نور الإسلام
10-01-2012, 06:58 PM
عدد الزوجات
قالــوا: القرآن ظلم المرأة حين أباح للرجل أن يتزوج عليها، وفي هذا إضرار بمصلحتها.
والجـواب: قبل التعرف على حكم الإسلام في المسألة نقرر أن الإسلام لم يكن أول من شرع هذه الشرعة التي شرعتها الأمم والملل قبل الإسلام، فقد عرفت الأمم جميعاً التعدد، لكنها ترددت بين نوعيه: تعدد الزوجات وتعدد الخليلات، فقد أجاز الإسلام الأول منهما، وحرم الثاني لما فيه من إزراء بالمرأة وظلم فادح لها ، فهو يجردها من جميع الحقوق الزوجية، فالعشيق لا يلتزم للخليلة بما يلتزم به الزوج لزوجاته من نفقة وسكن ورعاية للزوجات ولأبنائهن من غير تفريق بينهم.
والرسالات السماوية قبل الإسلام أباحت تعدد الزوجات، ويكفي في إثبات ذلك أن نذكر أن العهد القديم الذي يؤمن به اليهود والنصارى يقر بأن إبراهيم كان متزوجاً من ثلاث زوجات (سارة وهاجر وقطورة)، وأما يعقوب فكان متزوجاً من الأختين (ليئة وراحيل)، والأَمتين (زلفة وبلهة)، (انظر التكوين 29)، ويذكر الكتاب المقدس أن داود كان له سبع زوجات، وأن ابنه سليمان النبي: "كانت له سبع مائة من النساء السيدات، وثلاث مائة من السراري" (سفر الملوك (1) 11/3)، فالتعدد مشروع في شرائع التوراة ومن غير ضوابط ولا شروط.
وأما المسيحية فهي تحرم تعدد الزوجات رغم أنه لم يرد عن المسيح ما يبطل هذه الشريعة التوراتية، فالمسيح يقول: "ما جئت لنقض الناموس أو الأنبياء، بل لأكمل" ( متى 5/17).
بل إن العهد الجديد يشير إلى مشـروعية التعدد، حيث يقول بولس في (تيموثاوس (1) 3/12): " فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعلَ امرأة واحدة ... ليكن الشمامسة كل بعل امرأة واحدة" ، ويفهم منه منع تعدد الزوجات للشماس، وجوازه لغيره.
و قد بقيت قضية تعدد الزوجات صيحة تنادي بها فرق مسيحية شتى مثل اللا ممعدانيين "الأنانا بابتيست" في ألمانيا في أواسط القرن السادس عشر للميلاد ، وكان القس فونستير (1531م) يقول: من يريد أن يكون مسيحياً حقيقياً فعليه أن يتزوج عدة زوجات.
وبمثله نادت فرقة المورمون في مطلع القرن التاسع عشر، ولم يتخلوا عنه إلا بضغط السلطات المدنية في أواخر القرن التاسع عشر.
وقد بلغت الدعوة إلى إباحة تعدد الزوجات مبلغاً عظيماً عند مفكري الغرب وعلمائهم؛ وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من 48 مليون رجل، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء([1]).
ولو عدنا للحديث عن عرب الجاهلية لرأينا أن التعدد شائع عندهم من غير ضوابط، فكان لبعضهم عشر زوجات، فقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي، وتحته عشر نسوة، فقال له النبي ?: «اختر منهن أربعاً» ([2])، وأما عميرة الأسدي فيقول: أسلمت وعندي ثماني نسوة , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اختر منهن أربعاً» ([3]).
وهكذا فالتعدد موجود قبل الإسلام، ومن غير ضوابط، وذلك لواقعية هذه الشرعة، وحاجة بعض الأزواج إلى الزواج بغير زوجته لمرضها أو لعدم قدرتها على الإنجاب أو توقفها، أو لغير ذلك من الأسباب، ولولا تعدد الزوجات لما تزوجت الكثير من العوانس والمطلقات وذوات الأمراض.
