صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

الحوار في الإسلام

إشــراف د. ............................... إعداد عبدالله بن خالد القاسم 1426هـ بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: الحمد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-06-2014 ~ 10:58 AM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الحوار في الإسلام
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الحوار, الإسلام




إشــراف
د. ...............................
إعداد
عبدالله بن خالد القاسم
1426هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن المتأمل في الوحي المنزل – الكتاب والسنة – الذي لا تفنى عجائبه ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته، يعلم أنه كلما ازدادت البصائر فيه تأملاً وتفكيراً، زادها هداية وتبصيراً، وكلما بجست من معينه فجر لها ينابيع الحكمة تفجيراً، ومن اقترب من ساحله، واستظل في ظله يجد حجة الوحي هي أقوى الحجج، وأساليب الوحي هي أعظم الأساليب ومن أهما أسلوب الحور.
ومن رجع إلى التراث الإسلامي يعلم أن قضية الحوار قضية قديمة وفيها نصائح ثمينة أملتها تجارب متنوعة، لكنها تظل شذرات متفرقة وعبارات وجيزة منتشرة ومبثوثة في هذا التراث، ولذا وقع الاختيار على عنوان (الحوار في الإسلام).
فالحوار في المصطلحات التي انتشرت في الآونة الأخيرة وأصبح الكل ينادي بالحوار ويدعوا إلى منهجه عن طريقه سواءً كان حقاً أو باطلاً.
وتبرز أهمية الحوار باعتباره من أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى والتي يمكن من خلاله تحقيق نتائج وفوائد لا يحققها غيره.
وتزداد أهميته إذا رأيت واقع الأمة الإسلامية وضعفها في تطبيقه فهي بأمس الحاجة إليه خاصة في الوقت الإعلامي المقترح الذي نعيشه.
ولله الحمد لم تواجهني أية صعوبات في هذا البحث اليسير، فالشكر لله ثم لوالدي العزيز الذي ساعدني في الحصول على المراجع المهمة.
وقد قسمت بحثي هذا إلى:
مقدمة.
الفصل الأول: مدخل إلى الحوار:
المبحث الأول: تعريف الحوار لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: الفرق بين الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة.
المبحث الثالث: غاية الحوار.

الفصل الثاني: الحوار في الكتاب والسنة:
المبحث الأول: الحوار في القرآن.
المبحث الثاني: الحوار في السنة.
الفصل الثالث: أصول وآداب الحوار:
المبحث الأول: أصول وقواعد الحوار.
المبحث الثاني: آداب الحوار.
الفصل الرابع: الفوائد والنتائج على الفرد والمجتمع.
الخاتمة.
الفهرس.
مصادر البحث.

الفصل الأول
مدخل إلى الحوار
المبحث الأول: تعريف الحوار:
تعريف الحوار لغة:
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: ”الحاء والواو والراء ثلاثة أصول، أحدها: لون، والآخر: الرجوع، والثالث: أن يدور الشيء دوراً .. .. أما الرجوع فيقال حار إلى رجع، قال تعالى: âإِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَá([1]).
وقال ابن منظور في لسان العرب: ”الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، وفي الحديث: (من دعا رجل بالكفر وليس كذلك، حار عليه؛ أي رجع.
قال لبيد:
والحور إلى كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد إذ هو ساطع
والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب، وتقول كلمته: فما أحر إلى جواباً، وما رجع إليَّ حويراً لا حويرة، ولا محورة ولا حواراً أي ما رد جواباً.
واستحره: أي استنطقه.
وأصل الحوار: الرجوع إلى النقص.
وفي حديث سطيح: فلم يحر جواباً أي لم يرجع ولم يرد.
وهم يتحاورون: أي تراجعون الكلام.
والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة وقد حاوره، والمحاروة مصدر كالمشورة في المشاورة“([2]).
وقال الفيروز آبادي: ”المُحاورة والمَحْورة والمَحُورة: الجواب كالحوير والحوار ويكسر، والحيرة والحُيرة: مراجعة النطق، وتحاوراً: ترجعاً الكلام بينهم“([3]).
إذاً فالحوار هو تراجع الكلام والتجاوب فيه وقد ورد في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:
الأول في قصة أصحاب الجنة: âوَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًاá([4]).
والثاني في نفس القصة: âقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا á([5]).
والثالث: âقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَاá([6]).
ويفهم من هذه المواضع الثلاثة: أن الحور مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين([7]).
أما إطلاقه في السنة فقد جاء في عدة أحاديث منها قوله r: (ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلى حار عليه) ([8]).
قال النووي: حار عليه وهو معي رجعت عليه، أي رجع الآخر عليه فباء وحار ورجع بمعنى واحد([9]).
تعريف الحوار اصطلاحاً:
مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين، وعرفه بعضهم بأنه نوع في الحديث بين شخصين، أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، وهو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه([10]).

