نور الإسلام
10-01-2012, 05:59 PM
قالــوا: أتى القرآن بالمنكر من القول حين ذكرت آياته أن الله يضل من يشاء، والإضلال عمل مشين، فكيف ينسبه القرآن إلى الله عز وجل؟! وكيف يعذب الله بناره من أضلهم وحجب عنهم هدايته؟!
الجـواب: من الضروري أن يتبين لكل أحد أنه لا يوجد كتاب امتدح الله وعظمه بمثل ما نجد في القرآن العظيم، ولكنا نؤمن أيضاً أنه ما من فعل حسن أو قبيح يجري في هذه الدنيا؛ إلا وهو واقع بمشيئة الله وإرادته، فالمسلمون يؤمنون أن الله هو المهيمن على هذا الكون، فلا رب فيه سواه، وكل ما يجري في الكون من خير أو شرور فإنما يقع وفق قدره الأزلي، فلن يعصـى الله أو يطاع إلا بإرادته وعلمه، وهو تعالى وحده دون سواه خالق الخير والشـر ، فالمسلمون لا يقولون بقول المجوس الذين زعموا أنهم ينزهون الله عن النقائص، فجعلوا للكون خالقين، خالقاً للخير ، وآخر للشر.
وعليه فإن الله هو الذي يخلق ويرزق ويحيي ويعطي وينفع ويهدي، وهو أيضاً من يميت ويمنع ويمرض ويضل، فنسبة مثل هذه الأفعال إليه لتعلقها بطلاقة قدرته وهيمنته جل وعز.
وأما مسألة تعذيب الله لمن أضله وقول القائلين بأنه مناف لعدل الله، فإنما يصدق لو كان إضلال الله للناس ابتداء، وهذا محال على عدل الله تبارك وتعالى ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: 115)، فقد خلق الناس جميعاً على الفطرة موحدين ، لذا خطب النبي ﷺ الناس فقال: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا .. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشـركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً»([1])، وهكذا فالله عز وجل خلق البشر مؤمنين، وإنما ضل من ضل باتباع الشياطين بإرادتهم واختيارهم.
ولتقوم حجة الله على عباده فإنه وهبهم العقل؛ ليميزوا به بين سبيل الخير وسبيل الشر: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ (البلد: 10)، ولأجل ذلك أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب، ولو كانت الهداية والإضلال جبرية حتمية لما كان من ضرورة لإرسال النبيين ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ (النساء: 165).
والمتأمل في آيات القرآن يرى جلياً أن إضلال الله لهؤلاء الذين أضلهم كان بمقتضى أفعالهم السيئة، فقد أضلهم لاختيارهم العماية ورفضهم الهداية وتنكبهم طرقها، فالله يضل من اختار الضلال، وفي المقابل هو يهدي من اختار الهدى والرشاد.
وقد نبه القرآن على هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله : ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ (الصف: 5)([2]) ، فكان إضلال الله لهم ومنعه الهداية عنهم بسبب زيغانهم، ومثله قوله: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ (البقرة: 10).
ومثله حال أولئك الذين صرف الله قلوبهم عن النور والهدى بسبب استكبارهم عن قبول الحق ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: 146).
ووفق هذه القاعدة أيضاً أضل الله من نقض عهده وميثاقه وأفسد في الأرض بالمعاصي: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ` الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (البقرة: 26-27)، فهذا الفاسق يستحق الضلالة بسبب إفساده في الأرض وعمله المشين.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ (الأنعام: 110)، وقوله: ﴿فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ (النحل: 37)، فكل هؤلاء الذين أضلهم الله لا يستحقون هداية الله بسبب فعالهم القبيحة: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ` أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (آل عمران: 86-87).
وكما أن الإضلال نتيجة للضلال ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ (الشورى: 40)، فكذلك هداية الله إنما هي توفيق وجزاء لمن اختار طريق الطاعة ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ (النساء: 175)، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ` وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ` فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ` وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ` وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ` فَسَنُيَسّـِرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ (الليل: 5-10).
