نور الإسلام
10-01-2012, 05:29 PM
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها ، ويحفظ كرامتها ، ويحميها من الألسنة البذيئة ، والأعين الغادرة ، والأيدي الباطشة ؛ فأمرها بالحجاب والستر ، والبعد عن التبرج ، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب ، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها أن أمر الزوج بالإنفاق عليها ، وإحسان معاشرتها ، والحذر من ظلمها ، والإساءة إليها.
بل ومن المحاسن - أيضا - أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق ، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة ؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح ، وحين تصبح حياتهما جحيما لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالما لها ، سيئا في معاشرتها ، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه ، فتدفع له شيئا من المال ، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن إكرام الإسلام للزوجة أن أباح للرجل أن يعدد ، فيتزوج بأكثر من واحدة ، فأباح له أن يتزوج اثنتين ، أو ثلاثا ، أو أربعا ، ولا يزيد عن أربع.
بشرط أن يعدل بينهن في النفقة ، والكسوة ، والمبيت.
وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن في التعدد حكما عظيمة ، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام ، ويجهلون الحكمة من تشريعاته ، ومما يبرهن على الحكمة من مشروعية التعدد ما يلي:
1- أن الإسلام حرم الزنا : وشدد في تحريمه ؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد ، والتي منها اختلاط الأنساب ، وقتل الحياء ، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة ؛ إذ الزنا يكسوها عارا لا يقف حده عندها ، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها .
ومن أضرار الزنا أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا ؛ حيث يعيش مقطوع النسب ، محتقرا ذليلا.
ومن أضراره ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها ، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان ، والزهري ، والهربس ، والإيدز ، وغيرها.
والإسلام حين حرم الزنا وشدد في تحريمه فتح بابا مشروعا يجد فيه الإنسان الراحة ، والسكن ، والرحمة ، والطمأنينة ألا وهو الزواج ، حيث شرع الزواج ، وأباح التعدد فيه - كما مضى - .
ولا ريب أن منع التعدد ظلم للرجل وللمرأة ؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا ؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان ، ويتجلى ذلك في أيام الحروب ؛ فقصر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج ، وذلك يسبب لهن الحرج ، والضيق ، والتشتت ، وربما أدى بهن إلى بيع العرض ، وانتشار الزنا ، وضياع النسل .
2- أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب : بل فيه الراحة ، والسكن ، وفيه - أيضا - نعمة الولد ، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية ؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه ؛ فإذا رزقت المرأة أولادا ، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها ؛ فأيهما أحسن للمرأة : أن تنعم في ظل رجل يحميها ، ويحوطها ، ويرعاها ؟ أو أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك ؟
3- أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة : فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل ، والنظرة العادلة تقول : بأنه لا بد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك ؛ فما ذنب العوانس اللاتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا ينظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها ؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج ؟
أيهما أفضل للمرأة : أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى ، فتطمئن نفسها ، ويهدأ بالها ، وتجد من يرعاها ، وترزق بسببه الأولاد ، أو أن تقعد بلا زواج البتة ؟
وأيهما أفضل للمجتمعات أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة ؟ أو أن لا يعدد أحد ، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد ؟
وأيهما أفضل أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو أربع أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات ، أو أكثر ، أو أقل ؟
4- أن التعدد ليس واجبا : فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون ؛ فطالما أن المرأة تكفيه - وأنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5- أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل : وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة ؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت ، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام ، أو أسبوعين كل شهر .
وفي النفاس مانع - أيضا - والغالب فيه أنه أربعون يوما. والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعا ؛ لما فيهما من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج ، وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر ، والعام ؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى الزنا.
6- قد تكون الزوجة عقيما لا تلد : فيحرم الزوج من نعمة الولد ، فبدلا من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال : وإذا كان الزوج عقيما والزوجة ولودا ؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟
والجواب : نعم فلها ذلك إن أرادت.
7- قد تمرض الزوجة مرضا مزمنا : كالشلل وغيره ، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج ؛ فبدلا من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج بأخرى.
8- قد يكون سلوك الزوجة سيئا : فقد تكون شرسة ، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها ؛ فبدلا من تطليقها يبقي الزوج عليها ، ويتزوج بأخرى ؛ وفاء للزوجة ، وحفظا لحق أهلها ، وحرصا على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها.
9- أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة : فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين ، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين ، أو تزيد عليها قليلا.
فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل.
10- أن في الزواج من ثانية راحة للأولى : فالزوجة الأولى ترتاح قليلا من أعباء الزوج ؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيبا من أعباء الزوج.
ولهذا فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
11- التماس الأجر : فقد يتزوج الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها ، ولا راعٍ ، فيتزوجها بِنِيَّة إعفافها ، ورعايتها ، فينال الأجر من الله بذلك.
12- أن الذي أباح التعدد هو الله - عز وجل - : فهو أعلم بمصالح عباده ، وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا يتبين لنا حكمة الإسلام ، وشمول نظرته في إباحة التعدد ، ويتبين لنا جهل من يطعنون في تشريعاته.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن جعل لها نصيبا من الميراث ؛ فللأم نصيب معين ، وللزوجة نصيب معين ، وللبنت وللأخت ونحوها ما هو مفصل في موضعه.
ومن تمام العدل أن جعل الإسلام للمرأة من الميراث نصف ما للرجل ، وقد يظن بعض الجهلة أن هذا من الظلم ؛ فيقولون : كيف يكون للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث ؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ؟
والجواب أن يقال : إن الذي شرع هذا هو الله الحكيم العليم بمصالح عباده.
ثم أي ظلم في هذا ؟ إن نظام الإسلام نظام متكامل مترابط ؛ فليس من العدل أن يؤخذ نظام ، أو تشريع ، ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره.
بل ينظر إليه من جميع جوانبه ؛ فتتضح الصورة ، ويستقيم الحكم.
ومما يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة - أن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج ، وجعل مهر الزوجة واجب على الزوج - أيضا - .
ولنفرض أن رجلا مات ، وخلف ابنًا ، وبنتا ، وكان للابن ضعف نصيب أخته ، ثم أخذ كل منهما نصيبه ، ثم تزوج كل منهما ؛ فالإبن إذا تزوج فإنه مطالب بالمهر ، والسكن ، والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته.
أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها ، وليست مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها ، أو نفقة بيتها أو على أولادها ؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها ، مع مهرها من زوجها ، مع أنها لا تطالب بالنفقة على نفسها وأولادها.
أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه إذا ؟
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام ؛ فأين الأنظمة العادلة في الإسلام من نظم كثير من بقاع الأرض؟ حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل ؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها ، ولقمة تسد جوعتها ، وربما كان ذلك على حساب الشرف ، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرام الإسلام للمرأة ، وجعلها إنسانا مكرما من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة ، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية ، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار ، وتعدها مخلوقا نجسا ؟ وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟
وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعةٍ تنتقل فيه الزوجة ؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت ؛ لتنظر في حقيقة المرأة ، وروحها هل هي من البشر أو لا ؟!
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها ، ورعاية زوجها ، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها ، أو شبابها ، أو هرمها ، وفي حال فقرها أو غناها ، أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام - فإنما هو بسبب القصور والجهل ، والبعد عن تطبيق شرائع الدين ، والوزر في ذلك على من أخطأ - والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه ؛ لعلاج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال : عفة ، وصيانة ، ومودة ورحمة ، ورعاية ، وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئا من تلك المعاني ، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة ، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية ، وأنها لا بد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط ؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج وإظهار المفاتن ، وإبداء الزينة ، وكشف الصدور ، والأفخاذ وهو أشد ؟!
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟!
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات ؟
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة ، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت صلاحيتها ؟
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما نصيب الأم المسنة ، والجدة ، والعجوز ؟
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء ، ودور العجزة والمسنين ؛ حيث لا تزار ولا يسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد ، أو نحوه ، فتأكل منه حتى تموت ؛ فلا رحم هناك ، ولا صلة ، ولا ولي حميم.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها ، وعظم حقها ، وتنافس أولادها وأقاربها على برها - كما سبق - لأنها أدت ما عليها ، وبقي الذي لها عند أبنائها ، وأحفادها، وأهلها ، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية - فزعم باطل ، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب ، والتخلف بعينه ، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية ؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زاد نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم ، كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام ، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام.
