المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعدد زوجات النَّبِـي هل تدل على الشهوانية


مزون الطيب
05-02-2012, 01:58 PM
( يقولون ) لقد كان محمد رجلًا شهوانيًا يسير وراء شهواته وملذاته ويمشى مع هواه لم يكتف بزوجة واحدة أو بأربع كما أوجب على أتباعه بل عدد الزوجات فتزوج عشر نسوة أو يزيد سيرًا مع الشهوة وميًلا مع الهوى!


الرد على الشبهة وتفنيدها[1]

تعدد نساء الأنبياء:


لقد ذكر الكتاب المقدس تعدد نساء الأنبياء فذكر لإبراهيم ثلاثًا سوى السراري، وذكر ليعقوب أربع زوجات فيما ذكروا ولداو د تسع زوجات وعشرات الإماء، وأما سليمان الذي تقول التوراة بأن الله قال عنه: "أنا أكون له أبًا، وهويكون لي ابنًا"[2] ويقول عنه كتبة الأسفار أيضًا"أحب الملك نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون: مؤابيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات، ومن الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم ولا يدخلون إليكم، لأنهم يميلون قلوبهم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة وكانت له سبع مئة من النساء السيدات، وثلاث مئة من السراري، فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب دأود أبيه"[3].




ويجدر هنا أن نذكر أن داود على كثرة نسائه كان كاملًا مع الرب، رغم أن التوراة تذكر زناه بامرأة أو ريا الحثي وحاشاه صلى الله عليه وسلم.
ثم كيف لهؤلاء أن يسقطوا حق النبوة من التعظيم بسبب كثرة الزوجات وهم لم يسقطوها للأنبياء وقد رموهم بأعظم الفواحش من زنا وخمر؟ وهو بكل حال أشد من تعدد الزوجات، وتعدد زوجات النَّبِـي صلى الله عليه وسلم كانت لحكمة أبعد وأعمق مما تصوره هؤلاء، فزواجه لم يكن لغرض دنيوي فحسب، ولو كان دافع الزواج حاجة الجسد فقط لكان ذلك في شبابه أولى، فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة وعمره خمس وعشرون سنة، وهي تكبره بخمس عشرة سنة، وبقيت وحيدة عنده حتى وفاتها، ثم تزوج بعد وفاتها بثلاث سنين من سودة بنت زمعة وعائشة بنت الصديق ثم بقية أزواجه، وقد كان زواجه من عائشة وسودة وعمره ثلاث وخمسون سنة.
وقد كانت جميع أزواجه-خلا عائشة-ثيبات، وفيهن من لا يرغب بزواجها لكبر سنها كسودة، وفيهن من قاربت الأربعين كأم سلمة.
وأما عائشة فكانت البكر الوحيدة في نسائه وأصغرهن، وهنا يلمز هؤلاء فارق السن بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغفلون عن خصائص البيئة العربية التي لا تجعل لفارق السن كبير اعتبار، إذ تنصرف الهمم لإنجاب الذرية، وكلما صغر عمر المرأة زادت خصوبتها.
ثم إن هؤلاء يرون من زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة ما يستحق القدح، ولا يرون ذلك في زواج إبراهيم عليه السلام من هاجر وقد دخل عليها وعمره خمس وثمانون سنة[4] كما أن داود عليه السلام قد تزوج في شيخوخته أبيشج الشمونية، وبينهما من العمر ما يقارب الخمسين سنة[5].
فلو كان المراد من الزواج الجرى وراء الشهوة أو السير مع الهوى أو مجرد الاستمتاع بالنساء لتزوج فى سن الشباب لا فى سن الشيخوخة ولتزوج الأبكار الشابات لا الأرامل المُسنات وهو القائل لجابر بن عبد الله حين جاءه وعلى وجهه أثر التطيب والنعمة[6]:«هل تزوجت بكرا أم ثيبا . فقلت تزوجت ثيبا فقال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك».
فالرسول الكريم أشار عليه أن يتزوج البكر وهو صلى الله عليه وسلم يعرف طريق الاستمتاع وسبيل الشهوة فهل يعقل أن يتزوج الأرامل ويترك الأبكار ويتزوج فى سن الشيخوخة ويترك سن الصبا إذا كان غرضه الاستمتاع والشهوة؟!
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفدون رسول الله صلى الله عليه وسلمبمهجهم وأرواحهم ولو أنه طلب الزواج لما تأخر أحد منهم عن تزويجه بمن يشاء من الفتيات الأبكار الجميلات فلماذا لم يعدد الزوجات فى مقتبل العمر وريعان الشباب ولماذا ترك الزواج بالأبكار وتزوج الثيبات؟
إن هذا بلا شك يدفع كل تقول وافتراء ويدحض كل شبهة وبهتان ويرد على كل أفاك أثيم يريد أن ينال من قدسية الرسول أو يشوه سمعته فما كان زواج الرسول بقصد الهوى أو الشهوة وإنما كان لحكم جليلة وغايات نبيلة وأهداف سامية سوف يقر الأعداء بنبلها وجلالها إذا ما تركوا التعصب الأعمى وحكموا منطق العقل والوجدان وسوف يجدون فى هذا الزواج "المثل الأعلى" في الإنسان الفاضل الكريم والرسول النَّبِـي الرحيم الذى يضحي براحته فى سبيل مصلحة غيره وفى سبيل مصلحة الدعوة والإسلام.

حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم


إن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة ومتشبعة ويمكننا أن نجملها فيما يلى:
أولًا: الحكمة التعليمية
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم هى تخريج بضع معلمات للنساء يعلمنهن الأحكام الشرعية فالنساء نصيف المجتمع وقد فُرض عليهن من التكليف ما فرض على الرجال.
وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النَّبِـي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن كأحكام الحيض والجنابة والنفاس والأمور الزوجية وغيرها من الأحكام وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل.
كما كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء الكامل وكان –كما تروى السُنَّة النبوية- أشد حياء من العذراء فى خدرها فما كان صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة بل كان يكنى فى بعض الأحيان ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلام.
تروى السيدة عائشة -رضى الله عنها-أن امرأة من الأنصار سألت النَّبِـي صلى الله عليه وسلم عن غُسلها فى المحيض فعلمها صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل فقَالَ[7]: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ قَالَ: تَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ: كَيْفَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي».
قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها من يدها فقلت: ضعيها فى مكان كذا وكذا وتتبعى بها أثر الدم وصرحت لها بالمكان الذى تضعها فيه.
فكان صلى الله عليه وسلم يستحى من مثل هذا التصريح وهكذا كان القليل أيضًا من النساء من تستطيع أن تتغلب على نفسها وعلى حيائها فتجاهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما يقع لها.
نأخذ مثلًا لذلك حديث أم سلمة، وفيه تقول: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم[8]: «إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَعْنِي وَجْهَهَا وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ قَالَ: نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا».
مراده صلى الله عليه وسلم أن الجنين يتولد من ماء الرجل, وماء المرأة, ولهذا يأتى له شبه بأمه وهذا كما قال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان2].
قال ابن كثير: "أمشاج: أى أخلاط, والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه فى بعض قال ابن عباس: يعنى ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا...."
وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار ما منعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين.
وكانت المرأة منهن تأتى إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام فكان نساء الرسول خير معلمات وموجهات لهن وعن طريقهن تفقهن النساء في دين الله.
ثم أنه من المعلوم أن السُنَّة المطهرة ليست قاصرة على قول النَّبِـي صلى الله عليه وسلم فحسب بل هي تشمل قوله وفعله وتقريره وكل هذا من التشريع الذى يجب على الأمة اتباعه فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله صلى الله عليه وسلم في المنزل غير هؤلاء النسوة اللواتي أكرمهن الله فكن أمهات للمؤمنين وزوجات لرسوله الكريم فى الدنيا والآخرة؟!
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره وأفعاله المنزلية عليه أفضل الصلاة والتسليم.

