مزون الطيب
17-02-2012, 02:52 PM
علامات نقص الإيمان في قلب العبد
خالد الحسينان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد؛
أحبابي الكرام؛ هناك موضوع ما أحوجنا إلى هذا الموضوع، ألا وهو موضوع:
للأسف الشديد ومن المحزن والمبكي أنَّنا نتفقَّد كلَّ شيء في حياتنا، كلّ شيء في حياتنا نتفقَّده وننظر فيه؛ نتفقَّد السيارة هل هي تحتاج إلى وقود، هل تحتاج إلى تغيير -مثلاً- (الكفرات) [إطارات السيارة]، هل تحتاج إلى تغيير الزيت، هل ترتفع الحرارة في السيارة ونحن نقودها، نتفقَّد كذلك المال، الإنسان تجده كل يوم أو يومين يتفقَّد المال؛ كم بقي من الراتب، كم بقي من المال الذي عنده، نتفقَّد الملابس؛ قبل الخروج من البيت أحدنا يتفقَّد ملابسه هل هي نظيفة أو فيها بقعة من البقع، يتفقَّد بدنه هل رائحته كريهة يحتاج إلى أن يتطيَّب، نتفقَّد الفراش؛ لا بدَّ أن يكون الفراش فراش دافئ، فراش جميل، فراش مريح حتى يرتاح الإنسان في نومه.
أقول: من المشكلات ومن المصائب أنَّنا نتفقَّد كل شيء في حياتنا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل نحن نتفقَّد إيماننا؟ هل واحد منَّا يتفقَّد هل إيماني ينقص أم إيماني يزيد؟ ولهذا قال بعض السلف: من فِقْه العبد أنَّه يتفقَّد إيمانه هل إيمانه يزيد أم ينقص، لكن بعض الناس لا ينظر في إيمانه هل يزيد أم ينقص، ما عنده مشكلة، وهذا بحدِّ ذاته يُعتبر من علامات نقص الإيمان في قلب العبد، ولهذا أحد الصالحين أعطانا ميزانًا -الدرس كلُّه ينبني على هذا الميزان-؛ قال أحد الصالحين: من علامة نقص الإيمان في قلب العبد أولاً: عدم تأثُّره على فوات شيءٍ من مرضاة الله، هذا الميزان الأول، الميزان الثاني: -قال- عدم حفظ جوارحه ممَّا حرَّم الله عزَّ وجلَّ مع أنَّه يعلم أنَّه سوف يُحاسب عليها، هذان الميزانان سوف نبني عليهما الدرس كلَّه حتى الإنسان ينظر إلى نفسه هل عنده نقص في إيمانه؟ هل إيمانه يزيد أم إيمانه ينقص؟
فأوَّل ميزان سوف نتكلم عليه بشيءٍ من البسط والشرح، فأوَّل ميزان قال -رحمه الله-: هو عدم تأثُّره على فوات شيءٍ من مرضاة الله، يعني إذا فاته شيء من مرضاة الله عزَّ وجلَّ، من طاعة الله، من عبادة الله، تجد هذا الإنسان لا يتأثَّر ولا يتحسَّر ولا يتألَّم ولا يهتمّ ولا يغتمّ، هذه مشكلة من المشكلات، ومرضاة الله عزَّ وجلَّ تنقسم إلى قسمين: هناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور الواجبة، وهناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور المستحبَّة، هناك قسم آخر كذلك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في العبادات القاصرة التي تقتصر على العبد نفسه، وهناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور المتعدِّية التي يتعدَّى نفعها للغير.
فأوَّل قسم: هناك -مثلاً على سبيل المثال- المرضاة الواجبة فتجد هذا الإنسان لا يهتمُّ بصلاته -الصلاة الواجبة- فلو تأخَّر أو أخَّر الصلاة عن وقتها ما عنده مشكلة، لا يتأثَّر ولا يحزن، لو فاتته صلاة الجماعة لا يتأثَّر لا يحزن، وهكذا بقية الواجبات لا يهتمّ -مثلاً- بصلة الأرحام، لا يهتمّ -مثلاً- ببرِّ الوالدين، لا يهتمّ -مثلاً- بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه واجبات، فتجد هذا الإنسان لا يحرص عليها ولا يهتمُّ بها ولا يحزن على فواتها.
القسم الثاني من مرضاة الله عزَّ وجلَّ في الأمور المستحبَّة -النوافل، السنن-؛ فتجد هذا الإنسان لو فاتته -مثلاً- تكبيرة الإحرام مع الجماعة لا يتأثَّر، لو فاته مثلاً الصفُّ الأوَّل لا يتأثَّر، لا يتأثَّر، فينبغي على العبد أن يُحافظ وأن يهتمَّ وأن تشتدَّ عنايته فيما يحبُّه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه، سواء كان من أمور الواجبات أو الأمور المستحبات، وخذوها قاعدة، اكتبوها عندكم قاعدة: كل فضيلة من الفضائل لا تهتمّ بها ولا تحزن على فواتها فاعلم أنَّ فيك علامة من علامات نقص الإيمان.
والفضائل كثيرة هناك فضائل يوميَّة، هناك فضائل أسبوعيَّة، هناك فضائل شهريَّة، هناك فضائل سنويَّة، فعلى سبيل المثال من الفضائل اليوميَّة: قيام الليل، صلاة الضحى، السنن الرواتب، قراءة القرآن، الأذكار التي بعد الصلوات، هذه من الفضائل اليوميَّة، فإذا وجدت نفسك أنَّك لا تهتمّ بها ولا تحرص عليها ولا تحزن على فواتها فاعلم أنَّ فيك نقص في إيمانك.