لقد كان الإسلام واقعياً حين أقر شريعة التعدد، فتزوج الزوج بأخرى أولى من طلاق الأولى، وأولى من العلاقة المحرمة، فالتعدد المشروع يغلق الباب أمام تعدد العشيقات غير المشروع الذي يجتاح المجتمعات الإنسانية التي ترفض التعدد.
جاء في إحصائية عن الخيانة الزوجية منشورة في مايو 1980م أن 75% من الأزواج في أوروبا يخونون زوجاتهم، وأفادت إحصائية أخرى أن مليون امرأة تقريباً عملن في البغاء بأمريكا خلال الفترة من (1980م إلى 1990م)، والإحصائيات الأحدث أسوأ وأفظع، فما هو السبب في كل هذا البلاء؟.
ولنسمع إلى المصلح الشهير مارتن لوثر مؤسس فرقة البرتستانت وهو يجيب: "إن نبضة الجنس قوية لدرجة أنه لا يقدر على العفة إلا القليل .. من أجل ذلك الرجل المتزوج أكثر عفة من الراهب ... بل إن الزواج بامرأتين قد يسمح به أيضاً، كعلاج لاقتراف الإثم، كبديل عن الاتصال الجنسي غير المشروع"([4]).
إن البشرية لا غناء لها عن تعدد الزوجات إذا شاءت أن تحيا حياة العفة والطهر، وهذا ما ستقودنا إليه دراسة بسيطة للإحصاءات العالمية التي تشير إلى زيادة مطردة لنسبة النساء، فإذا كان عدد الإناث في الولايات المتحدة الأمريكية يزيد على عدد الذكور بأربعة ملايين امرأة، فإن المجتمع الأمريكي مخير بين القبول بأربعة ملايين بغي أو بأربعة ملايين أسرة شرعية تتعدد فيها الزوجات.
وهكذا فإن إباحة القرآن لتعدد الزوجات صورة من حكمة الله الحكيم ، إذ واقع الأرض لا يصلح إلا بمثل هذا التشريع، فعدد نساء البشر اليوم يربو على رجالها بأربعمائة مليون امرأة، مما يجعل تعدد الزوجات ضرورة ملحة لكل مجتمع يخشى الفساد ويحذر الانحلال، لذلك تقول الكاتبة الإيطالية " لورافيشيا فاغليري": "إنه لم يَقُم الدليل حتى الآن بأي طريقـة مُطْلَقَـة على أن تعـدد الزوجـات هو بالضـرورة شرّ اجتماعي وعقبـة في طريق التّقـدّم .. وفي استطاعتنا أيضا أن نُصـرّ على أنـه في بعض مراحـل التّطـور الاجتماعي عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها ، كأن يُقتل عـدد من الذكور ضخم إلى حـدّ استثنائي في الحـرب مثلاً ؛ يُصبح تعـدد الزوجات ضرورة اجتماعية"([5]).
لكن واقعية الإسلام في إباحة التعدد لم تخلَّ بمثاليته في التشريع، فقد حدده بأربع زوجات فقط؛ حتى يقدر الرجل على الوفاء بحقوقهن، كما سيَّج الإسلام هذه الشرعة وزانها بجملة من الآداب والضوابط، التي تلزم المنصف بتبرئة القرآن من مسؤولية الممارسات الخاطئة التي يقع بها بعض المعددين الذين لم يتأدبوا بآدابه، ولم يفقهوا أن تعدد الزوجات ليس شهوة عابرة، بل هو مزيد من المسئوليات التي يجب على الزوج القيام بها والوفاء بكل متطلباتها المالية والاجتماعية والإنسانية.
ومن آداب الإسلام في هذا الخصوص أنه كتب على الزوج العدل بين نسائه أو الامتناع عن التعدد: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )) (النساء: 3) ، والعدل يشمل السكن والنفقة وغيرها من مستحقات الزوجية.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من صورة كثيراً ما نراها عند المعددين، وهي الميل إلى إحدى الزوجتين ، فهذا النوع من الظلم توعد الله فاعله بعقوبة خاصة يوم القيامة: «من كان لـه امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى؛ جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط» ([6]).
