نور الإسلام
10-01-2012, 06:57 PM
قالــوا: القرآن ظلم المرأة حين أجاز لزوجها أن يضـربها: (( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً )) (النساء: 34).
والجـواب: سبق لنا التعرف على منهج القرآن في التعامل مع المرأة، ورأينا ما فيه من التكريم والإجلال الذي عزَّ أن نجد مثيله في كتب الآخرين، فهذا هو الأصل في معاملة المرأة ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان نموذجاً لهذا الأصل «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([1])، وصفته أم المؤمنين عائشة: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل)([2]).
وهكذا، فالأصل تكريم المرأة، لكن للقاعدة شواذ، فالإنسان مكرم، لكن اللص والمجرم يهان، والأصل- في الإنسان- حفظ حياته، أما القاتل فيقتل، والأصل في المرأة تكريمها، لكن الناشز المستخفة برباط الزوجية تُضرب وتؤدب إذا لم تنفع معها وسائل الإصلاح ، ولو قَتلت تُقتل.
وقد أذن القرآن الكريم للزوج بتأديب زوجه، بل أوجب عليه ذلك، فلو كانت زوجة الواحد منا لا تصلي مثلاً أو امرأة ناشزاً؛ فإن الزوج يندب إلى وعظها، ثم هجرها إن أصرت على النشوز وتدمير الحياة الأسرية، فإن لم ترعوي فإن الله أذن له بضربها ضرباً خفيفاً غير مبرح.
وهذا التأديب- كما سبق - ليس أصلاً في معاملة المرأة، بل هو خاص بالزوجة الناشز سيئةِ الخلق والدين، وهو نوع من الرحمة بها والوقاية لها من حساب الله وعقابه، قال تعالى: (( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ))(النساء: 34)، فالضـرب آخر وسائل الإصلاح، ويكون بعد الوعظ والهجر واستفراغ الجهد في التقويم والإصلاح.
وحين نتحدث عن الضرب تدور في مخيلة البعض النماذج السيئة التي يئن العالم في شرقه وغربه منها ، فقد أصبح العنف مع النساء والقسوة معهن مرضاً عالمياً مزرياً بالإنسان اليوم، وهو بالطبع مما يحرمه القرآن الذي لا يأذن بالضرب المبرح، فالجائز في ضرب الناشز ؛ الضـرب غير المبرح، وقد مثلوا لها بضربها بالسواك، وهو عود صغير لو ضرب به طفل لما تأذى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم منبهاً على قدر الضرب المسموح به: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ([3]).
أما الضرب المبرح الذي يترك أثراً على الجسد فهو حرام، وبخاصة إذا كان على الوجه، فقد لعن النبي ? من ضرب الحيوان على وجهه، فما بالنا بالزوجة : «أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها» ([4]).
ولما دخل معاوية القشيريُ على النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يؤكد على حقوقها ويقول: «لا تضربِ الوجه، ولا تقبِّحْ، وأطعمْ إذا أُطعمت، واكسُ إذا اكتسيت، ولا تهجُر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إلا بما حل عليهن» ([5]).
وذماً من النبي صلى الله عليه وسلم لأولئك الذين يضـربون زوجاتهم وقف ? على المنبر يوصي بالنساء، فيقول: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه» ([6]).
وذات مرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو زوجته، فقال: يا رسول الله، إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وإيذائها؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «طلقها». فقال: يا رسول الله، إنها ذات صحبة وولد؟ قال: «فأمسكها وأْمُرها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك ضربَك أَمتَك» ([7])، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن ضربها رغم سوء معاملتها وخلقها.
وخشية من وقوع بعض الأزواج في الظلم والتعدي والتعسف في التأديب قال ?: «لا تضربوا إماء الله»، لكن بعض الزوجات أسأن إلى أزواجهن، إذ لا يصلح حالهن إلا التأديب، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئِرنَ النساءُ على أزواجهن (أي نفرن واجترأن)، فرخص صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله ? نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» ([8]).
وهكذا نرى وصاة النبي ? لكل حر شريف أن يتقي الله تعالى في زوجه، وأن يعف لسانه ويكف يده بالأذى عنها، كما كان يفعل رسول الله ? الذي ما ضرب زوجاً ولا قبحها، وأما أولئك المسيئون الذين يضربون زوجاتهم فحسبهم حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أنهم ليسوا من خيار المؤمنين، فخيرهم خيرهم لأهله، ورسول الله ? خيرنا لأهله.
لقد أوجب القرآن العشرة بالمعروف حال الحب والكراهية (( عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ))(النساء: 19)، فإن وقع طلاق ثم انتهت عدتها؛ فإما أن يمسكها بمعروف أو يسـرحها بإحسان (( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْـرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )) (البقرة: 229).
وهذه العشرة بالمعروف للزوجة تصبح ميزاناً للخيرية عند الله يستبق فيه المسلمون إلى محبة الله ورضاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([9])، وفي رواية: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً وألطفُهم بأهله»([10]).
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1])أخرجه الترمذي ح (3795).
([2]) أخرجه مسلم ح (2328).
([3])أخرجه مسلم ح (1218).
([4]) أخرجه أبو داود ح (2564).
([5]) أخرجه أحمد ح (19541).
([6])أخرجه البخاري ح (4942)، ونحوه في مسلم ح (2855).
([7]) أخرجه أبو داود ح (142)، وأحمد ح (15949).
([8]) أخرجه أبو داود ح (2146)، وابن ماجه ح (1985).
([9])أخرجه الترمذي ح (3795).
