صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

نحو سوق مالية إسلامية

نحو سوق مالية إسلامية د. كمال توفيق حطاب أستاذ مشارك- قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية جامعة اليرموك / إربد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-2012 ~ 06:35 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي نحو سوق مالية إسلامية
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


نحو سوق مالية إسلامية
د. كمال توفيق حطاب
أستاذ مشارك- قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية
جامعة اليرموك / إربد
(طبعة تمهيدية)





ملخص البحث
تهدف هذه الدراسة إلى بحث إمكانية إيجاد سوق مالية إسلامية للخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة على مستوى المجتمع الإسلامي المحلي والدولي، وللوصول إلى هذا الهدف تبدأ الدراسة بتوضيح الأدب الاقتصادي والمالي المتعلق بالموضوع، ومن ثم تعرض الدراسة آليات العمل بالخيارات والمستقبليات والعقود المؤجلة في السوق المالية في الاقتصادات المعاصرة، بغية تقييمها وتطويرها بما يتفق والشريعة الإسلامية.
وقد توصلت الدراسة إلى أنه من الممكن قيام سوق مالية إسلامية للعقود الآجلة في ظل العمل بضوابط شرعية خاصة, كما أن وجود هذه السوق, سوف يزيد في كفاءة استخدام الموارد وعدالة توزيعها.

مقدمة:
حث الإسلام على حفظ المال وتنميته واستثماره بأفضل وأكفأ الوسائل والأساليب المشروعة, ومن أجل ذلك فقد وضع العديد من الضوابط الشرعية التي تكفل حسن إدارة المال واستثماره, ومن ذلك مشروعية البيع والتجارة وحرمة الربا والاكتناز والاحتكار وكافة أشكال المقامرات والمراهنات التي تتضمن أكل أموال الناس بالباطل.
وانطلاقا مما تقدم, تعتبر السوق المالية الإسلامية فرصة هامة جداً لكل مستثمر مسلم, حيث يتمكن من تقليل خسائره ومخاطره وزيادة عائداته, وذلك من خلال تنويع محفظته المالية, واختيار الأدوات الأقوى والأكثر نجاحاً ومشروعية. كما تمثل السوق المالية الإسلامية محطة هامة لإعادة تنقية وضخ الأموال الحلال وتمويل المشروعات البناءة والناجحة مما يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال زيادة إنتاج الطيبات في المجتمع.
إن سوق المال الإسلامي بما يمكن أن تتضمنه من أدوات إسلامية متقدمة مثل عقود الخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة بعد تطويرها بما ينفق والشريعة الإسلامية, سوف تسهم في تطوير نوعية العمل المصرفي الإسلامي, بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والعدالة, وبالتالي زيادة معدلات النمو والرفاهية.
وبناء على ما سبق سوف تشتمل هذه الدراسة على المباحث التالية:
المبحث الأول: التعريف بالسوق المالية ووظائفها.
المبحث الثاني: عقود الخيارات والمستقبليات في الأسواق المالية.
المبحث الثالث: عقود الخيارات من منظور إسلامي.
المبحث الرابع: العقود الآجلة والمستقبليات من منظور إسلامي.
المبحث الخامس: مقترح إنشاء سوق مالية إسلامية.
المبحث الأول: التعريف بالسوق المالية ووظائفها:
ويشتمل على المطالب التالية:
المطلب الأول: التعريف بالسوق المالية.
المطلب الثاني: وظائف السوق المالية.






المطلب الأول: التعريف بالسوق المالية:
يطلق مصطلح السوق المالية بمعناه الضيق على سوق أو بورصة الأوراق المالية, كما يطلق بمعناه الواسع على مجموع التدفقات المالية في المجتمع سواء كانت لآجال قصيرة أو متوسطة أو طويلة بين أفراده ومؤسساته وقطاعاته, وفي ضوء هذا المعنى الواسع فإن السوق المالية لا تنحصر في مكان محدد, وإنما في معاملات محددة, ومن هنا فإن مصطلح السوق المالية الإسلامية, يمكن أن يتضمن المعاملات المالية المنضبطة بالضوابط الشرعية . (إسماعيل حسن, 1987, 43)
ومن المعلوم أن تحقق المعنى الضيق يرتبط بتحقق المعنى الواسع, فلن توجد أسواق أوراق مالية إسلامية ما لم توجد أوراق مالية إسلامية, ولن توجد هذه الأوراق ما لم توجد مؤسسات مالية إسلامية تصدرها, وبنك مركزي إسلامي أو جهاز مركزي إسلامي يمنح ترخيصاً بإصدارها.. وهكذا يمكن القول أن السوق المالية تشتمل على البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الاستثمار المالي والمؤسسات المالية وبورصات الأوراق المالية وكافة المؤسسات التي تتعامل مع التدفقات المالية, ولكي تكون السوق المالية إسلامية فينبغي أن تخضع هذه المؤسسات والبنوك للضوابط الشرعية.
وتتكون السوق المالية من عدة أسواق متداخلة مع بعضها البعض وهي:
1- سوق النقد: وهي السوق التي تتعامل بأدوات الائتمان قصيرة الأجل (لا تزيد عن سنة) مثل النقود المتداولة والشيكات الكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية المقبولة الدفع.
2- سوق المال: وهي السوق التي تتعامل بأدوات الائتمان متوسطة أو طويلة الأجل وتتداول فيها الأسهم والسندات, وغيرها من القروض التي تتراوح آجالها من (5-3 سنة).
3- سوق الصرف: ويتم التعامل فيها بطريقتين عاجلة وآجلة, أما سوق الصرف العاجلة فيتم التعامل فيها عن طريق التحويلات البرقية والبريدية والحوالات العاجلة إضافة إلى الشراء النقدي. بينما يتم التعامل في سوق الصرف الآجل بالحوالات الآجلة والعقود المؤجلة.
ولا توجد حدود فاصلة بين أسواق النقد وأسواق رأس المال وأسواق الصرف, ويستدل على هذه الأسواق بنوعية الأوراق والنقود المتداولة. فالاقتراض أو الإيداع لدى مصرف لمدة أشهر معدودة يعتبر تعاملاً مع سوق النقد لأنه تعامل قصير الأجل, وإذا باع المصرف أسهماً لشركة ما كان بمثابة سوق لرأس المال لأنه تعامل طويل الأجل, وإذا كانت الأسهم لشركة أجنبية في الخارج, وقام المصرف بتحويل عملات المساهمين إلى العملة الأجنبية التي تقبلها الشركة في الخارج كان بمثابة سوق الصرف. (عيسى,1984, 12-14).

المطلب الثاني: وظائف الأسواق المالية:
من خلال التعريف السابق للسوق المالية, يظهر لنا أنها تمثل البيئة أو الأوعية التي يتم من خلالها انسياب التدفقات المالية في المجتمع, فهي بمثابة الشرايين التي تغذي عروق الاقتصاد الوطني بالأموال اللازمة لاستمرارية عمله بشكل سليم, وكلما كانت هذه الشرايين واسعة سليمة, كان الاقتصاد الوطني بعيداً عن الجلطات أو الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تلحق به, وتعيقه عن التقدم, بل إن السوق المالية المنتظمة والمنضبطة تزيد من ثقة الأفراد والمؤسسات في سلامة الوضع الاقتصادي, مما يزيد من جذب المدخرات, واستقطاب الاستثمارات الأجنبية, وبالتالي زيادة معدلات الأداء والنمو الاقتصادي, بما يزيد من تقدم البلد ورفاهية مواطنيه.
وتؤدي سوق الأوراق المالية (البورصة) بشكل خاص وظائف هامة على مستوى الاقتصاد القومي والمؤسسات والأفراد, فبالنسبة للاقتصاد القومي تحقق سوق الأوراق المالية المزايا التالــــية (محيي الدين,1986, 147, قحف, 1990, 1670):
1- تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار في المشاريع المنتجة.
2- توزيع رأس المال على مختلف الأنشطة الاستثمارية.
3- تمثل سوق الأوراق المالية حلقة اتصال بين جميع الفعاليات الاقتصادية.
4- تمهد الطريق أمام السلطات النقدية للمزج بين السياستين المالية والنقدية.
5- تعمل على جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
6- تعتبر مؤشراً هاماً على حقيقة الوضع الاقتصادي واتجاهات الأسعار ومعدلات الادخار والاستثمار
أما أهمية سوق الأوراق المالية بالنسبة للأفراد والمؤسسات فهي كما يأتي (محيي الدين, 1986, 150, القري, 1990, 1582)
1- تسهيل عمليات الاستثمار للآجال القصيرة.
2- تساعد على سرعة تداول الأوراق المالية ومعرفة أسعارها وتحويلها إلى نقد سائل.
3- التعرف على المراكز المالية للشركات من خلال إدراج الأوراق المالية في سوق الأوراق المالية.
إن عدد مؤسسات الأسهم المتخصصة, والمؤسسات التي تقوم تقديم أسهم رأسمالية من خلال البورصة قليل جداً في الدول الإسلامية, وتوجه كثير من المؤسسات المالية في الدول الإسلامية جزءاً كبيراً من مواردها إلى الأسواق المالية في البلدان الصناعية... ونظراً لأهمية رأس المال في المدى الطويل لتحقيق النمو الاقتصادي فإن إنشاء مؤسسات توفر أسهما – رأسمالية- يعتبر شرطاً أساسياً لنجاح التمويل الإسلامية.. إن على المؤسسات المالية الإسلامية أن تضع في اعتبارها التطورات التي حدثت في الأسواق المالية الدولية. ففي جميع أرجاء العالم يهجر آلاف المدخرين حسابات البنوك التقليدية والسندات الحكومية ذات العائد المنخفض, ونتيجة لذلك تشهد أسواق الأسهم معدلات مرتفعة من النمو.. إن التحدي الذي تمثله هذه التطورات للبنوك الإسلامية يقتضيها إعداد نفسها بسرعة للدخول في أسواق الأسهم التي يتزايد نشاطها وينمو بسرعة (إقبال, 2001, 44- 47).
ومما يؤكد أهمية الأسواق المالية ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في الفقرتين الأولى والثالثة:
"إن الاهتمام بالأسواق المالية هو من تمام الواجب في حفظ المال وتنميته, باعتبار ما يستتبعه من التعاون لسد الحاجات العامة, وأداء ما في المال من حقوق دينية, أو دنيوية"
وفي الفقرة 3 "إن فكرة الأسواق المالية تقوم على أنظمة إدارية وإجرائية, ولذا يستند الالتزام بها إلى تطبيق قاعدة المصالح المرسلة" (أبو سليمان / فقه الضرورة, 155).