ثانيًا: الحكمة التشريعية:


وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة ونضرب لذلك مثلًا بدعة التبنى التى كان يفعلها العرب قبل الإسلام فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم يتبنى أحدهم ولدًا ليس من صُلبة ويجعله فى حكم الولد الصلبي ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال: فى الميراث والطلاق والزواج ومجرمات المصاهرة ومحرمات النكاح إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه وكان دينًا تقليديًا متبعًا في الجاهلية.
كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره فيقول له: أنت ابنى أرثك وترثنى وما كان الإسلام ليقرهم على باطل ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجهالة فمهد لذلك بأن ألهم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبنى أحد الأبناء -وكان ذلك قبل البعثة- فتبنى صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة على عادة العرب قبل الإسلام.
وفي سبب تبنيه قصة من أروع القصص وحكمة من أروع الحكم ذكرها المفسرون وأهل السير لا يمكننا الآن ذكرها لعدم اتساع المجال وهكذا تبنى الرسول الكريم زيد بن حارثة وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم زيد بن محمد[9].
قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه[10]: إنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب5] فقال النَّبِـي صلى الله عليه وسلم: أنت زيد بن حارثة بن شراحيل.
وقد زوجه صلى الله عليه وسلم بنت عمته زينب بنت جحش الأسدية وقد عاشت معه مدة من الزمن لكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما فكانت تغلظ له القول وترى أنها أشرف منه لأنه كان عبدًا مملوكًا قبل أن يتبناه الرسول وهي ذات حسب ونسب.
ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل بدعة التبنى ويقيم أسس الإسلام ويأتى على الجاهلية من قواعدها ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار أن يتكلموا فيه ويقولوا تزوج محمد امرأة ابنه فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله جل وعلا:{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب37]، وهكذا انتهى حكم التبني وبطلت تلك العادات التى كانت متبعة في الجاهلية وكانت دينًا تقليديًا لا محيد عنه ونزل قوله تعالى مؤكدًا هذا التشريع الإلهى الجديد: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِـي ينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[الأحزاب40].
وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى ولم يكن بدافع الهوى والشهوة كما يقول الأفاكون المرجفون من أعداء الله وكان لغرض نبيل وغاية شريفة هى إبطال عادات الجاهلية وقد صرح الله عليه السلام بغرض هذا الزواج بقوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}[الأحزاب37].
وقد تولى الله عليه السلام تزويج نبيه الكريم بزينب امرأة ولده من التبني ولهذا كانت تفخر على نساء النَّبِـي بهذا الزواج الذى قضى به رب العزة من فوق سبع سماواته[11].
وهكذا كان هذا الزواج للتشريع وكان بأمر الحكيم العليم فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا}[الإسراء85].

ثالثًا: الحكمة الاجتماعية:


وهذه تظهر بوضوح فى تزويج النَّبِـي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الأكبر أبى بكر رضي الله عنه وزيره الأول ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه ثم باتصاله صلى الله عليه وسلم بقريش اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العديد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقى حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
لقد تزوج النَّبِـي صلى الله عليه وسلمبالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدرًا إليه ألا وهو أبو بكر الصديق الذى كان أسبق الناس إلى الإسلام وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل نصرة دين الله والذود عن رسوله وتحمل ضروب الأذى في سبيل الإسلام حتى قال صلى الله عليه وسلم مُشيدًا بفضل أبي بكر[12]:«مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِيهِ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ».
فلم يجد الرسولصلى الله عليه وسلم مكافأة في الدنيا لأبي بكر أعظم من أن يُقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما مصاهرة وقرابة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق.
كما تزوج صلى الله عليه وسلم بالسيدة حفصة بنت عمر فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه وصدقه وإخلاصه وتفانيه في سبيل هذا الدين وعمر هو بطل الإسلام الذي أعز الله به الإسلام والمسلمين ورفع به منار الدين فكان اتصاله صلى الله عليه وسلم به عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما بل أعظم مكافأة ومنة ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف فما أجلَّ سياسته؟ وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين!!
كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلي y بتزويجهما ببناته وهؤلاء الأربعة هم أعظم أصحابه وخلفاؤه من بعده في نشر ملته وإقامة دعوته فما أجلها من حكمة وما أكرمها من نظرة!!

