صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > المكتبة العامة

المكتبة العامة كتب ومراجع وبحوث ود اسات في مختلف العلوم والمعارف

الإسلام والغرب شقاق أم وفاق

الإسلام والغرب شقاق أم وفاق إعداد : نصر بن محمد الصنقري المقدمة : إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-11-2013 ~ 05:40 PM
نور الإسلام متواجد حالياً
افتراضي الإسلام والغرب شقاق أم وفاق
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


الإسلام والغرب
شقاق أم وفاق
إعداد : نصر بن محمد الصنقري

المقدمة :
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:

تردد في الآونة الأخيرةمصطلح (صدِام الحضارات) وأخذ هذا المصطلح يطفو على سطح الوسائل الإعلامية المسموعةوالمرئية والمطبوعة وكأن العالم قاب قوسين أو أدنى من حرب كونية ثالثة سوف تأتي علىالسلالة البشرية بأكملها وراح البعض يرّوج لفكرة أن الدين سيكون شرارةهذه الحرب..

وما أن طغى مصطلح (صدِامالحضارات) على السطح، حتى ظهر مصطلح آخر وهو بمثابة الند أو الضد للمصطلح الأول وهومصطلح (حوار الحضارات) ويرى أصحاب هذا المصطلح أو التيار أن الحضارات لا تتصارع ولاتتصادم وإنما تتكامل وتتبلور بحيث تعتمد كل حضارة على ما عند الحضارات الأخرى منعلوم ومعارف وثقافات وعقائد، ويرى أصحاب هذا التيار أيضاً أن الأديان لا يمكن أنتكون بذاتها وسيلة للصدِام والمجابهة بل هي بذاتها وسيلة لتقارب الإنسان من أخيهالإنسان. وكما أن الدين وسيلة للتفاهم فإن الحضارة أيضاً هي خير وسيلة للتعبير عناحتياجات ورغبات الإنسان في العيش الهانئ دون اللجوء إلى لغة العنف معالآخر.

غير أن الشاعر يقول :
أرى خلال الرماد وميض نـــار وأخشى أن يكون لهم ضرام
فإن النــار بالعــودينتذكـى وإن الحـرب مبدؤها كلام

ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في ( الإسلام والغرب ) : من الموضوعات التي طرحت نفسها وبحدة خاصة بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001، موضوع علاقةالغرب بالعالم الإسلامي. ففي الغرب يسألون لماذا يكرهنا المسلمون؟!.
وفي محاولةالإجابة عن هذا السؤال يقولون : "إن المسلمين يحقدون على الغرب بسبب الاستقرار السياسيوالتقدم التكنولوجي والاقتصادي اللذين يتمتع بهما، وإنهم وقعوا أسرى الماضي بدلاًمن بذل الجهد اللازم ليلحقوا بركب الحداثة والتقدم، ولذا أخفقوا في تحديثمجتمعاتهم، الأمر الذي يزيد من عدائهم للغرب."

وفي المقابل يحاول بعضالمسلمين تفسير العداء الغربي بالقول إن اللوبي الصهيوني -وأحيانا اليهوديةالعالمية- هي التي تحرض الغرب ضدنا. وهناك من يرى أن الغرب لا يزال صليبياً يحاولتحطيم الإسلام وإذلال المسلمين وربما تنصيرهم. ......................................الجزيرة 4/11/2004.

ثم يقول : وقد يكون هناك شيء من الصحةفي كل هذه العناصر، ولكنها قاصرة عن تفسير ظاهرة في شمول وعمق التوتر المتصاعد فيالعلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي.

فكان أن انقسمت الناس فهناك الغرب وأمريكا وبعض القوى المحلية عندنا تدعونا إلى الالتحاق بالركب الحضاري الغربي والاندماج في الحضارة الغربية والتخلي عن ديننا وحضارتنا وقيمنا أو على الأقل قصر علاقتنا به على العبادة الفردية والضمير وهؤلاء يقولون إنه قد ثبت أن الحضارة الغربية حضارة عظيمة ويجب أن تسود العالم ، أو يقولون إنه لا أمل ولا فرصة للمواجهة ومن الأفضل أن ننصاع لها ، وهؤلاء بالطبع منافقون ومخادعون فلا الحضارة الغربية حضارة عظيمة ، ولا هي حضارة ذات أخلاق ، ولا هي قدر مقدور لا يمكن الفكاك منه ، هؤلاء بالتحديد يدعوننا إلى الاستمرار في أداء دور الضحية والذبيحة خاصة بعد أن شحذ الجزار سكينه وأصيب الآكلون بنهم شديد ، وفضلاً عن أننا سنكون مجالا للنهب فإنهم يطلبون منا أن نتخلى عن قيمنا وذاتيتنا ومبادئ ديننا وحضارتنا وهذا بالطبع مرفوض .

واتجاه آخر يقول بأن الحضارات تتفاعل مع بعضها البعض أو تتزاوج وإن الحضارة الغربية ليست غربية فقط بل إنسانية أي أنها استفادت من كل الحضارات التي سبقتها وتفاعلت وتزاوجت معها وخرجت في النهاية لتكون حضارة الإنسانية كلها.

ومن هنا ألينا على أنفسنا صبرغور هذا التوتر ووضعه في حجمه الطبيعي ، وبيان ما إذا كانت العلاقة مع الغرب هي علاقة الحوار أم علاقة الحرب والدمار ، ويمكن القول إن ثمة عناصر يمكن أن تؤديإلى توتر العلاقة بين الإسلام والغرب، لكنها في الوقت ذاته يمكن أن تشكل أساساًللتفاهم والتعاون.
ولكن قبل الوصل إلى هذه النتيجة لابد من استعراض الصراع الغربي مع الإسلام ، ولا بد كذلك من توضيح بعض معايير الغرب في نظرته إلى العالم الإسلامي السياسي والديني ، وإلى الفرد المسلم والجماعة المسلمة ، كما لابد أن نبين الأخطاء التي يقع فيها الكثير من المسلمين فيعطوا بذلك الفرصة للغرب ليشنع على الإسلام والمسلمين ، سواء كان ذلك حقاً أو مكراً ودهاءً.

غير أنه يجب التأكيد في الوقت نفسه على أن حرية التعبير وحرية الإعلام شيء، والإساءة والتحريض على الآخر ومعتقداته الدينية وقيمه الروحية شيء آخر...... هذا ونسأل الله تعالى السداد والتوفيق ............
وكتبه /نصر بن محمد الصنقري .......مرسى مطروح .
التمهيد :
إن الإسلام هو الرسالة الخاتمة للرسالات السابقة يدعو إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له وبملائكته وبرسله وبكتبه المنزلة وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، عاجله وآجله ، ويدعو إلى القيم الخلقية النبيلة التي دعت إليها الأديان، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ "([1]).

من هذا المنطلق نرى أن الإسلام منهج "منهج حياة" حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها. منهج يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة (الوجود)، ويحدد مكان (الإنسان) في هذا الوجود، كما يحدد غاية وجوده الإنساني.. ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصور الاعتقادي وتستند إليه، وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر. كالنظام الأخلاقي والينبوع الذي ينبثق منه، والأسس التي يقوم عليها، والسلطة التي يستمد منها. والنظام السياسي وشكله وخصائصه. والنظام الاجتماعي وأسسه ومقوماته. والنظام الاقتصادي وفلسفته وتشكيلاته. والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته.. ..............................من كتاب المستقبل لهذا الدين لسيد قطب.

وهذا الدين من الوضوح في هذا المعنى - ومن العمق والقوة كذلك - بحيث يبدو أن ليس هنالك أمل في نجاح أية محاولة لتصويره في صورة العقيدة الوجدانية المنعزلة عن واقع الحياة البشرية، والتي لا علاقة لها بتنظيمات الحياة الواقعية، وتشكيلاتها وأجهزتها العملية. أو العقيدة التي تعد الناس فردوس الآخرة إذا هم أدوا شعائرها وعباداتها، دون أن يحققوا – في واقع مجتمعهم– أنظمتها وشرائعها وأوضاعها المتميزة المتفردة الخاصة ! فهذا الدين ليس هكذا. ولم يكن هكذا. ولا يمكن أن يكون هكذا.. ربما استطاعت أية نحلة في الأرض تزعم لنفسها أنها (دين) ويزعم لها أهلها أنها (دين) أن تكون كذلك! أما (هذا الدين) فلا. ثم لا. ثم لا..

إن هذا الدين أضخم حقيقة، وأصلب عوداً، وأعمق جذوراً، من أن تفلح في معالجته تلك الجهود الغربية والتغريبية ، ولا هذه الضربات الوحشية كذلك. كما أننا نعلم أن حاجة البشرية إلى هذا المنهج أكبر من حقد الحاقدين على هذا الدين؛ وهي تتردى بسرعة مخيفة في هاوية الدمار السحيقة؛ ويتنادى الواعون منها بصيحة الخطر، ويتلمسون لها طريق النجاة.. ولا نجاة إلا بالرجوع إلى الله.. والى منهجه القويم للحياة.

إن هتافات كثيرة من هنا ومن هناك تنبعث من القلوب الحائرة. وترتفع من الحناجر المتعبة.. تهتف بمنقذ، وتتلفت على (مخلِّص). وتتصور لهذا المخلص سمات وملامح معينة تطلبها فيه. وهذه السمات والملامح المعينة لا تنطبق على أحد إلا على هذا الدين!

فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين، ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج، نستمد نحن يقيننا الذي لا يتزعزع، في أن المستقبل لهذا الدين، وأن له دوراً في هذه الأرض هو مدعو لأدائه - أراد أعداؤه كلهم أم لم يريدوا - وأن دوره هذا المرتقب لا تملك عقيدة أخرى- كما لا يملك منهج آخر- أن يؤديه. وأن البشرية بجملتها لا تملك أن تستغني طويلاً عنه....المستقبل لهذا الدينبتصرف وبعض الزيادات .
لقد وقف الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل عام 1864 في جامعة أدنبره العريقة في الدراسات الصليبية وبالرغم من أنه هاجم القرآن إلا أنه عندما جاء ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال 'لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين أن يستمع أو يصدق ما يقال من أن محمداً كان دجالا وكذابا. فكيف بالله عليكم يستطيع الكذاب أن يبني أمة عظيمة تمتد جذورها في هذه المساحة الشاسعة؟. وكيف بالله عليكم للكذاب أن يأتي بكتاب يستطيع أن يسيطر على نفوس وعقول وقلوب معظم سكان الأرض؟'.

ومن هنا اختاره الله لنا اسماً ورسماً ، ومظهراً وجوهراً ، وقلباً وقالباً.

أولاً : يقول تعالى في حق الدين الإسلامي ، وموقف الغرب منه :{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }(3) سورة المائدة،
ويقول تبارك وتعالى :{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ }(19) سورة آل عمران ،
ويقول عز من قال : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ }(85) سورة آل عمران ،
ويقول أيضاً : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(146) سورة البقرة، ويقول عز جاهه : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}(20) سورة الأنعام

ينقل الشيخ سفر الحوالي في كتابه كشف الغمة عن علماء الأمة خطط الغرب للسيطرة على منطقة الخليج وحقول النفط ، ومن ضمن ما نقل أيضاً حرص الغرب على حرب الإسلام واعتباره الخطر الأكبر عليهم في العالم الثالث ، وأنقل من كلامه بعض المقتطفات التي نقلها ذات الطابع الهجومي يقول في صـ 32 ـ " والواقع إن جوهر القضية في هذه التحالفات قديمها وحديثها واحد وهو أن مصلحة الغرب تقتضي تناسي خلافاته الداخلية والتوحد لمقاومة الخطر الخارجي الذي يَعُدُ الإسلام رأس الحربة فيه ، فقد تحالفت أوروبا المتناحرة ضد الدولة العثمانية فيما سُمي (الحلف المقدس) كما ظلت تركيا -رغم إنها دولة أوروبية من جهة الموقع- خارج الاتفاقيات الدولية الأوروبية إلى عهد قريب لسبب واحد هو أنها مسلمة ، و سُئل الرئيس التركي عن سبب عدم قبول تركيا عضواً في الوحدة الأوروبية رغم أنها عضو في حلف الناتو - فأجاب بأن السبب هو أن الغرب لا يزال ينظر إلى تركيا باعتبارها دولة إسلامية !!.

ونقل الشيخ أيضاً صـ 37ـ " وفي الوقت نفسه جرى الإعلان أيضاً عن وظيفة جديدة للمخابرات الأمريكية في ظل الوفاق (وهي قديمة في الواقع) فقد أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية في برنامج (عالم الظهيرة) ما نصه تقريباً:" إن الجهد الرئيسي للمخابرات الأمريكية الذي كان منصباً لمراقبة إمبراطورية الشر -يعني الاتحاد السوفيتي- سيتجه أساساً لمراقبة الجماعات الأصولية في العالم الإسلامي ووضع العقبات والعراقيل أمامها ".
وأذاعت تعليقاً لصحيفة الفايننشال تايمز قالت فيه:إذا كانت أمريكا تشجع الاتجاهات الديمقراطية في شرق أوروبا ودول العالم الثالث فإنه يجب عليها ألا تشجع تلك الاتجاهات في العالم الإسلامي لأنها بذلك تدفع –دون أن تدري- بالأصوليين إلى تسلم زمام السلطة في ذلك العالم!!!

والواقع أن مثار الذهول ليس مجرد التهديد بالتدخل فقد تدخلت فرنسا فعلاً في دول كثيرة منها (زائير ووسط أفريقيا وساحل العاج وتشاد والجابون) ولكنه في الجراءة على إعلان بعض مخططات الغرب السرية وإشهار الحرب الصليبية الذي يزيد الصحوة الإسلامية ـ بإذن الله ـ اشتعالاً ويرسخ قدمها .

وأنقل هنا مقالات لبعض ساسة الغرب ورجال الدين فيها وهي تدل على أن الغرب بجميع اتجاهاته يعد العدة لحرب صليبية تجهز على الإسلام بزعمهم ، وفكرة الحرب الصليبية أو كما يسمونها الحرب بين قوى ( الخير والشر ) أو بين قوى ( الظلام والنور ) أو بين ( العدالة والظلم ) كل هذه الأسماء التي يستخدمها الأمريكيون وقادة دول التحالف ضد الإسلام لم تكن عبارات جديدة بل هي عبارات أصولية قديمة بالنسبة لهم مستقاة من كتبهم ومن نبوئتهم الخرافية و متأصلة في الفكر الغربي المتطرف ، والمعركة التي يقودها الآن هم الإنجيليون العسكريون ، أو المتطرفون البروتوستانت .

يقول خفير سولانا أمين عام حلف شمال الأطلسي سابقاً في اجتماع للـحلف عام 1412هـ بعد سقوط الاتحاد السوفييتي " بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط العدو الأحمر يجب على دول حلف شمال الأطلسي ودول أوربا جميعاً أن تتناسى خلافاتها فيما بينها وترفع أنظارها من على أقدامها لتنظر إلى الأمام لتبصر عدواً متربصاً بها يجب أن تتحد لمواجهته وهو الأصولية الإسلامية " .
ويقول جلادستون رئيس وزارء بريطانيا سابقاً موصياً بإبعاد الناس عن دينهم تمهيداً للحرب الصليبية " ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق " .
ويقول ألبر مشادور " من يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية ، وفي الوقت المناسب " .
ويقول القس لورانس براون داعياً إلى تفريق الأمة " إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له ، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير
ويقول أرنولد توينبي " إن الوحدة الإسلامية نائمة لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ " .
ويقول المستشرق الأمريكي وك سميث الخبير بشئون باكستان " إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي ، وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد ، وبالدكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها " .

ثانياً : يقول تعالى في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}(56) سورة الفرقان ، ويقول تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}(45) سورة الأحزاب، ويقول عز وجل : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(28) سورة سبأ

ثالثاً : وقال تعالى في حق المتبعين لهذا الدين : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}(78) سورة الحـج

رابعاً :عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّt ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : " أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ ومِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقَالَ : (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ) ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا ، فَقُلْتُ : رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً ، قَالَ : اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ ، قَالَ : وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ : مُقْسِطٌ ، مُتَصَدِّقٌ ، مُوَفَّقٌ ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ، قَالَ : وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ : الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ ، تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ "........................................أخرجه مسلم في صحيحه وأغلب أهل السنن.

خامساً :عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، فَقَالَ : لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، قَالَ : أَبُو سُفْيَانَ ، فَقُلْتُ : أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا ، قَالَ : مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، فَقُلْتُ : هُوَ ابْنُ عَمِّي وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي ، فَقَالَ : قَيْصَرُ أَدْنُوهُ وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي ، ثُمَّ قَالَ : لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ : لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ ، قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ : فَهَلْ ، قَالَ : هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ ، قُلْتُ : لَا ، فَقَالَ : كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا ، قَالَ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قُلْتُ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَالَ : فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ ، قُلْتُ : بَلْ يَزِيدُونَ ، قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ ، قُلْتُ : لَا وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا ، قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ ، قُلْتُ : كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى ، قَالَ : فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ ، قَالَ : يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَالْعَفَافِ ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، فَقَالَ : لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ ، قُلْتُ : ذَلِكَ لَهُ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ ، عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ ، هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ، قَالَ : هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ ، قُلْتُ : رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا ، قَالَ : فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ ، قُلْتُ : يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ ، أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا ، فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدِرُونَ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا وَيُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ ، وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَالْعَفَافِ ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، قَالَ : وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُ مَا ، قُلْتَ : حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ ، أَسْلِمْ ، تَسْلَمْ ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ وَ﴿يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلَا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا وَأُمِرَ بِنَا ، فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ ، قُلْتُ لَهُمْ : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ ، وَأَنَا كَارِهٌ " ............................أخرجه البخاري وأهل السنن .


ولا حاجة بنا إلى الإطالة أكثر من هذا-في البحث المجمل- عن طبيعة (الدين) وشموله لنظام الحياة الواقعية. فانه لا معنى للدين أصلاً إذا هو تخلى عن تنظيم الحياة الواقعية؛ بتصوراته الخاصة، ومفاهيمه الخاصة، وشرائعه الخاصة، وتوجيهاته الخاصة، فهذه الحياة الإنسانية لابد أن يقوم نظامها الأساسي على قاعدة التصور الاعتقادي، الذي يفسر حقيقة الوجود، وعلاقته بخالقه ، ومركز الإنسان فيه، وغاية وجوده الإنساني، ونوع الارتباطات التي تحقق هذه الغاية. سواء الارتباطات بين الإنسان وربه. أو الارتباطات بين الإنسان والكون من حوله. أو الارتباطات بين الإنسان وسائر الأحياء. أو الارتباطات بين بني الإنسان. كما يرتضيها الله لعباده.








جذور الصراع بين الشرق والغرب ([2])
إن الدراسة المنصفة والمحايدة في موضوع الإسلام والغرب هي وحدها التي تبرز صورة الإسلام الحقيقية أمام الغرب وهي وحدها التي تدفع المسلمين إلى مزيد من التواصل مع الغرب.
وليس مطلوبا من العالم الإسلامي أو من الغرب أن ينسيا وقائع التاريخ في علاقة المسلمين بالغرب، ولكن المطلوب أن تكون عبرة هذا التاريخ ماثلة أمامنا.
بدأت المواجهة بين الشرق والغرب منذ فجر التأريخ الإنساني المدون، الذي تتنازعهاليوم أراضي الرافدين وشواطئ البحر المتوسط حيث دارت أكثر حوادث التأريخلهباً وعنفواناً.
شهد الشرق قيام سلسلة متتابعة من الحضارات تعود إلى نحو ستينقرناً قبل الميلاد من عيلام وسومر في العراق إلى مصر إلى غيبلا في الشام إلى الوثبةالفارسية في طيفون، لم تخل من مناوشات بين الشرق والغرب، ولكن لم تسجل مواجهةحقيقية بين الشرق والغرب حتى القرن الرابع قبل الميلاد.
بدأت المواجهة بين الشرقوالغرب مع خروج الإسكندر الأكبر من معاقل الرومان التقليدية في البلقان صوب الشرق،حيث قدر الله للجواد الذي يركبه أن يجتاز مضيق الدردنيل ويتحرك صوب سحر الشرقالآسر، وهناك يمضي من أفق إلى أفق فيجتاح آسيا الصغرى وبلاد الشام ثم السهولالإيرانية، فيحطم أمجاد الفرس ويمزق دولة ساسان، ثم يوغل في الشرق فيروي خيله مننهر جيحون ويجتاز بلاد ما وراء النهر، حيث يبلغ سحراً آخر يحمله إلى القارة الهنديةفيدك ما واجهه من الممالك، ويبلغ في النهاية إمبراطورية الصين حيث لم يعد ثمة بعدهاشئ يمكن أن يباهي بإسقاطه.
وحين عاد الإسكندر إلى أثينا ليبتهج بنصره شاباًغضاً، أدرك أنه ليس إلا دورة واحدة من دورات الحياة، وأن تبدل المقادير ماض إلىغاية لا يمكن أن تتوقف عنده طموحات الإسكندر.
لم يطل المشهد حتى انبعثت شعوب آسياالراقدة تضرب في جيوش الاسكندر كل وجه، وتحيل ليهبهم إلى رماد، حيث يمزقون إلىبطالسة وسلوقيين، وتبرز مشاهد متعاقبة من الأكاسرة الجبارين، تطرق أبواب أوروبا منالأناضول في هبة الشرق العارمة، في صد أطماع الغرب.
بعد أقل من قرن يضرب مانيبعلبسياطه الموجعة في قلب الحواضر الأوربية، ويسجل غضب الجنوب على الشمال، وتثأرقرطاجة للإسكندرية ويشتعل المتوسط بنار الكراهية من جديد

في غمرة هذا الصراعكان هناك مشروع آخر يتم إعداده في روما الإيطالية التي تتدلى في قلب البحر المتوسطفي إرادة جادة للمواجهة، تحت عنوان الإمبراطورية الرومانية والتي ستصبح المقدسةفيما بعد وتنطلق الأطماع الرومانية من جديد فتلتهب البلاد المتشاطئة في البحرالمتوسط، في القرن الأول قبل الميلاد، ويمضي المشروع الروماني إلى أم الدنيا مصر، ثميرسم ملامح وجود جديد على طول شواطئ المتوسط ليصبح بحيرة رومية، ثم يجتاح بلادالشام ويصل إلى مواجهة مباشرة مع الحضارة الساسانية الفارسية، حيث سيبدأ صراع ساخنسيستمر سبعة قرون.

