المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة دعوية حول الإعتصام بالله


نور الإسلام
26-04-2013, 11:18 AM
مسجد الملك فهد – لوس انجلس

أما بعد: يا أيها الناس

فإن المؤمن كلما ازداد إيماناً زاد من الله قرباً ، وعليه توكلاً ، وبه اعتصاماً .

إذا ادلهمت الخطوب ، وتكالبت الكروب ، وأظلمت الدروب ، برق نور اليقين وأنار وميض الإيمان وصدق الكريم المنان ... (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:5).

إذا اضطرب البحر وهاج ، وتلاطم الموج وماج ، وهبت الريح العاصف في الليل المظلم الداج ، نادى أهل السفينة : يا الله.

إذا أغلقت الأبواب في وجوه الطالبين ، وأُسدلت الستور أمام السائلين ، صاحوا قائلين : يا الله .

إذا بارت الحيل ، وضاقت السبل ، وانتهت الآمال ، وانقطعت الحبال ، رفع المحتاجون أيديهم ورؤسهم وقلوبهم وأصواتهم : يا الله .

إليه سبحانه يصعد الكلم الطيب ، والدعاء الخالص ، والنداء الصادق ، والتفجع الواله .

إليه تمد الأكف في الأسحار ، والأيدي في الحاجات ، والأعين في الملمات ، والأسئلة في الحادثات .

من الذي يفزع إليه المكروب ، ويستغيث به المنكوب ، وتصمد إليه الكائنات وتسأله المخلوقات ؟؟ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62).

هذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ألقي في النار فقال حسبي الله ونعم الوكيل فقال الله عز وجل للنار : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الانبياء:69)

وهذا موسى عليه الصلاة والسلام لحقه فرعون وقومه حتى كادوا أن يدركوه فـ (قال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:61- 62).

فأوحى إليه ربه أن يضرب بعصاه الصغيرة ذلك البحر الخضم العظيم، فضربه ضربة مؤمن عزيز بالله فانفلق البحر فكان فرقين (كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (سورة الشعراء)



وهذا عيسى طلبه الأشقياء ليقتلوا فرفعه الله إليه .

وذاك يونس لبث في بطن الحوت في عمق البحر في ظلمات فوقها ظلمات (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(الانبياء: من الآية87).

قال عز وجل: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الانبياء:88).

وذاك زكريا ، بلغ من الكبر عتياً فرجى الله أن يرزقه ولداً صالحاً وكانت امرأته عاقراً فبشره الله فقال (يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)

ومن قبلهم كان يوسف سجينَ جبٍ ثم رهينَ خدمةٍ ثم أسيرَ زنزانة ، فلما صبر إذا بوالده النبي الكريم وأمه وإخوته الذين رموه في الجب يخرون له سجداً ، وإذا به يدعو ربه ويناجيه فيقول : (ربِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) (يوسف:110).

ومن قبله أبوه إسرائيل عليه الصلاة والسلام يفقد يوسف عشرات السنين ثم يفقد من بعده أخاه ولكن الأمل في رحمة الله وروحه ما يزال ينعش قلبه ويصله بربه فيقول: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87).

أما إكرم الخلق ففيه أعظم الأسوة وبه أحسن القدوة، ها هو e قد وُضع السلى على رأسه وأدميت قدماه وشُج جبينه وكُسرت ثنيته وُرميت البريئة الكريمة زوجته ، وقُتل في يوم واحد سبعون من علماء صحابته ، ومات كل أبنائه ثم تتابعت جُل بناته في حياته ، ولكن الله أورثه الدرجة العالية الرفيعة التي لا ينالها إلا عبد واحد من بين كل العباد ، وإذا باسمه يردَّد بعد ذكر الله خمس مرات كل يوم على رؤوس الخلائق في كل أقطار الدنيا .

ها هو مع أصحابه الكرام ، وقد أرجف المرجفون وطارت الأنباء في صفوف المخذلين بأن العرب قد تنادوا عليهم من كل مكان ليستأصلوا شأفتهم ويبيدوهم عن آخرهم فصبروا واعتصموا بالله فأنزل عليه فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل ** فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:173-174).

ثم أخبرهم الله عز وجل بحقيقة الأمر ليكونوا هم ومن جاء بعدهم على بصيرة فقال : (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

(آل عمران:175) .

تفويض الأمر إلى الله والتوكل عليه والثقة بوعده والاعتصام به وحسن الظن به وانتظار الفرج منه أعظم ثمرات الإيمان وأجل مراتب اليقين (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(المائدة: من الآية23).

فإذا تكالبت عليك الحوادث ، وأغلقت في وجهك الأبواب ، فلا ترج إلا الله في إزالة مصيبتك ودفع ضُرّك ، ورفع بليتك .

وإذا أدلهم الظلام ونزل الكريم إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فارفع إليه يديك في ذلك الوقت الذي ينادي فيه عباده فيقول : (من يدعوني فاستجيب لـه من يستغفرني فأغفر له) ،، فقلَّب وجهك في ظلمات الليل في السماء وناد الكريم أن يفرج عنك وعن المؤمنين ، فإنه إذا قوي الرجاء وجمع القلب في الدعاء لم يرد بإذن الله ذلك النداء .

فأكثر من الدعاء ولا تستبطئ الإجابة وأبعد عن قلبك اليأس وادع دعاء المكروبين كما في الصحيحين عن أكرم الخلق أنه قال: (دعاء الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم) وناده نداء موقن وقل : (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) وتواضع لـه واخضع في دعائك إليه وقل : (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفية عين ولا إلى أحد من خلقك)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...