المبحث الثاني
عقود الخيارات والمستقبليات في الأسواق المالية
سبقت الإشارة إلى أن أدوات السوق المالية كثيرة ومتنوعة وربما يصعب حصرها, غير أن من أهم هذه الأدوات والتي لم تتطرق إليها البحوث الاقتصادية الإسلامية, عقود الخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة, وفيما يلي عرض تفصيلي لهذه الأدوات, وذلك من أجل محاولة تقييمها فقهياً ومن ثم محاولة تطويرها بما يتفق والشريعة الإسلامية, وذلك في المطالب التالية:
المطلب الأول: عقود الخياراتOption contracts :
تعامل الناس بعقود الخيارات منذ قرون عديدة, وذلك من خلال مكاتب التجار وبيوت السماسرة, ومن خلال أسواق غير منظمة.
ويذكر هوانج ورندال كما منير هندي (1999, 629) أنه قبل إنشاء السوق المنظمة كانت السوق تشتمل على عدد محدود من التجار والسماسرة يتبعون اتحاد تجار خيار البيع والشراء Put and call dealers association , وكان التجار أو السماسرة يعلنون عبر الصحف المتخصصة عن استعدادهم لإبرام الصفقات ومساعدة الأطراف المختلفة على التفاوض والوصول إلى اتفاقات بشأن تاريخ التنفيذ وسعر التنفيذ ومقدار العمولة, وقد استمر هذا الوضع على حاله إلى أن ظهرت أول سوق منظمة لعقود الخيارات عام 1973 في مدينة شيكاغو, أطلق عليها سوق بورصة شيكاغو Chicago Board Options Exchange (CBOE) حيث عملت هذه السوق على إدخال تعديلات جوهرية على أسس التعامل في السوق غير المنظمة, بحيث أصبح التعامل بالخيارات أكثر سهولة وسرعة, مما يعني تحسين سيولة الخيار (هندي, 1999, 631).
وقد ازداد التعامل بعقود الخيارات في الولايات المتحدة حتى أصبحت تزيد على مليون عقد يومياً تتضمن مئات البلايين من الدولارات, ولم ينتشر التعامل بها خارج الولايات المتحدة إلا في عقد الثمانينات حيث أصبحت متداولة في أكثر من أربعين سوقاً على مستوى العالم (القري, 1993, 21)
وكانت بورصة شيكاغو قد بدأت بخيارات الأسهم لخمس وعشرين شركة فقط, ثم ما لبثت أن ازدادت إلى أكثر من خمسمائة شركة, ولتشتمل على أسواق الأسهم والأوراق المالية والعملات والمعادن الثمينة وبقية السلع الرئيسية.
وفي الوقت الذي ينظر فيه كثير من الباحثين في قضايا المال والاستثمار إلى الخيارات كأفضل ما استطاع الفكر الاستثماري إنجازه حتى الآن, يرى بعض المستثمرين أن الخيارات هي من أكثر الأدوات أو الأفكار الاستثمارية غموضاً, وبالتالي ينأون بأنفسهم عن التعامل بها. (أسعد, 2001, 71-73)
أنواع الخيارات:
تتعد الخيارات باعتبارات عديدة وأنواع وأشكال عديدة, فهناك خيارات التعهدات والمؤشرات وخيارات خاصة ببعض الشركات أو المؤسسات أو العملات (القري, 1990, 1605-1615) غير أنه يكاد يتفق الباحثون في هذا المجال على أن هناك نوعين من الخيارات يعتبران الأهم والأكثر انتشاراً في التعامل في الأسواق المالية وهما:
1- خيار الطلب أو الشراء Call option) )
وهو اتفاق يعطي حامله الحق (وليس الإجبار) the right but the obligation في شراء سهم معين أو أية أوراق مالية أخرى بسعر محدد خلال فترة محددة غالباً ما تكون تسعين يوماً. ويسمى السعر المتفق عليه بين الطرفين بالسعر الضارب ( strike price ) ويفهم من هذا التعريف أن هذا الخيار يعطي المشتري الحق في تنفيذ الشراء أو إلغائه خلال فترة محددة أما البائع فلا يجوز له التراجع عن الصفقة مادام قد قبض ثمن الخيار وهو ما يعرف بالعمولة أو premium. فالمشتري حصل على الأمان ضد انخفاض قيمة الصفقة, والبائع حصل على العمولة الإضافية لقيمة الصفقة وقت العقد إذا ما أتم المشتري الشراء.
2- خيار العرض أو الدفع (put option )
وهو اتفاق يعطي مشتري هذا الخيار- وهو مالك الأوراق المالية- الحق في بيع عدد معين من الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى بسعر معين خلال فترة محددة, وليس عليه إجبار بالبيع فهو بالخيار, أما قابض ثمن الخيار فهو مجبر على الشراء إذا ما قرر مشتري هذا الحق البيع بالسعر المتفق عليه خلال الفترة المحددة.
ويفهم من التعريف السابق أن مشتري هذا الحق هو صاحب الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى وأنه يرغب ببيعها, ولكنه يخشى هبوط أسعارها, فيقوم بشراء حق خيار البيع إذا ما كان السعر مربحاً له, ويكون بالخيار وليس عليه إجبار, أما قابض ثمن الخيار, وهو الذي سيقوم بشراء الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى إذا ما قرر الطرف الأول ذلك, فهو مجبر على الشراء خلال الفترة المتفق عليها لأنه قبض ثمن الخيار. (القري, 1993, 22)
ويتم تنفيذ الخيارات بثلاثة طرق هي (الطراد وعباد, 1999, 165-166):
1- الخيار الأمريكي: هو الذي يعطي لحامله الحق في شراء أو بيع عدد من الأسهم أو الأوراق المالية خلال فترة محددة, وبسعر محدد مسبقاً, ويمتاز هذا الأسلوب بالمرونة الكبيرة لصاحب الخيار فهو ليس محصوراً بتاريخ محدد وإنما خلال فترة محددة.
2- الخيار الأوروبي: وفيه يكون حامل حق الخيار محصوراً في تاريخ محدد هو آخر مدة الخيار, ولا يستطيع تنفيذ الخيار إلا في هذا التاريخ.
3- طريقة برمودا: ومن خلال هذه الطريقة يتم وضع عدة محطات محددة يمكن فيها تنفيذ الخيار, ومن الملاحظ أن هذه الطريقة تجمع بين الطريقتين السابقتين.
المطلب الثاني : العقود الآجلة:
والعقد الآجل عبارة عن اتفاقية بين شخصين لتسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلاً وبسعر محدد يسمى سعر التنفيذ, ويتحدد في العقود عادة مواصفات الأصل كدرجة الجودة أو التصنيف والكمية وطريقة التسليم ومكان التسليم والسعر وطريقة السداد حيث يتم التفاوض على جميع هذه الأمور بين البائع والمشتري.
وقد تستخدم العقود الآجلة للوقاية من تقلب الأسعار السوقية للسلع أو لأذونات الخزانة أو السندات أو القروض أو حتى أسعار الفائدة, وعندها تسمى العقود الآجلة لأسعار الفائدة (FRA) forward rate agreement فبإمكان المستثمر الذي يريد الحصول على قرض معين مثلاً أن يقوم بشراء عقد آجل لأسعار فائدة بمعدل فائدة ثابت محدد مسبقاً, وأن يلزم الطرف الآخر بالتنفيذ خلال فترة محددة في العقد, وبذلك يضمن حماية نفسه من مخاطر ارتفاع سعر الفائدة. (خريوش, 1999, 225 –226).
كما تستخدم العقود الآجلة لتقليل خطر تذبذب أسعار صرف العملات, وذلك بإبرام العقود الآجلة لأسعار الصرف في الأسواق العالمية. فإذا قام (أ) ببيع بضاعة على الحساب إلى (ب) في دولة أخرى على أن يقبض ثمنها بعد ستة شهور مثلا بالعملة الأجنبية, وتوقع (أ) أن تنخفض قيمة العملة الأجنبية مستقبلاً فإن بإمكانه أن يبيع العملات الأجنبية هذه من خلال السوق بسعر صرف يتم الاتفاق عليه آنيا على أن يتم التسليم بعد ستة شهور, وبذلك فإن أي انخفاض بالعملة الأجنبية لن يؤثر على صافي المبلغ الذي سوف يقبضه بعملته المحلية. وفي العادة فإن الصحف والمجلات العالمية تنشر معلومات تفصيلية عن أسعار العقود الآجلة والمستقبلية للعملات بتواريخ متعددة قد تمتد من شهر إلى 12شهر. (خريوش,1999,213).
المطلب الثالث: عقود المستقبليات Future contracts
وهي عبارة عن اتفاقات بين مستثمرين ومؤسسات مقاصة clearingcooperation لاستلام أو تسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلا وبسعر محدد سلفاً. وتكون العقود المستقبلية نمطية موحدة من حيث تواريخ الاستحقاق, ويتم تداولها بوحدات نقدية موحدة أو بمضاعفاتها, فمثلا يتم تداول العقود المستقبلية في الولايات المتحدة بوحدات نقدية 100,000 دولار أو مضاعفاتها. وتكون العقود بين مؤسسة المقاصة والبائع وبين مؤسسة المقاصة والمشتري, ويحتفظ عادة بسجلات تبين أوضاع المتعاملين في نهاية كل يوم, لأن أسعار العقود المستقبلية تتغير بشكل دائم, فإذا كانت تحركات الأسعار قد أدت إلى زيادة حقوق الملكية في العقد فإن هذه الزيادة تسجل لصالح المتعامل ويستلمها نقداً, وبذلك يتحقق الربح والخسارة يومياً عند ارتفاع أو انخفاض الأسعار.
وتغطي الأرباح والخسائر اليومية من الهوامش التي يكون المشتري قد دفعها منذ البداية, وهي نوعان: هامش ابتدائي لضمان تنفيذ الشروط, وهامش تغطية الخسائر لتغطية أية خسائر مبدئية تنتج عن تحركات أسعار البورصة, فإذا وصل الانخفاض في تحركات الأسعار إلى أقل من هامش تغطية الخسائر المدفوع فإن مؤسسة التقاص تطلب من المشتري دفع هامش إضافي لكي يتم تعويض هذا الانخفاض في الأسعار (خريوش وآخرون, 1999, 226-227)
وتتكون بورصة المستقبليات من عدة أعضاء وهؤلاء الأعضاء هم ممثلون عن شركات سمسرة رئيسية Major Brokerage Firms بنوك ومؤسسات استثمارية وبعض المتعاملين المستقلين, ولابد من ترخيص كل من تجار المستقبليات بالعمولة, ووسطاء أو سماسرة القاعة من قبل هيئة التعامل بمستقبليات البضائع.
ويوجد لكل بورصة مستقبليات مؤسسة تسوية أو تقاص, تقوم بضمان كل عقد يتم تداوله داخل البورصة, بما يحافظ على المصداقية المالية للبورصة, ويقوم مشتري وبائع العقد المستقبلي بالاتفاق على سعر العقد المعني من خلال مزاد تنافسي يتم في البورصة, ويكون سعر المزاد أكثر شفافية بحيث يستطيع كل المشترين رؤية كل البائعين على كل سعر, إن الهامش بين أفضل سعر للشراء وأفضل سعر للبيع عادة ما يكون ضيقاً لمعظم المستقبليات المالية, يستثنى من ذلك مستقبليات العملة.
وتتغير الأسعار عادة وفقا لعوامل العرض والطلب, ويستطيع أي شخص التعامل بالمستقبليات, وذلك من خلال أحد السماسرة (تجار المستقبليات بالعمولة) والذي يكون في العادة أحد أعضاء بورصة المستقبليات, ومع ذلك فإن معظم التعامل بالمستقبليات المالية يتم بواسطة البنوك أو المؤسسات المالية المتخصصة. (مخامرة, 2000, 69-71).
أوجه الشبه والاختلاف بين العقود الآجلة والمستقبليات:
تتفق العقود الآجلة والعقود المستقبلية من حيث أنها تتعلق بتسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلا وبسعر محدد سلفا, إلا أنها تختلف فيما بينها في عدة أمور:
1- العقود الآجلة تحدد شروطها باتفاق وتراضي الطرفين أما المستقبليات فإنها عقود نمطية موحدة من حيث قيمتها وتواريخ التسليم.
2- العقود الآجلة تتم بين طرفين البائع والمشتري أما المستقبلية فإنـها تكون بين ثلاثة أطراف بين مؤسسة التقاص والبائع ومؤسسة التقاص والمشتري.
3- في العقود الآجلة يحدد الهامش مرة واحدة يوم توقيع العقد, أما المستقبليات فيتم الاحتفاظ بهوامش متحركة لتعكس تحركات الأسعار.
4- في العقود الآجلة تتم تسوية العقد في تاريخ التسليم أو الاستحقاق أما المستقبليات فيمكن تسوية العقد في أي وقت قبل تاريخ الاستحقاق.
5- في العقود الآجلة يتحقق الربح والخسارة في تاريخ التسليم أما المستقبليات فيتحقق الربح أو الخسارة يومياً عند ارتفاع أو انخفاض الأسعار.

