فوز الإسلاميين.. يقلب سياسات واشنطن
الاربعاء 11 يناير 2012
تقرير لصحيفة نيويورك تايمز
ترجمة/ شيماء نعمان
مفكرة الاسلام: في ظل المحاولات الدءوبة من جانب الولايات المتحدة لمد أواصر التعاون بين إدارة الرئيس "باراك أوباما" وجماعة الإخوان المسلمين، أوضح تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، شارك في إعداده المراسلون "ديفيد كيركباتريك" و"ستيفين لي مايرز" من القاهرة وواشنطن، أن واشنطن تخطو خطى حثيثة لتغيير مسار سياستها التي تعاملت بها مع الإخوان المسلمين على مدار عقود، كما نقلت الصحيفة اقتباسات من حوار للرئيس المصري السابق "محمد حسني مبارك" يرجع إلى عام 1994 استبعد فيه تمامًا إمكانية سيطرة الإسلاميين على زمام الأمور في مصر.
وفيما يلي نعرض تقرير "نيويورك تايمز" وجاء فيه:
مع اقتراب الإخوان المسلمين من تحقيق أغلبية مطلقة في برلمان مصر الجديد، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في عكس مسار سنوات من عدم الثقة والعداء فيما تسعى لإقامة علاقات وثيقة مع جماعة كان ينظر إليها ذات يوم كمعارض عنيد أمام مصالح الولايات المتحدة.
وتمثل مبادرات الإدارة الأمريكية - بما فيها اللقاءات رفيعة المستوى التي جرت في الأسابيع الأخيرة - تحولاً تاريخيًّا في سياسة خارجية تبنتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة؛ والتي ساندت بإصرار حكومة الرئيس "حسني مبارك" الديكتاتورية لأسباب من بينها القلق من الأيديولوجية الإسلامية للإخوان المسلمين وصلاتهم التاريخية بالعناصر المسلحة.
ويعد التحول - في أحد مستوياته - بمثابة اعتراف بالواقع السياسي الجديد هنا، وقطعًا بالمنطقة، في وقت تصعد فيه الجماعات ذات الاتجاه الإسلامي إلى سدة السلطة. وبفوز الإخوان المسلمون بما يقرب من نصف المقاعد البرلمانية المتنافس عليها في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية في البلاد، فقد خاضوا الثلاثاء الماضي المرحلة الثالثة والأخيرة حيث يحظون بفرصة لتمديد تقدمهم مع مضي التصويت نحو مناطق طالما كانت تعتبر معاقل لهم.
ويعكس التحول كذلك قبول الإدارة الأمريكية المتنامي لتأكيدات جماعة الإخوان المتكررة بشأن رغبة مشرِّعيها في بناء ديموقراطية حديثة من شأنها أن تحترم حريات الأفراد، والأسواق الحرة، والالتزامات الدولية؛ بما فيها معاهدة مصر مع "إسرائيل".
كما يبرز التحول في الوقت نفسه تزايد إحباط واشنطن من الحكام العسكريين في مصر، الذين سعوا لاقتطاع صلاحيات سياسية دائمة لأنفسهم واستخدموا القوة المفرطة ضد المتظاهرين المطالبين بنهاية لحكمهم.
ومع ذلك، فقد حاولت الإدارة الأمريكية الاحتفاظ بعلاقاتها العميقة مع الحكام العسكريين، الذين أقاموا أنفسهم حراسًا على الطابع العلماني لبلادهم. ولم تهدد الإدارة الأمريكية قط على نحو صريح بوقف 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر، على الرغم من أن القيود الجديدة في الكونجرس قد تفرض اقتطاعات.
ومع تقدم الإخوان المسلمين نحو مكاشفة حاسمة ومتوقعة مع الجيش هذا الشهر بشأن من ينبغي عليه الهيمنة على الحكومة المؤقتة - هل هو البرلمان المنتخب حديثًا أم المجلس العسكري الحاكم؟ - فإن التواصل العلني للإدارة الأمريكية مع الإخوان المسلمين يمكن أن يمنح الحركة الإسلامية في مصر دعمًا هامًّا. كما يمكنه كذلك أن يضفي شرعية دولية أكبر على الإخوان المسلمين.
وقال مسئول رفيع بالإدارة الأمريكية وهو أحد المشاركين في صياغة السياسة الجديدة؛ وقد تحدث بشرط السرية لمناقشته شئون دبلوماسية أنه سيكون من "غير العملي تمامًا" عدم التواصل مع الإخوان المسلمين "وذلك نظرًا لمصالح الولايات المتحدة الأمنية والإقليمية". وأوضح قائلاً: "لا يبدو في نظري أن هناك أي سبيل آخر للقيام بذلك باستثناء التواصل مع الحزب الفائز في الانتخابات"، مضيفًا: "لقد كانوا محددين تمامًا في توصيل رسالة معتدلة فيما يتعلق بالأمن الإقليمي والقضايا الداخلية والقضايا الاقتصادية على حد سواء".
