ بالفَتْح: ما ضاقَ عنْه صدْرُك فهو فيما لا يتّسِعُ (أي في المعاني)، وهو يُثنّى ويُجْمَع ويؤنّث. الثاني: قال الفراء: الضِّيقُ بالكَسْر يكون فيما يتّسِعُ ويَضيقُ كالدّارِ، والثّوْبِ (أي في الماديات)، وهولا يُثنّى ولا يُجْمَع ولا يؤنّث. الثالث: أنهما سَواءٌ (أي هما لغتان في المصدر)، قاله الفراء أيضا. ... [التاج: ضيق].
ويبدو أن الفرق بين البناءين في المعنى قد استوقف كثيرا من اللغويين والمفسرين وأصحاب المعاني. فقد جاء في "معجم الفروق اللغوية" وجه رابع وهو عكس ما ذكره الفراء فيقول: الفرق بين الضَّيْقِ والضِّيقِ: قال المفضل: الضَّيْقُ بالفتح في الصَّدْرِ والمكان، والضِّيقُ بالكسر في البُخْلِ وعسر الخلق ومنه قوله تعالى {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (2).
ويذكر المعجم نفسه فرقا خامسا بين البناءين فيقول:" وقال غيره: الضَّيْقُ مصدر، والضَّيِّقُ اسمٌ: ضَاقَ الشيءُ ضَيْقَاً، وهو الضَّيِّقُ، والضَّيِّقُ ما يلزمه الضَّيْقُ وهذا المثال يكون لما تلزمه الصفة مثل سَيْدٍ ومَيْتٍ، والضَّائِقُ ما يكون فيه الضَّيْقُ عارضا، ومنه قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (3) " (4).
أما الإمام الطبري فيذكر تعليلا طويلا ينصر فيه قراءة الفتح، ثم يقول: "ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى (ضيق الصدر) تقول العرب: في صدري من هذا الأمر ضَيْقٌ، وإنما تكسر الضاد في الشيء المُعَاشِ، وضِيقِ المَسْكَنِ، ونحو ذلك؛ فإن وقع الضَّيْقُ بفتح الضاد، في موضع الضِّيق بالكسر. كان على - الذي يتسع أحيانا، ويضيق من قلة - أحد وجهين:
__________
(1) انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 115، والكشاف: 2/ 645، ومعالم التنزيل: 5/ 54، والمحرر الوجيز: 1/ 231، والتبيان للعكبري: 2/ 87، والبحر المحيط: 5/ 528.
(2) معجم الفروق اللغوية الحاوي لكتاب أبي هلال العسكري وجزء من كتاب " فروق اللغات" لابن نعمة الله الجزائري: 333.
(3) هود: 12.
(4) معجم الفروق: 333.
(1/284)
________________________________________
إما على جمع الضَّيْقَةِ، كما قال أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة:
فَلَئِنْ رَبُّكَ مِنْ رَحْمَتِهِ ... كَشَفَ الضَّيْقَةَ عَنَّا وَفَسَحْ (1)
والآخر على تخفيف الشيء الضَّيِّق، كما يخفف الهيِّن اللَّيِّن، فيقال: هو هَيْن لَيْن" (2). ومعنى هذا أن الطبري يضيف وجهين آخرين هما: أن الضَّيْقَ بالفتح جمع "الضَّيْقَةَ". أو أنه مخفف من "الضَّيِّق".

أما القرطبي فقد فسر الآية على التخفيف، ثم ذكر عن أهل اللغة أقوالا تتضمن الوجوه السابقة فيقول: " قال بعض اللغويين: الكسر والفتح في الضاد لغتان في المصدر. وقال الأخفش: الضَّيْقُ والضِّيقُ مصدرُ ضَاقَ يَضِيقُ. والمعنى: لا يضيق صدرك من كفرهم. وقال الفراء: الضَّيْقُ ما ضاق عنه صدرك، والضِّيقُ ما يكون في الذي يتسع ويضيق، مثل الدار والثوب. وقال ابن السكيت: هما سواء، يقال: في صدره ضَيْقٌ وضِيقٌ. والقتبي: ضَيْقٌ مُخَفَّفُ ضَيِّقٍ، أي لا تكن في أمر ضَيْقٍ فَخَفَّفَ، مثل هَيِّن وهَيْن. وقال ابن عرفة: يقال ضاق الرجل إذا بخل، وأضاق إذا افتقر" (3).

وينسب أبو حيان قول التخفيف السابق إلى أبي عبيدة، ثم يتبعه برد أبي علي الفارسي له فيقول: "وهما مصدران كالقيل والقول عند بعض اللغويين. وقال أبو عبيدة: بفتح الضاد مخفف من ضَيِّقٍ أي: ولا تك في أمرٍ ضَيِّقٍ، كلَيْنٍ في لَيِّنٍ. وقال أبو علي: الصواب أن يكون الضِّيقُ لغةً في المصدر؛ لأنه إنْ كان مخففاً من ضَيِّق لزم أن تُقَامَ الصفةُ مقامَ الموصوفِ إذا تَخَصَّصَ الموصوفُ، وليس هذا موضع ذلك، والصفة إنما تقوم مقام الموصوف إذا تخصص الموصوف من نفس الصفة كما تقول: رأيت ضاحكاً، فإنما تخصص الإنسان. ولو قلت: رأيت بارداً لم يحسن، وبِبَارِدٍ مَثَّلَ سيبويهُ، وضَيْقٌ لا يخصص الموصوف" (4).
__________
(1) البيت في ديوانه ص: 237، وهو رابع بيت من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، وانظر: الجامع للطبري: 17/ 326، واللسان: (ضيق).
(2) الطبري: جامع البيان: 17/ 326.
(3) الجامع لأحكام القرآن: 10/ 202.
(4) البحر المحيط: 7/ 308.
(1/285)
________________________________________
ومما جاء على (مَفْعَل) و (مَفْعِل) بفتح العين وكسرها:
• (مَنْسِكًا) (1): قراءة في: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (2). [التاج: نسك].
يتعرض الزبيدي لـ"المَنْسَك" فيعرض مبناه ومعناه من خلال القراءة فيقول: "والمَنْسَكُ كمَجْلِسٍ ومَقْعَدٍ: شِرعَةُ النّسكِ وقُرِئَ بهِمَا قَولُه تَعالَى: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} قَرَأَ الكُوفِيونَ غير عاصِمٍ "مَنْسِكًا" بكَسر السّينِ. والباقُونَ بفَتْحِها، وقَوْلُه تَعالَى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (3) أي: عَرفْنا مُتَعَبَّداتِنَا.
وقالَ الفَرّاءُ: أَصْلُ المَنْسِكِ في كَلامِ العَرَبِ: المَوْضِعُ المُعتادُ الذي تَعْتادُه (4). ويُقال: إِن لِفُلانٍ مَنْسِكًا يَعْتادُه في خَيرٍ كانَ أَو غَيرِه ثم سُمِّيَت أُمُورُ الحَجِّ مَناسِكَ قال ذُو الرُّمَّةِ (5):
وَرَبِ القِلاصِ الخوُصِ تَدْمَى أُنُوفُهَا .. بنَخْلَةَ والسَّاعِينَ حَوْلَ المَناسِكِ
وقِيلَ: المَنْسَكُ كمَقْعَدٍ: نَفْسُ النُّسُكِ وكمَجْلِس: مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ، ومنه قَوْلُهُم: مِنًى مَنْسِكُ الحاجِّ. وقالَ الزَّجّاجُ في تَفْسِير قولهِ تَعالَى: {جَعَلْنَا مَنْسَكا} النَّسكُ في هذَا المَوْضِعِ يَدُلُّ على مَعْنَى النَّحْرِ كَأَنه قالَ: جَعَلْنا لكُلِّ أُمَّةٍ أَن تَتَقَرَّبَ بأَنْ تَذْبَحَ الذَّبائِحَ لله فمَنْ قالَ "مَنْسِك" فمَعْناهُ مكانُ نَسك مثل مَجْلِسٍ مكان جُلُوس، ومن قال "مَنْسَك" فمَعْناهُ المَصْدَرُ نحو النُّسُكِ والنّسُوكِ. وقال ابنُ الأَثِيرِ: قد تَكَرَّرَ ذِكْرُ المَناسِكِ والنُّسُكِ والنَّسِيكَةِ في الحَدِيثِ فالمَناسِكُ: جمعُ مَنْسَكٍ بفَتْحِ السِّينِ وكَسرِها وهو المُتَعَبَّدُ، ويَقَعُ على المَصْدَرِ والزَّمانِ والمَكانِ، ثم سُمِّيَتُ أمُورُ الحَجِّ كلُّها مَناسِكَ". [التاج: نسك].
وحاصل كلامه أن في "المَنْسَك" وجوها:
الأول: بفتح السين وكسرها مصدر، معناه: شِرعَةُ النُّسُكِ.
الثاني: المَنْسَكُ بفتح السين كمَقْعَدٍ: نَفْسُ النُّسُكِ.
والثالث: بكسر السين كمَجْلِس: اسم مكان، أي مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ.
__________
(1) هي قراءة حمزة والكسائي وأبي حاتم عن أبي عمرو وخلف والأعمش ويونس وابن سعدان ومحبوب وعبد الوارث، انظر: جامع البيان للطبري: 18/ 679، والبحر المحيط: 8/ 241، معجم القراءات للخطيب: 6/ 112.
(2) الحج: 67.
(3) البقرة: 128.
(4) انظر: معاني القراءات: 2/ 230.
(5) انظر: الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين للخالديان: 1/ 20، إلا أنه قد وضع (الأدم) مكان (الخوص) وقبله: (أما والَّذي حجَّ الملبُّون بيتَه ... سِراعاً ومولَى كلّ باقٍ وهالكِ) وبعده (لئن قطعَ اليأس الحنينَ فإنّه ... رَقوءٌ لتَذْراف الدُّموع السوافكِ).
(1/286)
________________________________________
قال الطبري:" وأصل المَنْسِك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شرّ ; يقال: إن لفلان مَنْسِكَاً يعتاده: يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وإنما سميت مناسك الحجّ بذلك، لتردّد الناس إلى الأماكن التي تعمل فيها أعمال الحجّ والعُمرة. وفيه لغتان: "مَنْسِك" بكسر السين وفتح الميم، وذلك من لغة أهل الحجاز، و"مَنْسَك" بفتح الميم والسين جميعا، وذلك من لغة أسد. وقد قرئ باللغتين جميعا" (1).
قال أبو حيان:"والمنسك (مَفْعَل) من نَسَكَ واحتمل أن يكون موضعاً للنسك أي مكان نُسُكٍ، واحتمل أن يكون مصدراً واحتمل أن يراد به مكان العبادة مطلقاً أو العبادة ... وحمله الزمخشري على الذبح، يقال: شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على المناسك انتهى. وقياس بناء (مَفْعَل) مما مضارعه (يَفْعُلُ) بضم العين (مَفْعَل) بفتحها في المصدر، والزمان، والمكان، وبالفتح قرأ الجمهور" (2).
وقال السمين:" هما بمعنىً واحد. والمرادُ بالمَنْسَك مكانُ النُّسُكِ أو المصدرُ. وقيل: المكسورُ مكانٌ، والمفتوحُ مصدرٌ. قال ابن عطية: "الكسرُ في هذا من الشاذِّ، ولا يَسُوغُ فيه القياس. ويُشْبِهُ أَنْ يكونَ الكسائيُّ سمعه من العرب" (3). قلت: وهذا الكلامُ منه غير مَرْضِيّ: كيف يقول: ويُشْبه أَنْ يكنَ الكسائيُ سَمِعه. الكسائي يقول: قرأتُ به فكيف يحتاج إلى سماعٍ مع تمسُّكِه بأقوى السَّماعات، وهو روايتُه لذلك قرآناً متواتراً؟ وقوله: "من الشاذِّ" يعني قياساً لا استعمالاً فإنه فيصحٌ في الاستعمال؛ وذلك أنَّ فَعَل يَفْعُل بضم العين في المضارع قياسُ المَفْعَل منه: أن تُفتَحَ عينُه مطلقاً أي: سواءٌ أُريد به الزمانُ أم المكانُ أم المصدرُ. وقد شَذَّتْ ألفاظُ ضَبَطها النحاةُ في كتبهم" (4).
• (مَطْلِعِ) (5): قراءة في: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (6). [التاج: طلع].
__________
(1) جامع البيان: 18/ 679.
(2) البحر المحيط: 6/ 345.
(3) المحرر الوجيز: 2/ 122.
(4) الدر المصون: 10/ 390.
(5) هي قراءة الكسائي وأبي عمرو والأعمش وابن محيصن ويحيى ين وثاب وأبي رجاء العطاردي وطلحة وخلف، انظر: السبعة لابن مجاهد: 693، ومعالم التنزيل للبغوي: 8/ 492، والمحرر الوجيز: 2/ 76، والتحرير والتنوير: 30/ 466، ومعجم القراءات لمختار: 5/ 444، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 519.
(6) القدر: 5.
(1/287)
________________________________________
قال الزبيدي: طَلَعَ الكَوْكَبُ والشمسُ والقمَرُ طُلوعاً ومَطْلَعاً بفتحِ اللامِ على القياسِ ومَطْلِعاً بكسرِها، وهو الأشهر، وهو أحد ما جاءَ من مصادرِ (فَعَلَ يَفْعُلُ) على (مَفْعِلٍ). قرأ الجمهور "مَطْلَعِ" بفتح اللام على القياس، وقرأ الكسائي "مَطْلِعِ" بكسر اللام. [التاج: طلع].
وقال الفرّاء:" وهو أقوى في القياس؛ لأنّ المَطْلَع بالفَتْح: الطُّلُوع وبالكَسْر: الموضعُ الذي تَطْلُعُ منه، إلاّ أن العربَ تقول: طَلَعَتْ الشمسُ مَطْلِعا فيَكسِرونَ وهم يريدون المصدرَ، وكذلك: المَسجِد والمَشرِق والمَغرِب والمَسقِط والمَرفِق والمَنسِك والمَنبِت" (1).
وقال بعضُ البَصْريِّين: مَن قرأَ "مَطْلِع الفَجرِ" بكسرِ اللامِ، فهو اسمٌ لوَقتِ الطُّلوع قال ذلك الزَّجَّاج ... وهما أي المَطْلَع والمَطْلِع: اسمانِ للمَوضِع أيضاً ومنه قَوْله تَعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} (2). [التاج: طلع].
ويتحصل من كلام الزبيدي أن في "مطلع" وجوها (3):
الأول: أنه بفتح اللام وكسرها لغتان في المصدر.
الثاني: أنه بالفتح مصدر، وبالكسر اسم لوقت الطلوع.
الثالث: أنه بالكسر اسم للمكان، ولكن المعنى في الآية يأباه.
الرابع: أنه بالكسر اسم لوقت الطلوع على رأي الزجاج.
وسبب هذا الاشتراك ناتج من أن صيغة (مَفْعَل) بفتح العين من الفعل (فَعَلَ يَفْعُلُ) تكون: مصدرا، أو اسما للزمان، أو اسما للمكان قياسا مطردا، إلا أنه قد جاء فيه السماع بكسر العين في نحو: المَسجِد والمَشرِق والمَغرِب والمَسقِط والمَرفِق والمَنسِك والمَنبِت. وقراءة الفتح على القياس، وتعد أيضا سماعا في الفتح؛ لذلك رجحها علماء اللغة والمفسرون.
وقال أبو جعفر النحاس:" أحسن ما قيل في هذا - يقصد كسر لام مَطْلِع - قول سيبويه: وقد كسروا المصدر قالوا: أتيتك عند مطلِع الشمس، أي عند طلوع الشمس، هذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز فيقولون: مطلَع، والمطلَع المكان. قال أبو جعفر: شرح هذا أنه ما كان على فَعَلَ يَفْعُلُ فالباب فيه أن يكون المصدر منه واسم المكان مَفْعَلا بالفتح وكان يجب أن يكون اسم المكان منه بالضم إلا أنه
__________
(1) معاني القرآن: 3/ 280، 281.
(2) الكهف: 90.
(3) انظر: معاني القرآن للفراء: 3/ 280، ومعاني القرآن للأخفش: 4/ 51، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 830، والدر المصون: 14/ 378.
(1/288)
________________________________________
ليس في كلام العرب مَفْعُل، فلم يكن بد من تحويله إلى الفتحة أو الكسرة، فكانت الفتحة أولى لأنها أخف، والدليل على ما قلناه أنه ما كان على فَعَلَ يَفْعِلُ فالمصدر منه مَفْعَلُ بالفتح، واسم المكان والزمان بالكسر، قالوا: جَلَسَ مَجْلَسَاً وهو في مَجْلَسِكَ، وفي الزمان: أتت الناقة على مَضْرِبِهَا، بالكسر فهذا يبين لك أن الأصل مَطْلِعٌ في المكان ثم حول إلى الفتح، ثم سمع من العرب أشياء تؤخذ سماعا بغير قياس. قالوا: مطلِع للمكان الذي تطلع فيه الشمس، وقال بعضهم مطلِع للمصدر والفتح أولى؛ لأن الفتح في المصدر قد كان لفَعَلَ يَفْعِلُ فكيف يكون في فَعَلَ يَفْعُلُ، وأيضا فإن قراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة "حتى مطلَع" هذا في قوته في العربية وشذوذ الكسر وخروجه من القياس" (1).
ويقول الطبري:" والصواب من القراءة في ذلك عندنا: فتح اللام لصحة معناه في العربية وذلك أن المطْلَعَ بالفتح هو الطلوع، والمَطْلِعَ بالكسر: هو الموضع الذي تطلع منه، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع" (2).
وقال أبو حيان:" هما مصدران في لغة بني تميم. وقيل: المصدر بالفتح وموضع الطلوع بالكسر عند أهل الحجاز" (3).