ومع وصول الفتح الإسلامي إلى بلاد الشام في القرن السابعالهجري كان الشرق يستعيد عافيته ليقوم بالمواجهة مع الغرب وعندما رحل القيصر من أرضالشام كان يعلم تماماً أنه يرحل رحيلاً لا عودة عنه، وأن فصلاً جديداً من تأريخالعالم يكتبه هذا الفتح الإسلامي الطامح، الذي باكر إلى محاولة دك أسوارالقسطنطينية مؤكداً على روح المواجهة.

تمضي القرون خمسة تبوء محاولات الغربالبائسة في اختراق آسيا بالفشل وتتحطم أوهامه عند مضيق الدردنبل، حيث يقوم الرباطعلى ثغور كيليكية بلجم الأوضاع الأوربية في الشرق الإسلامي، حتى تنفجر أوروبابالأوهام الصليبية عندما يمضي بطرس الناسك في القرن الحادي عشر برسالة أوران الثانيليحشد أوروبا في جحافل الحملات المسعورة لأطماع الفرنجة تحت عنوان الحروب الصليبية،وتنشأ مواجهة أخرى بين الشرق والغرب استمرت مائتي عام ركز فيها الغرب راياته علىأمارات كثيرة في الشرق من الرها إلى دمياط، ولكن الشرق انتفض مرة أخرى وما بين صلاحالدين والملك الكامل والظاهر بيبرس وصلت الرسالة إلى أرض الأناضول ليترجمها محمدالفاتح بفتح القسطنطينية عام 1453م، حيث ستبدأ جولة أخرى من الصراع ستكون هذه المرةفي عمق الأرض الأوربية، وسيسمعها الغرب بوضوح على أسوار فيينا في قلب القارةالأوربية.

بعد أقل من قرنين استأنفت أوروبا تاريخ الصراع عندما تفجرت الثورةالملاحية من الجزيرة الأيبيرية وجرفت في طريقها الأندلس لتمتد شريطاً ساحلياً يطوقالعالم الإسلامي من طنجة إلى جزر سيلان عبر رأس الرجاء الصالح ومن ثم إلى أرخبيل، ويتبعها وصول فرنسا إلى سواحل مصر أيام نابليون الذي افتتح الحقبةالاستعمارية الجديدة في الشرق العربي.

أثر الحضارة الإسلامية على حركة الحياة الأوربية:
يقول الدكتور عبود:"لم تكن الحروب الصليبية ـ كما نعلم ـ أول احتكاك بين الإسلام والغرب، بل كان هناك هذا الاحتكاك منذ السنين الأولى من تاريخ الإسلام، عن طريق الفتوحات الإسلامية عبر الشام وعبر الشمال الأفريقي، ثم الأندلس وجزر البحر الأبيض المتوسط.

وما من شك في أن الحضارة الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي على وجه الخصوص، قد أفادت من الحضارة اليونانية عبر جهود الترجمة التي قام بها العلماء العرب والمسلمون لكثير من المعارف التي كانت سائدة آنذاك عدا المعارف التي تتعلق بالعقائد الوثنية اليونانية، ثم كان الهضم والتمثل والإضافة والإبداع ذو الخصوصية الإسلامية الذي شارك فيه العلماء المسلمون من الأجناس المختلفة المكونة للحضارة الإسلامية.
وكان على أوربا أن تتلقى العلوم والمعارف على أيدي علماء الإسلام بعد أن كانت تغط في سباتها العميق في مرحلة ما سموه بالعصور الوسطى وكان ذلك عن طريق التماس والتفاعل العميق في كل من الأندلس وصقلية، وعبر الحروب الصليبية.

لقد أسس المسلمون في الأندلس حضارة عريقة شملت مظاهر الحياة كافة من علوم وصناعات وفنون ومظاهر سلوك، بحيث أصبحت الأندلس من الحواضر الإسلامية المرموقة، وكانت قبلة للزوار من طلبة العلم والعلماء على السواء، سواء من المشرق الإسلامي، أو الغرب الأوربي. وكان الاتصال بين المسلمين والأوربيين سهلا ، وكان اللقاء والتلاقح قائمين حيث كان الإقبال شديداً على تعلم اللغة العربية وتعلم أنماط العلم والثقافة، وتقليد المسلمين في مظاهر حياتهم الحضارية.

وكانت الترجمة من العربية إلى اللاتينية واحداً من مظاهر هذا التفاعل، وكان اقتناء الكتب، وإنشاء الجامعات على غرار الجامعات العربية مظهراً آخر من مظاهر هذا التقليد والاقتباس.

هذا في مراحل السلم، أما في المرحلة التي استطاعت الإمارات الأوربية المجاورة للأندلس أن تتهيأ للهجوم على الحواضر الإسلامية الأندلسية، فكانت تستولي على مكتباتها وتجتهد في ترجمتها خاصة تلك التي تتوفر على علوم الهندسة والطب والفلك وغيرها، حدث هذا حين استولى الفونس السادس سنة 1085م على قرطبة، ثم تبعتها طليطلة وساليرنو وغيرها.

أما صقلية التي فتحها الأغالبة القادمون من تونس عام 827م، وتمكنوا ـ بعد ذلك ـ من تهديد روما مرتين، مما اضطر البابا حنا الثامن أن يدفع الجزية لمدة سنتين.
في هذه الجزيرة أقيمت حضارة راقية تضاهي الحضارة التي قامت في الأندلس. وكان انتقال الحضارة الإسلامية منها إلى أوربا سريعاً ومؤثراً، وقد وصفت صقلية بأنها جنة أهل العلم آنذاك، وقد بدت آثار الحضارة الإسلامية فيها. ويمكن أخذ (فردريك الثاني) حاكمها الذي أغرم بالعلوم الإسلامية والثقافة الإسلامية مثالاً لهذا"أ.هـد. شلتاغ عبودالثقافة الإسلامية بين التغريب والتأصيل
أما اللقاء الإسلامي الأوربي عبر الحروب الصليبية، فقد كان عظيم الأثر في حركة الحياة العلمية والفكرية في أوربا. فقد عاد الأوربيون بعد هزيمتهم في المشرق الإسلامي، وهم أكثر معرفة وخبرة بطبيعة الحياة في العالم الإسلامي، فلم يعودوا يؤمنون بما كان يروجه القساوسة والرهبان عن هذه الحياة وعن طبيعة التفكير لدى المسلمين، بل عادوا وهم يحملون معلومات ناضجة، وتجارب غنية عن الإنسان المسلم وإنجازاته العلمية، وعن الأرض وطبيعتها، بل وعن مواطن القوة والضعف في الديار الإسلامية عامة.

ويمكن القول بأن (الحروب الصليبية انتهت بانتصار المسلمين عسكرياً، إلا أن المسيحيين استطاعوا أن ينتصروا علمياً من خلال الذخائر العلمية التي حصلوا عليها في فترة حربهم مع المسلمين) ..لقد حدث في أوربا بعد الحروب الصليبية ثورات كبرى في مجال العلم، بل والدين.

ففي مجال العلم كان ظهور المنهج العلمي التجريبي الذي نما وازدهر على أيدي المسلمين، بعد أن استنقذوه من أيدي تلاميذ أرسطو الذين رسخوا المنهج الاستنباطي لسنين طويلة، فكان ظهور روجرز بيكون، 1214 ـ 1294م الذي كان على صلة تامة بالعلوم العربية ومنهجها، ثم تلاه فرنسيس بيكون وغاليلو وغيرهم، حيث كانت جهودهم امتداداً لجهود الرازي وجابر بن حيان وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم من العلماء المسلمين.

وعلى المستوى الديني كان ظهور توما الإكويني 1255 ـ 1274م، الذي أصلح كثيراً من مظاهر التفكير اللاهوتي المسيحي بما تعلمه من مناهج المسلمين وطرق تفكيرهم في العلوم والعقائد، ثم تلاه مارتن لوثر الألماني بثورته الدينية العارمة التي اقتبست الكثير من طريقة المسلمين في علاقتهم بربهم وعلمائهم الروحانيين خاصة.

إن الأمر الذي يكاد يجمع عليه الباحثون عدا بعض المستشرقين والمفكرين الأوربيين المتعصبين هو أن أوربا أفادت من علاقاتها بالإسلام وأهله في مواطن اللقاء كلها، وإن النهضة الأوربية لم تحدث في القرن السادس عشر كما هو شائع، بل بدأت قبل هذا منذ القرن العاشر بفعل الشروع بحركة الترجمة والنقل عن العربية عبر الأندلس وصقلية، كما أشرنا.

ويقول الكاتب الأسباني " أبانيز " في كتابه: (ظلال الكنيسة) عن غزو العرب لأسبانياالإسلام والغرب شقاق أم وفاق frown.gifلم تكن غزوة فتح وتدويخ بل حضارة جديدة بسطت شعابها على جميع مرافق الحياة. ولم يتخل أبناء الحضارة زمنا عن فضيلة حرية الضمير وهى الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب. فقبلوا في المدن التي فيها الأشعار بمهارة لا تفوقها مهارة العرب أنفسهم).

ولقد كان التأثير الإسلامي شاملاً في العلم والفنون والآداب والعادات، ويحضرني هنا قول للروائي الفرنسي (استاندال) في كتابه (في الحب): ((لقد كنا برابرة ... لقد اقتبسنا أنبل عاداتنا عن طريق الحروب الصليبية والغرب في أسبانيا)).
على أنه من الضروري التأكيد على أن الأوربيين أخذوا من المسلمين الوسائل، ولم يأخذوا الغايات والأهداف، وكان لهم طريق ومنهج آخر في التعامل مع العلوم الإسلامية، بل إنهم حين دالت دولة الإسلام، وقويت شوكتهم أعادوا الحروب الصليبية ثانية، ولكن بأساليب جديدة وأحقاد جديدة، وعاد الصراع كما هو، وعاد الشرق شرقاً، والغرب غرباً، كما هما منذ قديم الزمان، ولكن الهجمة الأوربية في هذه المرحلة كانت قاسية وتدميرية..............د. شلتاغ عبودالثقافة الإسلامية بين التغريب والتأصيل.

عصر الاستعمار والاستكبار :
لعل أفضل تسمية لهذا العصر الذي يطلق عليه عصر النهضة أو العصر الحديث أن يسمى بعصر الاستعمار والاستكبار ، لأن أ برز ظاهرة فيه هي ظاهرة الاستحواذ على خيرات الشعوب واستعبادها.
ويهمنا أن نشير هنا إلى الخطط التي وضعتها أوربا المسيحية لمواجهة الإسلام بعد فشلها في الحروب الصليبية. لقد أدرك المهزومون عسكرياً أن لا جدوى من قتال المسلمين ومواجهتهم مواجهة مباشرة في سوح القتال، وأنه لابد من سبل أخرى لاختراقهم وإضعافهم والانتصار عليهم. وهذا هو فحوى وصية (لويس التاسع) قائد الحلمة الصليبية السابعة (وهي الأخيرة) إثر عودته إلى فرنسا بعد وقوعه أسيراً في درنية المنصورة بمصر.
وكان لابد من تغيير المنهج والأداء في التعامل مع الإسلام ومعتنقيه، بعد هذا التعرف على مواطن قوته التي تكمن في عقيدته وشريعته.

وهكذا كان، فقد اتجهت أوربا اتجاهين متوازيين يعضد أحدهما الآخر:
الأول: تقوية أوربا عسكرياً واقتصادياً وعلمياً.
والثاني: اختراق العالم الإسلامي وتطويقه ودراسته دراسة قائمة على العلم والمكر والدهاء.
عوامل التقدم الأوربي ومعاييره
أما كيف قويت أوربا واغتنت فتلك قضية تحتاج إلى بسط في القول وتفصيل، نجمله بالقول بأن أوربا بعد التحدي الإسلامي الذي واجهها واستعصى عليها وكسر شوكتها، خاصة بعد التقدم الإسلامي من جهة الشرق على يد الأتراك، وبقيادة محمد الفاتح، الذي تم على يديه فتح القسطنطينية عام 1453م، أعتى وأمنع حصن للصليبية، وكاد يواصل تقدمه إلى قلب أوربا وغربها، بعد هذا الهجوم الإسلامي أفاقت أوربا من هول الصدمة ورجعت إلى ذاتها واستندت بتراثها وعجلت من تكثيف جهودها على إخراج المسلمين من الأندلس، وقد تم لها هذا بالاستيلاء على المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى، وكان آخرها سقوط غرناطة عام 1492م. وقد تزامن مع هذا الجهد العسكري جهد مكثف من لدن الأسبان والبرتغاليين لاختراق طرق التجار التي كانت بيد المسلمين، وقد توجت هذه الجهود بالوصول إلى الأمريكتين على يد كريستوفر كولومبس عام 1492م، وهو نفس العام الذي استولى فيه الأسبان والبرتغاليون على غرناطة آخر حصن للمسلمين في الأندلس.
وتشير بعض المصادر إلى أن هذا الاكتشاف تم بالاستعانة ببعض البحارة المسلمين وبالمعلومات الجغرافية التي توصل إليها المسلمون. فمن المعلوم أن الشريف الإدريسي صنف كتابه الهام (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) تحت رعاية الملك رجار الثاني في صقلية. وكان قد أشار فيه إلى كروية الأرض وإلى معلومات فلكية وجغرافية وظفت في عصر النهضة العلمية والكشوفات الجغرافية فيما بعد.

وعلى المستوى الداخلي الأوربي فقد ساعد التحرر السياسي والديني من قيود الكنيسة التي كانت متحالفة مع الملوك والإقطاع على التطور والنمو في التجارة والزراعة والصناعة ومجالات الابتكار العلمي كافة. وقد رفعت المصادرة والتأمين والضرائب الباهظة على النشاط التجاري والصناعي والزراعي، وأسست الشركات المساهمة وتم التنظيم الدقيق للعمل، وساهمت الدولة في تعضيد النشاط الفكري والعلمي فكان ما كان بعد هذا من الثورة الصناعية والانتقال من الخشب إلى الحديد ثم إلى الكهرباء ... وكان أن التحم العلم والثروة والسياسة في وحدة وتعاون، بعد أن كان كل منهما يسير في سياق مستقل.

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري :" ويمكن القول إن الحداثة الغربية تشكل الإطار الذي يدور داخله الإنسانالغربي، وهي تقدم رؤية مادية ترى العالم باعتباره مادة. وقد عرَّفت هذه الرؤيةالهدف من وجود الإنسان في الكون بأنه تعظيم المنفعة واللذة، وعرَّفت التقدم بأنهتصاعد معدلات الإنتاج والاستهلاك، مما ولد شراهة استهلاكية عند الإنسان الغربي ليسلها نظير في التاريخ.


وهذه الحداثة المادية لا تعني مجرد استخدام العقلوالعلم والتكنولوجيا، بل هي استخدام العقل والعلم والتكنولوجيا المنفصلة عن القيمأو(كما يقولون بالإنجليزي value-free)

وفي عالم متجرد من القيمة تصبح كلالأمور متساوية، ومن ثم نسبية، وعندئذ يصعب الحكم على أي شيء، ويصبح من المستحيلالتمييز بين الخير والشر وبين العدل والظلم، بل بين الجوهري والعرضي، وأخيراً بينالإنسان والطبيعة أو بين الإنسان والمادة.

وفي غياب قيم مطلقة يمكنالاحتكام إليها، تظهر آلية مادية واحدة ووحيدة لحل النزاعات والخلافات -التي هي منصميم الوجود الإنساني- ألا وهي القوة والإرادة.

وفي هذا الإطار تمركز الغربحول ذاته، وجعل من نفسه مرجعية نهائية ومعياراً يحكم به على كل الظواهر والحضارات،ونظر إلى العالم لا باعتباره كيانات مستقلة لكل منها طموحاته المشروعة وأهدافهالمختلفة، وإنما باعتباره مادة استعمالية من حقه أن يوظفها لحسابه باعتباره الأقوى. وهذا هو جوهر الرؤية الاستهلاكية الإمبريالية."...........................الإسلام والغرب .

على أن أهم مصدر من مصادر الغنى الأوربي في هذه المرحلة هو النهب الاستعماري في القرن الخامس عشر على يد البرتغاليين والأسبان الذين ذهبوا للبحث عن الذهب في أفريقيا الغربية ثم انتقلوا منها إلى الهند، ثم تبعهم الهولنديون الذين نهبوا خيرات الدول الواقعة جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا والفلبين وأندونوسيا، وجاء بعدهم الفرنسيون وما كان منهم من نهب في الفيتنام، وما كان منها من استحواذ على خيرات أفريقيا الشمالية والوسطى، فكان العنب من الجزائر والمنغنيز من المغرب وموريتانيا، والنفط من الغابون .. وأخيراً ورثت بريطانيا هذه الدول الاستعمارية وكانت أكبر دولة أوربية تستأثر بثروات الأمم وتستجلبها إلى بلادها، ولعل نهبها لدولة كبيرة مثل الهند خير دليل على حجم الأموال والثروات والطاقات التي أفادتها من هذه البلاد. وكان ما كان بعد هذا من نمو الصناعة الأوربية بفضل نمو رأس المال وتكديسه في أوربا، فكان السعي الحثيث ـ بعد هذا ـ إلى السيطرة على الأسواق خارج أوربا، فكان التنافس مرة أخرى على تصريف السلع والمنتجات في بلدان العالم الفقير في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وكان هذا الاستئثار والنهب والتدمير ذا وجهين:
وجه استجلاب المواد الأولية للصناعة من البلاد المستعمرة، ووجه تصدير هذه المواد بعد تصنيعها إلى هذه البلدان نفسها ..

لقد كانت مرحلة عتو واستكبار وشراهة أوربية على خيرات الشعوب واستعبادها. فما من دولة أو منطقة من مناطق العالم غير الأوربي إلا ولونت بلون الدولة الأوربية التي تستعمرها مثل أسبانيا، هولندا، بلجيكا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، بل وروسيا القيصرية التي استطاعت أن تقضم المنطقة تلو المنطقة من الدولة العثمانية وإيران، وتدخل في التنافس على اقتسام العالم الإسلامي وتمزيقه ونهب خيراته، وتدمير حضارته، واستغلال إنسانه.

استوت أوربا كلها غربها وشرقها في هذا الهدف الاستعماري التدميري وتعاونت جميعها في تبادل الخبرات وتطوير وسائل التدمير والنهب والإضعاف.

لقد تكدست الثروات في أوربا، وساهمت في تعجيل وتبرة التقدم العلمي، ومدت الآلة العسكرية بمزيد من التطور، وساهمت في الإنفاق على الأساطيل التي صارت تجوب شرق العالم وغربه، ومن ثم إنفاق الأموال الطائلة على كل ما من شأنه إضعاف المسلمين، ووضعت خططاً شاملة لهذا التدمير والاستغلال والإضعاف. وكان أن أفادوا من تجاربهم السابقة الفاشلة.

فقد تعلموا أن الحرب والعداء المباشر ونفي الدين الإسلامي غير مجد، فلابد من تحسين صورة المحارب الأوربي والجيوش الأوربية الغازية للعالم الإسلامي على أن هدف الأوربيين هو التحضير وتحرير الشعوب من الجهل، أو من ((الاستعمار التركي)) كما صورته الدراسات الأوربية.


وقد تعلموا كذلك أنهم كانوا إبان الحروب الصليبية قد أقبلوا على بلاد لم يدرسوها جيداً، فلابد أن توضع الدراسات الشاملة المعمقة المتشعبة لديار الإسلام في هذه المرحلة من أجل الاختراق ومن ثم الاستيلاء، ولم ينسوا في هذا المجال أن يلتفتوا إلى مسألة التعاون مع الأقليات غير الإسلامية واستغلالها في خلق بؤر وجيوب مناصرة لهم داخل الجسم الإسلامي.

تعلموا هذا كله، واستغلوه أحسن استغلال، وكان الانسجام والتنسيق التام بين الأهداف والوسائل، فكان الاستشراق. وكان ثمة فرق بين ترجمة العلوم الإسلامية إلى اللاتينية أثناء الحروب الصليبية وبعدها، وبين دراسة العالم الإسلامي والتعرف على تراثه وخصائصه وطرق تفكيره وكنوزه ومواطن قوته وضعفه في هذه المرحلة.

فقد كانت الأولى من أجل إثراء الثقافة الأوربية ورفع مستواها إلى الدرجة التي أتاحت لها فعلاً تلك الخطوات الموفقة التي هدتها إلى حركة النهضة. أما المرحلة الاستعمارية فقد كان فيها هذا الانفتاح على عالم الإسلام ودراسته من أجل تعديل حضاري وسياسي في المنطقة الإسلامية نفسها بما يخدم أوربا ذاتها فكان لهذا الاستشراق أهداف متعددة، منها الدينية من أجل تشويه الإسلام والوقوف في وجه امتداده إلى أوربا، ومنها الاقتصادية لتسهيل اكتشاف ممرات البحار الإسلامية، والصحاري الشاسعة في البلاد الإسلامية، وإمداد يد العون للجيوش الاستعمارية، وكانت وسيلتهم في ذلك الرحّالة والمغامرين، فضلاً عن الأهداف السياسية الطامحة إلى وضع مخطط جديد للمنطقة بحيث تلحق كلياً بأوربا، وتصبح جزءاً من منظومتها الحضارية، بعد عمل الوسائل اللازمة لتفريغ العقل الإسلامي من موروثاته وخصائصه كلها.

وكان قبل البدء بالهجوم العسكري والانقضاض على الجسم الإسلامي لابد من رسم خارطة لهذا الجسم. وكانت البداية جيشاً من نمط آخر، جيشاً من الرهبان والقناصل والمتطوعين ممن عرفوا شيئاً من العربية في أوربا، ساحوا في طول العالم الإسلامي وعرضه، يجمعون المخطوطات العربية وغير العربية في بلاد الإسلام شراءً وسرقة، شأنهم في ذلك شأن من سرقوا الآثار الثمينة في أهرامات مصر وغيرها من آثار المدن التاريخية في مشرق العالم الإسلامي ومغربه من طنجا إلى جاكرتا، ثم يتبرعون بهذه الكنوز إلى الملوك أو الكنائس أو المؤسسات التي وظفتهم لهذا العمل الذي سيخدم الاستعمار العسكري ويمهد له.
ثم عضد هذا جيش آخر من المبشرين الذين توزعوا ما بين أفريقيا وآسيا بحماس منقطع النظير، إذ عاشوا في بيئات صحراوية أو استوائية صعبة، يحملهم على هذه التضحيات الأهداف الدينية المسيحية التي نذروا أنفسهم من أجلها. وكان هذا الجيش من المبشرين ينجح في أحيان كثيرة في تنصير الناس من غير المسلمين في أفريقيا وآسيا، وفي أحيان قليلة بين أوساط المسلمين وبين الأطفال والمعوزين والمرضى، لأنهم وجدوا في العلاج الطبي مدخلاً إلى قلوب الناس، إذ كان منهم الطبيب أو ممن له طرف من العلم الطبي. وكانت لديهم إمكانات مادية ضخمة توفرها لهم الكنائس ووزارات ما وراء البحار، وكانوا يستثمرون هذه الإمكانات لتنصير الناس الفقراء خاصة.

