المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهة أحوال الناس في يوم القيامة


نور الإسلام
10-01-2012, 06:47 PM
قالــوا: تناقض القرآن وهو يقص أحوال الناس في يوم القيامة، فتارة يقول: إنهم لا ينطقون: (( هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ `وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ )) (المرسلات: 35-36)، وتارة يذكر أنهم ينطقون ويعتذرون: (( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )) (الأنعام: 23)، وأنهم يقولون: (( مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ )) (النحل: 28).




والجـواب: أن يوم القيامة يوم طويل(( كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )) (المعارج: 4)، وفيه مواقف متباينة، لكل منها ما يخصه من الأحكام والأحوال، ففيه حذر وترقب، وفرج وبشارة، وفيه حزن وهلاك، وأمن وأمان، والناس يتنقلون بين هذه المواقف، بل لربما تنقل المرء فيه من حال إلى حال، ففي حديث عائشة أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله r«ما يبكيك؟»، قالت : ذكرتُ النار فبكيتُ، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله r : «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم: أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند الكتاب حين يقال: (( هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ ))؛ حتى يعلم أين يقع كتابه، أفي يمينه أم في شماله؟ أم من وراء ظهره؟ وعند الصـراط: إذا وضع بين ظهري جهنم»([1])، فهذا لا يتعارض مع قوله: (( لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)) (عبس: 37)، فهذا الذهول لا يستغرق يوم القيامة، بل هو متعلق ببعض مواقفه، وهو لكل بحسب عمله وتقواه.
وهكذا فما يذكر من اختلاف الأحوال لاختلاف المواقف، ولطول ذلك اليوم وعظم شأنه عبَّر القرآن عن كل واحد منها بكلمة - يوم - أو - يَوْمَئِذٍ -، من غير أن تعني استغراق الفعل لكل ذلك اليوم الطويل.


ويدل لذلك قول الله تعالى: (( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ` يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ` وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ` وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ` لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ` وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ` ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ` وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ` تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ` أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ )) (عبس: 33-42)، فذكرت الآيات في نفس السياق حالين للمؤمنين (الخوف ثم الفرح) وحالين للكافرين (الخوف والكآبة)، وكل هذه الأحوال في يوم القيامة، فالإشارة إلى حدوثها في يوم القيامة لا يعني دوام الحال الواحد واستغراقه لكل ذلك اليوم الطويل، فقوله: (( لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ))(عبس: 37)، لا يستوعب كل يوم القيامة؛ لوجود أوقات يأمن فيها المرء على نفسه، حين يعلم صلاح مآله ونجاته من النار، كما قال ? في الحديث السالف: «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً»، مما يعني أن في غيرها من المواطن يتذكر المرء أحبابه وخلانه، لأمنه فيها من العذاب.
وكذلك قوله:(( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ` يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )) (الفجر: 23-24)، ومن المعلوم أن مجيء النار وتذكر الإنسان لا يستغرق كل يوم القيامة، بل يكون في جزء منه.



كتبه / الدكتور منقذ السقار

الهوامش

([1]) أخرجه أبو داود ح (4755)، وأحمد ح (24175)، واللفظ لأبي داود.

للرجوع الى قسم د منقذ السقار للرد علي الشبهات تنزيه القرآن الكريم عن دعـاوى المبطلين