صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صل الله عليه وسلم

تأليف د. طارق محمد الطواري شكر وامتنان : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-05-2013 ~ 03:57 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صل الله عليه وسلم
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012





تأليف
د. طارق محمد الطواري
















شكر وامتنان :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين وبعــد … …
فانطلاقا من قوله تعالى : (( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون )) ومن قوله تعالى : (( ومن شكر فإنما يشكر لنفسه )) ومن قوله تعالى : (( وسيجزي الله الشاكرين )) ومن قوله تعالى : (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا )) ومن قوله تعالى : (( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور )) ، وانطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )) فإني أحمد الله جل ثناؤه أولا وقبل كل شيء على أن وفقني إلى تعلم دينه والعمل لخدمته فله الحمد على نعمة الإسلام والهداية إلى طريق سلف هذه الأمة العظام .

وإن من الاعتراف بالجميل أن أقدم جزيل شكري وعظيم امتناني لكلية الشريعة ـ بجامعة الكويت التي أتاحت لي فرصة تدريس مادة السيرة النبوية في قسم التفسير والحديث لأتعرف عن قرب على سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم لا من خلال القراءة النظرية وإنما من خلال التطبيق العملي في حياته صلى اله عليه وسلم لما يأمر به أو ينهى عنه ومن ذلك ما جاء في رفقه ولينه وتلطفه مع من يحتسب عليه أمر أو نهيا .





تمهيــــــد :

إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبد ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة فجزاه الله تعالى عن الإسلام وأهله خير الجزاء .. وبعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) .
وقال تعالى : (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) .
وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .








أما بعــــد ..
فهذا جهد مقل أقحم نفسه في بحر لا يجيد السباحة فيه إلا ترسلا آملا من الله التوفيق والإعانة والسداد وأن يجعل ما أقدمه للقارئ الكريم نافعا ولفصول من الخير متفرقة جامعا ، وأسأله سبحانه أن يكون هذا البحث خير عون لكل من قام بوظيفة الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . دالا له وموضحا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلكه في ذلك ، هذا وقد ألهب شوقي وقوى عزيمتي للكتابة في هذا الموضوع تعظيم الله سبحانه وتعالى لهذه الوظيفة وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لها وللقائمين عليها .
فأحببت أن ألقي الضوء وأزداد معرفة عن عظيم قدر هذه الوظيفة من خلال قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها على أحسن وجه وأكمل صورة ، ولا ننسى أنه موضوع قديم أفرد له كثير من العلماء كتبا وفصولا وأبوابا كالإمام الماوردي والإمام الغزالي والإمام ابن تيمية وغيرهم ممن كتب في السياسة الشرعية رحمهم الله أجمعين .
وبعد أن فتشت في ربوع هذه المصنفات ووقفت على حقيقة هذه الوظيفة العظيمة وعرفت حال القائمين عليها لفت انتباهي وشد بصيرتي وآلم خاطري حقيقة ما عليه الدعاة وبعض العلماء اليوم من العمل على طرفي نقيض فإما إفراط في الأمر والنهي أو تفريط وترك إهمال .
فرغبت في هذا البحث أن أذكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه وتنبيهه للسلوك الخاطئ مع اختياره صلى الله عليه وسلم لأرق العبارات واستخدامه للتلميح والإشارة ومراعاته لحال المخطئ سنا وديانة وتقدما في الإسلام وتأخرا .
ولعل النماذج التي ذكرتها في سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم في تطبيقاته العملية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهي خير دليل وبرهان وتوضيح وتفصيل لتطبيقه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) .

وقد قمت بتقسيم البحث وفصيلة وخاتمة .
أما المقدمة فتطرقت بها لأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال الترغيب للقيام بهذا العمل والترهيب من تركه .
وأما الفصل الأول : فعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما الفصل الثاني : فعن النتائج المستقاه من الفصل السابق وهي صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر .
وأما الخاتمة ففيها أهم النتائج التي توصلت إليها .
والله أسأل أن يبارك في هذا الجهد المتواضع وأن يجعله نبراسا للعاملين في خدمة الإسلام إحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه
د. طارق محمد الطواري
مدرس السيرة النبوية والحديث الشريف
بقسم التفسير والحديث
بكلية الشريعة ـ جامعة الكويت
وإمام وخطيب جامع الرفاعي ـ السلام .




المقدمـــــــة ...

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

إن الناظر في حال الأمم الماضية يعلم علم اليقين أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تفرد بنظام يشمل أمور الدنيا والآخرة ، فهو نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي وديني ، وقد وضع هذا الدين للمجتمع ضوابط ، ووضع له رقابة ترقب تصرف المجتمع وتحركه نحو تطبيق هذه الضوابط وهي التي تسمى في الإسلام بالحسبة .
ولا شك أن الأمر بالمعروف عمل خير سعيا لإصلاح الأمة ومعالجة الأخطاء المتفشية بين أفرادها بهذا العمل نخطو نحو تحقيق حياة أفضل للمجتمع الإسلامي خاصة ، ولكل من اختلط بالمسلمين وجاورهم على وجه العموم . ويتميز هذا الدين بخاصية عظيمة وهي أن جعل الحفاظ على حقوق المواطنين ومقدساتهم أمرا دينيا يسهر الحاكم على رعايته حتى ولو لم يرفع إليه كدعوى قضائية ، ما دام في ذلك مصلحة للجماعة فكل ما يخالف أمور الدين أو يتنافى مع الأعراف المنبثقة من تعاليم هذا الدين تجب إزالته حفاظا على إبقاء الصفاء في نفوس الناس وإزالة لكل ما يكدر صفوها أو يعكر نقاءها أو يفسد حياتها . ولا غرابة في ذلك فالإسلام عقيدة وشريعة وهو خاتم الأديان فجاء مشتملا على الخير كله ، وسد الكثير من النقوصات في الحياة البشرية وعالج ما كان وما سيكون من مشاكل اجتماعية بأن جعل لها ضوابط وجعل أصلا يحتكم إليه وتعرض عليه خصوماتنا واختلافاتنا حتى لا نضل ولا نشقى .
فصار الإسلام بذلك دينا صالحا لكل زمان ومكان ، وبهذا صار متما لمكارم الأخلاق وصار القمة في العدل الاجتماعي . يحكمه واضعه وحسن تدبير سبحانه وتعالى .
وقبل الدخول إلى صلب موضوعنا والتعرف على معنى الحسبة أو وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصفات القائمين عليها .
لنا وقفة قصيرة مع تعريف المعروف والمنكر .


فالمعروف فهو ما عرف الناس بأنه محبوب للشارع مفروضا كان أو مسنونا أو مستحبا .
والمنكر هو ما ينكره الشارع محرما كان أو مكروها .
وليس وجود هيئة شرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بهذه الوظيفة ببدع على أمتنا بل وعلى سابق العهود . من غير أمتنا .
يقول الإمام ابن حزم رحمه الله : (( اتفقت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي علن المنكر بلا خلاف بين أحد منهم لقوله تعالى : (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) آل عمران .

ويقول الإمام القرطبي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى ك (( إن الذين يكفرون بآيات الله يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )) . يقول رحمه الله : ( دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا في الأمم المتقدمة وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة .
يقول الحسن البصري رحمه الله : ( من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه ) .
يقول الإمام محمد عبده :
( وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشبه فريضة الحج التي هي عين ولكن على المستطيع ، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آكد من فريضة الحج لأنه لم يشترط فيها الاستطاعة لأنها مستطاعة دائما فلا بد للمرء من حفظ نفسه ومن معه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغش فهذه ليست من فروض الكفاية التي يتواكل فيها الناس كصلاة الجنازة إذ لا يجب على كل من يعلم أن هنا ميتا أن ينتظر غسله ليصلي عليه بل يكفي أن يعلم أنه يوجد من يصلي عليه ولكنه إذا رأى منكرا وجب عليه أن ينهى عنه ولا ينتظر غيره ) .
فبهذا تعلم أخي المسلم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عمل المحتسب هو من أجل الأعمال ومن أفضل القربات إلى الله عز وجل بل إن به تتحقق الخيرية لهذه الأمة المشار إليها ، يقول تعالى : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) .. أي إن الخير سيظل فيكم ما دامت فيكم فئة تأمر بالخير وتنهى عن الشر ، بل إنه لن يتحقق لأمتنا الفلاح إلا بالتناصح وتوجيه بعضنا لبعض لا فيما نحب ونهوى بل حتى فيما نكره ونبغض نتناصح ونتكاتف ونكون أولياءً لبعض كما قال تعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )) .
فمتى ما قمنا بهذه المهمة وخصص لهذه الفريضة العظيمة من أهل العلم والحزم والحلم من يقوم بها وناصرناهم بأقوالنا وأفعالنا وكتاباتنا ولم نلتفت يوما من الأيام إلى من يطعن بهذه الفريشة أو ما يقوم به أولئك الذين يبذرون الشوك في الطريق ويعيقون كل دعوة خير ويثيرون حولها من الشكوك والشبه ما يكره الناس بهذه الفريضة والقائمين عليها ، فمتى قمنا بنصرة هذه الفريضة وإظهارها ونصرة من يقوم بها استحققنا نصرة الله لنا لقوله تعالى : (( … ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )) .
فالقول قول الله والحكم حكم الله إنهم هم المفلحون وإنهم هم المنصورون وإنهم هم الموفقون فلن تضرهم الصيحات ضدهم ولن ينخر جدارهم العظيم مقالات تطعن بهم أو مجالس تشوه فعلهم أو كتب تحذر منهم .
إن من قام بحق الله وأدى فريضة الله كان حقا على الله نصره وتأييده وتوفيقه والله كفيل بإسكات هذه الصيحات التي تخاف وترتعد من إظهار هذه الفريضة والذين يعلمون حق اليقين أنهم سيكونون أول من سيبدأ بهم قبل غيرهم .
والسعيد كل السعادة من ضمن الله له الفلاح وأرشده إليه والشقي كل الشقاء من خالف أمر الله وحارب دينه . ونعود من جديد لنعرف معنى الحسبة ومن سيتولاها والشروط التي يجب توفرها في المحتسب .
فلا شك أن الحسبة منبثقة من الإسلام وتعاليمه وقائمة على القواعد الشرعية والاجتهاد العرفي الذي لا يتنافى مع القواعد الشرعية في قليل ولا كثير ولكنها نمت بنمو المجتمع الإسلامي وتطورت بتطوره حتى أصبحت نظاما دقيقا وفريدا ، ولهذا عدها الإمام الماوردي من قواعد الأمور الدينية وتبعه في ذلك ابن خلدون كما في مقدمته .












