نور الإسلام
10-01-2012, 06:16 PM
قالــوا: تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسحر، وهذا يلقي بظلال الشك على ما أتى به من أخبار، إذ قد يكون بعض ما يقرأه على أنه من القرآن إنما هو من تأثير السحر، وهذا يوجب الشك في كل القرآن.
وقالــوا: إن سحر النبي يدل على تسلط الشيطان عليه، وهذا يقدح في أهلية الرسول لحمل الرسالة الإلهية، فالقرآن يجزم أن الشيطان لا يتسلط إلا على أوليائه: ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ `إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ )) (النحل: 99-100).
وفي الجواب نقول: إن الأنبياء بشر ، يعرض لهم ما يعرض لسائر البشر من مرض وهم وحزن وغضب وابتلاء وقتل، ولا يمتازون عنهم إلا بما خصهم الله من الوحي وما يستلزمه ذلك من تأييد بالحجة والبرهان (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )) (فصلت: 6).
وقد تعرض الأنبياء لصنوف البلاء التي صبها عليهم شياطين الإنس والجن(( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )) (الأنعام: 112)، لكن هذا التسلط الشيطاني لم يجاوز أجسادهم، ولم يصل - لعصمة الله لهم- إلى أرواحهم؛ لأنهم أولياء الله تبارك وتعالى يصدق فيهم قوله تعالى: (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ )) (الحجر: 42)، فلم يقع منهم كبير ذنب ولا قبيحه، لأنهم رسل الله، والرسول على قدر المرسِل.
ووفق هذا المبدأ يرفض المسلمون ما تطفح به كتب أهل الكتاب من اتهام الأنبياء بالزنا أو السكر أو عبادة الأصنام ، فهذا كله إنما يقع بتسلط الشيطان، وهم معصومون منه بقوة الله وحفظه.
وكذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم ، فلم يتسلط شيطان عليه، ولم تقع منه القبائح قبل السحر ولا بعده، وغاية الأمر في حادثة سحره ? أن الشيطان آذاه في جسده، كما تؤذيه – وإخوانه الأنبياء- شياطينُ الإنس، بل والجراثيم ، فيصاب بالأمراض والأذى وغيرهما من العوارض التي لا يسلم منها بشر، لكن ذلك لا يخلُّ - بحال من الأحوال – بأهليته للرسالة وعصمته عن الخطأ في البلاغ عن الله، فما ينقله النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ` إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))(النجم: 3-4).
ولهذا كان عبد الله بن عمرو يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله ? ليحفظه، فنهته قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشـر يتكلم في الغضب والرضا؟ يقول عبد الله: فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله ?، فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: "اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق"[1]، فهو صلى الله عليه وسلم معصوم في كل أحواله من الزلل والغلط.
والسحر على أنواع بعضها دون بعض، ومن أنواعه سحر التخييل، حيث يتخيل المسحور أنه فعل شيئاً من غير أن يكون قد فعله حقيقة، كما وقع لموسى عليه السلام حين ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم (( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ))(طه: 66).
وهذا النوع من السحر هو ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سُحر، وقد انحصر أثره في علاقة النبي صلى الله عليه وسلم الجسدية مع أزواجه، فكان يخيل إليه أنه يجامع نساءه من غير أن يكون ذلك حقيقة ، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مكث النبي ? كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله، ولا يأتي) [2]، قال القاضي عياض: "فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه؛ لا على تمييزه ومعتقده" [3].
ويجدر التنبيه هنا إلى أنه لا يلزم من تخيله صلى الله عليه وسلم أنه فعل الشـيء الذي لم يفعله أن يجزم بتخييله ذاك، فقد يكون تخييله من جنس الخاطر الذي يخطر على باله ولا يثبت[4]، وهو أمر قد يحصل لأي أحد من غير سحر ولا نفث عقد.
وقد اعتبرت الملائكة ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من السحر من جنس المرض الذي يصيب الأنبياء وغيرهم، فقال«أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟»فاعتبراه مريضاً، وكذلك اعتبره النبيُّ ?، فقد قال في آخر الحديث: « فأما أنا فقد شفاني الله»[5]، وفي رواية: «إن الله أنبأني بمرضي»، وكذلك ورد في حديث عائشة قولُها: (فكان يدور ولا يدري ما وجعه)[6]، وقال ابن عباس: (مرض النبي ?، وأُُخذ عن النساء والطعام والشراب)[7] .
وفي قصة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم فوائد، منها: قطع ذرائع الغلو في شخصه ?، والإيمان أنه بشر كسائر البشر (( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً )) (الإسراء: 93).
ومنها الدلالة على نبوته ? [8] ، فقد قالت أخت الساحر لبيد: "إن يكن نبياً فسيُخبر ، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله"[9] ، وقد كانت الأُولى حين أخبر، ثم شفي لما أنزل الله عليه المعوذتين.
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
[1] أخرجه أبو داود ح (3646).
[2] أخرجه البخاري ح (3268).
[3] فتح الباري، ابن حجر (10/227)، وانظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض (2/176).
[4] انظر: فتح الباري ، ابن حجر (10/226).
[5] أخرجه البخاري ح (3268).
[6] انظر: فتح الباري ، ابن حجر (10/227-228).
[7] انظر: ابن سعد في الطبقات (2/198)، والبيهقي في الدلائل (6/248) وأضواء البيان، الشنقيطي (4/130).
[8] انظر: فتح الباري، ابن حجر (10/227)، ولأجل ذلك أورد البيهقي قصة سحر النبي ? في كتابه "دلائل النبوة".