المبحث الثالث
عقود الخيارات من منظور إسلامي:
المطلب الأول: آراء العلماء المعاصرين في عقود الخيارات:
من الواضح أن هناك فروقاً جوهرية بين الخيار الشرعي المعروف في الفقه الإسلامي وعقود الخيارات المتداولة في الأسواق المالية, من أبرز هذه الفروق أن الخيار الشرعي ليس له وجود مستقل دون عقد البيع, فهو جزء من عقد البيع, وأحكامه الشرعية مرتبطة بعقد البيع.
أما الخيار المالي فهو عقد مستقل ناجز فيه عاقدان وصيغة ومحل العقد, وهو حق معنوي والتزام وليس محله أسهم أو سندات أو أعيان.
ومع ذلك فإن للعلماء في عقود الخيارات رأيان: الأول: التحريم, الثاني: الجواز.
الرأي الأول: المحرِّمون:
يرى معظم العلماء المعاصرين تحريم هذه العقود, فقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة في مدينة جدة عام 1992 إلى عدم جواز عقود الخيارات, حيث جاء في القرار رقم (65/6/7) "بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الخيارات وبعد الاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله, تقرر: أن المقصود بعقود الاختيارات الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين وحكمه الشرعي أن عقود الاختيارات- كما تجري اليوم في الأسواق المالية- هي عقود مستحدثة لا تنطوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه فإنه غير جائز شرعاً وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداء فلا يجوز تداولها"
(www.fatawa .al-islam.com)
وفي سؤال موجه للجنة الفتوى لبيت التمويل الكويتي حول عقود الخيارات أجابت اللجنة:
" لا يجوز بيع العملات بالخيار لأنه بيع غير بات ويجوز اشتراط الخيار فيما عدا ذلك من الأسهم أو السلع مع مراعاة شروط بيع الخيار في كتاب الفتاوى الشرعية في بيت التمويل ونصها: إجراء عقد بيع مقترن بخيار شرط لبيت التمويل, وهو بيع تنتقل فيه الملكية ويكون المبيع على ضمان المشتري (الطرف الثاني) ومن حق الطرف الأول البت في العقد أو فسخه خلال مدة الخيار المحددة ويمكن أن يؤجل دفع الثمن المتفق عليه لما بعد البت بمدة يتفق عليها ولابد من التثبت من حقيقة ورود البضاعة وقابليتها للتسليم في أي لحظة عقب الشراء"
وقد بحث د/ أحمد محيي الدين في رسالته للماجستير بعنوان "عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية" وهذا الموضوعتحت عنوان "رأي الفقه في البيوع الشرطية الآجلة" وقسمها إلى أربعة أشكال اعتبرها جميعا محرمة وهي:
1- البيع بشرط التعويض: وذلك بأن يعطى الخيار للبائع أو المشتري بأن ينفذ العقد أو يفسخه مقابل دفع تعويض متفق عليه مسبقاً.
2- البيع بشرط الزيادة: ويعطى فيها الخيار للمشتري بأن يستزيد من الشراء في موعد التصفية.
3- البيع بشرط الانتقاء: ويعطى فيها الخيار للمتعاقد بأن يختار في موعد التصفية وضع البائع أو وضع المشتري بكمية محدودة من السلع وبسعر محدد مسبقاً.
4- العمليات المركبة من العمليات السابقة. (محيي الدين, 1986, 266).
ومن أبرز الأدلة التي يستشهدون بها على التحريم ما يلي (محيي الدين, 1986, 268-278, رضوان, 1996, 470-489, كمال, 1996, 219-222, هارون, 271, 1999- 277, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, 1273, 1990- 1721)
1- تعارض عقود الخيار الشرطية مع قصد الشارع لتحقيق العدل:
فالخيار لم يشرع لكي يرى المستفيد منه هل تطور الأسعار يكون لصالحه فينفذ الصفقة أم لا يكون كذلك فيختار فسخ العقد... إن خيار الشرط لم يبح من أجل أن يقرر المستفيد منه هل هو بائع أم مشتر, أو أن يطلب المشتري المزيد من السلعة المشتراة أو البائع المزيد من السلعة المباعة (في حالة البيوع المضاعفة).
فعدم العدل في هذه العقود يكمن في إعطاء أحد العاقدين فرصة واسعة لأن يحقق أرباحاً على حساب المتعاقد الآخر...
2- اعتبار الشروط المرافقة لعقود الخيارات من الشروط الفاسدة:
فالشروط الفاسدة تضم كل شرط لا يقتضيه العقد أو يكون فيه منفعة لأحد العاقدين لا يوجبها العقد ... فيه شروط ليست من مقتضى العقد, أو تنافي مقتضى العقد, أو تشتمل على غرض يورث التنازع.
3- انطواء البيوع الآجلة الشرطية على بيع الإنسان ما ليس عنده:
فالذي يشتري حق خيار شراء الأسهم لن يكون بحاجة إلى امتلاك الأسهم, وكل ما يحتاجه هو أن يكون له رصيد معين في حسابه لدى السمسار. بنقل رضوان (1996, 477) عن أحد علماء التمويل والاستثمار:
you do need to own the stock,you just need to maintain balance in your brokerage account.
4- صورية أغلب البيوع الخيارية الشرطية:
أغلب البيوع الشرطية صورية ولا يجري تنفيذها ولا يترتب عليها بالتالي تمليك ولا تملك فلا المشتري يتملك المبيع, ولا البائع يتملك الثمن, ولما كانت عقود البيع إنما وضعت شرعاً لإفادة التمليك, ولما كانت عقود الخيار غير مؤدية لهذا الغرض كانت غير محققة لهذا المقتضى, وما خالف مقتضى العقد فهو باطل.
5- الغرر في عقود الخيارات:
فهذه العقود تترافق مع غرر كبير يتمثل في الجهالة والترقب وانتظار تقلبات الأسواق وما تأتي به من ارتفاع أو انخفاض في أسعار السلع أو الأوراق المالية, وما ينجم عن كل ذلك من خسائر للبعض ومكاسب لآخرين.
الرأي الثاني: المجيـزون
ذهبت الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية (1982, 5/224) إلى جواز عقود الخيارات الشرطية, وإلى أن المال الذي يأخذه البائع من المشتري هو حق له فلا يرد إلى دافعه... ولما كان للطرف الآخر نفس الحق في الخيار فإنه يجوز أن يبيعه حقه هذا, يدفعه من يشتري حق الخيار إلى من باع له هذا الحق من مال مقابل تخويله حق فسخ العقد خلال مدة الخيار هو حق للبائع لا يرد إلى دافعه, وتضيف الموسوعة " وكما جوزنا العمليات الشرطية البسيطة, فإننا نرى جواز العمليات الشرطية المركبة لنفس الأسباب" وكذلك أجازها د/ وهبة الزحيلي في بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة (الزحيلي, 1990, 1331-1332).
وقد استدلوا بعدد من الحجج والأدلة منها:
- قوله تعالى: } يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود{ (المائدة:1)
- قوله r: "والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالا أو أحل حراماً" (سنن أبي داود, 830 , وقال الألباني في إرواء الغليل "صحيح" 5/142)
- تحقق مصلحة أكبر من المفسدة.
- ضرورة وجود سوق مالية إسلامية.
الترجيح:
ومن خلال تأمل أدلة الفريقين, يظهر بوضوح ضعف الأدلة التي استدلت بها الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية, وذلك لأنها أدلة عامة لا تفيد وجه الاستدلال الذي ذهبت إليه الموسوعة, ولا شك أن عقود الخيارات كما يجري التعامل بها في أسواق الأوراق المالية تنطوي على الكثير من المخالفات الشرعية, وهذا يتطلب البحث في محاولة إزالة هذه المخالفات الشرعية بتطوير هذه العقود لكي تتفق مع الشريعة الإسلامية, ومع ذلك فقد وجدت محاولات لإدراج عقود الخيارات ضمن العقود الشرعية, فهل تتسع العقود الإسلامية المسماة لمثل هذه العقود؟ هذا هو موضوع المطلب التالي.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لعقود الخيارات:
من خلال الاستقراء والتأمل يمكن أن يندرج عقد الخيار الذي تتعامل به الأسواق المالية في الوقت الحاضر- بعد إضافة الضوابط الشرعية وتغيير العقود المنظمة لهذه العقود- تحت عدد من العقود والتكييفات الفقهية التالية:
أولا: عقد الخيار هو حق معنوي.
ثانيا: عقد الخيار هو بيع عربون.
ثالثا: محل عقد الخيار هو ضمان أو كفالة.
رابعا: عقد الخيار هو أشبه ما يكون بنظام التأمين التجاري.
وسوف نبحث هذه التكييفات الفقهية تفصيلا فيما يلي:
أولا: عقد الخيار والحقوق المعنوية:
سبقت الإشارة إلى أن عقد الخيار هو حق معنوي, فما هو حكم الشريعة الإسلامية في الحقوق المعنوية, وهل كافة الحقوق المعنوية معتبرة شرعا ويمكن الاعتياض عنها أو مبادلتها بمال؟
يقسم الفقهاء الحقوق إلى قسمين (العثماني, 1988, 2358):
الحقوق الشرعية: وهي التي ثبتت من قبل الشارع, ولا مدخل في ثبوتها للقياس, مثل حق الشفعة, وحق الولاء, وحق الوراثة, وحق النسب, وحق القصاص, وحق التمتع بالزوجة, وحق الطلاق, وحق الحضانة والولاية... إلخ.
الحقوق العرفية: وهي التي ثبتت لأصحابها بحكم العرف والعادة, مثل حق المرور في الطريق, وحق الشرب, وحق التعلي, وحق التسييل, وحق وضع الخشب على الجدار.
وما يهمنا في هذا البحث هو النوع الثاني من الحقوق, فهل يجوز الاعتياض عن هذه الحقوق, وبمعنى آخر هل يجوز بيعها؟
اختلف الفقهاء في ذلك, وأصل الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة هو اختلافهم في معنى المال, فمن قال بأن هذه الحقوق أموالا أجاز بيعها, ومن قال بأن المال يشمل الأعيان فقط منع بيع هذه الحقوق لأنها ليست أعيانا, وهذا هو رأي معظم فقهاء الحنفية, أما جمهور الفقهاء فهم مع الرأي الأول الذي يعتبر هذه الحقوق أموالا, وبالتالي يجوز بيعها.