الفصل الأول
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم















رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة :

قال تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، في أقواله وأفعاله وأحواله . ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل صلوات الله وسلامه عليه ـ دائما إلى يوم الدين ، ولهذا قال تعالى للذين تضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) أي هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال : (( لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) .
ونقل عنه صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة من سيرته الحسنة في باب الحسبة وكيف كان من أجل الناس وأحسنهم تعليما وإرشادا ، فعن عائشة رضي الله عنها أن يهودا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم فقالت عائشة رضي الله عنها عليكم ، ولعنكم الله وغضب عليكم ، قال : مهلا يا عائشة عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش ، قالت : أولم تسمع ما قالوا ، قال ك أولم تسمعي ما قلت ؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ . متفق عليه واللفظ للبخاري .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : (( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فاحشا ، ولا لعانا ، كان يقول لأحدنا عن المعتبة ماله ترب جبينه )) أخرجه البخاري .
وكان عليه الصلاة والسلام حليما في تغييره للمنكر وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ينظر دائما إلى عواقب الأمور فإذا رأى في ذلك مفسدة صبر حتى يجد الفرصة المناسبة ويبين لصاحبها ، وإذا لم تكن هناك مفسدة باشر تغيير المنكر بيده .
ومن أوضح الأمثلة عن ذلك حادثة تبول الأعرابي في المسجد وتسابق الصحابة رضي الله عنهم على توبيخه على هذه الفعلة وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الأمر كله بالحل والأناة ونهيه لأصحابه عن زجره وتوبيخه فقال : (( لا تزجروه وصبوا على بوله ذنوبا من ماء )) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني تعليقا على هذا الحديث : (( وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزم من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه ، وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه .
وما فعله كبير المنافقين من سب للنبي صلى الله عليه وسلم واتهامه بعرضه ، وترك النبي صلى الله عليه وسلم له ولأصحابه عن قتالهم أو إيذائهم تحقيقا للمصلحة وبعدا عن المفسدة التي كان يتوقعها عليه الصلاة والسلام من ذلك ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي )) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( ومن هذا الباب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبيّ وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان فإزالة منكر بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمد يقتل أصحابه )) .
ومن حلمه وحكمته في تعليم الجاهل ، وسعة صدره صلى الله عليه وسلم ما رواه معاوية بن الحكم رضي الله عنه بينما أنا أصلي مع رسوله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصالهم ، فقلت : واثكل أمّاه ، ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني ، لكني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني قال : (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )) .
فهذه طريقته صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يعنف أحدا ولا يشتم أحدا في تعليمه ، بل كان حكيما حليما في تعليمه ، متواضعا عليما بأحوال الناس وكان أحيانا يقول :
(( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا )) .
فهو بذلك قدوة مطلقة لكل أحد في الدين وتعامله مع الدنيا .





المبحث الأول :

أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في مجال العقيدة

المطلب الأول : نهيه عن الشرك .
المطلب الثاني : نهيه عن الغلو .


المطلب الأول : نهيه عن الشرك :

أرسل الله سبحانه وتعالى رسولنا الكريم بعد أن عم الشرك في الناس وتأصلت جذوره وذهب نور دعوة نبينا إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ فأظهر إنكاره لما يعبدون من دون الله من حجارة وطين ، وخرافات جاهلية فما كان من قومه إلا أن أظهروا له ولمن آمن معه العداوة والبغضاء فقالوا مكابرين مستنكرين لما يدعوهم إليه : (( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )) .
فكان من إنكاره صلى الله عليه وسلم على مظاهر الشرك عن المشركين طوافهم حول الأصنام وتوسلهم بها فلم يلتزم صلى الله عليه وسلم الصمت والسكوت ولا القوة والجبروت بقدر ما أنكر عليهم باللسان ونصحهم مبينا لهم خطورة فعلهم بقوله لهم ( ويلكم ويلكم ) وهذا غاية في اللطف معهم خوفا عليهم من أن يلحقهم عذاب الله أو سخطه عز وجل لما يفعلون من طواف حول
الأصنام .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : كان المشركون يقولون : لبيك لا شريك لك فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ويلكم مدْ مدْ )) : إلا شركا هو لك تملكه وما ملك . يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت )) .
قال المباركفوري ـ رحمه الله ـ في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح : وفيه بيان أن من رأى منكرا ولم يقدر على تغييره باليد فإنه يغيره بالقول ، لأن مدْ مدْ إنكار )) .
ولم تكن هذه الحادثة فريدة في حياته صلى الله عليه وسلم مع خطورة الخطيئة التي فُعلت إذ أنها صورة من صور الشرك بل تكررت من حديثي العهد بالإسلام من أصحابه فتكرر منه اللطف بهم والنصح لهم وتنبيههم لعظيم الجرم وكبير الوزر بضرب المثل لهم كما في سنن الترمذي عن أبي واقد الليثي ـ رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنين ونحن حديثوا عهد بكفر ، وكانوا أسلموا يوم الفتح قال : فمررنا بشجرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط وكن للكفار سدرة يعكفون حولها ، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط ، فلما قلنا ذلك لنبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة ، قال : إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم )) . أخرجه الترمذي وابن أبي عاصم واللفظ له .
وما أعظم كلامه صلى الله عليه وسلم وتلطفه مع من مدحه صلى الله عليه وسلم وقال فيه فصدق إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يصدمه برد مديحه ولم يحث في وجهه التراب ولم يعنفه وإنما قال لهم :
(( قولوا بقولكم أو ببعض قولكم كما جاء ذلك في مسند أحمد عن عبد الله بن الشخير قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أنت سيدنا ، فقال : (( السيد الله تبارك وتعالى )) قلنا وأفضلنا فضلا وأعظمنا حولا ، فقال : (( قولوا بقولكم ، أو بعض قولكم ولا يستجزينكم الشيطان ))

المطلب الثاني : زجره صلى الله عليه وسلم عن الغلو والمديح والتكلف في العبادة :

ومن لينه ورفقه صلى الله عليه وسلم في احتسابه على الناس استخدامه للتعليم والنصح العام كجمعه للناس ونصحهم عن منكر وقع فيه البعض تذكيرا وتحذيرا للكل عما وقع فيه البعض وربما أشار وألمح إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله : ما بال أقوام . كما ورد ذلك في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال : (( ما بال أقوام يتنزهون عن شيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية )) . متفق عليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فما أخبروا كأنهم تقالّوها ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فأنا أحيي الليل أبدا ، وقال آخر أنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) . متفق عليه .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباري : المراد بالسنة الطريقة ، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه ، إلى غيره والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا الشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوّا بما التزموه ، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم السمحة ، فيفطر ليتقوى على الصوم ، وينام ليتقوى على القيام ، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل .
وتدل مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة في الحديث على حرصه صلى الله عليه وسلم عليهم وعنايته بهم من الملل والسآمة وانقلاب الحال فكان رفقه بهم أن بين لهم طريق من يدلهم على الجنة الذي إن تبعوه وسلكوه دخلوها وبذا تم المقصود ، وحصل المطلوب من العبادة .
وقوله فليس مني : إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه ، فمعنى : (( فليس مني )) أي على طريقي ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى أرجحية عمله ، فمعنى (( فليس مني )) ليس على ملتي لاعتقاد ذلك نوع من الكفر .






المبحث الثاني : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم بسبب في مجال العبادة :
وفيه عدة مطالب
المطلب الأول : الوضوء .
المطلب الثاني : الصلاة .
المطلب الثالث : الزكاة .
المطلب الرابع : الحج .
المطلب الخامس : الصوم .
المطلب السادس : الدعاء .
المطلب السابع : على أهل بيته .

ومن ذلك ما أخرج أحمد في مسنده عن عروة ـ رحمه الله ـ قال : دخلت امرأة عثمان بن مظعون أحسب اسمها خولة بنت حكيم على عائشة وهي باذّة الهيئة فسألتها ما شأنك ؟ فقالت زوجي يقوم الليل ويصوم النهار . فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة ذلك له فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال : (( يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أفما لك فيّ أسوة ، فوالله أني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده )) .
ومن نهيه عن الغلو في المديح ما أخرج أبو داود عن عبد الله بم الشخير قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : أنت سيدنا ، فقال : (( السيد الله تبارك وتعالى )) فقلنا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا حولا ، فقال : (( قولوا بقولكم أو بعض قولكم لا يستجزينكم الشيطان )) .

المطلب الأول : الوضـــوء :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ، ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : (( ويل للأعقاب من النار )) مرتين أو ثلاثا . متفق عليه واللفظ للبخاري .
قال الحافظ بان حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح : وفي الحديث تعليم الجاهل ورفع الصوت بالإنكار ، وتكرار المسألة لتفهم )) .
ونقل الحافظ عن ابن أبطال أنه قال : (( كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه ، لما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولعجلتهم لم يسبغوه ، فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم )) .
وهكذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المتوضئ في حديث عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عندما قصر في الوضوء بعبارة تشعره بأهميته وهي الويل والخسران لمن ترك غسل العراقيب أو أي عضو في الوضوء ، لأن في تركه إبطال لصلاته ، وبطلان الصلاة يجعل صاحبها كأنه لم يؤد هذه العبادة لأن كمال الصلاة بكمال الوضوء وصحة الصلاة لا تكون إلا بصحة الوضوء .
كما أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجل بطريقة حكيمة جعلته يشعر بخطئه دون أن يشعر الآخرين ، وفهم الصحابي ما أمره صلى الله عليه وسلم به فذهب وتوضأ فأحسن وضوءه .
فعلى المحتسب أن يأخذ بهذا التعليم والإرشاد والتوجيه الذين يستخدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فإذا رأى وهو في المسجد متوضئ ـ قد قصر في وضوئه أن ينكر عليه فعله وأن يعلمه طريقة الوضوء ولا يعنف ولا يلفظ في ذلك بل عليه الحلم والصبر .