المبحث الثاني: الفرق بين الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة:
الجدال: من الجدل، وهو شدة الفتك، فالجديل الزمام، والمجدول من آدم ومنه قول امرئ القيس:
وكشح لطيف كالجديل مخصراً وساق كأنبوب السقي المذلل
والجادل من الإبل الذي قوي ومشى مع أمه، والأجدل الصقر، ورجل جدل إذا كان قوي الخصام([11]).
إذاً فأصل كلمة الجدل في اللغة تدل على القوة والشدة ويقصد بالجدل شدة الخصومة.
والجدل الاصطلاحي: هو دفع خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه وهو الخصومة في الحقيقة([12]).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في المجادلة: ”وهي في اصطلاحهم – أي المناطقة – المنازعة، لا لإظهار الحق بل لإلزام الخصم([13]).
فالحوار والجدال يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين لكنهما يفترقا بعد ذلك.
أما الجدال فهو على الأغلب الرد في الخصومة وما يتصل بذلك، ولكن في إطار التخاصم في الكلام، فالجدال والمجادلة والجدل، كل ذلك ينحو منحى الخصومة ولو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له([14]).
وفي القرآن ما يدل على هذا الفرق، فقد ورد لفظ الجدل في القرآن الكريم تسعة وعشرين مرة كلها في سياق الذم، إلا في ثلاثة مواضع وهي: قوله تعالى: âادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ á ([15])، وقوله تعالى: âوَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُá([16])، وقوله تعالى: âقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَاá([17]).
أما بقية المواضع في القرآن الكريم فإما أن تكون في سياق عدم الرضا عند الجدال وإما عدم جدواه، أو لأنه يفتقد شروطاً أساسية كطلب الحق أو الجدال بغير علم أو يطلقه الكفار على الرسل كما قال تعالى: âقَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَاá([18]).
فالجدل لم يؤمر ولم يمدح في القرآن الكريم على الإطلاق، وإنما قيد بالحسنى كما في قوله تعالى: âوَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُá([19])، وقوله تعالى: âوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُá([20])([21]).
فلفظة الجدل مذمومة إلا إذا قيدت ومما يؤكد ذلك ما صح عن النبي r: (ما ضل قوم بعد هدى كان عليه إلا أتوا الجدل، ثم قرأ الآية: âمَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَá([22])([23]).
الفرق بين الحوار والمناظرة":
هناك توافق بين الحوار والمناظرة إذ أن المناظرة نوع من أنواع الحوار، ولكن عند الرجوع إلى تعريف المناظرة يتضح أنها تعتمد على الدقة العلمية، والشروط المنطقية، أكثر من اعتماد الحوار على ذلك، فالمناظرة مشتقة في أصل اللغة من النظير أو من النظر([24]).
وفي الاصطلاح: ”علم يبحث عن أحوال المتخاصمين، يكون ترتيب البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما“([25]).
ولذلك يمكن القول إن الحوار غير المناظرة، تقوم على وجود التضاد بين المتناظرين، للاستدلال على إثبات أمر يتخاصمان فيه نفياً أو إيجاباً بغية الوصول إلى الصواب([26]).
الفرق بين الحوار والمناقشة:
النقش في اللغة معناه: النقش والنزع([27]). وقد جاء في الحديث: (إذا شيك فلا انتقش)([28]) أي فلا نزعت منه الشوكة.
ويأتي النقاش أيضاً بمعنى: المحاسبة والاستقصاء ومنه الحديث: (من نوقش الحساب هلك) ([29]).
فالمناقشة هي نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب، وتعرية الأخطاء، وإحصائها، ويكون هذا الاستقصاء في العادة لمصلحة أحد الطرفين فقط، الذي يستقصي محصياً ومستوعباً كل ما له على الطرف الآخر([30]).

المبحث الثالث: غاية الحوار:
الغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي، فهو تعاون من المتناظرين على معرفة الحقيقة، والتوصل إليها، ليكشف كل طرف ما خفى على صاحبه منها، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق، يقول الحافظ الذهبي: ”إني وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادة العالم الأذكى العلم لمن هو دونه وتنبيه الأغفل الأضعف“.
هذه هي الغاية الأصلية وهي جلية بينة، وثمة غايات وأهداف فرعية أو ممهدة لهذه الغاية منها:
- إيجاد حل وسط يرضي الطرفين.
- التعرف على وجهات النظر وهو هدف تمهيدي هام.
البحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنوع الرؤى والتصورات المتاحة، من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمكن ولو في حوارات تالية([31]).
ويجب البعد عن الحوار الذي أبعد ما يكون عن غايته أو ما يوصل ويمهد إليها، وقال الدكتور محسن الخضيري: ”يجب أن يكون الحوار متجهاً إلى هدف معين، يسعى إلى تحقيقه، وبالتالي يكون بعيداً عن الجدل العقيم الذي لا يثري، بل والذي لا يحقق عائداً وطائلاً من ورائه، ومن ثم فإنه من المتعين وضع الهدف من التفاوض وتوضيحه، ووضع برنامج زمني لتحقيقه، بل وتحديد اتجاهات معينة لهذا التحقيق([32]).
ومتى بعد الحوار عن غايته وشغل عن ظهور الحق، ووضوح الصواب صار من الجدل العقيم، الذي وردت النصوص في النهي عنه والتحذير منه، حتى أن الذهبي عد هذا النوع من الكبائر في كتابه([33]).