ويمكن ملاحظة أن معظم الأدلة التي يستدل بها لجواز بيع الحقوق العرفية هي أدلة عقلية, تستند إلى قاعدة المصالح المرسلة وتنسجم مع المقاصد الشرعية العامة التي تدعو إلى جلب المصالح ودرء المفاسد بشكل عام.
ومن أبرز هذه الأدلة (شبير, 1996, 65):
1- إن هذه الحقوق تمثل منافع دائمة لأصحابها, وبالتالي يمنكهم بيع بعض هذه المنافع.
2- إن هذه الحقوق يمكن أن تكون ثمرة جهود ذهنية وعمل متواصل وبالتالي فإن أصحابها هم أحق بهذه الثمرة أو الغلة, ويمكن لهم بيع بعضها متى شاءوا ذلك.
3- إن هذه الحقوق ثابتة لأصحابها, ويتحملون وحدهم تكاليفها ومسئولياتها في حالة الضرر, وفي المقابل فإن غلتها وثمرتها يجب أن تعود إليهم.
ويمكن ملاحظة إن من أهم الأسباب التي يستند إليها الفقهاء في تحريم بيع الحقوق المعنوية الغرر أو الربا, وفي حالة عقد الخيار محل بحثنا هنا فليس هناك أدنى شك أنه متى ترافق عقد الخيار مع الربا أو الغرر الفاحش أو القمار فإنه يصبح عقدا باطلا لا يصح التعامل به, ولذلك لابد من إزالة الربا أو الغرر أو القمار في حالة وجوده حتى يكون هذا العقد مشروعا.
ثانيا: عقد الخيار وبيع العربون:
يرى د/ محمد القري (1993, 22) أن خيار الشراء هو أشبه ما يكون ببيع العربون, وبيع العربون جائز عند الحنابلة على خلاف الجمهور. ومثاله أن يشتري الرجل السلعة بألف دينار, فيدفع من ثمنها جزءا (عشرة دنانير مثلا), ويقول للبائع إذا لم أشتر منك غدا فالدنانير العشرة لك, ويعد هذا العقد ملزما في حق البائع أي أنه لا يستطيع أن يمتنع عن تنفيذه, أما المشتري فهو بالخيار خلال المدة المتفق عليها.
آراء الفقهاء في بيع العربون والرأي الراجح (الصنعاني, 1960, 17, أبو رخية, 1986, 11-26):
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز بيع العربون, بينما ذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى جوازه (ابن قدامة, 1972, 4/257) ومن أبرز ما استدل به الحنابلة ما يلي:
1- ما رواه سفيان بن عيينة عن... نافع بن الحارث عامل عمر على مكة أنه اشترى من صفوان ابن أمية دارا لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم واشترط عليه نافع إن رضي عمر, فالبيع له, وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم (ابن القيم, 1973, 3/389).
2- ما روي عن ابن سيرين أنه قال عن بيع العربون لا بأس به, وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا, وقال أحمد هذا في معناه- أي في معنى بيع العربون-.
3- ما أخرجه البخاري في باب ما يجوز من الاشتراط "قال الرجل لكريه أدخل ركابك (جهز الدابة) فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه" (ابن حجر, 1379هـ, 5/354).
واستدل الجمهور بالأدلة التالية:
1- قوله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل{ (النساء:92).
2- نهى النبي r عن بيع الغرر. (مسلم بشرح النووي, 1349هـ, 3/156) وبيع العربون من بيوع الغرر.
3- عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله r نهى عن بيع العربان. قال الألباني في إرواء الغليل: ضعيف (1979, 5/63).
مناقشة أدلة المحرمين:
1- استدلالهم بالآية استدلال عام.
2- موضوع الغرر في بيع العربون ليس مؤكدا.
3- حديث عمرو بن شعيب ضعيف لا يصلح للاحتجاج به.
مناقشة أدلة المجيزين:
1- واقعة شراء دار صفوان بن أمية لعمر رضي الله عنه تشبه بيع العربون, والاستدلال بهذه الحادثة استدلال سليم.
2- ما أجازه ابن القيم وابن سيرين وسعيد بن المسيب يتشابه مع بيع العربون.
الرأي الراجح:
من خلال استعراض الأدلة السابقة ومناقشتها نتبين أن أدلة المجيزين هي الأقوى خاصة أن هذا الرأي هو الذي ينسجم مع تحقيق المقاصد الشرعية المتمثلة في دفع الضرر والحرج والمشقة, ففي تحريم العربون تضييق على الناس ومصالحهم, وسماح بإيقاع الضرر, والمتمثل في تفويت الفرص على البائع أو المؤجر, أو تعريض الأعيان والخدمات لتقلبات الأسعار وتدهورها.
وبناء على ذلك نص القانون المدني الأردني على دفع العربون ومثله في حالة النكول, جاء في المادة 107 "فإذا عدل من دفع العربون فقده, وإذا عدل من قبضه رده ومثله"
إلا أن مضاعفة مقدار العربون ضرر وحرج ومشقة, ولذلك ينبغي أن يلتزم العاقدان بما اتفقا عليه وهو مقدار العربون فقط. (أبو رخية, 27-28)
وقياسا على حكم بيع العربون, يمكن القول بجواز عقود خيار الشراء, إذا سلمت من المخالفات الشرعية الأخرى, أما عقود خيار البيع, فيمكن الحكم عليها من خلال معرفة حكمك الالتزام أو الضمان أو الكفالة, أو حكم التأمين التجاري, وهو ما سيبحث في الفقرتين التاليتين.
ثالثا: عقد الخيار هو التزام أو ضمان أو كفالة:
هل الالتزام أو الضمان يصلح لأن يكون مادة لعقود المعاوضات؟
للفقهاء في ذلك عدة آراء أشهرها قولان:
القول الأول:
إن محض الالتزام فيه منفعة مقصودة ومصلحة مشروعة مشابهة للمنافع التي تبذل في الوديعة والعارية والوكالة, ولذلك يصح أن يكون محلا للعقد في الضمان والوديعة, كما جاز مبادلته بالمال في كثير من الفروع والمسائل والتطبيقات عند الفقهاء (حماد, 1997,103) ومن هذه التطبيقات:
جواز أخذ الأجر على محض الالتزام بالحفظ في الوديعة, ولو لم يكن إلى جانبه عمل.
جواز أخذ العوض المالي على بعض الالتزامات الجائزة شرعا, مثل أن تدفع المرأة لزوجها مقابل التزامه بعدم الزواج عليها, أو يدفع الرجل لزوجته مبلغا مقابل التزامها بعدم الزواج بعد وفاته.
جواز دفع مبلغ من المال من الدائن للمدين إذا أحضر المدين ضامنا أو كفيلا يكلفه في سداد دينه, فالالتزام في عقد الكفالة مما يصح بذل المال في مقابلته. (حماد, 1997, 105).
ومن الأدلة أيضا:
جواز اشتراط الأجر على الرقية بالقرآن, وجواز أخذ الأجر على الطاعات كتعليم القرآن والأذان والإمامة وغيرها (حماد, 109) فهذه قرب وطاعات, فإذا كان الضمان أو الكفالة قربة وطاعة, فلا يمنع أخذ الأجرة عليها.
القول الثاني:
يرى بعض الفقهاء أن الحقوق أو الالتزامات أو الضمان أو الكفالة وكل ما ليس له صفة مادية محسوسة لا يجوز بيعه أو شراؤه لأنه ليس بمال فهو شبيه بحق الشفعة وحق الحضانة والولاية, فتلك حقوق معنوية لم يجز الشارع بيعها أو التنازل عنها بعوض.
ومن أقوالهم في ذلك:
قال الحموي في حاشيته على الأشباه والنظائر: "أقول: لعل وجه عدم الصحة أن الكفالة ليس عملا يصح أن يجعل لها أجرا". (حماد, 113)
وقال السرخسي: "لو كفل رجل عن رجل بمال على أن يجعل له جعلا, فالجعل باطل (1406, 20/32)
وأدلتهم على هذا المنع:
أن أخذ مقابل بعض هذه الحقوق مثل الكفالة, معناه أخذ الرشوة (السرخسي, (20/32), والدخول في القمار والغرر, لأن المكفول قد يدفع وقد لا يدفع, فإذا دفع لكافله أصل المبلغ مع الجعل يكون رابحا, وإلا سوف يكون خاسرا.
والأرجح فيما تقدم من آراء الفقهاء جواز أخذ الأجرة على الالتزام أو الضمان أو الكفالة, لقوة الأدلة خاصة مع وجود معاملات مالية تبتعد بالكفالة عن عقود التبرعات, ويتحقق من خلالها مصالح ومكاسب لطرفي المعاملة, وبما لا يخالف المقاصد الشرعية. وقياسا على هذا الحكم يمكن القول بجواز خيار العرض أو الدفع إذا خلا من المخالفات الشرعية الأخرى فمالك الأوراق المالية الذي يدفع العمولة مقابل أن يكون له حق البيع في الفترة المتفق عليها يقوم بحماية ممتلكاته (من ا لأوراق المالية) بشراء التزام من الطرف الآخر بضمان هذه الأوراق بشرائها إذا رغب الطرف الأول.
رابعا: عقد الخيار هو شكل من أشكال التأمين التجاري:
وذلك أن مشتري الخيار في (خيار العرض أو الدفع) يؤمن نفسه ضد التقلبات التي قد تحصل في أسعار الأسهم التي يمتلكها مقابل عمولة أو ثمن الخيار الذي يدفعه, وهذه العمولة تكون مبلغا منخفضا مقارنة بالقيمة الكاملة للأسهم أو الأوراق المالية التي يمتلكها.
فكأنه عقد حراسة لممتلكاته, أو ما يدفعه لأمان خطر الطريق, أو هو نوع من التضامن لدفع الضرر الذي قد يصيبه, وهذه الحجج هي نفس الحجج التي يوردها المجيزون لعقد التأمين التجاري.
أما القمار في هذا العقد والذي يتحقق بخسارة العمولة إذا لم تنخفض قيمة الأسهم, فيمكن الرد عليه بأن ما يدفعه مشتري الخيار هو ثمن الأمان أو أجرة الحراسة وليس خسارة, ولو أنه لم يدفع هذا المبلغ فربما فقدت أسهمه قيمتها بالكامل, أما الطرف الآخر الملزم بالشراء إذا ما قرر الطرف الأول البيع, فينبغي أن يكون على شكل مؤسسة تأمين, تعمل وفقا لأسس علمية اقتصادية, من أجل تلافي أشكال الضرر التي يمكن أن تلحق حملة الأسهم والأوراق المالية الأخرى.
أما الغرر في هذا العقد والذي يحدث نتيجة الجهالة في مقدار التقلبات في قيمة الأسهم, فقد ترتفع قيمتها وقد تنخفض, فيرد عليه كما في الرد الأول, وذلك أن ما يدفعه مشتري الخيار هو أشبه بأجرة الحراسة أو ثمن الأمان من التقلبات, فعندما يدفع مشتري الخيار مبلغا محددا يحفظ ممتلكاته من الأوراق المالية من التدهور فإنه في هذه الحالة يجنب نفسه الغرر الكبير الذي كان سيحدث لو أن قيمة ما يمتلكه من أوراق مالية قد فقدت قيمتها.
وهذا الكلام يتطلب وجود أوراق مالية فعلا بيد مشتري الخيار, وإلا فإن العملية يدخلها الغرر والجهالة, وتتحول إلى مقامرة.

