نور الإسلام
10-01-2012, 06:31 PM
قالــوا: يعرف علماء التشريح اليوم أن القلب عضلة ضاخة للدم فحسب، وأن مراكز الإحساس والتفكير في الدماغ، بينما القرآن يؤكد أن القلوب التي في الصدور هي مركز التفكير ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ (الحج: 46).
والجـواب: أن ما يتعلق بمسألة علاقة القلب بالفكر مسألة علمية ما زال العلماء والأطباء يراوحون فيها بين مثبت ومنكر، وهي مسائل ظنية لم ترق إلى كونها حقيقة علمية، ومن كان هذا حاله لا ينهض للاحتجاج به إزاء الحق الذي أوحاه الله العليم بخلقه ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (الملك: 4).
ثم إن القرآن تحدث عن الأعين والآذان والقلوب المادية، وتحدث أيضاً عن العيون والآذان والقلوب المعنوية، وهذه الأعضاء في حال دلالتها على الهدى تكون أعضاء عاملة، وحين تتنكر للحق وترفضه فإنها تكون في حكم العدم، ولذلك وصف الله الذين لا يبصرون الحق ولا يسمعونه بأنهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ (البقرة: 18)، فهم صم عن الحق، لا عن السماع، وهم بكم وعمي بهذه المثابة أيضاً.
وهذا مثله في القرآن كثير: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ (البقرة: 171)، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ (الأنعام: 39).
وهكذا فحين يتحدث القرآن عن العيون والآذان والألسن لا يقصد الجوارح المحسوسة، وإنما يقصد ما وراءها من العقل والإدراك الإيماني، ومنه قول الله ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ` عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴾ (الشعراء: 193-194).
وهذا المذكور عن هذه الجوارح ينطبق على القلب تماماً، فالقلوب التي يتحدث عنها القرآن هي القلوب المعنوية، لا المضغة الجسدية، ومثاله في القرآن كثير، كقوله: ﴿ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (الأنعام: 43)، وكقوله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد: 28).
والمقصود في كل هذا القلوب العاقلة، لا المضغة الصنوبرية التي في الجسم ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (الحج: 46).
ومثله في كلام النبي صلى الله عليه وسلم : «يا مقلب القلوب» [1] ، فالمقصود تقليب القلوب المعنوية من الكفر إلى الإسلام، وليس المقصود تقليب القلوب المادية.
وهذا الفهم ليس بجديد عند العلماء المسلمين، بل هو قديم نقله الرازي في تفسيره عن بعض السابقين، وعزاه ابن أمير الحاج المتوفى سنة 879هـ إلى عامة أهل السنة والجماعة بقوله: "ومحلها أي القوة التي هي العقل؛ الدماغ للفلاسفة وخصوصاً الأطباء، وأحمد في رواية، وأبي المعين النسفي، وعزاه صدر الإسلام إلى عامة أهل السنة والجماعة، فقال: وهو جسم لطيف مضيء محله الرأس عند عامة أهل السنة والجماعة، وأثره يقع على القلب، فيصيرُ القلب مدركاً بنور العقل الأشياءَ، كالعين تصير مدركة بنور الشمس وبنور السراج الأشياء" [2].
وما قلناه عن القلوب والعيون والآذان المعنوية الإيمانية ينطبق تماماً على الصدور، فنقرأ في القرآن والسنة حديثاً متكرراً عن انشـراح الصدر وانقباضه وضيقه وظلمته، وليس المراد الصدر الجسدي، بل المراد الصدر المعنوي ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ (الشعراء: 13)، ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام﴾ (الزمر: 22) ، ﴿ أَلَمْ نَشـْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ (الشـرح: 1)، ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم﴾ (الأعراف: 43) ﴿ قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ` أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ (الإسراء: 49-50) ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ (النمل: 74)، فكل هذا حديث عن الصدر المعنوي لا التجويف المسمى بالقفص الصدري.
وجاءت نصوص قرآنية ونبوية تجمع بين الصدر المعنوي والقلب المعنوي ، منها قول الله: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (النحل: 106).
ومثله قوله: ﴿ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (آل عمران: 154)، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر» [3] .
وهكذا تبين أن القرآن حين تحدث عن حواس الإنسان فإنما قصد البُعد الإيماني المعنوي لها، وكذلك نسب التحكم فيها إلى القلب والصدر الإيماني المعنوي، لا الحسي، فثبت بذلك صدق القرآن، وتبين فساد هذه الأبطولة من أباطيل المرجفين.
كتبه / الدكتور منقذ السقار
للرجوع الى قسم د منقذ السقار للرد علي الشبهات تنزيه القرآن الكريم عن دعـاوى المبطلين
· منقذ السقار : الله جل جلاله واحد أم ثلاثة
الهوامش
[1] أخرجه الترمذي ح (2140)، وأحمد ح (11697).
