نور الإسلام
07-02-2012, 12:18 PM
بارت ، رودي Rudi Paret
ولد عام 1901، درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من 1920 حتى 1924وتخرج على يد المستشرق الألماني ليتمان.امضى سنتين في القاهرة (1925-1926)، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي ولكنه تحول إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية وبخاصة القرآن الكريم.
تولى العديد من المناصب العلمية منها مدرّس في جامعة توبنجن وأستاذاً بجامعة هايدلبرج ثم عاد إلى توبنجن أستاذاً للغة العربية والإسلاميات من عام 1951-1968.ومن أهم مؤلفاته (محمد والقرآن) وترجم معاني القرآن الكريم إلى الألمانية وله كتاب عن القرآن بعنوان( القرآن تعليق وفهرست )
شبهة التأثير النصراني
وعن التأثير النصراني يقول بارت :
لقد كانت معلومات الناس في مكة ـ في عصر النبي ـ عن النصرانية محدودة وناقصة ولم يكن النصارى العرب سائرين في معتقداتهم في الاتجاه الصحيح. ولهذا كان هناك مجال لظهور الآراء البدعية المنحرفة. ولولا ذلك لما كان محمد عليه الصلاة والسلام على علم بأمثال تلك الآراء التي تنكر صلب المسيح وتذهب إلى أن نظرية التثليث النصرانية لا تعني الأب والابن وروح القدس ، وإنما تعني الله وعيسى ومريم. وعلى أية حال فإن المعارف التي استطاع محمد عليه الصلاة والسلام أن يجمعها عن حياة المسيح وأثره كانت قليلة ومحدودة . وعلى عكس من ذلك كان محمد عليه الصلاة والسلام يعرف الشيء الكثير عن ميلاد عيسى وعن أمه مريم .
وما يقصد أن يقوله ( بارت ) هنا واضح وهو أن المعلومات التي وردت في القرآن عن النصرانية وعن المسيح ، وأمه كانت المعلومات الشائعة آنذاك إما خاطئة أو محدودة. فمحمد عليه الصلاة والسلام إذن هو مؤلف القرآن
التشكيك في صحة النص القرآني
يقول ( رودي بارت ) في مقدمة ترجمتة الألمانية للقرآن الكريم ـ وكأنه يرد على زملائه الذين راحوا يشككون في صحة النص القرآني ـ
يقول بارت :
ليس لدينا أي سبب يحملنا على الاعتقاد بأن هناك أية آية في القرآن كله لم ترد عن محمد عليه الصلاة والسلام)
ويتصل بالتشكيك في صحة القرآن القول بأن لغة القرآن ( لا تتميز عن لغة الأدب الدنيوي بعصمة يقينية ).
الرد
القاصي والداني يعلم أن لغة القرآن لها خصوصية التفرد . وقد عجزت فصاحة العرب وبلاغتهم ـ وهم أصحاب الفصاحة والبلاغةـ عن محاكاة لغة القرآن . وقد تحداهم الوحي أن يأتوا ولو بسورة من مثله، ولكنهم عجزوا عن قبول التحدي الذي لا يزال وسيظل قائماً إلى أن تقوم الساعة.
وقد حاول البعض محاكاة القرآن ولابد أن نورد بعضها :
يقول مسيلمة الكذاب:
" يا ضفدع بنت ضفدعين ، لحسن ما تنقنقين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، امكثي في الارض حتى يأتيك الخفاش بالخبر اليقين ، لنا نصف الارض ولقريش نصفها ، ولكن قريش قوم يعتدون "
وقال أيضاً : " ألم ترى كيف فعل ربك بالحبلى ، أخرج من بطنها نسمة تسعى ، من بين شراشيف و حشى "
ويقول " الفيل وما أدراك ما الفيل له زلوم طويل " !!
ويقول " نقي كما تنقين ، لا الماء تدركين ، و لا الشراب تمنعين"
فيما قال النضر بن الحارث : " و الزارعات زرعاً. و الحاصدات حصداً. و الطاحنات طحناً. و العاجنات عجناً. و الخابزات خبزاً…." .