هناك فضائل أسبوعيَّة مثل: يوم الجمعة مثلاً، فتجد بعض الناس لا يأتي إلى صلاة الجمعة إلا مع خطبة الإمام، فلا يهتمّ أن يأتي مبكِّرًا، ولا يهتمّ مثلاً بساعة الإجابة -وهي آخر ساعة من يوم الجمعة-، إلى غير ذلك من الفضائل التي في يوم الجمعة.
كذلك هنالك فضائل شهريَّة وهي: صيام ثلاثة أيام من كل شهر. هناك فضائل سنويَّة في السنة تمرُّ عليك مرَّة واحدة مثل: صيام يوم عرفة، صيام يوم عاشوراء، صيام الست من شوال، صيام المحرم، صيام شعبان، وغير ذلك من الفضائل. فإذا وجدت من نفسك -يا عبد الله- أنَّك لا تهتمّ بفضائل الأعمال ولا تحرص عليها ولا تحزن على فواتها فاعلم أنَّ فيك علامة من علامات نقص الإيمان.
كذلك ممَّا يدخل في مرضاة الله عزَّ وجلَّ الاهتمام بالسنن اليوميَّة -وما أكثر السنن اليوميَّة!- فإذا وجدت نفسك أنَّك لا تهتمّ بهذه السنن فاعلم أنَّ فيك نقصًا في إيمانك، مثلاً على سبيل المثال من السنن اليوميَّة: سنَّة السواك، كثير من الناس لا يحرص على السواك مع أنَّه من السنن المؤكَّدة فكم مرَّة تستاك في يومك؛ في الصلوات سواء كانت فريضة أو نافلة، عند الوضوء فتجد بعض الناس يتكاسل ويتثاقل أن يُخرج السواك من جيبه حتَّى يتسوَّك، قال: ...بس خلِّينا نصلي، لا هذا من علامات نقص الإيمان، إذا وجدت نفسك أنَّك تحتقر المعروف إذا كان صغيرًا أو يسيرًا أو قليلاً فاعلم أنَّ فيك علامة من علامات نقص الإيمان، ولهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم نبَّهنا على هذا الأمر، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرنَّ شيئًا من المعروف ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، إذن لا بدَّ -يا أحبابي الكرام- أن نهتمّ بفضائل الأعمال كلّها، أن نهتمَّ بالسنن اليوميَّة كلِّها، كثيرٌ من الناس لا يهتمُّ بإتقان العبادة همُّه الأول والأكبر أنَّه يؤدي هذه العبادة، يُصلي؛ كيف صلَّى ما عنده مشكلة؛ لا، لا بدَّ أن تهتمَّ بكيفيَّة العبادة، أن تتقن هذه العبادة، أن تحرص على الأركان والواجبات والمستحبَّات والسنن وكل شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العبادة، أي كالصلاة لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي" فتجد بعض الناس همُّه أن يُصلي فقط: والله أنا صلّيت مع الجماعة، كيف صلّيت؟ ماذا قرأ الإمام؟ ماذا قلت في سجودك؟ لا يهتمّ بهذه الأمور، ولا تجده يخشع في صلاته، فهذه علامة من علامات نقص الإيمان. ولا يتدبَّر ما يقول! انتبهوا -يا أحبابي الكرام-! هذه علامة من علامات نقص الإيمان، عدم تدبُّر الأذكار وتدبُّر الأدعية، الإنسان يقول هذه الأذكار وهذه الأدعية مجرَّد يقولها بلسانه ولا يقولها من قلبه، ولا يتأثَّر ولا يتفاعل معها لا شكَّ أنَّ هذا دليل وعلامة من علامات نقص الإيمان في قلب هذا العبد، فهذا أمرٌ مهم لا بدَّ أن نهتمَّ به. عدم التكاسل في أداء العبادة؛ كثيرٌ من الناس يتثاقل.. عندما تقول له: لماذا لا تقرأ القرآن؟ تجده يتثاقل ويشعر بالكسل، لكن مثلاً في مشاهدة مباريات أو متابعة فضائيات أو قيل وقال فتجده -سبحان الله- من أنشط الناس، وتجد عنده القوة والعزم والحزم –سبحان الله- في أمور الدنيا، لكن في أمور العبادة والطاعة تجده من أكسل الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن القويُّ أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف"، إذن هذا القسم الأوَّل: وهو أنَّ مرضاة الله عزَّ وجلَّ تنقسم إلى قسمين: هناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في أمور الواجبات، وهناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور المستحبَّات.