[2] التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج (3/378).
[3] أخرجه أحمد ح (17540).
والجـواب: أن ما يتعلق بمسألة علاقة القلب بالفكر مسألة علمية ما زال العلماء والأطباء يراوحون فيها بين مثبت ومنكر، وهي مسائل ظنية لم ترق إلى كونها حقيقة علمية، ومن كان هذا حاله لا ينهض للاحتجاج به إزاء الحق الذي أوحاه الله العليم بخلقه ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (الملك: 4).
ثم إن القرآن تحدث عن الأعين والآذان والقلوب المادية، وتحدث أيضاً عن العيون والآذان والقلوب المعنوية، وهذه الأعضاء في حال دلالتها على الهدى تكون أعضاء عاملة، وحين تتنكر للحق وترفضه فإنها تكون في حكم العدم، ولذلك وصف الله الذين لا يبصرون الحق ولا يسمعونه بأنهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ (البقرة: 18)، فهم صم عن الحق، لا عن السماع، وهم بكم وعمي بهذه المثابة أيضاً.
وهذا مثله في القرآن كثير: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ (البقرة: 171)، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ (الأنعام: 39).
وهكذا فحين يتحدث القرآن عن العيون والآذان والألسن لا يقصد الجوارح المحسوسة، وإنما يقصد ما وراءها من العقل والإدراك الإيماني، ومنه قول الله ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ` عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴾ (الشعراء: 193-194).
وهذا المذكور عن هذه الجوارح ينطبق على القلب تماماً، فالقلوب التي يتحدث عنها القرآن هي القلوب المعنوية، لا المضغة الجسدية، ومثاله في القرآن كثير، كقوله: ﴿ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (الأنعام: 43)، وكقوله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد: 28).
والمقصود في كل هذا القلوب العاقلة، لا المضغة الصنوبرية التي في الجسم ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (الحج: 46).
ومثله في كلام النبي صلى الله عليه وسلم : «يا مقلب القلوب» [1] ، فالمقصود تقليب القلوب المعنوية من الكفر إلى الإسلام، وليس المقصود تقليب القلوب المادية.
وهذا الفهم ليس بجديد عند العلماء المسلمين، بل هو قديم نقله الرازي في تفسيره عن بعض السابقين، وعزاه ابن أمير الحاج المتوفى سنة 879هـ إلى عامة أهل السنة والجماعة بقوله: "ومحلها أي القوة التي هي العقل؛ الدماغ للفلاسفة وخصوصاً الأطباء، وأحمد في رواية، وأبي المعين النسفي، وعزاه صدر الإسلام إلى عامة أهل السنة والجماعة، فقال: وهو جسم لطيف مضيء محله الرأس عند عامة أهل السنة والجماعة، وأثره يقع على القلب، فيصيرُ القلب مدركاً بنور العقل الأشياءَ، كالعين تصير مدركة بنور الشمس وبنور السراج الأشياء" [2].
وما قلناه عن القلوب والعيون والآذان المعنوية الإيمانية ينطبق تماماً على الصدور، فنقرأ في القرآن والسنة حديثاً متكرراً عن انشـراح الصدر وانقباضه وضيقه وظلمته، وليس المراد الصدر الجسدي، بل المراد الصدر المعنوي ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ (الشعراء: 13)، ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام﴾ (الزمر: 22) ، ﴿ أَلَمْ نَشـْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ (الشـرح: 1)، ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم﴾ (الأعراف: 43) ﴿ قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ` أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ (الإسراء: 49-50) ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ (النمل: 74)، فكل هذا حديث عن الصدر المعنوي لا التجويف المسمى بالقفص الصدري.
وجاءت نصوص قرآنية ونبوية تجمع بين الصدر المعنوي والقلب المعنوي ، منها قول الله: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (النحل: 106).
ومثله قوله: ﴿ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (آل عمران: 154)، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر» [3] .
وهكذا تبين أن القرآن حين تحدث عن حواس الإنسان فإنما قصد البُعد الإيماني المعنوي لها، وكذلك نسب التحكم فيها إلى القلب والصدر الإيماني المعنوي، لا الحسي، فثبت بذلك صدق القرآن، وتبين فساد هذه الأبطولة من أباطيل المرجفين.
كتبه / الدكتور منقذ السقار
للرجوع الى قسم د منقذ السقار للرد علي الشبهات تنزيه القرآن الكريم عن دعـاوى المبطلين
· منقذ السقار : الله جل جلاله واحد أم ثلاثة
الهوامش
[1] أخرجه الترمذي ح (2140)، وأحمد ح (11697).
[2] التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج (3/378).
[3] أخرجه أحمد ح (17540).