المطلب الثاني : إنكاره صلى الله عليه وسلم على من لا يحسن الصلاة بتبيينه أن الصلاة لا تقبل شفقة عليه أن يأتي يوم القيامة فلا يجد أجرها ثم بيانه صلى الله عليه وسلم للكيفية الصحيحة للصلاة :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف فقال ك (( يا فلان ؟ ألا تحسن صلاتك ؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي ؟ فإنما يصلح لنفسه إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي )) .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : ( وإنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة ، ولا سيما إذا رأى منهم ما يخالف الأولى ) .
وعنه ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام ، فقال : (( ارجع فصل فإنك لم تصل ، فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ( ثلاثا ) فقال : والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني ، قال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )) متفق عليه واللفظ للبخاري .
قال الحافظ ـ رحمه الله ـ وفي هذا الحديث من الفوائد : (( وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة ، وفيه أن الشروع في النافلة ، ملزم ولكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة فريضة ، فيقف الاستدلال ، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد ، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه )) .
وقال أيضا : ( وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته ، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة ، وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته وهي فاسدة على قول بأنه أخل ببعض الواجبات ، وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتماله أن يكون فعله ناسيا أو غافلا ، فيتذكره فيفعله من غير تعليم ، وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقيق الخطأ ) .
وقال النووي ـ رحمه الله : ( وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزأة .
وقال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ يحتمل أن يكون ترديد ، لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه ، ورأى إن الوقت لم يفته ورأى إيقاظ الفطنة للمتروك .
عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا . حتى كأنما يسوي القداح . حتى رأى أنا قد غفلنا عنه . ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر . فرأى رجلا باديا صدره من الصف فقال : (( عباد الله لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) متفق عليه واللفظ لمسلم .
وعنه رضي الله عنه قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال : (( أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم )) قال : فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه . أخرجه أبو داود .


عن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ قال : بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال : (( ما شأنكم ؟ )) قالوا استعجلنا إلى الصلاة . قال : فلا تفعلوا . إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا )) متفق عليه .
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليم ورحمة الله ـ وأشار بيده إلى الجانبين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شقر ؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه . ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله )) أخرجه مسلم .
وعن الحسن أن أبا بكرة ـ رضي الله عنه ـ انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصلَ إلى الصف ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( زادك الله حرصا ، ولا تعد )) أخرجه البخاري .
رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم مع الغريب ومن لا يعرف آداب الإسلام :
وقد قدر الله تعالى أن تقع حادثة هي عظيمة في نفس الصحابة إلا أنها أظهرت لهم عظم سعة رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقه ولينه مع المسلمين وليس ذلك إلا في المسجد المعظم في نفوس المسلمين الذي كان عليه السلام والسلام حريصا على نظافته أشد الحرص ، لا يرضى لأحد أن يقذره .
فقد روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تزجروه دعوه )) فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله دعاه فقال له : (( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر . إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن )) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأمر رجلا من القوم ، فجاء بدلو من ماء فشنه عليه )) متفق عليه .
فانظر إلى حكمته صلى الله عليه وسلم في الانتظار حيث ترك الأعرابي يكمل بوله ، ومنع أصحابه من الاحتساب عليه لعلمه صلى الله عليه وسلم ما سيقع من المفاسد بعد ذلك حيث سينتشر البول في المسجد ولربما اتسخت ثياب الأعرابي ولربما نفر من فعلهم وترك الإسلام ، ولكن القدوة كان حكيما في ذلك . فقد انتظر حتى انتهى من فعله ثم بين له إلى خطأ تصرفه ببيان واضح مقنع .

المطلب الثالث : أمره بالمعروف صلى الله عليه وسلم بسبب التقصير في أداء الزكاة :

الزكاة حق المال ، وهي فريضة يجب على كل مسلم أداؤها ، إذا حال الحول على ماله وقد بلغ النصاب ، ومن حق الله تعالى . فإذا امتنع العبد عن أدائها وجب على الوالي أن يجبره على إخراجها ، فإن امتنع عن ذلك استحلالا وتكبرا عن أدائها ، قال العلماء يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بالاحتساب على المقصرين أداء شيء منها ، وينبه إلى وجوب إخراجها مع ذكر الوعيد الشديد للمتهاونين فيها في كل مناسبة تقتضي ذلك .
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها ، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : (( أتعلمين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نار ؟ قال : فجعلتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : هما لله عز وجل ولرسوله )) .
والشاهد من هذه القصة أن هذه المرأة لم تؤد زكاة هذا الذهب فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه وخوّفها من التساهل في إخراج الزكاة وبين لها أن مصيرها سيكون النار ، وتعذب بهذين السوارين ، وقد بادرت المرأة ـرضي الله عنها ـ إلى إلقاء السوارين حسبة لله سبحانه وتعالى .



المطلب الرابع : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في موسم الحج :
هذه العبادة هي الفريضة التي تجمع المسلمين من أنحاء العالم ، ويقع ـ حين أداء مناسك الحج ـ بعض المخالفات الشرعية وأكثرها من جهل الناس وتفريطهم أو لتساهلهم في تطبيق أحكام الشريعة .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك اليوم ولم يشغله الزحام عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان إذا رأى بعض المعاصي يغيرها في الحال أو بعض الاجتهادات الخاطئة يصوبها لصاحبها ومن ذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان يسير ـ أو بخيط أو بشيء غير ذلك ـ فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال : (( قده بيده )) .
وقال الحافظ ـ رحمه الله ـ قال النووي : وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يكن إزالة هذا المنكر أو يقطعه ، أو أنه دق على صاحبه فتصرف فيه ، وقال غيره : كان أصل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل ، قلت : قال ابن بطال في هذا الحديث : إنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : (( اركبها . فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، قال : إنها بدنة ، قال : اركبها ويلك في الثالثة أو الثانية )) .
عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : (( كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من جعثم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع )) متفق عليه .
هكذا صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل ـ رضي الله عنه ـ وفي بعض الروايات أنه صرفه أكثر من مرة وقال : (( رأيت شابا وشابة فخشيت عليهما من الشيطان )) .
فإن للشيطان مداخل وللقلب حالات يضعف فيها فيكون للشيطان في هذا الوقت أثر ربما صرفه إلى الوقوع في المحذور ، ولكن إذا كان المحتسب موجودا ، فإن له أثرا كبيرا في منع وقوع مثال تلك الحالات والمحافظة على أعراض الناس .
وقال أحمد البنا ساعاتي ـ رحمه الله تعالى : لأن النظر إلى الأجنبية حرام لا سيما وقد كانت شابة وهو شاب كما في بعض المرويات فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الفتنة وفيه إزالة المنكر باليد إن أمكنه . .
وكذلك إذا رأى رجلا يؤدي المناسك فأخطأ في أدائها أصلح له نسكه وأرشده إلى الصواب من ذلك ، ومنعه من السير في ذلك الاجتهاد الخاطئ حتى لا يصبح الخطأ عبادة عنده ثم بعد ذلك يستمر بعده . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقب أصحابه فإذا رأى فيهم مثل هذه المخالفات منعهم ودلهم إلى الأولى أو الصواب منه .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم سومع رجلا يقول : (( لبيك عن شبرمة ، قال : من شبرمة ؟ قال : أخ لي ، أو قريب لي ، قال : (( حججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) أخرجه أبو داود .
فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل قد نوى في حجته أن يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه بعد ، لأنه ربما مات قبل أن يحج عن نفسه فيكون في ذلك مقصرا تاركا للأولى وهذا منكر مخالف لما جاء به الشرع الإسلامي ، فأمره أن يحج عن نفسه أولا ثم عن غيره إن شاء .

المطلب الخامس : أمره صلى الله عليه وسلم في الصوم :
كان عليه الصلاة والسلام يحب الصيام ويكثر منه ، وكان يحبه لأمته ويدعوهم إليه لما في من صحة البدن والحد من تمادي النفس في الاستغراق في الشهوات ، وحيث أن المبالغة في الصوم تضر البدن وتنهكه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب إذا شعر من أحد التكلف فيه ويحتسب عليه .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم ، فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله ، قال : وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين . فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ، واصل بهم يوما ثم يوما ، ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لزدتكم )) كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا . متفق عليه .
وحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ الذي تقدم في النفر الثلاثة ، الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم تقالّوها ، وقال أحدهم وأنا أصوم الدهر ولا أفطر .. فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يصوم ويفطر وأن ذلك الفعل ليس من سنته .

المطلب السادس : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في الدعاء :
وكذلك في الدعاء يرشدهم إلى آدابه وكيفيته ، فقد يصدر من بعض الصحابة ما يخالف به أصل الدعاء فيعود ذلك عليه بالضرر لأنه يدعوا سميعا بصيرا سريع الإجابة سبحانه إذا دعاه العبد بإخلاص وتضرع ، كان له نعم المجيب ، ولكن قد يدعو الإنسان بأمر يظن أن فيه خيرا له ، ويكون هذا الدعاء ضررا عليه في دنياه وربما ول إلى دينه ، كما لو كان يدعو الرجل علي نفسه ، وكان الله يستجيب له .
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أخطأ في الدعاء ، فنبهه إلى خطأ ما أقدم عليه ، وعلمه كيف يدعو .
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ ، فقال له صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه ؟ قال : نعم . كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله ألا تطيقه أو لا تستطيعه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ؟ قال : فدعا الله له فشفاه )) أخرجه مسلم .



المطلب السابع : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم داخل بيته :
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ، ورأيت الغضب في وجهه قالت : فقلت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة ، قالت : فقال : (( انظرن إخوتكم من الرضاعة ، فإنما الرضاعة من المجاعة )) متفق عليه .
في هذه الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن دخول الرجل على المرأة الأجنبية ، أو أن يختلي بها ، وأم المؤمنين في الحديث قد اختلت مع هذا الرجل وجلست كما تجلس المرأة مع أخيها فعندما دخل ورأى الرجل أنكر وجوده ، لأنه لا يعلم ، صلته بأم المؤمنين ..
وكان عليه الصلاة والسلام يهجر أزواجه شهرا كاملا إذا رأى منهن ما يغضبه كأن يكثرن عليه المراجعة أو ير ذلك فيحلف عليه الصلاة والسلام أن لا يدخل عليهن زجرا لهن وتأديبا ، فمن ذلك :
ما روى الشيخان عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال :
(( آلا رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا وقعد في مشربة له ، فنزل لتسع وعشرين ، فقيل : يا رسول الله إنك آليت شهرا ، قال : إن الشهر تسع وعشرون )) متفق عليه .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك ، ففهمتها فقلت : عليك السام واللعنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قلت عليكم )) متفق عليه .

فأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عملية الإنكار كيف تكون وهي الحلم والرفق والأناة ، وكان صلى الله عليه وسلم في تعليمها حليما متأنيا ، ولو نظرنا إلى الأحاديث المذكورة في هجره نسائه وإنكاره لعائشة في الغيبة كيف كّره إليها الغيبة بتصويرها أمرا صغيرا أفسد البحر العظيم ، لتشعر وتدرك إثم فعلها وكذلك كان يستخدم عملية الهجر فقد هجرهن شهرا تأديبا لهن حتى لا يعدن إلى مخالفته أو الوقوع في تلك المعصية .
وكان عليه الصلاة والسلام يذهب إلى أقاربه فيدعوهم إلى الإسلام ويلح في ذلك عليهم ، لحرصه صلى الله عليه وسلم في إخراجهم من الظلمات إلى النور .