وأعطيكم هذه القاعدة التربوية سبحان الله نفسك..، من رحمة الله عزَّ وجلَّ أنَّ هذه النفس على حسب ما يُعوِّدها الإنسان تعتاد عليه؛ إذا عوَّدت نفسك على الخشوع تعتاد على الخشوع، عوَّدت نفسك على قيام الليل تعتاد على قيام الليل، عوَّدت نفسك على صلاة الضحى تعتاد على صلاة الضحى، عوَّدت نفسك على المحافظة على الأذكار -أذكار الصباح، أذكار المساء، أذكار قبل النوم-، تحافظ على السنن اليوميَّة خلاص نفسك تعتاد على هذا الأمر، وإذا عوَّدت نفسك -مشكلة هذه انتبه لها!- إذا عوَّدت نفسك على الكسل والخمول والتثاقل خلاص يُصبح هذا جزء من حياتك والعياذ بالله ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
القسم الثاني من مرضاة الله عزَّ وجلَّ؛ كما قلنا هناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ -أي من العبادات والطاعات- متعلِّقة بالإنسان نفسه مثل: الصيام، قراءة القرآن، الأذكار، هذه نفعها يرجع إلى الإنسان، قاصرة على الإنسان نفسه، هناك من العبادات أو هناك من مرضاة الله ومن العبادات ما نفعها متعدِّي؛ ولهذا يذكر أهل العلم أنَّ العبادات المتعدِّية نفعها أفضل من العبادات القاصر نفعها على الإنسان نفسه، من العبادات المتعدِّي نفعها على سبيل المثال منها: الجهاد في سبيل الله؛ نفعها عام للأمة، نشر العلم، الدعوة إلى الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النصح للمسلمين، إصلاح ذات البين، الانتصار للمظلومين، إغاثة الملهوف، وغير ذلك من العبادات التي يتعدَّى نفعها، فنجد بعض الناس فقط يهتمّ بالعبادات القاصرة التي نفعها قاصر على نفسه ولا يهتمّ ولا يعتني ولا يحرص على العبادات المتعدِّي نفعها لعامَّة الأمَّة، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنَّ ذلك نقصٌ في إيمانه، علامة من علامات نقص الإيمان في قلب العبد؛ ولهذا هنا أوجِّه كلمة لأحبابي وإخواني من طلبة العلم والدعاة إلى الله جلَّ وعلا، أقول لهم: لا تظنُّ أنَّك مثلاً إذا حفظت القرآن، وحفظت مثلاً كتب الحديث، وحفظت بعض الكتب في العقيدة وفي الفقه، وإمام وخطيب، وتلقي محاضرات من هنا وهناك، أنَّك قد بلغت كامل الإيمان، لا؛ وأنت لا تهتمُّ ولا تتفاعل لا تتأثَّر بأحوال المسلمين التي كلّ يوم نسمع عن مصائب وكوارث تحلُّ بإخواننا المسلمين من هنا وهناك؛ مثلاً في أفغانستان أو في العراق أو في الشيشان أو في الصومال أو في أي بلد من بلاد الله عزَّ وجلَّ، فمن لم يهتمّ -انتبه!- من لم يهتمّ بأمر المسلمين –كما جاء عن عبد الله بن مسعود- "من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم". بعض الناس بعض الدعاة وطلبة العلم يقول لك: أنا على خير عظيم، الحمد لله أدرِّس كتب العقيدة وعندي الدروس والمحاضرات والحمد لله أنا على خير عظيم، يظنُّ أنَّه قد بلغ كمال الإيمان لا، لا، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُؤمن أحدكم –المقصود الإيمان الكامل- حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"، هل أنت تحزن لحزن إخوانك الذين يُقتَّلون بالآلاف وأخواتك اللاتي تُغتصب أعراضهنَّ؟ هل أنت تحزن لحزنهم؟ تقول: لا والله أنا لا أحزن لحزنهم، ولا أتأثَّر، ولا أتفاعل ولا أقدِّم أي معونة؛ لا دعاء، لا مال، لا نُصرة: لا بالنفس ولا بالمال، هذا دليل على نقص الإيمان في قلبك وإن كنت حافظًا للقرآن وحافظًا لكثيرٍ من متون الفقه والأحاديث، هذا أمر لا بدَّ أن ننتبه له.
إذن باختصار شديد نقول:
الميزان الأول الذي ذكره، أحد الصالحين قال: من علامة نقص الإيمان في قلب العبد هو عدم تأثُّره بفوات شيء من مرضاة الله عزَّ وجلَّ، ما يتأثَّر، ما يحزن، لأنَّ المسلم الواجب عليه أو صاحب القلب الحيّ الذي تعلَّق بالله أنَّه ما تفوته فضيلة، ما يفوته عمل صالح، ما يفوته سنَّة من السنن، إلا ويحزن ويهتمّ ويغتمّ لها؛ هذا دليل على حياة قلب هذا الإنسان.
الميزان الثاني الذي ذكره هذا الصالح قال: عدم حفظه جوارحه ممَّا حرَّم الله عزَّ وجلَّ، كيف عدم حفظه جوارحه مما حرَّم الله عزَّ وجلَّ؟ المحرَّمات كثيرة: هناك محرمات تتعلَّق بالقلب؛ ذنوب نسمِّيها ذنوب القلوب: الكبر، الرياء، النفاق، الحسد، الحقد، سوء الظن، استحقار الآخرين، هذه كلّها ذنوب لكن بماذا تتعلّق؟ تتعلّق بقلب العبد، فلا بدَّ من الإنسان أن يُكافحها وأن يُطهِّرها وأن ينظِّفها من قلبه، فمن وجد في قلبه مثلاً حقد أو حسد أو حبّ التصنُّع للآخرين أو حبّ المدح والثناء وأن تكون له منزلة في قلوب الناس فاعلم أنَّ في قلبك مرض لا بدَّ أن تداويه، هناك محرَّمات ومعاصي متعلِّقة باللسان، وما أكثر المحرَّمات المتعلِّقة باللسان لعلي لا أبالغ إن قلت أنَّ أكثر المحرَّمات تتعلّق في اللسان؛ انظر الغيبة، النميمة، الكذب، السبّ، الشتم، القول على الله بغير علم، محرَّمات كثيرة.. ذنوب كثيرة كلُّها تتعلَّق باللسان، فمن وقع مثلاً في الغيبة أو في النميمة أو في السبّ أو في الشتم فنقول لهذا الشخص أنت فيك علامة من علامات نقص الإيمان.