وكان هذا التبشير يتقدم ويكسب مواقع جديدة في دار الإسلام فكان يقوم عمله باستمرار بتوجيه من مراكز القرار في أوربا، وقد عقدت عدة مؤتمرات لدراسة ثمار التبشير في العالم الإسلامي، منها المؤتمر الذي ترأسه (زويمر) في القاهرة عام 1956. وقد استوحى أول شاتليه من هذا المؤتمر تعبير (الغارة على العالم الإسلامي) بكل ما تعنيه الغارة من استعداد للغزو بأسلحته ومعداته.

يقول د/ محمد السيد الجليند :ولقد اختلفت مواقف المستشرقين من الفكر الإسلامي وقضاياه تبعا لاختلاف أديانهم أو مذاهبهم الفكرية والسياسية، لأننا نجد بين صفوف المستشرقين اليهودي الحاقد على الإسلام وأهله، والمسيحي الراهب المبشر بدينه، والشيوعي الملحد الذي لا دين له، ولابد أن تختلف مواقف هؤلاء جميعا تبعا لانتمائهم الفكري والعقائدي، ولكن على سبيل العموم كان أسوأ هؤلاء جميعا هم المستشرقون اليهود، فمنهم من يتهم الإسلام بأنه دين فرضه محمد وأتباعه بقوة السيف والحروب.
وفيهم من ينكر نبوة محمد ويرى أن ما جاء به من تعاليم قرآنية أخذها عن أحبار اليهود وكهنة النصارى.
ومن المستشرقين من يتهم إله المسلمين بأنه متعال جبار ؛ بينما إله النصارى عطوف ودود متواضع ظهر للناس في صورة واحد منهم وهو عيسى بن مريم، ولا يكاد يخلو كتاب استشراقي يتصل بالإسلام ونبيه إلا وهو يقطر سما وحقدا على الإسلام والمسلمين، ويفصح بعض المستشرقين عن هذا الحقد المعلن في تعليق صريح له، على الحملات الصليبية فيقول: وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الإنجيل على القرآن وعلى ما تضمنه من قوانين الأخلاق الساذجة.............الاستشراق وأثره في علاقة الإسلام بالغرب

ولقد تعاون التبشير والاستشراق معاً في اختراق العالم الإسلامي، وعملا على تشويه الإسلام في الذهنية الأوربية، وإضعاف تأثيره بين أبنائه، كما استطاعا أن يكونا سلاحين ماضيين بيد الاستعمار مهد له القيام بمهمته العسكرية والسياسية والثقافية أحسن تمهيد، بل إنهما صنعا جيوباً دينية وفكرية موالية للاستعمار ساهمت في توطيد أركان حكمه فيما بعد.

يقول محمد السيد الجليند: يعتبر الاستشراق من أهم الوسائل التي مهدت للاستعمار العسكري وغزو الشرق ثقافيا وعسكريا، والاستعمار الحديث يعتمد على المستشرقين بصورة فعالة في دراسة نفسية الشعوب، وعاداتها، وتقاليدها، وأفضل الرسائل للسيطرة عليها بأقل قدر ممكن من التكاليف، والذي يتابع أحداث القرن التاسع عشر والقرن العشرين (وهما أكثر القرون في النشاط الاستعماري) يعلم مدى الصلة القوية بين الاستعمار و الاستشراق، ومن هنا فإننا نجد في كثير من سفارات الدول الاستعمارية مستشرقين عاملين بها، ويقع على عاتق هؤلاء المستشرقين مهمة الاتصال بالعقول المفكرة في البلاد التي يريدون السيطرة عليها ثقافيا أو عسكريا وكذلك الاتصال بكبار العاملين في المناصب القيادية في مجالات الثقافة والإعلام والتعليم العام والجامعي ، ولا تنقصهم الوسائل المناسبة في محاولة احتواء هذه الشخصيات عن طريق الصداقة أو المشاركة في أعمال ثقافية أو تقديم الخبرة لهم، أو.. أو.. إلخ، وعن طريق هذه الشخصيات يستطيعون تنفيذ خططهم في غزو البلاد فكريا ثم عسكريا إذا اقتضى الأمر، وقد استطاع الاستعمار الحديث أن يغزو معظم البلاد الإسلامية فكريا وثقافيا عن هذا الطريق، كما استطاع أن ينفذ خططه في السيطرة على عقول كثير من المفكرين في بلادهم ليكونوا هم الأداة لتنفيذ برامج الاستعمار في هذه البلاد. وبلغ الأمر في ذلك مبلغا خطيرا، حتى إن كثيرا من المشتغلين بالثقافة جعلوا أنفسهم بمثابة وكلاء عن المستشرقين في توزيع أفكارهم والدعوة إلى تبنى آرائهم في الفكر الإسلامي وقضاياه، فهذا مندوب عن ماركس والشيوعية، وذاك مندوب عن الوضعية والوضعيين، وثالثهم مندوب الوجودية والوجوديين، وأخر يدعو إلى القول بتأنيس الإله أو تأليه الإنسان.... إلخ وامتلأت المؤسسات الثقافية في- مصر والشام وشمال أفريقيا بوكلاء معتمدين لتوزيع الفكر الاستشراقي على المؤسسات العربية، وشحذ الوجدان العربي بمفاهيمهم تحت مقولات مضللة كالتنوير والتقدمية و النهضوية..إلخ.
......................................... الاستشراق وأثره في علاقة الإسلام بالغرب

صور ة العالم الإسلامي في الفكر الغربي
وكيف تعامل معها الغرب؟!

بناءً على هذا الجهد المسبق الدؤوب الذي كان أبطاله من الرحالة والمكتشفين والتجار والمغامرين والمبشرين والمستشرقين، تكونت الصورة كاملة في الذهن الأوربي عن (الآخر)، وبدأ الهجوم والانقضاض على ديار الإسلام مشرقها ومغربها، ولم يكن هذا الهجوم من دولة واحدة، ولا في وقت واحد، بل من دول أوربية عدة، وفي أوقات متعددة. انطلقت أوربا الفتية تطوق دار الإسلام من شواطئ المغرب إلى شواطئ الهند وجاوة وسومطرة. كان ذاك ابتداءً من يوم تهاوت قلاع الإسلام في الأندلس فكان الأسبان والبرتغاليون مزهوين بروح الانتصار قد انطلقوا إلى شواطئ الأمريكتين، وإلى شواطئ أفريقيا الغربية والجنوبية ثم إلى جنوب شرقي آسيا، وكانوا يقتلون يدمرون الحواضر والمدن السياحية بمدافعهم ونيرانهم، ثم تجرأوا وأخذوا يتابعون المسلمين الفارين من مذابحهم في الأندلس، فاحتلوا كثيراً من الموانئ المغربية، ثم توجهوا صوب الموانئ الجزائرية، فاحتلوا تلمسان ووهران، حتى وصلوا إلى طرابلس الغرب، ونكلوا بأهلها أشد التنكيل، ثم لم يلبثوا أن تخلوا عنها لفرسان القديس يوحنا.

وكان الهولنديون يتسابقون والبرتغاليين كفرسي رهان في خوض بحار المسلمين، فقد أعقبوا البرتغاليين في احتلال الخليج، ثم نافسهم في السيطرة على جزر الفلبين وأندونيسيا وماليزيا وجنوب الهند، وكانت لهم شركاتهم التجارية مثل شركة الهند الشرقية التي كانت سابقة لمثيلتها الإنجليزية التي مهدت لاحتلال الهند، درة تاج المستعمرات البريطانية بعدئذ.

وكانت الغلبة النهائية لبريطانيا في الخليج في أواخر القرن السادس عشر بعد طرد الهولنديين منه، ثم دخلت فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوربية بقوة في احتلال المناطق الإسلامية في آسيا وأفريقيا المنطقة تلو المنطقة، وكان هذا قبل الحرب العالمية الأولى والسيطرة الكاملة على العالم الإسلامي.
وقصة هذا الغزو العسكري طويلة ودامية، ونريد أن نشير فقط إلى بعض المواقع لنرصد الخطوط العامة لهذا التسابق الأوربي الشره لتدمير العالم الإسلامي. فبعد السيطرة البرتغالية والهولندية والبريطانية على بحار جنوب شرق آسيا واستثمار بلاد التوابل والعجائب، دخلت فرنسا بقوة لتحتل مصر بقيادة نابليون فيما سمي بالحملة الفرنسية عام 1798. وكثيراً ما يؤرخ لهذه الحملة على أنها فاتحة تنوير ونهضة لبلاد العرب، في حين إنها ـ كما يلاحظ كاتب عربي كبير مثل محمود محمد شاكر ـ جاءت لوأد النهضة التي كانت تتحفز على يد العلماء الكبار مثل الجبرتي والبغدادي والزبيدي، فكان أن نقلت كنوز القاهرة من المخطوطات خلال ثلاثة أعوام من الاحتلال إلى باريس.

ثم تلا ذلك حملتها على الجزائر عام 1830، وما رافقها من مجازر ومذابح استمرت حتى عام 1847 عام استسلام بطل المقاومة الأمير عبد القادر الجزائري، وليظل الاحتلال مائة عام كاملة من المظالم والدمار للحرث والنسل والدين والحضارة، وكان عام 1882 حيث احتلت فرنسا بقوتها وجبروتها تونس، وأكملت أطباقها على الشمال الأفريقي عام 1916 حين فرضت الحماية على المغرب، ثم واصلت امتدادها في أفريقيا عبر الصحراء الكبرى لتحتل السنغال والنيجر ومالي وتشاد والكاميرون وغيرها، وكان ذلك بفضل قوتها العسكرية التي كونتها من النهب الاستعماري للعالم الإسلامي، وبفضل جيش الرحالة والمبشرين وموظفي وزارة ما وراء البحار.

وفي طرف آخر من العالم الإسلامي كانت بريطانيا تكون إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس من الهند فأفغانستان ثم إيران والخليج، حتى إذا ما أعلنت الحرب العالمية الأولى كانت حصة الأسد لها من أملاك الدولة العثمانية، فكان أن احتلت العراق وفلسطين والجزيرة العربية. ومن المعلوم أن مصر وقعت بأيديهم منذ عام 1882م.

ولقد عبر عن هذا الحقد الصليبي على الإسلام قائدهم الجنرال اللنبي حين احتل القدس ووقف على قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاً: ((اليوم انتهت الحروب الصليبية)).


ولقد أشرنا من قبل أنه ما من دولة أوربية إلا كانت تتمنى أن يكون لها نصيب من أشلاء العالم الإسلامي، فهذه إيطاليا بعد امتلاكها للحبشة تنظر يمنة ويسرة لتبتلع أقرب أرض إسلامية لها، ألا وهي ليبيا، وكان لها أن احتلتها عام 1911، وكان احتلالاً لم يعرف إلا الحرائق والتدمير والتهجير والإبادة، بحدودهم إلى ذلك حقد ربما فاق أحقاد الصليبيين الآخرين. هاك نشيدهم الذي كان يردده جندهم آنذاك، وهو من نظم شاعرهم العنصري رانزيو:

يا أماه ..
أتمي صلاتك، ولا تبكي، بل اضحكي وتأملي
ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني
وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً
لأبذل دمي لسحق الأمة الملعونة
ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان
وسأقاتل بكل قوتي لأمحو القرآن!!.

وهكذا تناوشوا قلب العالم الإسلامي وأطرافه، وعقدوا المؤتمرات الدولية لاقتسام الحصص، وكان المسلمون في هذه المؤتمرات كالأيتام على مائدة اللئام، فكان مؤتمر سايكس بيكو عام 1916 بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت الشعارات التي تفتقت عنها العبقرية الأوربية في المكر والدهاء والخبث، مثل شعار الحماية والوصاية وتقرير المصير، وكانت كلها حبراً على ورق، وكانت من قبيل ذر الرماد في عيون الأمم المغلوبة التي لا تستطيع تقرير مصيرها إلا إذا قرر السيد القوي تقرير هذا المصير، وقد قرر العبودية للأمم المغلوبة، حتى ولو دخلت دين النصرانية نفسه!! فهذه أفريقيا دخلت بعض دولها في النصرانية ودخل بعض الفقراء منها في هذا الدين، فهل وجدوا العزة والغنى والتقدم؟! أم أن الاستغلال والاقتصاد هو الدين الأول لأوربا قبل أي دين؟!!.

ولعل المرء يتصور أن الأوربيين نظروا إلى الشعوب المستضعفة التي وقعت في شراك احتلالهم، وخاصة أمة الإسلام على أنها شعوب قاصرة، لم تبلغ سن الرشد بعد، وهي ـ بهذا ـ بحاجة إلى حماية عم أو ولي حميم، وكان هذا العم أو الولي، أوربا بكنيستها واستعمارها ورؤسائها المكرة!!.

ولو رجعت إلى الفترة التي تم فيها ذلك الانتداب والحماية والوصاية، ونظرت إلى حنان ذلك الولي ومسؤوليته إزاء الطفل القاصر، كيف كان التدجين له على أن يكتسب لساناً جديداً وعادات غير عاداته، وديناً غير دينه، وكيف كانت عمليات التفسخ والمسخ والإلحاق بحضارة الوصي، ودينه. وكيف كان العمل قائماً على قدم وساق، ولكن بشكل غير مكشوف في بعض الأحيان، من أجل أن يكون العالم الإسلامي كله تابعاً للمركز الأوربي سياسياً واقتصادياً وحضارياً ..

وارجع ثانية إلى فترة الحماية والوصاية آنذاك وتأمل كيف كانت تدار الحكومة، أبالملك أو الرئيس، أم بالمستشار الإنجليزي الذي يحرك الملك والرئيس، كما تحرك اليد دمى (الأراجوز) في لعبة خيال الظل أو لعب الأطفال؟!!.

وكانت الوسائل الاستعمارية التي نادى بها الاستشراق في العالم الإسلامي تهدف كلها إلى إضعاف الروح الإسلامية بين الشعوب، وتعمل على بث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد ليسهل بعد ذلك السيطرة عليها، كما روج المستشرقون كذلك لبعض القضايا التي كان لها أخطر النتائج في ازدياد عوامل الفرقة بين صفوف المسلمين، فمن ذلك مثلا:

العمل على إحلال العاميات محل اللغة الفصحى في مصر وغيرها بدعوى أن الفصحى ليست قادرة على مسايرة الكشوف العلمية المتطورة، وكان أول من نادى بها في مصر المستشرق الألماني (ولهلم سبيتا) وكان يعمل مديرا لدار الكتب المصرية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، ووضع كتابه (قواعد اللغة العربية العامية في مصر) سنة 1880 م مجد فيه اللغة القبطية في مصر، ودعا دول العالم العربي إلى الأخذ بالعاميات بدلا من الفصحى، ولا يخفى ما في هذه الدعوى من الخطر على الإسلام ولغة القرآن.

ثم تابع نفس القضية (اللورد دوفرين) في تقرير وضعه سنة 1882 م
أعلن فيه أن العامية هي سبيل النهوض والتقدم في مصر، وجاء بعده المستشرق الألماني (كارل فولرس) مدير دار الكتب المصرية بعد " ولهلم" فوضع كتابه (اللهجة العامية الحديثة) دعا فيه إلى هجر الفصحى وحث العرب على استخدام الحروف اللاتينية بدلا من العربية، ثم تتبع القضية في مصر سلامة موسى النصراني في مطلع هذا القرن، ومازلنا نسمع صداها إلى الآن ونقرأ ذلك في كتابات بعض المشتغلين بالشئون الثقافية و التربوية.................................. الاستشراق وأثره في علاقة الإسلام بالغرب

ومهما يكن فقد وقع العالم الإسلامي في كماشة الصليبية الجديدة، وحكم حكماً عسكرياً مباشراً أحياناً وحكماً غير مباشر على أيدي أناس أمناء على مصالح الاستعمار في أحيان أخرى، إلى أن جاءت المرحلة التي أخذت شعوب العالم تنتقض على هذا الكابوس الاستعماري لتتحرر منه فكان للعقل الأوربي الذي قطع شوطاً بعيداً في ميادين العلم أن يوظف أدوات للعلم خارج المعامل والمختبرات حيث ميدان السياسة والعلاقات بين الأمم، فكانت له لعب وأساليب جديدة في التعامل مع الثورات ومع الشعوب المطالبة بالاستقلال، فصار يأخذ باليسار ما يعطيه باليمين بحيث أفرغ بعض الاستقلالات من محتواها، وعاد الاستعمار من جديد ولكن بأثواب جديدة، وبقيت الأغلال ترسف من جديد بالرقاب، ولكنها ربما تكون أغلالاً من ذهب!! كي يُمنّي العبد أو الأسير نفسه بما يرى، وأنى له ذلك التمني!!.

على أنه من الضروري الإشارة إلى ردود الفعل من لدن إنسان المنطقة المسلم على وجه الخصوص، متمثلاً بقادته وعلمائه والمثقفين الأحرار منه. فلم تكن جيوش الاستعمار لتجد أرضاً خالية دون شعوب أو حضارات، بل ودت أمة كانت ـ في الحقبة السابقة من الزمن ـ معلمة للعالم ومنه أوربا نفسها، وكانت صاحبة حضارة تميزت بعقيدة ربانية وعلم نافع وتعامل مع الشعوب رحيم رؤوف، ولكن عوادي الزمن ـ ولأسباب كثيرة ـ جعلتها تضعف وتتخلى عن وظيفتها القيادية. ولكنها لم تستكن لجحافل الغزاة بل كانت تقاوم على قلة من السلاح وعدم تكافؤ في القوة. فكانت تقاوم الروس كما تقاوم الإنجليز والفرنسيين على السواء فكان أبطال المقاومة من أمثال الشيخ شامل في المناطق الإسلامية التي احتلها الروس، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وعبد القادر الجزائري في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، وأحمد عرابي في مصر، ومحمد تقي الشيرازي، قائد ثورة العشرين في العراق، بالإضافة إلى أبطال المقاومة الآخرين في إيران، وفي الشام، وفي السودان.

ومثلما كان الأمر على مستوى المقاومة العسكرية، كانت هناك المقاومة الثقافية التي حاولت أن تحافظ على أصالة الأمة وحضارتها، وكان لهذا الميدان رجاله من العلماء والساسة والأدباء، ولكن كفة المحتل بما لديه من قوة وإغراء وسيطرة على مقاليد الحكم جعل الميزان يميل لصالح كفة المتغربين والراضين بـ (نعمة) الاحتلال، والداعين إلى الأخذ بحضارته، خيرها وشرها، حلوها ومرها، كما جاء على لسان واحد من دعاة التغريب.
..................................................الثقافة الإسلامية


ما مستقبل العلاقة مع الغرب؟!
وهل سينتهي الغرب يوماً عن ظلمه؟!
كيف سيكون مشهد العلاقة بين الشرق والغرب، هل ستستمرالحدود الدموية التي رسمتها الأطماع التاريخية بين شطري العالم، أم سينصت الإنسانلصوت العقل ويدرك أن عصر الحروب المعمد بالدم ينبغي أن ينتهي ويحل محله عصر الحواروالتفاهم؟!.

من المؤسف أن فلاسفة الموت يجدون في الأخبار كل يوم ما يذكي نظريتهمعن صدام الحضارات، حيث يؤكدون أن الإسلام والحوار سخافة لا وجود لها في التأريخوعلى الإنسان أن يمضي في خياره المجنون إلى المواجهة بالدم.

كانت فكرة "صراع الحضارات" التي أطلقها المستشرق اليهودي برنارد لويس،وقام بتأصيلها والترويج لها عالم السياسة الأمريكي صمويل هنتنجتون ابتداء من عام 1993م، جاهزة لتسويغ وتبرير المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، ذلك أن هنتنجتون بعد أن ميز بين سبع حضارات في العالم (الغربية،الأمريكية اللاتينية الأرثوذوكسية، الإسلامية، الكونفوشيوسية، الهندوسية،اليابانية، ورشح الأفريقية كحضارة ثامنة محتملة)- فإنه دعا إلى الاحتشاد في مواجهةالحضارة الإسلامية بوجه أخص، في الأغلب بسبب أنها أكثر استعصاء على الاحتواء من أيحضارة أخرى على وجه الأرض، من ثم فإن رسالته التي تعبر عن رأي مدرسة كاملة هي التأكيد على أن الصراع ليس محله المصالح فحسبولكنه أصبح بعد انتهاء الحرب الباردة صراع ثقافات وأديان.

وكان كتاب "البرابرة والحضارة في العلاقات الدولية"، لمؤلفه مارك سالز حلقة في هذاالاتجاه، إذ قسم العالم إلى متحضرين يمثلون النموذج واجب الاحتذاء، وهؤلاء همالغربيون أساساً، وبرابرة متخلفين يقفون على الشاطئ الآخر المواجه لهم، وهم مصدرالعنف والفوضى في العالم (وهم المسلمون بالطبع ) .

هل تعلم الإنسان منالماضي أن منطق الصدام الحضاري معناه استمرار الحياة في الجنون، عبر جدلية البناءوالتدمير العابثة الخائنة؟!!!.
وأن لغة القوة مهما كانت صارخة وقاهرة هي منطق مترنح فيالنهاية وأن دورة التأريخ لن تتوقف، وتلك الأيام نداولها بين الناس والعاقبةللمتقين.


إننا لا نبالغ إذا قلنا أنه ما من شيء في الإسلام إلا وتعرض للتجريح من الله سبحانهوتعالى إلى شخص النبي عليه الصلاة والسلام إلى القرآن الكريم، الذي جرى التشكيك فيمصدره وصياغته، فضلاً عن التنديد بقيمه ومعانيه " خصوصاً الجهاد" وذلك بالإضافة إلىالهجوم الحاد على الشريعة، وتسفيه تعاليمها ومقاصدها.

وإذا كان ذلك حظ الإسلامكدين، فإن حظوظ المسلمين لم يكن أفضل، حيث تعرضوا لحملة شرسة استهدفت اغتيالهممعنوياً،والتينجحت إلى حد كبير في تنفير الغربيين من الإسلام والمسلمين، الأمر الذي أدى إلى تكراروقوع حوادث الاعتداء عليهم وعلى بيوتهم على نحو لافت للنظر، رصدته المؤسساتالإسلامية المعنية وفضحته.