وكان الأقدمون قد عرفوا قدر معارضات مسيلمة و النضر فزادت يقينهم بالقرآن و إعجازه ، و قد صدق ابن المقفع عندما أراد معارضة القرآن ، ثم رأى عجزه عن مثل هذا البيان فقال: أشهد أن هذا لا يعارض، و ما هو من كلام البشر.
ويقول جابريللى الباحث الإيطالى : الأقوال غير المسئولة من بعض المستشرقين بأن محمدا عليه الصلاة والسلام مؤلف القرآن أقاويل باطلة لا صحة لها ، وهى محاولات فاشلة للنيل من هذا الدين ومن نبيه .
فلو كان القرآن غير خارج عن العادة لأتوا بمثله أو عرضوا من كلام فصحائهم وبلغائهم ما يعارضه . فلما لم يشتغلوا بذلك علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان كلامهم وأساليب نظمهم وزالت أطماعهم عنه
باريه الفرنسي :
انتفاء أمية الرسول صلى الله عليه وسلم
ذهب المستشرق الفرنسي باريه في دائرة المعارف الإسلامية إلى انتفاء أمية الرسول ، حيث يقول: إن آية "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِما ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران: 75)
لا يقصد بها من لا يعرفون القراءة والكتابة؛ حيث إن كلمة أمي أو أميين وضعها أهل الكتاب للدلالة على الوثنيين ويصعب الجزم بالمعاني التي كان يقصدها محمد عليه الصلاة والسلام من كلمة أمي .
ثم يذكر باريه أقوالا لبعض المستشرقين، فيقول: ذهب بول أخيرا إلى أن كلمة أمي معناها الذي لا يقرأ ولا يكتب وليس معناها الوثني، ولكن باريه عقب على هذا الرأي بقوله: هناك عوامل لغوية تجعل من الصعب أن نقول إن كلمة أمي معناها "الذي لا يقرأ ولا يكتب" فلا الكلمة العربية "أمة" ولا العبرية "أماع" ولا الآرامية "أميتا" تدل على الأمة في حالة الجهالة، وقد استدل البعض بإطلاق لفظ الأمي على محمد عليه الصلاة والسلام بأنه لم يكن يقرأ أو يكتب، والحقيقة أن كلمة "الأمي" لا علاقة لها بهذه المسألة؛ لأن الآية "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ" (البقرة: 78)
التي تدعو إلى هذا الافتراض لا ترمي الأميين بالجهل بالقراءة والكتابة بل ترميهم بعدم معرفتهم بالكتب المنزلة.
الرد
لقد اقتضت إرادة الله تعالى أن يكون النبي أمّيّا ً ، حتى صارت تلك الصفة من خصائصه ، ولعل الحكمة من ذلك أن النبي لو كان يحسن القراءة والكتابة ، لوجد الكفار في ذلك منفذاً للطعن في نبوته ، أو الريبة برسالته ، وقد جاء تصوير هذا المعنى في قوله تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } ( العنكبوت : 48 ) .
وفي هذا المقام نجد محاولة جديدة لطمس الحقائق وتزوير الأحداث ، ويتمثل ذلك في إنكار بعض المستشرقين ما استفاضت شهرته من إثبات أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم ، متغافلين عن نصوص الوحيين الصريحة في ذلك ، ثم ساقوا لتأييد أطروحتهم جملة من الأدلة مستصحبين معهم أسلوبهم الشهير في تحريف النصوص وليّ أعناقها ، واستنباط ما لا يدل عليه النص أبدا لا بمنطوقه ولا بمفهومه ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إننا نجد منهم اللجوء إلى الكذب الصراح متى ما كان ذلك موصلا إلى هدفهم من التضليل والتشويش .
وكان أول ما استدلوا به هو ما رواه الإمام البخاري في قصّة الحديبية عن البراء رضي الله عنه قال : " لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام ، فلما كتبوا الكتاب كتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله . قالوا : لا نقر لك بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً ، ولكن أنت محمد بن عبد الله . فقال : ( أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ) . ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( امح رسول الله ) ، قال علي : لا والله لا أمحوك أبدا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب ".