([10])أخرجه الترمذي ح (2612)، وأحمد ح (23684).
والجـواب: سبق لنا التعرف على منهج القرآن في التعامل مع المرأة، ورأينا ما فيه من التكريم والإجلال الذي عزَّ أن نجد مثيله في كتب الآخرين، فهذا هو الأصل في معاملة المرأة ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان نموذجاً لهذا الأصل «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([1])، وصفته أم المؤمنين عائشة: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل)([2]).
وهكذا، فالأصل تكريم المرأة، لكن للقاعدة شواذ، فالإنسان مكرم، لكن اللص والمجرم يهان، والأصل- في الإنسان- حفظ حياته، أما القاتل فيقتل، والأصل في المرأة تكريمها، لكن الناشز المستخفة برباط الزوجية تُضرب وتؤدب إذا لم تنفع معها وسائل الإصلاح ، ولو قَتلت تُقتل.
وقد أذن القرآن الكريم للزوج بتأديب زوجه، بل أوجب عليه ذلك، فلو كانت زوجة الواحد منا لا تصلي مثلاً أو امرأة ناشزاً؛ فإن الزوج يندب إلى وعظها، ثم هجرها إن أصرت على النشوز وتدمير الحياة الأسرية، فإن لم ترعوي فإن الله أذن له بضربها ضرباً خفيفاً غير مبرح.
وهذا التأديب- كما سبق - ليس أصلاً في معاملة المرأة، بل هو خاص بالزوجة الناشز سيئةِ الخلق والدين، وهو نوع من الرحمة بها والوقاية لها من حساب الله وعقابه، قال تعالى: (( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ))(النساء: 34)، فالضـرب آخر وسائل الإصلاح، ويكون بعد الوعظ والهجر واستفراغ الجهد في التقويم والإصلاح.
وحين نتحدث عن الضرب تدور في مخيلة البعض النماذج السيئة التي يئن العالم في شرقه وغربه منها ، فقد أصبح العنف مع النساء والقسوة معهن مرضاً عالمياً مزرياً بالإنسان اليوم، وهو بالطبع مما يحرمه القرآن الذي لا يأذن بالضرب المبرح، فالجائز في ضرب الناشز ؛ الضـرب غير المبرح، وقد مثلوا لها بضربها بالسواك، وهو عود صغير لو ضرب به طفل لما تأذى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم منبهاً على قدر الضرب المسموح به: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ([3]).
أما الضرب المبرح الذي يترك أثراً على الجسد فهو حرام، وبخاصة إذا كان على الوجه، فقد لعن النبي ? من ضرب الحيوان على وجهه، فما بالنا بالزوجة : «أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها» ([4]).
ولما دخل معاوية القشيريُ على النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يؤكد على حقوقها ويقول: «لا تضربِ الوجه، ولا تقبِّحْ، وأطعمْ إذا أُطعمت، واكسُ إذا اكتسيت، ولا تهجُر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إلا بما حل عليهن» ([5]).
وذماً من النبي صلى الله عليه وسلم لأولئك الذين يضـربون زوجاتهم وقف ? على المنبر يوصي بالنساء، فيقول: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه» ([6]).
وذات مرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو زوجته، فقال: يا رسول الله، إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وإيذائها؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «طلقها». فقال: يا رسول الله، إنها ذات صحبة وولد؟ قال: «فأمسكها وأْمُرها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك ضربَك أَمتَك» ([7])، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن ضربها رغم سوء معاملتها وخلقها.
وخشية من وقوع بعض الأزواج في الظلم والتعدي والتعسف في التأديب قال ?: «لا تضربوا إماء الله»، لكن بعض الزوجات أسأن إلى أزواجهن، إذ لا يصلح حالهن إلا التأديب، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئِرنَ النساءُ على أزواجهن (أي نفرن واجترأن)، فرخص صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله ? نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» ([8]).
وهكذا نرى وصاة النبي ? لكل حر شريف أن يتقي الله تعالى في زوجه، وأن يعف لسانه ويكف يده بالأذى عنها، كما كان يفعل رسول الله ? الذي ما ضرب زوجاً ولا قبحها، وأما أولئك المسيئون الذين يضربون زوجاتهم فحسبهم حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أنهم ليسوا من خيار المؤمنين، فخيرهم خيرهم لأهله، ورسول الله ? خيرنا لأهله.
لقد أوجب القرآن العشرة بالمعروف حال الحب والكراهية (( عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ))(النساء: 19)، فإن وقع طلاق ثم انتهت عدتها؛ فإما أن يمسكها بمعروف أو يسـرحها بإحسان (( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْـرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )) (البقرة: 229).
وهذه العشرة بالمعروف للزوجة تصبح ميزاناً للخيرية عند الله يستبق فيه المسلمون إلى محبة الله ورضاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([9])، وفي رواية: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً وألطفُهم بأهله»([10]).
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1])أخرجه الترمذي ح (3795).
([2]) أخرجه مسلم ح (2328).
([3])أخرجه مسلم ح (1218).
([4]) أخرجه أبو داود ح (2564).
([5]) أخرجه أحمد ح (19541).
([6])أخرجه البخاري ح (4942)، ونحوه في مسلم ح (2855).
([7]) أخرجه أبو داود ح (142)، وأحمد ح (15949).
([8]) أخرجه أبو داود ح (2146)، وابن ماجه ح (1985).
([9])أخرجه الترمذي ح (3795).
([10])أخرجه الترمذي ح (2612)، وأحمد ح (23684).