وقال السمين:" الفتح هو القِياسُ والكسرُ سماعٌ، وله أخوات يُحْفَظُ فيها الكسرُ ممَّا ضُمَّ مضارعُه أو فُتح نحو: المَشْرِق والمَجْزِر. وهل هما مصدران أو المفتوحُ مصدرٌ والمكسور مكانٌ؟ خِلافٌ. وعلى كلِّ تقديرٍ فالقياسُ في المَفْعَل مطلقاً مِمَّا ضُمَّتْ عينُ مضارعِه أو فُتِحَتْ فَتْحُ العينِ، وإنما يقعُ الفرقُ في المكسور العين الصحيح نحو: يَضْرِب" (4).
ومما جاء على (فُعْل) و (فِعْل) بضم الفاء وكسرها:
• (الذِّلِّ) (5): قراءة في: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (6). [التاج: ذلل].
__________
(1) إعراب القرآن للنحاس: 3/ 270.
(2) جامع البيان: 24/ 535.
(3) البحر المحيط: 11/ 7.
(4) الدر المصون: 14/ 378.
(5) قِراءَةُ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والحسنِ البَصْرِيِّ، وأبي رَجاء، والجَحْدَرِيِّ، وعاصمِ بن أبي النَّجُودِ ويَحيى بنِ وَثَّابٍ، وسُفْيان بنِ حسين، وأبي حَيْوَةَ، وابن أبي عَبْلَةَ، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 122، والكشاف: 2/ 658، والمحرر الوجيز: 1/ 260، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 141، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 46، 47.
(6) الإسراء: 24.
(1/289)
________________________________________
يذكر الزبيدي أن الذل بضم الذال وكسرها لغتان في المصدر، حيث قرأ الجمهور بالضم، وقرأ عصم مع آخرين بالكسر. ولكن هناك من فرق بين البنائين قال الرَّاغِبُ: الذُّلُّ ما كانَ عن قَهْرٍ، والذِّلُّ ما كانَ بعدَ تَصَعُّبٍ وشِماسٍ (1). ومعنَى الآية: أي لِنْ كالمَقْهُورِ لهما وعَلى قراءَةِ الكسرِ: لِنْ وانْقَدْ لهما ". [التاج: ذلل]
ومن كلامه يتضح أن في الفرق بينهما وجوها:
الأول: أنهما لغتان في المصدر، والمعنى واحد هو: الرِّفْقُ والرَّحْمَةُ.
الثاني: أن الكسرَ عَلى أنَّهُ مَصْدَرُ الذَّلُولِ.
الثالث: أن الذُّلَّ ما كانَ عن قَهْرٍ، والذِّلَّ ما كانَ بعدَ تَصَعُّبٍ وشِماسٍ.
وقد عرض الطبري لهذا الفرق فقال: "والذُّلُّ بضم الذال والذِّلَّة مصدران من الذليل، وذلك أن يتذلل، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل: قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلا، وذلك نظير القُلّ والقِلَّة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة، والقاف من القِلَّة ... وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم: دابة ذَلول: بَيِّنَةَ الذِّلِّ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة" (2).
وقد عبر كل من أبي حيان (3) والألوسي عن هذا المعنى بعبارة متقاربة فقال الألوسي: "وقرأ سعيد بن جبير "الذِّلِ" بكسر الذال وهو الانقياد وأصله في الدواب، والنعت منه ذَلُول، وأما الذُّلُّ بالضم فأصله في الإنسان، وهو ضد العز والنعت منه ذليلاً" (4).
وقال ابن عاشور: "وفي بعض التّفاسير: الذُّلُّ بضم الذال ضد العزّ، وبكسر الذِّالُّ ضِدُّ الصُّعُوبَةِ (5)، ولا يعرف لهذه التفرقة سند في اللغة" (6).

ومما ورد من (فَعَال) و (فُعَال) بفتح الفاء وضمها:
• (فُوَاقٍ) (7): قراءة في قوله تعالى: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} (8). [التاج: فوق].
__________
(1) انظر المفردات: 1/ 369.
(2) الجامع: 17/ 419، 420.
(3) انظر البحر المحيط: 7/ 337.
(4) روح المعاني: 10/ 426.
(5) قائل هذا الكلام هو العكبري في التبيان: 2/ 90، وردده السمين في الدر: 9/ 343.
(6) التحرير والتنوير: 6/ 237.
(7) قراءة حمزة والكسائي وخلف والأعمش ويحيى بن وثاب والسلمي وطلحة وأبي عبد الرحمن، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 400، والسبعة لابن مجاهد: 552، والبحر المحيط: 7/ 387، والدر المصون: 12/ 243، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 223، ومعجم القراءات للخطيب: 8/ 87.
(8) سورة ص: 15.
(1/290)
________________________________________
يذكر الزبيدي معنى الفُوَاقِ بالضم وأنه من المجاز: "ما بَين الحَلْبَتَيْن من الوقْت لأنّها تُحْلَب ثم تُترَك سُوَيْعَة يرضَعُها الفَصيلُ لتَدِرّ ثم تُحلَب. يقال: ما أقامَ عنده إلا فُوَاقاً ويُفْتَحُ". وأن الكوفيّين غيرَ عاصِم قرؤوا: {مَا لَهَا مِنْ فُوَاقٍ} بالضّم. والباقون: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} بالفَتْح. [التاج: فوق]
وقد اختلف اللغويون في القراءتين من حيث المعنى على وجهين:
الأول: أن بين البناءين فرقاً في المعنى، وهو قول أبي عبيدة: "مَنْ قرأ بالفَتْحِ أرادَ مالَها من إفاقَةٍ ولا راحَة، ذهَب بها إلى إفاقَةِ المَريض، ومن ضمَّها جعَلَها من فُواقِ الناقَة يريدُ ما لَها من انتِظار" (1).
الثاني: أنه لا فرق بين البناءين في المعنى؛ لأنهما لغتان في لفظ واحد، وهو قول: "ثعْلبٌ: أي ما لَها من فَتْرة. ويقال: فُواق النّاقة وفَواقُها: رجوعُ اللّبَن في ضرْعِها بعد حَلْبِها. يُقال: لا تنْتَظِرْه فُواقَ ناقَة، وأقام فُواقَ ناقة جعلُوه ظَرْفاً على السّعةِ وهو مجازٌ".
قال الطبري:" والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان، وذلك أنا لم نجد أحدا من المتقدمين على اختلافهم في قراءته يفرّقون بين معنى الضمّ فيه والفتح، ولو كان مختلف المعنى باختلاف الفتح فيه والضم، لقد كانوا فرقوا بين ذلك في المعنى. فإذا كان ذلك كذلك، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب ; وأصل ذلك من قولهم: أفاقت الناقة، فهي تفيق إفاقة وذلك إذا ردت ما بين الرضعتين ولدها إلى الرضعة الأخرى، وذلك أن ترضع البهيمة أمها ثم تتركها حتى ينزل شيء من اللبن، فتلك الإفاقة ; يقال إذا اجتمع ذلك في الضرع فيقة" (2).
وحكى النحاس عن الكسائي والفراء ترجيح القول بأنهما لغتان بمعنى واحد (3).
وقال الراغب:" والفواق: ما بين الحلبتين. وقوله: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} أي: من راحة ترجع إليها، وقيل: ما لها من رجوع إلى الدنيا. قال أبو عبيدة: (من
__________
(1) مجاز القرآن: 2/ 179.
(2) جامع البيان: 21/ 163.
(3) إعراب القرآن: 2/ 435.
(1/291)
________________________________________
قرأ: "من فُوَاق "بالضم فهو من فواق الناقة. أي: ما بين الحلبتين، وقيل: هما واحد نحو: جَمَام وجُمَام" (1).
وقال البغوي: "وهما لغتان، فالفتح لغة قريش، والضم لغة تميم" (2).
وقال ابن عاشور: "الفواق، بفتح الفاء وضمها: اسم لما بين حلبتي حالب الناقة ورضعتي فَصيلها، فإن الحالب يحلب الناقة ثم يتركها ساعة ليرضعها فصيلها ليَدر اللبن في الضرع ثم يعودون فيحلبونها، فالمدة التي بين الحلبتين تسمى فَواقاً. وهي ساعة قليلة وهم قبل ابتداء الحلب يتركون الفصيل يرضعها لتدرّ باللبن.
وجمهور أهل اللغة على أن الفتح والضم فيه سواء، وذهب أبو عبيدة والفراء إلى أن بين المفتوح والمضموم فَرقاً فقالا: المفتوح بمعنى الراحة مثل الجَواب من الإِجابة، والمضمومُ اسم للمدة. واللبن المجتمع في تلك الحصة يسمى: الفِيقَة بكسر الفاء، وجمعُها أفاويق. ومعنى "ما لَها من فَواقٍ" ليس بعدها إمهال بقدر الفواق" (3).
ومما جاء على (فَعِلَ) و (فَعَل):
• (بَرَقَ) (4): قراءة في قوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} (5). [التاج: برق].
قال الزبيدي: بَرَقَ بَصَرُهُ: تَلألأ ... وإِذا كَسَرْتَ الراءَ فبمَعْنَى الحَيْرَةِ. وبَرِقَ البَصَرُ كفَرِحَ وعليه اقتَصَر الجَوْهريُّ وقال: يعني بَرِيقَهُ إذا شَخَصَ. قال الفراء (6): قرأها نافع وحده من البريق أي: شَخَصَ، وقال غيره: أي: فتح عَيْنَهُ من الفَزَعِ، قلت: وقرأها أيضاً أبو جعفر هكذا. [التاج: برق]
عرض الزبيدي هنا لفعلين مختلفين في المعنى متشابهين في المبنى، هما:
__________
(1) مفردات القرآن الكريم: 3/ 249.
(2) معالم التنزيل: 7/ 74.
(3) التحرير والتنوير: 23/ 224.
(4) قراءة زيد بن ثابت ونصر بن عاصم وعبد الله بن أبي إسحاق وأبي حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وابن مقسم ونافع وزيد بن علي وأبان عن عاصم وهارون ومحبوب كلاهما عن أبي عمرو والحسن والجحدري بخلاف عنهما وأبي جعفر وأبان عن عاصم، انظر: السبعة لابن مجاهد: 661، ومعاني القرآن للفراء: 3/ 209، والحجة لابن خالويه: 357، والحجة لأبي زرعة: 736، والنشر: 2/ 393، والإتحاف: 428، ومعجم القراءات للخطيب: 10/ 185.
(5) القيامة: 7.
(6) معاني القرآن: 3/ 209.
(1/292)
________________________________________
أحدهما: بَرَقَ يَبْرُقُ بَرَقَاً وبُرُوقَاً وبَرِيقَاً: لَمَعَ وجاء بِبَرْقٍ، وتكون للسماء حقيقة، وللسيف ونحوه مجازا.
والآخر: بَرِقَ بَصَرُهُ يَبْرَقُ بَرَقَاً وبُرُوقَاً: تَحَيَّرَ حتى لا يَطْرِف، أو دَهشَ فلم يُبْصِرْ. وبَرِقَ الرجلُ إذا رأى البرق فتحير، كما تقول: أَسَدَ الرجلُ إذا رأى الأسد فتحير. إذن بَرَقَ بالفتح تدل على اللِّمْعَانِ حقيقة أو مجازا. وبَرِقَ بالكسر تدل على الحيرة والدهشة.
قال الطبرى: "بَرَقَ" بفتح الراء، بمعنى شخص، وفُتِح عند الموت ... و"بَرِقَ" بكسر الراء، بمعنى: فزع وشقّ ... وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء "فَإِذَا بَرِقَ" بمعنى: فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت" (1).
وقال الزمخشري: "بَرِقَ الْبَصَرُ تَحَيَّرَ فَزَعًا، وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره. وقرئ: "بَرَقَ" من البريق، أي لمع من شدة شُخُوصِهِ" (2).
قال البغوي:" هما لغتان. وقال قتادة ومقاتل: شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا. قيل: ذلك عند الموت. وقال الكلبي: عند رؤية جهنم برق أبصار الكفار. وقال الفراء والخليل: "بَرِقَ" - بالكسر – أي: فزع وتحير لما يرى من العجائب، و"بَرَقَ" بالفتح، أي: شق عينه وفتحها، من البريق، وهو التلألؤ" (3).
وقد حمل القرطبي القراءة على تعدد اللغة في الفعل لا تعدد البناء فيه (4).
وقال أبو عبيدة: {فَإِذَا بَرَقَ البَصَرُ} إذا شُقَّ البَصَرُ (5).
وقال الرَّاغِبُ:" "بَرَقَ" يقال في كل ما يَلْمَعُ، نحو: سيف بَارِقٌ. وبَرِقَ يُقَالُ في العينِ إذا اضْطَرَبَتْ وَجَالَتْ مِنْ خَوْفِ" (6).
وقال النحاس:" معنى الكسر بَيِّنٌ أي حَارَ وفَزعَ من الموت، ومن أَمْرِ القيامة، وبَرَقَ: لَمَعَ" (7).
__________
(1) جامع البيان: 24/ 54.
(2) الكشاف: 4/ 660.
(3) معالم التنزيل: 8/ 281.
(4) انظر: جامع الأحكام للقرطبي: 19/ 94.
(5) انظر: مجاز القرآن: 1/ 126.
(6) المفردات: 1/ 84.
(7) إعراب القرآن: 3/ 354.
(1/293)
________________________________________
وقال ابن خالويه:" بَرَقَ: بفتح الراء أي: شَخَصَ، إذا فتح عينيه عند الموت كذا قال الفراء. وقال آخرون: بَرَقَ: لَمَعَ بَصَرُهُ. وقرأ الباقون " بَرِقَ" بالكسر أي: تَحَيَّرَ" (1).
وقال السمين أنهما:" لغتان في التحيُّرِ والدَّهْشة. وقيل: بَرِقَ بالكسر تَحَيَّر فَزِعاً. قال الزمخشري: وأصلُه مِنْ بَرِقَ الرجلُ: إذا نَظَر إلى البَرْقِ فَدُهِشَ بَصَرُه". قال غيرُه: كما يقال: أَسِدَ وبَقِرَ، إذا رأى أُسْداً وبَقَراً كثيرةً فتحيَّز من ذلك" (2).
الأمثلة السابقة كانت تحتمل في الغالب وجهين: أحدهما: أنهما لغتان في اللفظ، والمعنى واحد. والآخر: أنهما صيغتان مختلفتان؛ لذا اختلف المعنى، ولكن مع هذا الاختلاف في الصيغة تعود الكلمتان إلى أصل واحد.
أما في المُثُلِ الآتية فإن القراءتين المتعاقبتين على الموضع الواحد مقطوع فيهما باختلاف الأصل الاشتقاقي، وإن تقاربا في الفظ والمعنى. من ذلك:
• (لَتَخِذْتَ) (3) قراءة في قوله تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (4).
[التاج: أخذ وتخذ].
تناول الزبيدي القراءات الواردة في الآية السابقة ذاكرا اختلاف العلماء في: هل هو من أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذَاً، أو من تَخِذَ يَتْخَذُ تَخَذاً وتَخْذاً وهما أصلان والمعنى واحد. فقال: اتَّخَذَ مِن تَخِذَ يَتْخَذُ اجتمع فيه التاءُ الأَصليُّ وتاءُ الافتعال فأُدْغِمَا وهذا قولٌ حَسَنٌ. لكنِ الأَكْثَرُون على أَنّ أَصله من الأَخْذِ، وأَن الكلمةَ مهموزَةٌ.
ولا يَخْلُو هذا من خَلَلٍ؛ لأَنه لو كان كذلك لقالوا في ماضيه: ائْتَخَذَ بهمزتين على قياسِ ائْتَمَر وائْتَمَنَ. ومَعْنَى الأَخْذِ والتَّخْذِ واحدٌ وهو حَوْزُ الشيْءِ وتَحْصِيلُه.
قال الفَرَّاءُ (5):" قَرَأَ مُجَاهِدٌ "لَتَخِذْتَ". قال أَبو منصور (6): وصَحَّت هذه القراءَةُ عن ابنِ عبَّاسٍ، وبها قَرأَ أَبو عمرِو بنُ العلاءِ. واتَّخَذَ افْتَعَلَ مِنْ تَخِذَ فاُدْغِم إِحدَى التاءَيْنِ في الأُخْرَى، وهما التاءُ الأَصْلِيُّ وتاءُ الافتِعَالِ. وقال الليثُ:
__________
(1) الحجة لابن خالويه: 2/ 286، وانظر: الحجة لابن زنجلة: 1/ 500.
(2) الدر المصون: 14/ 181.
(3) قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي والحسن وابن مسعود وقتادة، وابن بحرية، ومجاهد، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 156، والسبعة: 396 والحجة لابن خالويه: 228، والحجة لابن زنجلة: 275، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 47، والنشر: 2/ 314، والإتحاف: 354، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 127.
(4) الكهف: 77.
(5) انظر معاني القرآن: 2/ 121.
(6) انظر التهذيب: (أخذ).
(1/294)
________________________________________
مَن قَرَأَ "لاتَّخَذْتَ" فقد أَدْغَمَ التاءَ في اليَاءِ فاجتمَعَ هَمْزَتَانِ فصُيِّرَتْ إِحداهُمَا ياءً وأُدْغِمَت كراهَةَ التقائِهما". [التاج: أخذ وتخذ].
قال ابن خالويه:" قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "لَتَخِذْتَ" بتخفيف التاء وكسر الخاء، وحجتهما أن أصل هذا الفعل من تَخِذَ يَتْخَذُ تَخْذَاً، فالتاء فاء الفعل مثل تَبِعَ يَتْبَعُ، وأنشد أبو عمرو: (وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا) (1)، فقرأ أبو عمرو على أصل بِنْيَةِ الفعل من غير زيادة، وقرأ الباقون "لَاتَّخَذْتَ" بفتح الخاء على (افتعلت). في هذه القراءة قولان: أحدهما: أن تكون التاء الأولى أصلية والتاء الثانية تاء زائدة في (افتعل) والأصل تَخِذَ يَتْخَذُ فلا نظر فيه أنه (افتعل) منه.
