المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم من بَحيرا وورقة بن نوفل؟


نور الإسلام
10-01-2012, 05:42 PM
المصادر المزعومة للقرآن الكريم


قالــوا: تعلم محمد r من راهب نسطوري كان يقيم في مدينة بصرى في الشام، كما تعلم من ورقة بن نوفل وهو من علماء أهل الكتاب في مكة، وتربطه صلة قرابة بخديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
والجــواب: تثور في وجه هذه الفرية وأمثالها أسئلة منطقية كثيرة: إذا كان القرآن منقولاً عن ورقة وبَحيرا فلم لم ينسباه إلى أنفسهما؟ ولم أمكنوا محمداً r من ذلك؟ وكيف اطلع هؤلاء على علوم القرآن التي سجلت قصص الأولين والآخرين وحوت المبهر من أخبار الغيوب التي كشف عنها العلم الحديث اليوم؟



لو فرضنا أنه صلى الله عليه وسلم تعلم من بَحيرا وورقة أخبار السابقين، فماذا عن مئات الآيات التي نزلت بخصوص أحداث حصلت بعد وفاة بَحيرا وورقة بزمن طويل، فعالجها القرآن في حينها، كسورة آل عمران التي تتعلق ثمانون آية منها بقدوم نصارى نجران، وستون آية أخرى بأحداث غزوة أُحد ، وسورة التوبة التي تحدثت عن أحداث تتعلق بغزوة تبوك، وسورة الأحزاب التي تناولت أيضاً أحداث تلك الغزوة، ومثل هذا كثير لا يخفى.


ويلزم هنا التنبيه إلى أن لقيا النبي صلى الله عليه وسلم الراهب بَحيرا إبَّان شبيبته ليس محل اتفاق المسلمين، فقد حسَّن رواية هذا الخبر بعض أهل العلم، وضعفها آخرون منهم([1]).
وعلى فرض صحة الرواية فماذا عساه يتعلم غلام يبلغ من العمر التاسعة أو الثانية عشرة ([2]) في لقاء واحد من هذا الراهب النسطوري! لقد صدق توماس كارلايل: "لا أعرف ماذا أقول بشأن الراهب النسطوري (سرجياس) الذي قيل إنه تحادث مع أبي طالب ، كم من الممكن أن يكون أي راهب قد علم صبياً في مثل تلك السن ، لكنني أعرف أن حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير، فقد كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم أربعة عشر عاماً، ولم يعرف لغةً غير لغته "([3]).


وفرض صحة رواية لقيا الراهب للنبي صلى الله عليه وسلم يوصلنا إلى نتيجة أعرض عنها الطاعنون في القرآن ، فقد قال الراهب الذي زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم منه: (هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضـروف كتفه مثل التفاحة) ([4]).


هذا ولم تنقل الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس إلى بحيرا يتعلم منه أخبار السابقين أو غيرهم، بل ذكرت أن بحيرا كان يسأل النبي عن أشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره([5])، يستثبت فيها من كونه نبي آخر الزمان بما يعرفه من بشارات أهل الكتاب عنه، وقد قال أبو طالب:
ما رجعوا حتى رأوا من محمد أحـاديث تجـلو غـم كل فـؤاد
وحتى رأوا أحبار كـل مدينة سجوداً لـه مـن عصبـة وفـراد
فقال لهم قولاً بحيرا وأيقنـوا له بعـد تكـذيب وطـول بعـاد
فإني أخـاف الحاسـدين وإنه لفي الكتب مكتوب بكل مداد ([6])


وأما ورقة بن نوفل الأسدي فلم تذكر كتب السيرة والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه إلا يوم نزل عليه الوحي في غار حراء، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، وتوفي بعدها، أي لم يدرك من القرآن إلا تنزل خمس آيات فقط، وقد قالت عائشة رضي الله عنها وهي تحكي قصة لقيا النبي صلى الله عليه وسلم له بعد نزوله من غار حراء: (ثم لم ينشب [يلبث] ورقة أن توفي) ([7]).
ولو تأمل المنصف بقية القصة لرأى فيها دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد شهد له بالنبوة هذا العالم من علماء أهل الكتاب ، فقال: (هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً).


لقد عرف ورقة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه منه عن ظهور جبريل له في غار حراء، حين قال له: اقرأ . فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بقارئ »([8])، فهو مصداق ما يجده في صحف أهل الكتاب في سفر النبي إشعيا: "أو يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة، ويقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف القراءة" (إشعيا 29/12).
فورقة العالم بالكتب السابقة يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ويتحسر على أيام فتوته، ويود لو قدر على نصرة هذا الحق الفتِي، ولو كان هذا القرآن من تعليمه لكان له موقف آخر، وصدق الله: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ (الرعد: 43).





الشيخ الدكتور منقذ السقار



الهوامش

([1]) قصة لقيا النبي صلى الله عليه وسلم بحيرا أخرجها الحاكم في مستدركه (2/672)، قال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: " أظنه موضوعاً، فبعضه باطل"، وأخرجه الترمذي ح (3620)، وقال: "حسن غريب"، وأبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة ح (1202)، والطبري في تاريخه (2/287)، ونقلها ابن هشام في تهذيبه للسيرة (1/180).
([2]) فقد اختلفت الروايات في ذلك على الرأيين.
([3]) الأبطال، توماس كارلايل، ص (68).
([4]) أخرجه الترمذي ح (3620)، وقال: "حسن غريب".
([5]) انظر: تهذيب سيرة ابن هشام (1/180).
([6]) انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر (66/311).
([7]) أخرجه البخاري ح (4)، ومسلم ح (160).
([8]) انظر الحديث السابق.