ولو عدنا إلى قول القائلين أن تعدد الزوجات فيه ظلم للزوجة الأولى وإهانة لكرامتها، فجوابه: فإن التعدد فيه مصلحة للزوجة الأخرى وإكرام لها، فكيف تفوت هذه المصلحة؟
ثم إن الزوجة الثانية ستغدو شريكة الأولى بمباركة أسرتها من الرجال والنساء الذين رأوا أن تزوجها من متزوج بغيرها خير لها من أن تكون بلا زوج، وهو صيانة لها ، ويؤهلها لتكون زوجة فاضلة بدلاً من أن تكون خليلة أو عشيقة بلا حقوق ولا كرامة، ثم لا تلبث أن تصير إلى الشارع.
ولذلك يرى الكاتب الإيرلندي "برناردشو" أن إباحة تعدد الزوجات هو العلاج لمشاكل الغرب ، فيقول: "إن أوروبا لو أخذت بهذا النظام لوفرت على شعوبها كثيراً من أسباب الانحلال والسقوط الخلقي والتفكك العائلي".
ويقول المستشرق الشهير "هك فارلين" : "إذا نظرنا إلى تعدد الزوجات في الإسلام من الناحية الاجتماعية أو الأخلاقية أو المذهبية، فهو لا يعد مخالفاً -بحال من الأحوال - لأرقى أسلوب من أساليب الحضارة والمدنية، بل هو علاج عملي لمشاكل النساء البائسات والبغاء، واتخاذ المحظيات، ونمو عدد العوانس المطرد في المدنية الغربية بأوروبا وأمريكا" ([7]).
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1]) انظر: حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح، عبد الودود شلبي ، ص (240-241)، والتبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي ، ص (204).
([2]) أخرجه الترمذي ح (128)، وابن ماجه ح (1953)، وأحمد ح (4595).
([3]) أخرجه أبو داود ح (2241) .
([4]) انظر: تعدد نساء الأنبياء، ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب ، ص (156-165 ، 185).
([5]) قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل ، ص (426).
([6]) أخرجه ابن ماجه ح (1969)، وأحمد ح (8362).
([7]) الإسلام وحقوق المرأة ، بإشراف د. جعفر عبد السلام ، ص (149).
قالــوا: القرآن ظلم المرأة حين أباح للرجل أن يتزوج عليها، وفي هذا إضرار بمصلحتها.
والجـواب: قبل التعرف على حكم الإسلام في المسألة نقرر أن الإسلام لم يكن أول من شرع هذه الشرعة التي شرعتها الأمم والملل قبل الإسلام، فقد عرفت الأمم جميعاً التعدد، لكنها ترددت بين نوعيه: تعدد الزوجات وتعدد الخليلات، فقد أجاز الإسلام الأول منهما، وحرم الثاني لما فيه من إزراء بالمرأة وظلم فادح لها ، فهو يجردها من جميع الحقوق الزوجية، فالعشيق لا يلتزم للخليلة بما يلتزم به الزوج لزوجاته من نفقة وسكن ورعاية للزوجات ولأبنائهن من غير تفريق بينهم.
والرسالات السماوية قبل الإسلام أباحت تعدد الزوجات، ويكفي في إثبات ذلك أن نذكر أن العهد القديم الذي يؤمن به اليهود والنصارى يقر بأن إبراهيم كان متزوجاً من ثلاث زوجات (سارة وهاجر وقطورة)، وأما يعقوب فكان متزوجاً من الأختين (ليئة وراحيل)، والأَمتين (زلفة وبلهة)، (انظر التكوين 29)، ويذكر الكتاب المقدس أن داود كان له سبع زوجات، وأن ابنه سليمان النبي: "كانت له سبع مائة من النساء السيدات، وثلاث مائة من السراري" (سفر الملوك (1) 11/3)، فالتعدد مشروع في شرائع التوراة ومن غير ضوابط ولا شروط.
وأما المسيحية فهي تحرم تعدد الزوجات رغم أنه لم يرد عن المسيح ما يبطل هذه الشريعة التوراتية، فالمسيح يقول: "ما جئت لنقض الناموس أو الأنبياء، بل لأكمل" ( متى 5/17).