المبحث الثالث :
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم مع الناس خارج العبادة

المطلب الأول : في الطهارة والاستنجاء .
المطلب الثاني : اللباس والزينة .
المطلب الثالث : المتشبهين .
المطلب الرابع : الاستئذان .
المطلب الخامس : المجالس .
المطلب السادس : اللهو واللعب .
المطلب السابع : الزيارة .


المطلب الأول : الطهارة والاستنجاء :
يظن البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث لتعليم الناس شؤون الدين دون التعرض للدنيا وهذا محض خطا تنبئ الشريعة عنه ، فقد تدخلت الشريعة في كل صغيرة وكبيرة والكتاب والسنة برنامج حياة كاملة للناس ، وكتاب سياسة وحكم واجتماع وتاريخ وأدب ، بل تدخل الشارع الحكيم حتى في خصوصية الإنسان توجيها وتأديبا كما في حديث قضاء الحاجة …
فعن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : قال لي المشركون : إنا نرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى يعلمكم الخراءة ، فقال : جل إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة ، ونهى عن الروث والعظام ، وقال : (( لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار )) أخرجه مسلم .
فالرسول عليه الصلاة والسلام دعوته شاملة لكل حياة البشر .

المطلب الثاني :
أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في اللباس والزينة
1 ـ ستر العورة :
فعن المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ قال : أقبلت بحجر أحمله ثقيلا ، وعلى إزار خفيف قال : فانحل إزاري ومعي الحجر ولم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ارجع إلى ثوبك فخذه ، ولا تمشوا عراة )) .
وعن جرهد رضي الله عنه ـ أنه قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة فقال : (( أما علمت أن الفخذ عورة )) .
وعن يعلى ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل من البراز بلا إزار ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل ستّير يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر )) .

وهذا دليل للمحتسب إذا سار في الأسواق أو مرّ بالحمامات أو دخل مسجدا من المساجد فوجد رجلا قد كشف عن عورته أو امرأة كشفت عن حجابها أن ينهاهم عن ذلك ويأمرهم بستر عوراتهم ، وأما كشف الفخذ في زماننا فلا أعتقد أنه أصبح عورة فقد صار الرجال يلعبون كرة القدم وغيرها كل منهم قد لبس السروال القصير لا يستر إلا قبله ودبره ، وقد أظهر أفخاذه وهذا مما ينبغي التنبيه عليه .
أما حكم الفخذ فقد ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية
والحنابلة إلى أنها عورة دون خلاف في ذلك إلا رواية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في أن العورة القبل والدبر ، ورواية كقول الجمهور وهي التي رجحها ابن قدامة في المغني .
2 ـ اللباس والزينة :
هناك بعض الألبسة منع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة من لبسها حتى لا يقعوا في التكبر أو التشبه بالنساء ، أو يكون ثوبه متسخا فيؤذي منظره ، ورائحته للمسلمين فيبين عليه الصلاة والسلام له بلطف إذا كان الأمر لا يحتاج إلى غلظة ، وقد يغلظ عليه إذا دعى الأمر ذلك .
روي عن مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال : يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته، ثم قال : زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم إلى أين ؟ فقال : أنصاف الساقين .
وفي البخاري : (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) متفق عليه .
وروى أحمد عن الشريد ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره حتى أخذ ثوبه فقال : (( ارفع إزارك )) قال : فكف الرجل عن ركبته ، فقال : يا رسول الله إني أحنف ، وتصطك ركبتاي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل خلق الله عز وجل حسن )) قال : ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات .
فانظر كيف كلمه النبي صلى الله عليه وسلم إذ وعظه ثم أمره برفع إزاره إلى أنصاف ساقيه ، وبلغ من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم أنه هرول خلفه ليشعره بعظم فعله وحرصه على تنبيهه لخطئه .
وعن أبي ثعلبة الخشني ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في يده خاتما من ذهب فجل يقرع يده بعود معه فغفل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأخذ الخاتم فرمى به فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره في أصبعه فقال : (( ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك )) أخرجه أحمد .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال : (( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ))؟ فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به ، قال : لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم )) أخرجه مسلم .
قال النووي ـ رحمه الله ـ في حكم الذهب : (( وأما خاتم الذهب فهو حرام على الرجال بالإجماع ، وكذا لو كان بعضه 1ذهبا وبعضه فضة حتى قال أصحابنا لو كانت من الخاتم ذهبا أو كان مموها بذهب يسير فهو حرام لعموم الحديث الآخر في الحرير والذهب .. .
وقال في تعليقه على حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (( فنزعه فطرحه )) : فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليه .
وقال أيضا : ففيه تصريح بأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم كما سبق ، وأما قول صاحب هذا الخاتم حين قالوا له خذه لا آخذه وقد طرحه صلى الله عليه وسلم فيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه وعدم التراخي فيه بالتأويلات الضعيفة . اهـ .
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : (( أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال : أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ؟ )) ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال : أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه )) . أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال : (( احلقوه كله أو اتركوه كله )) أخرجه أبو داود .


المطلب الثالث : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم على المتشبهين :
تشبه الرجال بالنساء أو العكس إما ناتج عن غلبة للهرمونات الذكرية على الهرمونات الأنثوية في الأنثى فتميل إلى الذكورية في تصرفاتها ، أو غلبة للهرمونات الأنثوية على الذكرية في الذكور فيميل للأنوثة في تصرفاته ، وهذا لا مؤاخذة عليه إذا كانت الطبيعة السجية الخلقية ولكن المؤاخذة عليه هو تعمد التشبه من أحد الجنسين باللآخر في اللباس أو المحاكاة أو المشي أو غيره مما كثر في هذا الزمان حتى يكاد ـ والعياذ بالله ـ أن يكون أمرا مألوفا ، وقد وجدت هذه الظاهرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه عليه الصلاة والسلام كان ينكر على من يفعلها ويعرض عنه حتى يزول عنه أثرها .
فعن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ قال : قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران ، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال : (( اذهب فغسل هذا عنك )) فذهب فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه ردع ، فسلمت فلم يرد علي ، ولم يرحب بي ، وقال : (( اذهب فاغسل هذا عنك ، فذهبت فغسلته ، ثم جئت فسلمت عليه ، فرد ورحب بي وقال : (( إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب )) . أخرجه أبو داود .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء ، وقال ك (( أخرجوهم من بيوتكم )) قال : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا ، وأخرج عمر رضي الله عنه فلانة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث ابن عباس : ( وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب ) .
وبوب البخاري رحمه الله على هذا الحديث فقال : ( باب نفي أهل المعاصي والمخنثين ) . اهـ .

المطلب الرابع : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في أدب الاستئذان :
كان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه كيف يستأذنون ، فإذا زار أحدهم أخاه يلقي التحية ويذكر اسمه ولا يقف أمام الباب فيطلع على عورات أهل البيت بل يبتعد يمينا أو شمالا ، وكان إذا رأى أحدا خالف شيئا من ذلك ربما زجره زجرا عنيفا حتى يكاد يؤذي عضوا من أعضائه إذا كان يستحق هذه العقوبة . وإذا كانت المخالفة لا تستحق مثل ذلك كان يبين له خطأه ويوضح له الصواب كما في التحية .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ـ قال : (( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي ، فدققت الباب ، فقال : من ذا ؟ فقلت : أنا ، فقال : أنا أنا ، كأنه كرهها )) متفق عليه واللفظ للبخاري وعند مسلم : (( فخرج وهو يقول أنا ، أنا )) .
وعلق الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ على هذا الحديث فقال : ( وذكر ابن الجوزي : أن السبب في كراهية قول ، أنا ، أن فيها نوعا من الكبر ، كأن قائلها يقول : أنا الذي لا أحتاج أن أذكر اسمي ولا نسبي .
وقال النووي ـ رحمه الله ـ : ( ولأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة ولا زيادة بل الإبهام بل ينبغي أن يقول فلان باسمه ، وإن قال : ( أنا فلان ) فلا بأس كما قالت أم هانئ ) اهـ .
وعن أبي جري جابر بن سليم ـ رضي الله عنه ـ قال : رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه ، قلت : من هذا ؟ قالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : عليك السلام يا رسول الله مرتين قال : (( لا تقل عليك فإن عليك السلام تحية الميت قل السلام عليك )) أخرجه أبو داود .

