نور الإسلام
13-06-2012, 04:35 PM
إن العبد المؤمن يبتلى بالمصائب والمحن؛ فتكون إما سبباً في تكفير سيئاته وذنوبه أو سبباً في ارتفاع درجته في الجنة، أو أنه ينال بصبره على البلاء محبة الله ورضاه عنه، ولذلك إذا أراد المسلم أن يكون من الصابرين والحامدين الله فلينظر إلى الأنبياء وكيف كانوا يبتلون، ويقتدي بالصحابة والصالحين، فإن هذا كله يذهب عن قلبه الألم والحزن، ويبعث مكانه الرضا بأقدار الله، والصبر والثبات على دين الله.
الصبر عند أول صدمة
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الحديث أوجهه إلى كل مبتلى، إلى كل مَن أصيب بمصيبة، ونزلت عليه بلية، إلى كل مهمومٍ مغموم، إلى كل مكروبٍ منكوب، إلى كل مَن تعرضت له كارثة، وسَمِع بفاجعة، أوجه هذا الحديث: (وبشر الصابرين).
وهل منا إلا مكروبٌ، أو مهمومٌ، أو مغموم!
التفت إلى مَن حولك مِن الناس جميعاً؛ هل تجد فيهم إلا منكوباً، أو مكروباً، أو مهموماً، أو مغموماً؛ إما بفقد حبيب، أو بحصول مكروه، أو بنزول مرض، أو بسماع فاجعة، أو بغيرها من البلايا، أوجه هذا الحديث إلى كل مَن أوذي، إلى كل مَن ظُلم، إلى كل من قُهر، إلى كل من أصيب بمصيبة، أقول لهم: قال الله جل وعلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156] (إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) أي: أول ما تأتيه المصيبة؛ سَمِع بوفاة القريب، أو بفقد الحبيب، أخبره الطبيب بالمرض، يا لها من فاجعة! سوف تموت ولا بد، إن المرض قد استشرى في الجسد، سمع بالخبر، فأتته المصيبة، ماذا يقول؟
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].
إلى هؤلاء جميعاً أوجه حديثي، وأرسل هذه الكلمات؛ من الروح إلى الروح، ومن القلب إلى القلب، أقول لكل واحد منهم: عظَّم الله أجرك، ورفع درجتك، وجبر كسرك، واسمع! فإنها الدنيا، ألم تعرفها إلى الآن؟! ألم تدر أنها كما قيل:
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
إنها الدنيا! ابن عباس كان في سفر، فجاءه خبر مفزع، ما الخبر؟ مات ابنه، ابن ابن عباس مات، ويأتيه الخبر وهو بعيد عنه، وهو ليس بجنبه، هو في السفر، ماذا فعل ابن عباس ؟ هل شق جيباً؟ هل لطم خداً؟ هل نفش شعراً؟ هل صاح بأعلى صوته؟ تنحى عن الطريق، ثم كبر، ثم صلى ركعتين، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلنا كما أمرنا ربنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153] صَبَر وصَلَّى ركعتين، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. هل عندما تأتيك المصيبة تكون هذه حالك؟!
أحد الشعراء يسمى: أبا الحسن التهامي ، مات ابنه الصغير، والابن ليس كغيره، موت الابن يعرفه مَن مات له ابن، يعرف كيف الابن غالٍ! قطعة من الكبد قد ذهبت، يتمنى الأب أن لو مات ولم يرَ وفاة ابنه، عندما مات ابنه أنشد شعراً فقال:
حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
وما هي إلا فترة من الزمن فيموت الشاعر، فيُرى في المنام، فيقال له: ماذا صنع بك ربك؟ قال: أدخلني الجنة، قالوا: وبم أدخلك الجنة؟ قال: بهذا البيت:
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
لو كل من مات له حبيب، أو صاحب، أو ابن، أو قريب فكر بهذا، فنحن الآن في سجن، فإذا مات كأنه أطلق من هذا السجن، وكأنه خرج منها، أليست الدنيا سجن المؤمن؟
فكر! فكر يا من مات قريبه! يا من مات حبيبه! يا من مات صاحبه! أليست الدنيا سجن المؤمن؟ فإذا مات خرج من هذا السجن للحديث الصحيح: (ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاَّ الجنة ) لو احتسب هذا الحبيب، واحتسب ذلك القريب.
