المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نزل القرآن على سبعة أحرف


نور الإسلام
10-01-2012, 05:54 PM
اختلاف مصاحف الصحابة


قالــوا : اختلفت مصاحف الصحابة في الصدر الأول مما استدعى من الخليفة الثالث عثمان أن يقول بإحراق هذه المصاحف وأن يجمع الصحابة على مصحفه.
الجـواب : تحدثنا فيما سبق عن جمع عثمان للمصاحف، ( راجع جمع القرآن الكريم كتابتا ) وتبين لنا في حينه أن أبا بكر الصديق جمع القرآن في دفتي كتاب بعد أن جمع كل ما عند الصحابة مما كتبوه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عثمان أراد جمع الصحابة على حرف قريش الذي نزل القرآن به، وأنه بدأ بصحف الجمع البكري، فأرسل إلى أم المؤمنين حفصة والتي كانت تحتفظ بصحف أبي بكر: (أن أرسلي إلينا بالصحف؛ ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك)، فقد أعاد عثمان نسخ صحف أبي بكر التي جمعت من المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد استوثق له وانعقد له إجماع الصحابة.




فإن وجد في مصاحف بعض الصحابة خلاف المصحف المجمع عليه، فهذا يعود إلى خطأ في نسخته، ونسخته ليست أثبت من النسخة التي أجمع عليها الصحابة، إذ قد يفوت الآحاد ما لا يفوت الجمع، كما أن في نسخ آحادهم بعض ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل العرضة الأخيرة للوحي في أواخر حياة النبيصلى الله عليه وسلم، ففيها ما نسخت تلاوته، كما قد يقع في نسخ آحاد الصحابة نقص بعض سوره أو زيادة الناسخ - في نسخته - شرح كلمة وسواها، فيخشى أن يظن من يأتي بعد ناسخها أنها من القرآن.


وتكامل المصحف العثماني وفق المنهجية التي ذكرنا تفاصيلها قبلُ، وأجمع أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم على القراءة بهذا المصحف، وأمر عثمان بإرسال نسخ منه إلى الأمصار، وأمر من كان عنده شيء من صحف القرآن أن يحرقها، يقول حذيفة: (حتى إذا نسخوا الصحف [صحف الجمع البكري] في المصاحف؛ رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) ([1]رضي الله عنه : (يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعاً، والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل) ([2]رضي الله عنه : (أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد) ([3]).)، ويقول مصعب بن سعد ) ففعل الصحابة وامتثلوا ذلك، واتفقوا على صحة صنيع عثمان، يقول علي


وأما ما نقل عن اعتراض ابن مسعود رضي الله عنه وقوله: (يا معشر المسلمين، أُعزل عن نسخ كتابة المصحف ويتولاها رجل [يقصد زيد بن ثابت] ، والله لقد أسلمتُ وإنه لفي صُلب رجل كافر) ([4]رضي الله عنه ، وهو الذي تعلم القرآن قبل ولادة زيد رضي الله عنه ، وقد لقي اعتراضه كراهية في صدور كبار الصحابة الذين رأوا في اختيار زيد الاختيار الأمثل والأفضل، يقول الزهري في تمام الرواية معلقاً على اعتراض ابن مسعود: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة ابن مسعود رجالٌ من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.)، فهو اعتراض شخصي الصبغة، لا يتضمن اعتراضاً منه على وثوقية الجمع أو منهجيته، ولا على أمانة زيد بن ثابت أو قدرته، لكنه يعتب على الصحابة رضوان الله عليهم أنهم أسندوها إلى شاب صغير، ولم يسندوها إليه
وهكذا اجتمعت الأمة على القراءة بالمصحف الذي كتبه عثمان رضي الله عنه واتفق الصحابة عليه، وما زال المسلمون في كل عصر يطبعون القرآن وفق رسمه.
اختلاف الصدر الأول في قراءة بعض آيات القرآن الكريم