والقول الثاني: أن يكون اتخذ مأخوذ من أَخَذَ، والفاء همزة فإذا بني منه (افتعل) شابه (افتعل) من (وعد) فيصير ائْتَخَذَ يَأْتَخِذُ ائْتِخَاذَاً كما تقول: ايتَعَدَ يَاتَعِدُ ايتِعَادَاً فهو مُوتَعِدٌ ثم تقول: اتَّعَدَ يَتَّعِدُ اتِّعَادَاً، كذلك اتَّخَذَ يَتَّخِذُ اتِّخَاذَاً، فأبدلوا من مكان الهمزة تاء، كما جرت مجرى الواو في التثقيل، والأصل إِأْتَخَذَ فاجتمع همزتان فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصارت إِيتَخَذَ، ثم أبدلوا من الياء تاء، ثم أدغموا في التاء التي بعدها فقالوا اتَّخَذَ يَتَّخِذُ فهو مُتَّخِذٌ" (2).
• "فَصِرْهُنَّ" (3)، و"فَصُرَّهُنَّ" (4)، و"فَصِرَّهُنَّ" (5): قراءات في قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ} (6). [التاج: صرر].
تناول الزبيدي القراءات السابقة فقال: "صَارَ وَجْهَهُ يَصُورُه ويَصِيرُه: أقْبلَ به. وقال الأخْفَشُ: صُرْ إليَّ وصُرْ وَجْهَكَ إليَّ أي: أقْبِلْ علىَّ. وفي التنزيل
__________
(1) هذا صدر بيت للمُمَزَّقِ العَبْدِيِّ، وعجزه (نَسِيفاً كَأُفْحُوصِ القَطَاةِ الْمُطَرِّقِ)، وهو أحد بيتين ذكرهما له الجاحظ، والثاني منهما: (أُنِيخَتْ بِجَوٍّ يَصْرُخُ الدِّيكُ عِنْدَها ... وَباتَتْ بِقَاعٍ كَادِئ النَّبْتِ سَملَقِ)، انظر: الحيوان: 5/ 281، وأيضا الأصمعيات: 58، ومجاز القرآن 1/ 411، واللسان، والتاج: (نسف، تخذ).
(2) الحجة لابن زنجلة: 1/ 426، وانظر: الحجة للفارسي: 3/ 96، وإعراب القرآن لابن سيده: 1/ 156.
(3) قراءة حمزة ويزيد وخلف وروس وابن عباس وطلحة وشيبة وابن جبير وقتادة وابن علقمة وأبي جعفر وابن وثاب والأعمش، انظر: السبعة: 190، والتبيان: 1/ 110 والمحتسب: 1/ 136، والحجة لأبي علي الفارسي: 2/ 292، والحجة البن خالويه: 101، والنشر: 2/ 232، والإتحاف: 163، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 346.
(4) هي قراءة ابن عباس، وعكرمة، انظر المراجع السابقة.
(5) قراءة ابن عباس، انظر المراجع السابقة.
(6) البقرة: 260.
(1/295)
________________________________________
العزيز "فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ" أي وَجِّهْهُنّ، وهي قراءَةُ عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وأكثرِ الناسِ. وذَكَرَهُ ابن سيده في الياءِ أيضاً؛ لأنّ صُرْتُ وصِرْتُ لغتان.
وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً: قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً ومنه: صارَ الحاكِمُ الحُكْمَ، إذا قَطَعَه وحَكَم به ... قلْت: وبه فَسَّر بعضٌ هذه الآيةَ. قال الجَوْهَرِيّ: فَمَن قال هذا جَعَلَ في الآية تَقْدِيماً وتأْخيراً كأَنه قال: خُذْ إليكَ أربعةً فصُرْهُنّ. قال اللِّحْيَانيّ: قال بعضُهم: معنَى صُرْهُنّ: وَجِّهْهُنَّ ومعنَى صِرْهُنّ: قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ. والمعروف أنّهما لُغَتَان بمعنىً واحدٍ وكلُّهم فسَّرُوا فصُرْهُنّ.
أمِلْهُنّ والكسْرُ فُسِّر بمعنىَ قَطِّعْهُنّ. قال الزَّجّاجُ: ومن قرأ: "فصِرْهُنَّ" إليكَ بالكسر ففيه قولان: أحدُهما أنه بمعنَى صُرْهُنّ يقال: صارَه يَصُورُه ويَصيرُه إذا أماله لُغتان. وقال المصنّف في البصائر: وقال بعضُهم: "صُرَّهُنَّ" بضمّ الصّادِ وتشديد الراءِ وفتحها من الصَّرّ أي الشَّدّ قال: وقُرِئَ "فَصِرَّهُنَّ" بكسر الصاد وفتح الراءِ المشددة من الصَّريرِ أي الصوت أي صِحْ بِهِنَّ. [التاج: صرر].
ويتحصل من كلامه أن في معنى "صرهن" وجوها هي (1):
الأول: أنها بضم الصاد وكسرها لغتان "صُِرْهُنَّ"، وهي من صار يصور ويصير، والمعنى: وَجِّهْهُنّ.
الثاني: أنها بالضم "صُرْهُنَّ" من يصور، بمعنى: وَجِّهْهُنّ، وبالكسر من يصير، بمعنى: قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ.
الثالث: أنها في قراءة "صُرَّهُنّ" من صَرَّ يَصُرُّ صَرَّاً: ربط وشد، بمعنى: شدهن واربطهن.
الرابع: أنها في قراءة "فصِرَّهُنّ" من صَرَّ يَصِرُّ صَرِيرَاً، بمعنى: صِحْ بِهِنَّ.
ويزيد القرطبي وجها خامسا على قراءة لم يذكرها الزبيدي فيقول: " "صَرِّهِنَّ" (2) بفتح الصاد وشد الراء مكسورة، حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة بمعنى فاحْبِسْهُنَّ، من قولهم: صَرَى يَصْرَى إذا حبس، ومنه الشاة المصراة" (3).
__________
(1) انظر أيضا هذه الوجه في: معاني القرآن للفراء: 1/ 174، ومعاني القرآن للأخفش: 1/ 152، والكشاف: 1/ 309، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 186، والتبيان للعكبري: 1/ 110، ومعالم التنزيل: 1/ 324، والمحرر الوجيز: 1/ 354.
(2) قراءة عكرمة وابن عباس والمهدوي، انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 354 وجامع الأحكام للقرطبي: 3/ 300، والبحر المحيط: 2/ 300، وروح المعاني للألوسي: 3/ 29، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 347، ومعجم القراءات للخطيب:1/ 375.
(3) الجامع لأحكام القرآن: 3/ 302.
(1/296)
________________________________________
وقد أفاض الطبري في شرح القراءتين السبعيتين عارضا أقوال البصريين والكوفيين ومرجحا لرأي البصريين وتخريجهم على الكوفيين فقال: " سواءٌ قرأ القارئ ذلك بضم "الصاد": "فصُرْهن" إليك أو كسرها "فصِرْهن" إذ كانت لغتين معروفتين بمعنى واحد. غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن أحبّهما إليّ أن أقرأ به "فصُرْهن إليك" بضم "الصاد"؛ لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما، وأكثرهما في أحياء العرب" (1).
وقال السمين:" اختُلِف في ذلك فقيل: القراءتان يُحتمل أَنْ تكونا بمعنىً واحدٍ وذلك أنه يقال: صارَه يَصُوره ويَصِيره، بمعنى قَطَعه أو أماله فاللغتان لفظٌ مشتركٌ بين هذين المعنيين، والقراءتان تَحْتَمِلهما معاً، وهذا مذهبُ أبي عليّ. وقال الفراء: "الضمُّ مشتركٌ بين المعنيين، وأمَّا الكسرُ فمعناه القطعُ فقط". وقال غيرُه: "الكسرُ بمعنى القَطْعِ والضمُّ بمعنى الإِمالةِ". ونُقِل عن الفراء أيضاً أنه قال: "صَارَه" مقلوبُ من قولهم: "صَراه عن كذا" أي: قَطَعه عنه" (2).
• (تَلُوا) (3): قراءة في قوله: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} (4). [التاج: لوي].
وجه الزبيدي قراءة الجمهور: "تَلْوُوا" على أنها من اللَّيِّ، وقراءة ابن عامر: "تَلُوا" على أنها من الولاية فقال: "لَوَى الرجلُ رأسَهُ، وأَلْوَى برأسه أَمَالَ وأَعْرَضَ، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} بواوين، قال ابن عباس: "هُوَ الْقَاضِي يَكُونُ لَيُّهُ وَإِعْرَاضُهُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الآخَر" (5). وقد قُرِئَ بواو واحدة مضمومة اللام من وَلَيْتُ، قال ابن سيده (6): الأولى قراءة عاصم، وأبي عمرو، وفي قراءة "تَلُوا" بواو واحدة وجهان:
__________
(1) جامع البيان: 5/ 504.
(2) الدر المصون: 3/ 111.
(3) هي قراءة ابن عامر وحمزة والأعمش وابن وثاب وابن عباس، انظر: معاني القرآن للفراء: 1/ 291، وجامع البيان للطبري: 9/ 310، والسبعة: 239، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/ 118، والتبيان: 2/ 253، والنشر: 2/ 252، والإتحاف: 195، ومعجم القراءات لمختار: 1/ 546، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 173.
(4) النساء: 135.
(5) لم أجده إلا في (تفسير ابن أبي حاتم: 4/ 397) قال بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قال: "الرَّجُلانِ يَقْعُدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَكُونُ لَيُّ القاضي وَإِعْرَاضُهُ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الآخَرِ".
(6) ما نقله الزبيدي هنا عن ابن سيده لم أجده في المحكم، ولا في المخصص، ولا في إعراب القرآن، ولكن أصله لدى الفراء في معانيه:1/ 291.
(1/297)
________________________________________
أحدهما: أن أصله "تَلْوُوا" أبدل من الواو الهمزة فصارت "تَلْؤُوا" بسكون اللام ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام فصارت "تَلُوا".
الثاني: أن يكون من الْوِلَايَةِ لا مِنَ اللَّيِّ. [التاج: لوي].
ويتحامل الأخفش على قراءة التخفيف فيقول:" {وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}؛ لأنها من "لَوى" "يَلْوِي". وقال بعضهم "وإِنْ تَلُوا" فإن كانت لغة فهو لاجتماع الواوين، ولا أراها إِلاّ لحناً إلاّ على معنى "الوِلاية"، وليس لـ "الوِلايَة" معنى ها هنا إلا على قوله "وإِنْ تَلُوا عَلَيْهِم" فطرح "عَلَيْهِم" فهو جائز" (1).
ولكن أبا حيان يدافع عن هذه القراءة فيقول:" قرأ جماعة في الشَّاذِّ، وابن عامر وحمزة: "وإن تَلُوا" بضم اللام بواو واحدة، ولَحَّنَ بعضُ النَّحْوِيَّينَ قارئَ هذه القراءة قال: لا معنى للولاية هنا، وهذا لا يجوز؛ لأنها قراءة متواترة في السَّبْعِ، ولها معنىً صحيحٌ وتخريجُ حسنٌ. فنقول: اخْتُلِفَ في قوله: "وإن تَلُوا" فقيل: هي من الوِلَايَةِ أي: وإن وُلِّيتُمْ إقامَةَ الشهادةِ وأَعْرَضْتُمْ عن إقامتها والوِلَايَةُ على الشيء هو الإقبالُ عليه. وقيل: هو من اللَّيِّ واصله: تَلْوُوا وأبدلت الواو المضمومة همزة - تَلْؤوا -، ثم نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلى اللام وحُذِفَتْ - تَلُوا - قاله الفراء (2)، والزجاج (3)، وأبو علي (4) والنحاس (5)، ونقل عن النحاس أيضاً أنه اسْتُثْقِلَتِ الحَرَكَةُ على الواو فَأُلْقِيَتْ على اللام، وحُذِفَتْ إحدى الواوين لالتقاء الساكنين" (6).
ويزيد ابن خالويه المسألة وضوحا فيقول:" قرأ حمزة وابن عامر "وَإِنْ تَلُوا" بضم اللام، وقرأ الباقون "وَإِنْ تَلْوُوا" بواوين من: لويت فلانا حقه ليا أي: دافعته وماطلته يقال لوى فلانا غريمه. قال أبو عبيدة يقال: رَجُلٌ لَيَّانٌ وامرأةٌ لَيَّانَةٌ أي: مماطلة، فمعنى تَلْوُوا: تُدَافِعُوا وتَمْطُلُوا، وحجتهم في ذلك ما جاء في التفسير: إن لوى الحاكم في قضيته فإن الله كان بما تعملون خبيرا. وأخرى روى ابن جريج عن مجاهد (7): "وَإِنْ تَلْوُوا" أي تبدلوا الشهادة "أَوْ تُعْرِضُوا" أي تكتموها، فذهب مجاهد أن هذا خطاب من الله - عز وجل - للشهداء لا للحكام، وأصل الكلمة (تلويوا)
__________
(1) معاني القرآن للأخفش: 1/ 213.
(2) معاني القرآن للفراء: 1/ 291.
(3) معاني القرآن وإعرابه: 2/ 118.
(4) الحجة للقراءات السبع: 2/ 95.
(5) معاني القرآن: 2/ 215.
(6) البحر المحيط: 4/ 293.
(7) حديث مجاهد (رحمه الله) في (تفسير ابن أبي حاتم: 4/ 397).
(1/298)
________________________________________
فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم ضموا الواو لمجاورتها الثانية. ومن قرأ بواو واحدة ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون أصله (تلووا) فأبدل من الواو المضمومة همزة فصار (تلؤوا) بإسكان اللام ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام، فصار (تلوا). والآخر: أن يكون من الولاية من قولك: وليت الحكم والقضاء بين الرجلين أي: إن قمتم بالأمر أو أعرضتم فإن الله كان بما تعملون خبيرا. والأصل (توليوا) فحذفت الواو كما حذفنا من (يعد) فصار (تليوا) ثم حذفنا الياء ونقلنا الضمة إلى اللام فصار (تلوا) " (1).
وبناء على التحليل الصرفي السابق نخلص إلى أن في القراءة وجهين:
الأول: أن تكون "تلوا" مضارع مسند لواو الجمع من لَوَى يَلْوِي لَيَّاً.
الثاني: أن يكون "تلوا" أيضا مضارع مسند لواو الجمع، ولكن من وَلِيَ يَلِي وِلَايَةً. والملاحظ أن الصيغتين متماثلتان في الشكل، ولكنهما مختلفتان في المعنى، حيث يمكن اعتبارهما من المشترك اللفظي.
• (الصُّوَرِ) (2): قراءة في قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ} (3).
ذكر الزبيدي أن "الصُّور بالضم: القَرْنُ يُنْفَخُ فيه، وقَرَأَ الحسنُ "يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّوَرِ" على أنه جمْعُ صُورَةٍ مثل بُسْرٍ وبُسْرَةٍ، أي: يُنْفَخُ في صُوَرِ المَوْتَى للأرواح ورُوِيَ ذلك عن أبي عُبَيْدَة وقد خطّأَه أَبو الهَيْثَمِ ونَسبه إلى قِلّة المعرفة".
[التاج: صور].
فالكلمة على قراءة الجمهور تعني القرن الذي ينفخ فيه، وعلى قراءة الحسن الشاذة من التصوير. وقد رد القرطبي هذه القراءة قائلا: "وليس جمع صورة كما زعم بعضهم، أي ينفخ في صُوَرِ الموتى" (4). أما أبو حيان فيقرها قائلا: "قرأ الحسن "في الصُّوَرِ" وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض ويؤيد تأويل من تأوله أن "الصُّوَرَ" جمعُ صُورَةٍ كثُومَةٍ وثُوَمٍ" (5).
__________
(1) الحجة: 1/ 408.
(2) قراءة الحسن وعياض وقتادة ومعاذ القارئ وأبي مجلز وأبي المتوكل وأبي عبيدة، انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/ 264، والتبيان: 2/ 174، ومختصر ابن خالويه: 38، والإتحاف: 211، ومعجم القراءات للخطيب: 2/ 461.
(3) الأنعام: 73.
(4) الجامع: 7/ 20.
(5) البحر المحيط: 5/ 183.
(1/299)
________________________________________
وقال مكي:" والصُّوَر جمع صُورَةٍ، وأصل الواو الحركة، ولكن أسكنت تخفيفا، فأصله الصُّوَر أي صُوَر بني آدم. وقيل: هو القَرْنُ الذي يَنْفُخُ فيه الملكُ فهو واحدٌ وهذا القول أَشْهَرُ" (1).
وقال السمين:" الصُّور: الجمهورُ على قراءته ساكنَ العين، وقرأه الحسن البصري بفتحها، فأمَّا قراءة الجمهور فاختلفوا في معنى الصُّور فيها، فقال جماعة: الصُّور جمع صُورة كالصُّوف جمع صُوفة، والثُّوم جمع ثومة، وهذا ليس جمعاً صناعياً، وإنا هو اسم جنس، إذ يُفَرَّق بينه وبين واحده بتاء التأنيث، وأيَّدوا هذا القولَ بقراءة الحسنِ المتقدمة. وقال جماعةٌ: إن الصُّور هو القَرْن، قال بعضهم: هي لغة اليمنِ ... وأنحى أبو الهيثم على مَنْ ادَّعى أن الصُّور جمع صُوره فقال: "وقد اعترض قومٌ فأنكروا أن يكون الصُّور قرناً كما أنكروا العرش والميزان والصراط، وادَّعَوا أن الصور جمع الصورة كالصوف جمع الصوفة، ورَوَوْا ذلك عن أبي عبيدة، وهذا خطأٌ فاحشٌ وتحريفٌ لكلام الله - عز وجل - عن مواضعه؛ لأن الله قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} فَمَنْ قرأها: {ونُفِخ في الصُّوَرِ} أي بالفتح، وقرأ {فَأَحْسَنَ صُوْرَكم} أي بالسكون فقد افترى الكذبَ على الله، وكان أبو عبيد صاحبَ أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو". قال الأزهري: "قد احتجَّ أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج، ولا يجوز عندي غيرُ ما ذهب إليه وهو قول أهل السنة والجماعة" (2).
