المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة ليوم الجمعة : وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ


نور الإسلام
21-06-2013, 02:42 PM
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 23 من جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 3 / 5 / 2013م


الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، التَّوَّابِ الرَّحِيمِ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ،وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ الْقَدِيمِ، أَحْمَدُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ الْعَمِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْهَدْيِ الْقَوِيمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْخُلُقِ الْكَرِيمِ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [ آل عمران: 102]. )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( [النساء:1]. )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
إِنَّ مِنْ مَبَادِئِنَا الأَصِيلَةِ، وَمِنْ تَعَالِيمِنَا الْجَلِيلَةِ، أَنْ نَفْخَرَ بِهَذَا الدِّينِ، وَأَنْ نَشْرُفَ بِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ مُسْلِمِينَ، فَمَنْ لَمْ يَشْرُفْ بِدِينِ اللهِ، وَلَمْ يَفْتَخِرْ بِكَوْنِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَتَمَسَّكْ بِأَخْلاَقِ الإِسْلاَمِ قَوْلاً وَعَمَلاً: فَفِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، وَفِي نَفْسِهِ شَكٌّ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ مُخَاطِباً رَسُولَهُ r )وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ( [الزخرف:44]. أَيْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنْ تَعَالِيمَ شَرَفٌ لَكَ، وَشَرَفٌ لِقَوْمِكَ، وَشَرَفٌ لأَِتْبَاعِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا -أُمَّةَ مُحَمَّدٍ r- أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ دَلِيلَنَا فِي تَعَامُلِنَا، وَأَخْلاَقِنَا، وَسُلُوكِيَّاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( [الحجرات:6]. أَيْ تَثَبَّتُوا مِنْهُ وَلاَ تُصَدِّقُوهُ لأَِوَّلِ وَهْلَةٍ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُخْبِرُ بِهِ جَعَلَهُ وُصْلَةً إِلَى تَحْصِيلِ مُرَادِهِ الْفَاسِدِ، أَوْ لِيَجُرَّ بِهِ إِلَيْهِ مَغْنَماً، أَوْ لِيَنَالَ بِهِ حُظْوَةً.
إِنَّهُ لاَ يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ كَذَّاباً فِيمَا يَنْقُلُهُ مِنَ الأَخْبَارِ أَوْ يَتَدَاوَلُهُ مِنْ شَائِعَاتٍ دُونَ تَمْحِيصٍ أَوْ تَحْقِيقٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَبْرَ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، أَوْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ، أَوِ الأَجْهِزَةِ الْمَرْئِيَّةِ أَوِ الْمَسْمُوعَةِ أَوِ الْمَقْرُوءَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ صَادِقاً فِيمَا يَنْقُلُهُ مِنْ مَعْلُومَاتٍ لِلنَّاسِ عَبْرَ الْوَسَائِلِ الْمُخْتَلِفَةِ حَتَّى لاَ يَفْقِدَ النَّاسُ الْمِصْدَاقِيَّةَ أَوِ الثِّقَةَ بِهِ فِيمَا يَنْقُلُهُ مِنَ الأَخْبَارِ، أَوْ يُدْلِي بِهِ مِنْ مَعْلُومَاتٍ، «فَبِئْسَ مَطِيَّةُ الْقَومِ زَعَمُوا أَوْ قَالُوا» دُونَ تَثَبُّتٍ أَوْ تَبَيُّنٍ.