المطلب الخامس : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم في المجالس :
المجالس مجمع الناس ومختلطهم فيقع منهم أشياء ربما توافق الشرع وربما تخالفه ، فكان عليه السلام إذا رأى شيئا من ذلك نبّه عليه ، حتى تكون مجالسهم بعيدة عن المنكرات والآداب السيئة ، وحتى تغمرهم الفضيلة والمحبة وهذا واجب المسلم إذا حضر مجالس العامة أن ينكر عليهم بعض ما يقعون فيه نم منكرات ومخالفات وينصحهم ويرشدهم إلى الخير .
فعن الثريد بن سويد رضي الله عنه قال : (( مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا ، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على آلية يدي فقال : (( أتقعد قعدة المغضوب عليهم )) .
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ اسكنوا في الصلاة )) .
قال ثم خرج فرآنا حلقا . فقال : (( مالي أراكم عزين )) . أخرجه مسلم .
قال النووي ـ رحمه الله ـ : (( معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع )) .
وعن أبي ثعلبة الخشني ت رضي الله عنه ـ قال ك (( كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان )) فلم ينزل بعد ذلك منزلة إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم . أخرجه أبو داود .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( كف جشأك عنا فإن أطولكم جوعا يوم القيامة أكثركم شبعا في دار الدنيا )) أخرجه ابن ماجه واللفظ له .
وقد يشوب بعض هذه المجالس الكذب من أحاديث أو قصص أو طلب كاذب ليمزحوا به ، وقد اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم كذباً .
فعن أسماء بنت يزيد بن السكن في حديث زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة ـ رضي الله عنها ـ بعد أن شرب من اللبن : ثم قال لنسوة عندي ناوليهن ، فقلن : لا نشتهيه ، فقال الني صلى الله عليه وسلم : (( لا تجمعن جوعاً وكذباً فهل أنت منتهية أن تقولي لا أشتهيه )) فقلت : أي أمة لا أعود أبداً )) . أخرجه أحمد .
وعن عبد الله بن زمعة ـ رضي الله عنه ـ قال : (( ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة ، وقال : لم يضحك أحدكم مما يفعل )) متفق عليه واللفظ للبخاري .
وللأكل آداب وأخلاق يجب قبل الأكل فعلها كالبسملة والأكل باليمين وعدم التخبط في الأكل والخوض في الطعام . وكل هذه الآداب كان ـ عليه السلام ـ يرشد أمته إليها ويؤدبهم بها ، لأن الجاهلية لم تعلمهم مثلها .
فعن أبي جحيفة ـ رضي الله عنه ـ قال ك (( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده : (( لا آكل وأنا متكيء )) . أخرجه البخاري .
وعن سلمة بن الأكوع : أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال : (( كل بيمينك )) قال : لا أستطيع . قال : (( لا استطعت ما منعه إلا الكبر . قال : فما رفعها إلى فيه )) .
وعن عمر بن أبي سلمة قال : (( كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) ، فما زالت تلك طعمتي بعد . متفق عليه واللفظ للبخاري .
وعلق الخطابي ـ رحمه الله ـ على حديث أبي جحيفة فقال : يحسب أكثر العامة أن : المتكئ هو المائل المعتمد على أحد شقيه لا يعرفون غيره وكأن بعضهم يتأول هذا الكلام على مذهب الطب ، ودفع الضرر عن البدن ، إذ كان معلوما أن الآكل مائلا على أحد شقيه لا يكاد يسلم من ضغط يناله في حجاريي طعامه ، فلا يسيغه ولا يسهل نزوله معدته . ليس معنى الحديث ما ذهبوا غليه وإنما المتكئ هنا : هو المعتمد على الوطأ الذي تحته ، وكل من استوى قاعدا على وطأ : فهو متكئ . والاتكاء مأخوذ من الوكاء ، ووزنه الافتعال منه . فالمتكئ هو الذي أوكى مقعدته وشدها بالقعد على الوطأ الذي تحته ، والمعنى أني إذا أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطية والوسائد فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة ويتوسع في الألوان ولكني آكل علقة ، وآخذ من الطعام بلغة فيكون قعودي مستوفزا له )) اهـ .
قال النووي ـ رحمه الله ـ في استخلاصه للفائدة من حديث سلمة وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الطعام .اهـ .
قال الحافظ في الفتح : وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حال الأكل وفيه استحباب تعليم أدب الأكل والشرب ، وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر ومواظبته على مقتضاه )) . اهـ .
المطلب السادس : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم على الناس في لهوهم :
لكل قوم أنواع من الملاهي ما يلهون بها ويفرحون بها من عناء اليوم وتعبه وكانت هناك بعض الملاهي التي كانت موجودة في أيام الصحابة من الجاهلية أقرها النبي صلى الله عليه وسلم لهم لما في ذلك من الفائدة الجسدية والبدنية لهم وغير ذلك من الفوائد .
أما الملاهي التي رأى عليه الصلاة والسلام أن لا فائدة ولا طائل من وجودها بل ربما تعود على المسلم بالضرر المادي أو تضره من حيث مضيعة الوقت وترك بعض الفضائل فينهاهم عنها .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال : (( شيطان يتبع شيطان )) .
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ واللاعب بالحمام يطيرها لا شهادة له ، وهذا قول أصحاب الرأي .
وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمام ولا حمام وذلك لأنه سفه ودناءة وقلة مروءة . ويتضمن أذى الجيران بطيره وإشرافه على دورهم ورميه إياهم بالحجارة اهـ .

المطلب السابع : أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم على زائري القبور :
وكان عليه السلام يزور المقابر فربما وجد امرأة أو أمرا يخالف الشرع أو آداب زيارة القبر فينكر عليه ، وكذلك عندما يرى أحدا يصدر منه شيء يتنافى مع الشرع حين دفن قريب له فإنه ينبه إلى تجنب ذلك .
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال ك (( مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري . قال : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه . فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين . فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى )) متفق عليه .
وفي هذا الحديث جواز إنكار المحتسب على المرأة إذا رأى منها ما يخالف الشرع ، ويعطها في ذلك ، ولهذا بوب البخاري على هذا الحديث فقال : ( باب قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري ) . اهـ .
ونقل الحافظ في الفتح عن الزبن بن المنير قوله : وعبر بقوله الرجل ليوضح أن ذلك لا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وعبر بالقول دور الموعظة ونحوها لكون ذلك الأمر يقع على القدر المشترك من الوعظ وغيره ، واقتصر على ذكر الصبر دون التقوى لأنه المتيسر حينئذ المناسب لما هي فيه ، قال : وموضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو موعظة أو تعزية أو ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب عليه من المصالح الدينية والله أعلم . . اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : ومناسبة هذه الترجمة لمـا قبلها لجامع ما بينهما من مخاطبة الرجل المرأة بالموعظة لان في الأول جواز مخاطبتها بمـا يرغبها في الأجر إذا احتسبت مصيبتها ، وفي هذا مخاطبتها بمـا يرهبها من الإثم لمـا تضمنه الحديث من الإشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى . اهـ .
وقال في موضع آخر : وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما كان في عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل ، ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره ، وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وفيه أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس . وأن من أُمِرَ بمعروف ينبغي له أن يقبل ولو لم يعرف الآمر .




الفصل الثاني
صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
كما هو مأخوذ من سيرته صلى الله عليه وسلم

من الفصل السابق يتبن لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس أمرا ونهيا وزجرا ونصحا وإرشادا للأمة في مجال دينها ودنياها في عبادتها وعادتها .
ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان يلقى معارضة وضجرا من البعض إلا أن الغالب هم الذين يقبلون منه نصحه ويتحولون من المنكر إلى المعروف ومن الخطأ إلى الصواب ولو تأملت الألفاظ المستخدمة والطريقة المتبعة والسلوك المطروق في أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم للحظة سر القبول والتغير في حياة الناس والتخلي عن موروث وعادات وتقاليد تأصلت في نفوس الناس تخلوا عنها وقبلوا بالحق عن طيب نفس ولعل السر في ذلك هي الصفات العظيمة التي كان يتحلى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سلوكه مع الناس وهي التي يجب أن يلحظها ويتحلى بها الدعاة والعلماء في أمرهم ونهيهم ودعوتهم ومن أهم هذه الصفات كما هو مستفاد من السيرة النبوية بإجمال العلم بما يأمر وينهى وحسن الرأي والدراية والتلطف مع الناس والابتعاد عن التجريح أو التشهير أو الإحراج أو الخشونة إلى غيرها مما سيأتي تفصيله بإذن الله تعالى .

تفصيل هذه الصفات :

أولاً : العلــــــــــم :
فلا بد في الآمر والناهي أو من يقول بعمل أو وظيفة الحسبة من أن يكون عالما بما يأمر وينهى حتى لا ينهى الناس عما أحل الله أو يحرف على الناس أمرا مباحا أو يسكت عن أمر محرم لذلك كانت أول شروط المحتسب العلم . وليست لفظ العلم مقتصرة على العلم بما يأمر وينهى وإنما يشمل مفهوم العلم ، العلم بطرق الدعوة وأساليب مخاطبة الجمهور فليس أفهام الناس ومزجتهم على حد سواء لذا وضع الله لنا القاعدة الأساسية والتي يكون منها المنطلق فقال سبحانه وتعالى : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )) .
فمن الناس من تكون الحكمة والمنطق السوي كاف في إقناعه وردعه عما هو فيه ، ومن الناس من ينكسر قلبه ويؤنبه ضميره ويعترف بخطئه بالموعظة الحسنة ، ومن الناس من لا يصلحه ولا يقوم مزاجه إلا الجدال غير أن المؤمن يجادل بالتي هي أحسن لأنه غير مطالب بإقناعهم بقدر ما هو مطالب ببذل السبب وتبليغ الخير لهم ، ولما كان للعلم منزلة عظيمة ومكانة بالغة في حياة المحتسب والداعية رغب الله فيه لهم وحثهم عليه بل ألزمهم بطلبه وذلك مأخوذ من قوله تعالى : (( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )) .
يقول ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : (( كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه عما يريدون من أمر ديهم ويتفقهون فيب دينهم ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : ما تأمرنا أن نفعله وأخبرنا بما نأمر به عشائرنا إذا أقدمنا عليهم . قال : فيأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة الله وطاعة رسوله ويبعثهم إلى قوهم بالصلاة والزكاة وكانوا إذا أتوا قومهم .. يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة )) .

ثانياً : العمل بما يعلم :
والشرط الثاني لمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من يقوم بوظيفة الحسبة أن يكون عاملا بما يعلم مطبقا لما يقول ، تصدق أفعاله أقواله .
وقد عاب الله على من اتصف بالضد أو النقيض فقال تعالى : (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) .
كما ذم سبحانه وتعالى مَن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وخالف فعله قوله فقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) ، والسنة مليئة في ذم من يتصف بهذه الصفة .
فعن أسامة بن زيد قال سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان مالك : ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه )) رواه أحمد في المسند .
ويا له من وصف عجيب لحال صاحب هذه الصفة الذميمة فدورانه في النار يدل على استمراره على فعل المعصية وإصراره عليها في الدنيا كالحمار الذي يدور وخروج أمعائه واندلاقها في النار دليل على أن الله سيظهر منه ما كان خافيا في الدنيا وما كان مستترا من قبائح الذنوب والأفعال ، واجتماع أهل النار عليه فيه الفضيحة له كما غش الناس في الدنيا ففضحه الله في الآخرة فلا يكتمل حسن أداء المحتسب إلا بتطبيق ما يقول وفعل ما يأمر به وقد قال أبو الدرداء : (( ويل لمن لا يعلم ـ قالها مرة ـ وويل لمن يعلم ولا يعمل ـ قلها سبع مرات )) .
وقال مالك بن دينار : (( إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلب كما يزل القطر عن الصفا )) .
يقول الإمام الغزالي رحمه الله : (( إن هداية الغير فرع للاهتداء ، وكذلك تقويم الغير فرع للاستقامة والإصلاح زكاة عن نصب الصلاح ، فمن ليس بصالح في نفسه فكيف يصلح غيره ومتى يستقيم الظل والعود أعوج )) .
وما أجمل ما قال أبو الأسود الدؤلي رحمه الله المتوفى سنة 65 هـ في العيب والتوبيخ على من يأمر وينهى وينسى نفيه كالطبيب المعالج من الأسقام وهو سقيم :
يا أيها الرجل المعلم غيـــــره هلا لنفسك كان ذا التعليــــم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيــــم
وتراك تصلح بالرشاد عقولنـــا أبدا وأنت من الرشاد عديــــم
أبدأ بنفسك فانهها عن غيــهـا فإذا انتهت عنه فأنت حكيــــم
فهناك يُسمع ما تقول ويهتـــدى بالقول منك فينفع التعليـــــم
لا تنه عن خلق وتأتي مثلــــه عار عليك إذا فعلت عظيــــم

