المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن و عظماء النصارى


مزون الطيب
21-01-2012, 02:26 PM
القرآن و عظماء النصارى


الكاتب: د. علي حاتم

إن للقرآن تأثيرًا عظيمًا في القلوب, ومن ذلك تأثيره في قلوب بعض النصارى أتباع المسيح عليه السلام, الذين ساروا على نهج إنجيله المُنزَّل من عند الله عز وجل, والذين وصفهم رب العزة تبارك وتعالى بالعلم والعبادة والتواضع والانقياد للحق واتِّباعه وهي صفات إذا توافرت في عبد فإنه سرعان ما ينقاد للحق ويتَّبعه أشد الاتِّباع.

يقول عز وجل {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}

وقد روى النَّسائي بسنده عن عبد الله بن الزبير قال: [نزلت هذه الآية في النجاشي ملك الحبشة وفي أصحابه, وهو الذي بكى حتى اخضلَّت لحيته وبكت أساقفته حتى أَخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلاه جعفر بن أبي طالب عليهم من صدر سورة مريم, وقال النجاشي: "إنَّ هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة"], وقيل نزلت في فلاحين قدموا على جعفر بن أبي طالب من الحبشة فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن فآمنوا و فاضت أعينهم كما روى الطبراني.

وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قول الله عز وجل: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ}.

وهم المذكورون في قوله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ* وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}.

إنَّ هذا الانقياد للحق وهذا الامتثال وهذا الإنصاف الذي اتصف به هؤلاء العظماء أورثهم الجنَّات التي تجري من تحتها الأنهار كما ذُكر في الآيات, ولقد كان من أعظم الصفات التي أدت إلى تأثر هؤلاء العظماء بالقرآن والإيمان به وبالرسول الذي أُنزل عليه صلى الله عليه وسلم هو العلم النافع الذي تعلَّموه من إنجيلهم المنزَّل على رسولهم الكريم والذي تمسَّكوا به ولم يحرِّفوه ولم يبدِّلوه, كما قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا* وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}.

فكانوا إذا تُلي عليهم كتاب الله عز وجل عرفوا أنه مُنزل من عند الله وأنه الكتاب الذي نوَّه الله بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزَّلة على رسله ومنها الإنجيل, فيسجدون لله شكرًا على ما أنعم به عليهم بأن جعلهم يدركون هذا الرسول الذي أُنزل عليه هذا الكتاب.