ومثل هذه المعاني التي يستنكرها أهل الكتاب على القرآن وردت في كتبهم ، ومنه قول بولس: " لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب ، لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سروا بالإثم " (تسالونيكي (2) 2/10-12).
وبعد ثبوت براءة القرآن مما نسبوه إليه فإني أتساءل والعَجب يلفني: هل جهل أصحاب هذه الشبهة وجود ما استنكروه على القرآن في كتبهم؟ ألم يقرؤوا ما جاء في سفر حزقيال ، وهو من الأسفار المقدسة التي يؤمن بها الطاعنون في القرآن من اليهود والنصارى: "النبي إذا ضل وتكلم بكلام ، فأنا الرب أضللت ذلك النبي" (حزقيال 14/9)؟! ([3])، وفي العهد الجديد يذكر بولس أن الله يقسي قلوب من أراد ضلالهم: "هو يرحم من يشاء، ويقسـي من يشاء" (رومية 9/18)، فماذا هم قائلون؟
وبعيداً عن التعليل القرآني الذي ذكرناه لإضلال الله أهل الشر من عباده؛ فإن بولس لا يجعل الهداية والإضلال بسبب اختيار البشـر ونتيجة أفعالهم، بل يسنده وما يستتبعه من العذاب إلى حق الله المطلق في فعل ما يشاء، فيقول: "فتقول لي: لماذا يلوم بعد؟ لأن من يقاوم مشيئته! بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟ ألعل الجبْلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة، وآخر للهوان" (رومية 9/18-21)، فالإضلال حسب النص الإنجيلي لا يتعلق إلا بالمشيئة الإلهية، وليس بسبب ظلم العباد وضلالهم وطغيانهم.
هل يضل الله البشر
الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1]) أخرجه مسلم ح (2865).
([2]) وقد ورد مثل هذا في آيات كثيرة ذكرت أن الله لا يهدي الظالمين والكافرين والخائنين وغيرهم ممن تنكب طريق الحق واختار العماية على الهداية.
([3]) وقد تكرر هذا في نصوص كثيرة نكتفي بالإشارة إلى بعضها: انظر: (الخروج 7/3)، (الأيام (2) 18/22)، (تسالونيكي (2) 2/11).
الجـواب: من الضروري أن يتبين لكل أحد أنه لا يوجد كتاب امتدح الله وعظمه بمثل ما نجد في القرآن العظيم، ولكنا نؤمن أيضاً أنه ما من فعل حسن أو قبيح يجري في هذه الدنيا؛ إلا وهو واقع بمشيئة الله وإرادته، فالمسلمون يؤمنون أن الله هو المهيمن على هذا الكون، فلا رب فيه سواه، وكل ما يجري في الكون من خير أو شرور فإنما يقع وفق قدره الأزلي، فلن يعصـى الله أو يطاع إلا بإرادته وعلمه، وهو تعالى وحده دون سواه خالق الخير والشـر ، فالمسلمون لا يقولون بقول المجوس الذين زعموا أنهم ينزهون الله عن النقائص، فجعلوا للكون خالقين، خالقاً للخير ، وآخر للشر.
وعليه فإن الله هو الذي يخلق ويرزق ويحيي ويعطي وينفع ويهدي، وهو أيضاً من يميت ويمنع ويمرض ويضل، فنسبة مثل هذه الأفعال إليه لتعلقها بطلاقة قدرته وهيمنته جل وعز.
وأما مسألة تعذيب الله لمن أضله وقول القائلين بأنه مناف لعدل الله، فإنما يصدق لو كان إضلال الله للناس ابتداء، وهذا محال على عدل الله تبارك وتعالى ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: 115)، فقد خلق الناس جميعاً على الفطرة موحدين ، لذا خطب النبي ﷺ الناس فقال: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا .. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشـركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً»([1])، وهكذا فالله عز وجل خلق البشر مؤمنين، وإنما ضل من ضل باتباع الشياطين بإرادتهم واختيارهم.