ثالثا : الإخـــــــــلاص :
فلا بد للآمر والناهي والموجه والمربي وكل من يرجو قبول عمله الإخلاص مع الله فيما يقول ويفعل لأن الله لا يتقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم قال تعالى : (( إنما يتقبل الله من المتقين )) .
أي إنما يقبل الله من المخلصين في أعمالهم .
وفي كتاب هداية المرشدين لشيخ علي محفوظ رحمه الله : فينبغي للداعي أن يتحلى بالآداب الشرعية ، والإخلاص في الدعوة إلى الله تعالى حتى يكون وارثا نبويا ، وعالما ربانيا ، وأن يعلم أنه لا يجتمع الإخلاص في القلب ، ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار ، والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا تم لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص .
فعلى المحتسب أن يربي نفسه على الإخلاص في أفعاله وأقواله قاصدا منها وجه الله وليس مدحا ولا ثناء ولا جاها ولا منصبا لعل قراءتك لهذا الحديث تكون رادعا لك من أن يساورك شيء مما يخدش إخلاصك من العجب والرياء .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمة الله فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال فلان جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ . فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها . قال فما عملت فيها قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك . قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار )) .
فلأن عقاب وعذاب العالم والموجه والمحتسب والمعلم أكبر من غيره إذا فقد الإخلاص صار الإخلاص شرطا لا بد منه لمن تصدى لهذه الأعمال الجليلة ولا تنفع كثرة الأعمال إن لم تكن خالصة لوجه الله عز وجل من أمر ونهي وتوجيه وإرشاد . فما لم يكن المقصود منه وجه الله ثم إصلاح البشر فإن ربي عز وجل يجعلها يوم القيامة هباء منثورا والله يقول : (( .. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) .

يقول سليمان الداراني : طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى .
وكتب عمر بالخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس .
وقال أيوب السختياني : تخليص النيات على العباد أشد عليهم من جميع الأعمال .
غير أن هناك قضية مهمة لا بد من إيضاحها إلا وهي ليس شرطا من إخلاصك أن تجد القبول من الناس ، أي بمعنى عدم قبول الناس لقولك ليس طعنا في إخلاصك .
فليس أحد أشد إخلاصا من أنبيء الله دعواتهم مع أقوامهم ومع ذلك فيقدم النبي يوم القيامة ومعه الواحد والنبي ومعه الثلاثة والنبي ومعه الجماعة والنبي وليس معه أحد ولزيادة الإيضاح نذكر ما ذكره الله عن أصحاب القرية في سورة يس إذ أرسل الله لهم اثنين فكذبوهما فعزز الله دعوتهم برسول ثالث فكذبوهم وثلاثة رسل مخلصين وما آمن إلا رجل واحد قال تعالى : (( واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ، إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون )) .. ثم بين تعالى أنه ما من إلا واحد (( إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )) .
فليعلم الآمر بالمعروف أن إخلاصه شرطا في قبول الله لعمله وعدم قبول الناس لإرشاده وتوجيهه ليس طعنا في إخلاصه فالناس يقبلون ممن يقتنعون في كلامه مخلصا كان أم مشركا خيّرا كان أم فاسقا .
لذا على المحتسب أن يجعل هذه القضية نصب عينه ولا يغرنه كثرة الهالكين وقلة السالكين ولا يجعل للشيطان سبيلا عليه في أن يشككه في نيته وإخلاصه لعدم استجابة الناس له فما عليك إلا بذل السبب بالطريقة المشروعة مصحوبا بالإخلاص وعلى الله الهداية .

رابعاً : الأمانـــــــــــــــــــــة :
أي أن يكون الآمر بالمعروف صاحب أمانة وذمة وضمير حي في تبليغ وأداء ما أمر الله به قال تعالى : (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )) .
فالله قد حمّل بني آدم الأمانة وبالأخص الدعاة إلى الله حمّلهم أمانة تبليغ هذا الدين فهم أمناء الله في هذه الأرض يبلغون ما أمر الله ما نهى الله عنه على أكمل وجه دون نقص ولا زيادة ، ومن الأمانة المنوطة بالمحتسب والداعية أن يبلغ ما كلف به من الله من أمر ونهي في كل الأحوال لا أن يأمر إذا اشتهى ويسكت إذا لم يشته ، فمن واجب المحتسب أن يكون أمينا على ما اتمن عليه لا أن يأمر بالمعروف إذا دفعه هواه ولا ينهى عن المنكر إذا عارضه هواه ومزاجه .

ولا شك أن تضييع الأمانة من علامات الساعة إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أول ما يرفع من الناس الأمانة حتى يقال أن في البلد الفلاني رجل أمين )) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه : (( كيف بكم إذا لبستكم فتنه يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير وتتخذ سنة ، فإن غيرت يوما قيل هذا منكر ، قالوا : ومتى ذلك ؟ قال : إذا قلّت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتفقه لغير الدين والتمستم الدنيا بعمل الآخرة )) .
فليس أجمل بالمحتسب من أن يؤدي الأمانة التي وكلّت له على أكمل وجه حتى تبرأ ذمته ولا يلحقه سخط الله وغضبه في قوله تعالى فيمن زاد ونقص وضيع الأمانة : (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )) .
وكيف لا تكون هذه الصفة واجبة في حق المحتسب وهو الذي يأمر الناس بالعدل والقسط والمعروف وأداء الأمانات . وينهاهم عن الغش والكذب والخداع ونقص الموازين وتضييع الحقوق ، فكل منكر قد نهى الله عنه فالمحتسب أولى الناس باجتنابه وكل معروف وخير أمر الله به فالمحتسب أولى الناس بالتحلي به والأخذ به .

خامساً : الصبــــــــــــــــــر :
فلابد للآمر بالمعروف والداعي من الصبر إذ به يتحمل أذى الناس فلا ولن يكون كلامك وأمرك ونهيك مقبولا لدى الجميع ولن يكون ماءً عذبا على قلوب الجميع بل سيرضى به البعض والبعض الآخر لربما خالفك ولكن كتم في نفسه والبعض لربما آذاك بكلامه أو أفعاله لذا اقتضى الحال أن يتحلى المحتسب بالصبر على ما يلقى من الأذى والبلى من الناس .
والله يقص لنا عن وصية لقمان لابنه يوصيه بذلك : (( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور )) .
وقال تعالى : (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) .

والله سبحانه وتعالى يواسي رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر حال من سبقه من الرسل وما أصابهم ولكنهم صبروا على تكذيب الناس لهم وإيذائهم وتعذيبهم قال تعالى : (( ولقد كذِّبت رسل من قبلك صبوا على ما كذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين )) .
فليس للمحتسب أن يسخط ولا أن يتضجر من سباب أو شتم أو غير ذلك وليكن مثله الأعلى في ذلك رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أصابه ما أصابه في سبيل الله ولم يجزع ولم يضجر ولعل حادثة واحدة مما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم كافية في أن تكون عبرة للمحتسب يتذكرها كلما فقد أعصابه وتوازنه .
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ها أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : (( لقد لقيت من قومك ـ أي كفار قريش ـ وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة ـ عند الطائف ، إذ عرضت نفسي على عبد ياليل من عبد كلال ـ سيد ثقيف ـ فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فقال : إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني فما شئت ؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا )) .
يا له خلق عال كريم عظيم سمى عن أن يقبل الإساءة بالإساءة وهذا الذي ينبغي بل يجب أن يتحلى به كل محتسب وكل داع يرجو أن يكون لدعوته صدا وتأثيرا بين الناس ولقوله سامع ولأمره مطيع ولنهيه مجتنب .


سادساً : الرفق واللين والرحمة بالناس :
فمن الواجب على الآمر بالمعروف أن يكون قلبه مليئا بالرحمة والعطف على الناس لأنه يقصد من أمره ونهية لهم توجيههم وتعديل المعوج من شكلهم وسلوكهم لذا وجب عليه أن يكون رحيما بهم عطوفا عليهم يداً حانية على المخطئ منهم حتى يكون لهم كالأب لأبنائه وكالأخ لإخوانه وكالصاحب الصادق لأصحابه ، والتأسي كل التأسي هو بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في حقه : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غيظ القلب لانفظوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله )) .
ويصف الله لنا نبيه بوصف آخر فيقول : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) .
ويقول تعالى : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )) .
ويقول تعالى : (( قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا )) .
ولا أوضح صورة للأمر باللين في القرآن من أمر الله لموسى بأن يخاطب فرعون باللين عسى أن يكون اللين سببا ومدعاة لهدايته قال تعالى : (( إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى )) .
كل هذا اللين لفرعون مع ما عرف عنه من تجبر وقتل وسفك الدماء وادعاء الألوهية بقوله : (( أنا ربكم الأعلى )) ، وقوله : (( ما علمت لكم من إله غيري )).
فيا له من توجيه رباني عظيم يحتاج له كل من تصدى للدعوة والتوجيه والإرشاد .
وقد ورد مثل هذا المعنى في معرض رد المأمون على رجل وعظه معنفا وأغلظ في الوعظ والنصيحة فقال له المأمون يا رجل أرفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق قال تعالى : (( فقولا له قولا لينا )) ، فليلاحظ المحتسب ذلك .
هذا وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمر أمته بالرفق واللين والرحمة وسعة الصدر فقال صلى الله عليه وسلم : (( الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه )) .
وفي رواية : (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا العنف في شيء إلا شانه )) ولا شك أن الرفق واللين خلقان كريمان يحبهما الله ويعطي عليهما ما لا يعطي على غيرهما إذ قال صلى الله عليه وسلم لعائشة : (( يا عائشة إن الله يحي الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه )) .

سابعاً : التيسير والتبشير وفتح باب الأمر للمذنبين والمقصرين :
ومن صفات الآمر بالمعروف الحكمة في تعامله مع الناس ودعوته لهم في استعماله الترغيب تارة والترهيب أخرى .
فليس من الحكمة في شيء أن يغلق المحتسب أبواب الرحمة والتوبة في وجوه المقصرين لما اقترفوه من ذنوب عظيمة كما أنه ليس من الحكمة أن يجعلهم يتكلوا على عظيم عفو الله ورحمته فعلى المحتسب أن يراعي ذلك جيدا وأن يدعو المذنبين إلى الإقبال على الله والتوبة مما اقترفته أيديهم والله يتوب عليهم ، كيف لا والله يقول في كتابه : (( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا )) .
ويقول تعالى : (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا )) .
وقال تعالى : (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين )) .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة )) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )) .
فعلى الدعاة اللين والرفق وفتح أبواب الخير والتوبة والمغفرة وترغيب الناس بها والله غز وجل غفور رحيم .