• (تَهْوَى) (3): قراءة في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (4). [التاج: هوي].
حيث قرئ: "تَهْوَى إليهم". فمن قرأه: "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" جعله من: هَوَى يَهْوِي هَُوِيَّاً بالفتح والضم: سقط من عُلُوٍّ إلى سَفَلٍ. قيل المعنى: ترتفع إليهم. والأصل في "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" تَنْزِلُ؛ لأنَّ آلَ إبراهيم - عليهم السلام - كانوا في وَادٍ تُحِيطُ به الجبالُ، فكان على الذي يأتيهم أن يصعد هذه الجبال أولا، ثم ينزل ثانية ولابد له من ذلك، من أجل هذا قيل: إن "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" هنا بمعنى ترتفع؛ لأنَّ الذي يريد أن
__________
(1) مشكل إعراب القرآن: 2/ 606.
(2) الدر المصون: 6/ 279، 280.
(3) هي قراءة علي بن أبي طالب وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ومجاهد، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 78، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 165، والتبيان: 2/ 771، والمحتسب: 1/ 364، ومختصر القراءات الشاذة لابن خالويه: 69 ومعجم القراءات لمختار: 2/ 516، ومعجم القراءات للخطيب: 4/ 501.
(4) إبراهيم: 37.
(1/300)
________________________________________
ينزل إليهم لابد وأن يرتفع لا محالة. وأما من قرأ: "تَهْوَى إِلَيْهِمْ" فقد جعله من: هَوِيَ يَهْوَى هَوَىً: أَحَبَّ. والمعنى تهواهم وتميل إليهم، وعدي بـ "إلى"؛ لأنَّ فيه معنى الميل. [التاج: هوي].
قال الفراء:" وقوله "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" يقول: اجعل أفئدة من الناس تريدهم كقولك: رأيت فلانا يهوى نحوك أي يريدك. وقرأ بعض القرّاء: "تَهْوَى إِلَيْهِمْ" بنصب الواو، بمعنى تهواهم كما قال (رَدِفَ لَكُمْ) يريد ردفكم، وكما قالوا: نقدت لها مائة أي نقدتها" (1).
وقال أبو حيان:" قرأ الجمهور: "تَهْوِي إِلَيْهِمْ" أي تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً، ولما ضَمَّنَ (تَهْوِي) معنى (تَمِيل) عداه بـ (إلى) وأصله أن يتعدى باللام" (2).
• (فَيَحُلَّ، يَحْلُلْ) (3): قراءة في قوله تعالى: {فَيَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبِي ومَنْ يَحْلِلْ} (4). [التاج: حلل].
ذكر الزبيدي العديد من المواضع التي قرئ فيها الفعل "يَحُلَّ" بضم الحاء وكسرها، على أن معناه بالضم يَنْزِلُ، ومعناه بالكسر يَجِبُ، وإن كان هذا القول هو المشهور، إلا أنه لم يسلم من النقد، فقيل بأنهما لغتان لفعل واحد. يقول: "حَلَّ أمرُ اللَّهِ عليه يَحِل حُلُولاً: وَجَبَ هو مِن حَدِّ ضَرَبَ. وقِيل: إذا قلتَ: حَلَّ بهم العذابُ كانت يَحُلُّ لا غير، وإذا قلت: عَلَيَّ أو: يَحِلُّ لك، فهو بالكسر. ومَن قرأ: {يَحُلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُم} (5) فمعناه: يَنْزِلُ. وفي العُباب: حَلَّ العَذابُ يَحِلُّ بالكسر: أي وَجَبَ ويَحُل بالضم أي: نَزَلَ. وقرأ الكِسائيُّ قولَه تعالى: {فَيَحُلَّ عَلَيكُم غَضَبِي ومَنْ يَحْلُلْ} بضم الحاء واللام. والباقون بكسرها. وأمّا قولُه تعالى: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِم} (6) فبالضَّمِّ أي: تَنْزِل". [التاج: حلل].
__________
(1) معاني القرآن: 2/ 78.
(2) البحر المحيط: 5/ 429.
(3) قراءة الكسائي وقتادة وأبي حيوة ويحيى بن وثاب والأعمش وطلحة والشنوذي، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 188، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 3/ 370، والسبعة لابن مجاهد: 422، والحجة لابن زنجلة: 460، والدر المصون: 10/ 240، والنشر: 2/ 321، والإتحاف: 306، ومعجم القراءات للخطيب: 5/ 474.
(4) طه: 81.
(5) طه: 86، و"يَحُلُّ" بضم الحاء قراءة الكسائي، انظر: الحجة لابن زنجلة: 1/ 460.
(6) الرعد: 31.
(1/301)
________________________________________
قال الفراء:" الكسر فيه أحبُّ إلىَّ من الضم؛ لأن الحلول ما وقع من يَحُلُّ ويَحِلُّ: يَجِبُ، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع" (1).
وقال الطبري:" قرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة: "فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ" بكسر الحاء "وَمَنْ يَحْلِلْ" بكسر اللام، ووجهوا معناه إلى: فيجب عليكم غضبي، وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة:"فَيَحُلَّ عَلَيْكُم" بضم الحاء، ووجهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قَتادة من أنه فيقع وينزل عليكم غضبي. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وقد حذّر الله الذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل وقوع بأسه بهم ونزوله بمعصيتهم إياه إن هم عصوه، وخوّفهم وجوبه لهم، فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب؛ لأنهم كانوا قد خوّفوا المعنيين كليهما" (2).
وقال البغوي:" قرأ الأعمش، والكسائي: "فَيَحُلَّ" بضم الحاء "وَمَنْ يَحْلُلْ" بضم اللام، أي: ينزل، وقرأ الآخرون بكسرها أي: يجب" (3).
وقال القرطبي:" هما لغتان. وحكى أبو عبيدة وغيره: أنه يقال حَلَّ يَحِلُّ إذا وجب، وحَلَّ يَحُلُّ إذا نزل ... والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى؛ لأنهم قد أجمعوا على قوله: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (4) " (5).
وقال السمين: " قرأ العامة "فَيَحِلُّ" بكسر الحاء، واللام من "يَحْلِلْ". والكسائيُّ في آخرين بضمِّهما ... فقراءةُ العامَّةِ مِنْ حَلَّ عليه كذا أي: وَجَبَ، مِنْ حَلَّ الدَّيْنُ يَحِلُّ أي: وَجَبَ قضاؤُه ... وقراءةُ الكسائي مِنْ حَلَّ يَحُلُّ أي: نَزَل" (6).
• (تَأْلِقُونَهُ (7) وتَلِقُونَهُ (8)): قراءة في: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} (9).
__________
(1) معاني القرآن: 2/ 183.
(2) جامع البيان: 18/ 346.
(3) معالم التنزيل: 5/ 288.
(4) هود: 39.
(5) جامع الأحكام: 11/ 231.
(6) الدر المصون: 10/ 240.
(7) قراءة زيد بن أسلم وأبي جعفر، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 243، وجامع البيان: 19/ 132، والسبعة: 453، ومعالم التنزيل: 6/ 25، ومختصر ابن خالويه: 100، والمحرر الوجيز: 2/ 206، والمحتسب: 2/ 104، وجامع الأحكام: 12/ 204، والبحر المحيط: 6/ 435، وروح المعاني: 3/ 111، والتحرير والتنوير: 18/ 177.
(8) قراءة عائشة وابن عباس ويحيى بن يعمر وزيد بن علي وعيسى بن عمر وعبيد بن يعمر وأبي معمر ومجاهد وأبي حيوة وأبي بن كعب، انظر المصادر السابقة.
(9) النور: 15.
(1/302)
________________________________________
[التاج: ألق، وولق].
قراءة الجمهور "تَلَقَّوْنَهُ" من التَّلَقِّي، أي يأخذه بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ. قال الزبيدي: "قرأ أبو جعفر: "تَأْلِقُونَهُ" والأَلْقُ بالفتح: الكَذِبُ، تقول: أَلَقَ يَأْلِقُ أَلْقَاً. وقرئ "تَلِقُونَهُ" من "وَلَقَ في السّيرِ أو في الكذِبِ يَلِقُ وَلْقَاً: إذا استمرّ فيهما ... ونقل الفَرّاءُ هذه القِراءة، وقال: هذه حكاية أهلِ اللّغة جاؤوا بالمُتَعدّي شاهِداً على غير المتعدّي (1). قال ابنُ سيدَه: وعندي أنّه أراد إذ تَلِقُونَ فِيهِ فحذَفَ وأوصَل. قال الفرّاءُ: وهو الوَلْق في الكذِب بمنزلِة إذا استمرَّ في السَّير والكذِب".
[التاج: ألق، وولق].
إذن فالكلمة الواحدة قد قرئت بثلاث قراءات كل منها يعود إلى أصل بعيد عن الآخر تماما وإن تقاربت الصيغة، كما يلي:
الأولى: "تَلَقَّوْنَهُ" وهي من التلقي أي الأخذ والتلقف، وفيها إشعار بسرعة النقل. والثانية: "تَلِقُونَهُ" من الوَلْقِ وهو السرعة، والمعنى: تسرعون في نقل الإفك، وقد حافظت القراءة على رسم المصحف الإمام، كما تضمنت معنى وجيها. والثالثة: "تَأْلِقُونَهُ" من أَلَقَ: استمر في الكذب، وهي إن ناسبت معنى فقد خالفت رسم المصحف.
قال الطبرى:" القراءة التي لا أستجيز غيرها: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ" على ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليها" (2). ومعناها عنده: تَرْوُونه بعضكم عن بعض.
وقال السمين:" "تَلِقُوْنَهُ" بفتحِ التاءِ وكسرِ اللامِ وضَمِّ القافِ مِنْ وَلَقَ الرجلُ إذا كَذِبَ. قال ابن سيده: جاؤوا بالمعتدي شاهداً على غير المتعدي. وعندى أنه أراد (تَلِقُوْن فيه) فحذف الحرف ووصل الفعلُ للضمير. يعني أنهم جاؤوا بـ "تَلِقُوْنه" وهو متعدٍ مُفَسَّراً بـ "تُكذِّبون" وهو غيرُ متعد ثم حَمَّله ما ذكر. وقال الطبري وغيره: "إن هذه اللفظةَ مأخوذةٌ من الوَلْقِ وهو الإِسراعُ بالشيءِ بعد الشيءِ كعَدْوٍ في إثْرِ عَدْوٍ وكلامٍ في إثرِ كلامٍ يُقال: وَلَقَ في سَيْرِه أي: أسرع" (3).
__________
(1) انظر: معاني القرآن: 2/ 243.
(2) جامع البيان: 19/ 132.
(3) الدر المصون: 11/ 89.
(1/303)
________________________________________
• (يَتَأَلَّ) (1): قراءة في: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} (2).
[التاج: ألو].
قراءة الجمهور: "يَأْتَلِ"، وقد ذكر لها الزبيدي معنيين:
الأول: لا يقصر، وذلك من: "أَلَا يَأْلُو أَلْوَاً بفتح وأُلُوَّاً كَعُلُوٍّ وإِلِيَّاً كعِتِيٍّ: قَصَّرَ وأَبْطَأَ. والثاني: لا يحلف، وذلك من: "آلى يُولي إيلاء، وائتلى يأتلي ائتلاء، وتَأَلَّى يَتَأَلَّى تَأَلِّيَاً: أقسم وحلف يقال: آلَيْتُ على الشَّيْءِ وآلَيْتُهُ. وقال الفراء (3): الائْتِلاء الحلف، وبه فسر قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} أي لا يحلف؛ لأنها نزلت في حلف أبي بكر أن لا ينفق على مِسْطَح. وقرأ بعض أهل المدينة: "وَلَا يَتَأَلَّ أُولُو الْفَضْلِ" بمعناه وهي شاذة". [التاج: ألو].
قال ابن الجزري:" قرأ أبو جعفر (يَتَأَلَّ) بهمزة مفتوحة بين التاء واللام مع تشديد اللام مفتوحة ... وهي من الآلية على وزن (فعيلة) من الأَُِلوة بفتح الهمزة وضمها وكسرها، وهو الحلف أي: ولا يتكلف الحلف، أو لا يحلف أولو الفضل أن لا يؤتوا، دل على حذف (لا) خلو الفعل من النون الثقيلة؛ فإنها تلزم في الإيجاب. وقرأ الباقون بهمزة ساكنة بين الياء والتاء وكسر اللام خفيفة (يَأْتَلِ)، إما من (أَلَوْتُ) أي قصرت أي: ولا تقصر أو من (آلَيْتُ) أي: حَلَفْتُ يقال: آلَي واأْتَلَى وتَأَلَّى بمعنى فتكون القراءتان بمعنىً. وذكر الإمام المحقق أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم القرَّاب في كتابة "علل القراءات" أنه كُتِبَ في المصاحف (يتل) قال: فلذلك ساغ الاختلاف فيه على الوجهين انتهى. وَهِمَ في تخفيف الهمزة على أصولهم" (4).
والذي أدى إلى جواز هذين الاحتمالين هو أن صيغة (يفتعل) من الفعلين: (أَلَا) بمعنى: قصر، و (أَلَا) بمعنى: حلف هو: يَأْتَلِي، وبالتالي أصبح اللفظ مشتركا بين المعنيين. وحينئذ يُفْزَعُ للسياق؛ لأنه وحده هو الذي يحدد المعنى المراد، أما حين يَحْتَمِلُ السياقُ المعنيين جميعا فإن العلماء يقبلونهما ما لم يكن هناك مرجح من قرينة لفظية أو حالية، كما فعل الفراء في ترجيح أن يكون المعنى من الحلف
__________
(1) هي قراءة أبي جعفر والحسن وزيد بن أسلم وعبد الله وعباس ابني عياش بن أبي ربيعة وأبي رجاء وأبي مجلز، انظر: معاني القرآن للزجاج: 4/ 36، والمحتسب: 2/ 106، ومختصر ابن خالويه: 101، والنشر: 2/ 371، والإتحاف: 575، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 363، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 245.
(2) النور: 22.
(3) معاني القرآن: 2/ 248.
(4) النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 2/ 371.
(1/304)
________________________________________
مستعينا بسياق الحال وسبب النزول، وبقرينة قراءة أهل المدينة التي لا تقبل إلا هذا المعنى.
• (تَكْلِمُهُمْ) (1): قراءة في قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} (2). [التاج: كلم].
وجه الزبيدي القراءة السابقة على أنها من كَلَمَ يَكْلِمُ بمعنى جَرَحَ، أي: تَجْرَحُهُمْ وتَسِمُهُمْ في وُجُوهِهِمْ. وقيل: "تُكَلِّمُهُمْ" و"تَكْلِمُهُمْ" سواء كما تقول: تَجْرَحُهُمْ وتُجَرِّحُهُمْ ". [التاج: كلم]. ومعنى هذا أن في "تُكَلِّمُهُمْ" وجهين (3):
الأول: أنها من الكَلام أي تحدثهم وتخبرهم، وهذا هو الظاهر وما عليه الجمهور. الثانى: أنها من الكَلْمِ أي من الجَرْحِ، والتشديد للمبالغة، وسيما قرئت "تُكَلِّمُهُمْ" أو "تَكْلِمُهُمْ" فإنه يمكن حملها على معنى الجَرْحِ.
يقول أبو حيان في تفسيره: "والظاهر أن قوله: "تُكَلِّمُهُمْ" بالتشديد وهي قراءة الجمهور، من الكلام؛ ويؤيده قراءة أُبَيٍّ: "تُنْبِئُهُمْ"، وفي بعض القراءات: "تُحَدِّثُهُمْ"، وهي قراءة يحيى بن سلام ... قال السُّدِّيُّ: تُكَلِّمُهُمْ بِبُطْلَانِ سَائِر الأديان سوى الإسلام. وقيل: تُخَاطِبُهُمْ، فتقول للمؤمن: هذا مؤمن وللكافر: هذا كافر. وقيل معنى "تُكَلِّمُهُمْ": تُجَرِّحُهُمْ من الكَلْمِ، والتشديد للتكثير؛ ويؤيده قراءة ابن عباس ... "تَكْلِمُهُمْ"، بفتح التاء وسكون الكاف مخفف اللام، وقراءة من قرأ: "تَجْرَحُهُمْ" مكان "تُكَلِّمُهُمْ". وسأل أبو الحوراء ابن عباس: تُكَلِّمُ أو تَكْلِمُ؟ فقال: كل ذلك تفعل، تُكَلِّمُ المؤمن وتَكْلِمُ الكافر" (4).
ويأخذ النحاس بتفسير ابن عباس الذي يقول بإفادة الكلمة للمعنيين معا فيقول:" "تُكَلِّمُهُمْ" قال عكرمة أي تَسِمُهُمْ. وفي معنى "تُكَلِّمُهُمْ" قولان: فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال: هي والله تُكَلِّمُهُمْ وتِكْلِمُهُمْ، تُكَلِّمُ المؤمنَ،
__________
(1) هي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير وأبي زرعة والجحدري وأبي حيوة وابن أبي عبلة وعكرمة وطلحة والحسن وأبي رجاء، انظر: معاني القرآن للفراء: 2/ 300، والمحتسب: 2/ 144، ومعاني النحاس: 5/ 147، 148، والتبيان للعكبري: 2/ 175، والدر المصون: 11/ 299، 300، ومعجم القراءات لمختار: 3/ 491، ومعجم القراءات للخطيب: 6/ 558.
(2) النمل: 82.