الفصل الثاني
الحوار في القرآن والسنة
المبحث الأول: الحوار في القرآن الكريم:
عني القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار، وذلك أمر لا غرابة فيه أبداً، فالحوار هو الطريق الأمثل للإقناع، الذي ينبع من أعماق صاحبه، والاقتناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يفرض وإنما ينبع من داخل الإنسان.
وقد لنا القرآن الكريم نماذج كثيرة من الحوار، منها ما دار بين الله عز وجل وملائكته في موضوع خلق آدم، حيث قال سيد قطب – رحمه الله – في بداية كلامه عن قوله تعالى: âوَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ á([34]) ”يرد القصص في القرآن الكريم في مواضع ومناسبات، وهذه المناسبات التي يساق القصص من أجلها هي التي تحدد سياق القصة .... تنسيقاً للجو الروحي والفني الذي تعرض فيهن وبذلك تؤدي دورها الموضوعي، وتحقق غايتها النفيسة وتلقي إيقاعها المطلوب .... وقصص الأنبياء في القرآن الكريم يمثل موكب الإيمان في طريق الواصل الطويل، ويعرض قصة الدعوة إلى الله تعالى واستجابة البشرية لها جيلاً بعد جيل“([35]).
ومنها ما دار بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين الرجل الذي آتاه الله الملك، إذ يقول سبحانه: âأَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌá([36]). قال سيد قطب – رحمه الله – عن هذه الآية: ”الآية تحكي حواراً بين إبراهيم عليه السلام وملك في أيامه يجادله في الله .... وهذا الحوار يعرض على النبي r على جماعة المسلمين في أسلوب التعجب من هذه المجادلة الذي حاج إبراهيم في ربه، وكأن مشهد الحوار يعاد عرضه من ثنايا التعبير القرآني العجيب“([37]).
ومن النماذج أيضاً قصة موسى عليه السلام، حيث طلب من ربه أن يسمح له برؤيته([38])، وأيضاً قصة عيسى عليه السلام، إذ سأله ربه عما إذا كان طلب من الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله([39]).
ومنها الحوار في قصة أصحاب الجنتين في سورة الكهف([40])، وقصة قارون مع قومه([41])، وقصة داود عليه السلام مع الخصمين([42])، وقصة نوح عليه السلام مع قومه([43])، وقصة ابني آدم([44])، وقص موسى عليه السلام مع العبد الصالح([45])، والحوار بين السادة والأتباع يوم القيامة([46]).
ومن اطلع على هذه النماذج وغيرها يتأكد لنا أن القرآن الكريم يعتمد اعتماداً كبيراً على أسلوب الحوار في توضيح المواقف، وجلاء الحقائق. وهداية العقل وتحريك الوجدان، واستجاشة الضمير، وفتح المسالك التي تؤدي إلى حسن التلقي والاستجابة، والتدرج بالحجة احتراماً لكرامة الإنسان وإعلاء لشأن عقله الذي ينبغي أن يقتنع على بينة ونور([47]).
والقرآن الكريم يبين أيضاً أصول وآداب الحوار التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الإسلام من العلم والرفق واللين والصبر والحلم .... إلخ، منها قوله تعالى: âهَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَá([48]).
قال الشوكاني – رحمه الله – في تفسيره ”وفي الآية دليل على منع الجدال، بل ورد الترغيب في ترك الجدال في المحق، كما في حديث (من ترك المراء ولو محقاً فأنا ضمينه على الله يبيت في رياض الجنة) وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى: âوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُá وقوله تعالى: âوَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُá، ونحو ذلك؛ فينبغي أن يقتصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة، أو على المواطن التي تكون المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة“([49]).
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: âثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَá ([50]): ”فدلت على إثبات المناظرة في العلم لأن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بأن يناظرهم ويبين لهم فساد قولهم“([51]).