وفي الحديث الآخر: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ قالوا: نعم. وهو أعلم، قال: ماذا قال؟ وهو أعلم، يقولون: يا رب حمدك واسترجع -مات ابنه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله على كل حال- قالوا: حمدك واسترجع، فقال الله جل وعلا: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
مات ابن المصطفى صلى الله عليه وسلم إبراهيم ، فدَمَعَت عيناه، ثم قال: (إن العين تدمع، وإن القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون ).
تقول: ماتت زوجتي وهي غالية، ماتت أمي لا أملك أغلى منها في الدنيا، ماذا أصنع؟
أقول لك: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] يا مَن دَفَنْت أمك وأباك، وشيَّعْت ابنك وابنتك، وودَّعْت زوجتك، هل سوف تبقى في هذه الدنيا؟ لا والله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
وقالوا في الشعر:
اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها نوب تنوب اليوم تكشف في غد
وإذا أتتك مصيبة تشجى لها فاذكر مصابك بالنبي محمد
مات ابنٌ لـزينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام، انظر ماذا قال يعزيها، وأنا أعزي كل مصاب، قال: (لله ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، مروها فلتصبر ولتحتسب ) نعم: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].
أنت وأبناؤك وأحبابك وأقرباؤك كلنا لله عز وجل، إنما هي عارية أعطانا الله إياها، ثم أخذها منا، فهل تصبر؟
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].......
الرضا بالقدر
إلى كل معاق، إلى كل من أصيب بعاهة مستديمة، إلى كل من شُلَّ جسده، أو عمي بصره، ابن عباس في آخر عمره يُصاب بالعمى فيحمد الله، فيقولون: [علامَ تحمد الله؟ قال: الذي أبقى لساني ذاكراً، وقلبي مفكراً، وعقلي معتبراً ] الحمد لله الذي أبقى هذا، ذهب البصر وبقي غيره.
عبد الله! تلفت يمنة ويسرة، إن أصبت بمرض انظر إلى غيرك، انظر إلى من حولك، انظر إلى من هو أشد منك مرضاً، وأقسى منك مصيبة.
رجل من الأعراب في البادية ليس هناك أفضل منه نعمة؛ عنده أموال، وأغنام، وأبقار، وإبل، وعنده بُنَيَّات وأولاد صغار، وزوجة ما أحسنها من زوجة! وفي بيته الصغير يعيش في تلك البادية.
في يوم من الأيام ضاعت إبله، فذهب يطلبها، تأخر ثلاثة أيام، ولما رجع أتعرف ما الذي حصل لأهله؟ كان الأهل في البيت، وفي آخر الليل اشتد المطر، وجاءهم سيلٌ عظيم يقتلع الصخور من الأرض، جاء هذا السيل فهدم البيت، وأوقعه على رأس أطفاله، فلم يبق في البيت حيٌ تطرف عينه، لا ابنٌ، ولا ابنة، ولا زوجه، هلكت الأموالُ، والشياه، والضياع.
رجع فوجد الأرض قاعاً صفصفاً، لم يجد أهلاًَ، ولا ولداًَ، ولا مالاً، ولا مسكناً، ذهبت الدنيا بلمح بصر، وهل أدرك الإبل؟ رجع حتى الإبل لم يدركها، خسر الدنيا بلحظة وبلمح البصر.
فإذا به من بعيد يرى ناقة من الإبل قد شردت فتبعها لعله يدرك ناقة من أمواله، تبعها، فإذا به يمسك ذيلها فلما مسكها رفسته برجلها على وجهه، سقط على الأرض فإذا هو قد عمي، ذهب بصره، ما الذي بقي له من الدنيا؟ أخذ يمشي في الصحراء يصيح وينادي علَّ من يجيبه، علَّ من ينقذه.
فإذا أعرابيٌ آخر أخذ بيده، أخبره الخبر، فجع الأعرابي من قصته، فذهب به إلى الخليفة، أخبره بالخبر، فقال له الخليفة: وكيف تجدك الآن؟ من يتحمل هذه المصيبة ومن يطيقها، قال: كيف بك الآن؟ قال: أما أنا الآن فقد رضيت عن الله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
إن بعض الناس لا يطيق مصيبة أن يفقد واحداً من أهله، أو يخسر سيارة، أو يفقد جزءاً من ماله، فإذا به لا يتحمل، ويجزع، ويتسخط، وللأسف لم يذق إلى الآن حلاوة الصبر، نعم، إنه مرٌ في ظاهره، لكن عاقبته أحلى من العسل.......