الْزَمُوا الصِّدْقَ أَيُّهَا النَّاسُ، اصْدُقُوا أَيُّهَا السَّاسَةُ الإِخْبَارِيُّونَ فِي أَنْبَائِكُمْ، اصْدُقُوا أَيُّهَا الصَّحَفِيُّونَ فِيمَا تَكْتُبُونَ، اصْدُقُوا أَيُّهَا الْمُرَاسِلُونَ فِيمَا تُشَاهِدُونَ، أَخْبِرُوهُمْ بِالْوَاقِعِ الَّذِي شَهِدْتُمُوهُ, بَيِّنُوا لَهُمُ الْحَقِيقَةَ الَّتِي عَرَفْتُمُوهَا مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ وَلاَ تَطْفِيفٍ، وَلاَ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ, وَإِيَّاكُمْ وَاخْتِلاَقَ الشَّائِعَاتِ وَنَشْرَهَا بِدُونِ تَثَبُّتٍ أَوْ تَأْكِيدٍ؛ لِمَا فِي نَقْلِ بَعْضِ الأَخْبَارِ أَوْ عَدَمِ التَّحَقُّقِ مِنْهَا: مِنْ إِشَاعَةِ الْفَوْضَى، وَنَشْرٍ لِلْبُغْضِ وَالْكَرَاهِيَةِ. وَلاَ نَعْمَلُ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلاَمِ عَلَى تَخْوِينِ الأَطْرَافِ الأُخْرَى، وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمَعِ، وَتَقْسِيمِهِ إِلَى طَوَائِفَ، وَتَصْنِيفِهِ إِلَى أَحْزَابٍ؛ فَكُلٌّ لَهُ رَأْيُهُ وَفِكْرُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَحْتَرِمَ انْتِمَاءَاتِ النَّاسِ، وَنُقَدِّرَ آرَاءَهُمْ مَا دَامَتْ لاَ تُصَادِمُ شَرْعاً وَلاَ عَقْلاً، وَلاَ نَلْمِزَهُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَلاَ نُسْهِمَ فِي نَشْرِ أَخْبَارٍ مَكْذُوبَةٍ أَوْ مَعْلُومَاتٍ مَغْلُوطَةٍ مِنْ شَأْنِهَا إِضْعَافُ هَيْبَةِ الدَّوْلَةِ وَتَضْيِيعِ مُقَدَّرَاتِهَا، فَالْزَمُوا الصِّدْقَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ r, يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ( [التوبة:11]، وَيَقُولُ النَّبِيُّ r: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ]، لَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ r فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلصِّدْقِ غَايَةً وَلِلصَّادِقِ مَرْتَبَةً, أَمَّا غَايَةُ الصِّدْقِ فَهِيَ الْبِرُّ وَالْخَيْرُ ثُمَّ الْجَنَّةُ, وَأَمَّا مَرْتَبَةُ الصَّادِقِ فَهِيَ الصِّدِّيقِيَّةُ وَهِيَ: الْمَرْتَبَةُ الَّتِي تَلِي مَرْتَبَةَ النُّبُوَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ( [النساء:69]. وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الصَّادِقَ لَهُ مَكَانَةٌ عَالِيَةٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ؛ فَهُوَ مَوْضِعُ ثِقَةٍ فِيهِمْ فِي أَخْبَارِهِ وَمُعَامَلَتِهِ, وَمَوْضِعُ ثَنَاءٍ حَسَنٍ وَتَرَحُّمٍ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَاحْذَرُوا - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ - الْكَذِبَ، احْذَرُوا الْكَذِبَ فِي عِبَادَةِ اللهِ, لاَ تَعْبُدُوا اللهَ رِيَاءً وَسُمْعَةً وَلاَ خِدَاعًا وَلاَ نِفَاقًا, وَاحْذَرُوا الْكَذِبَ فِي اتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ r, لاَ تَبْتَدِعُوا فِي شَرِيعَتِهِ، وَلاَ تُخَالِفُوهُ فِي هَدْيِهِ, وَاحْذُروا الْكَذِبَ مَعَ النَّاسِ، لاَ تُخْبِرُوهُمْ بِخِلاَفِ الْوَاقِعِ، وَلاَ تُعَامِلُوهُمْ بِخِلاَفِ الْحَقِيقَةِ، وَلاَ تَنْقُلُوا الأَخْبَارَ الْكَاِذِبَةَ، وَلاَ تَتَكَلَّمُوا بِدُونِ بَيِّنَةٍ أَوْ بُرْهَانٍ.
أَيُّهَا النَّاسُ:
إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْذِبَ؛ لأَِنَّ الْكَذِبَ عَمَلٌ مَرْذُولٌ، وَصِفَةٌ ذَمِيمَةٌ، فَهُوَ مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ، وَشُعَبِ الْكُفْرِ, كَمَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: ) وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( [المنافقون:1]، وَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: )فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ( [البقرة:10]، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: )إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ([النحل:105]. وَالْمُؤْمِنُ لاَ يَكْذِبُ؛ لأَِنَّهُ يُؤْمِنُ بِآيَاتِ اللهِ، وَيُؤْمِنُ بِرَسُولِهِ r الَّذِي قَالَ: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ], أَجَلْ، إِنَّ الْكَذِبَ مِنْ قَبَائِحِ الذُّنُوبِ، وَفَوَاحِشِ الْعُيُوبِ، وَعَلاَمَةُ النِّفَاقِ؛ قَالَ الرَّسُولُ r: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t، مَا أَقْبَحَ عَاقِبَةَ الْكَذِبِ؛ فَالْكَذِبُ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْكَاذِبُ سَافِلٌ؛ لأَِنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا، وَبِئْسَ هَذَا الْوَصْفُ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهِ؛ لأَِنَّ الإِنْسَانَ يَنْفِرُ أَنْ يُقَالَ لَهُ بَيْنَ النَّاسِ يَا كَذَّابُ، فَكَيفَ يَقْبَلُ أَنْ يُكْتَبَ عِنْدَ خَالِقِهِ كَذَّاباً؟!!.