المبحث الثاني: الحوار في السنة:
نجد في سيرة الرسول r نماذج كثيرة متنوعة للحوار، وترد في أشكال شتى لتقدم لنا الدروس التي يحسن بنا الانتفاع بها.
حيث جهر رسول الله r بالدعوة حارت قريش وارتبكت وفكرت ودبرت، وكان مما صنعته أنها أرسلت عتبة بن ربيعة إليه، يحادثه ويفاوضه ويغريه.
يروى([52]) أن عتبة بن ربيعة جلس إلى رسول الله r فقال له يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم، وكفرت به فيما مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك بعضها.
فقال رسول الله r قل يا أبا الوليد، أسمع، فقال له عتبة ما قال، حتى إذا فرغ قال له: أوقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم.
قال فاسمع مني، قال: افعل، فأخذ رسول الله r يتلو عليه من سورة فصلت حتى إذا انتهى إلى الآية موضع السجدة فيها، سجد، ثم قال لعتبة: قد سمعت يا أبا الوليد، فأنت وذلك، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به، وطلب عتبة إليهم أن يدعوا الرسول r وشأنه، فأبوا وقالوا له: سحرك يا أبا الوليد بلسانه.
وفي هذه القصة أكثر من درس، فيما يتصل بموضوع هذا البحث يحسن الوقوف عندها، فالرسول الكريم أحسن الاستماع والإنصات لعتبة، وقال له قل يا أبا الوليد، أسمع، فلما قال عتبة ما عنده أعطاه الرسول r الفرصة لإضافة شيء قد يود أن يقوله، ربما نسيه أو غفل عنه، وسأله أوقد فرغت يا أبا الوليد؟ ومعنى ذلك أنه أحسن الاستماع تماماً، وأعطى محدثه الفرصة ليقول من جديد دون أن يعاجله، فلما سأله ليتأكد من فراغه مما لديه، بدأ التلاوة وهذه قمة الأدب، وقمة الذوق، مما يجعل الطرف الآخر تنفتح نفسه للسماع، فكانت تلك المقدمة محددة لما جاء بعها وهي تلاوة القرآن الكريم، تنتهي بسجدة، ثم قال لعتبة: قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذلك، (أي وما تختار) ففي تصرفه عليه الصلاة والسلام أدب عال وذوق جم وحسن استماع، يستدعي حسن إصغاء من عتبة، وهذا كله يجعل عتبة مستعداً للتلقي، لذلك لا غرابة أن قال له قومه بعد إذ عاد إليهم: سحرك يا أبا الوليد بلسانه.
وروى أبو أمامة أن غلاماً شاباً أتى النبي r فقال له يا نبي الله أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به، فقال النبي r قربوه، ادن، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي r: أتحبه لأمك؟ قال: لا! جعلني الله فداك، قال كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا! جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا! جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، فوضع رسول الله r يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا([53]).
وجاء يهودي إلى النبي r يختبر صدقه في الدعوة وقد ابتاع منه تمراً إلى أجل، فطالبه قبل حلول الأجل مغلظاً له في القول وسط القوم، فكان قوله: إنكم يا بني عبدالمطلب قوم مطل، فهم به عمر رضي الله عنه فمنعه الرسول r وقال له يا عمر: أنا وهو كنا أحوج منك إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن الاقتضاء، ثم أمر بإعطائه حقه وزيادة عشرين صاعاً في مقابل ترويع عمر له، فلم يسع اليهودي إلا إعلان إسلامه([54]).
وأتى رجل أنكر ولده إلى رسول الله r فقال يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال رسول الله r: هل لك في إبل؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: أين ذلك؟ قال: لعل عرقاً نزعه، فقال رسول الله r: وهذا الغلام لعل عرقاً نزعه([55]).
والمواقف والقصص في حوار النبي r أكثر من أن نسردها ونذكرها في هذا البحث اليسير.
وقد رأينا رسول الله r وهو الأسوة الحسنة أرق ما يكون أسلوباً في حواره، وأفسح ما يكون صدراً لمخالفيه، وضرب أروع الأمثلة في حسن الاستماع.