قصة البشرية
محمد بن إبراهيم الحمد
ومن إكرام الإسلام لها أن أمر الزوج بالإنفاق عليها ، وإحسان معاشرتها ، والحذر من ظلمها ، والإساءة إليها.
بل ومن المحاسن - أيضا - أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق ، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة ؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح ، وحين تصبح حياتهما جحيما لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالما لها ، سيئا في معاشرتها ، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه ، فتدفع له شيئا من المال ، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن إكرام الإسلام للزوجة أن أباح للرجل أن يعدد ، فيتزوج بأكثر من واحدة ، فأباح له أن يتزوج اثنتين ، أو ثلاثا ، أو أربعا ، ولا يزيد عن أربع.
بشرط أن يعدل بينهن في النفقة ، والكسوة ، والمبيت.
وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن في التعدد حكما عظيمة ، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام ، ويجهلون الحكمة من تشريعاته ، ومما يبرهن على الحكمة من مشروعية التعدد ما يلي:
1- أن الإسلام حرم الزنا : وشدد في تحريمه ؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد ، والتي منها اختلاط الأنساب ، وقتل الحياء ، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة ؛ إذ الزنا يكسوها عارا لا يقف حده عندها ، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها .
ومن أضرار الزنا أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا ؛ حيث يعيش مقطوع النسب ، محتقرا ذليلا.
ومن أضراره ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها ، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان ، والزهري ، والهربس ، والإيدز ، وغيرها.
والإسلام حين حرم الزنا وشدد في تحريمه فتح بابا مشروعا يجد فيه الإنسان الراحة ، والسكن ، والرحمة ، والطمأنينة ألا وهو الزواج ، حيث شرع الزواج ، وأباح التعدد فيه - كما مضى - .
ولا ريب أن منع التعدد ظلم للرجل وللمرأة ؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا ؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان ، ويتجلى ذلك في أيام الحروب ؛ فقصر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج ، وذلك يسبب لهن الحرج ، والضيق ، والتشتت ، وربما أدى بهن إلى بيع العرض ، وانتشار الزنا ، وضياع النسل .
2- أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب : بل فيه الراحة ، والسكن ، وفيه - أيضا - نعمة الولد ، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية ؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه ؛ فإذا رزقت المرأة أولادا ، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها ؛ فأيهما أحسن للمرأة : أن تنعم في ظل رجل يحميها ، ويحوطها ، ويرعاها ؟ أو أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك ؟
3- أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة : فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل ، والنظرة العادلة تقول : بأنه لا بد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك ؛ فما ذنب العوانس اللاتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا ينظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها ؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج ؟
أيهما أفضل للمرأة : أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى ، فتطمئن نفسها ، ويهدأ بالها ، وتجد من يرعاها ، وترزق بسببه الأولاد ، أو أن تقعد بلا زواج البتة ؟
وأيهما أفضل للمجتمعات أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة ؟ أو أن لا يعدد أحد ، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد ؟
وأيهما أفضل أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو أربع أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات ، أو أكثر ، أو أقل ؟
4- أن التعدد ليس واجبا : فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون ؛ فطالما أن المرأة تكفيه - وأنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5- أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل : وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة ؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت ، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام ، أو أسبوعين كل شهر .
وفي النفاس مانع - أيضا - والغالب فيه أنه أربعون يوما. والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعا ؛ لما فيهما من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج ، وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر ، والعام ؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى الزنا.
6- قد تكون الزوجة عقيما لا تلد : فيحرم الزوج من نعمة الولد ، فبدلا من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال : وإذا كان الزوج عقيما والزوجة ولودا ؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟
والجواب : نعم فلها ذلك إن أرادت.
7- قد تمرض الزوجة مرضا مزمنا : كالشلل وغيره ، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج ؛ فبدلا من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج بأخرى.
8- قد يكون سلوك الزوجة سيئا : فقد تكون شرسة ، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها ؛ فبدلا من تطليقها يبقي الزوج عليها ، ويتزوج بأخرى ؛ وفاء للزوجة ، وحفظا لحق أهلها ، وحرصا على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها.
9- أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة : فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين ، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين ، أو تزيد عليها قليلا.
فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل.
10- أن في الزواج من ثانية راحة للأولى : فالزوجة الأولى ترتاح قليلا من أعباء الزوج ؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيبا من أعباء الزوج.
ولهذا فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
11- التماس الأجر : فقد يتزوج الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها ، ولا راعٍ ، فيتزوجها بِنِيَّة إعفافها ، ورعايتها ، فينال الأجر من الله بذلك.
12- أن الذي أباح التعدد هو الله - عز وجل - : فهو أعلم بمصالح عباده ، وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا يتبين لنا حكمة الإسلام ، وشمول نظرته في إباحة التعدد ، ويتبين لنا جهل من يطعنون في تشريعاته.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن جعل لها نصيبا من الميراث ؛ فللأم نصيب معين ، وللزوجة نصيب معين ، وللبنت وللأخت ونحوها ما هو مفصل في موضعه.
ومن تمام العدل أن جعل الإسلام للمرأة من الميراث نصف ما للرجل ، وقد يظن بعض الجهلة أن هذا من الظلم ؛ فيقولون : كيف يكون للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث ؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ؟
والجواب أن يقال : إن الذي شرع هذا هو الله الحكيم العليم بمصالح عباده.
ثم أي ظلم في هذا ؟ إن نظام الإسلام نظام متكامل مترابط ؛ فليس من العدل أن يؤخذ نظام ، أو تشريع ، ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره.
بل ينظر إليه من جميع جوانبه ؛ فتتضح الصورة ، ويستقيم الحكم.
ومما يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة - أن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج ، وجعل مهر الزوجة واجب على الزوج - أيضا - .
ولنفرض أن رجلا مات ، وخلف ابنًا ، وبنتا ، وكان للابن ضعف نصيب أخته ، ثم أخذ كل منهما نصيبه ، ثم تزوج كل منهما ؛ فالإبن إذا تزوج فإنه مطالب بالمهر ، والسكن ، والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته.
أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها ، وليست مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها ، أو نفقة بيتها أو على أولادها ؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها ، مع مهرها من زوجها ، مع أنها لا تطالب بالنفقة على نفسها وأولادها.
أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه إذا ؟
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام ؛ فأين الأنظمة العادلة في الإسلام من نظم كثير من بقاع الأرض؟ حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل ؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها ، ولقمة تسد جوعتها ، وربما كان ذلك على حساب الشرف ، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرام الإسلام للمرأة ، وجعلها إنسانا مكرما من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة ، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية ، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار ، وتعدها مخلوقا نجسا ؟ وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟
وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعةٍ تنتقل فيه الزوجة ؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت ؛ لتنظر في حقيقة المرأة ، وروحها هل هي من البشر أو لا ؟!
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها ، ورعاية زوجها ، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها ، أو شبابها ، أو هرمها ، وفي حال فقرها أو غناها ، أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام - فإنما هو بسبب القصور والجهل ، والبعد عن تطبيق شرائع الدين ، والوزر في ذلك على من أخطأ - والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه ؛ لعلاج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال : عفة ، وصيانة ، ومودة ورحمة ، ورعاية ، وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئا من تلك المعاني ، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة ، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية ، وأنها لا بد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط ؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج وإظهار المفاتن ، وإبداء الزينة ، وكشف الصدور ، والأفخاذ وهو أشد ؟!
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟!
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات ؟
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة ، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت صلاحيتها ؟
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما نصيب الأم المسنة ، والجدة ، والعجوز ؟
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء ، ودور العجزة والمسنين ؛ حيث لا تزار ولا يسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد ، أو نحوه ، فتأكل منه حتى تموت ؛ فلا رحم هناك ، ولا صلة ، ولا ولي حميم.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها ، وعظم حقها ، وتنافس أولادها وأقاربها على برها - كما سبق - لأنها أدت ما عليها ، وبقي الذي لها عند أبنائها ، وأحفادها، وأهلها ، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية - فزعم باطل ، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب ، والتخلف بعينه ، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية ؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زاد نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم ، كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام ، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام.
قصة البشرية
محمد بن إبراهيم الحمد