قالوا : لقد نصّت الرواية على مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لكتابة ما نصّه : " هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " ، ومادامت الكتابة قد ثبتت عنه فلا شك أنه كان يحسن القراءة من باب أولى ، لأن القراءة فرعٌ عن الكتابة . وهذه الشبهة تُعدّ من أقوى شبهاتهم .
والجواب على هذه الشبهة فيما يلي :
أولاً : لا نسلّم بأن الرواية السابقة جاء فيها التصريح بمباشرة النبي صلى الله عليه وسلم للكتابة ، بل هي محتملة لأمرين : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو المباشر ، أو أن يكون علي رضي الله عنه هو الذي قام بالمباشرة ، وتكون نسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازيةً باعتبار أنه هو الآمر بالكتابة ، ونظير ذلك قول الصحابي : " ونقش النبي صلى الله عليه وسلم في خاتمه : محمد رسول الله " أي أمر بنقشه ، وإذا أردنا معرفة رجحان أي الاحتمالين ، فإنه يجب علينا العودة إلى مرويّات الحديث وطرقه .
لقد روى هذا الحديث المسور بن مخرمة و مروان و أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين ، واتفقت تلك الروايات كلها على أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالكتابة ، فقد جاء في البخاري عن المسور بن مخرمة و مروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا : " ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ) " ، وكذلك قال أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم ما نصّه : " ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اكتب من محمد بن عبد الله ) ".
أما رواية البراء رضي الله عنه ، فنلاحظ أن الرواة الذين نقلوها ، اقتصروا على بعض الألفاظ دون بعض ، ومن هنا حصل اللبس والإيهام في هذه الرواية .
فرواية عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه ذكرت : " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( امح رسول الله ) ، فقال علي : لا والله لا أمحوك أبدا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " . ورواية إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه جاء فيها : " فقال لعلي : ( امح رسول الله ) ، فقال علي : والله لا أمحاه أبدا ، قال : (فأرنيه ) ، قال فأراه إياه ، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ".
ويضاف إلى روايات البخاري السابقة رواية أخرى مهمة لحديث البراء ، تلك الرواية التي أوردها ابن حبان في صحيحه عن محمد بن عثمان العجلي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال : " فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فأمر فكتب مكان رسول الله محمداً ، فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " الحديث .
ونخلص من مجموع تلك الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه أن يمحو كلمة : ( رسول الله ) ، فرفض عليٌّ ذلك ، فطلب منه أن يريه مكانها ، فمحاها بيده ، ثم أمره بكتابة لفظة ( بن عبدالله ) ، وهذا هو مقتضى الروايات .
ثم إننا نقول : إن رواية البخاري التي ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم : (فأرنيه ) ، فيها إشارة واضحة إلى احتياج النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي كي يرشده إلى مكان الكلمة ، مما يدل بوضوح على عدم معرفته للقراءة أصلا ، ويضاف إلى ذلك أن المشرك الذي تفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم لو رآه يكتب شيئا بيده في تلك الحادثة لنقلها إلى كفّار قريش ، فقد كانوا يبحثون عن أي شيء يجعلونه مستمسكاً لهم في ارتيابهم ، فلما لم يُنقل لنا ذلك دلّ على عدم وقوعه أصلاً .
ولكن دعنا نفترض أن المباشر للكتابة هو النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يخرجه ذلك عن أميته ؟ يجيب الإمام الذهبي فيقول : " ما المانع من تعلم النبي صلى الله عليه وسلم كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه وقوة فهمه ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف " ، فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم لطريقة كتابة اسمه واسم أبيه لا يخرجه عن كونه أمّياً كما هو ظاهر ، فإن غير الأميّ يحسن كل كتابة وكل قراءة ، لا بعضاً منها .
وختاماً ، فإن ما ذكره المستشرقون ومن تبعهم من محاولات للتشكيك في أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم لا يصمد أمام حقيقة هامة ، وهي أن أهل مكة الذين عاشوا معه وعلموا أخباره ، وعرفوا مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته ، قد أقرّوا جميعا بأميّته
المصدر : كتاب افتراءات الغرب على الإسلام
ولد عام 1901، درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من 1920 حتى 1924وتخرج على يد المستشرق الألماني ليتمان.امضى سنتين في القاهرة (1925-1926)، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي ولكنه تحول إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية وبخاصة القرآن الكريم.