مشكلة من المشكلات ومصيبة من مصائب -يا أحبابي الكرام- أنَّنا أصبحنا نستهين بالكلمات التي نلقيها؛ فمثلاً نستهين بالغيبة مع أن الغيبة من كبائر الذنوب -كما هو قول الجمهور والله تعالى أعلم-، فأصبح بعضنا يتساهل في الكلمات: فلان ثقيل الدم، فلان جبان، فلان بخيل، فلان كذا.. لا يهتمّ وإذا قلت.. قال لك: لا؛ هذا ليس..، ما عندنا ورع، ما عندنا عفَّة في ألسنتنا، بل إنَّ من المصائب كذلك والمشكلات التي يقع فيها كثير من الناس -ونحن منهم نسأل الله أن يعفو عنا ويغفر لنا- هو الضعف والعجز والخور في عدم إنكار الغيبة، كم نسمع من الغيبة في مجالسنا ولكن تجد أحدنا -لا نقول يأخذه الحياء؛ لأنَّ هذا ليس من الحياء، هذا من الضعف والخور- لا يُنكر الغيبة، يسكت مجاملة لجلسائه ولأصحابه، نقول: لا، لا بدَّ أن تُنكر الغيبة، لكن إنكار الغيبة يأتي بطرق جميلة، هناك طرق، أسلوب لطيف جميل رقيق تستطيع تنكر الغيبة وتُرِيَ الله من نفسك: يا ربّ أنا لست راضٍ عن هذا الكلام، على سبيل المثال تقول: يا جماعة جزاكم الله خير لا نريد أحد أن يأخذ من حسناتنا، هذا نوع من أنواع [إنكار] الغيبة، خلاص الناس عرفوا الجلساء وصاحب الغيبة الذي يغتاب يعرف أنَّك أنكرت عليه، "يا جماعة غيِّروا السالفة جزاكم الله خير، غيِّروا الموضوع" هذا نوع من أنواع إنكار الغيبة.
أقول -أحبابي الكرام-: من المشكلات أنَّ المعصية -وهذه ذكرها ابن القيم رحمه الله- أنَّ الإنسان يتعوَّد على المعصية يومًا بعد يوم بعدين تُصبح هذه المعصية جزء من حياته، لا يستطيع أن يفارقها؛ مثل الذي يزني، يزني أول مرَّة ثاني مرَّة ثالث مرَّة، بعدين خلاص يتعوَّد على الزنى حتى لو تزوَّج يزني، الذي يشرب الخمر أوَّل مرَّة يشرب كأس وثاني مرَّة وثالث، بعدين خلاص يُصبح الكأس يُصبح الخمر جزء من حياته، كذلك التدخين، كذلك المخدرات، كذلك السبّ والشتم، كذلك الغيبة، والله يا إخوة إنِّي أعرف شخص من الصالحين -تصوَّروا يا إخوة- يصوم الاثنين والخميس لا يترك ما أذكر أن.. ما يترك صيام الاثنين والخميس وثلاث الأيام البيض ما يتركها، لكن –سبحان الله- مبتلي؛ لسانه ابتُلي بماذا؟ بالغيبة، ما أن يجلس مجلس وتجده لا بدَّ أن يذكر أحد الناس بسوء، خلاص أصبحت الغيبة جزء من حياته، جزء من شخصيته، هذه مشكلة من المشكلات.
إذن هذا علامة من علامات نقص الإيمان، هذا الميزان نأخذه أنَّ الإنسان إذا رأى نفسه أنَّه يقع في الذنوب، ولا يُبالي، ولا يرتدع، ولا يخاف، ولا يخشى من الله سبحانه وتعالى، ويبدأ يتساهل في الصغائر يقول لك: هذه صغيرة، فتجده ينظر إلى النساء، تجده -والعياذ بالله- يقع في محرَّمات وذنوب كثيرة، فيستدرج به الشيطان، والله سبحان وتعالى قال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) فمرَّة بعد مرَّة بعد مرَّة، مثل بعض الناس الآن أصبح عنده إدمان في النظر إلى النساء، إلى الأفلام الإباحيَّة، خلاص أصبح ما يستطيع يقول: كيف تمرّ عندي امرأة ما أراها، لا بدّ أن أراها، خلاص أصبحت جزء من حياته، النظر جزء من حياته –هذه المعصية-، فاعلم -يا عبد الله- أنَّك إذا رأيت من نفسك -هذا ميزان وعلامة من علامات نقص الإيمان في قلب العبد- أنَّك تقع في المحرَّمات والذنوب؛ سواء كانت ذنوب قلبية أو ذنوب تتعلَّق بالجوارح كاللسان أو السمع أو البصر أو الفرج أو غير ذلك، ولا تبالي ولا تهتمّ ولا تحزن ولا تتوب إلى الله فاعلم أنَّ ذلك دليل على نقصٍ في إيمانك، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
ولهذا ينبغي على العبد أن يدعو الله سبحانه وتعالى دائمًا، وأن يبتهل إلى الله، وأن ينكسر بين يدي الله سبحانه وتعالى، فيقول: اللهم إنِّي أعوذ بك من شرّ سمعي وشرّ بصري وشرّ لساني وشرّ قلبي وشرّ منيّي، أن يدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء: اللهم إنِّي أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
هذا باختصار شديد عن علامات نقص الإيمان في قلب العبد.
أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يُوفِّقني وإيَّاكم لما يُحبُّ ويرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
خالد الحسينان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد؛
أحبابي الكرام؛ هناك موضوع ما أحوجنا إلى هذا الموضوع، ألا وهو موضوع:
للأسف الشديد ومن المحزن والمبكي أنَّنا نتفقَّد كلَّ شيء في حياتنا، كلّ شيء في حياتنا نتفقَّده وننظر فيه؛ نتفقَّد السيارة هل هي تحتاج إلى وقود، هل تحتاج إلى تغيير -مثلاً- (الكفرات) [إطارات السيارة]، هل تحتاج إلى تغيير الزيت، هل ترتفع الحرارة في السيارة ونحن نقودها، نتفقَّد كذلك المال، الإنسان تجده كل يوم أو يومين يتفقَّد المال؛ كم بقي من الراتب، كم بقي من المال الذي عنده، نتفقَّد الملابس؛ قبل الخروج من البيت أحدنا يتفقَّد ملابسه هل هي نظيفة أو فيها بقعة من البقع، يتفقَّد بدنه هل رائحته كريهة يحتاج إلى أن يتطيَّب، نتفقَّد الفراش؛ لا بدَّ أن يكون الفراش فراش دافئ، فراش جميل، فراش مريح حتى يرتاح الإنسان في نومه.
أقول: من المشكلات ومن المصائب أنَّنا نتفقَّد كل شيء في حياتنا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل نحن نتفقَّد إيماننا؟ هل واحد منَّا يتفقَّد هل إيماني ينقص أم إيماني يزيد؟ ولهذا قال بعض السلف: من فِقْه العبد أنَّه يتفقَّد إيمانه هل إيمانه يزيد أم ينقص، لكن بعض الناس لا ينظر في إيمانه هل يزيد أم ينقص، ما عنده مشكلة، وهذا بحدِّ ذاته يُعتبر من علامات نقص الإيمان في قلب العبد، ولهذا أحد الصالحين أعطانا ميزانًا -الدرس كلُّه ينبني على هذا الميزان-؛ قال أحد الصالحين: من علامة نقص الإيمان في قلب العبد أولاً: عدم تأثُّره على فوات شيءٍ من مرضاة الله، هذا الميزان الأول، الميزان الثاني: -قال- عدم حفظ جوارحه ممَّا حرَّم الله عزَّ وجلَّ مع أنَّه يعلم أنَّه سوف يُحاسب عليها، هذان الميزانان سوف نبني عليهما الدرس كلَّه حتى الإنسان ينظر إلى نفسه هل عنده نقص في إيمانه؟ هل إيمانه يزيد أم إيمانه ينقص؟
فأوَّل ميزان سوف نتكلم عليه بشيءٍ من البسط والشرح، فأوَّل ميزان قال -رحمه الله-: هو عدم تأثُّره على فوات شيءٍ من مرضاة الله، يعني إذا فاته شيء من مرضاة الله عزَّ وجلَّ، من طاعة الله، من عبادة الله، تجد هذا الإنسان لا يتأثَّر ولا يتحسَّر ولا يتألَّم ولا يهتمّ ولا يغتمّ، هذه مشكلة من المشكلات، ومرضاة الله عزَّ وجلَّ تنقسم إلى قسمين: هناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور الواجبة، وهناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور المستحبَّة، هناك قسم آخر كذلك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في العبادات القاصرة التي تقتصر على العبد نفسه، وهناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور المتعدِّية التي يتعدَّى نفعها للغير.
فأوَّل قسم: هناك -مثلاً على سبيل المثال- المرضاة الواجبة فتجد هذا الإنسان لا يهتمُّ بصلاته -الصلاة الواجبة- فلو تأخَّر أو أخَّر الصلاة عن وقتها ما عنده مشكلة، لا يتأثَّر ولا يحزن، لو فاتته صلاة الجماعة لا يتأثَّر لا يحزن، وهكذا بقية الواجبات لا يهتمّ -مثلاً- بصلة الأرحام، لا يهتمّ -مثلاً- ببرِّ الوالدين، لا يهتمّ -مثلاً- بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه واجبات، فتجد هذا الإنسان لا يحرص عليها ولا يهتمُّ بها ولا يحزن على فواتها.
القسم الثاني من مرضاة الله عزَّ وجلَّ في الأمور المستحبَّة -النوافل، السنن-؛ فتجد هذا الإنسان لو فاتته -مثلاً- تكبيرة الإحرام مع الجماعة لا يتأثَّر، لو فاته مثلاً الصفُّ الأوَّل لا يتأثَّر، لا يتأثَّر، فينبغي على العبد أن يُحافظ وأن يهتمَّ وأن تشتدَّ عنايته فيما يحبُّه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه، سواء كان من أمور الواجبات أو الأمور المستحبات، وخذوها قاعدة، اكتبوها عندكم قاعدة: كل فضيلة من الفضائل لا تهتمّ بها ولا تحزن على فواتها فاعلم أنَّ فيك علامة من علامات نقص الإيمان.
والفضائل كثيرة هناك فضائل يوميَّة، هناك فضائل أسبوعيَّة، هناك فضائل شهريَّة، هناك فضائل سنويَّة، فعلى سبيل المثال من الفضائل اليوميَّة: قيام الليل، صلاة الضحى، السنن الرواتب، قراءة القرآن، الأذكار التي بعد الصلوات، هذه من الفضائل اليوميَّة، فإذا وجدت نفسك أنَّك لا تهتمّ بها ولا تحرص عليها ولا تحزن على فواتها فاعلم أنَّ فيك نقص في إيمانك.