(3) انظر: معاني الفراء: 2/ 300، جامع البيان للطبري: 19/ 499، ومعاني النحاس: 5/ 147، 148، والتبيان: 2/ 175، والدر المصون: 11/ 299، 300.
(4) البحر المحيط: 7/ 80.
(1/305)
________________________________________
وتَكْلِمُ الكافرَ أو الفاجرَ تَجْرَحُهُ". وقال أبو حاتم "تُكَلِّمُهُمْ" كما تقول تُجَرِّحُهُمْ يذهب إلى أنه تكثير من تكلمهم" (1).
ومعنى ذلك أن "تُكَلِّمُهُمْ" مشترك لفظي بين أصلين مختلفين هما: الكَلْمِ والكَلَامِ، وأن المعنى يحتمل التأويلين لذلك قيل بهما جميعا، وهذه ميزة في النص القرآني أن الكلمة الواحدة قد تعطي أكثر من معنى في النص الواحد.

• (أَفَتَمْرُونَهُ) (2): قراءة في قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (3).
[التاج: مري].
وجه الزبيدي القراءة السابقة على معنى: "مَرَاهُ حَقَّهُ: جَحَدَهُ، أي أَفَتَجْحَدُونَهُ أو تَدْفَعُونَهُ عما يرى، أو أَفَتَغْلِبُونَهُ في المماراة مع ما يرى من الآيات، أو أَفَتَطْمَعُونَ في غَلَبَتِهِ أو تَدَّعُونَهَا مع ما يرى، وهو إنكارٌ لِتَأَتِّي الغَلَبَةُ وهو مجاز".
وأما قراءة الجمهور: "أَفَتُمَارُونَهُ" فقد جعله من: ماراه مماراة ومراء: جَادَلَهُ ولاحَهُ، والمعنى على ذلك عنده: أَفَتُلاحُونَهُ مع ما يرى من الآيات المُثْبِتَةِ لِنُبُوَّتِهِ وهو مجاز". [التاج: مري]
إذن القراءتان تنتميان إلى أصلين مختلفين في اللفظ والمعنى هما:
الأول: قراءة "أَفَتُمَارُونَهُ" أي: (تُفاعلونه) من مَارَى يُمَارِي مِرَاءً: جادل.
والثاني: قرأءة "أَفَتَمْرُونَهُ" أي: تجحدونه، من قولهم: مَرَيْتُ حَقَّهُ أَمْرِيهِ مَرْيَاً، أي: جَحَدْتُهُ.
ويصحح الطبري المعنى على القراءتين فيقول: والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، وذلك أن المشركين قد جحدوا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أراه الله ليلة أُسري به، وجادلوا في ذلك، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: أفتجادلون أيها المشركون محمدا - صلى الله عليه وسلم - على ما يرى مما أراه الله من آياته" (4).
__________
(1) إعراب القرآن: 2/ 250.
(2) قراءة حمزة والكسائي وخلف والأعمش وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عباس والجحدري وابن سعدان ومسروق وأبي العالية ويحيى بن وثاب، انظر: الحجة لأبي علي الفارسي: 6/ 230، والحجة لابن خالويه:335، والنشر: 2/ 419، ومعجم القراءات لمختار: 4/ 509، ومعجم القراءات للخطيب: 9/ 181.
(3) النجم: 12.
(4) جامع البيان: 22/ 510.
(1/306)
________________________________________
نخلص من هذا المبحث إلى النتائج الآتية:
1 - يكون الفونيم أحيانا صويتا (حركة) مصاحبا للصوت الصامت، فيؤدي تغيره إلى تغير المعنى، وهذا هو الأصل، وأحيانا لا يغير المعنى ويُحْمَلُ على تعدد اللغات، وهذا له أثره الواضح في المعجم كما يلي:
• إذا كان الضبط لم يُحْدِثْ اختلافا في المعنى، وحُمِلَ على تعدد اللغات في الكلمة الواحدة، صار ضربا من ضروب التيسير على أهل اللغة من حيث هو توسعة في النطق وعدم اقتصاره على شكل معين.
• وإذا أدى إلى تغير في المعنى صار ثراء للمعجم من حيث اللفظ والمعنى، ويجسد هذا الجانب العديد من القراءات القرآنية، نحو: كُرْهٍ وكَرْهٍ، وقُرْحٍ وقَرْحٍ، وجُهْدٍ وجَهْدً، وضُعْفٍ وضَعْفٍ، وسُدٍّ وسَدٍّ، حيث وردت هذه الألفاظ بضم أولها وفتحه.
2 - أما الكلمتان اللتان تعودان إلى أصلين مختلفين فإن اتحدا في المعنى صارا من قبيل الترادف، وفي ذلك ثراء لفظي للمعجم، نحو: أَخَذَ وتَخِذَ. وإن تغاير البناء والمعنى معا صار الثراء في اللفظ والمعنى على السواء، نحو: صِرْهُنَّ صُرْهُنَّ صِرَّهُنَّ صُرَّهُنَّ، وكما في: تَأْلِقُونَهُ وتَلِقُونَهُ وتَلَقَّوْنَهُ.
(1/307)
________________________________________
الخاتمة
(1/308)
________________________________________
الخاتمة
أولا: النتائج العامة للدراسة (1):
1 - احتوت العربية الفصحى العديد من اللغات (اللهجات)، وقد تبين من خلال الدراسة أن القراءات قد حافظت على الكثير من هذه اللغات.
كما تبين أن الفرق بين كثير من هذه اللهجات يكمن في الصائت القصير، فبينما تؤثر بعض القبائل الفتح في صوت معين من الكلمة تؤثر أخرى الضم أو الكسر فيه. وقد انتبه المعجميون إلى هذه الظاهرة، وسجلوها في معاجمهم، بل نبهوا أيضا إلى أنه قد تركب لغة من لغتين.
ولا شك في أن تعدد اللغات قد أثرى المعجم العربي صوتيا - إذا جاز التعبير -؛ لأن هذه الظاهرة أثمرت كلمات تعدد نطقها ومعناها واحد، وفي تعدد النطق تيسير على مستخدم اللغة.
2 - إن مجيء الفعل المضارع مكسور العين في بعض القراءات، يفسر لنا كسر المضارع في العامية المصرية، ويدل على أن هذه الظاهرة لم تأت من فراغ وإنما استمدته من لهجة عربية أصيلة. وفي ذلك تضييق للهوة التي بين اللغتين.
3 - تبيّن للدارس - من خلال هذه الدراسة - أن الانسجام الصوتي لغة ثانية عرفتها القبائل العربية واستعملتها بهدف التخفيف، ولم تستأثر به قبيلة دون أخرى. وهذا يؤكد أن القرآن لم ينزل بلهجة قريش الخاصة، وإنما بلغة أدبية راقية، احتضنتها قريش بعد اكتسابها بعض سماتها من القبائل الأخرى، من هذه السمات الانسجام الصوتي.
__________
(1) النتائج العامة للدراسة هنا روعي فيها الإجمال اعتمادا على ورودها مبسوطة عقب كل فصل من فصول الدراسة.
(1/309)
________________________________________
4 - تَبَيَّنَ من خلال هذه الدراسة أن اللغة تميل إلى المخالفة بين ماضي الفعل ومضارعه من حيث حركة عينه، فإذا كانت مفتوحة في الماضي كسرت في المضارع والعكس صحيح، إلا إذا كان الفعل عينه أو لامه من أحرف الحلق، فالقاعدة هنا المماثلة، وشذ عن هذه القاعدة الخاصة أفعال سبق ذكرها حيث خضعت للقاعدة العامة وهي المغايرة. إن قاعدة المغايرة هذه تسير في اتجاه مضاد للمماثلة طلبا للحفاظ على الملامح الفارقة، والمميزة للمعاني.
5 - إن الإظهار والإدغام لغتان عرفتهما العربية، والإظهار الأصل وهو لغة الحضر، والإدغام فرع عنه، وهو لغة البدو. وسبب الإدغام هو طلب الخفة في النطق. فالصوت القوي يفرض على الصوت الضعيف أن يماثله ثم ينصهر فيه.
6 - كما استخدمت اللغة الصوائت القصيرة في تعدد اللهجات استخدمت أيضا إبدال الصوامت بعضها من بعض كوسيلة لتعدد اللغات في الكلمة الواحدة، نحو: "الصراط" و"الزراط"، وهما لغتان في "السراط".
كما أفاد درس الإبدال المعجم في معرفة أصول بعض الكلمات المشكلة. وقد بينت الدراسة أن بعض المواد في المعجم العربي يعود الفضل في وجودها للقراءة القرآنية القائمة على الإبدال.
7 - إن تحقيق الهمز فيه شيء من الصعوبة؛ لذلك جنح العرب إلى تخفيفه بحذف، أو إبدال، أو بين بين. وقد أمدت القراءة القرآنية المعجم العربي بكثير من الشواهد الموثقة التي تمثل كل أشكال التخفيف السابقة.
وقد تلجأ اللغة إلى همز ما لا يهمز حفاظا على قوانينها وثوابتها، كأن تتحاشى الجمع بين الساكنين مثلا.
8 - إن اللغة العربية من اللغات التي تعتمد على الإعراب في تحديد المعنى؛ لذلك حافظت على الحركة الإعرابية بطرق عدة. وقد اجتلبت هاء السكت
(1/310)
________________________________________
للوقف على حركة البناء؛ لتظل حركة الحرف الأخير ظاهرة بَيِّنَة. وجعلها النحاة خاصة بحركة البناء، اعتمادا على أن للإعراب طرقا في الوقف كفيلة بالحفاظ على حركته.
9 - الأصل في اللغة أن لكل بناء من أبنيتها معنى يخصه، وأحيانا يتمثل الفرق بين البناءين في تغيير الحركات فقط، كما هو الشأن في اسمي الفاعل والمفعول من غير الثلاثي. وكذا الفرق بين الفعل المبني للمعلوم والمبني للمجهول، وهذا التغيير في بنية الكلمة يؤدي إلى تغيير في معناها، مما قد يترتب على ذلك من اختلاف في الأحكام الفقهية وغيرها.
10 - زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، هذه المقولة صادقة، وإن لم تكن اللغة في ذلك مطردة تمام الاطراد، فغالب الشأن مع زيادة الفعل بتضعيف عينه (فَعَّلَ) تفيد المبالغة في معنى الفعل، أو التعدية، وزيادته بالهمزة (أفعل) تدل على تعديه، وزيادته بالألف (فاعل) تدل على المشاركة ... وقد عمدت اللغة لذلك؛ لأن الألفاظ محدودة، والمعاني غير محدودة، ومعنى ذلك أن في حروف الزيادة بابا واسعا لثراء اللغة في المفردات.
11 - المقرر في كتب النحو أن صيغ المبالغة صور لاسم الفاعل، والفرق بين هذه الصيغ يكمن في مقدار الصفة التي تدل عليها، وقد أفاد المعجم من تردد القراءة بين اسم الفاعل وصيغ المبالغة في ثراء المفردات والمعاني معا؛ لأن تعدد القراءة جاء بصيغة جديدة ومعنى زائد.
12 - الفرق بين (صيغ اسم الفاعل) والصفة المشبهة يكمن في المعنى وليس في اللفظ؛ لأن كل صيغ الفاعل تصلح للصفة المشبهة، والفيصل بينهما في دلالة الصفة المشبهة على ثبوت الصفة في صاحبها، بينما لا يدل اسم الفاعل على ذلك. ومن هنا استفاد المعجم العربي برصيد جديد من المعاني أضيف إلى ألفاظه المحدودة.
(1/311)
________________________________________
13 - كما أفادت دراسة صيغ الجموع المعجم في مجالي الثراء اللفظي والمعنوي على السواء، وإن كان الجانب الأبرز هو الثراء اللفظي، ويتضح هذا بشدة عند الحديث عن جموع التكسير، حيث وردت القراءة في هذا الجانب - على الحد الأدنى- بقراءتين، نحو: غُلُف وغُلَّف، وظِلَال وظُلَل، ورِهَان ورُهُن، وإِنَاث وأُنُث، وزُلُف زُلْف، ونُجُم ونُجْم، وثَمَر وثُمُر، وعَمَد وعُمُد. وقد تأتي القراءة بأكثر من ذلك في نحو: رِجَال ورُجَال ورُجَّال ورُجَّل ورَجْل، وكلها جمع لـ (راجل) أي الماشي على رجليه. ومن ذلك: وُلُد ووُلْد ووَلَد ووَلْد ووِلْد، على ما في ذلك من خلاف. ونحو: لُبَد ولُبْد ولُبَّد ولِبَد. وكما تعددت صيغة الجمع المكسر، تعددت أيضا بعض صيغ جمع المؤنث السالم في نحو: صَدَقَات وصُدْقَات، ونَحِسَات ونَحْسَات.
14 - تأكد من خلال هذا الفصل أن للقراءة القرآنية دورها الواضح في المعجم العربي في مجال المُعَرَّب، حيث حفظت لنا هذه القراءات العديد من لغات العرب وتصرفهم في الكثير من الألفاظ المعربة، نحو: هيت، وصرهن، ومتكا، وغساق، وإستبرق، وجبريل، وميكال، إبراهيم، وزكريا، وآزر. وقد تبين من خلال دراسة الكلمات السابقة أن العرب توسعوا في طرق نطقها مما أثرى المعجم العربي بكثير من المترادفات التي تفتح لمستخدم اللغة باب اختيار اللفظ الذي يسهل عليه نطقه واستخدامه.
15 - إن أصغر وحدة صوتية تؤدي إلى تغاير الكلمات تسمى عند علماء اللغة "فونيم"، وقد يكون الفونيم صوتا أساسيا في الكلمة، نحو: جَاسَ وحَاسَ، فالفرق بينهما فونيم الجيم، وفونيم الحاء. وهذا التغاير تعمد إليه اللغة لتمايز بين الألفاظ؛ لأن الأصل أن يكون لكل لفظ مختلف معنى مختلف، إلا أنه مع هذا الاختلاف قد يحدث الترادف بين الكلمتين كما في (جاس
(1/312)
________________________________________
وحاس)، وليس هناك من شك في أن المعجم قد استفاد من هذا التمايز حيث جعل أساس ترتيب مواده قائما على تمايز أصوات الكلمات.
16 - يكون الفونيم أحيانا صويتا (حركة) مصاحبا للصوت الصامت، فيؤدي تغيره إلى تغير المعنى، وهذا هو الأصل، وأحيانا لا يغير المعنى ويُحْمَلُ على تعدد اللغات في المفردة الواحدة، وحينئذ يكون الثراء المعجمي حاصلا في جانب الألفاظ لا في جانب المعاني.

ثانيا: توصيات الدراسة:
من خلال الدراسة يرى الدارس طرح التوصيات الآتية:
1 - الاستفادة من الدراسات اللغوية للقراءات القرآنية في تقريب الهوة بين شعوب الأمة العربية التي كادت ألا يَفْهَم بعضُها بعضاً نتيجة اختلاف اللهجات. فدراسة الكثير من اللهجات المعاصرة وردها إلى أصولها، وتقديمها للطلاب في معاهدهم الدراسية من خلال القراءات وتناول المعاجم لها تؤدي إلى فهم الكثير من اللهجات المنتشرة في مصر والدول العربية الشقيقة، وحينئذ يكون لها دور اجتماعي هام حيث تؤدي إلى الترابط الاجتماعي، كما تزيل الوحشة عن كثير من اللهجات المنتشرة في الوطن العربي، مما يزيل كثيرا من الفوارق والخلافات التي قد تنشب عن اختلاف اللهجات؛ فشأن هذه الدراسات أن يَعْلَمَ الجميع أن ظاهرة تعدد اللهجات أمر طبيعي، وأن لها أصولا متوارثة ترجع إليها، وقد نزل القرآن الكريم بالكثير منها، وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي أن يستعلي أحد على أحد، ولا يسخر أحد من أحد، ظنا منه أن لهجته هي الأفضل.
2 - إن تعدد اللغات في الأفعال فيه توسعة على الناطقين بالعربية بعيدا عن جفاف قوانين الصرف وصرامتها مما يفتح بابا من أبواب اليسر أمام الجيل
(1/313)
________________________________________
الصاعد، فمثلا: من الممكن ضم القراءات القرآنية المتواترة والشاذَّة، وإعادة الدراسة لبعض الأبواب الصرفية المضطربة، مثل: أبواب الفعل الثلاثي المجرد. فمن المعروف أن أبواب هذا الفعل تتوزع بين الكسر والفتح والضم في كل من الماضي والمضارع دون ضابط صارم. وأكثر الأبواب شيوعًا في اللغة العربية ما كان بفتح العين في الماضي وضمها أو كسرها في المضارع (طبقًا لقاعدة المخالفة). ولكن المتحدث يقف حائرًا- إن لم يرجع إلى المعجم- في كثير من الأحيان، هل يخالف إلى الكسر؟ أو الضم؟.
ومن أمثلة القراءات القرآنية ما يسمح بفتح باب الاختيار في حركة المخالفة، فنكسر أو نضم حسب ما شاع على ألسنة المثقفين، وقَبِلَهُ العُرْفُ اللُّغَوِيُّ الحديث. وقد وردت الأفعال الآتية - وغيرها كثير - بالكسر والضم:
- • {ثُمَّ لَنَنْسُِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (1).
- • {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكُِصُونَ} (2).
- • {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُِدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (3).
- • {لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُِرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (4).
- • {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطُِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} (5).
- • {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُِبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} (6).
وقد مر قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (7)، ورأى القارئ كيف تعددت اللغات في " قنط" ماضيا ومضارعا، وفتح هذا الباب أمام الدارسين فيه توسعة لهم.