ثامناً : النظر إلى المصالح والمفاسد والعلم بها :
فلا بد أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالما عارفا بالمصالح الحاصلة من أمره ونهيه والمفاسد الناتجة عن ذلك .
ـ فإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة وجب الأمر والنهي عليه .
ـ وإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة لم يجب عليه بل قد يحرم .
ـ وإذا حصل التساوي والتكافؤ بين المعروف والمنكر لم يؤمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع .
ـ وإن اختلط المعروف بالمنكر عند ذلك يدعي إلى المعروف دعوة مطلقة وينهى عن المنكر نهي مطلق )) .
كل ذلك حتى لا يخطئ المحتسب في التقدير وتكون الأضرار أعظم من المنافع فيفسد بفعله أكثر مما يصلح ، وفي الحقيقة هذا الشرط داخل في الشرط الأول الذي ذكرناه وهو العلم بما يأمر به وينهى عن ولكن أفردناه ليعلم أن معرفة المصالح والمفاسد ومراعاتها عند الأمر والنهي مهمة جدا لما يترتب عليها من منافع أو أضرار .

تاسعاً : الاستطاعـــــــــــــــة :
ولا بد في الآمر بالمعروف حين الأمر والنهي أن يأمر وينهى قدر ما يستطيع ولا يحمل الناس ما لا يستطيعون إذ أن الله قد كلف العباد على حسب طاقتهم وتحملهم ولا يكون التكليف فوق ذلك : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت )) ، وقال تعالى : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) .
فليس من الواجب إيصال الأمر والنهي إلى كل فرد أو إلى كل مكان بل هو على قدر المستطاع ، كما أنه ليس من الواجب تغيير جميع المنكرات بأسلوب واحد ، بل كل محتسب وكل امرئ يغير بقدر ما يستطيع وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) .



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، فله الحمد والمنة والفضل أن وفق سبحانه وتعالى لإتمام هذا البحث .
ولعل أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الرسالة هي :
أولا : أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام عامة وفي حياة النبي  خاصة .
ثانيا : القدوة المطلقة برسول الله  المتمثلة بمعالجته للأخطاء في أمته أمة الدعوة وأمة الإجابة .
ثالثا : تنوع أساليبه  في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترغيبا وترهيبا .
رابعا : استخدامه  في الأعم الأغلب لألفاظ العموم في إنكار المنكر كقوله : (( ما بال أقوام )) ، (( ما بال أحدكم )) .
خامسا : ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العبادات والعادات لتقويم مسيرة الحياة في المجتمع المسلم .
سادسا : ضرورة تحلي المسلم بالصفات التي تجب أن تكون في الداعي من الإخلاص والتيسير والرحمة بالناس والعلم وغيرها .
سابعا : تبين أن النبي  كان يستعمل الحزم فيما كان الحزم فيه ضروريا ويستعمل اللين وخفض الجانب إذا لزم الأمر ذلك ولم تكن تلك القاعدة حادثة عن لا عموم لها بل منهجا ربانيا علمه الله لنبيه  .
ثامنا : ليس على المسلم أن يتغير المنكر في الحال أمامه وإنما عليه النصح والبيان والتأكيد على ذلك وعلى الله النتائج
تاسعا : لا بد من الوسطية فلا إفراط بالأمر بالمعروف ولا تفريط فكلا طرفي قصد الأمور ذميم ،وهو مع الأسف واقع الأمر بين تشدد وإفراط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقبة زمنية وبين تفريط في فترة أخرى . فخير الهدي هدي محمد  .
عاشرا : تبين أن السيرة النبوية والسنة المحمدية تحمل منهج حياة وليست هي ثمة قصص أو روايات بل هي كتاب حياة ومنهج أمة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


فهرس الآيــــات

الآيــــــة الســورة رقـم الصفحـة
(( أتأمرون الناس بالبر تنسون أنفسكم … ))
(( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها … ))
(( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير … ))
(( فبما رحمة من الله لنت لهم … ))
(( كنتم خير أمة أخرجت للناس … ))
(( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق … ))
(( والله يريد أن يتوب عليكم … ))
(( إنما يتقبل الله من المتقين … ))
(( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل … ))
(( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف … ))
(( ولقد كذبت رسل من قبلك … ))
(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض … ))
(( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة … ))
(( لقد جاءكم رسول من أنفسكم … ))
(( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة … ))
((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة … ))
(( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن … ))
(( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا … ))
(( اذهبا إلى فرعون إنه طغى … ))
(( ولينصرن الله من ينصره … ))
(( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف … ))
(( إنّا عرضنا الأمانة على السموات … ))
(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة … ))
(( واضرب لهم مثلا أصحاب القرية … ))
(( أجعل الآلهة إلها واحدا … ))
(( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم … ))
(( يا أيها الذين آمنوا م تقولون ما لا تفعلون … ))
(( فاتقوا الله ما استطعتم … ))
(( أنا ربكم الأعلى … ))
(( والعصر إن الإنسان لفي خسر … )) البقـرة
البقـرة
آل عمران
آل عمران
آل عمران
آل عمران
النساء
المائدة
المائدة
الأنفال
الأنعام
التوبة
التوبة
التوبة
النحل
النحل
الإسراء
الكهف
طه
الحج
لقمان
الأحزاب
الأحزاب
يس
ص
الزمر
الصف
التغابن
النازعات
العصر 46
56
8
51
8
8
54
48
10
54
51
9
45
52
45
52
52
49
52
9
51
50
12
49
15
54
46
56
52
51






فهــرس الأحاديـــــث

الحديـــث اســم الــراوي رقم الصفحة
(( الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ... ))
(( الله أفرح بتوبة عبده … ))
(( الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده … ))
(( أما علمت أن الفخذ … ))
(( إن الناس إذا رأوا المنكر … ))
(( أتعلمين زكاة هذا … ))
(( أتقعد قعدة المغضوب عليهم … ))
(( اتقي الله واصبري … ))
(( أخرجوهم من بيوتكم … ))
(( إذا عملت الخطيئة في الأرض … ))
(( اذهب فاغسل هذا عنك … ))
(( ارجع إلى ثوبك فخذه … ))
(( ارجع فصل فإنك لم تصل … ))
(( ارفع إزارك … ))
(( اركبها ويلك … ))
(( أقيموا صفوفكم … ))
(( إن الدين يسر … )) ـ
أنس
أبي واقد الليثي
المسور بن مخرمة
أبو بكر
عبد الله بن عمرو
الثريد بن سويد
أنس بن مالك
ابن عباس
العرس بن عميرة الكندي
عمار بن ياسر
المسور بن مخرمة
أبو هريرة
ابن عمر
أبو هريرة
النعمان بن بشير
أبو هريرة 53
54
15
33
10
24
38
42
36
10
36
33
21
34
25
22
54
(( إن الشهر تسع وعشرون … ))
(( إن الله يحب الرفق … ))
(( إن تفرقكم في هذه الشعاب … ))
(( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها … ))
(( أنا أنا كأنه كرهها … ))
(( أنتم الذين قلتم … ))
(( انظرن أخوتكم من الرضاعة … ))
(( أو الناس يقضى يوم القيامة عليه … ))
(( أول ما يرفع من الناس … ))
(( حججت عن نفسك … ))
(( رأيت شابا وشابة فخشيت … ))
(( زادك الله حرصا ولا تعد … ))
(( شيطان يتبع شيطان … ))
(( عباد الله لتسوّن صفوفكم … ))
(( علام تومئون بأيديكم … ))
(( قده بيده … ))
(( قولوا بقولكم … ))
(( قولوا بقولكم أو ببعض قولكم … ))
(( كف جشاءك عنا … ))
(( كل بيمينك … )) أنس بن مالك
عائشة
أبو ثعلبة الخشني
معاوية بن الحكم
جابر بن عبد الله
أنس
عائشة
أبو هريرة
ابن مسعود
ابن عباس
ابن عباس
أبو بكرة
أبو هريرة
النعمان بن بشير
جابر بن سمرة
ابن عباس
عبد الله بن الشخير
عبد الله بن الشخير
ابن عمر
سلمة بن الأكوع 29
29
38
13
37
17
29
48
50
26
25
22
41
22
22
25
16
18
38
39
(( لا آكل وأنا متكئ … ))
(( لا تجمعن جوعا وكذبا … ))
(( لا تزجروه وصبوا على بوله ذنوبا … ))
(( لا تزجروه دعوه … ))
(( لا تقل عليك فإن عليك السلام … ))
(( لا يستنجي أحدكم … ))
(( لم يكن رسول الله سبابا ولا فاحشا … ))
(( ما بال أقوام يتنـزهون عن … ))
(( مالي أراكم عزين … ))
(( ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم … ))
(( معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل … ))
(( من جر ثوبه خيلاء … ))
(( من رأى منكم منكرا فليغيره … ))
(( نهى رسول الله  عن الوصال … ))
(( هل كنت تدعو بشيء … ))
(( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف … ))
(( ويلكم مد مد … ))
(( ويل للأعقاب من النار … ))
(( يا عائشة إن الله يحب الرفق … ))
(( يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب … )) أبو جحيفة
أسماء بن يزيد بن السكن
ـ
أنس بن مالك
جابر بن سليم
سلمان
أنس
عائشة
جابر بن سمرة
جرير
ـ
ابن عمر
أبو سعيد
أبو هريرة
أنس بن مالك
حذيفة
ابن عباس
عبد الله بن عمرو
عائشة
عروة 39
39
12
23
37
32
12
17
38
10
13
34
9
27
28
10
15
20
53
18
(( يا غلام سم الله وكل بيمينك … ))
(( يا فلان ألا تحسن صلاتك … ))
(( يؤتى بالرجل يوم القيامة … )) عمر بن أبي سلمة
أبو هريرة
أسامة بن زيد 39
21
46


فهرس المراجع
القرآن الكريم .
( أ )
1 ) إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ( ت : 505 ) ط. دار الكتاب العربي ـ بيروت .
2 ) الأدب المفرد للبخاري ( ت : 256 ) ومعه شرحه لفضل الله الجيلاني ، ط.المطبعة السلفية ـ القاهرة 1388هـ .
3 ) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ) بتحقيق طه الزيني . الطبعة الأولى ـ مكتبة الكليات الأزهرية .
4 ) الأحكام السلطانية للماوردي .
( ب )
5 ) البداية والنهاية للإمام ابن كثير ( ت 774 ) مكتبة المعارف .
( ت )
6 ) تاريخ بغداد . للحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463 ) ، الناشر دار الكتاب العربي ـ بيروت .
7 ) تفسير القرآن العظيم . للحافظ بن كثير الدمشقي ( ت 774 ) ط. دار الشعب ـ القاهرة .
8 ) تذكرة الحفاظ للذهبي . دار الفكر ت بيروت .
9 ) التاريخ الكبير للبخاري . مصور بيروت ط: حيدر آباد .
10 ) تهذيب التهذيب لابن حجر . ( ت 852 ) ط.دار الفكر العربي .
11 ) تقريب التهذيب لابن حجر . ( ت 852 ) ط. دار الرشيد ، سوريا .