هناك فضائل أسبوعيَّة مثل: يوم الجمعة مثلاً، فتجد بعض الناس لا يأتي إلى صلاة الجمعة إلا مع خطبة الإمام، فلا يهتمّ أن يأتي مبكِّرًا، ولا يهتمّ مثلاً بساعة الإجابة -وهي آخر ساعة من يوم الجمعة-، إلى غير ذلك من الفضائل التي في يوم الجمعة.
كذلك هنالك فضائل شهريَّة وهي: صيام ثلاثة أيام من كل شهر. هناك فضائل سنويَّة في السنة تمرُّ عليك مرَّة واحدة مثل: صيام يوم عرفة، صيام يوم عاشوراء، صيام الست من شوال، صيام المحرم، صيام شعبان، وغير ذلك من الفضائل. فإذا وجدت من نفسك -يا عبد الله- أنَّك لا تهتمّ بفضائل الأعمال ولا تحرص عليها ولا تحزن على فواتها فاعلم أنَّ فيك علامة من علامات نقص الإيمان.
كذلك ممَّا يدخل في مرضاة الله عزَّ وجلَّ الاهتمام بالسنن اليوميَّة -وما أكثر السنن اليوميَّة!- فإذا وجدت نفسك أنَّك لا تهتمّ بهذه السنن فاعلم أنَّ فيك نقصًا في إيمانك، مثلاً على سبيل المثال من السنن اليوميَّة: سنَّة السواك، كثير من الناس لا يحرص على السواك مع أنَّه من السنن المؤكَّدة فكم مرَّة تستاك في يومك؛ في الصلوات سواء كانت فريضة أو نافلة، عند الوضوء فتجد بعض الناس يتكاسل ويتثاقل أن يُخرج السواك من جيبه حتَّى يتسوَّك، قال: ...بس خلِّينا نصلي، لا هذا من علامات نقص الإيمان، إذا وجدت نفسك أنَّك تحتقر المعروف إذا كان صغيرًا أو يسيرًا أو قليلاً فاعلم أنَّ فيك علامة من علامات نقص الإيمان، ولهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم نبَّهنا على هذا الأمر، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرنَّ شيئًا من المعروف ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، إذن لا بدَّ -يا أحبابي الكرام- أن نهتمّ بفضائل الأعمال كلّها، أن نهتمَّ بالسنن اليوميَّة كلِّها، كثيرٌ من الناس لا يهتمُّ بإتقان العبادة همُّه الأول والأكبر أنَّه يؤدي هذه العبادة، يُصلي؛ كيف صلَّى ما عنده مشكلة؛ لا، لا بدَّ أن تهتمَّ بكيفيَّة العبادة، أن تتقن هذه العبادة، أن تحرص على الأركان والواجبات والمستحبَّات والسنن وكل شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العبادة، أي كالصلاة لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي" فتجد بعض الناس همُّه أن يُصلي فقط: والله أنا صلّيت مع الجماعة، كيف صلّيت؟ ماذا قرأ الإمام؟ ماذا قلت في سجودك؟ لا يهتمّ بهذه الأمور، ولا تجده يخشع في صلاته، فهذه علامة من علامات نقص الإيمان. ولا يتدبَّر ما يقول! انتبهوا -يا أحبابي الكرام-! هذه علامة من علامات نقص الإيمان، عدم تدبُّر الأذكار وتدبُّر الأدعية، الإنسان يقول هذه الأذكار وهذه الأدعية مجرَّد يقولها بلسانه ولا يقولها من قلبه، ولا يتأثَّر ولا يتفاعل معها لا شكَّ أنَّ هذا دليل وعلامة من علامات نقص الإيمان في قلب هذا العبد، فهذا أمرٌ مهم لا بدَّ أن نهتمَّ به. عدم التكاسل في أداء العبادة؛ كثيرٌ من الناس يتثاقل.. عندما تقول له: لماذا لا تقرأ القرآن؟ تجده يتثاقل ويشعر بالكسل، لكن مثلاً في مشاهدة مباريات أو متابعة فضائيات أو قيل وقال فتجده -سبحان الله- من أنشط الناس، وتجد عنده القوة والعزم والحزم –سبحان الله- في أمور الدنيا، لكن في أمور العبادة والطاعة تجده من أكسل الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن القويُّ أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف"، إذن هذا القسم الأوَّل: وهو أنَّ مرضاة الله عزَّ وجلَّ تنقسم إلى قسمين: هناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في أمور الواجبات، وهناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ في الأمور المستحبَّات.