www.alkalemat.com
الشيخ نبيل العوضي
www.kl28.com - www.kl28.net - www.kl28.ws
[/URL]
[URL="http://www.kl28.com/books/showbook.php?bID=269&pNo=1#start"] (http://www.kl28.com/books/showbook.php?bID=269&pNo=1#start)
الصبر عند أول صدمة
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الحديث أوجهه إلى كل مبتلى، إلى كل مَن أصيب بمصيبة، ونزلت عليه بلية، إلى كل مهمومٍ مغموم، إلى كل مكروبٍ منكوب، إلى كل مَن تعرضت له كارثة، وسَمِع بفاجعة، أوجه هذا الحديث: (وبشر الصابرين).
وهل منا إلا مكروبٌ، أو مهمومٌ، أو مغموم!
التفت إلى مَن حولك مِن الناس جميعاً؛ هل تجد فيهم إلا منكوباً، أو مكروباً، أو مهموماً، أو مغموماً؛ إما بفقد حبيب، أو بحصول مكروه، أو بنزول مرض، أو بسماع فاجعة، أو بغيرها من البلايا، أوجه هذا الحديث إلى كل مَن أوذي، إلى كل مَن ظُلم، إلى كل من قُهر، إلى كل من أصيب بمصيبة، أقول لهم: قال الله جل وعلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156] (إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) أي: أول ما تأتيه المصيبة؛ سَمِع بوفاة القريب، أو بفقد الحبيب، أخبره الطبيب بالمرض، يا لها من فاجعة! سوف تموت ولا بد، إن المرض قد استشرى في الجسد، سمع بالخبر، فأتته المصيبة، ماذا يقول؟
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].
إلى هؤلاء جميعاً أوجه حديثي، وأرسل هذه الكلمات؛ من الروح إلى الروح، ومن القلب إلى القلب، أقول لكل واحد منهم: عظَّم الله أجرك، ورفع درجتك، وجبر كسرك، واسمع! فإنها الدنيا، ألم تعرفها إلى الآن؟! ألم تدر أنها كما قيل:
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
إنها الدنيا! ابن عباس كان في سفر، فجاءه خبر مفزع، ما الخبر؟ مات ابنه، ابن ابن عباس مات، ويأتيه الخبر وهو بعيد عنه، وهو ليس بجنبه، هو في السفر، ماذا فعل ابن عباس ؟ هل شق جيباً؟ هل لطم خداً؟ هل نفش شعراً؟ هل صاح بأعلى صوته؟ تنحى عن الطريق، ثم كبر، ثم صلى ركعتين، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلنا كما أمرنا ربنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153] صَبَر وصَلَّى ركعتين، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. هل عندما تأتيك المصيبة تكون هذه حالك؟!
أحد الشعراء يسمى: أبا الحسن التهامي ، مات ابنه الصغير، والابن ليس كغيره، موت الابن يعرفه مَن مات له ابن، يعرف كيف الابن غالٍ! قطعة من الكبد قد ذهبت، يتمنى الأب أن لو مات ولم يرَ وفاة ابنه، عندما مات ابنه أنشد شعراً فقال:
حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
وما هي إلا فترة من الزمن فيموت الشاعر، فيُرى في المنام، فيقال له: ماذا صنع بك ربك؟ قال: أدخلني الجنة، قالوا: وبم أدخلك الجنة؟ قال: بهذا البيت:
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
لو كل من مات له حبيب، أو صاحب، أو ابن، أو قريب فكر بهذا، فنحن الآن في سجن، فإذا مات كأنه أطلق من هذا السجن، وكأنه خرج منها، أليست الدنيا سجن المؤمن؟
فكر! فكر يا من مات قريبه! يا من مات حبيبه! يا من مات صاحبه! أليست الدنيا سجن المؤمن؟ فإذا مات خرج من هذا السجن للحديث الصحيح: (ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاَّ الجنة ) لو احتسب هذا الحبيب، واحتسب ذلك القريب.
وفي الحديث الآخر: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ قالوا: نعم. وهو أعلم، قال: ماذا قال؟ وهو أعلم، يقولون: يا رب حمدك واسترجع -مات ابنه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله على كل حال- قالوا: حمدك واسترجع، فقال الله جل وعلا: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
مات ابن المصطفى صلى الله عليه وسلم إبراهيم ، فدَمَعَت عيناه، ثم قال: (إن العين تدمع، وإن القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون ).