( ج )
12 ) جامع الأصول في أحاديث الرسول للحافظ ابن الأثير الجزري ( ت 606 ) بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط . مكتبة الحلواني 1389 هـ .
13 ) الجامع الصحيح لأبي عيسى الترمذي ( ت 275 ) بتحقيق أحمد شاكر ، ط.مصطفى البابي الحلبي ـ مصر 1398 هـ ـ 1978 م .
14 ) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي ( ت 327 ) ط. دار إحياء التراث العربي .
( ح )
15 ) الحسبة في الإسلام ، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية ( ت 728 ) تحقيق سيد أبي سعدة ، ط. دار الأرقم الكويت 1403 هـ .
16 ) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني .
( د )
17 ) الدر المنثور في التفسير المأثور . للحافظ جلال الدين السيوطي ( ت 911 ) ط. دار الفكر ـ بيروت 1403هـ ـ 1983م .
( ز )
18 ) زاد المعاد للإمام ابن القيم الجوزية ( ت 751 ) بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط . ط. مؤسسة الرسالة . بيروت 1399هـ .
( س )
19 ) سنن ابن ماجه القزويني ( ت 275 ) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ط.عيسى البابي الحلبي ـ مصر .
20 ) سنن أبي داود السجستاني ( ت 275 ) إعداد عزت عبيد الدعاس ، ط.دار الحديث ـ سورية 1393هـ ـ 1973م .
21 ) سنن علي بن عمر الدارقطني ( ت 385 ) تحقيق عبد الله هاشم المدني ، ط.دار المحاسن ، القاهرة 1386هـ .
22 ) سنن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ( ت 255 ) تحقيق عبد الله هاشم المدني ط. شركة الطباعة الفنية المتحدة ـ مصر 1386ة هـ ـ 1966م .
23 ) سنن أحمد بن شعيب النسائي ( ت 303 ) ط. دار إحياء التراث العربي بيروت 1348هـ / 1931م .
24 ) السنن الكبرى ، للحافظ البيهقي ( ت 745 ) ط. دار الفكر بيروت .
25 ) السنة للحافظ عمر بن أبي عاصم ( ت 287 ) تحقيق محمد ناصر الدين الألباني ،ط. المكتب الإسلامي ـ بيروت 1400هـ / 1980م .
26 ) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ( ت 478 ) مؤسسة الرسالة .
( ش )
27 ) شرح السنة للإمام البغوي ( ت 516 ) تحقيق شعيب الأرناؤوط ، ط.المكتب الإسلامي ـ بيروت .
28 ) شرح صحيح مسلم . للإمام يحيى بن شرف النووي ( ت 676 ) المطبعة المصرية ومكتباتها ـ مصر .
29 ) الشمائل المحمدية ، للإمام أبي عيسى الترمذي . تحقيق عزت عبيد الدعاس ، ط. مؤسسة الزغبي ـ بيروت 1396هـ 1976م .
( ص )
30 ) صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري ( ت 261) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ط. عيسى البابي والحلبي ـ مصر 1375هـ ـ 1955م .
31 ) صحيح محمد بن إسحاق بن خزيمة ( ت 311 ) تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي . ط. المكتب الإسلامي ـ بيروت .
( ط )
32 ) طبقات ابن سعد لابن سعد ط. دار صادر .
33 ) طبقات الحنابلة للفراء ط. أنصار السنة .
34 ) طبقات الشافعية للسبكي ط. علي البابي .
( ع )
35 ) عون المعبود شرح سنن أبي داود ، لأبي طيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ، الناشر : المكتبة السلفية بالمدينة المنورة 1388هـ .
36 ) عدة الصابرين للإمام ابن القيم ( ت 751 هـ ) .
( ف )
37 ) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني ، بتحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز ، ط. المطبعة السلفية ـ القاهرة 1380هـ .
38 ) فيض القدير شرح الجامع الصغير ، للعلامة المناوي ( ت 1013 هـ ) ، ط.دار المعرفة ـ بيروت 1391هـ ـ 1972م .
39 ) الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ، لأحمد البنا الساعاتي . ط.دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
( ل )
40 ) اللؤلؤ والمرجان لمحمد فؤاد عبد الباقي ط. المكتبة الإسلامية .
41 ) لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ) الأعلمي .
42 ) لسان العرب لابن منظور ( ت 711 ) حققه عبد اله علي الكبير ، ط.دار المعارف ـ القاهرة .

( م )
43 ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد . للحافظ الهيثمي ( ت 807 ) ط.دار الكتاب العربي ـ بيروت 1402هـ ـ 1982م .
44 ) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للشيخ أبي الحسن عبيد لله المباركفوري . الناشر : الجامعة السلفية ـ الهند .
45 ) المستدرك لأبي عبد الله محمد الحاكم ( ت 405 ) وبذيله التلخيص للذهبي . الناشر : مكتبة النصر الحديثة ـ الرياض .
46 ) المسند لأبي داود الطيالسي (ت 204) الناشر: دار الكتاب اللبناني ـ بيروت .
47 ) المسند للإمام أحمد بن حنبل ( ت 241 ) ط. المكتب الإسلامي ـ بيروت 1403هـ ـ 1983م .
48 ) المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ( ت 235 ) بتحقيق عبد الخالق الأفغاني ط.الدار السلفية ـ الهند 1979م .
49 ) المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ( ت 211 ) تحقيق : حبيب الرحمن العظمي ، الناشر : المجلس العلمي الهند 1392هـ ـ 1972م .
50 ) المغني لعبد الله بن أحمد بن قدامة ( ت 620 ) تحقيق طه محمد الزيني الناشر : مكتبة القاهرة ـ مصر 1388هـ ـ 1968م .
51 ) معالم السنن لأبي سليمان الخطابي ( ت 388 ) تحقيق أحمد محمد شاكر . الناشر : دار المعرفة ـ بيروت 1400 هـ ـ 1980م .
52 ) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان . للحافظ الهيثمي . تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة . ط. دار الكتب العلمية ـ بيروت .
53 ) موطأ الإمام مالك بن أنس ( ـ 2179 ) برواية يحيى الليثي. تحقيق أحمد راتب عرموش ـ ط.دار النفائس 1390هـ ـ 1971م .
54 ) مقدمة ابن خلدون ، ط . دار البيان .
55 ) المقتبس .
56 ) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي .
57 ) ميزان الاعتدال للإمام الذهبي ط. دار المعرفة .
( ن )
58 ) نهاية الرتبة في آداب الحسبة ، للسقطي .
59 ) النهاية في غريب الحديث ، لأبي السعادات ابن الأثير ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ، الناشر : المكتبة الإسلامية .
60 ) وفيات الأعيان لابن خلكان ( ت 681 ) دار صادر بيروت .

فهرس المواضيع

الموضوع رقم الصفحة
شكر وامتنان …………………………………………………………………………… 3
التمهيــد ……………………………………………………………………………… 4
المقدمــة ……………………………………………………………………………… 7
الفصل الأول
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة النبي 
رسول الله  الأسوة الحسنة………………………………………………… 12
المبحث الأول : أمره ونهيه  في مجال العقيدة
المطلب الأول : نهيه عن الشرك ………………………………………………… 15
المطلب الثاني : زجره  عن الغلو والمديح والتكلف في العبادة ………………… 17
المبحث الثاني : أمره ونهيه  بسبب في مجال العبادة
المطلب الأول : الوضـــوء ………………………………………………… 20
المطلب الثاني : الصـــلاة …………………………………………………… 21
رفقه ولينه  مع الغريب ومن لا يعرف آداب الإسلام …………………………… 23
المطلب الثالث : الزكــاة ………………………………………………… 24
المطلب الرابع : الحـــج ………………………………………………… 25
المطلب الخامس : الصــوم ………………………………………………… 27
المطلب السادس : الدعــاء ………………………………………………… 28
المطلب السابع : داخل بيته ………………………………………………… 29

المبحث الثالث
أمره ونهيه  مع الناس خارج العبادة
المطلب الأول : في الطهارة والاستنجاء ……………………………………… 32
المطلب الثاني : في اللباس والزينــة ……………………………………… 33
1 ـ ستر العـورة ………………………………………………………… 33
2 ـ اللباس والزينة ………………………………………………………… 34
المطلب الثالث : أمره ونهيه على المتشبهين …………………………………… 36
المطلب الرابع: في أدب الاستئذان …………………………………………… 37
المطلب الخامس : في المجالــس …………………………………………… 38
المطلب السادس : أمره ونهيه على الناس في لهوهم …………………………… 41
المطلب السابع : أمره ونهيه على زائري القبور ……………………………… 42

الفصل الثاني
صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
كما هو مفهوم من سيرته 
أولا : العلـــم ………………………………………………………… 45
ثانيا : العمل بما يعلم ………………………………………………………… 46
ثالثا : الإخــلاص ………………………………………………………… 48
رابعا : الأمانــة …………………………………………………………… 50
خامسا : الصبــر ………………………………………………………… 51
سادسا : الرفق واللين والرحمة بالناس …………………………………………… 52
سابعا : التيسير والتبشير ……………………………………………………… 54
ثامنا : النظر إلى المصالح والمفاسد والعلم بها ……………………………………… 55
تاسعا : الاستطاعــة ………………………………………………………… 56

الخاتمـــة ………………………………………………………………… 57



المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لامارتين ..أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نور الإسلام هدي الإسلام 0 26-05-2013 07:52 AM
هل أنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم مزون الطيب هدي الإسلام 0 02-02-2012 03:01 PM
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم : الصلاة والسلام عليه مزون الطيب هدي الإسلام 0 02-02-2012 02:56 PM
محبة النبي- صلى الله عليه وسلم- مزون الطيب هدي الإسلام 0 02-02-2012 02:55 PM
ومضات من حياة إمام الأنبياء - صلى الله عليه وسلم- مزون الطيب هدي الإسلام 0 01-02-2012 08:28 PM


الساعة الآن 08:13 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22