ولتقوم حجة الله على عباده فإنه وهبهم العقل؛ ليميزوا به بين سبيل الخير وسبيل الشر: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ (البلد: 10)، ولأجل ذلك أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب، ولو كانت الهداية والإضلال جبرية حتمية لما كان من ضرورة لإرسال النبيين ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ (النساء: 165).
والمتأمل في آيات القرآن يرى جلياً أن إضلال الله لهؤلاء الذين أضلهم كان بمقتضى أفعالهم السيئة، فقد أضلهم لاختيارهم العماية ورفضهم الهداية وتنكبهم طرقها، فالله يضل من اختار الضلال، وفي المقابل هو يهدي من اختار الهدى والرشاد.
وقد نبه القرآن على هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله : ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ (الصف: 5)([2]) ، فكان إضلال الله لهم ومنعه الهداية عنهم بسبب زيغانهم، ومثله قوله: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ (البقرة: 10).
ومثله حال أولئك الذين صرف الله قلوبهم عن النور والهدى بسبب استكبارهم عن قبول الحق ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: 146).
ووفق هذه القاعدة أيضاً أضل الله من نقض عهده وميثاقه وأفسد في الأرض بالمعاصي: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ` الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (البقرة: 26-27)، فهذا الفاسق يستحق الضلالة بسبب إفساده في الأرض وعمله المشين.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ (الأنعام: 110)، وقوله: ﴿فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ (النحل: 37)، فكل هؤلاء الذين أضلهم الله لا يستحقون هداية الله بسبب فعالهم القبيحة: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ` أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (آل عمران: 86-87).
وكما أن الإضلال نتيجة للضلال ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ (الشورى: 40)، فكذلك هداية الله إنما هي توفيق وجزاء لمن اختار طريق الطاعة ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ (النساء: 175)، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ` وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ` فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ` وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ` وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ` فَسَنُيَسّـِرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ (الليل: 5-10).
ومثل هذه المعاني التي يستنكرها أهل الكتاب على القرآن وردت في كتبهم ، ومنه قول بولس: " لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب ، لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سروا بالإثم " (تسالونيكي (2) 2/10-12).
وبعد ثبوت براءة القرآن مما نسبوه إليه فإني أتساءل والعَجب يلفني: هل جهل أصحاب هذه الشبهة وجود ما استنكروه على القرآن في كتبهم؟ ألم يقرؤوا ما جاء في سفر حزقيال ، وهو من الأسفار المقدسة التي يؤمن بها الطاعنون في القرآن من اليهود والنصارى: "النبي إذا ضل وتكلم بكلام ، فأنا الرب أضللت ذلك النبي" (حزقيال 14/9)؟! ([3])، وفي العهد الجديد يذكر بولس أن الله يقسي قلوب من أراد ضلالهم: "هو يرحم من يشاء، ويقسـي من يشاء" (رومية 9/18)، فماذا هم قائلون؟
وبعيداً عن التعليل القرآني الذي ذكرناه لإضلال الله أهل الشر من عباده؛ فإن بولس لا يجعل الهداية والإضلال بسبب اختيار البشـر ونتيجة أفعالهم، بل يسنده وما يستتبعه من العذاب إلى حق الله المطلق في فعل ما يشاء، فيقول: "فتقول لي: لماذا يلوم بعد؟ لأن من يقاوم مشيئته! بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟ ألعل الجبْلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة، وآخر للهوان" (رومية 9/18-21)، فالإضلال حسب النص الإنجيلي لا يتعلق إلا بالمشيئة الإلهية، وليس بسبب ظلم العباد وضلالهم وطغيانهم.
هل يضل الله البشر
الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1]) أخرجه مسلم ح (2865).
([2]) وقد ورد مثل هذا في آيات كثيرة ذكرت أن الله لا يهدي الظالمين والكافرين والخائنين وغيرهم ممن تنكب طريق الحق واختار العماية على الهداية.
([3]) وقد تكرر هذا في نصوص كثيرة نكتفي بالإشارة إلى بعضها: انظر: (الخروج 7/3)، (الأيام (2) 18/22)، (تسالونيكي (2) 2/11).