وأعطيكم هذه القاعدة التربوية سبحان الله نفسك..، من رحمة الله عزَّ وجلَّ أنَّ هذه النفس على حسب ما يُعوِّدها الإنسان تعتاد عليه؛ إذا عوَّدت نفسك على الخشوع تعتاد على الخشوع، عوَّدت نفسك على قيام الليل تعتاد على قيام الليل، عوَّدت نفسك على صلاة الضحى تعتاد على صلاة الضحى، عوَّدت نفسك على المحافظة على الأذكار -أذكار الصباح، أذكار المساء، أذكار قبل النوم-، تحافظ على السنن اليوميَّة خلاص نفسك تعتاد على هذا الأمر، وإذا عوَّدت نفسك -مشكلة هذه انتبه لها!- إذا عوَّدت نفسك على الكسل والخمول والتثاقل خلاص يُصبح هذا جزء من حياتك والعياذ بالله ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
القسم الثاني من مرضاة الله عزَّ وجلَّ؛ كما قلنا هناك مرضاة لله عزَّ وجلَّ -أي من العبادات والطاعات- متعلِّقة بالإنسان نفسه مثل: الصيام، قراءة القرآن، الأذكار، هذه نفعها يرجع إلى الإنسان، قاصرة على الإنسان نفسه، هناك من العبادات أو هناك من مرضاة الله ومن العبادات ما نفعها متعدِّي؛ ولهذا يذكر أهل العلم أنَّ العبادات المتعدِّية نفعها أفضل من العبادات القاصر نفعها على الإنسان نفسه، من العبادات المتعدِّي نفعها على سبيل المثال منها: الجهاد في سبيل الله؛ نفعها عام للأمة، نشر العلم، الدعوة إلى الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النصح للمسلمين، إصلاح ذات البين، الانتصار للمظلومين، إغاثة الملهوف، وغير ذلك من العبادات التي يتعدَّى نفعها، فنجد بعض الناس فقط يهتمّ بالعبادات القاصرة التي نفعها قاصر على نفسه ولا يهتمّ ولا يعتني ولا يحرص على العبادات المتعدِّي نفعها لعامَّة الأمَّة، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنَّ ذلك نقصٌ في إيمانه، علامة من علامات نقص الإيمان في قلب العبد؛ ولهذا هنا أوجِّه كلمة لأحبابي وإخواني من طلبة العلم والدعاة إلى الله جلَّ وعلا، أقول لهم: لا تظنُّ أنَّك مثلاً إذا حفظت القرآن، وحفظت مثلاً كتب الحديث، وحفظت بعض الكتب في العقيدة وفي الفقه، وإمام وخطيب، وتلقي محاضرات من هنا وهناك، أنَّك قد بلغت كامل الإيمان، لا؛ وأنت لا تهتمُّ ولا تتفاعل لا تتأثَّر بأحوال المسلمين التي كلّ يوم نسمع عن مصائب وكوارث تحلُّ بإخواننا المسلمين من هنا وهناك؛ مثلاً في أفغانستان أو في العراق أو في الشيشان أو في الصومال أو في أي بلد من بلاد الله عزَّ وجلَّ، فمن لم يهتمّ -انتبه!- من لم يهتمّ بأمر المسلمين –كما جاء عن عبد الله بن مسعود- "من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم". بعض الناس بعض الدعاة وطلبة العلم يقول لك: أنا على خير عظيم، الحمد لله أدرِّس كتب العقيدة وعندي الدروس والمحاضرات والحمد لله أنا على خير عظيم، يظنُّ أنَّه قد بلغ كمال الإيمان لا، لا، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُؤمن أحدكم –المقصود الإيمان الكامل- حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"، هل أنت تحزن لحزن إخوانك الذين يُقتَّلون بالآلاف وأخواتك اللاتي تُغتصب أعراضهنَّ؟ هل أنت تحزن لحزنهم؟ تقول: لا والله أنا لا أحزن لحزنهم، ولا أتأثَّر، ولا أتفاعل ولا أقدِّم أي معونة؛ لا دعاء، لا مال، لا نُصرة: لا بالنفس ولا بالمال، هذا دليل على نقص الإيمان في قلبك وإن كنت حافظًا للقرآن وحافظًا لكثيرٍ من متون الفقه والأحاديث، هذا أمر لا بدَّ أن ننتبه له.
إذن باختصار شديد نقول:
الميزان الأول الذي ذكره، أحد الصالحين قال: من علامة نقص الإيمان في قلب العبد هو عدم تأثُّره بفوات شيء من مرضاة الله عزَّ وجلَّ، ما يتأثَّر، ما يحزن، لأنَّ المسلم الواجب عليه أو صاحب القلب الحيّ الذي تعلَّق بالله أنَّه ما تفوته فضيلة، ما يفوته عمل صالح، ما يفوته سنَّة من السنن، إلا ويحزن ويهتمّ ويغتمّ لها؛ هذا دليل على حياة قلب هذا الإنسان.
الميزان الثاني الذي ذكره هذا الصالح قال: عدم حفظه جوارحه ممَّا حرَّم الله عزَّ وجلَّ، كيف عدم حفظه جوارحه مما حرَّم الله عزَّ وجلَّ؟ المحرَّمات كثيرة: هناك محرمات تتعلَّق بالقلب؛ ذنوب نسمِّيها ذنوب القلوب: الكبر، الرياء، النفاق، الحسد، الحقد، سوء الظن، استحقار الآخرين، هذه كلّها ذنوب لكن بماذا تتعلّق؟ تتعلّق بقلب العبد، فلا بدَّ من الإنسان أن يُكافحها وأن يُطهِّرها وأن ينظِّفها من قلبه، فمن وجد في قلبه مثلاً حقد أو حسد أو حبّ التصنُّع للآخرين أو حبّ المدح والثناء وأن تكون له منزلة في قلوب الناس فاعلم أنَّ في قلبك مرض لا بدَّ أن تداويه، هناك محرَّمات ومعاصي متعلِّقة باللسان، وما أكثر المحرَّمات المتعلِّقة باللسان لعلي لا أبالغ إن قلت أنَّ أكثر المحرَّمات تتعلّق في اللسان؛ انظر الغيبة، النميمة، الكذب، السبّ، الشتم، القول على الله بغير علم، محرَّمات كثيرة.. ذنوب كثيرة كلُّها تتعلَّق باللسان، فمن وقع مثلاً في الغيبة أو في النميمة أو في السبّ أو في الشتم فنقول لهذا الشخص أنت فيك علامة من علامات نقص الإيمان.