الفصل الثالث
أصول وآداب الحوار
المبحث الأول: أصول وقواعد الحوار:
إذا كان لابد من التفريق بين (أصول الحوار) و (آداب الحوار) فإن الأصول هي عبارة عن القواعد الرئيسية الثابتة التي تضبط مساء الحوار، أما الآداب فهي طريقة الحوار، والقواعد السلوكية التي ينبغي مراعاتها قبل الحوار، أو أثناءه، أو بعده، والتي تساعد في نجاح الحوار، مع أن هناك تداخلاً بيناً، وتقارباً بين الأصول والآداب، فقد يكون في الأصول ما هو أدب يساعد في إنجاح الحوار([56])، ولذلك فإني أشير إلى بعض الأصول المهمة، وأترك بقيتها إلى موضعها عند ذكر آداب الحوار.
الأصل الأول: أن يراد بالحوار وجه الله تعالى، أي إظهار الحق والوصول إليه، وهذه الرغبة يجب أن تكون موجودة عند الطرفين لا أن تكون الغاية مجرد الغلبة والظهور.
إن اتباع الحق والسعي للوصول إليه والحرص على الالتزام به هو الذي يقود إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه ولا التواء، ويحول دون الانسياق وراء الهوى، سواء كان هوى النفس أو هوى الجمهور، أو لاتباع .... والعاقل فضلاً عن المسلم الصادق طالب حق، باحث عن الحقيقة، ينشد الصواب ويتجنب الخطأ.
يقول الغزالي: "التعاون على طلب الحق في الدين له شروط وعلامات منها: أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد معاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق.
والمقصود في ذلك أن يكون الحوار بريئاً من التعصب، خالصاً لطلب الحق، خالياً من العنف والانفعال، بعيداً عما يفسد القلوب ويهيج النفوس([57]).
الأصل الثاني: العلم، لابد للمحاور أن يكون عالماً بالمسألة التي يريد أن يحاور فيها، فلا يجوز للإنسان أن يدخل ساحة الحوار قبل أن يستكمل أدواته العلمية والعقلية، وقد زم الله عز وجل الذين يجادلون في الله بغير علم، فقال تعالى: âوَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍá ([58])، وقال تعالى: âوَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاًá([59]).
فلا تناقش في موضوع لا تعرفه جيداً، ولا تدافع عن فكرة إذا لم تكن على اقتناع تام بها، فإنك إن فعلت عرضت نفسك للإحراج، وأسأت إلى الفكرة التي تحملها وتدافع عنها، لأن الناس يميلون إلى تجسيد الفكرة في شخص حاملها.
والقرآن الكريم يرسم طريق الدعوة على أساس العلم اليقيني، والحجة الدامغة، والبصيرة النافذة، لأن الظن لا يفيد علماً، ولا يغني من الحق شيئاً، والبصيرة التي أشار إليها القرآن الكريم هي التي تعصم الداعية عن القول بغير علم، وتوقفه عن محاجة غيره بدون دراسة للموضوع، وصدق الله العظيم إذ يقول: âقُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَá([60]).
فموضوع الحوار والعلم بتفاصيله، والتسلح بالحجج والبراهين المؤيدة له سلاح فعال في يد المحاور الناجح، يمكنه من الوقوف على أرض ثابتة، وليس رمال متحركة([61]).
ويجب على من رزق العلم أن لا يستعمله إلا فيما ينفع، كما قال محمد بن الحسين: "اعلموا رحمكم الله أن من صفة العالم العاقل الذي فقهه الله في الدين ونفعه بالعلم، أن لا يجادل ولا يباري ولا يغالب بالعلم إلا من يستحق أن يغلبه بالعلم الشافي([62]).
وإذا افتقد الحوار إلى العلم والمعرفة، فيكون كما قال الدكتور عبدالكريم بكار: ”الحوار من غير معلومات كثيراً ما يكون (كلام في كلام) بل قد يؤدي إلى زيادة التشويه في البنى العقلية الناجزة“([63]).
الأصل الثالث: أن يكون هناك تكافؤ بين المتحاورين، أي أن يكونا متقاربين في السوية العلمية والثقافية، وفي العقل والفهم، وإلا فإن الغلبة ستكون للجاهل، وسيطمس الحق في هذه المناظرة، ولا يظهر للمتحاورين ولا للحاضرين، وفي ذلك يقول الشافعي رحمه الله: ”ما ناظرت عالماً إلا غلبته، وما ناظرني جاهلاً غلا غلبني“([64]).
الأصل الرابع: تحديد موضوع الحوار ونقطة الاختلاف، فقد يختلف المتحاوران في مسائل عديدة، وليس على مسألة واحدة، ثم يحدث الحوار في مسألة أخرى، بدون أن يتفق على المسألة الأولى، فيتشعب الحوار ويطول في أمر فرعية بعيدة عن موضوع المحاورة، ولهذا يكون الحوار عائماً لا زمام له، سائباً لا ينتهي إلى نتيجة، واستمراره بهذه الطريقة يعتبر تبديداً للجهد وإضاعة للوقت([65]).
قال الربيع بن سليمان رحمه الله: ”كان الشافعي إذا ناظره إنسان في مسألة فغدا إلى غيرها، يقول: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد“([66]).
الأصل الخامس: قطعية النتائج ونسبيتها، من المهم أن نعرف في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبي الدلالة على الصواب أو الخطأ، والذين لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك فيندرج تحت المشهورة: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
وبناءً عليه فليس شرط التحاور الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الآخر، فإن تحقق هذا واتفقا على رأي فنعم المقصود، وهو منتهى الغاية، وإن لم يكن فالحوار ناجح([67]).

المبحث الثاني: آداب الحوار:
آداب الحوار كثيرة وعديدة ومتشعبة، ولكن نذكر أهمها:
الأدب الأول: المحاورة بالحسنى، إن من أهم ما يتوجه إليه المحاور في حواره التزام الحسنى في القول، والمجادلة، ففي محكم التنزيل يقول تعالى: âوَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُá([68])، ويقول تعالى: âوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُá([69])، وقوله تعالى: âوَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناًá([70]).
فحق العاقل اللبيب طالب الحق أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والسخرية وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز.
ويلحق بهذا الأدب: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، وتعمد إيقاع الخصم في الإحراج، ولو كانت الحجة بينة والدليل دامغاً .... فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف([71]).
يقول إسحاق نيوتن: "كل فعل له رد فعل يساويه في القوة ويعارضه في الاتجاه" فلذلك كل إنسان تحاوره يوم ترفع صوتك يرفع صوته، ويوم تحترمه يحترمك، ويوم تكنيه يكنيك، يقول أحدهم وهو يحاور خصمه:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
كذلك أدبت حتى صار من أدبي



ولا ألقبه السوءة اللقب
أني وجدت ملاك الشيمة الأدب
([72])