قرأت وصفاً لتلك الأجواء في مقالة نشرتها مجلة "المنار الجديد" للدكتور محمدي حامدالأحمدي رئيس مجلس أمناء التجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية قال فيه أن الإعلامالأمريكي صار يربط بسخرية لافتة بين مفردات مثل قرآن وباكستان وأفغانستان، وجهادوعرب وإسلام وشرق أوسط وفلسطين وطالبان، في خلطة من مجموعة من العبارات المكروهةوالمستبعدة، التي أصبحت تكرر بطريقة تثير القرف لدى السامع وتعرض غالباً مرتبطةبصورة لنساء أفغانيات يضربن رجلاً في الشارع، أو بصورة زانية يقام عليها الحد في ملعبفي كابل، أو قصة الحكم بإعدام زانية أخرى في نيجيريا، أو بالمباني المهدمة فينيويورك، أو دماء يهودية في الشارع أو مطعم يهودي أو سيارة مفجرة، ولا يتردد كبيرالمذيعين في "سي ان . ان" لاري كينج أن يقول أن حربنا هذه مع سكان الكهوف، وغالباًتقدم في سياق يتجاوز أفغانستان ليشمل العرب والمسلمين في العالم أجمع.

إذن فصورة الإسلام والمسلمين في الوجدان الغربي سلبية بوجه عام منذ الحروب الصليبية (كما سبق أن و بينا )، التي بلغت جهود التنفير من الإسلام ذروتها، وكان ذلك التنفير جزءاً من حملة التعبئةالمضادة التي استهدفت استنفار شعوب أوروبا وتحريضها للانضمام إلى الجيوش التي اتجهتنحو القدس لتخليص مهد المسيح من أيدي المسلمين"البرابرة" و"الأشرار".

فالبابا أوربان الثاني الذي فجر الحروب الصليبية قال في مجمع كلير مونت في سنة 1095: ' إن إرادة الرب تحتم على المسيحيين تخليص بيت المقدس من أيدي إمبراطورية الشيطان '. وعندها خر الكهنة الحاضرون راكعين تحت قدمي البابا !

والبارون دي كارافو يقول: ' أعتقد أن علينا أن نعمل جاهدين على تمزيق العالم الإسلامي وتحطيم وحدته الروحية مستخدمين من أجل هذه الغاية الانقسامات السياسية والعرقية .. دعونا نمزق الإسلام بل نستخدم من أجل ذلك الفرق المنشقة والطرق الصوفية .. وذلك لكي نضعف الإسلام ، لنجعله عاجزًا إلى الأبد عن صحوة كبرى ' .................................................. .............مروان بحيري – الدراسات الاستعمارية في الإحياء الإسلامي في القرن 19 .

ويقول يوجين روستو اليهودي:' إن الحوار بين المسيحية والإسلام كان صراعًا محتدمًا على الدوام ، ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب أي خضعت الحضارة الإسلامية للحضارة الغربية والتراث الإسلامي للتراث المسيحي وتركت هذه آثارها البعيدة في المجتمعات الإسلامية' ...........................نقلا عن عبد الوراث سعيد ' أمتنا والنظام العالمي الجديد ' ..

ويقول مورو بيرجر في كتابه ' العالم العربي ': ' لقد ثبت تاريخيًا أن قوة العرب تعني قوة الإسلام فليدمروا بتدميرهم الإسلام ' .................................................. .......................................جلال العالم – قادة الغرب يقولون – المختار الإسلامي .

ويضيف مورو بيرجر: ' إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجًا عن وجود البترول بغزارة عند العرب ، بل بسبب الإسلام ، ويجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوة العرب ، لأن قوة العرب تتصاحب دائمـًا مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره' .................................................. ..................محمد محمد الدهان – قوى الشر المتحالفة – دار الوفاء .

ويقول ج . سيمون: ' إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم على التخلص من السيطرة الأوروبية 'د . عمر فروخ التبشير والاستعمار

ويقول سالازار دكتاتور البرتغال السابق: ' إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم ' ! ولما سأله أحد الصحفيين: ولكن المسلمين مشغولون بخلافاتهم عنا .. أجابه: ' أخشى أن يخرج من بينهم من يوجه خلافهم إلينا ] جلال العالم مصدر سابق.

ويقول ريتشارد هرير دكمجيان: ' إن قلة فقط خارج نطاق العالم الإسلامي كانت قادرة على توقع انبعًاث إسلامي في البيئة المعًاصرة وإن ضعف البصيرة في مجال التصور الذي أحدثته المادية الغربية والماركسية قد أعمى بقوة كل العلماء ورجال الدين الذين مالوا إلى استبعًاد قوة الإسلام أو التقليل من شأنها ' ريتشارد هرير دكمجيان – الأصولية في العالم العربي – ترجمة عبد الوارث سعيد – دار الوفاء .

ويحذر المفكر الألماني باول شمتز قائلاً : ' سيعيد التاريخ نفسه مبتدئا من الشرق ، عودا على بدء من المنطقة التي قامت فيها القوة العالمية الإسلامية في الصدر الأول للإسلام وستظهر هذه القوة التي تكمن في تماسك الإسلام ووحدته العسكرية ، وستثبت هذه القوة وجودها ، إذا ما أدرك المسلمون كيفية استخراجها والاستفادة منها وستقلب موازين القوى لأنها قائمة على أسس لا تتوافر في غيرها من تيارات القوى العالمية ' .................................................. ...................باول شمنز – نقلا عن عبد الوارث سعيد – أمتنا والنظام العالمي الجديد .

ويقول المفكر الإنجليزي هيلد بيلوك: ' لا يساورني أدنى شك في أن الحضارة التي ترتبط أجزاؤها برباط متين وتتماسك أطرافها تماسكًا قويًا ، وتحمل في طياتها عقيدة مثل الإسلام لا ينتظرها مستقبل باهر فحسب بل ستكون أيضـًا خطرًًًا على أعدائه '.

هذهالخلفية تركت بصماتها على ثقافة المواطن الغربي، وانعكست على مناهج التعليم ومختلفالمراجع الثقافية وساعدت على تشكيل إدراك غربي لا يكن وداً للإسلام والمسلمين. ومن ثم كان ذلك الإدراك مستعداً لاستقبال البث الإعلامي الذي كانأغلبه معادياً للاثنين، سواء بسبب التأثير الصهيوني أو بتأثير من بعض العناصرالمتعصبة التي تعاملت باستعلاء وازدراء مع العرب والمسلمين.

يقول الكاتبان جراهام فوللر، وأيان ليسر : لم يكن وصول الجيوش المسيحية من أوروبا إلى الأراضي المقدسة في فلسطين لخوض حرب صليبية سوى بداية لحملة أوروبية عامة طويلة المدى لاستعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة المسلمين في أسبانيا وصقلية والمشرق. واستطاعت الجيوش الصليبية على مدى مئة عام أن تستولي على كل الأراضي المطلة على شرق المتوسط تقريبًا ابتداء من الحدود التركية إلى الحدود المصرية. وبحلول عام 1187م استطاعت الجيوش الإسلامية التي جاء رد فعلها بطيئًا أن تقضي في نهاية المطاف على المملكة المسيحية في بيت المقدس وأن تستعيد المنطقة للسيطرة الإسلامية.

ولكن الحروب الصليبية أصبحت منذ ذلك الحين حدثًا له آثاره الوجدانية العميقة عند المسلمين ولم يعد يشمل فقط الغزو المادي للجيوش الغربية وإنما يمثل أيضًا قيام دول مسيحية فوق الأراضي الإسلامية أيضًا وباتت هذه الأحداث بمثابة المقدمات الأولى للاستعمار والإمبريالية الغربية في العصر الحديث وارتبط بها أيضًا تأسيس دولة يهودية في فلسطين عام 1948.

وكذلك فإنه لا تزال كلمة أندلس تستثير في عقول المسلمين عظمة وأمجاد الماضي مثلما تثير مشاعر الحزن العميق إزاء ضياع مجد هو أعظم أمجاد الإسلام إشراقا في العصر الوسيط خصوصا أن المجتمعات الإسلامية الكبيرة التي أجبرت أن تحيا في ظل حكم مسيحي، عاشت حياة من المعاناة هي على النقيض تماما من الحياة التي عاشها المسيحيون على امتداد القرون في ظل الحكم الإسلامي. ........من كتاب [الإسلام والغرب بين التعاون والمواجهة] الصادر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بواشنطن وقام بترجمته مركز الأهرام للترجمة والنشر

الصحـــــوة الإسلامية المباركة

تقول هانتر: " فوجئ الغرب بهذه الظاهرة العارمة ظاهرة الصحوة الإسلامية، وراح يحللها بوسائلهوتصوراته ليكتشف نقاط القوة والضعف فيها ومن ثم يعمل على مواجهتها " إذن من المهم أنتحدد الأسباب الأساسية للظاهرة الإسلامية وأبعادها المعادية للغرب وان تقوم في شكلصحيح وان يتم تبني السياسات الملائمة للتعامل معه...... مستقبل الإسلام والغرب لشيرين هانتر ص 99.

إن الصحوة الإسلامية في الأساس جاءت لترد على (التخلف،والتمزق، والعلمانية)، ولتحقق العودة إلى الإسلام بكل مقتضياته. فالإسلام دينالتقدم، يدعو إلى العلم بشتى، أنواعه، ويطلب من الأمة الإسلامية أن تحقق كل عناصرالقوة، وان تبذل أقصى جهدها لتكون خير الأمم، ولتكون في الطليعة الحضارية للناسوالتخلف حالة غير طبيعية مطلقاً.

والإسلام دين الوحدة الإسلامية، والتخطيطالإسلامي للوحدة واضح تماماً، فالقانون واحد، والقائد واحد، والعواطف واحدةوالشعارات والعبادات واحدة، وثروات الأمة هي ملك كل الأمة وقد جعلت لها قواماًوقياماً، وحقوق المسلمين جميعاً متكافئة لا بل قد يشترك كل المسلمين في بعض أنواعالملكية، والتكافل والتوازن في مستوى المعيشة شاملان لكل المسلمين، والمسلمونجميعاً مسؤولون عن مجموع الأمة وحدودها مسؤولية مشتركة.

أما الحالة الراهنة،والتبريرات التي تساق لها فهي كلها استثناءات يجب أن يعمل الجميع على حذفها فيالنهاية والعودة إلى واقع الإسلام. ولا نجد عالماً أو حتى مجرد مطلع على حقيقةالإسلام يجادل في هذه الحقيقة الواضحة.

والإسلام دين الحياة فلايمكن أن ينسجم مع العلمنة بأي تعريف جاءت، وأية صفة اتخذت ايجابية أم سلبية أماالاستناد إلى التجارب القائمة فهو مجرد خداع لأنها تجارب مفروضة على العالمالإسلامي ومتنافية مع حقيقة الإسلام..................................... جزء من مقال للدكتور عبد الله التركي.

وفي ظل هذا الدين الخاتم يمكن أن يلتقي البشر جميعاً على عبادة الله وحده، واتباع القيم الخلقية النبيلة في التعامل فيما بينهم، بما يحقق العدل ويحفظ مصالح الناس.

إن الصحوة الإسلامية إذن تدعو للتفوق الإسلامي الحضاري فلا ينبغي أن يثير ذلك حفيظةالآخرين إن كانوا يملكون الروح الرياضية الحضارية، وأنى لهذه الروح أن تسود.

أما عن عوامل هذه الصحوة فإننا نتصور هذه العوامل كما يلي:

أولاً: طاقات الإسلام الذاتية التي لا تفتأ تمد المسلمين بدوافع التغيير، وتشدد علىالحفاظ على الهوية الحضارية بعد أن أعطتها معالمها الشاملة ، بل وتدفع دائما علىالحفاظ على التفوق أو استعادته إذا فقد.

ثانياً: اشتداد الحملة الأوربية على العالم الإسلامي بحيث استباح الغرب كلالثروات، واستعمر معظم البلاد، واعتدى على الهوية الثقافية، بل راح يهاجم المكوناتالعقائدية والأخلاقية، وينشر الرذائل، ويمزق النسيج الاجتماعي من خلال عملائهالحقيقيين أو الثقافيين، ويزرع الكيان الصهيوني الغاصب في قلب العالم الإسلامي. ولا ريب أن حملة من هذا القبيل سوف تواجه برد فعلٍ قوي من أمة يبقى الإسلام فيهاحياً ، رغم عمليات القضاء عليه.
ولعل الغرب شعربهذه الحقيقة حين حاول التنفيس والاستعاضة عن ذلك بإعطاء الاستقلال الصوري لبعضالمناطق الإسلامية. ولكن هذا العمل بنفسه وفر فرصةً لنمو الصحوة الإسلامية بشكلواسع و طرح الإحساس الإسلامي بالإسلام الشمولي في الستينات واتساعه بشكل مرعبللغرب في السبعينات والثمانيات.

ثالثاً: فشل كل الحلول والأطروحات البديلةللمقاومة والتغيير، لأنها كانت تحمل في داخلها عناصر فشلها. لقد فشلت الأطروحةالقومية الضيقة رغم التطبيل والتزمير، ورغم نزولها المبكر إلى الساحة وتحقيقهاالكثير من الأهداف الغربية ومسحها الكثير من السمات الإسلامية في تركيا وغيرها. ذلكلأنها لا تنسجم مع الطبيعة الإسلامية التي تتجاوز القوميات.

كما فشلت الاشتراكيةلأنها اعتمدت على أسس الحادية رغم تمتعها ببعض الشعارات المنسجمة مع بعض التعاليمالإسلامية كالعدالة الاجتماعية والدفاع عن المحرومين ومعاداة الاستعمار.

وفشل الشكلالتركيبي (الاشتراكي القومي) أيضا لأنه أيضا تركيب وهمي لا ينسجم مع الحس الإسلاميولا يعبر عن أية إضافة معرفية.

رابعاً: ظهور شخصيات دعوية كبرى كانلها الأثر المتفاوت في إيجاد هذه الصحوة أو مقدماتها أو ترشيدها أو إعطائها طاقاتحماسية وفكرية أو منحها الثقة بنفسها والأمل الواعد بمستقبلها الحتمي، إضافة للوعودالإلهية الحتمية بانتصار المؤمنين، والمستضعفين، وحلول العدل الشامل.

خامساً: ويجب أن لا ننسى دور التطورات والحوادثالكبرى في إذكاء هذه الصحوة من قبيل:
1- تنامي مستوى وسائل الاتصال ، والحركةالمعلوماتية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة
2- .ارتفاع مستوى التعليمالإسلامي.
3- تطور أساليب الدعوة إلى الإسلام.
4- توفر بعض أجواء الحرية فيالعالم الإسلامي.
5- اشتداد حركة مقارعة الاستعمار.
6- قيام المؤسسات الدوليةالإنسانية المدافعة عن حقوق الإنسان والداعية لتنظيم العلاقات الدولية على أسسإنسانية.
7- حدوث بعض الحوادث المروعة كإحراق المسجد الأقصى أو هزيمة عام 67.
8- انتصار المجاهدين الأفغان علىالاتحاد السوفيتي.
9- انهيار الاتحاد السوفيتي وتحرر الدول الإسلامية.
وغيرذلك من التطورات التي ساهمت في اتساع الصحوة الإسلامية ونشر مفاهيمها ودعوتها فيرفض التخلف والتمزق والعلمنة، والعودة إلى الحل الإسلامي الذي لا بديل له.

ومنالجدير بالإشارة هنا أن الغرب لم يأل جهداً في إجهاض الصحوة،ومقابلتها ، وإلهائها واتهامها بشتى التهم من قبيل (التخلف والرجعية، والتطرفوالأصولية، والعنف والإرهاب،) ولم يعدم من قدم له الذرائع من المسلمين ممن عرض فكراً رجعياً، أو سلك مسلكاًمتطرفاً، أو عمل عملاً إرهابيا،. ولكن الواضح تماماً أن هؤلاء لا يمثلون الاتجاه الإسلامي العام فضلاً عن أن يكونسلوكهم ممثلاً للصحوة الإسلامية أو معبراً عن روح الإسلام وتعاليمه).

ولذا نلمح في الأفق السماتالتالية:

أولاً: اتساع حركة الصحوة الإسلاميةوتجذرها بحيث لا تنفع معها أساليب الحذف أو التحريف.

وإذا أردنا أن نستدل لهذاالتوقع ، وتجاوزنا المسألة العقدية التي نؤمن بها دون أي شك، فانا نشير إلى مظاهرالصحوة التي تعم العالم الإسلامي من ارتفاع مستوى الأمل لدى جماهيرنا الإسلامية،وانتشار التقاليد الإسلامية كالحجاب وأنماط التعاون والعبادات انتشارا واسعاً،واتساع حركة المطالبة بتطبيق الشريعة في كل الحياة ، وتشكل المنظمات الإسلاميةودخولها إلى الساحة السياسية والاجتماعية بكل قوة، وانهزام الفكرة العلمانية مرحلة بعد مرحلة ، وزوال الأمل بغير الإسلام على الساحة الفلسطينية وأمثالها من ساحات المقاومة ، واتجاه النخبة والجماهير نحو ثقافة الوحدة والتقريب، والسعي الحثيث على كلالمستويات لنبذ التخلف، وغير ذلك.

ثانياً: اتجاهالدول الإسلامية نحو التعاون الأكبر، والعمل على وضع آليات جديدة لتفعيل المؤسساتالشمولية وإحساسها جميعاً بالخطر المشترك.
ولا نريد أن نكون متفائلين أكثر مناللزوم ولكننا ندرك هذه الرغبة لدى القسم الأكبر، ونرجو أن تتحقق خصوصاً وأنالمسألة لم تعد بيد الحكومات وحدها فالعصر عصر الجماهير.


ثالثاً: ارتفاع مستوى أهمية العالم الإسلامي في مختلفالمجالات. صحيح أنه أحيانا لا يدرك هذه الأهمية ولكنها حقيقة قائمة لا يمكن إنكارهاأو التغاضي عنها فلدى هذه الأمة.: الكم البشري الهائل، والقدرات الإستراتيجيةالفريدة والمواقع الجغرافية المتحكمة، والعقول العلمية المتقدمة، وفوق كل ذلك لديهاالطاقة الحرارية والحضارية الإسلامية التي لا تنضب

الحضارة المادية إلى زوال

العقل الغربي بعد الذي بلغه من شأو وعلو قي (الجوانب المادية)، يكتسب ثقة في النفس مبالغاً فيها، ثم وهو يرى تخلف المسلمين وتدهور أوضاعهم ـ في الجوانب المادية طبعاً ـ ، أقتنع بأنه الأرقى والأرفعوالأكمل، وأن حضارته هي "نهاية التأريخ" ولا تقبل منافسة من أي أحد ، و بسبب ذلك فإنالعقل الغربي وهو في مكانته العملية تلك أصبح رافضاً لفكرة الندية مع الحضاراتالأخرى، ثم أنه لم يعد قادراً على استساغة فكرة أن مجتمعاً آخر –متخلفاً مثلنايمكن أن يكون عصياً على الاحتواء أو رافضاً للنموذج الغربي، وهذه مشكلة لم يستطعكثيرون من الغربيين استيعابها حتى الآن.
ويلخص الأستاذ منير شفيق في كتابه: ' الإسلام في معركة الحضارة ' نقاط الضعف في الحضارة الغربية كالتالي:

1 – التطور العام غير المتوازن بالنسبة إلى مختلف المجالات ، فقد تكثف في المجالات المادية واختل على مستوى العلاقات الإنسانية والأخلاقية مما يؤدي في النهاية إلى الإسراع بسقوطها لأن حالها يصبح كحال الذي يقف على قدم واحدة ، فمهما بلغت قدمه من القوة إلا أنها ضعيفة حين يتعرض الجسد كله إلى هزة قوية .

2 – اتسعت الهوة بين أصحاب تلك الحضارة والغالبية العظمى من شعوب العالم مما دفع بها إلى مواجهة قوى لا قبل لها بها ، فالأقلية الظالمة مهما قويت وتمكنت تظل ضعيفة أمام قوة الأغلبية المظلومة صاحبة الحق ، فالتضاد مع حقوق غالبية الشعوب ومصالحها يؤدي إلى انهيار تلك الحضارة مهما طال الزمن .

3 – التآكل الداخلي يشكل سمة أساسية مميزة لمجتمعات الحضارة الإفرنجية سواء أكان ذلك على مستوى المجتمع منفردًا أم على مستوى صراع تلك المجتمعات فيما بينها ، إن الصراع على امتلاك القوة والسيطرة والتنازع لامتلاك الثروة يؤديان بالإسراع بعملية التآكل الداخلي .

4 – إن إطلاق الغرائز والنزعات البهيمية وانتشار الفساد والانحلال قد يصل في تلك الحضارة إلى ضعف داخلي شديد يجعلها غير قادرة حتى على الإفادة من قوتها المادية ، مما قد يكرر صورة الجندي الروماني الذي ربط بالسلاسل لكي لا يفر في معركة اليرموك ، على الرغم من الكثرة العددية للرومان في تلك المعركة ، وقوة دروعهم ، وطول رماحهم ومضاء سيوفهم و رفاهة خيولهم .

ثم يستطرد قائلاً : وقد يقول قائل إن الحضارة الغربية يمكن أن تعالج نقاط ضعفها أو تتخلص منها وبالتالي تجدد نفسها ، وهذا القول يعكس جهل أصحابه بطبيعة وجوهر الحضارة الغربية وطبيعة وجوهر نقاط الضعف فيها ، لأن نقاط الضعف هنا هي من صميم وجوهر الحضارة الغربية وليس عارضًا عليها ولا ناشئا من عوامل جانبية أو إهمال من القواد أو غيرها أنها تنبع من داخلها ومن صميمها بطريقة تلقائية وحتمية بحيث انه من المستحيل عليها معًالجتها أو التخلص منها ، وإذا حاول أهل الحضارة الغربية التخلص من تلك العيوب فإنهم سيتخلصون من الحضارة الغربية ذاتها .
فمثلاً إن السعي لتحقيق أقصى درجات القوة العنيفة المادية من أجل السيطرة على العالم ونهب ثرواته بلا حدود يجعل تلك الحضارة تدوس على كل القيم والمعايير التي تتعارض مع هذا السعي ، أو بتعبير آخر إن ذلك السعي يسخر كل شيء من أجله ، وهذا في حد ذاته يسمح بالتفوق في مجالات محدودة ، وهذه نقطة قوة أساسية في الحضارة الغربية ، وهي أيضـًا سبب انهيارها المتوقع في مجالات أخرى ، المجالات الأخلاقية والنفسية والإنسانية واندلاع أشد الصراعات الداخلية والخارجية مما يشكل بدوره نقطة الضعف المركزية في هذه الحضارة ، إن نقطتي القوة والضعف المتولدتين عن تلك السمة الأساسية في الحضارة الغربية سيصلان في نهاية المطاف إلى تدميرها إن لم يعرضا مستقبل الإنسانية كلها إلى خطر قريب من شبه الإبادة الجماعية '
ومثل آخر: إنه إذا حاول نظام حكم عنصري التخلص من عنصريته ، فإنه في الحقيقة يتخلص من نفسه ، لأن العنصرية هنا هي التي شيدت بناءه وهي التي تسمح له بالاستمرار ، فلولا النهب والاسترقاق والفصل العنصري لما كان هذا النظام العنصري قد نشأ ولما كان حقق لنفسه هذا الرخاء ولما استطاع أن يستمر لحظة بعد التخلص من العنصرية

وبناء على ذلك يرى أصحاب رأي الصدام الحتمي أن المواجهة ستكون مواجهة شاملة ..

إذن فالمعركة برأيهم حتمية ، ولا سبيل هناك إلا المواجهة ، أو الموت ، وحتى المواجهة مع الهزيمة ربما تعطينا الفرصة في الصمود والحفاظ على البذور صالحة تحت التربة لتعود من جديد لتثمر في مرحلة أخرى ، ولكن الانصياع والخضوع لا يعني فقط خسائر هائلة في الحاضر بل يعني تدمير المستقبل ، لأنها تطال البذور الكامنة تحت التربة .

يقول الأستاذ محمد مورو : واتجاه آخر يقول بأن الحضارات تتفاعل مع بعضها البعض أو تتزاوج وإن الحضارة الغربية ليست غربية فقط بل إنسانية أي أنها استفادت من كل الحضارات التي سبقتها وتفاعلت وتزاوجت معها وخرجت في النهاية لتكون حضارة الإنسانية كلها ، وهذا الرأي خطير وبراق ولكنه خطأ ، ولكي نعرف انه خطأ ينبغي علينا أن نفرق بين أمرين أحدهما التفاعل والتزاوج والآخر التعاون فالتفاعل والتزاوج لا يتم إلا بين حضارات أو إبداعات حضارية من عًائلة واحدة مثل الحضارة الرومانية واليونانية والإغريقية والجرمانية والسكسونية وهكذا .. وهذا التفاعل والتزاوج لا يتم بين حضارات من عًائلات مختلفة ، أي مختلفة نوعًا وكميًا ، فلا يمكن مثلاً الحديث عن تمازج وتزاوج حضاري بين حضارة تقوم على الوثنية كالحضارة الغربية وأخرى تقوم على التوحيد كالحضارة الإسلامية ، والأمر هنا أشبه بعمليات التطعيم التي تتم في النباتات ، فلابد لكي تنجح عملية التطعيم هذه أن تكون بين أنواع معينة من النباتات تنتمي إلى عًائلة واحدة ، أو عائلات متقاربة ، ولكن هذا التطعيم يفشل تمامًا إذا ما تم بين شجرتين لا تنتميان إلى عائلة أو عًائلات نباتية متقاربة .

ثم يخلص إلى نتيجة مفادها : إن إمكانية التزاوج والتفاعل بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية أمر مستحيل ، لأن أي دراسة متعمقة للأساسيات التي قامت عليها كل من عائلة الحضارة الإسلامية وعًائلة الحضارة الأوروبية لا تترك مجالا للشك في أن لكل منهما طريقًا مختلفًا وسياقًا خاصًا ، لهذا يهدف الحديث عن التواصل الحضاري أو التفاعل الحضاري أو التزاوج الحضاري إلى الإلحاق والتبعية الحضارية باعتباره جزءًا أساسيًا في عملية الإلحاق الاقتصادي والثقافي والسياسي والسيطرة العسكرية .

ثم يستطرد قائلاً : والداعون إلى التزاوج والتفاعل الحضاريين مع الحضارة الغربية ينسون الظروف المشبوهة التي ظهرت فيها مثل هذه الدعوة ، فهذا الموضوع لم يطرق بعيدًا عن غايات ذات علاقة بالصراع الدائر بين القوى الاستعمارية والشعوب المقهورة والمستضعفة ، فعندما طرحوا منظورًا أوروبيًا لهذا الموضوع كانوا في أغلبهم يرمون إلى سيادة الحضارة الأوروبية على العالم بكل ما تحمل من فلسفات وقيم ومعايير ومفاهيم ، وذلك من خلال الترويج للحضارة الأوروبية وضرب الحضارات الأخرى ، أو طمسها ، أو الإنقاص من قدرها أو خلطها بما يلغيها ، وهو أمر يؤدي بالشعوب إلى فقدان هويتها ومقومات شخصيتها الأساسية ، وإلى ضرب عوامل وجودها المادي والثقافي المستقل ، فتصبح مكشوفة أمام طغيان المستعمرين ثم تتحول إلى تابع ذليل تلتقط الفتات ، وتقف على العتبات ، دون السماح لها بالدخول إلى صدر البيت ...................... الإسلام والغرب .. تعاون أم مواجهة ؟!

فالمعركة هنا معركة حضارية شاملة ، أي سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية ، والغرب يستخدم معنا كل الوسائل السياسية والعسكرية ، والاقتصادية والاجتماعية ، والثقافية أيضـًا ، وما دام الغرب يشن علينا حربًا شاملة فلا بد من مواجهته بحرب شاملة ، تواجه بالكفاح وحتى إذا سلمنا بصحة مقدمة هؤلاء وهي أن الغرب وأمريكا أقوياء بدرجة لا يمكن مواجهتها ، فإن النتيجة التي توصلوا إليها خطأ ، لأن معنى مثل هذه القوة الهائلة للغرب وأمريكا أن الخضوع لهم سيؤدي إلى النهاية والموت والاندثار ، وأن الخضوع لن ينقذنا ولن يحقن دمائنا ، بل إن الخضوع سيتسبب في خسائر أكثر من المواجهة حتى ولو كانت غير متكافئة ، على الأقل فالمواجهة سوف تقلل الخسائر وسوف تسمح للبذور الكامنة تحت التربة بالبقاء ، بعيدًا عن يد الغرب فتعود لتثمر في فرصة أخرى مستقبلية .

وبالإضافة إلى ذلك فإن الحضارة الغربية تحمل في داخلها الكثير من نقاط الضعف ( كما سبق ووضحنا ) التي ينبغي الصمود واستثمارها أو الصمود وانتظار أن تؤدي تلك المواقع الضعيفة في جسد الحضارة الغربية إلى انفجار داخلي ، فالإنسان في الحضارة الأوروبية مثلاً يفتقد التوازن بين حاجاته المختلفة ويفتقد التوازن في علاقاته مع الجماعة ، وهذا يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية والجريمة والانحراف والشذوذ الجنسي وزيادة استهلاك الخمور والمخدرات إلى حدود أصبحت تهدد حياة مئات الملايين من سكان أوروبا وأمريكا وهو ما يمكن أن يؤدي على المدى المتوسط أو الطويل إلى انهيار الحضارة الغربية من داخلها ، أضف إلى ذلك أن الرغبة في تحقيق أقصى قدر من النهب وبالتالي عدم التورع عن استعمال أقصى قدر من العنف ومع تزايد قوة الأسلحة الفتاكة يجعل العجلة العسكرية تدور بلا توقف مما يجعلها في النهاية قابلة للانفجار من داخلها أو بالتصادم مع بعضها البعض وإذا كانت الحرب العالمية الثانية التي نشأت بسبب التنافس على الربح بين دول كلها تنتمي إلى الحضارة الغربية قد أدت إلى قتل 62 مليون إنسان معظمهم من الأوروبيين فكم يا ترى سوف يقتل في المعركة المسلحة والحرب الشعبية ، وعلينا أن نواجه بالوسائل السياسية ونواجهه برفض الخضوع لوسائل النهب التي يمارسها ومن خلال بناء نمط اقتصادي مستقل وغير تابع ويعتمد على قوانا الذاتية ويقطع تمامًا خيوط التبعية مع الغرب ، ونواجهه أيضـًا بتصفية كل مراكز الثقافة المغتربة وكل أشكال الاختراق الثقافي ، ونواجهه بثورة ثقافية شاملة تعتمد على تأكيد قيمنا الحضارية ، ونواجهه بالوحدة ، ورفض التجزئة التي فرضها علينا ، ونواجهه بتعبئة شعبية شاملة ، ونواجهه بحرب حضارية شاملة في مواجهة حرب حضارية شاملة .

ويجب أن ننتبه هنا إلى نقطة خطيرة ، وهي أن أخطر هذه المواجهات هي على الجانب الثقافي ، لأن الاختراق الثقافي يدمر حياتنا من الداخل ويقلل قدرتنا على المواجهة ويضرب فينا قيمنا الإيجابية مثل الجهاد والوحدة والرفض وبالتالي يجعلنا عاجزين عن المواجهة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ، ولابد أن ننتبه إلى انه ما دامت الحرب حضارية وشاملة فليس من المعقول مثلاً أن نستخدم قيمًا ووسائل واستراتيجيات مستمدة من الغرب لمحاربته بها ومهما كانت براقة فإنها لن تجدي في مواجهته ، فكيف أواجهه على أرضيته الثقافية والحضارية ؟ ، لابد أن أواجهه بأساليب وتكتيكات وقيم ووسائل واستراتيجيًات مستمدة من ذاتنا حتى تظل قادرة على الاستمرار . ................... الإسلام والعالم المعاصر ص 130 . أنور الجندي .

وقد فاقمها ( أي المواجهة) أن المجتمعات الإسلامية بطبيعةتكوينها يتعذر قولبتها في النموذج الغربي، ببساطة لأن لها منظومة قيم مغايرة،وبنيان فكري ونظر إلى الكون والحياة، مختلف عن الغرب تماما ،هذا الاستعصاء على الاحتواء لا يزال يثير حفيظة كثير من الغربيين، الذين عجزوا أورفضوا أن يعترفوا بخصوصية القيم الإسلامية، التي لا تقبل التفاعل وترفض الذوبانوالانسحاق.

يقول الدكتور / شاكر النابلسي : ولكي ندرك الفرق بين أيديولوجية الإسلام وأيديولوجية الغرب وسبب الصـراع المحتمل بينهما، ولا سيما في القرن الحادي والعشرين، دعونا نعقد مقارنة سريعة بينهما:

1- يقول الإسلام بأن الإنسان مخلوق، ويقول الغرب بأن الإنسان خالق.

2- يقول الإسلام بأن الله هو سيد الكون المُطاع، ويقول الغرب، بأن الإنسان هو سيد الكون المُطاع.


3- يقول الإسلام بأن الله هو سيد الإنسان، ويقول الغرب بأن الإنسان سيد نفسه.

4- يربـط الإسلام وجود الإنسان والعالم بسبب خارجي هـو الله، في حين ينظر الفكر العلماني في الغرب إلى الإنسان والعالم لذاتهما، في معزل عن أي سبب خارجي.


5- يُقرُّ الإنسان في الإسلام أن الغيب لله كعلم تفرد به ولم يطلع عليه أحداً - إلا من شاء - ، بينما يُلغي الغرب ما يُسمّى بالغيبيات والعلم بالغيب.

6- يعتبر الإسلام مجتمعاً مثالياً أخلاقياً روحياً ، بينما يعتبر الغرب مجتمعاً مادياً أخلاقياً مختلفاً.

7- يمتثل الإسلام للشريعة و لا يحكم العقل في الشريعة ولكنه يعمل في إطارها، في حين يمتثل الغرب للعقل تماماً ويحكمه في كل شيء ويرد ما لا يقره العقل.

فهل من أجل هذه الفروقات في العقائد يمكن للصدام أن يتم بين الإسلام والغرب؟

ولِمَ لا وقد كادت الحرب العالمية الثالثة أن تقع بين الغرب والاتحاد السوفياتي نتيجة لاختلاف العقائد. ............بشيء من التصرف والزيادات من مقال له.

وبعد انهيار سور برلين وسقوط الشيوعية راح الغرب يبحث عن "عدو" وتضافرتظروف متعددة رشحت الإسلام كي يشغل ذلك الموقع بديلاً عن الشيوعية ويبدو أن هذهالفكرة راقت للأغلبية الأوربية والنخبة في الولايات المتحدة وغيرها .

فبعد غياب الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة بصدارة "العالم الأول" فإن دعاةتمدد الإمبراطورية الأمريكية في فضاء الساحة التي خلت انتعشوا، الأمر الذي دعاهمإلى بلورة مشروعهم في كتابات عدة بينها المذكرة الشهيرة التي قدمت إلى الرئيسالسابق بيل كلينتون في عام 1997م حول القرن الأمريكي الجديد.
يقول لورانس براون: ' لقد كنا نخوف بشعوب مختلفة ، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبررًا لهذا الخوف ، لقد كنا نخوف من قبل بالخطر اليهودي والخطر الأصفر وبالخطر البلشفي إلا أن هذا التخويف كله لم نجده كما تخيلناه ، أننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا اللدود ، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا ، أما الشعوب الصفر 'الصين ، اليابان ' فإنها ليست خطيرة لهذه الدرجة ، ولكن الخطر الحقيقي كان في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع ، وفي حيويته ، أنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي ' ..................د . مصطفى الخالدي.. د . عمر فروخ – التبشير والاستعمار.

وأحداث 11 سبتمبر وفرت لفريق الأصوليين المتعصبين والمتصهينين في الإدارةالأمريكية حجة قوية لاعتبار العالم الإسلامي عدواً يجب قهره وتطويعه، حتى لا يظلمصدراً يهدد الأمن القومي الأمريكي ولأن هذا العالم يكره الأمريكيين – كما ادعوا- فقد يخرج من بين أبنائه يوماً ما في المستقبل من يكرر ما جرى في 11 سبتمبر.

والخلاصــــــــــــة

نقول : إنه بالرغم من كل ذلك، فإن الدين في الدول الغربية لا يلعب إلا دوراً ثانوياً وهامشياًللغاية. وبالتالي فليس للدول الأوربية في الجملة حساسيات عقدية ولا ثارات ضد الإسلام بالمعنى الدقيق رغم اختلاف الايدولوجيات السالفة ، هذاإذا استثنينا مجتمع المتدينين المتعصبين في الولايات المتحدة وغيرها ، وإذ كان الإنصافيقتضينا أن نقرر أن اسم الإسلام أصبح مخيفاً لكثيرين الآن في الغرب ، وهذا الخوفنابع من انطباعات زمنية وليس من تأثيرات عقدية (بما يحمل اللفظ من معنى) !! .

ولكن هذه الخلفيات يمكن أن تسوغ لنا أن نقولأن الغرب بالمفهوم الذي تحدثنا عنه ليس ضد الإسلام كعقيدة ودين، ولكنه متمسك بإضعافالإسلام وتقليص دوره في المجتمع.

لكننا إذا نظرنا إلى المشهدين من زاوية المقاصدوالمآلات فلا مفر من أن نعترف بأن عملية الإضعاف هي في حقيقة الأمر نوع من إماتةالإسلام وتضييق الخناق عليه إلى حد خنقه في نهاية المطاف ، وقد يجوز ذلك أن نقول أنالعبرة ليست بالنوايا ولكنها بالنتائج، فالإماتة في النتيجة لا تختلف كثيراً عنالقتل، إذ في الحالتين تشل حركة الإسلام ويفقد "روحه" حتى وإن استغرقت عمليةالإماتة وقتاً أطول.........من مقال للأستاذ فهمي هويدي .

وبالرغم من ذلك نقول : إن إطلاق العداء للغرب خطأ كبير. فليس الغرب باطلاً كله ولا ظالماً كله ،وإنما ينبغي أن يتحرى المؤمن العدل في أحكامه والضبط في مشاعره.


ولا أدل على ذلك مما استطعنا جمعه من كاتبة غربية مثل (شرين هانتر) في كتابها (مستقبل الإسلام والغرب) ، والذي كانت فيه تحاول الإنصاف حتى أنها اعترفت بأمور كثيرة هي في حقيقتها مرة عند الغربيين منها على سبيل المثال :
أ – تقرير حقيقة أن الإسلام لا يمكن أن يهزم من خلالانتصارات عسكرية وأمثالها كما هزمت النازية والاشتراكية وأمثالهما.

ب – إنالايدولوجيا لا يمكن أن تفصل عن الحياة الاجتماعية ذلك لان المسألة الاجتماعية يجبأن تقام – ولو بشكل لا شعوري – على المسألة الفلسفية والاعادت بلا هدف ولامبررات.

ج – إن الغرب لا يأبه بالقيم التي يدعيها كالديمقراطية وحقوق الإنسانإذا لم تخدم مصالحه.

د – إن العلمانية لا تجتمع مع النظام الديني حتى ولو كانمستمداً من المسيحية أو اليهودية.

هـ – إن الذين ينظرون إلى رؤى الإسلام بسطحيةهم سطحيين .

و – السخرية من هنتنگتن ([3]) عندما يقول إن الإسلام لا يعرف المساواة

ز – التفريق بين إيمان الإسلام بحقوق الإنسان وعمل المسلمين.

ح – الاعترافبان العلمانية فرضت فرضاً على العالم الإسلامي.

ط – إن الغرب قد ينطلق من مواقفأخلاقية منحطة كالحسد والحقد وأمثال ذلك.

ولا شك أن هنالكأسباباً عديدة تدعو غالبية المسلمين للشعور بحالة من النفور من السياسات والمواقفالغربية والتي اتسمت بماضٍ استغلالي استعماري وحاضر لا يقيم العلاقات على العدالةوالإنصاف ، وهنالك شعور يسود في أوساط المسلمين أن هنالك تحيزاً ثقافياً ودينياًيسود أوساطاً واسعة في الشعوب الغربية ضد الإسلام. وأن موقف الإعلام الغربي الذييأخذ صورة العالمية اليوم مناهض مناؤي للإسلام، ثم إن هنالك رموزاً حية لانحيازالغرب إلى جانب المعتدين على بعض شعوب الأمة المسلمة ومظاهرته لأولئك بالسلاحوبالمواقف السياسية ، وأبلغ الأمثال على ذلك هو الموالاة المطلقة لغالب دول الغربلإسرائيل.

فكل هذه أسباب لا تفرش الطريق إلى محبة وتواصل مع الغرب. بيد أن الحكمةتشير أن الطريق الأوفق لا يتمثل في تسعير العداوة والبغضاء للشعوب والحكوماتالغربية، بل بذل الجهود لإزالة التحيزات الثقافية ومناهضة الحملات الإعلامية والعملعلى إحداث تغييرات في سياسات الحكومات الغربية وكل هذا بالإمكان من خلال العملالمثابر الدؤوب.

بيد أن إزالةنزعة العداء للغرب والتي تتفجر الآن في أعمال ترويعية لا تفرق بين المدني والعسكري،وبين الغافل والظالم لن يتم من جانب واحد. فالغرب الذي يجتهد اليوم في البحث عنأنجع السبل لمناهضة الإرهاب يتوجب عليه أن يدرك أن أقصر الطرق لمناهضة الأعمالالإرهابية هو التعامل بعدالة ونزاهة مع الشعوب الإسلامية.

فذلك هو السبيل لنيل ثقةأهل التوسط والاعتدال والذين هم الضمانة الأولى لكبح نزعات التطرف والغلو.

ولكن السياسة الأمريكية اليوم ماضية في منطقها الاستعلائي، وتكاد تقاريرهاالمتغطرسة أن تقول شيئاً واحداً لقد انتصر الغرب على الشرق، وتفوقت المادة علىالروح، وأن عصر المادية الأمريكية هو نهاية التأريخ.


إن مسؤولية الاتصال والتواصل السليم بين العالم الإسلامي والغرب مسؤولية مشتركة، ولسنا في مجال تحديد التقصير أو الخطأ من أحد الأطراف، ولكن واقع العلاقة الآن يفرض علينا أن ندعو إلى بناء هذه العلاقة على أساس سليم ووفق منهج علمي يليق بتاريخ هذه العلاقة، وبالكثير من جوانبها المهمة، وبأثرها في تحقيق السلام والخير للبشر جميعاً، فهي علاقة، بين مئات الملايين من البشر.


والحقيقة أن القيم الإسلامية إنما ترفض الجانب المعادي للإنسانية في الغرب كالتحللالجنسي، واستغلال الشعوب، ورفض الحياة الخلقية والكيل بمكيالين والعمل على محوالثقافات الأخرى، والاستعمار بشتى ألوانه، وأمثال ذلك وفيما عدا ذلك فان هناك نقاطالتقاء كثيرة ونقاط تقبل الحوار.


يقول الدكتور المسيري : "فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداءللإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلىمادة استعمالية". ..............الإسلام والغرب.
ومع هذا تظل إمكانية الحوار والتفاهم قائمة، وإن كان ثمةعائق أساسي وهو أن الرؤية الغربية الإمبريالية الداروينية غير عقلانية. فمن يجعلالقوة معياراً واحداً ووحيداً ولا يقبل الاحتكام إلى منظومة قيمية خارجة، إنسان غيرعقلاني، لأن العقلانية تفترض وجود معايير إنسانية وأخلاقية مطلقة خارج الإنسان يمكنالاحتكام إليها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نتحاور في غياب معايير أخلاقيةوإنسانية يمكن الاحتكام إليها والإهابة بها؟

وأرى ـ والله أعلم ـ أن هناك ثلاثة مستوياتللحوار:

ا- الحوار بين الأنداد: وهو حوار بين طرفين يعترف كل منهما بإنسانية الآخروبحقوقه وسيادته. والهدف من الحوار هنا هو تسوية بعض الخلافات التفصيلية الجزئيةالتي لا تنصرف إلى الكليات أو المنطلقات.

2- الحوار النقدي: إذا كان أحدالأطراف لا يعترف بإنسانية الآخر وحقوقه وسيادته، فمن واجب الطرف الثاني أن يوجهالنقد للطرف الأول ويبين له خلل موقفه، ويدعم نقده بالحجج والبراهين، كما يحدثمثلاً حينما نحاور الدول الأوروبية التي نختلف معها في بعض الأمور المبدئية، والتيتقبل الحوار ولا تلجأ إلى العنف.
3- الحوار المسلح: إن استمر الطرف الأول فيإنكار إنسانية الطرف الثاني وحقوقه وسيادته، وحوَّل إنكاره هذا إلى فعل ظالم باطشكأن يستولي على أرض الطرف الثاني أو يعتدي عليه، فإن من واجب الطرف المعتدى عليه أنيصده ويقاوم ظلمه وبطشه بأن يرسل للظالم رسائل نقدية مسلحة ليؤكد إنسانيته وسيادتهويحصل على حقوقه المغتصبة.

وهذا ما يحدث في فلسطين المحتلة ، فالإسرائيليونينكرون وجود الفلسطينيين، فيقوم الفلسطينيون بإرسال رسائل مسلحة لهم تأخذ شكلانتفاضات شبه سلمية (مثل انتفاضة 1987) وانتفاضات مسلحة (مثل انتفاضة الأقصى)، وهيرسائل تؤكد للإسرائيليين أن الشعب الفلسطيني -صاحب الأرض- موجود وحي ويقاوملاستعادة أرضه.

ولابد أن يتم الحوار على جميع المستويات، فالحوار الوديبمفرده مع من يؤمن بالقوة معياراً يتيماً لا يجدي فتيلاً، والحوار المسلح بمفردهيدخلنا في طريق مسدود. وهذا ما فعله الفيتناميون، فكانوا يجلسون على مائدةالمفاوضات ويقومون بحملات إعلامية يتوجهون بها إلى أنصار السلام في العالم بما فيذلك الولايات المتحدة، ويوجهون النقد إلى المؤسسة العسكرية الأميركية التي بطشتبالشعب الفيتنامي دون وجه حق، ويقاتلون -في الوقت ذاته- في ميدان الحرب بعزموإصرار، وبذلك تم تحويل المكاسب الميدانية إلى مكاسب سياسية

وبالمثل، يمكنأن يأخذ الحوار مع الغرب أشكالاً كثيرة، فلا يكفي السعي لتجميل صورتنا وتوضيحمشروعية موقفنا، إذ لابد من توجيه رسائل نقدية إلى الغرب (من خلال حملات إعلاميةوحوارات مكثفة) تبين له أن دعمه لإسرائيل وهجومه على العالم العربي لا يمكن أن يظلأمراً مجانياً.

ويجب تحويل الحوار النقدي إلى حوار مسلح إذا استلزم الأمر منخلال عمليات المقاطعة والتهديد بسحب الاستثمارات وكل أشكال المقاومة المتاحة. أييجب أن يدرك الآخر المعتدي أن هناك ثمناً لابد أن يدفع، وهم يفهمون تماماً مسألةالثمن هذه، فكما قال رئيس الوزراء البريطاني غلادستون "لا يوجد لدينا أصدقاء دائمونولا أعداء دائمون بل لنا مصالح دائمة". ..................................من مقال الإسلام والغرب نشر بتاريخ 4/11/2004.
وعلى هذا الأساس فإن الإسلام يقرر :

· أن الناس جميعاً شركاء في مهمة الاستخلاف الرباني للإنسانفي عمارة الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: من الآية30).
· وأن الناس جميعاً مؤهلون خلقه (لقد خلقنا الإنسان في أحسنتقويم ), ومهيئون فطرة لأداء هذه المهمة {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } (البقرة: من الآية31))..{ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طـه:50)
·
· وأن الناس مكلفون بالتعاون لتحقيق عمارة آمنة للأرض{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: من الآية2).
· وأنهم مدعوون للتكامل والتعارف، من أجل إنجاز شامل وعادللمهمة الاستخلاف الرباني {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}(الحجرات:13) .
· وأن الناس شركاء في الانتفاع العام بنتائج سيرهم وكدحهملعمارة الأرض , وبكلمة أخرى هم شركاء في الانتفاع بثمرات العطاء الحضاريوالتكنولوجي والصناعي والزراعي والحيواني {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الجاثـية:13) {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(الملك: من الآية15) .
· ولكن ذلك كله وفق قواعدومعايير احترام حق التمليك , والتزام ضوابط ومعايير نظم وآليات الانتفاع المتبادلالعادل.






اعتماد الحوار الجاد بين الحضارات كأساس للتعارف من أجل :-

1. أن يتعلم الناسكيف يتعامل كل منهم مع الآخر وكيف يجل الجميع كرامة الإنسان .
2. أن تكشف القيمالمشتركة وتراعى الخصوصيات الثقافية في سبيل تحقيق تعايش آمن .
3. العمل لمنعالعدوان والاضطهاد والظلم بين الناس .
4. التأكيد على أنالأسرة المؤسسة على التزاوج الشرعي بين الرجل والمرأة هي الوحدة الأساس في بناءالمجتمعات الآمنة .
5. التأكيد على أنالأسرة وحدة أساسية من مؤسسات المجتمع المدني وأنها المصدر الأكفأ لأجيال مسؤولةومنتجة .
6. العمل معاً علىإقامة العدل الرباني بين جميع الناس على اختلاف أقوامهم وأجناسهم ومعتقداتهموألوانهم .
7. العمل على إزالةخلل التوازن بين حقوق الإنسان وواجباته لإنهاء حالة الخلل والاضطراب في مسيرةالحضارة البشرية .
8. العمل على مساعدةالفقراء لتحرير أنفسهم من الظروف القاسية التي تتنافي مع كرامة الإنسان ووشائجالأخوة الإنسانية .
9. العمل على إنهاءظاهرة التعامل بالمعايير المزدوجة إقليمياً ودولياً .
10. العمل على إزالةالعوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية لاستفحال ظاهرة العنف والإرهاب في العالم .
11. التأكيد على ضرورةالسير معاً بسلام ووئام على أساس من إرادة الله تعالي وطاعته لحماية المجتمعاتالبشرية من الكوارث والفقر والجهل . ووقف ظاهرة التدهور الأخلاقي والتفسخ الأسرىووضع حد لمروجي منهجية الحروب وتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل , وإلا سيكون الناسعرضة لمزيدٍ من الهلاك والدمار

ونحن - المسلمين - إذا نقول بذلك كله لا ننطلق من فراغ، بل نستند على أساس صلب ومرجعيةعظيمة رسم معالمها وأبان سبل نهجها كتاب الله العظيم وسنة رسوله المبعوث رحمةللعالمين سيدنا وإمامنا الهادي البشير نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامهعليه عبر ثلاثة مواثيق متلازمة ومتكاملة هي الفريدة في نوعها وسبقها على مدارالتاريخ البشري كله وهي:

أولاً: ميثاق الموطنة أو (العقد الاجتماعي الوطني)الذي تضمنته الوثيقة المشهورة في كتب السيرة (بصحيفة المدنية ) والتي تعتبر بحقأول ميثاق للمواطنة في التاريخ البشري يقنن ويؤصل لعهود ومواثيق المواطنة المشتركة،في إطار التنوع الديني والثقافي ، مما تضمنته تلك الصحيفة من قيم ومبادئ :
1. أن المواطنين علىاختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية أمة واحدة من دون الناس .
2. وأن الحريةالدينية مكفولة لكل مواطن .
3. وأنهم جميعاًمسؤولون عن رد العدوان وحفظ سيادة الأوطان .
4. وأن عليهم النصحوالبر ، فيما ليس فيه إثم .
5. وإن الجار كالنفس،غير مضار في أمنه وكرامته.

فهذه القواعدالسالفة الذكر ، وغيرها مما جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وتكون بتكاملهاالمنطلق الأساس لعقد المواطنة في نظام الإسلام وشرعته ، الذي يؤكد أن المواطنين علىاختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية والعرقية ، وهم أمة واحدة تتساوي مصالحهم،وتتكامل حقوقهم وواجباتهم ، وأن أمنهم واحد ، ومصيرهم واحد ، من غير تمايز ولاتفاضل بينهم إلا بالعمل الصالح ، ميثاق المواطنة (العقد الاجتماعي الوطني ) فيالإسلام يقوم على ما يلي :-

أ. دين الدولة : الإسلام (دين الأكثرية ) القرآنوالسنة النبوية المطهرة هما المصدر الأساس والوحيد لمطلقات وثوابت الشريعةالإسلامية ، والإسلام هو أساس الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع .

ب. عقدالإيمان : وهو للجميع وذلك بإنفاذ شريعته سبحانه وتعالي في تحقيق مصالح المواطنين، وإقامة العدل بينهم وصون كرامتهم ، وتوفير أسباب رزقهم وأمنهم واستقرارهم.

ت. عقد الأداء : وهو عقد بين الحاكم والمحكومين من المسلمين ، يلتزم الجميعبموجبه بإنفاذ ما اتفقت عليه إرادة الأمة ، من قيم ومبادئ ونظم وأعراف وتقاليد مثل:الدستور وغيره في إطار عقد الإيمان وما تضمنه من ثوابت ومنطلقات ، والعمل معاًعلى تحقيق مصالح الناس وصون البلاد وأمنها واستقرارها وسيادتها.


وهذا يعنيويؤكد بوضوح ما يلي :-


1. أن الله تعالى : على أساس من ( عقد الإيمان ) هو المصدر الوحيد لثوابت ومنطلقات التشريع في المجتمعالمسلم ( مجتمع الأكثرية).

2. أن الحاكم علىأساس من ( عقد الإيمان )،والتزاماً بعقد (الأداء) : مسؤول أمام الله تعالي ، ومسؤول أمام الشعب عن التزام وتطبيق شريعة الإسلام والتزام وإنفاذ ما اتفقت عليهإرادة الأمة من مواثيق ونظم (الدستور وغيره )، والعمل بأمانة وإخلاص على إقامةالعدل بين الناس جميعاً .


3. أن الشعب على أساسمن (عقد الإيمان) والتزاماً بما ينص عليه (عقد الأداء )ويتناقص مع مواثيق عقدالإيمان وعقد الأداء ومطالب كذلك بتحمل مسؤولياته في إعانة الحاكم [ولي الأمر] وبذل النصح والمشورة له بما يعينه على أداء مهامه ومسؤولياته وواجباته ,وفق عقدالإيمان وعقد الأداء ,وبما يحقق مصالح المواطنين وأمن البلاد وسيادتها وارتقاءها . والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا : وماذا عن موقع المواطن غير المسلم في ميثاق المواطنة(العقد الاجتماعي الوطني ) في الإسلام ؟.

ونجيب فنقول : وحيث أن المظنة بأهل الإيمان بالله تعالى أياً كانت طبيعة اعتقادهم أنهم من حيثالأصل والمبدأ يحرصون على تحقيق إرادة الله تعالى ومرضاته ، وعلى أساس من هذا الظنالحسن أعتقد أن العقد الاجتماعي في الإسلام يتسع بكل موضوعية وجدية للمواطنين غيرالمسلمين في ضوء التوضيح التالي:

أولاً : أحسب أن عقد الإيمان يتسع لهم ،باعتبار أن ثوابت الشرائع الربانية التي جاء بها الأنبياء والرسل عليهم الصلاةوالسلام متكاملة ، ولا تصادم ولا تناقض بينها من حيث الأصل، وقد أكدت جميعها علىإقامة العدل ، وكرامة الإنسان وحريته ، وعلى الحب والتسامح في مرضاة الله ،والتعايش الآمن بين الناس ، وعلى سلامة البيئة وعدم إفسادها، وحثت على استثمار مافي السموات والأرض لصالح كرامة الإنسان وصون حياته، والشريعة الإسلامية تؤكد علىذلك كله

وثانياً : فعقد الإيمان هو الضامن والحارس الوجداني لتحقيق هذه القيمالربانية وغيرها من أجل صون كرامة الناس جميعاً.

ويتسع ( ثالثاً ) لفعاليتهموممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم ، باعتبار أن كل مواطن من حيث الأصل والمبدأ يحرصعلى:


1. حرية اعتقادهوممارسة عبادته .
2. احترام خصوصياتهوحقه بالاحتكام إلى قيمه الدينية فيما يتعلق بشؤونه الشخصية.
3. تأمين مصالحهالدنيوية دون الإضرار بمصالح غيره ، ومن دون انتقاص أو تميز.
4. تحقيق طموحاتهوآماله الشخصية والوطنية في سياق المصالح العامة للمواطنين.
5. العيش بكفاية وأمنواستقرار.
6. المشاركة في خدمةبلده ، والمحافظة على أمنه واستقراره وسيادته.
وباعتقادي أن ذلككله وغيره مضمون ومكفول في العقد الاجتماعي في الإسلام ، ولمزيد في التوضيح نقول أنالإسلام كما هو معلوم عقيدة وشريعة.

والعقيدة : وهي التي تمثل الخصوصية الدينيةللمسلم ..فقد حسم الإسلام أمر الآخرين معها بقول الله تعالى الإسلام والغرب شقاق أم وفاق frown.gif لكم دينكم ولي دين)، أي أن المواطن غير المسلم في المجتمع غير المسلم له حرية الاعتقاد وله حريةممارسة العبادة.
أما الشريعة : فهي تتكون بصورة رئيسة من شقين اثنين:
1. قواعد وأحكامومبادئ تتعلق بالأحوال الشخصية .
2. قواعد ومبادئ ونظموضوابط تتعلق بالحياة العامة للناس.

فيما يتعلقبالأحوال الشخصية ، فقد حسم الإسلام أمر المواطنين غير المسلمين بشأنها ، بأنأعطاهم حق التحاكم في ذلك إلى شرائعهم الخاصة إن رغبوا .
أما ما يخص الجزء منالشريعة الإسلامية المتعلق بالحياة العامة ، ونظم ومبادئ تصريف مصالحها ، فأنالمواطنين غير المسلمين ، فهم جميعا سواء دون تمييز ، تحكمهم جميعاً مواثيق الأمةولوائحها الدستورية ، وعلى أساس مما سلف ، لا أرى أن هناك أدنى إشكالية للمواطنينغير المسلمين مع الشريعة الإسلامية وميثاق المواطنة ( العقد الاجتماعي الوطني).
ثانياً: الميثاق العالمي أو ( العقد الاجتماعي العالمي ) ، الذي تضمنتهالوثيقة المعروفة والمشهورة في كتب السيرة ( بخطبة حجة الوداع ) ، التي أصلت وأسستلأول ميثاق عالمي ، يرسم القواعد والمبادئ الجامعة لسياسة دولة الإسلام الراشدة فيمستواها العالمي ، ويقنن للمعايير والضوابط المنصفة للتعايش البشري الآمن ، في إطارالتنوع القومي والعرقي واللوني والجنسي والديني ، وكان من أبرز ما جاء بخطبة الوداعأو الميثاق العالمي ( العقد الاجتماعي العالمي) َقَوله صلى الله عليه وسلم :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلَا إِنَّ رَبكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَباكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلَّا بالتَّقْوَى ، أَبلَّغْتُ ؟ " ، قَالُوا : بلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ"...........................أخرجه الإمام أحمد في المسند.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَاب اللَّهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ ، قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ : اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" .................................................... .................................................. ....البخاري .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، أَنَّهُ قَالَ : " يَا عِبَادِي : إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا" .................................................. .................................................. .....مسلم

1. أيها الناس إن ربكم واحد.. تأكيداً على وحدةمصدرية الإيمان.
2. إنأباكم واحد .. تأكيداً على وحدة الأسرة البشرية .

3. أيها الناس إندماءكم وأموالكم عليكم حرام .. تأكيداً على قدسية حياةالإنسان وممتلكاته .

4. أيها الناس إنالله قد قضى لا ربا .. تأكيداً على الأمن الاقتصادي.

5. أيها الناس إن عدةالشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ..تأكيداً على احترام الوقت وقدسيةالأمن والسلام وسلامة البيئة.

6. أيها الناساستوصوا بالنساء خيراً فلكم عليهن حقاً ولهن عليكم حقاً. تأكيداً على أهمية دورالمرأة شريكة متكاملة الشراكة مع الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة.

7. أيها الناس إنالله قد حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرماً فلا تظالموا تأكيداً على أنالعدل أساس كل فضيلة وأنه الحارس الأضمن لأمن العباد والبلاد.
إن هذه الأعمدةالسبعة ، التي تضمنها الميثاق العالمي لخطبة الوداع ، وما يتفرع عنها من قيم ومبادئ، وما يتسق معها مما تزخر به توجيهات القرآن الكريم ، ومما تفصل فيه وترفده أقوالوأفعال السنة المطهرة ، وما استنه الخلفاء الراشدون المهديون من بعد ، لهي بجملتهاتكون الأسس الراسخة ، والمعالم الجلية للميثاق العالمي الإسلامي أو ( العقدالاجتماعي العالمي ) للنهوض بشرف مهمة الاستخلاف في الأرض ، والاضطلاع بمسؤولياتأمانة عمارتها ، وإقامة العدل في ربوعها ، والميثاق العالمي الإسلامي أو ( العقدالاجتماعي العالمي الإسلامي) يشكل الأساس القيمي والمعيار الأخلاقي ، لتصريف شؤونالناس وإدارة مصالحهم المشتركة وتحقيق التعايش العادل والآمن بينهم وفق أسسومنطلقات الميثاق العالمي للمصالح البشرية ، الذي رسم قواعده وحدد منطلقاته ربهموخلقهم جل شأنه اللطيف الخبير بما ينفعهم ويصلح شأنهم.

ثالثاً: الميثاق العالميللمصالح البشرية .. ويقوم على قواعد ومنطلقات عامة منها:
1. أن الناس جميعاًشركاء في مهمة الاستخلاف في الأرض .
2. أن عمارة الأرضوإقامة العدل بين الناس غايتان أساسيتان لأمانة الاستخلاف الرباني
3. أن الناس شركاء فيثروات الكون ، على أساس من احترام حق التملك وصون مشروعية حق الانتفاع.
4. أن حياة الإنسانوكرامته ، أمران مقدسان لا يجوز انتهاكهما بغير حق.
5. أن الرجل والمرأةشريكان تتكامل مسؤولياتهما من أجل عمارة الأرض وإقامة العدل.
6. أن الأرض والبيئة، هما سكن البشرية المشترك ينبغي المحافظة على سلامتهما وعدم إفسادهما.
7. أن الحقوقوالواجبات أمور متكاملة ومتلازمة ، لتبقي العلاقة متوازنة ومنضبطة ، بين مسؤولياتالإنتاج وأخلاقيات ومسؤوليات الاستهلاك.
8. أن الأمنالإقليمي والأمن الدولي ، أمران متلازمان ومتكاملان لا يجوز بحال انتهاك أحدهما لحسابالآخر.
9. أن التدافعالحضاري والتعاون البشري ، أمران واجبان لدرء المفاسد والمخاطر، وجلب المصالحوالمنافع المشتركة بين الناس .
10. أن التعارفوالتواصل الثقافي والمعرفي بين الناس ، أمر إيجابي لتنمية العلاقات وتطوير المصالحالمشتركة بينهم.
11. أن التنوع الدينيوالثقافي ينبغي أن يكون حافزاً على التنافس في عمل الخير، لا مادة للصدام والنزاع.
12. أن السلم والتعايشالعادل والآمن هو أصل العلاقة بين الناس والمجتمعات.
إن هذه المواثيقالثلاثة تكون في تكاملها الأساس لمنظومة الإسلام من أجل عالمية عادلة وعولمة راشدةآمنة .. والإسلام وهو يطرح هذه المواثيق الثلاثة بشأن التعامل بين الناس في الحياةالدنيا .. إنما هو تأكيد على رسالة الإسلام هي رسالة الحياة للناس دون تمييزالعولمة والتعاون الدولي مشاركة أماستقلال حامد الرفاعى

إذن والشيء الوحيد الممكن في العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية ولو من الناحية النظرية هو التعاون على أساس استقلال كل منهما وعلى أساس انفراد كل منهما بخصائصها الذاتية المتميزة دون أن تحاول السيطرة أو ظلم أو نهب الأخرى ، والإسلام بالطبع يرحب بالتعاون ويدعو إليه في إطار الاحترام المتبادل والعلاقات المتكافئة ، ولكن هل تقبل الحضارة الغربية التخلي عن النهب والظلم والعنصرية والعنف من أجل هذا التعاون ؟.

يمكن التعاون في الاستفادة من العلوم الطبيعة ونقلها دون ربط ذلك بغايات وأهداف استخداماتها أي في الشق العلمي دون الشق القيمي ، ولكن هل تقبل الحضارة الغربية ذلك وهي التي تغتال العلم ، وتحرم نقل العلم وتحاكم من يفعل ذلك ، بل وتضرب أي نهضة علمية في أي مكان خارج دائرتها الحضارية ؟ !

نؤكد مرة أخرى أن الإسلام يحض على التعاون ، ويحرص عليه ، ولكن التعاون ليس الاندماج والتزاوج والإلحاق ، التعاون يقوم على استقلال حضاري كامل فالحضارة الغربية عندما نقلت العلوم الطبيعية من الحضارة الإسلامية أخذتها دون شقها القيمي أخذتها وهضمتها ووجهتها وفقًا لمعًاييرها الحضارية ، وجهتها للتدمير والتلويث والإفساد وتحقيق أكبر قدر من آليات النهب ، أما نحن فمن المفروض أن نأخذ العلوم الطبيعية من الغرب دون شقها القيمي فنهضمها وتصبح جزءًا من شخصيتنا الحضارية المستقلة فنوجهها طبقا لمعًاييرنا وقيمنا الحضارية في إسعاد الإنسان وتحقيق الرفاهية لكل البشر وليس لنا وحدنا .





هل هناك فرصة للتعاون مع الغرب ؟

يقول الأستاذ محمد مورو :قلنا أنه لا يمكن ولا نقبل لا الإلحاق الحضاري مع الغرب ولا التزاوج والتفاعل بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية لانتمائهما إلى عًائلتي حضارتين مختلفتين ولأن هذا في النهاية يعني التحول إلى تابع ذليل يظل خاضعًا للنهب والسيطرة . وقلنا إن العلاقة الصحيحة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية هو التعاون على أساس الاستقلال الحضاري الكامل والشخصية الحضارية المستقلة ، ولكن هل هناك فرصة للتعاون ؟ .. هل يقبل الغرب هذا التعاون ؟ .. هل تاريخنا معه يسمح بذلك ؟ .. هل تركيب الحضارة الغربية تسمح بذلك ؟ ..

إن تركيبة الحضارة الغربية تقوم على النهب والقهر والعنصرية . ورخاء ورفاهية أهل الحضارة الغربية جاء من نهب ثروات الشعوب الأخرى واسترقاق أهلها، ولكي تستمر هذه الرفاهية لابد أن يستمر النهب والقهر، فهل أهل الحضارة الغربية مستعدون للتوقف عن النهب والقهر والعنصرية ؟ هل هم مستعدون للتخلي عن رفاهيتهم القائمة على ثروات الآخرين من أجل التعاون معنا أو مع غيرنا ؟

أعتقد أن ذلك صعب ، بل يبدو مستحيلا ، وبالتالي فإمكانية التعاون بشروطها الصحيحة صعبة أيضـًا ، بل وتبدو مستحيلة وحتى إذا حدثت المعجزة وتخلى أهل الشمال عن القهر والعنف والعنصرية فماذا يبقى من الحضارة الغربية ؟ أنهم يسقطونها تمامًا ، أنهم يفقدونها سماتها الأساسية ، أي يقبلون الاندماج في نمط حضاري آخر وفي حالة دخولهم في النمط الحضاري الإسلامي مثلاً ، فإننا لن نعاملهم معاملة التابع ، بل معاملة الإسلام التي تقول أنهم أصبحوا مثلنا تمامًا لهم ما لنا وعليهم ما علينا .