تقول: ماتت زوجتي وهي غالية، ماتت أمي لا أملك أغلى منها في الدنيا، ماذا أصنع؟
أقول لك: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] يا مَن دَفَنْت أمك وأباك، وشيَّعْت ابنك وابنتك، وودَّعْت زوجتك، هل سوف تبقى في هذه الدنيا؟ لا والله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
وقالوا في الشعر:
اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها نوب تنوب اليوم تكشف في غد
وإذا أتتك مصيبة تشجى لها فاذكر مصابك بالنبي محمد
مات ابنٌ لـزينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام، انظر ماذا قال يعزيها، وأنا أعزي كل مصاب، قال: (لله ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، مروها فلتصبر ولتحتسب ) نعم: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].
أنت وأبناؤك وأحبابك وأقرباؤك كلنا لله عز وجل، إنما هي عارية أعطانا الله إياها، ثم أخذها منا، فهل تصبر؟
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].......
الرضا بالقدر
إلى كل معاق، إلى كل من أصيب بعاهة مستديمة، إلى كل من شُلَّ جسده، أو عمي بصره، ابن عباس في آخر عمره يُصاب بالعمى فيحمد الله، فيقولون: [علامَ تحمد الله؟ قال: الذي أبقى لساني ذاكراً، وقلبي مفكراً، وعقلي معتبراً ] الحمد لله الذي أبقى هذا، ذهب البصر وبقي غيره.
عبد الله! تلفت يمنة ويسرة، إن أصبت بمرض انظر إلى غيرك، انظر إلى من حولك، انظر إلى من هو أشد منك مرضاً، وأقسى منك مصيبة.
رجل من الأعراب في البادية ليس هناك أفضل منه نعمة؛ عنده أموال، وأغنام، وأبقار، وإبل، وعنده بُنَيَّات وأولاد صغار، وزوجة ما أحسنها من زوجة! وفي بيته الصغير يعيش في تلك البادية.
في يوم من الأيام ضاعت إبله، فذهب يطلبها، تأخر ثلاثة أيام، ولما رجع أتعرف ما الذي حصل لأهله؟ كان الأهل في البيت، وفي آخر الليل اشتد المطر، وجاءهم سيلٌ عظيم يقتلع الصخور من الأرض، جاء هذا السيل فهدم البيت، وأوقعه على رأس أطفاله، فلم يبق في البيت حيٌ تطرف عينه، لا ابنٌ، ولا ابنة، ولا زوجه، هلكت الأموالُ، والشياه، والضياع.
رجع فوجد الأرض قاعاً صفصفاً، لم يجد أهلاًَ، ولا ولداًَ، ولا مالاً، ولا مسكناً، ذهبت الدنيا بلمح بصر، وهل أدرك الإبل؟ رجع حتى الإبل لم يدركها، خسر الدنيا بلحظة وبلمح البصر.
فإذا به من بعيد يرى ناقة من الإبل قد شردت فتبعها لعله يدرك ناقة من أمواله، تبعها، فإذا به يمسك ذيلها فلما مسكها رفسته برجلها على وجهه، سقط على الأرض فإذا هو قد عمي، ذهب بصره، ما الذي بقي له من الدنيا؟ أخذ يمشي في الصحراء يصيح وينادي علَّ من يجيبه، علَّ من ينقذه.
فإذا أعرابيٌ آخر أخذ بيده، أخبره الخبر، فجع الأعرابي من قصته، فذهب به إلى الخليفة، أخبره بالخبر، فقال له الخليفة: وكيف تجدك الآن؟ من يتحمل هذه المصيبة ومن يطيقها، قال: كيف بك الآن؟ قال: أما أنا الآن فقد رضيت عن الله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
إن بعض الناس لا يطيق مصيبة أن يفقد واحداً من أهله، أو يخسر سيارة، أو يفقد جزءاً من ماله، فإذا به لا يتحمل، ويجزع، ويتسخط، وللأسف لم يذق إلى الآن حلاوة الصبر، نعم، إنه مرٌ في ظاهره، لكن عاقبته أحلى من العسل.......
www.alkalemat.com
الشيخ نبيل العوضي
www.kl28.com - www.kl28.net - www.kl28.ws
[/URL]
[URL="http://www.kl28.com/books/showbook.php?bID=269&pNo=1#start"] (http://www.kl28.com/books/showbook.php?bID=269&pNo=1#start)