هل استعان الرسول بأحبار اليهود فيما أوحي إليه من القرآن ?

 

من الشبه التي أُثيرت حول القرآن الكريم، شبهة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعان في كتابة القرآن الكريم ببعض أحبار اليهود ورهبان النصارى؛ وهذه الشبهة ذات صلة وثيقة..
 

من الشبه التي أُثيرت حول القرآن الكريم، شبهة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعان في كتابة القرآن الكريم ببعض أحبار اليهود ورهبان النصارى؛ وهذه الشبهة ذات صلة وثيقة بشبهة كنا قد تحدثنا عنها في مقال سابق لنا، تقول: إن القرآن الكريم كان من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بوحي من الله سبحانه وتعالى. وقد بينا في ذاك المقال تهافت تلك الشبهة، وأنها لا تقوم على سند عقلي ولا نقلي .

ونقول في الرد على هذه الشبهة - موضوع مقالنا - إن محاولة إيجاد أي علاقة بين النص القرآني - وهو نص إلهي - والاستعانة بعناصر من أهل الكتاب، هو نوع من القول الخرافي والأسطوري، الذي يكذبه الواقع التاريخي والدليل العقلي .

وبيان ذلك، أن المشركين من أهل مكة - قد دأبوا على أن يجدوا أي صلة أو علاقة تدل على كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه؛ ولو صح لديهم أو شاع عندهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعين ببعض أهل الكتاب لكانت تلك فرصتهم، وحجتهم القوية على أنه غير صادق فيما جاء به من الوحي. ومن الثابت تاريخياً أن اتهامات المشركين - بمن فيهم اليهود - لم يكن فيها أنه استعان بعناصر من أهل الكتاب، مع أن الفرصة أمام اليهود والنصارى كانت سانحة لهم ليوجهوا له مثل هذه الاتهام، أَمَا وإنهم لم يفعلوا ذلك - مع توافر الدواعي - دل على أن هذه المقولة كاذبة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة .

ثم على فرض أن هذا الإدعاء لم يكن أهل مكة يعرفونه، فمن المفروض أن مصدر الاستعانة - لو صح هذا - وهم أهل الكتاب كانوا موجودين زمن البعثة المحمدية، بدليل أن بعض وفود أهل الكتاب قد جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل إلينا التاريخ أن أحداً منهم أعلن أن محمداً أخذ عنهم أو استعان بهم .

بل أكثر من هذا وذاك، فإن الخلافات والنـزاعات التي جرت بين اليهود ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة كانت دافعاً مغرياً لإعلان كذبه - حاشاه - فيما يدعيه، من أن الوحي يأتيه من السماء، وكان ثمة فرصة لإشاعة أنهم هم الذين علموه القرآن، أو على الأقل ساعدوه في تأليفه، وهذا ما لم يحدث، ولو حدث ذلك لتناقلته الأخبار، ولسارت بأمره الركبان .

وكما ذكرنا في غير هذا الموضع، من أن أسلوب الرجل يدل عليه، ويخبر عن صفاته وشمائله، وأن الشمائل والصفات التي عُرف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وشبابه، لتدل دلالة قاطعة على كذب هذه الفرية...فهل يُعرف بالكذب من كان يُلَقب بالصادق الأمين، وهل يُعرف الكذب ممن كان مرجعًا للقبائل، فيما اختلفت فيه وتنازعت عليه، ثم لو كان صلى الله عليه وسلم كذاباً أو مفترياً أكانت تكون له هذه المكانة بين قومه، تلك المكانة التي أقر له الجميع بها. والحق الذي لا يقبل غيره هو أن شخصية اتصفت بتلك الصفات والشمائل لا يمكن لصاحبها أن يفتريَ على الناس الكذب، أو أن يدعيَ شيئًا لم يكن له .

وحاصل القول: إن هذه الشبهة لا ينهض بها دليل عقلي، ولا يقوم بها سند تاريخي، بل هي من ساقط القول وباطله...وقد ظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يستعن بأحد من أهل الكتاب في كتابة شيء من القرآن، بل كل ما في القرآن الكريم وحي من الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق الله إذ يقول على لسان نبيه: { أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون } (هود:35) .  
 

 

العودة إلى الرئيسية