3 - يمكن اتخاذ القراءات القرآنية مرتكزًا لتحقيق التيسير، ودليلاً لتصحيح كثير من العبارات والاستعمالات الشائعة الآن، والتي يتحرج المتشددون من استعمالها. ومن ذلك على سبيل المثال:
أالقراءات القرآنية قد اشتملت على شواهد لغوية سكتت المعاجم عن ذكرها. وربما كان أظهر مثال لذلك قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (8)، من الفعل الثلاثي المخفف، فإن معجم التاج قد ذكرها في (ق د ر) أربع مرات مستشهدا على أن "قَدَرَ" بمعنى عَظَّمَ واحْتَرَمَ. ولكن يشيع في لغة العصر الحديث استخدام كلمة: "التَقْدِير" من الفعل المضعف" قَدَّرَ"، بمعنى عظَّم أو احْتَرَمَ. ولكنها لا توجد في المعاجم القديمة بهذا الاستعمال، وعلى الرغم من أن القراءات القرآنية تفيد هذا المعنى وتقوم دليلا عليه، وهي قراءة الحَسَنِ، وعيسى الثَّقَفِيِّ وأبو نوفل وأبو حيوة: {وَمَا قَدَّرُوا اللهَ} بتشديد الدال (9)، قال الزمخشري: "وقرئ بالتشديد على معنى: وَمَا عَظَّمُوهُ كُنْهَ تَعْظِيمِهِ" (10).
ب ضبط الفعل "تَوَفَّى" بالبناء للمعلوم. على الرغم من أن الاستعمال الفصيح هو بناؤه للمجهول فقد جاءت القراءة القرآنية مصححة للنطق الحديث. وذلك في قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى
__________
(1) طه: 67.
(2) المؤمنون: 66.
(3) الفرقان: 17.
(4) الفرقان: 67.
(5) القصص:19.
(6) سبأ: 3.
(7) الحجر:56.
(8) الأنعام: 91.
(9) البحر المحيط: 9/ 389.
(10) الكشاف: 6/ 84.
(1/314)
________________________________________
أَرْذَلِ الْعُمُرِ} (1)، فقد قرأها الأعمش وغيره: {وَمِنْكُمْ مَنْ يَتَوَفَّى}، قال النحاس (2)، وأبو حيان (3): أي يستوفي أجله.
ج تخفيف كلمات مثل "أُمْسِيَة"، و"أُضْحِيَة"، و"أُمْنِيَة". وقد ورد التخفيف في بعض القراءات (4)، مثل: {تِلْكَ أَمَانِِيهِمْ} (5)، و {لَيْسَ بِأَمَانِيكُمْ وَلا أَمَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ} (6)، و {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَتِه} (7).
د يمثل باب العدد مشكلة كبيرة للمتعلم العربي، فتارة يخالف (تذكيرًا وتأنيثًا)، وتارة يوافق، وغير ذلك. وتزداد المشكلة بالنسبة للعدد من ثلاثة إلى عشرة؛ لأن تمييزه جمع، ولا بد من رد الجمع إلى مفرده للحكم بالتذكير أو التأنيث. ويحل المشكلة أن يُنصح المتكلم بأن يقدم المعدود ويؤخر العدد، وحينئذٍ تجوز له المطابقة لأنه نعت، والمخالفة لأنه عدد. وقد جاء بالوجهين قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} (8)، حيث قرئ كذلك {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثلاثًا} (9).
هـ يشيع في العصر الحديث استعمال "كِلا" مع المثنى المؤنث المجازي التأنيث، مثل: "كلا الدولتين"، و"كلا الصحيفتين" ... وقد جاءت القراءة القرآنية لتصحح هذا الاستعمال، وذلك في قوله تعالى: " كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ
__________
(1) الحج: 5.
(2) إعراب القرآن: 2/ 390.
(3) البحر: 6/ 353.
(4) انظر: النشر في القراءات العشر: 2/ 248.
(5) البقرة: 111.
(6) النساء: 123.
(7) الحج: 52.
(8) الواقعة: 7.
(9) مختصر ابن خالويه: 15.
(1/316)
________________________________________
آتَتْ أُكُلَهَا} (1)، فقد قرأها ابن مسعود: {كِلا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا}، قال أبوحيان: "أتى بصيغة التذكير؛ لأن تأنيث الجنتين مجازي" (2).
وتذكر كتب النحو أن من مواضع كسرة همزة "إنّ" وقوعها مفعولا للقول ولكن كثيرًا من المتحدثين يفتحونها الآن. وقد جاء الفتح في بعض القراءات مثل قراءة المُطَوَّعِيِّ (3): {وَلَئِنْ قُلْتَ أَنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ} (4). بفتح الهمزة. قال أبو حيان: "لأن قلت في معنى: ذكرت" (5). ويجوز أن يكون على تقدير حرف الجر. وحذف حرف الجر قياسي مع "أن".
4 - كما توصي الدراسة بالانتباه إلى الأفكار الداعية إلى التقليل من شأن القرآن في بقاء العربية وخلودها، ودراسة اللغة العربية بعيدا عن القرآن؛ لأن في ذلك خطورة عظيمة، فلا حياة للغة بعيدا عن القرآن. وقد تبين من خلال الدراسة جهد علماء العربية في هذه العلوم القرآنية، وأنهم عنوا بها خدمة للقرآن؛ لذلك يجب عند دراسة العربية التلازم بين هذه العلوم، وتآخيها، بحيث يعز على مريد الفصل أن يفصل بينهما. كما يجب الحرص على إعادة الترابط بين علوم القرآن والعربية، من خلال البرامج التربوية والتعليمية.
__________
(1) الكهف: 33.
(2) البحر: 6/ 124.
(3) انظر: معجم القراءات لمختار: 2/ 379.
(4) هود: 7. ورسم المصحف بكسرها: "إنكم".
(5) البحر المحيط: 5/ 205.
(1/317)
________________________________________
فهرس
القراءات القرآنية الواردة فى الدراسة
(1/318)
________________________________________
م ... الآية ... رقمها ... القراءة ... المادة ... الصفحة
سورة الفاتحة
1. ... مالِكِ ... 4 ... ملِكِ ... ملك ... 248
2. ... الصِّرَاطَ ... 6 ... السراط / الزراط ... زرط/صرط ... 119
3. ... الضَّالِّينَ ... 7 ... الضَّأْلِّينَ ... ضلل ... 158
سورة البقرة
4. ... يُخَادِعُونَ ... 9 ... يَخْدَعُونَ ... خدع ... 202
5. ... يَخْدَعُونَ ... 9 ... يُخْدِعُونَ / يُخَادِعُونَ ... خدع ... 203
6. ... مُسْتَهْزِئُونَ ... 14 ... مستهزئون / مُسْتَهْزُونَ / مُسْتَهْزِؤُونَ ... هزأ ... 143
7. ... ظُلُمَاتٍ ... 17 ... ظُلُمَاتٍ ... ترك ... 79
8. ... أَظَلَمَ ... 20 ... أُظْلِمَ ... ظلم ... 172
9. ... يُذَبِّحُون ... 49 ... يَذْبَحُون ... ذبح ... 184
10. ... فَرَقْنَا ... 50 ... فَرَّقْنَا ... فرق ... 189
11. ... وَاعَدْنَا ... 51 ... وَعَدْنَا ... وعد ... 204
12. ... فومها ... 61 ... ثومها ... فوم ... 332
13. ... هُزُوَاً ... 67 ... هُزُؤَاً ... هزأ ... 72
14. ... اِدَّارَأْتُمْ ... 72 ... اِدَّارَأْتُمْ ... درأ ... 108
15. ... يَهْبِطُ ... 74 ... يَهْبُطُ ... هبط ... 51
16. ... غُلْف ... 88 ... غُلُف/غُلَّف ... غلف ... 274
17. ... بُيُوتَاً ... 89 ... بِيُوتَاً ... بيت ... 68
18. ... جبريل/ ... 98 ... جبرائيل/ ميكائيل ... ميكل ... 312 ...
(1/319)
________________________________________
ميكال
19. ... نَنْسَخْ ... 106 ... نُنْسِخْ ... نسخ ... 193
20. ... نُنْسِهَا ... 106 ... نَنْسَاهَا/نُنَسِّهَا/ نُنَسِّهَا/ نَنْسَأُهَا ... نسي ... 194
21. ... خائفين ... 114 ... خُيَّفَاً ... خوف ... 292
22. ... إبراهيم ... 124 ... إبراهام ... برهم ... 315
23. ... مُوَلِّيهَا ... 148 ... مُوَلَّاهَا ... ولي ... 224
24. ... خُطُوَات ... 168 ... خُطُؤَاتِ ... خطأ ... 78
25. ... يُطِيقُونَهُ ... 183 ... يُطَوَّقُونَهُ/ يُطَوَّقُونَه ... طوق ... 173
26. ... شَهْرُ رَمَضَانَ ... 185 ... شَهْر رَّمَضَانَ ... روم ... 87
27. ... ظُلَلٍ ... 210 ... ظِلَالٍ ... ظلل ... 277
28. ... كُرْهٌ ... 216 ... كَرْهٌ ... كره ... 334
29. ... يَطْهُرْنَ ... 222 ... يَطَّهَّرْنَ/ يتَطَهَّرْنََ ... طهر ... 211
30. ... رِجَالَا ... 239 ... رُجَّلَاً/فرُجَلاً /فَرَجْلاً ... رجل ... 276
31. ... بَصْطَةً ... 247 ... بَسْطَةً ... بسط/ ... 119 ...
بصط
32. ... بُهِتَ ... 258 ... بَهَتَ/بَهُتَ/بَهِتَ ... بهت ... 174
33. ... يَتَسَنَّهْ ... 259 ... يَتَسَنَّهْ ... سنه ... 165
34. ... نُنْشِزُهَا ... 259 ... نُنْشِرُهَا ... نشز ... 327
35. ... فَصُرْهُنَّ ... 260 ... صِرْهُنَّ/صُرَّهُنَّ/صِرَّهُنَّ ... صرر ... 362
36. ... صَدَقَاتِكُمْ ... 264 ... صَدَقَاتِكُمْ ... منن ... 56
37. ... فَنِعِمَّا ... 271 ... فَنَعِمَّا ... نعم ... 62
38. ... رِهَان ... 283 ... رُهُن ... رهن ... 278
آل عمران
39. ... تُزِغْ قُلُوبَنَا ... 8 ... تَزُغْ قُلُوبُنَا ... زوغ ... 196 ...
(1/320)
________________________________________
40. ... زكريا ... 37 ... زكرياء ... زكر ... 318
41. ... تَدَّخِرُونَ ... 49 ... تَدَّخِرُونَ ... ذخر ... 103
42. ... النَّبِيّ ... 68 ... النَّبِيّ ... نبأ ... 139
43. ... يُؤَدِّهِ ... 75 ... يُؤَدِّهِ ... ها ... 63
44. ... مُسَوَّمِينَ ... 125 ... مُسَوِّمِينَ ... سوم ... 226
45. ... القَرْح ... 140 ... القُرْح ... قرح ... 336
46. ... نُؤْتِهِ ... 145 ... نُؤْتِهِ ... ها ... 63
47. ... رِبِّيُّونَ ... 146 ... رِبِّيُّونَ ... ربب ... 258
48. ... تُصْعِدُونَ ... 153 ... تَصْعَدُونَ ... صعد ... 197
49. ... يَغُلَّ ... 161 ... يُغَلَّ ... غلل ... 219
50. ... يَمِيزَ ... 179 ... يُمَيِّزَ ... ميز ... 220
سورة النساء
51. ... صَدُقَاتِهِنَّ ... 4 ... صُدْقَات/صُدُقَات ... صدق ... 269 ...
صُدْقَتهن/صَدْقاتِهِن
52. ... وَسَيَصْلَوْنَ ... 10 ... وَسَيُصَلَّوْنَ ... صلي ... 218
53. ... يُرَثُ ... 12 ... يُورِثُ /يُوَرِّثُ ... ورث ... 177
54. ... كَرْهاً ... 19 ... كُرْهاً ... كره ... 333
55. ... المُحْصَنَاتُ ... 24 ... المُحْصِنَاتُ ... حصن ... 236
56. ... أُحْصِنَّ ... 25 ... أَحْصَنَّ ... حصن ... 178
57. ... نُصْلِيهِ ... 30 ... نُصَلِّيهِ ... صلى ... 217
58. ... عَقَدَتْ ... 33 ... عَقَّدَتْ/ عَاقَدَتْ ... عقد ... 220
59. ... لامَسْتُم ... 43 ... لَمَسْتُم ... لمس ... 207
60. ... نُوَلِّهِ، نُصْلِهِ ... 115 ... نُوَلِّهِ، نُصْلِهِ ... ها ... 64
61. ... تَلْوُوا ... 135 ... تَلْؤُوا/تلوا ... لوي ... 364 ...
(1/321)
________________________________________
62. ... إِنَاث ... 117 ... أُنُث ... أنث ... 280
سورة المائدة
63. ... شَنَآنُ ... 2 ... شَنْآنُ ... شنأ ... 48
64. ... حَبِطَ ... 5 ... حَبَطَ ... حبط ... 46
65. ... قَاسِيَةً ... 13 ... قَسِيَّةً ... قسو ... 250
66. ... السُّحْتِ ... 42 ... السُّحُتِ ... سحت ... 70
67. ... تَنْقِمُونَ ... 59 ... تَنْقَمُونَ ... نقم ... 50
68. ... عَبَدَ ... 60 ... عُبِّدَ ... عبد ... 28
سورة الأنعام
69. ... يُنْفَخُ ... 73 ... يَنْفُخُ ... صور ... 180
70. ... الصُّورِ ... 73 ... الصُّوَرِ ... صور ... 367
71. ... آزَرَ ... 74 ... آزَرَ ... أزر ... 317
72. ... اِقْتَدِهْ ... 90 ... اِقْتَدِهْ ... سنه ... 165
73. ... خَرَقُوا ... 100 ... خَرَّقُوا ... خرق ... 187
74. ... دَرَسْتَ ... 105 ... دَارَسْتَ/دَارَسَتْ/دَارَسَ ... درس ... 208
75. ... يَصَّعَّدُ ... 125 ... يَصَّاعَدُ ... صعد ... 214
76. ... فَرَّقُوا ... 159 ... فَرَقُوا ... فرق ... 189
سورة الأعراف
77. ... معايش ... 10 ... معائش ... عيش ... 135
78. ... وُورِيَ ... 20 ... وُرِّيَ ... وري ... 215
79. ... يَخْصِفَانِ ... 22 ... يَخْصِّفَانِ/ يَخِصِّفَانِ ... خصف ... 54،57،67،83 ...
يَخَصِّفَانِ/ يُخْصِفَانِ ...
(1/322)
________________________________________
، 106،198، 213
80. ... يَعْرِشُونَ ... 135 ... يَعْرُشُونَ ... عرش ... 51
81. ... يَعْكِفُونَ ... 138 ... يَعْكُفُونَ ... عكف ... 22
82. ... أَرْجِهْ ... 111 ... أَرْجِئْهُ ... رجأ ... 145
83. ... بَئِيسٍ ... 165 ... بَئِيسٍ/بِئِيسٍ/بِئْسٍ/ بِيسٍ ... بئس ... 146
سورة الأنفال
84. ... مُرْدِفِينَ ... 9 ... مُرَدِّفِينَ ... ردف ... 54
85. ... حَيَّ ... 42 ... حَيِيَ ... حيي ... 109
86. ... نَكِصَ ... 48 ... نَكُصَ ... نكص ... 51
سورة التوبة
87. ... اثَّاقَلْتُمْ ... 38 ... اثَّاقَلْتُمْ ... ثقل ... 108
88. ... يَلْمِزُكَ ... 58 ... يَلْمُزُكَ ... لمز ... 51
89. ... جُهْدَهُمْ ... 79 ... جَهْدَهُمْ ... جهد ... 338
90. ... الْمُعَذِّرُونَ ... 90 ... الْمُعْذِرُونَ ... عذر ... 105
91. ... مُرْجَوْنَ ... 106 ... مُرْجِئُونَ ... رجأ ... 145
سورة يونس
92. ... أَدْرَاكُم ... 16 ... أَدْرَأَكُم ... دري ... 137
93. ... فَزَيَّلْنَا ... 28 ... فَزَايَلْنَا ... زيل ... 215
94. ... يَهِدِّي ... 35 ... يَهْدِّي/ يَهَدِّي/ يِهِدِّي ... هدي ... 53،57، ...
(1/323)
________________________________________
83،105
سورة هود
95. ... بَادِيَ ... 27 ... بَادِئ ... بدو ... 135
96. ... ضَحِكَتْ ... 71 ... ضَحَكَتْ ... ضحك ... 48
97. ... تَرْكَنُوا ... 113 ... تِرْكَنُوا ... تلل ... 92
98. ... فَتَمَسَّكُمُ ... 113 ... فَتِمَسَّكُمُ ... تلل ... 92
99. ... زُلَفَاً ... آية / 114 ... زُلُفَاً ... زلف ... 281
سورة يوسف
100. ... يُوسُف ... 7 ... يُؤْسِف ... أسف ... 157
101. ... تَأْمَنَّا ... 10 ... تِأْمَنَّا ... تلل ... 13
102. ... هَيْتَ ... 23 ... هِئْتُ ... هيت ... 305
103. ... شَغَفَهَا ... 30 ... شَغِفَهَا/ شَعَفَهَا ... شغف ... 322
104. ... مُتَّكَأً ... 31 ... مُتَّكَاً ... متك ... 308
105. ... حتى ... 35 ... عتى ... حتت/عتت ... 124
106. ... يَعْصِرُون ... 49 ... يُعْصَرُونَ ... عصر ... 175
107. ... سَرَقَ ... 81 ... سُرِّقَ ... سرق ... 177
108. ... يَيْأَسُ ... 87 ... يِيْأَسُ ... يأس ... 92
سورة الرعد
109. ... مُعَقِّبَات ... 11 ... مَعَاقِيب ... عقب ... 295
سورة إبراهيم
110. ... تَهْوِي ... إبراهيم:37 ... تَهْوَى ... إلى ... 369
سورة الحجر ...