بل إن العهد الجديد يشير إلى مشـروعية التعدد، حيث يقول بولس في (تيموثاوس (1) 3/12): " فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعلَ امرأة واحدة ... ليكن الشمامسة كل بعل امرأة واحدة" ، ويفهم منه منع تعدد الزوجات للشماس، وجوازه لغيره.
و قد بقيت قضية تعدد الزوجات صيحة تنادي بها فرق مسيحية شتى مثل اللا ممعدانيين "الأنانا بابتيست" في ألمانيا في أواسط القرن السادس عشر للميلاد ، وكان القس فونستير (1531م) يقول: من يريد أن يكون مسيحياً حقيقياً فعليه أن يتزوج عدة زوجات.
وبمثله نادت فرقة المورمون في مطلع القرن التاسع عشر، ولم يتخلوا عنه إلا بضغط السلطات المدنية في أواخر القرن التاسع عشر.
وقد بلغت الدعوة إلى إباحة تعدد الزوجات مبلغاً عظيماً عند مفكري الغرب وعلمائهم؛ وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من 48 مليون رجل، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء([1]).
ولو عدنا للحديث عن عرب الجاهلية لرأينا أن التعدد شائع عندهم من غير ضوابط، فكان لبعضهم عشر زوجات، فقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي، وتحته عشر نسوة، فقال له النبي ?: «اختر منهن أربعاً» ([2])، وأما عميرة الأسدي فيقول: أسلمت وعندي ثماني نسوة , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اختر منهن أربعاً» ([3]).
وهكذا فالتعدد موجود قبل الإسلام، ومن غير ضوابط، وذلك لواقعية هذه الشرعة، وحاجة بعض الأزواج إلى الزواج بغير زوجته لمرضها أو لعدم قدرتها على الإنجاب أو توقفها، أو لغير ذلك من الأسباب، ولولا تعدد الزوجات لما تزوجت الكثير من العوانس والمطلقات وذوات الأمراض.
لقد كان الإسلام واقعياً حين أقر شريعة التعدد، فتزوج الزوج بأخرى أولى من طلاق الأولى، وأولى من العلاقة المحرمة، فالتعدد المشروع يغلق الباب أمام تعدد العشيقات غير المشروع الذي يجتاح المجتمعات الإنسانية التي ترفض التعدد.
جاء في إحصائية عن الخيانة الزوجية منشورة في مايو 1980م أن 75% من الأزواج في أوروبا يخونون زوجاتهم، وأفادت إحصائية أخرى أن مليون امرأة تقريباً عملن في البغاء بأمريكا خلال الفترة من (1980م إلى 1990م)، والإحصائيات الأحدث أسوأ وأفظع، فما هو السبب في كل هذا البلاء؟.
ولنسمع إلى المصلح الشهير مارتن لوثر مؤسس فرقة البرتستانت وهو يجيب: "إن نبضة الجنس قوية لدرجة أنه لا يقدر على العفة إلا القليل .. من أجل ذلك الرجل المتزوج أكثر عفة من الراهب ... بل إن الزواج بامرأتين قد يسمح به أيضاً، كعلاج لاقتراف الإثم، كبديل عن الاتصال الجنسي غير المشروع"([4]).
إن البشرية لا غناء لها عن تعدد الزوجات إذا شاءت أن تحيا حياة العفة والطهر، وهذا ما ستقودنا إليه دراسة بسيطة للإحصاءات العالمية التي تشير إلى زيادة مطردة لنسبة النساء، فإذا كان عدد الإناث في الولايات المتحدة الأمريكية يزيد على عدد الذكور بأربعة ملايين امرأة، فإن المجتمع الأمريكي مخير بين القبول بأربعة ملايين بغي أو بأربعة ملايين أسرة شرعية تتعدد فيها الزوجات.