المبحث الرابع
العقود الآجلة والمستقبليات من منظور إسلامي:
سبقت الإشارة إلى أن للعقود الآجلة والمستقبليات أشكال عديدة, فهناك عقود آجلة للسلع أو لأذونات الخزانة أو السندات أو القروض أو حتى أسعار الفائدة كما أن هناك مستقبليات للسلع والأوراق المالية والعملات والمؤشرات وأسعار الفائدة.. إلخ وبالرغم من وجود اختلافات بين العقود الآجلة والمستقبليات, فإنه يجمع بينها الاتفاق على تسليم أصول معينة في تواريخ محددة مستقبلا.
ومن المؤكد أن بعض هذه العقود واضح الحرمة كمستقبليات أسعار الفائدة والمؤشرات, وبعضها يمكن أن يكون مشروعا إذا ما ترافق مع بعض الضوابط الشرعية, وهذا ما سوف يتضح في النقاط التالية:
المطلب الأول: العقود الآجلة في إطار عقد السلم
إذا ما كانت السلع طيبة مباحة, وكانت العقود التي تمثلها أو الأسهم المتداولة تمثل شركات مشروعة, فإن العقود الآجلة والمستقبليات في هذه الحالة هي أشبه ما تكون بعقود السلم الجائزة شرعا, فما مدى صحة هذا التكييف؟ وما هو عقد السلم وضوابطه الشرعية؟
عقد السلم:
يعرف بأن بيع موصوف في الذمة محصور في الصفة بوزن معلوم وكيل معلوم إلى أجل معلوم, وقد أجيز هذا البيع استثناء, لشدة الحاجة إليه كما أشار جمهور الفقهاء, حيث يصعب على المزارعين قضاء حوائجهم وتسيير أمورهم, إذا كانوا سينتظرون جني محاصيلهم أو قطف ثمارهم ثم بيعها والحصول على ثمنها, وقد لا يجدوا من يشتري هذه المحاصيل بالسعر المناسب لها.. ولذلك رخص النبي r لهم بالبحث عمن يشتري محاصيلهم قبل نضجها أو حتى قبل غرسها وجعل ذلك من خلال اتفاقات وعقود واضحة محددة لا مجال للجهالة فيها أو المقامرة أو الخداع, فحدد الكمية والنوع والصنف وكافة المواصفات وكذلك تاريخ التسليم بشكل دقيق لا مجال للتلاعب فيه, واشترط تسليم النقد في الحال, لينتفع به المزارعون, ويحضروا أنفسهم للوفاء بما تعهدوا به, وكذلك خروجاً من مسألة بيع الدين بالدين المنهي عنها شرعا.
كما اشترط الفقهاء أن يكون المسلم فيه من السلع أو البضائع المنضبطة الأوصاف, وذهب بعضهم إلى عدم جواز السلم في الحيوان أو بعض أصناف الفواكه لصعوبة ضبط صفاتها. غير أن الكثير من السلع التي لم يكن من الممكن تقديرها أو ضبط صفاتها قديماً, أصبح من الممكن تقديرها وضبط صفاتها في الوقت الحاضر, مع تقدم المقاييس الكمية والنوعية ومقاييس الجودة, حيث أصبح لكل سلعة خبراؤها وكلهم يقوم بعمله على أسس علمية متفق عليها, بما يمكن من ضبط هذه المنتجات وأوصافها بدقة لا تتفاوت كثيرا.. وبناء على ما تقدم فإنه يمكن القول بجواز السلم في كافة المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية والخدمية مادام من الممكن تقديرها وضبط صفاتها. (عمر, 1998, 54).
وقد اقترح عدد من الباحثين أن تقوم البنوك الإسلامية بما يسمى بالسلم الموازي, وذلك بأن تشتري سلعا من المزارعين أو التجار على أن يقوم التجار بتسليم السلع المتفق عليها للبنك الإسلامي في تاريخ محدد, ويقوم البنك الإسلامي في نفس الوقت ببيع هذه السلع لتجار آخرين على أن يقوم البنك الإسلامي بتسليم هذه السلع.
وقد رأى مؤتمر المستجدات الفقهية الأول جواز استعمال السلم والاستصناع الموازي مع مراعاة عدم الربط التعاقدي بين العقدين المتوازيين في السلم والاستصناع, وعدم إساءة استعمال الصيغتين باتخاذهما ذريعة للمحظور. (ارشيد, 2001, 116).
أوجه التشابه بين عقد السلم والعقود الآجلة:
هناك تشابه كبير بين عقد السلم والعقود الآجلة, حيث يوجد عقد بيع يتفق فيه الطرفان على التعاقد على بيع بثمن معلوم يتأجل فيه تسليم السلعة الموصوفة بالذمة وصفا مضبوطا إلى أجل معلوم, ومع ذلك فإنها تختلف عن عقد السلم في عدة أمور (القري, 1990, 1621):
الأول: أن المسلم فيه (السلعة) يباع قبل قبضه.
الثاني: أن رأس مال في العقود الآجلة والمستقبليات, لا يدفع معجلا بل يقتصر على دفع نسبة منه فكأن البدلين فيه مؤجلان.
الثالث: أنه لا غرض للبائع والمشتري بالسلعة وإنما غرضهما تحقيق الربح.
إن هذه الأمور تستلزم المناقشة الفقهية لعدد من المسائل الفقهية الهامة مثل:
المسألة الأولى: حكم بيع العقود قبل قبضها.
المسألة الثانية: مسألة المواعدة على الصرف.
المسألة الثالثة: حكم تأجيل تسليم رأس المال النقدي في السلم؟
المسألة الأولى: حكم بيع العقود قبل قبضها:
للفقهاء في هذه المسألة رأيان:
الأول: قول جمهور الفقهاء, خاصة الشافعية بعدم جواز بيع السلع وغيرها قبل قبضها.
وأصل الخلاف في هذه المسألة أن النبي r نهى عن بيع ما لم يقبض, وفي حديث حكيم بن حزام "لا تبع ما ليس عندك" وبه أخذ جمهور الفقهاء.
قال الشافعي في الأم: " وبهذا نأخذ, فمن ابتاع شيئا كائنا ما كان منقولا أو غير منقول, فليس له أن يبيعه حتى يقبضه, حتى لو قبض البائع الثمن وأذن في قبض المبيع.. (1973م, ص3/69-70). ومن الواضح أن كلام الشافعي يشمل السلع والعقود وغيرها.
وقد اختار البخاري "أن استيفاء المبيع المنقول من البائع وتبقيته في منزل البائع لا يكون قبضا شرعيا, حتى ينقله المشتري إلى مكان لا اختصاص للبائع به كما تقدم نقله عن الشافعي" (ابن حجر, 1379هـ, 4/350). أما الأحناف فقد اعتبروا بيع المنقول قبل قبضه بيعا فاسدا (ابن الهمام, 6/135-138).
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- تعقيب ابن عباس في الحديث الذي يرويه عن رسول الله r وهو "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. (البخاري, 1987, 2/751) وفي رواية "حتى يقبضه" وفي أخرى "حتى يكتاله" (مسلم, د. ت, 5/7)
2- حديث حكيم بن حزام والذي قال يا رسول الله: إني اشتريت بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: "إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه", وفي رواية أخرى "لا تبع ما ليس عندك". (الصنعاني, 1960, 3/15) وقال الألباني في ارواء الغليل (صحيح) (5, 1979/132)
3- حديث الرسول r "الخراج بالضمان" (ابن ماجه,د,ت, حديث رقم2242) وقال الألباني في ارواء الغليل (حسن) (1979, 5/158) فضمان المبيع قبل رده من قبل المشتري بسبب العيب هو السبب في استحقاق المشتري غلة المبيع إذا كان له غلة أو خراج, فإذا لم يكن المشتري قد قبض المبيع فإنه لا يستحق خراجه, لأنه لم يضمنه, ويقاس على خراج المبيع ما يحدث من ارتفاع قيمة المبيع, أو تحقق ربح من ورائه.. إلخ
4- إن البيع قبل القبض باطل لضعف الملك قبل القبض, فلو هلك المبيع فهو في ضمان البائع, والقبض شرط في دخول المبيع في ضمان المشتري, ومن المعلوم أن الضمان لا يكون إلا بعد التملك التام, فإذا لم يقبض المشتري المبيع فإنه لا يتحمل خطر هلاكه, وبالتالي لا يضمنه. (الشافعي, 3/70-74).
يقول الصنعاني بعد ذكره لأقوال الفقهاء في الموضوع "والجواب أن ذكر حكم الخاص لا يخص به العام, وحديث حكيم عام فالعمل عليه وإليه ذهب الجمهور, وأنه لا يجوز البيع للمشتري قبل القبض مطلقا, وهو الذي دل عليه حديث حكيم واستنبطه ابن عباس" (الصنعاني, 1960, 3/16).
ويقول د/الصديق الضرير (مجلة المجتمع, العدد السادس, 1990, ص473) في إجابته على سؤال: هل النهي خاص بالطعام؟ " علة النهي عن بيع الطعام قبل قبضه, سواء كانت الربا أو الغرر, موجودة في بيع غير الطعام قبل قبضه فيجب أن يسوى بينهما في الحكم" وقد أشار الفقهاء إلى علة الربا في بيع الطعام قبل قبضه كما قال ابن عباس "ذلك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" وكذلك قول أبي هريرة لمروان بن الحكم عندما سمح ببيع الصكوك التي تمثل الطعام قبل القبض "أحللت بيع الربا" فلما اقتنع مروان بوجود الربا منع ذلك (مسلم بشرح النووي, 100/171) كما أشاروا إلى الغرر الناجم عن عدم القدرة على التسليم أو احتمال هلاك المبيع قبل القبض أو موت أحد الطرفين أو وجود العيب في المبيع وما يترتب على ذلك من نزاع حول من يضمن المبيع.
فالربا ظاهر من قول ابن عباس "ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" فكأن الشخص إذا دفع مئة درهم في طعام أو غيره ثم باعه قبل أن يقبضه بمئتي درهم فكأنما باع مئة درهم بمئتين. وهو عين ربا الفضل إذا كان النقد في الحال, ويضاف إليه ربا النساء إذا كان مؤجلا.
ويعلق د/الضرير على إضافة ابن عباس "وأحسب كل شيء مثله" "يعني أن غير الطعام ينبغي أن يقاس على الطعام الثابت النهي عن بيعه قبل قبضه بالسنة, وهذا من تفقهه ابن عباس كما يقول ابن حجر, وابن عباس هو راوي الحديث وهو أعرف بمرماه". (1990, 473).
فالأحاديث الواردة في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه لا تمنع دخول غير الطعام في النهي, خاصة مع وجود حديث "لا تبع ما ليس عندك" فإنه عام في الطعام وغيره كما قال الصنعاني.
القول الثاني: قول المالكية أن بيع ما سوى الطعام من العروض كالحيوان والعقار والثياب قبل القبض جائز, أما بيع الطعام فلا يجوز.