الأدب الثاني: التواضع بالقول والفعل، فيجب تجنب ما يدل على العجب والغرور والكبرياء، فبعض الناس إذا حاور شخصاً أو حادثه، أعرض ونأى بجانبه، فلا يلتفت إلى خصمه إشارة إلى السخرية وعدم الاكتراث به، وربما ظهر على قسمات وجهه أو حركات حاجبيه ما يدل على السخرية والاستكبار، وربما يزم شفتيه، أو يلوي عنقه، أو يشير بطرف عينيه إشارات تعبر عن السخرية والازدراء، فهذا كله من الكبر، فمن التواضع أن تقبل الحق عن جاد ولو كان أعدى أعدائك، ومن التواضع ترك استخدام الألفاظ الدالة على التعالي والكبر كأن يقول: نرى كذا، وعندي كذا، وأنا، وقلت، ونحو هذه الألفاظ([73]).
الأدب الثالث: حسن الاستماع، إن كثيراً من الناس يخفقون في تبرك أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة، لأنهم لا يصغون إليهم باهتمام، إنهم يحصرون همهم فيما سيقولونه لمستمعهم، فإن تكلم المستمع لم يلقوا له بالاً، علماً بأن أكثر الناس يفضلون المستمع الجيد على المتكلم الجيد([74]).
وبراعة الاستماع تكون بالأذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه، وعدم الانشغال بتحضير الرد، متحفزاً متوثباً، منتظراً إتمام حديث صاحبه([75]).
الأدب الرابع: العدل والإنصاف، يجب على المحاور أن يكون منصفاً، فلا يدر حقاً، بل عليه أن يبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجديدة التي يوردها محاوره، وهذا الإنصاف له أثر عظيم في قبول الحق، كما تضفي على المحاور روح الموضوعية.
والتعصب وعدم قبول الحق من الصفات الذميمة في كتاب الله، فإن الله أمرنا بالإنصاف حتى مع الأعداء فقال تعالى: âيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَá([76])([77]).
قال ابن القيم:
وتعرٍ في ثوبين من يلبسهما
ثوب من الجهل المركب فوقه
وتحل بالإنصاف أفخر حلة



يلقى الردى بمذمة وهوان
ثوب التعصب بئست الثوبان
زينة بها الأعطاف والكتفان
([78])


الأدب الخامس: الحلم والصبر، فالمحاور يجب أن يكون حليماً صبوراً، فلا يغضب لأتفه سبب، فإن ذلك يؤدي إلى النفرة منه، والابتعاد عنه، والغضب لا يوصل إلى إقناع الخصم وهدايته، وإنما يكون ذلك بالحلم والصبر، والحلم من صفات المؤمنين كما قال تعالى: âوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَá([79]).
وعندما قال رجل للنبي r: أوصني! قال: لا تغضب، وكررها مراراً([80]).
ومن أعلى مراتب الصبر مقابلة الإساءة بالإحسان، فإن ذلك له أثر عظيم على المحاور، وكثير من الذين اهتدوا لم يهتدوا لعلم المحاور واستخدامه أساليب الجدل، وإنما لأدبه وحسن خلقه واحتماله للأذى، ومقابلته بالإحسان([81]).

الفصل الرابع
فوائد ونتائج الحوار على الفرد والمجتمع
المحاورة أو المجادلة بالتي هي أحسن وسيلة مهمة من وسائل تبليغ الحق ونصرته ودفع الباطل، والهدف منها الوصول إلى الحقيقة، وهي في إطار الحركة الإسلامية أداة التصحيح والبناء والتقويم الذاتي، فالحوار أداة وعي مشتركة تتكوكب فيها الآراء، وتستعرض فيها المسائل ويستخلص منها ما دل عليه الدليل الشرعي أو النظري، وهي وسيلة من وسائل الشورى والتعاون والتناصح على البر والتقوى، وهذا هو طريق النضج وسبيل الكمال ...
ولن يتم تصحيح الأخطاء، أو تدارك النقص، وتقويم المسيرة الشرعية والدعوية إلا إذا اتسعت صدورنا للحوار، وروضنا أنفسنا على قبول النقد والمراجعة، وعندها تكون حواراتنا تربوية منهجية، تثري الأمة الإسلامية بالدراسات الشرعية والأطروحات العلمية.
إن الحوار الجاد المطلوب ما هو إلا دعوة إلى تقليب أوراق العمل الإسلامي المعاصر، وإعادة النظر – بكل تجرد – بمناهج التفكير المطروحة والوسائل الدعوية المستهلكة، إنه كسر لطوق الرتابة، والارتجال السائدين في أوساط العمل الإسلامي، وهو دعوة إلى تحرير الأمة الإسلامية من الفلسفات الكلامية والبدع الخلافية، والتمزق المنجي والشطط الفكري بشتى ألوانه وصوره، ثم إعادة بنائها وصياغتها من جديد وفق الأسس والضوابط العلمية المبينة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه r ومنهج السلف الصالح.
ونحن جميعاً نتحرك في سفينة واحدة، في بحر متلاطم الأمواج، وتزداد خروق هذه السفينة يوماً بعد آخر، وقد يسهم الحوار في ترقيع هذه الخروق، وحماية هذه المسيرة من العقبات التي تواجهها.
فالحوار تفاعل دائم بين أطراف العمل الإسلامي وعناصره المختلفة وتدافع الأفكار والاجتهادات بالحوار في العملية سيضمن استقامة العمل على الصراط المستقيم([82]).