[9]أخرجه ابن سعد في الطبقات ح (2/198)، وهو مرسل.
وقالــوا: إن سحر النبي يدل على تسلط الشيطان عليه، وهذا يقدح في أهلية الرسول لحمل الرسالة الإلهية، فالقرآن يجزم أن الشيطان لا يتسلط إلا على أوليائه: ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ `إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ )) (النحل: 99-100).
وفي الجواب نقول: إن الأنبياء بشر ، يعرض لهم ما يعرض لسائر البشر من مرض وهم وحزن وغضب وابتلاء وقتل، ولا يمتازون عنهم إلا بما خصهم الله من الوحي وما يستلزمه ذلك من تأييد بالحجة والبرهان (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )) (فصلت: 6).
وقد تعرض الأنبياء لصنوف البلاء التي صبها عليهم شياطين الإنس والجن(( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )) (الأنعام: 112)، لكن هذا التسلط الشيطاني لم يجاوز أجسادهم، ولم يصل - لعصمة الله لهم- إلى أرواحهم؛ لأنهم أولياء الله تبارك وتعالى يصدق فيهم قوله تعالى: (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ )) (الحجر: 42)، فلم يقع منهم كبير ذنب ولا قبيحه، لأنهم رسل الله، والرسول على قدر المرسِل.
ووفق هذا المبدأ يرفض المسلمون ما تطفح به كتب أهل الكتاب من اتهام الأنبياء بالزنا أو السكر أو عبادة الأصنام ، فهذا كله إنما يقع بتسلط الشيطان، وهم معصومون منه بقوة الله وحفظه.
وكذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم ، فلم يتسلط شيطان عليه، ولم تقع منه القبائح قبل السحر ولا بعده، وغاية الأمر في حادثة سحره ? أن الشيطان آذاه في جسده، كما تؤذيه – وإخوانه الأنبياء- شياطينُ الإنس، بل والجراثيم ، فيصاب بالأمراض والأذى وغيرهما من العوارض التي لا يسلم منها بشر، لكن ذلك لا يخلُّ - بحال من الأحوال – بأهليته للرسالة وعصمته عن الخطأ في البلاغ عن الله، فما ينقله النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ` إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))(النجم: 3-4).
ولهذا كان عبد الله بن عمرو يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله ? ليحفظه، فنهته قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشـر يتكلم في الغضب والرضا؟ يقول عبد الله: فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله ?، فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: "اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق"[1]، فهو صلى الله عليه وسلم معصوم في كل أحواله من الزلل والغلط.
والسحر على أنواع بعضها دون بعض، ومن أنواعه سحر التخييل، حيث يتخيل المسحور أنه فعل شيئاً من غير أن يكون قد فعله حقيقة، كما وقع لموسى عليه السلام حين ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم (( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ))(طه: 66).
وهذا النوع من السحر هو ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سُحر، وقد انحصر أثره في علاقة النبي صلى الله عليه وسلم الجسدية مع أزواجه، فكان يخيل إليه أنه يجامع نساءه من غير أن يكون ذلك حقيقة ، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مكث النبي ? كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله، ولا يأتي) [2]، قال القاضي عياض: "فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه؛ لا على تمييزه ومعتقده" [3].
ويجدر التنبيه هنا إلى أنه لا يلزم من تخيله صلى الله عليه وسلم أنه فعل الشـيء الذي لم يفعله أن يجزم بتخييله ذاك، فقد يكون تخييله من جنس الخاطر الذي يخطر على باله ولا يثبت[4]، وهو أمر قد يحصل لأي أحد من غير سحر ولا نفث عقد.
وقد اعتبرت الملائكة ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من السحر من جنس المرض الذي يصيب الأنبياء وغيرهم، فقال«أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟»فاعتبراه مريضاً، وكذلك اعتبره النبيُّ ?، فقد قال في آخر الحديث: « فأما أنا فقد شفاني الله»[5]، وفي رواية: «إن الله أنبأني بمرضي»، وكذلك ورد في حديث عائشة قولُها: (فكان يدور ولا يدري ما وجعه)[6]، وقال ابن عباس: (مرض النبي ?، وأُُخذ عن النساء والطعام والشراب)[7] .
وفي قصة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم فوائد، منها: قطع ذرائع الغلو في شخصه ?، والإيمان أنه بشر كسائر البشر (( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً )) (الإسراء: 93).
ومنها الدلالة على نبوته ? [8] ، فقد قالت أخت الساحر لبيد: "إن يكن نبياً فسيُخبر ، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله"[9] ، وقد كانت الأُولى حين أخبر، ثم شفي لما أنزل الله عليه المعوذتين.
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
[1] أخرجه أبو داود ح (3646).
[2] أخرجه البخاري ح (3268).
[3] فتح الباري، ابن حجر (10/227)، وانظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض (2/176).
[4] انظر: فتح الباري ، ابن حجر (10/226).
[5] أخرجه البخاري ح (3268).
[6] انظر: فتح الباري ، ابن حجر (10/227-228).
[7] انظر: ابن سعد في الطبقات (2/198)، والبيهقي في الدلائل (6/248) وأضواء البيان، الشنقيطي (4/130).
[8] انظر: فتح الباري، ابن حجر (10/227)، ولأجل ذلك أورد البيهقي قصة سحر النبي ? في كتابه "دلائل النبوة".
[9]أخرجه ابن سعد في الطبقات ح (2/198)، وهو مرسل.