يتبع .....................

المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
قديم 11-01-2012 ~ 06:36 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي
  مشاركة رقم 2
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


ومن الأدلة التي يعتمدون عليها:
1- قوله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود{ فالقبض للمبيع – غير الطعام- شرط في كمال عقد البيع وليس شرطا في صحته, والمنصوص عليه في الآية هو وجوب الوفاء بالعقود.
2- قوله r: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"
ووجه الاستدلال أن الرسول r خص الطعام بالقبض دون غيره, وذلك لغلبة تغير الطعام, فالطعام يفسد بالانتقال من يد إلى أخرى خاصة وأنه لم يوجد في الماضي مبردات أو مجمدات أو مواد حافظة.
أما قوله r لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" وذلك لوجود احتمالية تغير الأسعار أو عدم القدرة على التسليم وبالتالي الوقوع في الغرر وحدوث النزاع.
الرأي الراجح في البيع قبل القبض:
إن استعراض الأدلة المتقدمة يظهر بوضوح أن الرأي الثاني القائل بعدم جواز بيع كافة السلع والعقود قبل القبض يربط علة النهي بالربا والغرر, وهما أمران يكفي أحدهما للتحريم, فكيف باجتماعهما, ولما يترتب على هذا النهي من استقرار للمعاملات وسد لمنافذ النزاع.
أما مسألة العقود المتمثلة للسلع فمن باب أولى أنه يحرم بيعها قبل قبض ما تمثله من سلع أو أوراق مالية أو غير ذلك من الأموال المتقومة شرعا.. إلا في حالة السلم الذي رخص به النبي صلى الله عليه وسلم أو في الأحوال والظروف الاقتصادية التي ينتفي فيها الغرر والربا واحتمالية تغير الأسعار..
المسألة الثانية: مسألة المواعدة على الصرف:
عندما يرغب بعض التجار بمحاولة تجنب الارتفاع الذي يمكن أن يحدث في قيمة صفقات تجارية مستقبلية بسبب انخفاض سعر صرف العملة المحلية, وما يترتب عليه من خسائر باهظة, يتكبدها التجار إذا لم يكونوا قد دخلوا في عقود آجلة على قيم هذه الصفقات التجارية من العملات الأجنبية الصعبة.
فما هو الحكم الشرعي لهذه العقود المبنية على هذا المبرر؟
يرى د/سامي حمود أن عملية المواعدة على الصرف في نطاق عمليات الاستيراد والتصدير جائزة شرعا, وتسمى بعمليات التغطية, فعندما يفتح مثلا مستورد أردني اعتمادا لصالح مصدر انجليزي لاستيراد أقمشة صوفية, فإن سعر التعادل بين الجنية الإسترليني والدينار قد يختلف من يوم فتح الاعتماد إلى يوم ورود المستندات وتسديد القيمة, فإذا أراد المستورد تجنب ارتفاع كلفة شراء الاسترليني أو هبوطها, فإنه يمكن أن يقوم بإبرام اتفاق وعد بالصرف بسعر يوم الافتتاح.
فالعملية عبارة عن عقد أو اتفاق على تنفيذ الصرف في الموعد المعين, وينقل سامي حمود عن ابن حزم "والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة, وفي بيع الفضة بالفضة, وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز ـ تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا" ويضيف د/ سامي حمود " وإذا نظرنا إلى واقع الحال بالنسبة لما تؤديه العملية من خدمة للمستورد في حال المواعدة على الشراء, وللمصدر في حال المواعدة على البيع, نجد اطمئنان كل من المستورد لما سيدفعه من ثمن والمصدر لما سيقبضه أمر له اعتباره. (حمود, 1976, 353).
المسألة الثالثة: حكم تأجيل تسليم رأس المال النقدي في السلم؟
للفقهاء في المسألة رأيان:
الرأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب تسليم رأس المال في مجلس العقد, قال الزيلعي: "لأن المسلم فيه دين والافتراق لاعن قبض رأس المال يكون افتراقا عن دين بدين, وأنه منهي عنه لما روي عن رسول الله r "نهى عن بيع الكالىء بالكالىء" وورد في المهذب " ولا يجوز تأخير قبض رأس المال عن المجلس" وفي المغني "أن شروط صحة السلم أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد, فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد".
الرأي الثاني: ذهب فقهاء المالكية إلى أنه لا يشترط قبض رأس مال السلم في المجلس وإنما يمكن تأخيره إلى ثلاثة أيام.
المطلب الثاني: عقود المستقبليات في إطار عقد الاستصناع:
يعرف الشيخ مصطفى الزرقا عقد الاستصناع بأنه: "عقد يشتري به في الحال شيء مما يصنع صنعا يلتزم البائع بتقديمه مصنوعا بمواد من عنده, بأوصاف مخصوصة, وبثمن محدد" (الزرقا, 21, 1995)
وهذا العقد يسد حاجة من حاجات المجتمع لم يكن مسموحا بها من خلال عقد السلم وهي السماح بتأخر تسلم الثمن نقدا, خاصة عندما تكون العين المطلوب صنعها باهظة القيمة, يقول الشيخ مصطفى الزرقا: " ستبقى دوما في كل عصر بعض سلع لا يتيسر أبدا أن تصنع أو تنتج قبل وجود مشتر معين ملتزم بشرائها, ففي مثل هذه السلع يمكن للمشتري شرعا أن يتولى هو تمويل البائع" وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عام 1412هـ عدم اشتراط تعجيل الثمن في الاستصناع (1995, 19).
وقد اختلف الفقهاء حول عقد الاستصناع وهو هو وعد أم عقد, ثم هل هو من قبيل الإجارة أم البيع والراجح أنه عقد بيع, فطالب الصنع يأتي وليس لديه شيء, ويطلب صنع ثوب أو بيت أو سيارة أو باخرة, وقد يقدم جزء من الثمن..
وقد تطور عقد الاستصناع في الوقت الحاضر إلى عقد المقاولة والذي أصبحت له مواصفات وشروط ربما لم يكن يسمح بها في عقد الاستصناع سابقا, كاشتراط البراءة من العيوب بعد ثلاث أو عشرة سنوات في حالة العقارات, ومثل إضافة الشرط الجزائي لهذه العقود.
وربما يكون عقد الاستصناع من أقرب العقود الجائزة في الففة الإسلامي, والتي تسمح بتأخير تسلم الثمن والمبيع (المستصنع) في مجلس العقد, جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (67/3/7) " يجوز في الاستصناع تأجيل الثمن كله أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة" (حمود, 1996, 95) ويعني ذلك أنه يمكن إصدار سندات استصناع من قبل الشركات أو البنوك, وتكون هذه السندات أشبه بالعقود المستقبلية, حيث يتم شراء هذه السندا ت من قبل الأفراد أو المؤسسات فمثلا إذا كان استصناع عقاري يشتري المكتتبون ما يرغبون به من هذه السندات وتتعهد الشركات المصدرة بشراء المصنوع بالربح الذي تعرضه, كما يمكن لشركات الملاحة والطيران استصناع حاجاتها اللازمة من طائرات وسفن وفق احتياجات معينة وذلك بإصدار سندات استصناع مخصصة لتمويل البناء ضمن المواصفات ومن تسليمها للمستصنع.. وتكون هذه السندات من جملة فئات الأدوات التمويلية الحلال كما يقول د/سامي حمود (ارشيد, 2001, 131, حمود, 1996, 97-98).
المطلب الثالث: البدائل الشرعية للعقود الآجلة والمستقبليات:
اقترح العديد من الباحثين أدوات عديدة, يمكن أن تمثل البدائل الشرعية للعقود المؤجلة والمستقبليات, ومن أشهر هذه الأدوات:
أولا: سندات المقاوضة بأشكالها المختلفة:
وهي تشمل السندات التي تعرض للاكتتاب على أساس قيام الشركة المساهمة التي تصدرها بإدارة العمل باعتبارها المضارب أو العامل تجاه رب المال الذي تمثله هيئة مالكي السندات. وقد أصبح ممكنا في ظل التجهيزات الحديثة للحاسوب إجراء الجرد والإحصاء في كل لحظة من لحظات الليل والنهار (حمود, 1996, 72).. وقد صدر قانون خاص لسندات المقارضة في الأردن عام 1981, بشأن سندات المقارضة, وضع الضوابط التي يجب أن تتوافر فيها, ومنها:
ـ أن يمثل الصك أو السند ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك من أجله, وتستمر الملكية من بداية المشروع إلى نهايته, ولمالك الصك جميع حقوق المالك في ملكه.
ـ لابد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض, من حيث معلومية رأس المال وتوزيع الربح.
ـ أن يتم التداول بعد انتهاء الاكتتاب, بشرط التقيد بالأحكام الشرعية, إذا كانت أموال القراض نقوداً أو ديوناً أو أعياناً. (بشير, 1996, 195-196).
ومن مزايا هذه السندات أنها لا تدر أية فوائد, ولكن مالك السند له الحق في الحصول على نسبة محددة من الأرباح الصافية للمشروع في نهاية كل سنة مالية, وذلك بعد فترة السماح اللازمة لتنفيذ المشروع, كما جاء في المادة 18 من القانون (يتم تداول سندات المقارضة في سوق عمان المالي حسب أحكام قانونه وأنظمته وتعليماته) (هارون, 1999, 303).
ثانيا: شهادات ودائع استثمارية:
اقترح د/ معبد الجارحي شهادات الودائع المركزية بحيث يقوم البنك المركزي بإيداع ودائع لدى المصارف الإسلامية تعمل على استثمارها في القطاع الإنتاجي بطريق المضاربة, ولتغذية هذه الودائع يقوم المصرف المركزي بإصدار شهادات الودائع المركزية, ويطرحها في السوق ليشتريها الأفراد, بحيث تعتبر هذه الأدوات من أدوات السياسة النقدية والتنموية, وكذلك يمكن استخدامها كأداة من أدوات الوساطة الماليـــة وذلك بطرحها للتداول بين الأفـــراد. (الجارحي, 1983, 19-20).
وقد أخذ بيت التمويل الكويتي في الكويت بنفس التسمية وأصدر ثلاثة أنواع من شهادات الودائع الاستثمارية, على أساس عقد المضاربة المطلقة أو المقيدة أو المخصص لنشاط معين, وكذلك تصدر البنوك الإسلامية في السودان شهادات ودائع استثمارية, وكذلك البنك الإسلامي للتنمية حيث يقوم بإصدار شهادات الاستثمار ضمن محفظة البنوك الإسلامية. (هارون, 1999, 305).
ثالثا: شهادات التأجير أو سندات الإجارة:
اقترح د/منذر قحف سندات الإجارة (1995, 110) ووضح مزاياها وإمكانية تطبيقها, كما طبقها بيت التمويل التونسي السعودي بالاتفاق مع الشركة التونسية للتأجير, حيث تقوم الشركة بتأجير معدات. (هارون, 1999, 306).
وهناك عدد من الأدوات المالية الإسلامية الأخرى مثل سندات التوريد (الاستجلاب), سندات المرابحة, سندات المتناقصة, سندات المشاركة المستمرة.. إلخ ويمكن لهذه الأدوات أن تقوم بدور هام في السوق المالية الإسلامية ولكن في ضوء الالتزام بالضوابط الشرعية لهذه الأدوات.