إِذَا مَا الْمَرْءُ أَخْطَأَهُ ثَلاَثٌ فَبِعْهُ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ رَمَادِ
سَلاَمَةُ صَدْرِهِ وَالصِّدْقُ مِنْهُ وَكِتْمَانُ السَّرَائِرِ فِي الْفُؤَادِ
وَاعْلَمُوا - إِخْوَةَ الإِيمَانِ - أَنَّ الْكَاذِبَ لَمَحْذُورٌ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، لاَ يُوثَقُ بِهِ فِي خَبَرٍ وَلاَ مُعَامَلَةٍ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r الْكَذِبَةَ فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ] فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ سَبِيلٌ إِلَى أَنْ يَتَّخِذَ الْمُسْلِمُ الْكَذِبَ مَطِيَّةً لِسُلُوكِهِ أَوْ مَنْهَجًا لِحَيَاتِهِ؟!.
لَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ -يَا عِبَادَ اللهِ- مَعَ كُفْرِهِمْ، وَأَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِمْ يَتَرَفَّعَونَ عَنِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَّخِذُونَهُ مَنْهَجاً لِحَيَاتِهِمْ أَوْ سَبِيلاً لِبُلُوغِ مَآرِبِهِمْ, فَهَذَا أَبُو سُفْيَانَ t ذَهَبَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ r، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ t: «فَوَاللهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثُرُوا عَلَيَّ كَذِباً لَكَذَبْتُ عَنْهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
نَعَمْ، إِنَّ الْكُفَّارَ فِي كُفْرِهِمْ وَأَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَتَرَفَّعُونَ عَنِ الْكَذِبِ، وَيَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يُؤْثَرَ عَنْهُمْ وَيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ, فَكَيفَ بِكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَقَدْ حَبَاكُمُ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الدِّينِ الْكَامِلِ الَّذِي يَأْمُرُكُمْ بِالصِّدْقِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهِ، وَيُبَيِّنُ لَكُمْ نَتَائِجَهُ وَثَمَرَاتِهِ الطَّيِّبَةَ, وَيَنْهَاكُمْ عَنِ الْكَذِبِ وَيُحَذِّرُكُمْ مِنْهُ، وَيُبَيِّنُ لَكُمْ نَتَائِجَهُ وَثَمَرَاتِهِ الْخَبِيثَةَ؟!، سُئِلَ شَرَيْكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رَجُلٌ سَمِعْتُهُ يَكْذِبُ مُتَعَمِّداً أَأُصَلِّي خَلْفَهُ؟ قَالَ: لاَ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: «إِنَّ الْكَذِبَ لاَ يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلاَ هَزْلٌ، وَلاَ أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ شَيْئاً ثُمَّ لاَ يُنْجِزَهُ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ( [التوبة:119].
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلاِعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الْكَذِبَ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَمَا بَطَنَ.أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيهِ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ مَخْلُوقَاتِهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ فِي كُلِّ حَالاَتِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَرَاضِيهِ، وَحِفْظِ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا عَنْ مَسَاخِطِهِ وَمَنَاهِيهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ حِفْظُهُ وَالْعِنَايَةُ بِهِ اللِّسَانَ؛ فَإِنَّهُ يُكِبُّ صَاحِبَهُ إِذَا لَمْ يَحْفَظْهُ فِي النِّيرَانِ، وَقَدْ يُرَقِّيهِ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الإِيمَانِ؛ فَعَنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ t يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ, وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» [رَوَاهُ التِرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْكَذِبَ عُنْصُرُ إِفْسَادٍ كَبِيرٍ لِلْمُجْتَمَعَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَسَبَبُ هَدْمٍ لأَِرْكَانِهَا الْحَضَارِيَّةِ الشَّامِخَةِ، وَتَقْطِيعٍ لِرَوَابِطِهَا وَصِلاَتِهَا الْفَاضِلَةِ، وَرَذِيلَةٌ مِنْ رَذَائِلِ السُّلُوكِ الْبَشَرِيِّ، وَإِنَّ بَعْضَ الْمُنْخَدِعِينَ أَوْ أَصْحَابِ الْقُلُوبِ الْمَرِيضَةِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ لَيَسْتَمْرِئُ الْكَذِبَ، وَيُعْلِنُ ذَلِكَ صَرَاحَةً أَمَامَ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، وَيُفْتِي نَفْسَهُ بِحِلِّهِ، إِمَّا لِتَهَاوُنِهِ بِجَرِيمَةِ الْكَذِبِ، أَوِ اعْتِقَادِهِ الْفَاسِدِ بِعَدَمِ حُرْمَةِ الْكَذِبِ، أَوْ أَنَّهُ إِمَّعَةٌ يُقَلِّدُ أَصْحَابَ النُّفُوسِ الضَّعِيفَةِ مِنْ أَجْلِ مَنْصِبٍ مَا، أَوْ تَحْصِيلِ جَاهٍ زَائِلٍ، أَو حَفْنَةٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي سَتَكُونُ نَاراً وَجَحِيماً فِي بَطْنِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَكُلُّ ذَلِكَ خِدَاعٌ لِنَفْسِهِ وَتَضْلِيلٌ لِفِكْرِهِ، فَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ t قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ r مِمَّا يَكْثُرُ أَنْ يَقُولَ لأَِصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخَرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرَغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الأُولَى: قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، مَنْ هَذَا؟. فَقَالاَ: أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
لاَ يَكْذِبُ الْمَرْءُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَتِهِ أَوْ فِعْلَةِ السُّوءِ أَوْ مِنْ قِلَّةِ الأَدَبِ
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّ التَّثَبُّتَ فِي نَقْلِ الأَخْبَارِ وَتَدَاوُلِ الْمَعْلُومَاتِ لَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الرَّأْيِ وَرَجَاحَةِ الْعَقْلِ، وَدَلِيلٌ عَلَى الإِخْلاَصِ وَحُسْنِ الْمَقْصَدِ، إِذْ مَنْ كَانَ قَصْدُهُ إِشَاعَةَ الْبَلْبَلَةِ، وَإِشْعَالَ فَتِيلِ الْفِتْنَةِ، وَتَعْيِيرِ الآخَرِينَ وَانْتِقَاصِهِمْ لَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى النِّفَاقِ، فَالْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ، وَالْمُنَافِقُ يَتَتَبَّعُ الْعَثَرَاتِ وَالزَّلاَتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( [الإسراء:36]، قَالَ قَتَادَةُ: لاَ تَقُلْ رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ، وَسَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ، وَعَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أُصُولِ التَّثَبُّتِ أَنْ لاَ يَنْقُلَ الْمُسْلِمُ كُلَّ مَا سَمِعَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ r: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، لأَِنَّ كُلَّ مَا يَسْمَعُهُ الْمَرْءُ يَخْتَلِطُ فِيهِ الصِّدْقُ بِالْكَذِبِ، فَتُحْدِثُ رِوَايَتُهُ اضْطِرَابَ الأَحْوَالِ، وَبَلْبَلَةَ الأَفْكَارِ، وَعَدَمَ السَّكِينَةِ وَالاِسْتِقْرَارِ.
بِلْ إِنَّ الإِشَاعَةَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَاتِّهَامَ الآخَرِينَ بِالْخِيَانَةِ، وَانْتِقَاصَ أَفْكَارِهِمْ، وَسَبَّهُمْ وَشَتْمَهُمْ عَبْرَ وَسَائِلِ الإِعْلاَمِ مِنْ أَخْطَرِ الأَسْلِحَةِ الْفَتَّاكَةِ وَالْمُدَمِّرَةِ لِلأَشْخَاصِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَهِيَ مِنْ وَسَائِلِ أَصْحَابِ النُّفُوسِ الْوَضِيعَةِ، وَالْقُلُوبِ الْمَرِيضَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( [النور:19].
عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِِكُمْ، اتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمْ وَمُجْتَمَعِكُمْ، أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِإِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ، دَافِعُوا عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، لاَ يَخُنْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، لاَ تَقُولُوا بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، احْذَرُوا الْكَذِبَ وَالتَّلْفِيقَ وَالإِشَاعَةَ، وَالْزَمُوا الصِّدْقَ وَالتَّثَبُّتَ وَالتَّبَيُّنَ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، اطْلُبُوا الْمَعَاذِيرَ لِسَقَطَاتِ إِخْوَانِكُمْ، لاَ تَتَكَلَّمُوا بِكُلِّ مَا تَسْمَعُونَ، بَلْ تَأَكَّدُوا مِنَ الأَخْبَارِ وَلاَ تَنْقُلُوهَا إِلاَّ مِنْ مَصَادِرِهَا، «فَبِئْسَ مَطِيَّةُ الْقَوْمِ زَعَمُوا وَقَالُوا»، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا, )يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ( [الحاقة:18].
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56]؛ فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ ،اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ عَلَى الْخَيْرِ قُلُوبَنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَأَشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْمِيرَهُ فِي تَدْبِيرِهِ، اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، اللَّهُمَّ عَامِلْنَا بِمَا أَنْتَ أَهْلُهُ، وَلاَ تُعَامِلْنَا بِمَا نَحْنُ أَهْلُهُ، إِنَّكَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا يَا رَبَّنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلاَدِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام