بسم الله الرحمن الرحيم

 

أثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة

في العقيدة

مدخــل:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فقد عقد في الفترة ما بين السبت 12 شوال سنة 1405هـ الموافق 29/6/1985، والأربعاء 16 شوال الموافق 3/7/1985 مؤتمر التراث الحديثي الذي دعت إلية جمعية إحياء التراث الإسلامي بدولة الكويت وقد تضمن هذا المؤتمر عدة محاضرات كان منها محاضرة بعنوان "أثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة في العقيدة" والتي تقدم نصها للقراء في هذه الرسالة وذلك تعميما لفائدتها؛ وتنبيها للأخوة المسلمين في كل مكان إلى خطر الحديث الضعيف والموضوع على عقيدتهم ودينهم، وبيانا لأثر السلف الصالح في حفظ الدين، وحديث رسول رب العالمين، وتسلميه إلى من بعدهم نقيا طيبا طاهرا كما جاء به الرسول الأمين، وفي ذلك توجيه إلى أجيالنا المعاصرة لتحذو حذو السلف في صيانة هذا الدين العظيم من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وحتى نكون بعون الله وقوته من الطائفة الذين قال فيهم النبي الكريم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

والحمد لله رب العالمين

عبدالرحمن عبدالخالق

الكويت في يوم الخميس

28 من ذي القعدة سنة 1405

الموافق 15/8/1985

 

 


 

مقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

فالمقصود بالعقيدة هنا أصول الدين، ومسائل الاعتقاد وقضايا التوحيد.

1- العقيدة أساس الدين:

ومعلوم أن العقيدة بالنسبة إلى مجمل الدين، كالأساس والدعامات بالنسبة للبناء، فمن أرسى بناءه على أساس راسخ، ودعام ثابت استقام بناؤه وقام، ومن ألقى بناءه على غير أساس، أو على أساس باطل مغشوش انهار البناء، كما قال الله سبحانه وتعالى في أعمال الكفار "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا" أي عمل ظنوه صالحا من صدقة وعتاقة، وبر، وصلاة وصيام وحج ولكن لما كانوا مشركين بالله، ظانين به ظن السوء، مكذبين ببعض رسله جاحدين لبعض صفاته، فإن الله أهدر عملهم ولم يلق له بالا كما جاء في حديث الصحيحين "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار".

وما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي غيري، تركته وشركه".

ومعلوم أن الله أبطل عمل النصارى لقولهم الذي قاتلوه لعيسى، وحكم تبارك وتعالى بكفرهم وضلالهم في ذلك قال تعالى "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، وكفر اليهود أيضا لمعتقدهم السيئ في ربهم كما قال تعالى"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا" وقال أيضا "وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله" الآية، ورد الله عبادة مشركي العرب من صلاة وصيام وحج وعتاقة وتقديس للبيت لما كان اعتقادهم في الله سيئا حيث ظنوا أنه لا يستطيع إعادتهم بعد أن يكونوا رميما، وحيث أشركوا معه في العبادة الملائكة وبعض الصالحين وأوثانا وأصناما.

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعة ؟ قال "لا ينفعه أنه لم يقل يوما: رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين" فبين صلى الله علية وسلم أن إنكار عبد الله ابن جدعان للبعث أحبط عمله "الصالح" وكان رجلا جوادا كريما في الجاهلية يطعم الحجاج ويصل الرحم وينصر المظلوم، وأصرح من هذا ما رواه مسلم أيضا عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال "نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح"، ومعلوم أن نصرة النبي والقيام معه من أجل الأعمال الصالحات ولكن لما كان ذلك مع البقاء على الشرك، ومعتقد الجاهلية كان هذا محبطا العمل العظيم.

والخلاصة أنه لا ينفع مع الشرك بالله، وفساد العقيدة عمل صالح مطلقا، وهذا يعني أنه يجب على كل عامل أن يصلح عقيدته أولا، وأن يحافظ أبدا على معتقد سليم حتى يلقى الله وهو على ذلك.

2- الضلال في العقيدة قريب وموجود في كل أمة ووقت:

والأمر الثاني الذي يجب التفطن إلية أن الضلال في العقيدة أمر قريب وواقع وموجود، فاليهود قد كانوا أمة عظيمة في زمن موسى وهارون أثنى الله عليها بقوله "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" ومع أنهم شاهدوا من آيات الله ما لم تشاهده أمة غيرهم، كعصا موسى ويده وانفلاق البحر، وغير ذلك من آيات عظيمة باهرة إلا أنهم اشتاقوا لعبادة الأصنام وظنوها شيئا نافعا بمجرد خروجهم من البحر ونجاتهم من عدوهم، قال تعالى "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى أجعل لنا إلها كما لهم آله" بل إنهم عبدوا العجل فعلا، اعتقدوه ربهم لما تركهم رسولهم أربعين يوما فقط، علما أن نبيهم هارون كان في وسطهم، كما قال تعالى "واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسد له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا" ولاشك أن ضلالهم بعد موسى وهارون كان أعظم من هذا بكثير.

وهؤلاء النصارى ما كاد الله يرفع رسولهم عيسى إلى السماء حتى جعلوه الله أو ابنا لله أو تجسيدا لكلمة الله، وعقدوا المؤتمرات تلو المؤتمرات لكبار رجال دينهم والتي انتهت إلى جعل هذا الشرك دينا رسميا وعقيدة عامة.

وبالرغم من أن أصحاب محمد صلى الله علية وسلم أفضل أصحاب الأنبياء وأبعدهم عن الشرك وضلال العقيدة إلا أنه كان منهم من قال يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، "فقال رسول الله ردا على ذلك: الله أكبر أنها السنن، قلتم والذي محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة".

وكذلك كان منهم من قال "ما شاء الله وشاء محمد" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا ما شاء الله وحده".

ولا شك أن هذا شيء يسير جدا إذا قورن بما وقع في الأمتين السابقتين اليهود والنصارى ولكن ما كاد الجيل الأول من هذه الأمة يذهب جيل جديد حتى بدأ الفساد الحقيقي في العقيدة، وبدأ التحول، فمنكرو القدر ظهروا وكثير من الصحابة ما زال حيا بل جاء من قال لعلي بن أبي طالب: أنت الله !!! بل قال عبدالله بن سبأ لمن أخبر بمقتل على بن أبي طالب رضي الله عنه "والله لو جئتم لنا برأسه ألف مرة ما صدقنا موته ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا".

يقول الشهرستاني: السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي أنت أنت يعني أنت الإله فنفاه إلى المدائن وزعموا أنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول يوشع بن نون فتى موسى مثل ما قال في على –عليه السلام- وهو أول من قال بالفرض بإمامة علي، ومنه انشعبت أصناف الغلاة، وزعموا أن عليا حي لم يقتل وفيه جزء إلهي ولا يجوز أن يستولي عليه، وهو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه سينزل بعد ذلك فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وأظهر ابن سبأ هذا المقال بعد انتقال علي عليه السلام "الملل والنحل ج 2 ص 11".

وكذلك ظهر مبكرا أيضا من الضلال في العقيدة تكفير المسلم بالمعصية، واستحلال دمه بغير الشرك والردة، وإنكار بعض سور القرآن من الخوارج والطعن في الصحابة ثم بدأت البدع العقائدية والانحراف عن أصول الدين السليمة يجر بعضه بعضا فظهر إنكار الصفات؛ صفات الله وتحريف آيات القرآن وأحاديث الرسول، ولم يكد ينتهي القرن الثالث الهجري حتى ظهر مالا يخطر على البال من عقائد الشرك والوثنية والزندقة وكل ذلك تحت مظلة الإسلام ومن يدعون أنهم من أهل الإله إلا الله، ونظرة في كتب الملل والنحل وكتب التواريخ تريك إلى أي حد ظهر الضلال العقائدي في هذه الأمة من القول بحلول الله في مخلوقاته وفنان المخلوق بالخالق ذاتا وصفاتا والقول بوحدة الوجود التي هي في حقيقتها إنكار للخالق المتفرد البائن من خلقه المستوي على العرش إلى إنكار لصفات الله، أو تشبيه له بخلقه، إلى الغلو في الرسول والصالحين وعبادتهم من دون الله إلى تكفير الصحابة والطعن في القرآن إلى طغيان الخرافة على الدين الصحيح، إلى أمور يطول شرحها وبيانها من ضلال في المعتقد وأصول الدين لم تبلغه أمه من الأمم.

وهذا يعود إلى أسباب كثيرة من أهمها أن هذه الأمة الإسلامية قد جمعت شعوبا شتى وأهل ملل مختلفة وجاهليات عديدة وقد حطم الإسلام دولا عظمى وداس مقدسات شعوب كانت تعتز بتراثها الجاهلي فحقد من حقد منهم، وأعملوا في الإسلام تشويها ونشرا للكفر تحت ستار الإسلام، وعلى كل حال كان هذا مصداقا لقول صلى الله عليه وسلم "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". السلسلة الضعيفة 3/1492

ولعل الفارق الأساسي بين الأمة الإسلامية وبين الأمم السابقة أن هذه الأمة بقيت منها طائفة عظيمة وفرقة كبرى وسوادا أعظم على الدين الصحيح والعقيدة النقية بما حفظ الله القرآن وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

وأن هذا العطب والفساد قد يبدأ قليلا بكلمة تافهة من شخص مغمور ولكنها إن لم تجد ردا فأنها سرعان ما تنتقل من شخص إلى شخص ومن جيل إلى جيل حتى تصبح عقيدة راسخة ودينا متبعا، وهنا نعلم لولا الحراسة الدائمة والقيام الدائب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدس الحق واختفى النور وعمت الظلمات.

3- أسباب الضلال في العقيدة وطرائق المضلين:

ولا شك أن الظلال في العقيدة قد أتخذ طرائق شتى وأساليب كثيرة فهنالك الزنادقة والمنافقون الذين أرادوا أن يلبسوا على الناس دينهم فعمدوا إلى تأويل القرآن على غير وجهه، وإلباس عقائد الكفر والشرك لباس الإسلام فاستشهدوا بآيات القرآن وأحاديث سيد الأنام، على الشرك والكفر والباطل وألحدوا في أسماء الله وصفاته وتبعهم في ذلك عوام الناس وسقطهم وأهل الضلال منهم من لا يميز بين حق وباطل وشرك وتوحيد وصحة وفساد، وهناك أهل الهوى والعصبية ممن أعماهم هواهم وعصبيتهم فردوا بعض الحق انتصروا لبعض الباطل، وهنالك المتنطعون المتشددون الذين تطرفوا في أمر من أمور الدين فأعماهم عن مقابلة، كما تطرف من أرادوا تنزيه الله فوقعوا في نفي صفاته، وتطرف أهل الإثبات فشبهوا الله بخلقة، وتطرف من يثبت كرامة الله لبعض عباده فأعطوا صفات الله للمخلوق وتطرف أهل الغيرة على صفات الله وأسمائه فنفوا بعض إكرامه لبعض عباده، وهكذا يحول الشخص من ضد إلى ضد.

4- انتحال الحديث أعظم أبواب الضلال والشرك:

ولاشك أن من أكبر أساليب الكيد والمكر للإسلام وأهله، وأكبر أبواب الضلال والشر انتحل حديث النبي واختلاقه وخاصة إذا كان موضوع هذا الانتحال هو في مسائل العقيدة وأصول الدين، وذلك أن قول النبي تشريع وما يخبر به عقيدة يجب الإيمان بها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة وهو حديث متواتر جاء عن أكثر من ستين صحابيا، فقول الرسول عقيدة وشريعة وتصديقه واجب والعمل به فرض لازم كما قال تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال تعالى"أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لمن وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما" والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.

والمهم هنا هو التنبيه أن انتحال الأحاديث ونسبتها إلى الرسول يعني بالضرورة إدخال ما ليس من الدين في الدين وقد عمد كل خبيث إلى هذه الطريقة المدمرة للدين بعد أن يئس من إدخال شيء في القرآن الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظه، ولا يخلط بكلمة غيره، فقد حفظه الصحابة وكتبه كتبة الوحي وسهر عليه الرسول حتى بلغه، ثم كتب في سفر واحد ونشر في الأمصار فكان إدخال ما ليس منه مستحيلا تماما كما قال تعالى "أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون" وأما السنة فقد تأخر جمعها وتدوينها في سفر واحد حتى ظهر الكذابون والوضاعون وهم أصحاب أهواء وغايات مختلفة، فنشروا أباطيلهم وأعملوا كيدهم واستفحل خطرهم وشرهم ومما يزيدك بيانا في هذا معرفة أسباب الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- أسباب الوضع والكذب على رسول الله:

أ- فقد كان أول هؤلاء هم الزنادقة الملحدون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ووضعوا الأحاديث استخفافا بالدين وتلبيسا على المسلمين، قال حماد بن زيد بن درهم الأزدي: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث، وقال ابن عدي: لما أخذ عبد الكريم بن أبي العوجاء وأتي به محمد بن سليمان بن علي فأمر بضرب عنقه قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث.

وقد كان لهؤلاء الزنادقة أساليب خبيثة لدس أكاذيبهم، قال ابن الجوزي: وقد كان من هؤلاء من يتغفل الشيخ فيدس في كتابة ما ليس من حديثه فيرويه ذلك الشيخ ظنا منه أنه من حديثه.

ب- والصنف الثاني من هؤلاء أصحاب الأهواء والعصبيات المختلفة فمنهم أصحاب الفرق العقائدية، كالروافض والخوارج ومنكري الصفات وكل هؤلاء كان منهم من يستحل الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنصرة مذهبه وترويج اعتقاده، بل ظهر هذا الكذب أيضا في طوائف من المقلدين والمتفقهة من أتباع المذاهب الفقهية المعروفة فوضعوا الأحاديث نصرة لمذهبهم وطعنا في أئمة غيرهم، وكذلك كان الوضع بين كل متعصب لبلد أو قوم أو شخص نصرة لعصبية .

ج- وصنف ثالث من أهل الزهد والتدين الجاهل وضعوا الأحاديث ترغيبا في فضائل الأعمال بزعمهم وترهيبا من النار وكلما استحسنوا قولا لقائل نسبوه إلى الرسول ظنا أن هذا يفيد الدين ويرغب الناس فيه ويزيدهم تمسكا به، ولاشك أن هذا كان أعظم الكذب وأخبثه لأن أمر هؤلاء كان أكثر خفاء، لأنه لا يظن بهم السوء، وقال ابن الصلاح: وأشد هذه ضررا أهل الزهد لأنهم للثقة بهم، وتوسم الخير فيهم يقبل.

موضوعاتهم كثير ممن هو على نمطهم في الجهل ورقة الدين، وقال الحافظ بن حجر: ويلحق بالزهاد في ذلك المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي.

د- وأما الصنف الرابع فهو قوم لم يتعمدوا الكذب وإنما وقع الموضوع في حديثهم غلطا كمن يضيف إلى النبي كلام بعض أصحابه، وكمن أبتلى بمن يدس في كتبه ما ليس منها، كما وقع لحماد بن سلمة وهو ثقة عابد مع ربيبه الكذاب عبد الكريم بن أبي العوجاء فقد دس في كتبه، وكما وقع لسفيان بن وكيع بن الجراح قال ابن حجر في التقريب: كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه فأدخل عليه ما ليس بحديثه أ.هـ. وكمن تدخل عليه آفة في حفظه أو بصره أو يختلط بآخر عمره. ولا شك أن هذا الصنف الرابع من أخفى الأصناف ومن أشدها ضررا.

قال ابن حجر: وهذا الصنف أخفى الأصناف لأنهم لم يتعمدوا الكذب مع وصفه بالصدق ومع ذلك فالضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد، وأما باقي الأصناف فالأمر فيهم أسهل لأن كون تلك الأحاديث كذبا لا يخفى إلا على الأغبياء أ.هـ.

ولما تعددت أصناف الوضاع والكذابين والمنتحلين والمخطئين على هذا النحو فإن البلوى بوضع الحديث عمت وطمت وانتشر الحديث الموضوع في كل ناحية وفن من فنون العلم: انتشر في الوعظ على ألسنة القصاص والوعاظ وعلى ألسنة العامة تبعا لذلك وانتشر في كتب الفقه والعقائد والتفسير والتاريخ والسير والمغازي والوعظ وقد كان كثير ممن ألف في ذلك ليس من أهل التمييز بين الروايات الصحيحة والضعيفة، بل إن بعض المحققين جاء في كتبهم ومؤلفاتهم شيء من هذا الحديث المكذوب تسهلا منهم وإن كانوا أحيانا وإن كانوا أحيانا يبينون كذبه، كما وقع لابن جرير في تفسيره، وابن كثير، فكيف بما يوجد في الخازن والكشاف وغير ذلك، بل دخل بعض الموضوع أيضا في كتب السنن والمسانيد وهي كتب وضعت لجمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان سننه وهكذا لم يسلم باب من أبواب العلم الشرعي إلا ودخل فيه شيء من الضعيف والموضوع ففي أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وتكوينه وفي الرسالات وفي الملائكة والجنة والنار والكتب وفي جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأخلاق وحدود وهكذا لا يكاد يخلوا كتاب واحد من كتب التراث إلا ودخل فيه شيء من الضعيف والواهي من الأحاديث بل من المكذوب والموضوع والمختلق اللهم إلا كتبا يسيرة محصت تمحيصا دقيقا وأجمعت الأمة على أن ما فيها صحيح سليم ثابت كصحيح البخاري ومسلم.

6- حفظ الله لحديث رسوله:

وبالرغم من أن البلوى كانت على هذا النحو عظيمة فإن الله الرحمن الرحيم بهذه الأمة المحمدية كما حفظ عليها قرآنها كذلك حفظ عليها سنة نبيها وذلك أن السنة مبينة القرآن وشارحته "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"، ولذلك لما قيل للإمام عبد الله بن المبارك "هذه الأحاديث الموضوعة" قال: يعيش لها جهابذة "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

وقال الإمام ابن الجوزي: لما لم يمكن أحد أن يدخل في القرآن ما ليس منه أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه ما لم يقل فأنشأ الله علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح وما أخلى الله منهم عصرا من الأعصار غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب، وبالفعل فقد كان حملة الحديث هم حماة الدين حقا وجهابذة الأمة صدقا، قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض، وذكر الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا، نعم لقد نشأ في الأمة الإسلامية علماء الحديث الذين كانوا جبالا في الحفظ وأوعية عظيمة للعلم لم تعرف أمة قط مثلهم حفظا وتدقيقا ونقدا وتمييزا للأخبار وتفتيشا وراء كل كلمة حتى يعرف مخرجها والناطق بها، وهذا من خصوصيات هذه الأمة المرحومة.

ومن أجل ذلك عمد المحققون من المحدثين في كل عصر إلى تخليص حديث النبي مما انتحله الوضاعون وافتراه الكذابون أو أخطأ فيه المغفلون الجاهلون وقد كان عملهم في هذا الصدد موجها في السبل الآتية:

7- الخطوات التي اتبعها علماء الحديث من أجل حفظ السنة:

أ- وضع القواعد وتنظيم أعظم علم عرفته البشرية في نقد الأخبار وتمحيصها وتحقيقها وهو ما يعرف بعلم مصطلح الحديث.

ب- جمع ما صح من أحاديث النبي صلى الله علبه وسلم في كتب مستقلة كما فعل مالك بن أنس في الموطأ والبخاري ومسلم في صحيحيهما.

ج- تعقب المؤلفين المشهورين الذين تساهلوا في النقل الأحاديث وأوردوها في مؤلفاتهم سواء كانت مؤلفاتهم في التفسير أو الفقه أو المواعظ والحكم أو الحديث كما فعل ابن حجر في كتاب الكشاف للزمخشري وهو تفسير مشهور فجاء ابن حجر فخرج أحاديثه، وكما فعل الحافظ العراقي في إحياء علوم الدين حيث خرج الأحاديث الواردة فيه وبين درجة كل حديث في كتابه المسمى "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار"، وكما فعل ابن حجر العسقلاني في كتابه" تلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير" وكما فعل الحافظ الزيلعي في كتابه "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية". والهداية كتاب في الفقه الحنفي، وكما فعل شيخنا ناصر الدين في كتاب تخريج فقه السنة لسيد سابق، وفقه السيرة لمحمد الغزالي وغير ذلك من الكتب المشهورة.

د- تصنيف معاجم مستقلة للضعفاء والمتروكين والكذابين للتحذير منهم وبيان مرتباتهم وما أخطئوا فيه، ومن أشهر ما ألف في ذلك كتاب "الضعفاء" للبخاري، و"الضعفاء والمتروكون" للنسائي، و"الضعفاء والمتروكون" لابن السكن، وكذلك للحافظ البرقي ولأبي حاتم البستي والعقيلي، وكتاب الكامل لابن عدي و"الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي، وكذلك كتب العلل التي تتبعت الأحاديث التي ظاهرها الصحة وباطنها المرض والضعف وقد ألف في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وأبو بكر بن الأثرم، والدارقطني وكثيرون آخرون.

هـ-  كتب ومصنفات أفردت الأحاديث الموضوعة بالتأليف:

وهذه كثيرة جدا ومن أشهرها: الأباطيل لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الهمداني الجوزي المتوفى سنة 543 هجرية، والموضوعات الكبرى لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجرية، واللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لمحمد بن يوسف الدمشقي المتوفى سنة 942 هجرية، وهذا العنوان نفسه للشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة لابن عراق المتوفى سنة 963 هـ، والأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة لشيخنا وأستاذنا محمد ناصر الدين الألباني أمد الله في عمره.

8- الوضاعون والكذابون يجتمعون على هدف واحد:

ذكرنا آنفا أن الوضاعون والكذابين كانوا فرقا شتى متباينة وكانت لهم أهداف مختلفة ولذلك شملت الأحاديث الواهية كل نواحي العقيدة والتشريع تقريبا، فوضع الشيء ونقيضه ومدح الشيء وضده.

وبالرغم من كل ذلك فإن هذا كله قد أفضى في النهاية إلى هدف واحد وغاية واحدة وهو تشويه الدين وتخريب العقائد، وجعل البدعة سنة، وجعل السنة بدعة، والإساءة إلى رسول رب العالمين بنسبة التناقض والركاكة إليه، وتعليق الأقوال الساقطة أو المنكرة بشخصه الشريف، وجعل الدين مجموعه من الخرافات والخزعبلات ولبس الحق بالباطل، وتفسير كتاب الله بما يجعله عند عامة الناس خرافة وأساطير، وكأن هؤلاء الوضاعين والكذابين قد اتفقوا حول هذه الغاية الواحدة والهدف الواحد، وفي النهاية ظهر الإسلام بمظهر مشوه غريب، لا تمييز فيه بين شرك وتوحيد ولا بين بدعة وسنة، ولا بين حقيقة وخرافة، بل ولا بين معقول ولا معقول.

 

نماذج من أثر الحديث الضعيف والموضوع في تخريب العقائد

أولا: في أسماء الله وصفاته وتوحيده:-

ففي مجال أسماء الله وصفاته افترى الوضاعون والكذابون أحاديث كثيرة نسبوها إلى الرسول كحديث "قيل يا رسول الله مم ربنا قال "من ماء ممرور لا من أرض ولا من سماء خلق خيلا فأجرها فعرقت فخلق فسنه من هذا العرق"" ابن الجوزي في الموضوعات 1/105، ابن عراق في تنزيه الشريعة 1/134

وحديث نزول الله على جمل يوم عرفه، وعروج الله إلى السماء من صخرة بيت المقدس ونصه "لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل بقبر أبي إبراهيم فقال يا محمد انزل فصل ههنا ركعتين ثم مر بي ببيت لحم فقال يا محمد انزل فصل ههنا ركعتين فإن ههنا ولد أخوك عيسى، ثم أتى بي إلى الصخرة فقال يا محمد من هنا عرج ربك إلى السماء!!" قال ابن الجوزي: وذكر كلاما طويلا أكره ذكره أي من شناعته على الله سبحانه وتعالى، وأحاديث كثيرة في الحجب التي بين الله وعباده ذكرتْها كتب الموضوعات كلها اتهم فيها عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن جده وهب بن منبه، قال الدراقطني: عبد المنعم وأبوه متروكان، وحديث "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني" قال شيخ الإسلام ابن تيميه: موضوع ليس من كلام النبي ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف وتبعه الزركشي، والحافظ ابن حجر في اللآلئ والسيوطي وغيرهم وقال الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني "وهو واقع كثيرا في كلام الصوفية وبنوا عليه أصولا لهم" كشف الخفا 2/132 قلت: هذا الحديث وحديث "من عرف نفسه عرف ربه" وهو حديث موضوع كذلك ذكره السيوطي في ذيل الموضوعات وقال فيه الإمام النووي ليس بثابت وشيخ الإسلام ابن تيميه قال موضوع، وذكره شيخنا محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم 66 وقال: لا أصل له، أقول هذان الحديثان هما عمدة المتصوفة من أهل وحدة الوجود القائلين بأنه لا يوجد في الكون إلا الله وما المخلوقات إلا مظاهره، فالإنسان مظهر ومجلى لله على حد تعبيرهم، ومعنى "من عرف نفسه عرف ربه" عندهم أي يعنون من علاف نفسه عرف أنه الله أي صورة من صوره لأنه في عقيدتهم الباطلة يتجلى في هذه الموجودات المتعددة ولذلك قال قائلهم "سبحاني" "وما في الجبة إلا الله" وقال:

أنـا هـو هـو أنـا            ونحن روحـان حلا بدنـا

وقال فريد العطار:

ومـا الكـلـب إلا ألهنـا         ومـا الله إلا راهب فـي كنيسة

وهذه عقيدة كفرية مظلمة لم يبلغها اليهود والنصارى بل كفروا بشيء يسير جدا مما فيه فاليهود نسبوا عزيرا وحده الله، والنصارى كذلك نسبوا عيسى وحده لله أو قالوا ثالث ثلاثة، وأما هؤلاء فقد أنكروا الله جملة وتفصيلا وجعلوه هو عين مخلوقاته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وقد استدلوا كذلك بما كذبوه على الرسول "ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن" ذكره الغزالي في الإحياء، وقال الحافظ العراقي لم أر له أصلا، وقال شيخ الإسلام ابن تيميه هو مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف، قلت: وقد أولّه ملاحدة الصوفية أن الله لم يعرفه على الحقيقة إلا من عرف أنه لا وجود إلا هو، وهذا هو المؤمن عندهم والعارف الذي اكتشف الحقيقة !! وقد فصلنا هذه العقيدة الخبيثة ونقلنا عبارات المتصوفة أنفسهم في شرحها وبيانها في كتاب"الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة" وقد استندوا في عقيدتهم الباطلة هذه وأيدوها بهذه الأحاديث المكذوبة التي لا يعرف لها إسناد وإنما كتبوها في كتبهم وجرت بعد ذلك على ألسنة العامة، ومازال كثير من الكتاب والخطباء يذكرون هذه الأحاديث دون فهم لمقاصد الذين افتروها دون علم بما تنطوي عليه، ومن الأحاديث التي أثرت تأثيرا سيئا في العقائد حديث "يوشك الكفر أن يدخل من دار إلى دار ومن ربع إلى ربع ومن بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة فقيل كيف ذلك يا رسول الله؟ قوم يحدون الله حدا، فيصفونه بذلك الحد" ذكره صاحب تنزيه الشريعة ونسبة إلى الديلمي وقال وسنده ظلمات، وفية ضعفاء وكذابون. أ.هـ

وقد أدى هذا إلى ترك تعلم صفات الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وذلك تجهيلا للأمة بصفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده ليعم بعد ذلك الكفر والجهل به سبحانه وتعالى، وقد جرى على الألسنة حديث مكذوب آخر في هذا الصدد هو "عليكم بدين العجائز" ذكره الشيخ علي القارئ في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة وقال بعده: قال السخاوي: لا أصل له بهذا اللفظ، وقال الزركشي: رواه الديلمي عن ابن عمر بلفظ "إذا كان آخر الزمان واختلف الأهواء فعليكم بدين البادية" "النساء" وسنده واه بل قال الصنعاني موضوع وهذا الحديث والذي قبله احتج بهما من رأى التفويض في أسماء الله وصفاته، زاعما أن الرسول أمر بذلك وأن هذا مسلك السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، والحال أن هذه أحاديث لا أصل لها، ولما بلغ هؤلاء توهين الإيمان بالله على هذا النحو جعلوا الاعتقاد في أي شيء نافعا ورووا في ذلك حديث "لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه" قال ابن تيميه: موضوع، وقال الشيخ على القاري قال ابن القيم: "هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار" وقال ابن حجر العسقلاني: لا أصل له ونحو "من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك" انظر تعليق ناصر الدين السلسلة ص 67 ج 1

قال ناصر الدين: موضوع وذكره في السلسلة الضعيفة تحت رقم 451.

ولا يخفى أن هذا الحديث والذي قبله يفتح باب الشرك على مصراعيه لأنه يجعل ميزان الاعتقاد هو النفع بل الاعتقاد نفسه، فكل من أعتقد في شيء وظنه نافعا حتى لو كان حجرا جعله الله كذلك، وكل من أتاه نفع من عقيدة ما كان هذا اعتقادا صحيحا، ومازالت هذه حجة عبدة القبور والمشاهد أنهم يجدون في ذلك نفعا كما قال بعضهم: "قبر أبي العباس المرسي ترياق مجرب!!" وقالوا زرنا قبر فلان ودعوناه وشفي مريضنا وانقضت حاجتنا، والحديث يقول كذا، وكذا. وهكذا أصبحت هذه الأحاديث الباطلة التي لا أصل لها سندا ومتكئا لشرك الألوهية الذي ما جاءت الرسل إلا للتحذير منه، ولا شك أن تتبع هذا شيء يطول جدا والمقصود ههنا هو التمثيل والتدليل فقط وبيان جنس المنهج الذي انتهجه من أراد هدم العقيدة الإسلامية.

ثانيا: في حقيقة النبي:

وأما بالنسبة للنبي فإن الوضاعين والكذابين قد ألفوا من الأحاديث ما حرف العقيدة الخالصة في الرسول فقد زعموا أنه أول خلق الله ظهورا في الوجود وأنه مخلوق من نور الله وأن ما خلق سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا إلا من أجله.

وجعلوه داعيا للناس إلى دعائه والتوسل به إلى الله، وأن من حج ولم يزر قبره فقد صلى الله عليه وسلم فقد جفاه، بل جعلوه هو الله المستوي فوق العرش وأنه الذي أنزل القرآن!! وقسم آخر من الوضاعين افتروا عليه أحاديث في الطعم والشراب والجماع والطب أرادوا بذلك عيب النبي وشينه وتحقيره أمره وبالتالي إسقاط رسالته و وحيه وإليك بعضا مما فعل هؤلاء وهؤلاء:

"خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق أمتي من عمر وعمر سراج أهل الجنة"، تنزيه الشريعة 1/337 وعزاه لأبي نعيم وقال فيه أبو نعيم هذا باطل، وقال الذهبي في الميزان هذا كذب وتلافة عندي من أحمد بن يوسف المسيحي.

الحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأنبياء، قال: يا جابر أن الله تعالى خلق قبل الأنبياء نور نبيك من نوره، فجعل هذا النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر، فخلق من الجزء الأول القلم ومن الجزء الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الجزء الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول السموات ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الجزء الثالث الجنة والنار، وقسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم نظر إليه فترشح النور عرقا فتقطرت منه مائتا ألف قطرة وعشرين ألفا وأربعة الآلف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست روح أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، والكروبيون من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نائح نوري ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور وهو الجزء الرابع ثم أنتقل منه شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين، وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين. أ.هـ

وقد نقلناه بتمامه لنبين مدى الكذب والكفر والهذيان وهذا الحديث هو عمدة الصوفية فيما زعموه واعتقدوه ونشروه أن الرسول هو قبة الكون، وهو أول الوجود، وأنه جزء من نور الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وأن كل المخلوقات خلقت بأجزاء منه، بل قال ابن العربي أن الرسول هو الذي استوى على عرش الله حيث يقول بالنص "بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني وهو العرش الإلهي" - الفتوحات المكية ج1 ص152، وقد شرح هذه العبارات القاشاني شارح فصوص الحكم وحديث جابر المكذوب هذا هو الذي جاء متأخروا المتصوفة وبنوا عليه أن القرآن أنزله الرسول من فوق سبع سماوات وأن محمدا هو الذي أعطاه جبريل في السماء واستلمه في الأرض!! يقول محمد عثمان عبده البرهاني في كتابه تبرئة الذمة في نصح الأمة: ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم استغراب سيدنا جبريل عليه السلام مما قاله لجابر "أن أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" سأل الرسول جبريل قائلا: يا جبريل كم عَمّرت من السنين؟ فقال جبريل: يا رسول الله لست أعلم غبر أنه في الحجاب الرابع نجم يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ورأيته سبعين ألف مرة، فقال صلى الله عليه وسلم: وعزة ربي أنا ذلك الكوكب.. ثم سأل الرسول جبريل عن المكان الذي يأتي منه الوحي؟ فقال: حينما أكون في أقطار السموات والأرض أسمع صلصلة جرس فأسرع إلى البيت المعمور فأتلقى الوحي فأحمله إلى الرسول أو النبي فقال الرسول له: اذهب إلى البيت المعمور الآن واتل نسبي" فذهب جبريل مسرعا إلى البيت المعمور وتلا نسب النبي قائلا "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب… فانفتح البيت المعمور ولم يسبق أن فتح من قبل ذلك فرأى جبريل النبي بداخله!! فتعجب فعاد مسرعا إلى الأرض فوجد الرسول في مكانه كما تركه مع جابر فعاد بسرعة خارقة إلى البيت المعمور فوجده صلى الله عليه وسلم هنالك، ثم عاد مسرعا إلى الأرض فوجده مازال جالسا مع جابر فسأل جبريل عليه السلام جابرا قائلا: هل ترك رسول الله مجلسه هذا؟ فقال جابر: كلا يا أخا العرب فإننا لم ننته بعد من الحديث الذي تركتنا فيه!! فقال جبريل للنبي: إذا كان الأمر منك وإليك فلماذا تَعَبِي؟ فرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلا: للتشريع يا أخي جبريل، وتلا قوله تعالى "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما" وأضاف "كل هذه الأدلة توضح أن القرآن وهو أكبر معجزة للنبي كان عند النبي قبل البيت المعمور وقبل جبريل وهو والخلق جزء من كل أ.هـ. تبرئة الذمة ص 100 –101"، قلت: وليس بعد هذا الكفر والزندقة كفر ولا زندقة، بل ولا هذيان وكل هذا الذي جعلوه أحاديث ما هو إلا افتراءات لا أصل لها ولا توجد في ديوان معلوم من دواوين السنة بل كتبها المتصوفة ونقلوها ودونوها وزعموا أنهم ينصحون بها الأمة والعجب أن هذا الكتاب ظهر في مصر منذ عشر سنوات، وقد أفتى العلماء بكفر من يعتقد ما فيه ووجوب منع نشره ولكن العجب أنه طبع طبعات أخرى ومازال يوزع في كل مكان !!

ومن جملة الأحاديث الواهية التي أستند إليها من يؤمن بهذه العقيدة الباطلة "كنت أول النبيين في الخلق وأخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم" السلسلة الضعيفة برقم 661، وحديث "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" ذكره صاحب تنزيه الشريعة وقال بعده: قال ابن تيميه موضوع، أنظر السلسلة الضعيفة 302، 303، وكذلك حديث أن عبد الله بن مسعود قال: بينما أنا عند رسول الله أقرأ عليه حتى بلغت "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" قال: يجلسني على العرش، قال ناصر الدين: باطل ذكره الذهبي في العلو من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن الأشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود وقال الذهبي: هذا حديث منكر لا يفرح به، وسلمة هذا متروك وأشعث لم يلحق ابن مسعود "السلسلة الضعيفة رقم 865".

وقسم آخر من أهل الشرك والخرافة جعلوا النبي حيا في قبره يطلب من الناس زيارته والتوسل به إلى الله، ودعائه من دونه سبحانه وتعالى... وافتروا في ذلك أحاديث منها "توسلوا بجاهي فجاهي عند الله عظيم" وهو حديث لا أصل له قط في كتب من كتب السنة، كما قال شيخ الإسلام بن تيميه، وكذلك حديث "من زار قبري وجبت له شفاعتي" وحديث "من زار قبري كنت له شفيعا، ومن زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة" ذكرها جميعا الشوكاني في الفوائد المجموعة، وقال عقب الحديث الأخير: قال ابن تيميه والنووي أنه موضوع لا أصل له. وقال السيوطي في الذيل: وكذا ما روي بلفظ "من لم يزرني فقد جفاني"، قال الصنعاني: هو موضوع وكذا بلفظ "من حج ولم يزرني فقد جفاني" أ.هـ. الفوائد 117-118، وهذه الأحاديث الواهية هي عمدة من يرى مشروعية واستحباب شد الرحال إلى قبر النبي ومن يراها فريضة كفريضة الحج وأنه يطلب من النبي عند قبره كما يطلب من الله وتركوا لذلك العمل بحديث الصحيحين "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" ولم يفقهوا أن نية زيارة المدينة يجب أن تتوجه لمن يشد الرحال للصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وليس لزيارة قبره.

من أرادوا شين النبي صلى الله عليه وسلم:

وأما الوضاعون الذين أرادوا شْين النبي فإنهم وضعوا عليه أحاديث في الأطعمة والأشربة يناقضون بها ما صح عن الرسول في ذلك ويعيبون بها النبي كحديث "ربيع أمتي العنب والبطيخ"، "ومن أكل فوله بقشرها أخرج الله منه من الداء مثلها"، "الباذنجان شفاء من كل داء"، "الباذنجان لما أكل له"، "أكل السمك يذهب الجسد" وحديث "إن الله خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته" وحديث "عليكم بالعدس فإنه مبارك، وإنه يرق القلب، ويكثر الدمعة، وأنه قد بارك فيه سبعون نبيا" وحديث "بئست البقلة الجرجير" وحديث "لو كان الأرز رجلا لكان حكيما" وحديث "الأرز مني وأنا من الأرز" "أنظر تنزيه الشريعة 235-267" ونحو هذا من السخافات والهذيانات التي وضعها الوضاعون وألصقوها بسيد المرسلين ومن بعثه الله رحمة للعالمين وهاديا للخلق أجمعين، وهذه الأحاديث التي استغلها من يريد الطعن بالرسالة المحمدية قديما وحديثا، كما أخبرني بعض الطلاب ممن درس في جامعات تبشيرية أن القس الذي كان يدرس لهم كان يقول لهم: رسولكم كان يقول لو كان الأرز رجلا لكان حكيما. وهذا لا يصدر من نبي!!

ولما كان الطلاب لا يعرفون أن هناك حديثا صحيحا وآخر مكذوبا ما كانوا يستطيعون جوابا، وترك هذا في أنفسهم ما ترك، ولو رحنا نتتبع الخرافات والخزعبلات التي ألصقت بالرسول لا تسع الأمر جدا، وحسبك الوقوف على بعض الكتب التي ألفت في الموضوعات لتعلم أي البلاء حل بعقيدة الأمة من جراء المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثا: في العصبيات والأهواء:

وأما في باب العصبيات والأهواء والكيد لأهل الإسلام، فإن الوضاعين قد ملئوا الأرض بكذبهم في هذا المجال، قال أبو الحسن علي بن محمد بن عراق صاحب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة المرفوعة: قال الجليل في الإرشاد قال بعض الحفاظ: تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل البيت فزاد على ثلاثمائة ألف أ.هـ.

ومن هذا الموضوع ما رواه الخطيب في تاريخ "10/356-358" بإسناده إلى بن مالك مرفوعا "أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء" وقال بعده: هذا الحديث موضوع من القصاص. وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه. أ.هـ.

وحديث "خلقت أنا وعلي من نور، وكنا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام" ثم خلق الله آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال ثم جعلنا صلب عبد المطلب، ثم شق أسماؤنا من اسمه فالله محمود وأنا محمد والله الأعلى وعلي علي، قال الإمام الشوكاني: بعد أن أوردوه وهو موضوع وضعفه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان وكان رافضيا وضاع، وحديث "من لم يقل علي خير الناس فقد الكفر" قال الشوكاني رواه الخطيب والمتهم به محمد بن كثير الكوفي، وحديث "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب" -الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 348– وحديث أن الرسول أمر الشمس أن تعود لعلي لما فاتته صلاة العصر -الفوائد 350-، وحديث "النظر إلي علي عبادة" وحديث "اسمي في القرآن والشمس وضحاها، واسم علي والقمر إذا تلاها، واسم الحسن والحسين والنهار إذا جلاها واسم بني أمية والليل إذا يغشاها" -الفوائد ص 359- قال الشوكاني: رواه الخطيب في السابق واللاحق عن ابن عباس مرفوعا وهو موضوع وقال الذهبي في الميزان: هذا خبر كذب، وحديث "لما عرج إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي" قال في الذيل: هذا باطل اختلاق بين، وقوله لعلي "غسلت النبي فشربت من ماء محاجر عينيه فورثت علم الأولين والآخرين" – الفوائد 983، وحديث ابن عباس "سألت الرسول عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب علي" –تنزيه الشريعة ج1 ص395– وهذا مثله كثير جدا لا تسعه هذه العجالة وإنما المقصود التذكير بأن هذا ومثله كان السبب في نشأة الفرق العقائدية، وتمزيق الأمة المحمدية، وإكفار بعضها بعضا وكل هذه مسائل أصولية وليست فرعيات عبادية وعملية ولا شك أن انتحال الأحاديث ووصفها كان الدعامة التي عمد إلية أهل الأهواء لتأصيل ما أصلوا، ولاعتقاد ما اعتقدوه.

رابعا: الأحاديث الموضوعة والخرافة:

عمد الوضاعون إلى تصوير عالم من نسيج خيالهم، وبنات أفكارهم المريضة، ونفثات صدورهم الخبيثة المليئة بالحقد على الإسلام وأهله، وذلك صرفا للناس عن دين ربهم وتشويها لجمال الإسلام، وتخليطا، واكتسابا للمال الحرام من العامة وشرح هذا أمر يطول وإنما نذكر بعض ما دونته أيديهم الآثمة في ذلك، فمن ذلك زعمهم أن الله خلق ملائكة السماء الأولى على صورة بقرة، الثانية على صورة العقبان، والثالثة على صورة الناس والرابعة على صورة الحور العين، والخامسة على صورة الطيور، والسادسة على صورة الخيل المسومة، والسابعة حملة العرش الكروبيون. ذكره صاحب تنزيه الشريعة 213 وعزاه لأبي الشيخ في العظمة. وزعموا أن هاروت وماروت كانا ملكين ألقى الله عليهما الشبق وأن امرأة من أهل الأرض فتنتهم فوقعوا بها فمسخ الله كوكبا في السماء فهي الزهرة المعروفة وأن هذين الملكين اختارا عذاب الدنيا. المرجع السابق 209. وافتروا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لله تعالى ديكا براثنه في الأرض السفلي وعرفه تحت العرش ويصرخ عند مواقيت الصلاة، وتصرخ له ديك السماء وديكه الأرض سبوح قدوس رب الملائكة والروح. تنزيه الشريعة189. وجعلوا المجرة لعاب حية تحت العرش فرووا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معاذ أني مرسلك إلى قوم أهل كتاب فإذا سئلت عن المجرة التي في السماء فقل لهم هي لعاب حية تحت العرش. ونسبوا كذلك له صلى الله عليه وسلم أنه قال: وكل بالشمس تسعة ملائكة يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته. السلسلة 293. وأن الأرض على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش، والحوت على كاهل ملك قدماه في الهواء وأن العنكبوت مسخ. تنزيه الشريعة 210. وأن سهيل النجم المعروف كان عشارا يسمو الناس في الأرض بالظلم فمسخه الله وأن النخلة من فضل طينة آدم وأن الله خلق جبلا يقال له "قاف" محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي القرية فيزلزلها ويحركها ثم تتحرك القرية دون القرية وأن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور رأسه تحركت الأرض، والموضوع في هذا الباب لا يكاد يحصى كثرة وكلها تصب عند مصب واحد وهو تخريب العقائد وتشويه الإسلام، وشين رسول الأنام.


 

خامسا: الأحاديث الموضوعة في القرآن:

لعل أخطر ما دمرته الأحاديث الواهية من العقائد هو تشويه القرآن، وهو ما رامه وابتغاه أهل الأهواء من صرف الناس عن كتاب الله وتفسيره بالخرافات والخزعبلات والأهواء، وجعل القرآن كتابا فقط للتعاويذ والتطبيب من أمراض الأجسام وتصوير القرآن أنه كتاب خرافات وأساطير وليس كتابا منزلا من الحكيم الحميد سبحانه، وإليك بعضا من افتراء هؤلاء الوضاعون على القرآن، وللأسف أن يعتمد أهل التفسير حتى لا يكاد يخلو تفسير واحد أن يناله شيء من ذلك، ناهيك بتفاسير لم تعتمد إلا كل خرافة وجهالة تفسر بها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفة، فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكره بعض المفسرين عمن سماه عوج بن عنق الطويل وفي هذا الحديث "أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثين ذراع" وأن نوحا لما خوفه الغرق قال له أتحملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته، وانه خاض البحر فوصل إلى حجزته فقط، وأنه كان يأخذ الحوت من عمق البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضخهم بها فوضعها الله في عنقهمثل الطوق. قال ابن القيم الجوزية: ولا ريب أن هذا وأمثاله من وضع الزنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل وأتباعهم. أ.هـ. الأسرار المرفوعة 484. وكذلك في تفسيرهم لقوله تعالى "قالوا يا موسى أن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها" أنهم العماليق وأن سبعين رجلا من قوم موسى استظلوا في قحف رجل واحد منهم، وأن موسى لما نزل قريبا من أريحا في فلسطين بعث أثني عشر رجلا من بني إسرائيل ليتعرف خبرهم فهالهم ما رأوه من هيئتهم وجسمهم وأنهم دخلوا في بستان أحد العماليق فجاء فتتبع أثارهم ثم حملهم في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم ونثرهم مع الفاكهة أمامه. وللأسف أن يذكر ابن جرير مثل هذا الهراء في تفسيره، فإذا كان العماليق على ذلك النحو من العظم والكبر فهل كانت حبة البرتقال في ذلك الوقت في حجم رجل من قوم موسى؟! ومن ذلك نسبتهم الشرك إلى آدم وحواء في تفسير قوله تعالى "فجعلا له شركاء فبما آتاهما فتعالى الله عما يشركون" وقد مضى بك تفسيرهم لقوله تعالى "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" قال يجلسه على العرش.

ومن أسخف خرافاتهم في هذا ما رووه أن سفينة نوح قد طافت بالبيت سبعا وصلت خلف المقام ركعتين وآفة هذا الحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الحاكم: وأبو نعيم روى عن أبيه أحاديث موضوعة.

وتفسيرهم قوله تعالى "وحملناه على ذات ألواح ودسر" قالوا الدسر خمس مسامير، مسمار باسم الرسول، والثاني باسم علي والثالث باسم فاطمة ورابع باسم الحسن وخامس باسم الحسين، وأن الرسول قال: الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها. "تنزيه الشريعة 1/250"

وأن إبراهيم لما وضع في النار لم يسأل الله وقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي. وتفسيرهم قوله تعالى "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو" أن الرسول ذكر إبليس فقال: رأيته الساعة أدخل ذنبه في دبره فأخرج سبع بيضات فأولدها سبع أولاد: فولد موكل بالفقهاء ينسهم الذكر ويغريهم بكثرة الوضوء والثاني موكل بالنعاس في المساجد والثالث بالأسواق.. قال الحافظ بن حجر ظاهر الوضع. وأن النملة التي كلمت سليمان كانت في حجم الذئب، ولم يع هؤلاء الأغبياء أن الله سبحانه وتعالى قد قال عن تلك النملة "لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون" فكيف لا يشعر سليمان وجنوده أنهم يقتلون نملا في حجم الذئاب!!

إلى خرافات وخزعبلات يضيق بها المقام عمن سموه هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس الذي كان مفسدا في الأرض ثم تاب وكان مع نوح ثم هود ثم صالح ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم مات الرسول ولم يمت "تنزيه الشريعة 1/250".

إلى خرافات في الإسراء والمعراج في تفسير ابن مردوية ، مكذوبة على ابن عباس في صفة السموات سماء سماء وأن الأولى من دخان والثانية من حديد والثالثة من نحاس والرابعة من فضة.. الخ

إلى تلاعب عجيب بالقرآن وفي تفسير قصة آدم بأبجد هوز حطي كلمن.. الخ، حيث يروون حديث "لكل شيء سبب وليس أحد يفطن له، وأن لأبي جاد حديثا عجيبا. أما أبجد فأبى الطاعة وجد في أكل الشجرة، وأما هوز فهوى من السماء إلى الأرض، وأما حطي فحطت عنه الخطايا، وأما كلمن فأكل من الشجرة ومن عليه بالتوبة.. الخ، قال الإمام الشوكاني بعد إيراد طرف من هذا الحديث المفترى في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: أخرجه ابن جرير في تفسيره واستطرد قائلا: وهذا من الكذب الذي لا يصدر عن أجهل الجاهلين وأقبح المفترين، وحاشا ابن عباس وأهل طبقته ومن بعدهم أن يتكلموا بمثل هذا، فمن رواه في مؤلفه مغترا به غير عالم ببطلانه فهو أجهل من واضعه أ.هـ. "الفوائد المجموعة 463" ولا شك أن الشوكاني قد أغلظ هنا القول جدا وابن جرير لم يسكت عن هذا وكان يروي مثل هذا للتحذير منه، ولكن لا شك أن الأولى والأحرى أنه لا يجوز أن يلتفت إلى مثل هذه الروايات الساقطة خاصة وأن هناك من يغتر بها ممن يظن أن كل سواد في بياض يعد علما وأن كل ما سمي حديثا فهو حديث، وأن مثل هذا قد يتبعه من يحبون غرائب القصص والخرافات ليوهموا العامة أنهم من أهل العلم والجمع، والحاصل أن كتب التفسير قد شحنت بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والروايات الواهية، بل قيل في بعض التفاسير فيه كل شيء إلا التفسير!! ولا شك أن هذه الروايات الواهية قد أعدمت نفع القرآن وهدايته عند من يحسن الظن بها، بل جعلت القرآن كتاب خرافة بدلا من أن يكون كتاب هداية وتبصير، بل زادوا على ذلك بأن جعلوا القرآن لكل شيء إلا الهداية فزعموا أن الرسول قال: خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم. وهو حديث لا أصل له مطلقا "سلسلة الأحاديث الضعيفة 557". ولذلك عمد المتصوفة ومن على دربهم لجعل كل آية من القرآن لشفاء مرض من الأمراض فلوجع الرأس يقرأ "وله ما سكن في الليل والنهار" وللأورام يقرأ "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا" وللحبلى المتعسرة في ولادتها يقرأ "وتضع كل ذات حمل حملها" ونحو هذا من الهذيان يجعل في كتب ويقال أن هذا أمر مجرب والرسول يقول "خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم" أ.هـ.