الخاتمة:
بعد التجوال وبعد المسير في جوانب الحوار الأساسية في هذا البحث اليسير الذي أرجو أن يكون أعطى لمحة موجزة عن الحوار في الإسلام.
وبعد أن عرفنا تعريفه وغايته ومكانته في الكتاب والسنة وأصوله وآدابه وذكرت في الفصل الأخير بعض النتائج والفوائد على الفرد والمجتمع.
يتبين لنا أهميته الخاصة في هذا الزمان الذي يعج بكثير من الدعوات والأفكار في هذا الزمان الذي ضعفت فيه الأمة الإسلامية وبعدت عن شرع ربها، في هذا الزمان الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة بوسائل الإعلام الحديثة، في هذا الزمان الذي يهتم فيه الغرب الحوار اهتماماً كبيراً.
فإني أوصي بعد هذا بعدة أمور:
أولاً: أن يخصص في الدراسة الجامعية مادة يدرس فيها الحوار لا بالقواعد النظرية، بل بالتطبيق العملي وهذا مطبق في بعض الدور الغربية.
ثانياً: تبينت أهمية الحوار وضرورة تطبيقه للمعلمين والمدرسين في المدارس والجامعات التطبيق العملي المستمر.
ثالثاً: وجود دورات تدريبية تقدم لشرائح المجتمع وللدعاة خاصة تبين لهم الحوار وضوابطه وآدابه مجاناً أو بأسعار رمزية.
رابعاً: فتح قنوات الحوار وفق الضوابط الشرعية مع الطرف الآخر.
خامساً: إبراز حوارات السابقين من سلف هذه الأمة بدأً بالنبي r ثم الصحابة والتابعين وضرورة الاقتداء بها.
سادساً: تصحيح مفهوم الحوار الذي يظهر عند كثير من الناس أنه مجرد الجدال المضيع للوقت والجهد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
خالد بن عبدالله القاسم
17/3/1426هـ

المراجـــــــع
1- القرآن الكريم.
2- أبجد العلوم، صديق القنوجي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1423هـ.
3- أخلاق العلماء، الآجري، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الثانية، 1413هـ.
4- أدب الحوار، عائض القرني، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى، 1425هـ.
5- أدب الحوار، سلمان العودة، (شريط كاسيت).
6- أصول الحوار وآدابه في الإسلام، صالح بن حميد، دار المنار، الطبعة الأولى، 1415هـ.
7- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، دار الكتب العلمية.
8- التعريفات، علي الجرجاني، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1407هـ.
9- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار الكتب العلمية.
10- الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية، أحمد الصويان، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1413هـ.
11- الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك، دار قتيبة، الطبعة الأولى، 1418هـ.
12- الحوار آدابه وضوابطه، يحيى زمزمي، دار التراث والتربية، الطبعة الأولى، 1414هـ.
13- الحوار في القرآن الكريم، محمد كمال الحويل، دار الفارابي.
14- الحوار مع أهل الكتاب، خالد القاسم، دار المسلم، الطبعة الأولى، 1414هـ.
15- شرح النونية لابن القيم، محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 1424هـ.
16- سنن أبو داود.
17- سنن الترمذي.
18- صحيح البخاري.
19- صحيح مسلم.
20- صحيح مسلم بشرح النووي، علي عبدالحميد، دار الخير.
21- القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1424هـ
22- القراءة والحوار والتعلم والتعليم والمعلم، دار الإعلام، الطبعة الأولى، 1424هـ.
23- الكبائر للذهبي، بسام الحابي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1413هـ.
24- فتح القدير، الشوكاني، دار الفكر.
25- في أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي،ا لطبعة الرابعة، 1416هـ.
26- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، الطبعة الثامنة، 1399هـ.
27- كيف تحاور، طارق الحبيب، دار المسلم، الطبعة الرابعة، 1418هـ.
28- لسان العرب، ابن منظور، دار صادر بيروت.
29- المدخل إلى الثقافة الإسلامية، أعضاء هيئة التدريس فقسم الثقافة الإسلامية، جامعة الملك سعود، مدار الوطن، الطبعة الأولى، 1426هـ.
30- مسند الإمام أحمد.
31- معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، دار إحياء التراث، الطبعة الأولى، 1422هـ.

فهرس الموضوعات
مقدمة ……………………………………………………….. 2
الفصل الأول: مدخل إلى الحوار ………………………………….... 4
المبحث الأول: تعريف الحوار لغة واصطلاحاً ………………………… 4
المبحث الثاني: الفرق بين الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة …………… 6
المبحث الثالث: غاية الحوار ……………………………………… 9
الفصل الثاني: الحوار في الكتاب والسنة …………………………… 10
المبحث الأول: الحوار في القرآن الكريم …………………………..… 10
المبحث الثاني: الحوار في السنة …………………………………… 13
الفصل الثالث: أصول وآداب الحوار ………………………………… 15
المبحث الأول: أصول وقواعد الحوار ……………………………...… 15
المبحث الثاني: آداب الحوار ……………………………………..… 18
الفصل الرابع: فوائد ونتائج الحوار على الفرد والمجتمع ………………… 21
الخاتمة ……………………………………………………..… 22
المراجع ……………………………………………………..… 23
المحتويات …………………………………………………....… 25


([1]) معجم مقاييس اللغة، ص: 269.

([2]) لسان العرب (4/217-219).

([3]) القاموس المحيط، ص: 381.