قالـوا: اختلف الناس في قراءتهم لبعض آيات القرآن على عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فجاء حذيفة بن اليمان إليه فقال: (يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى)([5])، مما استدعى من الخليفة الثالث جمعهم على قراءة واحدة، فاختلافهم قبل جمع عثمان دليل على تدخل البشر في النص القرآني.
الجواب: نزل القرآن الكريم أول ما نزل في مجتمع قريش في مكة حاضرة العرب، فأقرأ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه المكيين القرآن الكريم، فكان سهلاً وميسوراً عليهم قراءته، فهم أفصح العرب بياناً.
ثم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة دخلت قبائل العرب في الإسلام فصعب عليهم قراءة القرآن وفق لهجة قريش، فبعض حروفها غير مألوف في كلامهم، كما ثمة كلمات عربية قرآنية لم تكن شائعة في لهجاتهم، ونظراً لكون عامة العرب أميين يصعب عليهم التحول عن مألوف لهجاتهم إلى لهجة قريش؛ وبخاصة كبار السن والأطفال فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الله عز وجل أن يخفف عن أمته بإقراء الناس القرآن على حروف سبعة، فعن أُبي بن كعب أن جبريل لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند غدير لبني غفار، فقال: «إن الله يأمرك أن تُقرئ أُمتك القرآن على حرف. فقال صلى الله عليه وسلم: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك.
ثم أتاه الثانية، فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أُمتك القرآن على حرفين. فقال صلى الله عليه وسلم: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أُمتي لا تطيق ذلك.
ثم جاءه الثالثة، فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أُمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال صلى الله عليه وسلم: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أُمتي لا تطيق ذلك.
ثم جاءه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أُمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا»([6]).
وفي رواية أنه قال: «يا جبريل إني بعثتُ إلى أمة أميين، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط. قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف»([7])، فهذه الأحرف السبعة رخصة وتيسير من الله، وقد نزل القرآن بها جميعاً، وليست اجتهاداً نبوياً.
وقد فسر لنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحروف، كما روي عن أبي بكرة أن جبريل أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة على سبعة أحرف، وقال له: «كلٌّ شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال وأقبل، وهلم واذهب، وأسرع واعجل»([8]).
وقد قرأ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الوجوه التي يسر الله بها عليهم، وأقرؤوا الناس بها، حتى ذربت على قراءته ألسنتُهم وسهل عليهم حفظُه وقراءتُه في الصلوات والخلوات.
وقد التبس على بعض الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اختلافُ بعض الكلمات أو طريقة نطقها أو وجوه الإعراب فيها بسبب تعدد الأحرف ، فتولى صلى الله عليه وسلم رفع الخلاف بينهم، وبيَّن لهم أن جميع هذه الأحرف من وحي الله، يقول عمر بن الخطاب: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله، فاستمعتُ لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله ، فقلت: كذبت، فإن رسول الله قد أقرأنيها على غير ما قرأت.
فانطلقت به أقوده إلى رسول الله، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله: «أرسله. اقرأ يا هشام». فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله : «كذلك أنزلت».
ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله : «كذلك أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسـر منه»([9])، فالقرآن نزل بتلك الحروف التي قرأ بها عمر وبتلك التي قرأ بها هشام، واختلافهما ليس مرده الخطأ والنسيان، بل تسهيل الله على هذه الأمة الأمية قراءة كتابها.
ومثل هذا الموقف وقع لأُبي بن كعب حين دخل المسجد فسمع رجلاً يصلي ويقرأ قراءة أنكرها أُبي عليه ، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فالتبس الأمر على أُبي، فدخل معهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرؤوا بين يديه، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما.
يقول أُبي: فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقاً وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقاً، فقال لي: «يا أُبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين. فرددت إليه أن هوِّن على أمتي. فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف»([10])، ففهم أُبي بن كعب حينذاك أن القرآن تنزل بهذه الحروف، وأن الخلاف بين الصحابة في بعض حروفه هو رخصة من الله أعطاها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تخفيفاً عليهم ورحمة بهم، ولذلك كان رضي الله عنه يقرأ بهذه الحروف بعد اجتماع الصحابة على لغة قريش وحرف القرآن الذي تنزل به أول مرة، وكان يقول: (لا أدع شيئاً سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)([11]).
لقد فهم الصحابة حكمة تعدد الأحرف وما تقتضيه هذه الرخصة من تنوع؛ اقتضاه تنوع لهجات القبائل العربية واختلاف طريقة نطق كل قبيلة لبعض الحروف العربية عن غيرها من القبائل، فلم يعب بعضهم على بعض قراءته، إذ علموا أن كل ذلك من عند الله.
لكن الأمر لم يكن كذلك في عهد عثمان الخليفة الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث دخل في الإسلام العرب والعجم، ممن لم يفقه الأحرف السبعة ، وأن الله نزل القرآن بها جميعاً تسهيلاً ورحمة بالأمة، فجعل بعضهم يخطئ الآخرين في قراءتهم ، ويرى أن حرفه أصح من حرف غيره، وحصل بينهم مراء ، فجاء حذيفة بن اليمان إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه يشكو تنافر المسلمين بسبب اختلافهم في الحروف التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى"([12]).
فاستشار عثمان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في إعادة نسخ القرآن في مصحف واحدجامع: (نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت)([13]).
وقد أسقط الجمع العثماني من الأحرف السبعة ما تعارض مع الرسم العثماني، فقد قال عثمان للجنة الكتابة: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم) ([14])، وليس في ذلك إهمال لبعض نص القرآن، بل عود لأصل تنزله على حرف واحد، فقد عاد الصحابة للأصل الأول الذي نزل به القرآن، وهو لسان قريش بعد أن زال سبب التخفيف والرخصة التي أنزل الله من أجلها بقية الأحرف.
والذي دعا الصحابة إلى هذا الصنيع خوفُهم من تفرق الأمة واختلافها بسبب هذه الرخصة التي فات محلها، ووقوع الناس لجهلهم بحكمتها في المراء الذي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، قال ابن الجزري: "وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبرائيل عليه السلام متضمنة لها لم تترك حرفاً منها .. وهذا القول هو الذي يظهر صوابه لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له"([15]).
وهكذا اجتمع المسلمون منذ الصدر الأول على القراءة بالقرآن الذي بين أيدينا ، فنقل عن الصحابة بطرق لا تحصى لكثرتها، نقل منها ابن الجزري في النشر 980 طريقاً([16])، وهي في كل ذلك لا تختلف عن بعضها في شيء من آيات أو كلمات القرآن الكريم.

الدكتور منقذ السقار

([1])أخرجه البخاري ح (4988).
([2]) أخرجه أبو بكر ابن أبي داود في كتابه المصاحف ح (77)، وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة (3/996).
([3])أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ح (161)، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن ح (460).
([4])أخرجه الترمذي ح (3104) .
([5]) أخرجه البخاري ح (4988).
([6]) أخرجه مسلم ح (821).
([7]) أخرجه الترمذي ح (2944).
([8]) أخرجه أحمد ح (19992).
([9]) أخرجه البخاري ح (4992)، ومسلم ح (818).
([10]) أخرجه مسلم ح (820).
([11]) أخرجه البخاري ح (4481).
([12]) أخرجه البخاري ح (4988).
([13]) أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ح (77)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (9/18).
([14]) أخرجه البخاري ح (3506).
([15]) النشر في القراءات العشر (1/31-32)، وانظر: تفسير الطبري (1/58-59).
([16])انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري (1/190).