ولا شك أن ارتباط الآيات القرآنية الحكيمة بمثل هذه الأمور يصرفها عن معانيها التي أنزلت من أجلها ويحول القرآن من كتاب هداية وتربية وتبصير إلى كتاب عبث ولعب واستهزاء وأكل لأموال الناس بالباطل، ولا شك أن كل ذلك تشويه للمعتقد.

خاتمة

العقيدة بمعناها الواسع:

بعد فأرجو أن أكون بهذا البيان قد ألقيت أضواء على خطورة الأحاديث الضعيفة والمكذوبة على عقيدة الأمة، ولعل هذا الباب من أبواب الشر، أعني الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان ومازال هو أعظم أبواب الشر التي فتحت على الأمة، ولا شك أن أول ضرر عقائدي من الحديث الموضوع المكذوب هو استحلال الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن مستحل الكذب كافر، وكذلك من كان هدفه من الكذب إفساد الدين وصد الناس عن رسول رب العالمين، وأدنى من ذلك ما كان من أجل أهداف دنيوية أو لعصبية جاهلية، وقد نص العلماء على أن هذا كبيرة من الكبائر.

ولقد رأينا أن الحديث الضعيف والموضوع قد كان ومازال المستند لمعظم الانحرافات العقائدية، هذا إذا نظرنا إلى ما وضع في العقائد فقط، فكيف إذا نظرنا لعقيدة بمعناها الواسع الشامل، وهو النظر إلى الجانب في كل أمر ونهي تشريعي، فإننا سنجد أن دائرة الشر التي سببتها الأحاديث الضعيفة والواهية متسعة جدا ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:

فالذكر مثل الصلاة والطهارة وعمل الخير كل ذلك من فروع الدين ومسائلة العملية والأحاديث الواهية والمكذوبة فيه قد يتساهل بعض الناس فيها على أنها تحث على الخير ولذلك يؤخذ بها في فضائل الأعمال، ولكنهم ينسون أحيانا الجانب العقائدي في هذه الأحاديث وهو ما يقترن بها عادة من الثواب والعقاب ممن قرأ حديث "من أغتسل من الجنابة حلالا أعطاه الله عز وجل مائة قصر من درة بيضاء وكتب له بكل قطرة ثواب ألف شهيد" الموضوعات 2/84، وحديث "يا علي غسل الموتى فإن من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت منها على الخلائق لوسعتهم" نفس المرجع السابق، وحديث "إن شهر رجب عظيم، من صام منه يوما كتب الله له صوم ألف سنة ومن صام يومين كتب له صيام ألفي سنة، ومن صام ثلاثة أيام كتب له صيام ثلاثة آلاف سنة، ومن صام من رجب سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ومن صام منه خمسة عشر يوما بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله عز وجل" الموضوعات 2/84، 85.

وحديث "من عطس فقال: الحمد لله على كل حال ما كان من حال وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته أخرج الله من منخره الأيسر طائرا يقول اللهم اغفر لقائلها".

وحديث "من صلى علي صلاة تعظيما لحقي جعل الله عز وجل من تلك الكلمة ملكا له جناحَ في المشرق وجناحَ له في المغرب ورجلاه في تخوم الأرض وعنقه ملوي تحت العرش يقول الله عز وجل: صلي على عبدي كما صلى على نبيي فيصلي عليه إلى يوم القيامة". تنزيه الشريعة 331.

ونحو هذا آلاف كثيرة كلها على هذا المنوال الساذج من ترتيب ثواب عظيم جدا على عمل قليل ولا شك أن هذا مفسد للاعتقاد لأنه يؤدي في النهاية إلى توهين العمل بالشريعة ونفي الحكمة عن الخالق، بل قد أدت هذه الأحاديث فعلا إلى القول بسقوط التكاليف عند من رأى نفسه قد بلغ من الله مثل هذا الثواب الذي لا ثواب بعده على مثل هذه الأعمال اليسيرة.

 ولا شك أن ما في كثير من هذه الأحاديث الضعيفة من ركاكة اللفظ وسخافة السياق ومخالفة المعقول ومعارضة القرآن والتناقض والاختلاف نظرا لتباين وتناقض أهداف الوضاعين، فالذين ألفوا في مدح العرب غير الذين جعلوا معاوية خير الناس وهكذا، والذين جعلوا أبا حنيفة سراج الأمة قد جعلوا الشافعي وهو مجمع على إمامته أضر على أمة محمد من إبليس، وهكذا قد أدت هذه الأحاديث الضعيفة الواهية وهي في فروع الدين وليست في أصوله إلى الطعن في الرسول ونَسَبتْ إليه التناقض وركاكة العبارة وكل ذلك طعن في العقيدة وتشويه للإسلام، وهذه جميعها في النهاية صوارف عن التمسك بالدين والالتزام بالحق والعزوف عن الإسلام.

 


 

كلمة أخيرة:

هكذا كان الحديث الضعيف بلاء كله سواء منه ما كان في العقيدة، أو ما كان في الفضائل والعمل وأن المحصلة النهائية أن كل حديث ضعيف وموضوع يلثم ثلما في الإسلام، ويضع نقطة سوداء على ثوب أبيض، ويدخل جاسوسا غريبا بين جند مخلصين ويقيم بدعة تنافس سنة وتزيحها، ولذلك كان علماء الحديث هم حراس الدين وقادة الأمة كما قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض. أ.هـ، وهم كذلك أصحاب الرسول في كل وقت وحين كما قال قائلهم:

أصحاب الحديث هم أصحاب النبي وإن       لم يـصحبـوه أنـفاســه صـحبـوا

 وأختم كلمتي بكلمة جامعة وشهادة صادقة للشيخ مصطفى السباعي حيث يقول:

ولولا أن هيأ الله لدينه العلماء الأثبات الأئمة الحفاظ من كل مصر وعصر يذبون عن شريعة الله تحريف المحرفين، ويجردون سنة رسول الله من كل ما خالطها من دس وتحريف، لكانت المصيبة شاملة، ولكانت معالم الحق في دين الله مطموسة، لا نستطيع أن نهتدي إليها إلا بشق الأنفس، وهيهات أن نصل إلى اللباب الحق لولا نهضة السلف الجبارة التي قاوموا بها الوضع والوضاعين، وحفظوا بها حديث رسول الله من الكذب والكذابين إلى يوم القيامة أ.هـ. "السنة ومكانتها في التشريع 89".

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء المرسلين ومن أرسله الله رحمة للعالمين، وقائدا للغر المحجلين، و سيدا للبشر أجمعين .

 

 

 

***************

****

****