مشكلة من المشكلات ومصيبة من مصائب -يا أحبابي الكرام- أنَّنا أصبحنا نستهين بالكلمات التي نلقيها؛ فمثلاً نستهين بالغيبة مع أن الغيبة من كبائر الذنوب -كما هو قول الجمهور والله تعالى أعلم-، فأصبح بعضنا يتساهل في الكلمات: فلان ثقيل الدم، فلان جبان، فلان بخيل، فلان كذا.. لا يهتمّ وإذا قلت.. قال لك: لا؛ هذا ليس..، ما عندنا ورع، ما عندنا عفَّة في ألسنتنا، بل إنَّ من المصائب كذلك والمشكلات التي يقع فيها كثير من الناس -ونحن منهم نسأل الله أن يعفو عنا ويغفر لنا- هو الضعف والعجز والخور في عدم إنكار الغيبة، كم نسمع من الغيبة في مجالسنا ولكن تجد أحدنا -لا نقول يأخذه الحياء؛ لأنَّ هذا ليس من الحياء، هذا من الضعف والخور- لا يُنكر الغيبة، يسكت مجاملة لجلسائه ولأصحابه، نقول: لا، لا بدَّ أن تُنكر الغيبة، لكن إنكار الغيبة يأتي بطرق جميلة، هناك طرق، أسلوب لطيف جميل رقيق تستطيع تنكر الغيبة وتُرِيَ الله من نفسك: يا ربّ أنا لست راضٍ عن هذا الكلام، على سبيل المثال تقول: يا جماعة جزاكم الله خير لا نريد أحد أن يأخذ من حسناتنا، هذا نوع من أنواع [إنكار] الغيبة، خلاص الناس عرفوا الجلساء وصاحب الغيبة الذي يغتاب يعرف أنَّك أنكرت عليه، "يا جماعة غيِّروا السالفة جزاكم الله خير، غيِّروا الموضوع" هذا نوع من أنواع إنكار الغيبة.
أقول -أحبابي الكرام-: من المشكلات أنَّ المعصية -وهذه ذكرها ابن القيم رحمه الله- أنَّ الإنسان يتعوَّد على المعصية يومًا بعد يوم بعدين تُصبح هذه المعصية جزء من حياته، لا يستطيع أن يفارقها؛ مثل الذي يزني، يزني أول مرَّة ثاني مرَّة ثالث مرَّة، بعدين خلاص يتعوَّد على الزنى حتى لو تزوَّج يزني، الذي يشرب الخمر أوَّل مرَّة يشرب كأس وثاني مرَّة وثالث، بعدين خلاص يُصبح الكأس يُصبح الخمر جزء من حياته، كذلك التدخين، كذلك المخدرات، كذلك السبّ والشتم، كذلك الغيبة، والله يا إخوة إنِّي أعرف شخص من الصالحين -تصوَّروا يا إخوة- يصوم الاثنين والخميس لا يترك ما أذكر أن.. ما يترك صيام الاثنين والخميس وثلاث الأيام البيض ما يتركها، لكن –سبحان الله- مبتلي؛ لسانه ابتُلي بماذا؟ بالغيبة، ما أن يجلس مجلس وتجده لا بدَّ أن يذكر أحد الناس بسوء، خلاص أصبحت الغيبة جزء من حياته، جزء من شخصيته، هذه مشكلة من المشكلات.
إذن هذا علامة من علامات نقص الإيمان، هذا الميزان نأخذه أنَّ الإنسان إذا رأى نفسه أنَّه يقع في الذنوب، ولا يُبالي، ولا يرتدع، ولا يخاف، ولا يخشى من الله سبحانه وتعالى، ويبدأ يتساهل في الصغائر يقول لك: هذه صغيرة، فتجده ينظر إلى النساء، تجده -والعياذ بالله- يقع في محرَّمات وذنوب كثيرة، فيستدرج به الشيطان، والله سبحان وتعالى قال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) فمرَّة بعد مرَّة بعد مرَّة، مثل بعض الناس الآن أصبح عنده إدمان في النظر إلى النساء، إلى الأفلام الإباحيَّة، خلاص أصبح ما يستطيع يقول: كيف تمرّ عندي امرأة ما أراها، لا بدّ أن أراها، خلاص أصبحت جزء من حياته، النظر جزء من حياته –هذه المعصية-، فاعلم -يا عبد الله- أنَّك إذا رأيت من نفسك -هذا ميزان وعلامة من علامات نقص الإيمان في قلب العبد- أنَّك تقع في المحرَّمات والذنوب؛ سواء كانت ذنوب قلبية أو ذنوب تتعلَّق بالجوارح كاللسان أو السمع أو البصر أو الفرج أو غير ذلك، ولا تبالي ولا تهتمّ ولا تحزن ولا تتوب إلى الله فاعلم أنَّ ذلك دليل على نقصٍ في إيمانك، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
ولهذا ينبغي على العبد أن يدعو الله سبحانه وتعالى دائمًا، وأن يبتهل إلى الله، وأن ينكسر بين يدي الله سبحانه وتعالى، فيقول: اللهم إنِّي أعوذ بك من شرّ سمعي وشرّ بصري وشرّ لساني وشرّ قلبي وشرّ منيّي، أن يدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء: اللهم إنِّي أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
هذا باختصار شديد عن علامات نقص الإيمان في قلب العبد.
أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يُوفِّقني وإيَّاكم لما يُحبُّ ويرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.