وهكذا فإن إباحة القرآن لتعدد الزوجات صورة من حكمة الله الحكيم ، إذ واقع الأرض لا يصلح إلا بمثل هذا التشريع، فعدد نساء البشر اليوم يربو على رجالها بأربعمائة مليون امرأة، مما يجعل تعدد الزوجات ضرورة ملحة لكل مجتمع يخشى الفساد ويحذر الانحلال، لذلك تقول الكاتبة الإيطالية " لورافيشيا فاغليري": "إنه لم يَقُم الدليل حتى الآن بأي طريقـة مُطْلَقَـة على أن تعـدد الزوجـات هو بالضـرورة شرّ اجتماعي وعقبـة في طريق التّقـدّم .. وفي استطاعتنا أيضا أن نُصـرّ على أنـه في بعض مراحـل التّطـور الاجتماعي عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها ، كأن يُقتل عـدد من الذكور ضخم إلى حـدّ استثنائي في الحـرب مثلاً ؛ يُصبح تعـدد الزوجات ضرورة اجتماعية"([5]).
لكن واقعية الإسلام في إباحة التعدد لم تخلَّ بمثاليته في التشريع، فقد حدده بأربع زوجات فقط؛ حتى يقدر الرجل على الوفاء بحقوقهن، كما سيَّج الإسلام هذه الشرعة وزانها بجملة من الآداب والضوابط، التي تلزم المنصف بتبرئة القرآن من مسؤولية الممارسات الخاطئة التي يقع بها بعض المعددين الذين لم يتأدبوا بآدابه، ولم يفقهوا أن تعدد الزوجات ليس شهوة عابرة، بل هو مزيد من المسئوليات التي يجب على الزوج القيام بها والوفاء بكل متطلباتها المالية والاجتماعية والإنسانية.
ومن آداب الإسلام في هذا الخصوص أنه كتب على الزوج العدل بين نسائه أو الامتناع عن التعدد: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )) (النساء: 3) ، والعدل يشمل السكن والنفقة وغيرها من مستحقات الزوجية.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من صورة كثيراً ما نراها عند المعددين، وهي الميل إلى إحدى الزوجتين ، فهذا النوع من الظلم توعد الله فاعله بعقوبة خاصة يوم القيامة: «من كان لـه امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى؛ جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط» ([6]).
ولو عدنا إلى قول القائلين أن تعدد الزوجات فيه ظلم للزوجة الأولى وإهانة لكرامتها، فجوابه: فإن التعدد فيه مصلحة للزوجة الأخرى وإكرام لها، فكيف تفوت هذه المصلحة؟
ثم إن الزوجة الثانية ستغدو شريكة الأولى بمباركة أسرتها من الرجال والنساء الذين رأوا أن تزوجها من متزوج بغيرها خير لها من أن تكون بلا زوج، وهو صيانة لها ، ويؤهلها لتكون زوجة فاضلة بدلاً من أن تكون خليلة أو عشيقة بلا حقوق ولا كرامة، ثم لا تلبث أن تصير إلى الشارع.
ولذلك يرى الكاتب الإيرلندي "برناردشو" أن إباحة تعدد الزوجات هو العلاج لمشاكل الغرب ، فيقول: "إن أوروبا لو أخذت بهذا النظام لوفرت على شعوبها كثيراً من أسباب الانحلال والسقوط الخلقي والتفكك العائلي".
ويقول المستشرق الشهير "هك فارلين" : "إذا نظرنا إلى تعدد الزوجات في الإسلام من الناحية الاجتماعية أو الأخلاقية أو المذهبية، فهو لا يعد مخالفاً -بحال من الأحوال - لأرقى أسلوب من أساليب الحضارة والمدنية، بل هو علاج عملي لمشاكل النساء البائسات والبغاء، واتخاذ المحظيات، ونمو عدد العوانس المطرد في المدنية الغربية بأوروبا وأمريكا" ([7]).
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1]) انظر: حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح، عبد الودود شلبي ، ص (240-241)، والتبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي ، ص (204).
([2]) أخرجه الترمذي ح (128)، وابن ماجه ح (1953)، وأحمد ح (4595).
([3]) أخرجه أبو داود ح (2241) .
([4]) انظر: تعدد نساء الأنبياء، ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب ، ص (156-165 ، 185).
([5]) قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل ، ص (426).
([6]) أخرجه ابن ماجه ح (1969)، وأحمد ح (8362).
([7]) الإسلام وحقوق المرأة ، بإشراف د. جعفر عبد السلام ، ص (149).