([4]) سورة الكهف، الآية 34.

([5]) سورة الكهف، الآية 37.

([6]) سورة المجادلة، الآية 1.

([7]) في أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 15.

([8]) رواه مسلم.

([9]) شرح النووي على صحيح مسلم، الإمام النووي (2/50).

([10]) الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة، يحيى زمزمي، ص: 22.

([11]) لسان العرب، ابن منظور (11/103-105).

([12]) التعريفات، علي الجرجاني، ص: 106.

([13]) الحوار آدابه وضوابطه، يحيى زمزمي، ص: 23.

([14]) في أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 14.

([15]) سورة النحل، الآية 125.

([16]) سورة العنكبوت، الآية 46.

([17]) سورة المجادلة، الآية 1.

([18]) سورة نوح، الآية 32.

([19]) سورة العنكبوت، الآية 46.

([20]) سورة النحل، الآية 125.

([21]) الحوار مع أهل الكتاب، خالد القاسم، ص: 105.

([22]) سورة الزخرف، الآية 58.

([23]) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وصحح الألباني في صحيح ابن ماجة.

([24]) الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك، ص: 21.

([25]) ابجد العلوم، صديق القنوجي، ص: 524.

([26]) الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك، ص: 21.

([27]) القاموس المحيط، ص: 680.

([28]) رواه البخاري.

([29]) رواه لبخاري.

([30]) الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك، ص: 22.

([31]) أصول الحوار وآدابه في الإسلام، صالح بن حميد، ص: 7.

([32]) الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية، أحمد الصويان، ص: 66.

([33]) الكبائر، الذهبي، ص: 149.

([34]) سورة البقرة، الآية 30.

([35]) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/55).

([36]) سورة البقرة، الآية 258-259.

([37]) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/297).

([38]) سورة الأعراف، الآية 143.

([39]) سورة المائدة، الآية 116.

([40]) سورة الكهف، الآية 18.

([41]) سورة القصص، الآية 76.

([42]) سورة ص، الآية 21.

([43]) سورة الأعراف، 59.

([44]) سورة المائدة، الآية 27.

([45]) سورة الكهف، الآية 65.

([46]) سورة سبأ، الآية 31.

([47]) في أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 16.

([48]) سورة آل عمران، الآية 66.

([49]) فتح القدري، الشوكاني (1/349).

([50]) سورة الأنعام، الآية 143.

([51]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (7/114).

([52]) سيرة ابن هشام (1/313).

([53]) رواه أحمد.

([54]) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد.

([55]) متفق عليه.

([56]) الحوار آدابه وضوابطه، يحيى زمزمي، ص: 56.

([57]) أصول الحوار وآدابه في الإسلام، صالح بن حميد، ص: 20.

([58]) سورة الحج، الآية 8.

([59]) سورة الإسراء، الآية 36.

([60]) سورة يوسف، الآية 108.

([61]) في اصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 42.

([62]) أخلاق العلماء، الآجري، ص: 56.

([63]) القراءة والحوار والتعلم، عبدالكريم بكار، ص: 41.

([64]) الحوار في القرآن الكريم، محمد كمال الحويل، ص: 24.

([65]) الحوار أصوله المنهجية، وآدابه السلوكية، أحمد الصويان، ص: 64.

([66]) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، ابن جماعة، ص: 40.

([67]) أصول الحوار وآدابه في الإسلام، صالح بن حميد، ص: 23.

([68]) سورة الإسراء، الآية 53.

([69]) سورة لنحل، الآية 125.

([70]) سورة البقرة، الآية 83.

([71]) أصول الحوار وآدابه في الإسلام، صالح بن حميد، ص: 26.

([72]) أدب الحوار، عائض القرني، ص: 22.

([73]) أدب الحوار، سلمان العودة، (شريط كاسيت).

([74]) في أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 49.

([75]) كيف تحاور، طارق الحبيب، ص: 18.

([76]) سورة المائدة، الآية 8.

([77]) المدخل إلى الثقافة الإسلامية، أعضاء هيئة التدريس قسم الدراسات الإسلامية، جامعة الملك سعود، ص: 53.

([78]) شرح القصيدة النونية، محمد خليل هراس، ص: 51.

([79]) سورة آل عمران، الآية 134.

([80]) رواه البخاري.

([81]) مدخل إلى الثقافة الإسلامية، ص: 52.

([82]) انظر الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية، أحمد الصويان، ص: 28-40.
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحوار, الإسلام


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحوار بين المسلمين والنصارى نور الإسلام المقالات 0 03-06-2014 12:15 PM
الحوار في الإسلام نور الإسلام المكتبة العامة 0 06-11-2013 06:08 PM
تجربتي في الحوار مع الآخر نور الإسلام المكتبة العامة 0 26-08-2012 08:11 AM
توجيهات الكاردينال موريللا من أجل الحوار بين المسيحين و المسلمين نور الإسلام المقالات 0 29-03-2012 05:12 PM
الكذب المبين في الحوار المنسوب إلى إبليس اللعين نور الإسلام هدي الإسلام 0 11-01-2012 11:23 AM


الساعة الآن 10:19 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22