(1/324)
________________________________________
111. ... نَحْنُ نَزَّلْنَا ... 9 ... نَحْن نَّزَّلْنَا ... روم ... 15
112. ... المُخْلَصِينَ ... 40 ... المُخْلِصِينَ ... خلص ... 229
113. ... القانطين ... 55 ... القنطين ... قنط ... 252
114. ... يَقْنَطُ ... 56 ... يَقْنِطُ/يَقْنُطُ ... قنط ... 49
سورة النحل
115. ... بِشِقِّ ... 7 ... بِشَقِّ ... شقق ... 343
116. ... نَجْم ... 16 ... نُجُم ... نجم ... 283
117. ... مُفْرَطُونَ ... 62 ... مُفْرِطُونَ ... فرط ... 234
118. ... ظَعْنِكُم ... 80 ... ظَعَنِكُم ... ظعن ... 54
119. ... ضَيْقٍ ... 127 ... ضِيقٍ ... ضيق ... 345
سورة الإسراء
120. ... فجاسوا ... 5 ... فحاسوا ... جوس/حوس ... 323
121. ... أَمَرْنَا ... 16 ... أَمَّرْنَا/ آمَرْنَا ... أمر ... 187
122. ... الذُّلِّ ... 24 ... الذِّلِّ ... ذلل ... 353
سورة الكهف
123. ... تَزَاوَرُ ... 17 ... تَزَّاوَرُ ... زور ... 108
124. ... ثَمَر ... 34 ... ثُمُر ... ثمر ... 284
125. ... عُقُبَاً ... 44 ... عُقْبَاً ... عقب ... 76
126. ... يَنْقَضَّ ... 77 ... يَنْقَاضَ/يَنْقَاصَ ... قيض ... 326
127. ... لَاتَّخَذْتَ ... 77 ... لَتَخِذْتَ/لَتَخَذْتَ ... أخذ ... 360
128. ... رُحْمَاً ... 81 ... رُحُمَاً ... رحم ... 77
129. ... حَامِئَةٍ ... 86 ... حَمِئَةٍ ... حمأ ... 239
130. ... السَّدَّيْنِ ... 93 ... السُّدَّيْنِ ... سدد ... 341 ...
(1/325)
________________________________________
131. ... اسْطَاعُوا ... 97 ... اسْطَّاعُوا ... طوع ... 84
سورة مريم
132. ... عِتِيَّاً ... 8 ... عُتِيَّاً ... عتو ... 60
133. ... المَخَاض ... 23 ... المِخَاض ... مخض ... 52
134. ... تَسَاقَطُ ... 25 ... تَسَّاقَطُ ... سقط ... 108
135. ... بُكِيَّاً ... 58 ... بِكِيَّاً ... بكي ... 60
136. ... صِلِيَّاً ... 70 ... صُلِيَّاً ... صلي ... 60
137. ... جِثِيَّا ... 72 ... جُثِيّ ... جثو ... 60
سورة طه
138. ... أَهُشُّ ... 18 ... أَهِشُّ ... هشش ... 51
139. ... سؤلك ... 36 ... سولك ... سأل ... 151
140. ... لَنَنْسِفَنَّهُ ... 67 ... لَنَنْسُفَنَّهُ ... نسف ... 384
141. ... يَحِل/يَحْلِلْ ... 81 ... يَحُل/يَحْلُلْ ... حلل ... 370
142. ... زَهْرَةَ ... 131 ... زَهَرَةَ ... زهر ... 55
سورة الأنبياء
143. ... يَكْلَؤُكُمْ ... 42 ... يَكْلُوكُمْ ... كلأ ... 147
144. ... جُذَاذَاً ... 58 ... جِذَاذَاً ... جذذ ... 285
145. ... فِعْلَ ... 73 ... فَعْلَ ... فعل ... 23
146. ... رَغَبَاً وَرَهَبَاً ... 90 ... رُغْبَاً وَرُهْبَاً ... رغب ... 47
147. ... حَصَبُ ... 98 ... حَطَبُ ... حصب ... 329
سورة الحج
148. ... معاجزين ... 51 ... معجزين ... عجز ... 264
149. ... مَنْسَكَاً ... 67 ... مَنْسِكَاً ... نسك ... 348
سورة المؤمنون ...
(1/326)
________________________________________
150. ... تَهْجُرُونَ ... 67 ... تُهْجِرُونَ ... هجر ... 199
سورة النور
151. ... تَلَقَّوْنَهُ ... 15 ... تَأْلِقُونَهُ/تَلِقُونَهُ ... ولق ... 372
152. ... يَأْتَلِ ... 22 ... يتَأَلَّ ... ألو ... 373
153. ... جُيُوب ... 31 ... جِيُوب ... جيب ... 69
154. ... مُبَيِّنَاتٍ ... 34 ... مُبَيَّنَاتٍ ... بين ... 230
سورة الفرقان
155. ... يَقْتِرُوا ... 67 ... يَقْتُرُوا ... قتر ... 383
سورة الشعراء
156. ... حَاذِرُونَ ... 56 ... حَذِرُونَ ... حذر ... 241
157. ... فَارِهِينَ ... 149 ... فَرِهِينَ ... فره ... 243
158. ... الشياطين ... 210 ... الشياطون ... شوط ... 293
سورة النمل
159. ... مَكَثَ ... 22 ... مَكُثَ ... مكث ... 44
160. ... ساقيها ... 44 ... سأقيها ... سأق ... 158
161. ... تُكَلِّمُهُمْ ... 82 ... تَكْلِمُهُمْ ... كلم ... 375
سورة القصص
162. ... فارغا ... 10 ... فرغا ... فرغ ... 253
163. ... خَسَفَ ... 82 ... خُسِفَ ... خسف ... 180
سورة الروم
164. ... ضَعْفٍ ... 54 ... ضُعْفٍ ... ضعف ... 339
سورة السجدة
165. ... ضَلَلْنَا ... :10 ... صَلَلْنَا/صَلِلْنَا ... ضلل ... 325
سورة الأحزاب ...
(1/327)
________________________________________
166. ... سُئِلُوا ... 14 ... سُولُوا ... سأل ... 152
167. ... يُضُاعُفْ ... 30 ... يُضَاعَفْ ... ضعف ... 181
168. ... تُرْجِي ... 51 ... تُرْْجِئُ ... رجأ ... 145
سورة سبأ
169. ... مِنْسَأَتَهُ ... 14 ... مِنْسَاتَهُ ... نسأ ... 148
170. ... أَضَلُّ ... 50 ... إِضَلُّ ... ضلل ... 92
171. ... التَّنَاوُشُ ... 52 ... التَّنَاؤُشُ ... نوش ... 155
سورة فاطر
حَسَرَاتٍ ... 8 ... حَسَرَاتٍ ... بخع ... 56
يُنْقَصُ ... 11 ... يَنْقُصُ ... نقص ... 182
سورة يس
172. ... يَخِصِّمُونَ ... 49 ... يَخْصِّمُونَ ... خصم ... 54/ 58/ ...
83/ 106
173. ... فَاكِهِينَ ... 55 ... فَكِهِينَ ... فكه ... 245
174. ... ظِلَالٍ ... 56 ... ظُلَلٍ ... ظلل ... 275
سورة الصافات
175. ... يَسَّمَّعُونَ ... 8 ... يَسْمَعُونَ ... سمع ... 209
176. ... مُطَّلِعُونَ ... 54 ... مُطْلِعُونَ ... طلع ... 266
177. ... فَاطَّلَعَ ... 55 ... فَاطَّلَعَ ... طلع ... 102
سورة ص
178. ... فَوَاقٍ ... 15 ... فُوَاقٍ ... فوق ... 355
179. ... تُشْطِطْ ... 22 ... تَشْطُطْ/تُشَاطِطْ/ ... شطط ... 201/ 216 ...
(1/328)
________________________________________
تُشَطِّطْ
180. ... بِالسُّوقِ ... 33 ... بِالسُّؤْقِ ... سأق ... 157
181. ... غَسَّاقٌ ... 57 ... غَسَاقٌ ... غسق ... 309
سورة غافر
182. ... شُيُوخَاً ... 67 ... شِيُوخَاً ... شيخ ... 68
سورة فصلت
183. ... نَحِسَاتٍ ... 16 ... نَحْسَاتٍ ... نحس ... 271
سورة الزخرف
184. ... سِخْرِيَّاً ... 32 ... سُخْرِيَّاً ... سخر ... 71
185. ... يَصِدُّونَ ... 57 ... يَصُدُّونَ ... صدر ... 51
186. ... العَابِدِينَ ... 81 ... العَبِدِينَ ... عبد ... 23
سورة الدخان
187. ... نَبْطِشُ ... 16 ... نَبْطُشُ ... بطش ... 51
188. ... آنفا ... محمد: 16 ... أنفا ... أنف ... 253
189. ... تَوَلَّيْتُم ... 22 ... تُوُلِّيْتُم ... ولي ... 254
190. ... فَآزَرَهُ ... الفتح: 29 ... فَأَزَرَهُ ... أزر ... 201
سورة ق
191. ... يَلْفِظُ ... 18 ... يَلْفَظُ ... لفظ ... 50
192. ... نَقَّبُوا ... 36 ... نَقَبُوا ... نقب ... 191
193. ... أَفَتُمَارُونَهُ ... النجم: 12 ... أَفَتَمْرُونَهُ ... مرى ... 375
194. ... ضِيزَى ... 22 ... ضِئْزَى ... ضأز ... 149
195. ... عُيُون ... القمر:12 ... عِيُون ... عين ... 69
196. ... مُدَّكِرٍ ... 15 ... مُدَّكِرٍ ... دكر ... 103
197. ... المُحْتَظِرِ ... 31 ... المُحْتَظَرِ ... حظر ... 231 ...
(1/329)
________________________________________
198. ... يَخْرُجُ ... الرحمن: 22 ... يُخْرَجُ ... مرج ... 182
199. ... المُنْشَآتُ ... 24 ... المُنْشِآتُ ... نشأ ... 235
200. ... سَنَفْرُغُ ... 31 ... سَنَفْرَغُ ... فرغ ... 45
201. ... جَان ... 39 ... جَأْنٌّ ... جنن ... 159
202. ... استبرق ... 54 ... إستبرق ... برق ... 311
203. ... يَطْمِثْهُنَّ ... 56 ... يَطْمُثْهُنَّ ... طمث ... 52
204. ... المُصَّدِّقَات ... الحديد: 18 ... المُصَدِّقَات ... صدق ... 261/ 270
205. ... انْشُزُوا ... المجادلة:11 ... انْشِزُوا ... نشز ... 328
206. ... خُشُبٌ ... المنافقون: 4 ... خُشْبٌ ... خشب ... 73
207. ... نَصُوحَاً ... التحريم: 8 ... نُصُوحَاً ... نصح ... 70
208. ... سُحْقَاً ... الملك: 11 ... سُحُقَاً ... سحق ... 76
209. ... كِتَابِيَهْ ... الحاقة: 25 ... كِتَابِيَهْ ... ها ... 165
210. ... حِسَابِيَهْ ... 26 ... حِسَابِيَهْ ... ها ... 165
211. ... القَاضِيَهْ ... 27 ... القَاضِيَهْ ... ها ... 165
212. ... مَالِيَهْ ... 28 ... مَالِيَهْ ... ها ... 165
213. ... سُلْطَانِيَهْ ... 29 ... سُلْطَانِيَهْ ... ها ... 165
214. ... سَأَلَ ... المعارج:1 ... سَالَ ... سأل ... 151
215. ... نُصُبٍ ... 43 ... نُصْبٍ ... نصب ... 74
216. ... وَلَدُهُ ... نوح: 21 ... وُلْدُهُ/ وِلْدُهُ ... ولد ... 287
217. ... لِبَدَا ... الجن: 19 ... لُبَّدَاً/لُبُدَاً ... لبد ... 288
218. ... مُسْتَنْفِرَةٌ ... المدثر:50 ... مُسْتَنْفَرَةٌ ... نفر ... 233
219. ... بَرِقَ ... القيامة: 7 ... بَرَقَ ... برق ... 357
سورة المرسلات ...
(1/330)
________________________________________
220. ... أُقِّتَتْ ... 11 ... وُقِّتَتْ ... وقت ... 156
221. ... جِمَالَة ... 33 ... جمِاَلَات/جُمَالَات ... جمل ... 297
222. ... لابِثِينَ ... النبأ:23 ... لَبِثِينَ ... لبث ... 245
223. ... نخرة ... النازعات:11 ... ناخرة ... نخر ... 254
224. ... يَذَّكَّرُ ... عبس: 4 ... يَذَّكَّرُ ... ذكر ... 108
225. ... كشطت ... التكوير: 11 ... قشطت ... قشط ... 123
226. ... بمسيطر ... الغاشية: 22 ... بمصيطر ... سطر ... 120
227. ... تَحَاضُّون ... الفجر: 18 ... تُحَاضُّون/يُحَاضُّونَ/ تَحُضُّونَ ... حضض ... 214/ 220
228. ... وَدَّعَكَ ... الضحى:3 ... وَدَعَكَ ... ودع ... 192
229. ... تقهر ... 9 ... تكهر ... كهر ... 123
230. ... مَطْلَعِ ... القدر: 5 ... مَطْلِعِ ... طلع ... 351
231. ... الْبَرِيَّةِ ... البينة: 6 ... البريئة ... برأ ... 152
232. ... يَصْدُرُ ... الزلزلة: 6 ... يَزْدُرُ ... زدر ... 119
233. ... لِرَبِّهِ ... العاديات: 6 ... لِرَبِّهِ ... ها ... 64
234. ... بعثر ... 9 ... بحثر ... بحثر ... 125
235. ... ما هِيَهْ ... القارعة:10 ... ما هِيَهْ ... ها ... 165
236. ... مُؤْصَدَةٌ ... الهمزة:8 ... مُوصَدَةٌ ... وصد ... 153
237. ... عَمَدٍ ... 9 ... عُمُدٍ ... عمد ... 290
238. ... كُفْوَاً ... الإخلاص: 4 ... كُفُؤَاً ... كفأ ... 72
(1/331)
________________________________________
المصادر والمراجع
(1/332)
________________________________________
أولا: المصادر:
(أ)
1 - ابن الأثير الجزري: المبارك بن محمد بن عبد الكريم (ت: 606هـ).
• النهاية في غريب الحديث والأثر. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي. دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د ت).
2 - الأخفش الأوسط: أبو الحسن سعيد بن مسعدة (ت215هـ).
• معاني القرآن. تحقيق د: هدى محمود قراعة. مكتبة الخانجي، القاهرة،1990م.
3 - الأزهري: خالد بن عبد الله الأزهري الجرجاوي (ت: 905هـ).
• شرح التصريح على التوضيح لألفية ابن مالك في
النحو. دار إحياء الكتب العربية للبابي الحلبي،
القاهرة، (د. ت).
4 - الأزهري: أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة بن نوح (ت370هـ).
•تهذيب اللغة. حققه وقدم له عبد السلام هارون، وآخرون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، القاهر، 1964م.
• معاني القراءات. تحقيق وتعليق: الشيخ: أحمد فريد المزيدي. دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، ط1، 1999م.
5 - الإستراباذي: رضي الدين محمد بن الحسن (ت 688هـ).
• شرح شافية ابن الحاجب، تحقيق: محمد نور الحسن، ومحمد الزفاف، ومحمد محيي الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (د. ت).
6 - الأصفهاني: الحسين بن محمد بن المفضل، الراغب (ت500هـ).
• مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان داودي، دار القلم، دمشق، ط3، 1997م.
7 - ديوان الأعشى ميمون بن قيس، شرح وتعليق: محمد حسين، المطبعة النموذجية، القاهرة، (د ت).
8 - الألوسي: أبو الثناء محمود بن عبد الله الحسيني (ت: 1854م).
•روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. ت)
9 - الأنباري: أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن سعيد (ت:577هـ).
• الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 2002م.
(ب)
10 - البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (149 - 256هـ).
• الجامع الصحيح. تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الإيمان بالمنصورة، 1998م.
11 - البصري: أبو الحسن علي بن أبي الفرج (ت 656هـ).الحماسة البصرية، تحقيق: عادل سليمان جمال. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1999م.
12 - البغدادي: عبد القادر بن عمر الأديب اللغوي (ت 1093هـ).
• خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تحقيق عبد السلام هارون مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1981 م.
13 - البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود (ت: 516هـ).
•معالم التنزيل، تحقيق محمد عبد الله النمر وآخرين، دار طيبة للنشر والتوزيع، القاهرة، ط 4، 1997م.
14 - البكري: عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري (ت: 487هـ).
• سمط اللآلي (شرح أمالي القالي)، تحقيق عبد العزيز الميمني مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1936م.
15 - البيضاوي: ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد (ت: 692هـ).
• أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار الفكر، بيروت (د. ت).
(ت)
16 - الترمذي: محمد بن عيسى بن سوره الضرير (ت 279هـ).
• سنن الترمذي. تحقيق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، (د. ت).
(ج)
17 - الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصري (ت: 255هـ).
• البيان والتبيين. تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط5، 1985م.
• الحيوان. تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط1966،2م.
18 - ابن الجزري: أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي (833هـ).
• النشر في القراءات العشر. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2002م.
•غاية النهاية في طبقات القراء. تحقيق: ج. برجستراسر. دار الكتب العلمية، بيروت، ط2: 1400هـ / 1980م.
19 - الجمحي: أبو عبد الله محمد بن سلام الجمحي (ت 231هـ)
• طبقات فحول الشعراء. تحقيق: الشيخ محمود شاكر، توزيع دار المعرف، القاهرة، 1974م.
20 - الجواليقي: أبو منصور موهوب بن أحمد البغدادي (ت539 هـ)
• المُعَرَّبُ من الكلام الأعجمي على حروف المعجم. تحقيق أحمد محمد شاكر، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط 2، 1969م.