تولى العديد من المناصب العلمية منها مدرّس في جامعة توبنجن وأستاذاً بجامعة هايدلبرج ثم عاد إلى توبنجن أستاذاً للغة العربية والإسلاميات من عام 1951-1968.ومن أهم مؤلفاته (محمد والقرآن) وترجم معاني القرآن الكريم إلى الألمانية وله كتاب عن القرآن بعنوان( القرآن تعليق وفهرست )
شبهة التأثير النصراني
وعن التأثير النصراني يقول بارت :
لقد كانت معلومات الناس في مكة ـ في عصر النبي ـ عن النصرانية محدودة وناقصة ولم يكن النصارى العرب سائرين في معتقداتهم في الاتجاه الصحيح. ولهذا كان هناك مجال لظهور الآراء البدعية المنحرفة. ولولا ذلك لما كان محمد عليه الصلاة والسلام على علم بأمثال تلك الآراء التي تنكر صلب المسيح وتذهب إلى أن نظرية التثليث النصرانية لا تعني الأب والابن وروح القدس ، وإنما تعني الله وعيسى ومريم. وعلى أية حال فإن المعارف التي استطاع محمد عليه الصلاة والسلام أن يجمعها عن حياة المسيح وأثره كانت قليلة ومحدودة . وعلى عكس من ذلك كان محمد عليه الصلاة والسلام يعرف الشيء الكثير عن ميلاد عيسى وعن أمه مريم .
وما يقصد أن يقوله ( بارت ) هنا واضح وهو أن المعلومات التي وردت في القرآن عن النصرانية وعن المسيح ، وأمه كانت المعلومات الشائعة آنذاك إما خاطئة أو محدودة. فمحمد عليه الصلاة والسلام إذن هو مؤلف القرآن
التشكيك في صحة النص القرآني
يقول ( رودي بارت ) في مقدمة ترجمتة الألمانية للقرآن الكريم ـ وكأنه يرد على زملائه الذين راحوا يشككون في صحة النص القرآني ـ
يقول بارت :
ليس لدينا أي سبب يحملنا على الاعتقاد بأن هناك أية آية في القرآن كله لم ترد عن محمد عليه الصلاة والسلام)
ويتصل بالتشكيك في صحة القرآن القول بأن لغة القرآن ( لا تتميز عن لغة الأدب الدنيوي بعصمة يقينية ).
الرد
القاصي والداني يعلم أن لغة القرآن لها خصوصية التفرد . وقد عجزت فصاحة العرب وبلاغتهم ـ وهم أصحاب الفصاحة والبلاغةـ عن محاكاة لغة القرآن . وقد تحداهم الوحي أن يأتوا ولو بسورة من مثله، ولكنهم عجزوا عن قبول التحدي الذي لا يزال وسيظل قائماً إلى أن تقوم الساعة.
وقد حاول البعض محاكاة القرآن ولابد أن نورد بعضها :
يقول مسيلمة الكذاب:
" يا ضفدع بنت ضفدعين ، لحسن ما تنقنقين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، امكثي في الارض حتى يأتيك الخفاش بالخبر اليقين ، لنا نصف الارض ولقريش نصفها ، ولكن قريش قوم يعتدون "
وقال أيضاً : " ألم ترى كيف فعل ربك بالحبلى ، أخرج من بطنها نسمة تسعى ، من بين شراشيف و حشى "
ويقول " الفيل وما أدراك ما الفيل له زلوم طويل " !!
ويقول " نقي كما تنقين ، لا الماء تدركين ، و لا الشراب تمنعين"
فيما قال النضر بن الحارث : " و الزارعات زرعاً. و الحاصدات حصداً. و الطاحنات طحناً. و العاجنات عجناً. و الخابزات خبزاً…." .