رابعًا: الحكمة السياسية:


لقد تزوج النَّبِـي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التى هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.
أولًا: تزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث؛ سيد بني المصطلق وكانت قد أُسرت مع قومها وعشيرتها ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت فتزوجها فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا أي أنهم في الأسر فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعًا ودخلوا في دين الله وأصبحوا من المؤمنين.
فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لأنه كان سببًا لإسلامهم وعتقهم وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها.
فعن عائشة -رضى الله عنها-أنها قالت[13]:أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء المصطلق فأخرج الخُمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفرس سهمين والرجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس فجاءت إلى الرسول فقالت: يارسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابنى من الأمر ما قد علمت وقد كاتبنى ثابت على تسع أواق فأعني على فكاكي فقال عليه السلام: أو خير من ذلك؟ فقالت: ما هو؟ فقال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك فقالت: نعم يارسول الله فقال رسول الله: قد فعلت.
وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزوجه صلى الله عليه وسلم بنت سيد قومه.
ثانيًا: "وكذلك تزوجهصلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حُيي بن أخطب التى أسرت بعد مقتل زوجها في غزوة خيبر ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضوا الأمر على الرسول الكريم فدعاها وخيرها بين أمرين:
إما أن يعتقها ويتزوجها صلى الله عليه وسلم فتكون زوجة له.
وأما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها.
فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له وذلك لما رأته من جلالة قدره وعظمته وحسن معاملته وقد أسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس"[14].
ثالثًا: "وكذلك تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة حبيبة رملة بنت أبى سفيان الذى كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك وألد الأعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلمت ابنته في مكة ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فرارًا بدنها وهناك مات زوجها فبقيت وحيدة فريدة لا معين لها ولا أنيس فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه إياها فأبلغها النجاشي ذلك فسرت سرورًا لا يعرف مقداره إلا الله سبحانه لأنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لأجبروها على الكفر والردة أو عذبوها عذابًا شديدًا وقد أصدقها عنه أربعمائة دينار.
ولما بلغ أبا سفيان الخبر أقر ذلك الزواج وقال: هو الفحل لا يقعد أنفُه فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله تعالى للإسلام"[15].
ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه صلى الله عليه وسلم بابنة أبي سفيان فقد كان هذا الزواج سببًا لتخفيف الأذي عنه وعن أصحابه المسلمين سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة مع أن أبا سفيان كان وقت ذاك من ألد بني أمية خصومة لرسول الله ومن أشدهم عداء له وللمسلمين فكان تزوجه بابنته سببًا لتأليف قلبه وقلوب قومه وعشيرته كما أنه صلى الله عليه وسلم اختارها لنفسه تكريمًا لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها فما أكرمها من سياسة وما أجلها من حكمة!!

عماد حسن أبو العينين

الرد علي شبهات النصارى حول السنة

الهامش

[1] د/ منقذ السقار، موقع www/haridy.comفى 25/12/2001م.
[2] صموئيل 7 /14.
[3] ملوك 11/1-8.
[4] انظر التكوين 16/16.
[5] انظر الملوك 1/1-4.
[6] صحيح: البخارى 2967، مسلم 715، أبوداود 3347، الترمذى 1100، النسائى 4590، ابن ماجة 1860، أحمد13710.
[7] صحيح: البخارى 314، مسلم 332، أبوداود 314، النسائى 251، ابن ماجة 642، أحمد 24386.
[8] صحيح: البخارى 130، مسلم 313، الترمذى 122، النسائى 195، ابن ماجة 600، أحمد 25964.
[9] انظر الألوسي والقرطبي وأحكام القرآن لابن العربي ففيها القصة مفصلة.
[10] صحيح: البخارى 4782، مسلم 2425، الترمذى 3209، أحمد 5455.
[11] صحيح: البخارى 7420، مسلم 86، الترمذى 3212.
[12] صحيح: أحمد 7397، الترمذى 3661، ابن ماجة 94، صحيح الجامع 5661 وما بين قوسين ضعيف انظر ضعيف الجامع‌ 5130‌.
[13] حسن: أحمد 25833، أبو داود 3931، صحيح سنن أبى داود 4/22.
[14] صحيح: البخارى 371، مسلم 1345، أبو داود 2045، الترمذى 1095، النسائى 547، ابن ماجة 1909، أحمد11532.
[15] راجع القصة كاملة، ابن كثير البداية والنهاية 4/145، ابن هشام السيرة النبوية 2/80.