21 - الجوهري: أبو منصور إسماعيل بن حماد (ت 393هـ).
• الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1979م.
(ح)
22 - ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد الرازي ت327هـ.
• تفسير ابن أبي حاتم، دار الفكر، بيروت، (د ت).
23 - الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله، محمد بن عبد الله (ت:405هـ).
• المستدرك على الصحيحين، دار الكتاب العربي، بيروت (د. ت).
24 - ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي (ت 456 هـ).
• جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون. نشر
دار المعارف بمصر، 1382هـ.
25 - ابن حسنون: أبو أحمد عبد الله بن الحسين السامري (386 هـ).
• اللغات في القرآن الكريم، مطبعة السعادة، القاهرة 1320هـ.
26 - ابن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت: 241هـ).
•المسند. مطبعة بولاق، القاهرة، 1313 هـ.
27 - أبو حيان: محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي (ت:745هـ)
• البحر المحيط. مطبعة السعادة، القاهرة، 1328هـ.
(خ)
28 - ابن خالويه: أبو عبد الله الحسين بن أحمد الهمذاني (370هـ).
• إعراب القراءات السبع وعللها، تحقيق عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة،1992م.
• مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع. مكتبة المتنبي، القاهرة، (د ت).
29 - ابن خلف المقرئ: إسماعيل بن خلف بن سعيد (ت 455هـ).
• العنوان في القراءات السبع، تحقيق خالد حسن أبو الجود، دار الإمام البخاري، القاهرة، (د ت).
30 - ابن خلكان: أبو العباس أحمد بن محمد.
• وفيات الأعيان. تحقيق: إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1970.
(د)
31 - الداني: أبو عمرو عثمان بن سعيد (ت 444هـ).
• التيسير في القراءات السبع، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404هـ.
32 - ابن دريد: محمد بن الحسن بن دريد نزيل بغداد (223 - 321هـ).
• الجمهرة، مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد، 1344هـ.
33 - الدويني: جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمرو (ت:646هـ).
• الشافية في علم التصريف. تحقيق: أحمد حسن العثمان. المكتبة الملكية، مكة، ط1، 1415هـ - 1995م.
34 - الدمياطي: أحمد بن محمد بن عبد الغني (ت: 1117هـ).
• إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر. دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م.
(ذ)
35 - الذهبي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت: 748 هـ).
• معرفة القراء. تحقيق: محمد سيد جاد الحق. مطبعة دار النشر والتأليف، القاهرة، (د. ت).
• سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، بيروت،
الطبعة العاشرة، 1414هـ.
(ر)
36 - الرازي: فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين بن علي (ت606هـ).
• مفاتيح الغيب. دار الغد العربي، القاهرة،1991م.
(ز)
(1/333)
________________________________________
37 - الزبيدي: المرتضى: محمد بن محمد بن عبد الرزق (ت 1205هـ).
• تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق عبد الستار فراج وآخرين، ط الحكومة الكويتية (1960 - 2001م).
38 - الزجاج: أبو إسحاق إبراهيم بن السري (ت 310هـ).
• معاني القرآن وإعرابه، عالم الكتب، بيروت،1988م.
39 - الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله (ت 964هـ).
• البرهان في علوم القرآن، تحقيق: مصطفى
عبد القادر عطا، دار الفكر، بيروت، ط1، (1988م).
40 - الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر (ت: 538هـ).
• الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. دار الفكر، بيروت، (د. ت).
• المفصل، تحقيق علي بو ملحة. مكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1993م.
41 - الزنجاني: أبو عبد الله الزنجاني.
• تاريخ القرآن، تحقيق: محمد عبد الرحيم، دار الحكمة دمشق، ط:1، 1410هـ.
42 - ابن زنجلة: أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد (ت 403هـ).
• حجة القراءات. تحقيق: سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، ط2 (1979م).
(س)
43 - ابن السراج: أبو بكر محمد بن سهل النحوي (ت: 316هـ)
• الأصول في النحو. تحقيق: عبد الحسين الفتلي مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1988م.
44 - ابن السِّكِّيت: أبو يوسف يعقوب بن إسحاق البغدادي (ت: 246)
• إصلاح المنطق، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط4، (د. ت)
45 - ابن السمين الحلبي: أحمد بن يوسف بن عبد الدايم (ت756هـ).
• الدر المصون في علم الكتاب المكنون، مطبعة الترقي، دمشق، 1945 م.
46 - سيبويه: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180هـ).
• الكتاب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل بيروت، (د. ت).
47 - ابن سيده: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأندلوسي (ت: 458هـ)
• المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، (1958م).
• المخصص، قدم له إبراهيم جفال، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، ط1، 1417هـ.
48 - السيوطي: جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر (ت: 911هـ).
• كتاب الاقتراح في علم أصول النحو، تحقيق محمود سليمان
ياقوت، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2006م.
• همع الهوامع شرح جمع الجوامع، دار المعرفة، بيروت (د. ب)
• المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح وتصحيح: محمد أحمد جاد المولى، وعلي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، القاهرة، ط2، (د. ت).
• الإتقان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1996م.
• المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب. دار المعرفة، بيروت (د. ت).
• الدر المنثور في التفسير المأثور، دار الفكر، بيروت، ط1، 1403هـ.
(ش)
49 - أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم (ت:665هـ).
• إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، دار الكتب العلمية، (د ت)
(ص)
50 - الصغاني: أبو العباس الحسن بن محمد (ت: 650هـ).
• العباب الزاخر واللباب الفاخر. تحقيق فير محمد حسن،
مطبعة المجمع العلمي العراقي، ط1، 1398هـ.
(ط)
51 - الطبراني: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي (ت:360 هـ).
• المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، (د. ت).
(1/337)
________________________________________
52 - الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 336هـ).
• جامع البيان عن تأويل آي القرآن. دار المعارف، القاهرة، (د. ت)
53 - الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد (ت: 321هـ).
• شرح مشكل الآثار. تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، سنة 1994م.
54 - أبو الطيب اللغوي: عبد الواحد بن علي الحلبي (ت:351).
• مراتب النحويين. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، (د. ت).
(ع)
55 - ابن عادل: أبو حفص عمر بن علي بن عادل النعماني (ت890هـ).
• اللباب في علوم الكتاب، مطبعة الإرشاد، بغداد، (د. ت).
56 - ابن عبد ربه: أحمد بن محمد بن حبيب القرطبي (ت: 328 هـ).
• العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين. مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، (د. ت).
57 - أبو عبيدة: معمر بن المثنى التميمي (ت: 203هـ).
• مجاز القرآن، تحقيق محمد فؤاد سزكين. مكتبة الخانجي، القاهرة (د. ت).
58 - العسكري: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد (ت 395هـ).
• معجم الفروق اللغوية الحاوي لكتاب أبي هلال، وجزء من كتاب: "فروق اللغات" لنور الدين بن نعمة الله الجزائري (ت: 1158هـ)، مؤسسة النشر الإسلامي، قُمّ المقدسة، ط1،1412هـ.
• جمهرة الأمثال. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش. دار الجيل، بيروت، ط2، 1988م.
59 - العكبري: أبو البقاء عبد الله بن الحسين (ت: 616هـ).
• التبيان في إعراب القرآن. تحقيق: علي محمد البجاوي. دار الجيل، بيروت (د. ت).
60 - أبو علي الفارسي: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (ت:377هـ)
• الحجة للقراء السبعة. دار الكتب العلمية، بيروت (2001م).
• المسائل العضديات، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ط 1، (1986م).
(ف)
(1/339)
________________________________________
61 - ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت: 395هـ).
• مقاييس اللغة، تحقيق الشيخ عبد السلام هارون، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، الطبعة الثالثة 1981م.
62 - الفراء: أبو زكريا يحيي بن زياد الفراء (ت: 207هـ).
• معاني القرآن، تحقيق: محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي، عالم الكتب، بيروت، ط2،1983م.
63 - أبو الفتح: عثمان بن جني (ت 392هـ).
• المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها. تحقيق: على النجدي ناصف، وعبد الحليم النجار، وعبد الفتاح شلبي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، القاهرة (2004م).
• الخصائص، تحقيق محمد علي النجار. المكتبة العلمية، القاهرة، (د. ت).
• سر صناعة الإعراب. تحقيق: حسين هنداوي. دار القلم، دمشق، (1985م).
64 - الفراهيدي: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم (ت:170هـ).
• كتاب العين، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي. منشورات دار الهجرة، إيران، ط1، 1405هـ.
65 - أبو الفرج الأصفهاني: علي بن الحسين القرشي الأموي (ت:356هـ).
• الأغاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط2،1997م.
الفيروز آبادي: محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي (ت: 817هـ).
• بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق: محمد علي النجار، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1964م.
(ق)
66 - ابن القاصح: علي بن عثمان بن محمد بن أحمد (ت 801 هـ).
• سراج القارئ المبتدئ وتذكرة المقرئ المنتهي، وهو شرح على الشاطبية، راجعه: علي محمد الضباع، طبعة دارالفكر للنشر، بيروت، (د. ت).
67 - ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت:276هـ).
• أدب الكاتب، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، (1986م).
• المعاني الكبير، حيدر آباد، الهند، 1949م.
68 - القرشي: أبو زيد محمد بن أبي الخطَّاب القرشي (ت:170هـ)
• جمهرة أشعار العرب، تحقيق محمد علي البجاوي، نهضة مصر، القاهرة، 1981م.
69 - القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671هـ).
• الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، (1988م).
70 - القسطلاني: شهاب الدين أحمد بن محمد (ت:923هـ).
• لطائف الإشارات لفنون القراءات، تحقيق عامر السيد عثمان وعبد الصبور شاهين، الجزء الأول، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة (1972م).
(م)
71 - ابن مالك: أبو عبد الله محمد بن محمد (ت686هـ).
• شرح الكافية الشافية. تحقيق: عبد المنعم أحمد هريدي. دار المأمون، دمشق، (1982م).
72 - المبرد: أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي (ت285هـ).
• كتاب المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، القاهرة، (1994م).
• الكامل في اللغة والأدب، تحقيق: محمد أحمد الدالي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط3، 1997م.
73 - ابن مجاهد: أبو بكر أحمد بن موسى التميمي البغدادي (ت:324هـ).
• كتاب السبعة في القراءات. تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1972م.
74 - مسلم بن الحجاج: أبو الحسين القشيري النيسابوري (ت261هـ).
• المسند الصحيح. تحقيق: إبراهيم الدسوقي. مطبعة بولاق، القاهرة 1290هـ.
75 - مكي بن أبى طالب: حموش بن محمد بن المختار القيسي (ت:437هـ)
• الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها. تحقيق محيى الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، مصر، ط2 (1981م).
76 - ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711هـ).
• لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، (د. ت).
77 - الميداني: أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (ت:518هـ).
• مجمع الأمثال. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. المطبعة الخيرية، القاهرة، 1310هـ.
78 - ابن ميمون: علي بن ميمون بن الحسين الفاسي (ت:917هـ).
•منتهى الطلب من أشعار العرب، تحقيق محمد نبيل الطريفي، دار صادر، بيروت، 1997م.
(ن)
79 - النحاس: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل (ت:338هـ).
• إعراب القرآن، تحقيق زهير غازي زاهر، عالم الكتب، بيروت، ط 3، 1988م.
• معاني القرآن. تحقيق: محمد علي الصابوني، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، (د. ت).
80 - النسفي: عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي الحنفي (ت 710 هـ).
• مدارك التنزيل وحقائق التأويل. دار القلم، بيروت، ط1 (1408هـ).
(هـ)
81 - ابن هشام: جمال الدين بن يوسف بن أحمد الأنصاري (ت:761هـ).
• مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، دار الفكر، دمشق، ط6، 1985م.
(ي)
82 - ابن يعيش: موفق الدين أبو البقاء يعيش بن علي (ت:338هـ).
• شرح المفصل. مكتبة المتنبي، القاهرة، (د. ت).

ثانيا: المراجع:
83 - إبراهيم أنيس.
• دلالة الألفاظ. القاهرة، مكتبة أنجلو المصرية، ط2، سنة 1972م.
• الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،1950م.
• في اللهجات العربية. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط6، 1984م.
• مستقبل اللغة العربية المشتركة. مطبوعات الجامعة العربية، 1960م.
84 - إبراهيم محمد نجا.
• المعاجم اللغوية، دار البيان العربي، جدة، ط2، 1998م.
85 - أحمد عفيفي.
(1/340)
________________________________________
• ظاهرة التخفيف في النحو العربي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1996م.
86 - أحمد علم الدين الجندي.
اللهجات العربية في التراث، الدار العربية للكتاب، القاهرة، 1983م.
87 - أحمد مختار عمر.
• معجم القراءات القرآنية مع مقدمة في القراءات وأشهر القراء، إعداد: أحمد مختار، وعبد العال سالم مكرم، عالم الكتب، القاهرة، ط3، 1997م.
• صناعة المعجم الحديث، عالم الكتب، القاهرة، ط1 1998م.
• دراسة الصوت اللغوي. علم الكتب، القاهرة، 1997م.
88 - أحمد فارس الشدياق.
• الجاسوس على القاموس، مطبعة الجوائب، قسطنطينية، (1299هـ).
89 - تمام حسان:
• اللغة العربية مبناها ومعناها. دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، 1994م.
90 - حلمي خليل.
• مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي، دار النهضة العربية، بيروت، 1997م.
91 - حسن ظاظا.
• كلام العرب من قضايا اللغة العربية. دار النهضة العربية، بيروت، (د. ت).
92 - حسين نصار.
• المعجم العربي، نشأته وتطوره. دار مصر للطباعة، القاهرة، ط4، (1988م).
93 - رمضان عبد التواب.
• مشكلة الهمزة العربية، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1996م.
•التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1997م.
94 - رياض زكي قاسم:
• المعجم العربي بحوث في المادة والمنهج والتطبيق، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1987م.
95 - سمير بن يحيى المعبر.
•نظرات في علم القراءات، دار حافظ، جدة، ط2، 2001م
96 - السيد رزق الطويل.
• في علوم القراءات مدخل ودراسة، مطبعة الفيصلية، جدة، ط1 (1405هـ).
97 - شوقي المعري.
• معجم مسائل النحو والصرف في تاج العروس. مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1996م.
98 - الطاهر بن عاشور: أبو عبد الله محمد الشريف التونسي (ت:1284هـ).
• التحرير والتنوير. دار الكتب العلمية، بيروت،2000م.
99 - عبد الصبور شاهين.
• أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي (أبو عمر بن العلاء)، مكتبة الخانجي، القاهرة، (1987م).
• القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 2007م.
100 - عبد الفتاح عبد الغني القاضي (ت: 1403 هـ).
•الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع. مكتبة السوادي، جدة، ط5، 1999م.
• القراءات الشاذة وتوجيهها من كلام العرب. دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 1981 م.
101 - عبد الغفار حامد هلال.
• اللهجات العربية، نشأة وتطورا. دار الفكر العربي: القاهرة: 1998م.
102 - عبد الله درويش.
• المعاجم العربية مع الاعتناء بمعجم العين، مكتبة الشباب، القاهرة، (د. ت).
103 - عبد اللطيف محمد الخطيب.
• معجم القراءات القرآنية. دار سعد الدين للطباعة والنشر، دمشق، سورية، ط1، 2002 م.
104 - عبده الراجحي.
• اللهجات العربية في القراءات القرآنية. دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1999م.
(1/343)
________________________________________
105 - عبد الهادي الفضلى.
• القراءات القرآنية تاريخ وتعريف. دار القلم، بيروت، ط2، (1980م).
106 - علاء إسماعيل حمزاوي.
• الخصائص اللغوية لقراءة حفص، دراسة في البنية والتركيب، دار القصيم للطباعة والنشر، (د ت).
107 - كمال بشر.
• دراسات في علم اللغة. دار المعارف، القاهرة، ط2: 1971م.
108 - كريم زكي حسام الدين.
• أصول تراثية في علم اللغة. مطبعة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1985م.
109 - محمد سالم محيسن.
• القراءات وأثرها في علوم العربية، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، (1984م).
110 - محمد عبد العظيم الزرقاني.
• مناهل العرفان في علوم القرآن، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط 12، (د. ت).
111 - محمود السعران.
• علم اللغة (مقدمة للقارئ العربي). دار المعارف، القاهرة،1962م.
ثالثا: رسائل جامعية:
112 - إبراهيم عبد الله سالم.
• القراءات القرآنية في معجم تهذيب اللغة للأزهري في ضوء علم اللغة الحديث. جامعة طنطا، كلية الآداب، قسم اللغة العربية.1999م. رسالة دكتوراه، بإشراف أ. د مصطفى الصاوي الجويني، وأ. د عبد الرحيم محمود زلط.
113 - رقية محمد صالح.
• القراءات السبع والاستشهاد بها، جامعة أم القرى بمكة المكرمة، كلية الشريعة، قسم اللغة العربية، سنة1981م. رسالة ماجستير، بإشراف أ. د عبد الفتاح إسماعيل شلبي.
(1/345)
________________________________________




http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكتاب’لقرآنية ’القراءات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شرح أهداف السور القرآنية الكريمة نور الإسلام هدي الإسلام 0 07-07-2014 09:44 AM
الرد على شبهة تعدد القراءات القرآنية نور الإسلام هدي الإسلام 0 17-05-2013 06:12 PM
القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني عادل محمد كتب ومراجع إسلامية 1 11-03-2012 07:11 PM
ايدولوجية الأدب الملتزم " الثورة الجزائرية عند الشعراء العرب " نموذجا نور الإسلام أخبار منوعة 0 12-01-2012 06:10 PM
شبهة الكلمات الأعجمية فى القرآن نور الإسلام هدي الإسلام 0 10-01-2012 06:50 PM


الساعة الآن 07:07 PM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22