وكان الأقدمون قد عرفوا قدر معارضات مسيلمة و النضر فزادت يقينهم بالقرآن و إعجازه ، و قد صدق ابن المقفع عندما أراد معارضة القرآن ، ثم رأى عجزه عن مثل هذا البيان فقال: أشهد أن هذا لا يعارض، و ما هو من كلام البشر.
ويقول جابريللى الباحث الإيطالى : الأقوال غير المسئولة من بعض المستشرقين بأن محمدا عليه الصلاة والسلام مؤلف القرآن أقاويل باطلة لا صحة لها ، وهى محاولات فاشلة للنيل من هذا الدين ومن نبيه .
فلو كان القرآن غير خارج عن العادة لأتوا بمثله أو عرضوا من كلام فصحائهم وبلغائهم ما يعارضه . فلما لم يشتغلوا بذلك علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان كلامهم وأساليب نظمهم وزالت أطماعهم عنه
باريه الفرنسي :
انتفاء أمية الرسول صلى الله عليه وسلم
ذهب المستشرق الفرنسي باريه في دائرة المعارف الإسلامية إلى انتفاء أمية الرسول ، حيث يقول: إن آية "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِما ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران: 75)
لا يقصد بها من لا يعرفون القراءة والكتابة؛ حيث إن كلمة أمي أو أميين وضعها أهل الكتاب للدلالة على الوثنيين ويصعب الجزم بالمعاني التي كان يقصدها محمد عليه الصلاة والسلام من كلمة أمي .
ثم يذكر باريه أقوالا لبعض المستشرقين، فيقول: ذهب بول أخيرا إلى أن كلمة أمي معناها الذي لا يقرأ ولا يكتب وليس معناها الوثني، ولكن باريه عقب على هذا الرأي بقوله: هناك عوامل لغوية تجعل من الصعب أن نقول إن كلمة أمي معناها "الذي لا يقرأ ولا يكتب" فلا الكلمة العربية "أمة" ولا العبرية "أماع" ولا الآرامية "أميتا" تدل على الأمة في حالة الجهالة، وقد استدل البعض بإطلاق لفظ الأمي على محمد عليه الصلاة والسلام بأنه لم يكن يقرأ أو يكتب، والحقيقة أن كلمة "الأمي" لا علاقة لها بهذه المسألة؛ لأن الآية "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ" (البقرة: 78)
التي تدعو إلى هذا الافتراض لا ترمي الأميين بالجهل بالقراءة والكتابة بل ترميهم بعدم معرفتهم بالكتب المنزلة.
الرد
لقد اقتضت إرادة الله تعالى أن يكون النبي أمّيّا ً ، حتى صارت تلك الصفة من خصائصه ، ولعل الحكمة من ذلك أن النبي لو كان يحسن القراءة والكتابة ، لوجد الكفار في ذلك منفذاً للطعن في نبوته ، أو الريبة برسالته ، وقد جاء تصوير هذا المعنى في قوله تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } ( العنكبوت : 48 ) .
وفي هذا المقام نجد محاولة جديدة لطمس الحقائق وتزوير الأحداث ، ويتمثل ذلك في إنكار بعض المستشرقين ما استفاضت شهرته من إثبات أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم ، متغافلين عن نصوص الوحيين الصريحة في ذلك ، ثم ساقوا لتأييد أطروحتهم جملة من الأدلة مستصحبين معهم أسلوبهم الشهير في تحريف النصوص وليّ أعناقها ، واستنباط ما لا يدل عليه النص أبدا لا بمنطوقه ولا بمفهومه ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إننا نجد منهم اللجوء إلى الكذب الصراح متى ما كان ذلك موصلا إلى هدفهم من التضليل والتشويش .
وكان أول ما استدلوا به هو ما رواه الإمام البخاري في قصّة الحديبية عن البراء رضي الله عنه قال : " لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام ، فلما كتبوا الكتاب كتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله . قالوا : لا نقر لك بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً ، ولكن أنت محمد بن عبد الله . فقال : ( أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ) . ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( امح رسول الله ) ، قال علي : لا والله لا أمحوك أبدا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب ".