المبحث الخامس
مقترح سوق مالية إسلامية:
حرصا على سلامة عقود الخيارات والعقود الآجلة والمستقبلية من الناحية الشرعية, وبعدها عن المخالفات أو الشبهات, فإن اقتراح سوق مؤسسة مالية إسلامية خاصة بهذه العقود في المرحلة الأولى له ما يبرره, ويمكن أن تقوم هذه السوق في البداية بدور تأمين وضمان للمتعاملين, فالبنسبة لمالك الأسهم الذي يشتري خيار البيع ويدفع العمولة فإنه يؤمن أسهمه من انخفاض أسعارها, أما طالب خيار شراء للأسهم فإنه أشبه ببيع العربون ـ كما تقدم ـ وهذه أغراض مشروعة يمكن لهذه السوق أن تقوم بها وتؤمن للطرفين, وولكن ضمن ضوابط أخرى كما سيأتي بيانه.
كما يمكن لهذه السوق ضمان سلامة تنفيذ العقود الآجلة والمستقبليات من خلال قيامها بدور الوسيط بين البائعين والمشترين لعقود السلم وعقود الاستصناع التي هي أقرب ما تكون للعقود الآجلة والمستقبليات. وهي بذلك تخدم فئة التجار والمستثمرين الذين يطلبون شراء السلع المؤجلة بالاسترخاص (من خلال عقد السلم) أو يطلبون سلعا مصنعة من خلال عقد الاستصناع, كما تخدم فئة المزارعين والتجار أو الصناع وذلك بضمان تأمين محاصيلهم أو مصنوعاتهم أو بضائعهم بأسعار معقولة.
وظائف السوق المالية الإسلامية المقترحة:
1- تقوم هذه السوق بإصدار عقود الخيارات وتنظيمها, على شكل عقود نمطية, كأن يمثل كل عقد مائة سهم مثلا بسعر محدد يسلم خلال فترة محددة (90 يوم مثلا).
2- تقوم بدور بيوت التسوية أو المقاصة في بورصات العقود المعاصرة.
3- تقوم بإصدار عقود آجلة نمطية تمثل عددا من السلع الهامة والأساسية.
4- تقوم بإصدار عقود مستقبلية صناعية تمثل أغلب السلع التي يتم الاتفاق على تصنيعها في الاقتصادات المعاصرة.. وقد تبدأ من الأثاث والمفروشات وتصل إلى عقود تصنيع الطائرات..
5- تقوم بتلقي طلبات الشراء وبيع عقود الخيارات والعقود الآجلة بأنواعها المختلفة, كما تقوم بمقابلة هذه الطلبات مع بعضها, أو تقوم بنفسها بتنفيذ الشراء أو البيع.
6- تقوم بتقديم استشارات فنية للمستثمرين.
7- تمثل ملتقى للبائعين والمشترين للعقود المؤجلة والمستقبليات والخيارات بحيث يسهل الاتصال والتفاوض بما يؤدي إلى تحديد أسعار أكثر عدالة.
8- آلية عمل السوق:
تعتبر هذه السوق أشبه بشركة تأمين إسلامية للأسهم والأوراق المالية والخيارات والعقود الآجلة والمستقبليات, ويتم تداول العقود الآجلة والمستقبليات في إطار الضوابط الشرعية التي تحكم عقود السلم والاستصناع, وذلك كما يلي:
عقود خيار الشراء:
تتلقى طلبات شراء عقود آجلة ومستقبلية وعقود خيار شراء أسهم بتواريخ معينة وأسعار محددة, فتحصل على عمولات من طالبي الشراء أو الراغبين في شراء عقود خيار شراء الأسهم, ويكون الأمر كالتالي:
بالنسبة لطالب الشراء: فإنه يحجز عددا من الأسهم لدى المؤسسة خلال فترة معينة, بحيث يتمكن من شراء هذه الأسهم في الوقت الذي يختاره من هذه الفترة بالسعر المحدد في بداية العقد, مقابل العمولة التي يدفعها, فتكون المؤسسة ملزمة بالبيع بالسعر المتفق عليه مهما بلغ السعر وقت التنفيذ, ويكون طالب الشراء بالخيار, فإذا ارتفع سعر الأسهم فمن مصلحته أن يقوم بالشراء, لأنه سيدفع السعر المتفق عليه منذ البداية والذي هو أقل من السعر الحالي, أما إذا انحفض سعر الأسهم فليس من مصلحة طالب الشراء تنفيذ طلبه, وفي هذه الحالة تنحصر خسارته في العمولة فقط.
أما بالنسبة للمؤسسة فإنها سوف تلتزم بالبيع في حالة ارتفاع سعر الأسهم مهما بلغ الارتفاع, أو أنها ستلزم عميلا كان قد التزم بنفسه بالشراء, وفي هذه الحالة فإن هذا العميل سوف تلحق به الخسارة, لأنه سوف يبيع بأقل من السعر الحقيقي, ولكن لا ينبغي أن ننسى أن هذا العميل كان قد اشترى هذه الأسهم بسعر أقل من السعر الحالي غالبا, وبالتالي فليس هناك خسارة.
أما إذا كانت المؤسسة هي التي التزمت بالبيع, فإنها ستقوم بتعويض الخسارة من العمولات التي تتقاضها خيارات الشراء والدفع وغيرها.
ويمكن أن يأخذ هذا البيع صفة بيع العربون ـ كما بينا سابقا ـ فإذا رأى المستثمر أن من مصلحته أن يشتري الأسهم في وقت محدد أمضى العقد بالشراء, وإذا رأى العكس تنازل عما دفعه ثمنا لعقد الخيار (العربون).
أما في حالة خيار البيع (الدفع):
فيكون لمالك الأسهم الحق بالبيع إذا شاء, مقابل عمولة يدفعها للمؤسسة, وتكون المؤسسة ملزمة بالشراء إذا رغب البائع خلال الفترة المتفق عليها مهما بلغ سعر الأسهم. وتكون المؤسسة ملتزمة بالشراء بنفسها أن بإيجاد مشترين مقابل أجر أو عمولة, فهي تتلقى طلبات الشراء وتقوم بمقابلتها بطلبات البيع, فإذا تقابلت في الأنواع والأسعار فلا مشكلة, وإذا لم تتقابل فلابد أن تقوم المؤسسة بنفسها بالشراء أو البيع, وهي إما أن تكسب أو تخسر, فإذا كسبت فلا مشكلة, أما إذا خسرت فإتها تعوض خسائرها من عدة طرق:
العمليات الرابحة.
العمولات.
يمكن أن تتقاضى رسوم إصدار لعقود خيار الشراء ذات النمط المحدد.
يمكن أن تتقاضى نسبة للتأمين التكافلي, للصفقات الكبيرة, من المشترين والبائعين
غير أن عدد الطالبين لشراء العقود يمكن أن يزيد عن عدد الطالبين للبيع, أو العكس وفي هذه الحالات فإن المؤسسة يمكن أن تحقق أرباحا كبيرة, أو خسائر كبيرة, وبالتالي فهي بحاجة دائما إلى مصادر تعويضية إضافية, مثل رسوم إصدار أو رسوم تأمين تكافلي, ولتلافي الخسائر الكبيرة يمكن للمؤسسة أن تضع بندا في العقود, يعفيها من تحمل الخسارة إذا زادت عن حد معين.
ضوابط احترازية:
اقترح د/ القري (1993, 24) بعض الضوابط الاحترازية لتفادي عنصر المقامرة في عقود الخيارات بشكل خاص مثل:
أن تتعامل هذه المؤسسة مع مالكي الأسهم الحقيقيين, وأن تودع الأسهم لدى المؤسسة عند بداية العقد أو ما يثبت وجودها وملكيتها.
أن يمارس أسلوب الخيار الأوروبي فقط, أي ينفذ الخيار في آخر يوم من مدته, وذلك لتقليل فرص الاستفادة من التقلبات اليومية.
أن تنتهي مدة الخيار مع بداية أول ساعة في آخر يوم من أيام العقد, وذلك لتلافي الارتفاع بسبب تزايد الطلبات.
ويمكن إضافة ضوابط أخرى احترازية خاصة بالعقود الآجلة والمستقبليات مثل:
- أن يتم التأكد من تسليم السلع أو الأوراق المالية التي تمثلها العقود الآجلة.
- أن يتم تسلم رأس المال النقدي في مجلس العقد, كما هي شروط السلم.
- أن يتم التأكد من هوية المتعاملين بهذه العقود, وأنهم يقومون بالتجارة حقيقة وليس بشكل وهمي.
الخلاصـــة:
لقد اقترح كثير من الباحثين أدوات مالية إسلامية عديدة, يمكن تداولها في السوق المالي, أما العقود الآجلة وعقود الخيار والمستقبليات, فلا زالت بعيدة عن مجال البحث, رغم ما تمثله هذه العقود من أهمية كبيرة في الاقتصاديات المعاصرة.. حيث يعتبرها البعض من أفضل ما أبدعه وابتكره العقل البشري..
وقد حاولت هذه الدراسة إضافة هذه العقود إلى الأدوات التي يمكن تداولها في السوق المالية الإسلامية, وذلك بعد تطويرها في ظل العقود والضوابط الشرعية.
فعقود الخيارات يمكن تطويرها إسلاميا في ظل الأحكام الشرعية لبيع العربون والتأمين والالتزام والكفالة والحقوق المعنوية.. أما العقود الآجلة فهي أشبه ما تكون بعقد السلم.. بينما يمكن الاستفادة من عقد الاستصناع لتطوير عقود المستقبليات وذلك لاتحاد هذه العقود في عدم اشتراط تسليم الثمن النقدي في مجلس العقد وإمكانية إصدارات سندات استصناع..
إن السوق المالية الإسلامية بما تشتمل عليه من أدوات مالية إسلامية لا زالت بحاجة إلى الابتكار والإبداع من أجل أن تقوم بالدر الاقتصادي المؤمل منها.. والذي يمكن أن يسهم في تخفيف التبعية الاقتصادية للأسواق المالية في الدول الغربية.