وإذا كانت تركيبة الحضارة الغربية لا تسمح بالتعاون إلا بانتفاء خصائص الحضارة الغربية ذاتها ، وبالتالي فالتعاون هنا صعب ويكاد يكون مستحيلا ً، ورأي أهل الحضارة الغربية فينا وموقفهم منا لا يسمح بقيام مثل هذا التعاون ، فهم ينظرون إلينا نظرة صليبية عنصرية حاقدة لا تقبل بأقل من تدمير حضارتنا تمامًا وفي قول لا يخلو من الدلالة يقول المعلق السوفييتي فاسييليف:
' إن أمريكا الآن تنظر إلى العالم الإسلامي بوصفه إمبراطورية الشر الجديدة التي حلت محل الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان إمبراطورية الشر القديمة والتي تركزت كل الجهود الأمريكية خلال أكثر من أربعين عامًا للقضاء عليها ' .

وهذا المعلق السوفييتي المشهور فاسييليف استخدم في الحقيقة نفس المصطلح المستخدم دائمـًا من قبل الأوروبيين والأمريكيين تجاهنا ، وما بين الحقد على الإسلام، وكراهيته، والدعوة إلى تدميره والقضاء عليه أو التخويف منه ومن خطره التي تسود الروح الفكرية الأوروبية على اختلاف مدارسها هل هناك فرصة للتعاون بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية ؟ .. الإجابة: هذا صعب بالطبع.

إذن فبرغم أننا لا نرفض التعاون مع الحضارة الأوروبية في إطار الاستقلال الحضاري لكل منا ، إلا أنه لا التركيبة الحضارية الغربية تسمح بذلك ولا رأي قادتها فينا وأهدافهم تجاهنا تسمح بذلك ، ولا تداعيات التاريخ القدم والحديث تسمح بذلك ، وبالتالي لكي نعيش لا نخضع ونذوب وننتهي لابد من المواجهة ...............................الإسلام والغرب .. تعاون أم مواجهة ؟!
معوقات الحوار

مما تقدم يمكن إجمال أهم معوقات الحوار الديني و الحضاري في ثلاث نقاط:
1- معوقات تاريخية سياسية نتجت عن صراعات وحروب بين طرفي الحوار: الإسلام والغرب، لم تنته حتى عهد قريب، مثل الحروب الصليبية ، وحرب ما سمي بالتطهير العرقي في جمهورية البوسنة والهرسك ، وأخيراً العراق وأفغانستان والصومال على اعتبار أن أثيوبيا ما هي إلا ذنب للغرب في قارة أفريقيا وتحارب المحاكم الإسلامية بالوكالة .

وكذلك موقف الغرب غير المنصف من القضية الفلسطينية، لقد أصبح المسلمون بذلك لا يواجهون عقدة التغلب على الماضي فقط، بل أيضا معضلة التغلب على الحاضر الماثل أمام العيان، والذي لا يبشر- إذا ما استمر- بمستقبل يبعث على التفاؤل.

2- معوقات تأويليه عند بعض المسلمين والغربيين المسيحيين، تتمثل في عدم اعتراف أحد أطراف الحوار بسماوية الدين الآخر.

فبينما يعترف الإسلام بسماوية مصدر كل من اليهودية والمسيحية، بل ويجعل الإيمان بصدق رسالتي موسى وعيسى (عليهما السلام) ركنا هاما من أركان العقيدة الإسلامية، لا نجد ما يقابل ذلك من اليهود والمسيحيين، إذا ما استثنينا من ذلك الإشارة غير المباشرة التي تضمنها قرار المجمع الكنسي الثاني الصادر عام 3/1964.
3- معوقات فردية تتعلق بمدى أحقية الشخص المشارك في الحوار في الحديث باسم دينه واعتبار نفسه ممثلا للقاعدة العريضة لهذا الدين أو ذاك، والتشكيك في هذه الأحقية يأتى من الداخل كما يأتى من الخارج.

أعتقد أن كلتا النقطتين الأولى والثانية واضحتان ولا تحتاجان إلي تفصيل قد يخرج هذا البحث عن إطاره المحدد له في هذا الموضع. أما النقطة الثالثة فتستحق، في نظرى التوقف عندها بعض الوقت، لأنها تمثل عائقا خفيا لا يظهر في كثير من الأحيان، بينما هي سبب أساسيفي تأخر ظهور نتائج إيجابية للندوات والمؤتمرات والأبحاث التي جندت لخدمة وإثمار الحوار الدينى والحضاري. وتتمثل هذه الصعوبة في أن كثيراً ممن يؤيدون ويشاركون بفاعلية في أنشطة الحوار الديني يواجهون غالباً هجوماً على الجبهتين الداخلية والخارجية. ففي الداخل يتهمهم غير المؤيدين للحوار، ممن لا يرون فيه سوى مضيعة للوقت بلا جدوى بالتفريط وتقديم التنازلات الكثيرة للطرف الآخر طلباً للشهرة والمجد الشخصي على حساب الدين، وأنهم لا يمثلون القاعدة العريضة للمسلمين من وجهة نظرهم.

أما في الخارج فيتهمهم الطرف الآخر للحوار بالتزمت، والرجعية، وعدم المرونة لمجرد أنهم ليسوا على استعداد للتفريط في هويتهم الإسلامية، أو التنازل عن أى مبدأ من المبادئ الأساسية لعقيدتهم. فهم بذلك مفرطون في التحرر في نظر بعض إخوانهم من جانب، ومفرطون في المحافظة أو التزمت في نظر بعض محاوريهم من جانب آخر. بل إنني أكاد أدعى أن الغرب يريد التحاور فقط مع أشخاص تتوافر فيهم شروط يحددها هو، وينيب عمن يريد ذلك أنه حينئذ سيتحاور مع نفسه، وليس مع الغير ، وهوالمطلوب.
وقبل الانتقال إلى الحديث عما يمكن أن يقرب بين وجهات نظر طرفي الحوار أود طرح بعض الأسئلة التي تتضمن ذكر أهم المعوقات وتشير في ذات الوقت، بطريق غير مباشر، إلى كيفية التغلب عليها انتصاراً لقضية الحوار الديني والحضاري:

1- هل حضارة العصر الحديث حضارة إنسانية بالفعل ، وبالتالى تستحق منا نحن ـ المسلمين ـ السعىإليها بكل الوسائل المتاحة، والتضحية من أجلها ببعض مبادئنا؟

2-هل يخلو الإسلام حقا من كل مقومات التقدم بالدرجة التي تجعله نقيضا لها؟

3-كيف نفسر عدم تغير التصور الخاطيء عن الإسلام في الغرب على الرغم من وجود كم هائل من المؤتمرات والأبحاث المتخصصة، إضافة إلى الاحتكاك المباشر اليومى مع المسلمين في الغرب؟

4- هل يبرر وجود عقدة ذنب في الغرب تجاه جماعة دينية معينة التأييد المطلق لهذه الجماعة بغير حق ضد جماعة دينية أخرى وان كانت الأخيرة على الحق؟
5- لماذا يسقط الغرب نتائج تجاربه السلبية مع الكنيسة في العصور الوسطى على الإسلام دون اعتبار لأي فارق بينهما؟ النماذج السلبية الموجودة حاليا في بعض البلاد الإسلامية لا تبرر ذلك.

6-هل من العدل إرجاع كل مظاهر العنف الموجودة في بعض البلاد الإسلامية إلى أسباب داخلية فقط دون أدنى تأثير أوتوجيه من الخارج؟

7- لماذا يتهم الإسلام مباشرة بالعنف كلما اتهم متطرف مسلم في عمل إرهابي، حتى قبل أن يثبت عليه الاتهام، بينما لا نجد من يتهم اليهودية أو المسيحية بالعنف قط، رغم الأعمال الهمجية أللإنسانية التي ارتكبها، ولا يزال يرتكبها إلى اليوم يهود ومسيحيون وهندوس وبوذيون ضد المسلمين؟

8- لماذا يصر الغرب والمغتربون في بلادنا على اعتبار المبدأ الإسلامي بربط الدين بالدولة تخلفاً، وبالتالي كل من ينادى بفصلهما تقدمياً؟.

9- هل يسعى الغرب حقا إلى تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل دول العالم على السواء؟

10-هل تستطيع الأنظمة الديكتاتورية الموجودة في بعض الدول الإسلامية أن تظل في الحكم دون دعم من الغرب؟
هذه هى بعض الأسئلة التي يمكننا من خلالها أن نضع أيدينا على بعض أسباب الإحساس بعدم الثقة لدى كثير من المفكرين الإسلاميين تجاه الغرب، وتجاه كل من ينتسب إلى أيديولوجية من الشرقيين.
إضافة إلى ذلك فقد تدفع هذه الأسئلة كل منا إلى مزيد من النقد الذاتي البناء الذي يُعد السبيل الوحيد للوصول إلى تحاور موضوعي، يمكن أن يثمر تعاوناً إيجابياً يعود على الجميع بالخير والسلام.

ومشكلتنا ـ في الواقع ـ ليست مع الإنسان الغربي، وإنما مع الحكومات والإدارات الغربية، ومشكلتنا مع الغرب بصفته الاستعمارية الاستكبارية؛ لا بصفته الإنسانية.
إننا نعرف أنّ للغرب مصالح في بلادنا بما نملك من ثروات، ولنا مصالح عند الغرب فيما يملك من الإمكانات، ونحن نؤمن بتبادل المصالح وتكافؤ المصالح، ولكن لا نؤمن أن تسقط مصالحنا تحت تأثير مصالحه، وهذه هي المشكلة.

وعندما يحترمنا الغرب فإننا لا بد أن نحترمه، ولكنه إذا لم يحترمنا فمن الصعب أن نشعر بأي احترام تجاهه، وإذا أطلق علينا صواريخه وقنابله فلن نقدّم للغرب عندها باقة ورد.


منطلقات تدعم الحوار مع الغرب

يقول تعالي : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِ نْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(آل عمران:64)

ويقول تعالى : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت:46)

عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ ذِي مِخْبرٍ t، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا ، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ ، فَتَسْلَمُونَ ، وَتَغْنَمُونَ ، ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَقُومُ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ ، فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ ، وَيَقُولُ : أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ ، فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ ، فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْكُمْ ، فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً ( أي الراية أو اللواء ) ، مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشْرَةُ آلَافٍ"..... .........................................أخرجه الإمام أحمد .

في المقابل للنقاط التي أوجزت فيها معوقات الحوار توجد منطلقات إسلامية كثيرة وإيجابية إلى أبعد الحدود يمكنها- إذا أحسنا توظيفها- أن تمهد الطريق لحوار ديني حضاري بناء بين العالم الإسلامي والغرب بمفهومه الواسع الذي يشمل كل الدول غير الإسلامية، ويتطلب ذلك منا أولاً أن نجعل من تراكمات الماضي المؤسف، ومن وقائع الحاضر المؤلم دافعاً قوياً يدعم الإيمان بضرورة الالتقاء على كلمة سواء، والثقة بأن العنف لم ولن يحسم الصراع لصالح أحد الأطراف، فضلاً عن أن يقرب بين نقاط الخلافات العقدية والمنطلقات الثقافية، فيصبح الحوار الديني الحضاري على رأس قائمة أولوياتنا.

إن الشعور بالمرارة الذي تكنه الشعوب الإسلامية عامة تجاه الغرب أشد مما يكنه الغرب تجاه المسلمين. فقد ساءت آراء المسلمين عن الغرب وعن الشعوب الغربية بصورة كبيرة على مدار العام الماضي. ويحمل المسلمون الغرب مسئولية توتر العلاقات بين الجانبين. ومع ذلك فإن هناك أيضًا بعض المؤشرات الإيجابية, من بينها حقيقة انخفاض معدلات دعم 'الإرهاب' في معظم البلدان الإسلامية.

وفي نفس الوقت على الرغم من عمق الانقسامات في العلاقات بين الشعوب الغربية والإسلامية, كشف الاستطلاع الذي أجرته مؤسـسة Pew Global Attitudes أن نظرة كل طرف للآخر ليست جميعها سلبية. على سبيل المثال, في أعقاب الأحداث الصاخبة التي حدثت العام الماضي, لازالت الأغلبية العظمى في فرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة تحتفظ عامة بآراء إيجابية عن المسلمين, على الرغم من أن دولة إسبانيا شهدت العام الماضي هبوطًا حادًا في نظرة شعبها الإيجابية تجاه المسلمين حيث انخفضت إلى 29% بعد أن كانت 46%, وكان معدل الهبوط أكثر اعتدالاً في بريطانيا العظمى, حيث انخفض من 73% إلى 63%([4]).
وبشكل عام, تعد آراء الألمان والأسبان تجاه المسلمين والعرب أكثر سلبية من نظرة الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين للمسلمين. فهناك 36% فقط من الألمان, و29% من الأسبان ممن لهم آراء إيجابية عن المسلمين, في مقابل [ 39%, و33%, على التوالي ] ممن لديهم انطباعات إيجابية عن العرب. في حين أن الأغلبية في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لديهم انطباعات إيجابية عن المسلمين, ونفس النسب تقريبًا لديها انطباعات جيدة عن العرب([5]).

وتتمثل أهم دعائم إنجاح الحوار الحضارى فى القناعة المبنية على الواقع في وجود نقاط التقاء مشتركة بين الإسلام والمسيحية، والعزم الصادق على استثمارها إلى أقصى حد ممكن بهدف الوصول إلى فهم صحيح، واحترام متبادل وتعاون بناء مخلص بين جميع أطراف الحوار.

يضاف إلى ذلك ما يمكن استخلاصه من خلال البحث في المعوقات التي أوجزتها في ثلاث نقاط وأعدت صياغتها في عشرة أسئلة، سبق ذكرها قبل قليل وفضلاً عن المبدأ الإسلامي المتضمن بعض آيات الذكر الحكيم والذي يأمرنا فيها ربنا عز وجل بأن ندعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنةوألا نجادل غيرنا إلا بالتي هي أحسن. والمقصود بالدعوة فى معنىالنص القرآني يرادف المعنى المقصود بالحوار الديني الذي نسعى جميعا إلى تدعيمه.
يقول تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل

وعَنْ ذِي مِخْبرٍ t، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا ، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ ، فَتَسْلَمُونَ ، وَتَغْنَمُونَ" .................................................. ...............أخرجه الإمام أحمد.

و أوجز في النقاط التالية أهم المنطلقات الإسلامية المدعمة ، في نظري ، للحوار الديني الحضاري:

1- يؤمن المسلم بصدق نبوة الأنبياء الذين تلقوا الوحي الإلهي ، مثل إبراهيم وموسى وعيسى، ثم خاتمهم محمد (عليهم الصلاة والسلام)، وكذلك بصدق أصول رسالاتهم السماوية يقول تعالى : {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة:136)


2-يلبي الإسلام جميع جوانب الحياة الإنسانية، المادية والعقلية والروحية بدرجات متوازنة كما قدم للإنسان منهجا حياتيا متكاملا يقوم على الربط التام بين الإيمان والقول والعمل، ولا يعترف بما يهمل فيه أحد هذه الأركان يقول تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)}الصف.

3-- يعد الإسلام كل عمل نافع في الدنيا لا ينتج عنه أي ضرر لفاعله أو لغيره من البشر جزءاً من عبادة الله. ولا يسأل إنسان إلا عما يفعل، وإذا ما أخطأ دون قصد، أو بقصد، ثم تاب عن ذلك توبة نصوحاً، فرحمة الله وسعت كل شيء يقول تعالى : {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}سورة الأنعام ، ويقول أيضاً : {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(54) }سورة الأنعام .

4- يقدم الإسلام للإنسان نظاماً اجتماعياً متكاملاً، يضم في تناسق تام المصلحة العامة والمصلحة الخاصة،الدينية والدنيوية، ويرفض رفضاً باتاً الفصل بين الدنيا والدين، وبالتالى فلا يقبل المنهج الغربي العصراني (العلماني). ويستمد الإسلام هذا المنهج في عصر النبوة، حيث كان رسولنا الكريم نبيا وحاكماً لأول دولة إسلامية أسسها في المدينة المنورة ، وكتب لها دستورها الذي تضمن تنظيماً دقيقاً لكل ما احتاجته من مؤسسات وقوانين عُرفت في كتب السيرة بصحيفة المدينة .

5-الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل قادر، ولم يحاربه كما يدعي البعض، ويكفي أن أول خمس آيات أنزلت منه تأمر بالقراءة وطلب العلم، قال تعال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}العلق . ويذهب الإسلام إلى أبعدمن ذلك في تكريم العلماء فيقول رسولنا الكريم: " إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ "أخرجه ابن ماجه والترمذي. فلا وجه إذاً لمقارنة الإسلام بالكنيسة فى هذا الصدد كما يفعل دعاة العصرنة (العلمنة) من الغربيين أو المستغربين الشرقيين.

6- تتفق الحقائق العلمية الثابتة التي توصل إليها العلم في العصر الحديث مع تفسير النصوص القرآنية الواردة فى تلك المجالات قبل أربعة عشر قرناً، ويفسر لنا سبب التقدم العلمي الهائل الذي تميزت به الحضارة الإسلامية في عصر قوتها الأولى.

7- أثبت الإسلام قدرته على التعامل مع كل المستجدات والمتغيرات الاجتماعية التي تطرأ على الحياة بفعل تغير الزمان والمكان بواسطة منهجه الفقهى المرن والمتعدد الوسائل (الأدلة الشرعية)، حيث يحتل العقل السليم الموضع اللائق به وبصفته مناط التكليف فى الإسلام، ويأتيفي المرتبة التالية بعد القرآن والسنة لكونه أساس الاجتهاد والطريق الرئيسي للإجماع والقياس وسائر الأدلة الأخرى مثل " المصالح المرسلة وسد الذرائع، ومعرفة مقاصد الشريعة ..............وغير ذلك مما يعرفه دارسو أصول الفقه الإسلامى .

8- الحرية السياسية المتمثلة فى حرية التعبير عن الرأي والمشاركة في الحكم مكفولة فى الإسلام، ومنصوص عليها فى القرآن الكريم، ومطبقة فىالسنة النبوية، وسنة الخلفاء الراشدين ،يقول تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران ، وقد أرسى الإسلام بذلك القواعد الأولى لنظام " ديمقراطي" تتعدد فيه المؤسسات والاختصاصات، يأتي على قمتها مجلس الشورى أو مجلس " أهل الحل والعقد " حسب التعبير الإسلامي.

9- كان الإسلام ولا يزال منفتحاً على الثقافات الأخرى، وكان على المسلمين التعامل والتفاعل باستمرار مع عناصر ثقافية غربية وجدها في البلاد التي فتحها، وأخذوا منها ما رأوا فيه فائدة، وتركوا غير ذلك دون خوف على هويتهم الإسلامية، وعملاً بقول رسولنا الكريم " الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا "أخرجه الترمذي في العلم ، وابن ماجة في الزهد .

10- يوجد في الإسلام جهاز مناعة ذاتية يبدأ العمل عندما يتخطى التأثير الخارجي حدود الإيجابية وينقلب إلى تغريب ثقافي يهدد استقلال الهوية الإسلامية، ولا يتوقف جهاز المناعة الذاتية عن العمل حتى يعيد التأثير الغريب إلى ما دون حد الخطر، ولقد عرف النبي $ هذا الخطر قبل حدوثه فأخبرنا قائلاً: " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا " أخرجه أبو داوود.

تضمنت هذه النقاط العشر أهم العناصر الإيجابية في التصور الإسلاميوالتي تصلح لأن تكون منطلقات قوية لتفاعل وتلاقح إيجابيين بين الإسلام والغرب في العصر الحاضر مثلما كان في عصر قوة الحضارة الإسلامية التي امتدت إلى ما يقرب من ثمانية قرون.

وفي المقابل هناك بعض الملحوظات على موقف الغرب أدت ولا تزال تؤدي-فينظري - إلى تأخر حدوث الوفاق والثقة والتعاون الجاد المثمر بين الإسلام والغرب، وأوجز هذه الملحوظات فيما يلي:

1- يبدو أن كثيراً من الباحثين والسياسيين والإعلاميين فى الغرب لم يعوا بعد أن كثيراً من الباحثين المسلمين أصبحوا يتقنون قراءة ما بين السطور وما تتضمنه بعض العبارات من مغالطات مغلفة بغلاف يظهرها في مظهر الحقائق الثابتة، وأن هؤلاء المسلمين قادرون على الرد المنهجى، والدليل على ذلك استمرار كثير منهم في تكرار ذات المغالطات الموروثة عن العصور الوسطى، والتي ثبت خطؤها عند كثير من الباحثين الجادين، أيضا في الغرب([6]). فلا بد من مراجعة جادة لهذا الموقف غير المنصف الذى لا يشجع على الحوار.

2-لعل الغرب لم يدرك بعد أن مرحلة الانبهار اللامحدود التي سادت لفترة طويلة بين المسلمين قد انتهت إلى الأبد، وحل محلها الرغبة الملحة في المساواة التامة، والاحترام المتبادل بين الطرفين.

3- للمسلمين وجهة نظر خاصة في تقييم التقدم العلمي الحديث حسب المفهوم الغربي، فيرى المسلمون أن التقدم العلمي الحديث قد اندفع في الاتجاه المادي مهملاً الجانب الروحيفي الإنسان، كما أن الغرب قد اقتطع لنفسه النصيب الأعظم من ثمار هذا التقدم، ولم يترك لغيره سوى الفتات الذي يجعلهم دائماً مرتبطين اضطراراً بالغرب.

4- إن الربط المتعسف بين التقدم العلمي وعصرنه (علمنة) الحياة العامة يكشف عن محورية فكرية غربية يريد الغرب فرضها على الغير دون اعتبار لاختلاف المنطلقات والتصورات الدينية والثقافية للغير، إن البحث الموضوعي في التاريخ الإسلامي يثبت بالقطع التلازم بين القوة السياسية وقوة تغلغل العقيدة وهيمنتها على الحياة العامة في العالم الإسلامى.

وفى المقابل فقد بدأ تصدع أركان الدولة الإسلامية مع بداية انحراف نظام الحكم عن هذا المنهج وخضوعه للأهواء والرؤى الشخصية والاندفاع في فصل الأمور العامة في مجال السياسة والاقتصاد والتشريع عن الدين، وقصره على الأمور الفردية الخاصة.

5- مما يؤسف له حقاً أن نجد الغرب يحتفي بكل من يتجنى ويتطاول على الإسلام بغير الحق، ويضفي عليه ما لا يستحق من ألقاب التكريم، فهو مفكر حر شجاع، وثائر على مظاهر التخلف المرتبط بالدين، وتنهال عليه الجوائز التقديرية من أكبر المؤسسات الأدبية، ويفسح له مجال التدريس في الجامعات الأوربية رغم ارتفاع نسبة البطالة بين الأكاديميين من الأوروبيين وما يستتبع ذلك من وسائل الحماية باهظة التكاليف ......إلخ.

لقد أصبح التطاول علي الإسلام أسرع وأقصر الطرق إلى الشهرة وكسب العيش في الغرب، رغم أن هؤلاء الذين أصبحوا فجأة من كبار المفكرين الأحرار والمناضلين المغاوير، كانوا قبيل هذا التطاول ضمن المغمورين من متوسطي الكفاءة العلمية.

6- لقد أثبتت التطورات السياسية في العقود الأخيرة أن حماس الغرب لتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان له حدود جغرافية وثقافية، فعلى سبيل المثال، عندما شرعت حكومة طالبان الجديدة في أفغانستان في تطبيق تعليمات متشددة على السيدات قامت منظمات حقوق الإنسانوالمنظمات النسائية بالمظاهرات المنددة لتلك الإجراءات، والتي طالبت فيها الحكومة الأفغانية بالرجوع عن تلك القرارات (الظالمة).

بينما كان رد فعل هذه المنظمات في غاية التواضع عندما كانت الاعتداءات الصربية والكرواتية الهمجية تحصد الآلاف من النساء والأطفال والرجال العزل من المسلمين فى البوسنة والهرسك على بعد بضعة أميال، وعلى مسمع ومرأى من العالم الغربى المتحضر- نصير حقوق الإنسان-وكذا ما حدث أخيراً في أبي غريب وكثير من مدن العراق ،كل ذلك وعلى مدى سنوات طويلة سيبقى في ذاكرة الأجيال القادمة من المسلمين.
7- إن تخوف الغرب من نظام حكم إسلامى قد يجد مبرراً له في النماذج السلبية الموجودة في بعض الدول الإسلامية، إلا أن النظرة الموضوعية لنظام الحكم الإسلامي الصحيح سوف تقوض كل أساس لهذا التخوف ويكفي لذلك أن تعاد قراءة التاريخ الإسلامي من جديد بموضوعية وتجرد صادق، خاصة تاريخ الحكم أثناء الخلافة الراشدة.

8-إن أكثر ما يقلق المسلمين في الآونة الأخيرة هو تركيز الإعلام الغربي بكل وسائله على إظهار الإسلام فى صورة العدو الجديد الذى يهدد الحضارة الغربية الحديثة، إتباعاً لمخطط عدائي صريح موجه ضد المسلمين، ترعاه جهات مخضرمة في العداء للإسلام، وعلى رأسها مؤسسات صهيونية ذات نفوذ ماليوسياسيوإعلاميفي الغرب. والإسلام بريء من هذا الاتهام الباطل ذي الأهداف المعروفة لكل مطلع في هذا المجال.

نقاط تلاق بين الإسلام والغرب:

رغم ما ذكر من نقاط اختلاف، ونقاط نقد، وتحفظات من جانب المسلمين على موقف الغرب من الإسلام في الماضي والحاضر، إلا أنني أجد نقاط التقاء أساسية وعديدة، لا تساعد فقط على إنجاح الحوار بين الإسلام والغرب بل يمكن أن تكون إكمالاً وتحدياً بناء للحضارة الغربية الحديثة، أوجز هذه النقاط فيما يلي:

1-أولاً وقبل كل شيء لم يكن الإسلام يوماً ما عدواً للحضارة الغربية، القديمة أو الحديثة، فضلاً عن قناعة المسلمين بوجود وضرورة وجود علاقات ثنائية متبادلة فى شتى المجالات، خاصة الثقافية والحضارية بين الإسلام و الغرب.

2- كل من الإسلام والحضارة الغربية يشجع البحث العلمي، ويؤمن بضرورة تطوير حياة الإنسان إلى الأفضل، إلا أن الإسلام يفرض ضوابط خلقية واجتماعية للبحث العلمي من شأنها أن تبقي على العلم خادماً للإنسان كي لا ينقلب عليه فيدمره، إلى جانب ضرورة الحفاظ على التوازن الطبيعي بين الإنسان والبيئة بكل عناصرها الطبيعية.

3- كل من الإسلام والغرب يحترم ويحمي الملكية الفردية، ويسعى إلى تحقيق أفضل استثمار للطاقات والموارد الطبيعية ويشترط الإسلام ألا يأتي ذلك على حساب فئة من البشر أو عنصر من عناصر الطبيعة، لذلك حرم الربا وأحل البيع، كما حرم الإسراف في استنزاف الموارد الطبيعية.
4-كل من الإسلام والغرب يؤيد ويحمي التعددية في الحكم، وحرية التعبير عن الرأي، الإسلام لا يعتبر المساس بالشعور الديني أو الأخلاقي للآخرين جزءاً من حرية الفكر أو التعبير عن الرأي فحسب، بل هو تعدٍ على حقوق الآخرين، يستحق فاعله العقاب العادل، وللإسلام تصور خاص عن التعددية، يتمثل في مجلس للشورى يضم ممثلين عن كل جماعات الأمة، يسمون أهل الحل والعقد، وقد اختلفت آراء الفقهاء فى مدى إلزامية رأي هذا المجلس، فمنهم من رأى أنه ملزم للحاكم، ومنهم من ذهب إلى أنه غير ملزم، والراجح أنه ملزم........................الأحكام السلطانية للماوردي ص 5-7.

5-استحدث الإسلام مؤسسة اجتماعية جديدة تعمل بالتعاون مع المؤسسات القانونية والأمنية المعروفة، على حفظ النظام فى الأماكن العامة والأسواق، تسمى " هيئة الحسبة" ومن أهم أهدافها درء الأسباب التي تؤدى- إذا أهملت- إلى وقوع المخالفات القانونية في الأماكن العامة مثل مخالفات الآداب، ومحاولات الغش بشتى أنواعه التجارية والإدارية، وما شابه ذلك من أمور قد تخفي على الجهات التقليدية المسئولة.

6- يحرص الإسلام- مثل الغرب - على ضرورة احترام وتطبيق حقوق الإنسان، ويؤكد الإسلام على ضرورة أن يشمل ذلك كل البشر بقدر متساو، وأن يراعى ذلك في حالات الحرب أو السلم، كما يشهد بذلك كثير من الآيات القرآنية، وأحاديث الرسول الكريم ووصايا الخلفاء الراشدين. يقول تعالى : {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}(190) سورة البقرة ، ويقول عز من قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(87) سورة المائدة ، ويقول أيضاً : {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(61) سورة الأنفال .

7- المحافظة على سلامة البيئة واجب شرعي على كل مسلم لأنه مستخلف من الله في الأرض لأعمارها، وسوف يحاسب الإنسان على كل ما جناه في حق البيئة التي خلقها الله وسخرها لخدمة الإنسان، فالمحافظة عليها واستثمارها بما ينميها ويزيدها قوة هو من واجب شكر النعمة، وفي القرآن الكريم آيات عديدة تؤكد هذا الواجب الشرعي ، يقول تعالى : {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (60) سورة البقرة. وقد روي عن الرسول الكريم $ أنه قال:" إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

8- يحرم الإسلام كل أنواع الظلم الاجتماعي، ويؤكد المساواة التامة بين البشر من حيث أصولهم، على اختلاف ألوانها وألسنتهم وأجناسهم ومستوياتهم الاجتماعية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(13) سورة الحجرات ، كما أنه وإن لم يحرم الرق بنص شرعي صريح، إلا أنه حبب في عتقهم، وجعله من كفارات الكبائر ، يقول تعالى : {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12)فَكُّ رَقَبَةٍ (13) }سورة البلد .

9- يتضمن مبدأ المساواة التامة بين البشر من حيث أصولهم تصوراً خاصا لما يسمى " قضية المساواة بين المرأة والرجل" فمما لاشك فيه أن وضع المرأة في كثير من البلاد الإسلامية،الذي يرجع إلى عادات وتقاليد جاهلية يرفضها الإسلام، يحتاج إلى مراجعة موضوعية عادلة تعطي المرأة حقها الشرعي الذي قسمه الله لها، متفقاً مع طبيعتها التي تختلف بلا شك في بعض الجوانب عن طبيعة الرجل، إلا أن هذا الاختلاف، كما أنه لا يبرر بأية حال سلب حقوقها الطبيعية والشرعية، لا يعفيها من القيام بواجباتها التى تتفق مع طبيعتها وفطرتها التي فطرها الله عليها، مثل واجب الأمومة الذي لا يدانيه في الأهمية أي وجب آخر لرجل أو امرأة، ويؤكد ذلك عديد من آيات الذكر الحكيم ، يقول تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (228) سورة البقرة، ويقول تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء ، وكثير من الأحاديث الشريفة ، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ". أخرجه الترمذي وغيره .
وصدق الشاعر حين قال :
"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق "

ومن حيث المبدأ، لم يحرم الإسلام على المرأة ممارسة أي عمل شريف لا يجبرها على تعدى حدود الشرع الخلقية، من حيث الملبس أو الاختلاط المشبوه مع الرجال غير المحارم.

وأفضل الأعمال بالنسبة للمرأة وأبعدها عن الشبهات، خارج المنزل، هي الأعمال التي تخص النساء والأطفال خاصة في مجال الطب والتمريض والتربية، ولا ينبغي أن يفهم من ذلك تحريم عملها في غير هذه المجالات طالما روعيت الضوابط الخلقية الشرعية المتفق عليها.

10- يدعو الإسلام (مثل المسيحية) إلى التسامح ويرفض كل أساليب الإكراه في الدين أو التعصب العرقي أو غير ذلك. قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }(256) سورة البقرة.

11-يدعو الإسلام، كما تدعو المسيحية، إلى التواد، والتراحم، والتكافل بين كل أفراد المجتمع فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير tماٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".أخرجه مسلم.

ويضمن ذلك في الإسلام نظام دقيق لتوزيع الحقوقى والواجبات داخلدوائر اجتماعية تبدأ من الأسرة، ثم الأقارب، ثم الجيران، ثم البلدة، ثم تتسع إلى أن تشمل كل أفراد المجتمع، بل والأمة الإسلامية كلها بمن يعيش فيها من غير المسلمين.

ويشرف على تطبيق ذلك مؤسسات بعضها رسمي مثل وزارة الأوقاف، وبعضها خاص تمول عن طريق ما يأتيها من أموال الزكاة والصدقات بكل أنواعها،قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(60) سورة التوبة.

12- يتضمن التصور الإسلامي كلاً من الجانب التشريعي للحياة، الذي اهتمت به أيضا اليهودية،والجانب الروحاني الذى ركزت عليه المسيحية، يتجلى ذلك في إجازته للعقاب على الخطأ من جانب، وحثه على مقابلة الإساءة بالعفو عند المقدرة، بل ومقابلة السيئة بالحسنة، بمعنى أن تحسن لمن أساء إليك، وقد ورد هذا المعنى في كثير من آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة ، يقول تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(34) سورة فصلت. وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْصِنِي ، قَالَ : " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، أَوْ أَيْنَمَا كُنْتَ " ، قَالَ : زِدْنِي ، قَالَ : " أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا " ، قَالَ : زِدْنِي ، قَالَ : " خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "..أخرجه أحمد والطبراني .


13- إن الحرية الإنسانية الحقيقية لا تتحقق في أجل معانيها إلا إذا أفرد الإنسان ربه بالعبودية الخالصة،لأنه بذلك لا يكون عبدا لأي إنسان، أو لأي مخلوق آخر فى الطبيعة ، يقول تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}(5) سورة البينة ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ؟!. قَالَ :أ"َنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ" متفق عليه . فهذه الطبيعة مسخرة للإنسان طالما هو يحسن استثمارها، وإعمارها كما أمره خالقه([7]).

وبعد... أرجو أن أكون قد وفقت إلى إيجاز أهم النقاط التي تتعلق بموضوع هذا البحث المتواضع الذى حاولت فيه التعريف بأهم نقاط الاختلاف، ونقاط التلاقىبين الإسلام والغرب وكذلك المنطلقات الإسلامية التى تصلح لأن تكون كلمة سواء، وقاعدة مشتركة يبنى عليها حوار بناء يحفظ لكل طرف حقه فى الاحتفاظ باستقلاليته وهويته الدينية والحضارية، دون المساس بحق الآخر فى الاستقلال الدينىوالحضاري.

فعندما كانت السيادة الإسلامية في أوج قوتها، خاصة في العصور الوسطى المسيحية، أغفلت التطورات الجذرية التي طرأت في الجانب الآخر وهو الغرب.

وقد حدث الشيء نفسه للدولة المغولية، ومن بعدها الدولة العثمانية، ولم تختلف الحال عن ذلك بالنسبة للدول الأوربية الاستعمارية في العصر الحديث وفى كل تلك الحالات كان الانحطاط الحضاري النتيجة المنطقية لغرور القوة والعظمة، ولم تتعلم اللاحقة من السابقة فذاقت كلها ذات المصير، وإنْ كان ذلك بنسب متفاوتة، فهل نتعلم نحن اليوم مسلمون وغير مسلمين من دروس التاريخ؟!!!.

إنني على ثقة تامة أن كلاً من المجتمعين الإسلاميوالغربي يمكن أن يكمل أحدهما الأخر ويصلا يداً بيد إلى حياة أكثر أمناً وسلاماً وعدلاً ورخاءً.


فعند أبي داوود سَألَ جُبَيْرٌ بنُ نُفَيرٍ ذا مُخبرٍ الحبَشي t عَنِ الْهُدْنَةِ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ثُمَّ تَرْجِعُونَ ".....أخرجه أبو داوود في سننه وصححه الألباني

إذاً الهدنة ( المصالحة الآمنة ) ممكنة من حيث الاستقراء الذي طرحناه عبر هذه الأطروحة ، وهي قادمة لا محالة من الناحية الشرعية حيث أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، ونحن نؤمن بما قاله صلى الله عليه وسلم إيماناً راسخاً ، ونستشهد على ذلك بما دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عدي بن حاتم رضي الله عنه ، فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ t قَالَ : بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ ، فَقَالَ : "يَا عَدِيُّ ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ "؟. قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا ، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ : "فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ" . قُلْتُ : فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ ؟. "وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى " .قُلْتُ :كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟. قَالَ : "كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ ، فَلَيَقُولَنَّ لَهُ : أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ ؟. فَيَقُولُ : بَلَى . فَيَقُولُ : أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا ، وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ ؟. فَيَقُولُ: بَلَى . فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ " . قَالَ عَدِيٌّ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". قَالَ عَدِيٌّ : فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ. أخرجه البخاري في صحيحه .
بقي أخي القارئ الكريم أن تعرف أن عدي بن حاتم t يوم أن جرت معه هذه الحادثة كان نصرانياً !!!!.

ولكن ما الكيفية المناسبة لهذا الحوار ؟


أولا: بساطة المعنى ووضوح الفكر

يستند الحوار المثمر مع غير المسلمين على البساطة فى اللفظ، والوضوح فى المعنى، واليسر فى الدين، ولهذا لم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس. وأحيا الأخلاق، ورفع من شأن الفضيلة فى زمن قياسي كما فعل محمد بن عبد اللهr، من خلال نشاط تبين من خلاله أن فهم الدعوة الإسلامية لا يحتاج إلى مقدرة عقلية وملكات ذهنية كبيرة، وإنما يرجع ذلك إلى طبيعة هذا الدين الذى يخاطب فطرة الإنسان، ويتعامل مع ظروفه، ويلبي رغباته، ويعالج قضاياه، ويرد على تساؤلاته، ويربط في تناسق وانسجام، بين ما يتضمنه من حقائق وواقع الحياة، فمشكلات الناس وقضاياهم، يجدها الإنسان معروضة بصورة مبسطة، سهلة الفهم والاستيعاب فى القرآن الكريم، وفى سنة الرسول r.

ثانيا: حوار يستند إلي منطق العقل ويقوم على الحجة البالغة

لقد كتب الله فى سننه أن يكون منطق العقل تاج هذه الحياة الإنسانية يستطيع اكتناه غاية ما تستطيعه الإنسانية من أسرار الكون، كما كتب الله فى لوح هذا الوجود أن يقوم نبي الإسلام داعياً إلى الحق بمنطق العقل هو ومن اتبعه.

وقد جعل الإسلام العقل حكماً في كل شيء، فمن ربى على التسليم بغير عقل، والعمل بغير فقه، فهو قاصر الإيمان، حتى لو كان عمله صالحاً، فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل القصد منه أن يرتقي عقله وترتقي نفسه بالعلم، فيعمل الخير لأنه يعرف أنه خير ويترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته.

والحوار يجب أن يحترم العقل الإنساني ، ويقدر الفكر البشري ويضع الحجج العقلية والأساليب المنطقية على رأس طرق التفاهم والنقاش والجدل المفيد.

وما أكثر الآيات القرآنية التي تطلب من الإنسان أن يفكر ويتدبر، ويطلق عقله ليستنبط به، ثم يعتبر من خلال النظر إلى ما حوله من ظواهر طبيعية وحقائق علمية، يؤكد ذلك ما قاله الله تعالى: { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(32) سورة الأعراف ، وقال :{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (174) سورة الأعراف ، وقال : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(24) سورة يونس، وقال : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(28) سورة الروم.

وتشير كافة الأدلة والبراهين على أن الإسلام دين يقوم على المنطق، ويستند إلى البرهان في مخاطبة الناس جميعا المسلمين منهم وغير المسلمين، وقد أمر الله بالمحافظة على العقل لعظم شأنه وضرورة الحاجة إليه، لأن فقده يعنى فقد شخصية الإنسان، ولأن الإخلال به يؤدي إلى التخبط والضلال، فحرم كل ما يؤثر عليه من المسكر والمفتر، ووضع عقوبة قاسية لمن ينتهك حرمته.

والحوار مع غير المسلمين يجب أن يستبعد أسلوب الأهاجة والإثارة ، لأن هذا الأسلوب وإن حقق بعض أغراضه لدى جماهير المسلمين، إلا أنه لا يصلح لمخاطبة غير المسلمين، ولعله من غير المنطقي مخاطبة غيرالمسلمين بالحجج القرآنية والنهج النبوى، والسبيل الوحيد للحوار معهم هو الأدلة العقلية، والأمثلة الحياتية، والحجج المنطقية

ثالثا: الحوار بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن

الحوار بالكلمة الطيبة يأتى فى مقدمة طرق التفاهم مع غير المسلمين،لأن هذه الكلمة هى التى تحمل للناس البشرى، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والصواب، ولا تسيء إلى أحد، ولا تعنف أحداً، وهى الكلمة الرقيقة التي تلمس القلوب فترق لها، وتخالط النفوس فتهش لها وتفرح بها، وهى البلسم الشافي يداوى الجروح، ويخفف الآلام، ويشفي النفوس.

وإمعانا في التسامح والرفق والرحمة والصبر حث الإسلام على التحلي بحسن الخلق، وسماحة النفس، ولين القول، والإعراض عن اللغو فى الحديث، وعدم التجاوز فى القول، وقد نهج محمد بن عبد الله rهذا النهج، مجسداً كل معانيه، سواء مع المسلمين أو غير المسلمين ملتزماً في ذلك بأوامر الله جل وعلا الذى حثه على اللين والرقة فى معاملته للجميع.
رابعا: التدرج المرحلي في الحوار.

التدرج هو واحد من أبرز المناهج المناسبة للحوار بين المسلمين وغيرهم،لاسيما أصحاب الديانات السماوية الأخرى نظرا لوجود مساحة مشتركة من التفاهم بين الإسلام والعقائد الأخرى، وهنا يجب أن يبدأ الحوار بالعواملالمتفق عليها، ويتدرج بعد ذلك حتى يصل إلى القضايا الخلافية، يجب أن تعتمد عليها وسائل الإعلام فى مخاطبة غير المسلمين.

ولعل رعاية الإسلام للتدرج هى التى جعلته يبقى على نظام الرق الذى كان سائدا فى العالم كله عند ظهور الإسلام، ولو تم إلغاؤه مرة واحدة لأدى ذلك إلى زلزلة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فكانت الحكمة فى تضييق روافده ما وجد إلى ذلك سبيل، وتوسيع مصارفه إلى أقصى حل، فيكون ذلك بمثابة إلغاء للرق بطريق التدرج (20).

وبعد... وفى ضوء هذه الحقائق فإننا نستطيع أن نجمل هذه الركائزالتى يقوم عليها المنهج الإسلامي في الحوار مع غير المسلمين وذلك فى النقاط التالية:
1- أن الحوار مع غير المسلمين ضرورة حياتية لتحقيق التفاهم والتعاون والتقارب بين المسلمين وغيرهم.
2- نتحمل كمسلمين أهمية كبيرة في توضيح القيم الإسلامية البناءة لأصحاب الديانات والعقائد الأخرى وتصحيح الصورة الذهنية التي تروج لها الوسائل المغرضة لتشويه هذه الصورة وإحداث الفتنة بين المسلمين وغيرهم.
3- يؤكد الحوار على تأكيد المبادئ النبيلة التى يحث عليها الإسلام لتحقيق العدل والتكافل والتضامن والخير للناس جميعاً.




( [1] ) أخرجه أحمد في مسنده ، والبيهقي في شعب الإيمان . عن أبي هريرة .

( [2] ) رغم أني أتحفظ بشدة على مسألة أن العالم الإسلامي والعرب شرق فمن أين جاء هذا التصنيف ؟
الواقع هذا واحد من الأسباب التي تدعوك للغضب من العالم العربي المسلم الذي سمح لغيره أن يصنفه هذا التصنيف ، من قال أننا شرق ، والله تعالى يقول في كتابه الكريم : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (92) سورة الأنعام ؟!!! ..............فكيف تكون أم القرى والمقصود بها مكة شرقاً ؟!!!!

( [3] ) مستشرق حاقد .

([4] ) لقد قامت مؤسسة Pew Global Attitudes بإجراء هذا الاستطلاع في 31 دولة, من بينها الولايات المتحدة, في الفترة من 31 مارس- 14 مايو 2006.

([5] ) سبق بيان مكان ونوع هذا الاستطلاع .

[6] ) ) انظر : التوحيد والنبوة في حوار المسيحية والإسلام - للسيد الشاهد – ط. بيروت 1994

( [7] ) التوحيد والنبوة والقرآن في حوار المسيحية والإسلام للسيد محمد الشاهد
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ألمانيا: مفكرة تقويم يومي تحمل رسوم مسيئة للمسلمين والعرب مزون الطيب الإسلام في أوروبا 0 09-03-2012 03:37 PM


الساعة الآن 05:51 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22