قالوا : لقد نصّت الرواية على مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لكتابة ما نصّه : " هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " ، ومادامت الكتابة قد ثبتت عنه فلا شك أنه كان يحسن القراءة من باب أولى ، لأن القراءة فرعٌ عن الكتابة . وهذه الشبهة تُعدّ من أقوى شبهاتهم .
والجواب على هذه الشبهة فيما يلي :
أولاً : لا نسلّم بأن الرواية السابقة جاء فيها التصريح بمباشرة النبي صلى الله عليه وسلم للكتابة ، بل هي محتملة لأمرين : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو المباشر ، أو أن يكون علي رضي الله عنه هو الذي قام بالمباشرة ، وتكون نسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازيةً باعتبار أنه هو الآمر بالكتابة ، ونظير ذلك قول الصحابي : " ونقش النبي صلى الله عليه وسلم في خاتمه : محمد رسول الله " أي أمر بنقشه ، وإذا أردنا معرفة رجحان أي الاحتمالين ، فإنه يجب علينا العودة إلى مرويّات الحديث وطرقه .
لقد روى هذا الحديث المسور بن مخرمة و مروان و أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين ، واتفقت تلك الروايات كلها على أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالكتابة ، فقد جاء في البخاري عن المسور بن مخرمة و مروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا : " ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ) " ، وكذلك قال أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم ما نصّه : " ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اكتب من محمد بن عبد الله ) ".
أما رواية البراء رضي الله عنه ، فنلاحظ أن الرواة الذين نقلوها ، اقتصروا على بعض الألفاظ دون بعض ، ومن هنا حصل اللبس والإيهام في هذه الرواية .
فرواية عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه ذكرت : " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( امح رسول الله ) ، فقال علي : لا والله لا أمحوك أبدا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " . ورواية إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه جاء فيها : " فقال لعلي : ( امح رسول الله ) ، فقال علي : والله لا أمحاه أبدا ، قال : (فأرنيه ) ، قال فأراه إياه ، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ".
ويضاف إلى روايات البخاري السابقة رواية أخرى مهمة لحديث البراء ، تلك الرواية التي أوردها ابن حبان في صحيحه عن محمد بن عثمان العجلي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال : " فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فأمر فكتب مكان رسول الله محمداً ، فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " الحديث .
ونخلص من مجموع تلك الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه أن يمحو كلمة : ( رسول الله ) ، فرفض عليٌّ ذلك ، فطلب منه أن يريه مكانها ، فمحاها بيده ، ثم أمره بكتابة لفظة ( بن عبدالله ) ، وهذا هو مقتضى الروايات .
ثم إننا نقول : إن رواية البخاري التي ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم : (فأرنيه ) ، فيها إشارة واضحة إلى احتياج النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي كي يرشده إلى مكان الكلمة ، مما يدل بوضوح على عدم معرفته للقراءة أصلا ، ويضاف إلى ذلك أن المشرك الذي تفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم لو رآه يكتب شيئا بيده في تلك الحادثة لنقلها إلى كفّار قريش ، فقد كانوا يبحثون عن أي شيء يجعلونه مستمسكاً لهم في ارتيابهم ، فلما لم يُنقل لنا ذلك دلّ على عدم وقوعه أصلاً .
ولكن دعنا نفترض أن المباشر للكتابة هو النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يخرجه ذلك عن أميته ؟ يجيب الإمام الذهبي فيقول : " ما المانع من تعلم النبي صلى الله عليه وسلم كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه وقوة فهمه ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف " ، فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم لطريقة كتابة اسمه واسم أبيه لا يخرجه عن كونه أمّياً كما هو ظاهر ، فإن غير الأميّ يحسن كل كتابة وكل قراءة ، لا بعضاً منها .
وختاماً ، فإن ما ذكره المستشرقون ومن تبعهم من محاولات للتشكيك في أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم لا يصمد أمام حقيقة هامة ، وهي أن أهل مكة الذين عاشوا معه وعلموا أخباره ، وعرفوا مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته ، قد أقرّوا جميعا بأميّته
المصدر : كتاب افتراءات الغرب على الإسلام