!!!
المراجع
1- (www.fatawa. al-islam. com
2- أبو رخية, ماجد: حكم العربون في الإسلام, مكتبة الأقصى, عمان 1986.
3- أبو سليمان, عبد الوهاب إبراهيم: فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة آفاق وأبعاد, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب, جدة, 1993.
4- أسعد, رياض: الهندسة المالية: الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية, عمان, 2001.
5- إقبال, منور وآخرون: التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب, جدة, 2001ط2.
6- ابن القيم: محمد بن أبي بكر: إعلام الموقعين, دار الجيل, بيروت, 1973.
7- ابن الهمام, كمال الدين محمد بن عبد الواحد: شرح فتح القدير للعاجز الفقير, دار إحياء التراث, بيروت, د.ت.
8- ابن حجر, أحمد بن علي:فتح الباري شرح صحيح البخاري, دار المعرفة, بيروت, 1379هـ
9- ابن قدامة: المغني ويليه الشرح الكبير, دار الكتاب العربي, بيروت, 1972.
10- ارشيد, محمود عبد الكريم: الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية, دار النفائس, عمان 2001, 131.
11- الألباني, ناصر الدين: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل, المكتب الإسلامي, دمشق, 1979.
12- الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية: الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية, جدة, 1982.
13- الزحيلي, وهبة: الفقه الإسلامي وأدلته, دار الفكر, دمشق, د ت.
14- السجستاني, أبو داود: سنن أبي داود, دار الأرقم بن أبي الأرقم, بيروت, 1999.
15- السرخسي, شمس الدين: المبسوط, دار المعرفة, بيروت, 1406.
16- الشافعي, محمد بن إدريس: موسوعة الإمام الشافعي/ الأم, تحقيق أحمد حسون, دار قتيبة, 1996.
17- الصديق الضرير (مجلة المجتمع, العدد السادس, 1990, ص473).
18- الصنعاني, محمد بن إسماعيل: سبل السلام, دار إحياء التراث, بيروت, 1960.
19- الطراد , إسماعيل, وعباد, جمعة: التشريعات المالية والمصرفية في الأردن: دار وائل, عمان, 1999.
20- العثماني, تقي الدين: بيع الحقوق المجردة, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, جدة, 1988, العدد الخامس, الجزء الثالث.
21- القري, محمد علي: الأسواق المالية, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, مجمع الفقه الإسلامي, العدد السادس, الجزء الثاني, جدة, 1990.
22- القري, محمد علي: نحو سوق إسلامية, مجلة دراسات اقتصادية إسلامية, البنك الإسلامي للتنمية, مجلد 1, عدد 1, 1993.
23- الندوي, علي: جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية, شركة الراجحي المصرفية للاستثمار, الرياض, 2000.
24- النووي, يحيى بن شرف: صحيح مسلم بشرح النووي, القاهرة, مكتبة الأزهر, 1349هـ.
25- حماد, نزية: مدى جواز أخذ الأجر على الكفالة في الفقه الإسلامي, مجلة جامعة الملك عبد العزيز (الاقتصاد الإسلامي) جامعة الملك عبد العزيز, جدة, 1997.
26- خريوش, حسني وآخرون: الاستثمار والتمويل بين النظرية والتطبيق, دار زهران, عمان,1999.
27- رضوان, سمير: أسواق الأوراق المالية ودورها في تمويل التنمية الاقتصادية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, القاهرة, 1996.
28- حمود, سامي: تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية, مكتبة الأقصى, عمان, 1976.
29- حمود, سامي: الأدوات التمويلية الإسلامية للشركات المساهمة, المعهد الإسلامي للتدريب والبحوث, جدة, 1996.
30- سنن أبي داود, 830.
31- شبير, محمد: المعاملاتالمالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, دار النفائس, عمان, 1996.
32- عمر, محمد عبد الحليم: الإطار الشرعي والاقتصادي والمحاسبي لبيع السلم, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب, جدة, 1998, ط2.
33- عيسى, سيد: أسواق وأسعار صرف النقد الأجنبي, انتراكو للطباعة, القاهرة, 1984.
34- قحف, منذر: تعقيب على بحوث الأسواق المالية, مجلة المجمع الفقه الإسلامي, العدد السادس, الجزء الثاني, جدة, 1990.
35- كمال, يوسف: المصرفية الإسلامية الأزمة والمخرج, دار النشر للجامعات المصرية, 1996.
36- مجلة مجمع الفقه الإسلامي, 1273, 1900- 1721.
37- مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عام 1412, 1995, 19.
38- محيي الدين, أحمد: عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية, بنك البركة الإسلامي, البحرين, 1986.
39- مخامرة, وجدي: الكيفية التي تعمل بها أسواق المستقبليات, مجلة البنوك في الأردن, العدد الثالث, المجلد 19, نيسان, 2000.
40- مسلم بشرح النووي, 1349هـ, 3/156.
41- هندي, منير: أساسيات الاستثمار في الأوراق المالية, المكتب العربي الحديث, الإسكندرية, 1999.
42- البخاري, 1987, 2/751.
43- الزحيلي, وهبة: السوق المالية, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, جدة, العدد السادس, 1990.
44- الزرقا, مصطفى: عقد الاستصناع في الفقه الإسلامي, المعهد الإسلامي للتدريب والبحوث, جدة, 1995.
45- مسلم, أبو الحسين مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم بشرح النووي, المطبعة المصرية بالأزهر, القاهرة, 1349هـ.
46- المصري, رفيق: المصارف الإسلامية, دراسة شرعية لعدد منها, مركز النشر العلمي, جامعة الملك عبد العزيز, جدة, 1995.
47- منظمة المؤتمر الإسلامي: مجلة مجمع الفقه الإسلامي, جدة, 1409, العدد الخامس, الجزء الثاني,
48- النووي, أبو زكريا يحيى بن شرف: روضة الطالبين, تحقيق عادل أحمد علي معوض, دار الكتب العلمية, بيروت.

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تغريدات إسلامية رائعة نور الإسلام شبكات تواصل دعوية 1 03-05-2013 05:44 PM
تحقيق كويتي حول تحويلات مالية لحساب رئيس الوزراء السابق مزون الطيب أخبار منوعة 0 23-02-2012 07:27 PM
استقالة الرئيس الألماني بسبب فضيحة مالية مزون الطيب أخبار منوعة 0 19-02-2012 12:28 PM
تلخيص لمادة مبادئ مالية وسلايدات للمادة مزون الطيب المكتبة العامة 0 30-01-2012 08:35 PM
ليبرالية بقشرة إسلامية مزون الطيب أخبار منوعة 0 30-01-2012 02:40 PM


الساعة الآن 02:12 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22