ووصف بعض المقربين من الإدارة هذه العلاقات الأمريكية الناشئة مع الإخوان المسلمين بأنها خطوة أولى نحو نمط من الممكن أن يتجسد مع وصول الأحزاب الإسلامية في ربوع المنطقة إلى السلطة في أعقاب انتفاضات الربيع العربي. حيث تولى الإسلاميون أدوارًا هامة في كلٍّ من المغرب وليبيا وتونس ومصر في غضون أقل من عام.
وقال السيناتور "جون كيري"، العضو الديموقراطي عن مدينة ماساتشوستس ورئيس لجنة العلاقات الخارجية؛ الذي جمعه مؤخرًا وسفيرة الولايات المتحدة في مصر "آن باترسون" لقاء مع قياديين كبار من الحزب السياسي المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين: "إنك بالتأكيد سيتعين عليك اكتشاف كيفية التعامل مع حكومات ديموقراطية لا تتبنى كل سياسة أو قيم لديك".
وقد قارن مبادرة إدارة أوباما بمفاوضات السلاح التي أجراها الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريجان" مع الاتحاد السوفييتي، قائلاً: "من الضروري للولايات المتحدة أن تتعامل مع الواقع الجديد.. ومن الضروري أن تعزز من خطتها".
وأوضح أنه خلال اللقاء مع حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين، قال قياديو الجماعة: إنهم كانوا يتوقون العمل مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية؛ لا سيما في المناحي الاقتصادية. وقال: "لقد عبروا بلا شك عن اتجاه ينبغي ألا يمثل تحديًا بالنسبة لنا، بشرط المضي قدمًا فيه"؛ مضيفًا: "بالتأكيد ستكون العبرة بالأفعال".
من جانبهم، كثيرًا ما يتحدث قادة الإخوان المسلمين هنا على نحو علني عن تطلعهم أن تدخل مصر في علاقات تعاونية تتسم بـ"الندية" مع الولايات المتحدة. وقد نبذت الجماعة العنف كأداة سياسية في الفترة القريبة من إطاحة ثورة عام 1952بالنظام الملكي الذي كان مدعومًا من قبل البريطانيين. وعلى مدار أعوام، قال العديد من قياديها بأنهم صاروا أكثر ارتياحًا مع نظام الديموقراطية الانتخابية متعددة الأحزاب بينما يؤدون عملهم كأعضاء في الأقلية البرلمانية المجازة - إن لم تكن المهمشة - في ظل حكم مبارك.
وهم كذلك يبدو عليهم الحبور بوضعهم الجديد، وعقب اللقاء مع السيناتور كيري والسفيرة باترسون، ذكرت الصحيفة والموقع الإلكتروني للإخوان المسلمين عن السيد كيري قوله: "أنه لم يكن مندهشًا من المركز المتقدم والرائد لحزب "الحرية والعدالة" في الخريطة الانتخابية لمصر، مؤكدًا على احترامه لإرادة الشعب المصري".
وقالت قيادات الإخوان المسلمين بأنهم أوضحوا للسيد كيري أن: "مصر دولة كبيرة وصاحبة تاريخ طويل ومشرف كما أنها تلعب دورًا هامًّا فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية والدولية، ومن ثم تحترم الاتفاقيات والمعاهدات التي تم توقيعها".
إلا أنه على الواجهة الإنجليزية للصفحة الإلكترونية للجماعة، حث التقرير الولايات المتحدة على "الإصغاء إلى الشعوب، وليس السماع عنها"، كما نصح أنه "باستطاعة أمريكا لعب دور في التنمية الاقتصادية والاستقرار للعديد من شعوب العالم، إن أرادت ذلك".
وكانت الإدارة الأمريكية قد صعدت الثلاثاء الماضي من انتقادها للحكام العسكريين في مصر بشأن المداهمات التي أغلقت الأسبوع الماضي عشرة من منظمات المجتمع المدني - تضم على الأقل ثلاث منظمات ذات تمويل أمريكي معنية ببناء الديموقراطية - وذلك كجزء من تحقيق بشأن التمويل الأجنبي غير المشروع والمفعم باتهامات بالتآمر وأحاديث معادية لأمريكا.
وقالت "فيكتوريا نولاند" المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية: "بكل وضوح، من غير المقبول بالنسبة لنا أن ذلك الوضع لم يعد إلى حالته الطبيعية"؛ متهمة الحكام العسكريين في مصر بنقض تعهداتهم التي قطعوها الأسبوع الماضي لمسئولين أمريكيين كبار من بينهم وزير الدفاع "ليون بانيتا". كما وصفت المسئولين الذين يقفون وراء الحملة ضد هذه المنظمات بأنهم: "من نوع فلول نظام مبارك البائد والذين لا ينتمون إلى الصفحة الجديدة مع الشعب المصري".
ويمكن أن تؤدي رغبة الإدارة الأمريكية في التعاون مع الإخوان المسلمين إلى تعريض الرئيس أوباما إلى هجمات جديدة من جانب الجمهوريين الذين يتهمونه فعليًّا بالسماح للإسلاميين بالانتصار على حليف حيوي. بالرغم من ذلك، يرى بعض المحللين أن المبادرات تصل إلى درجة الاعتراف الضمني بأنه كان ينبغي على الولايات المتحدة بدء مثل ذلك التواصل مع المعارضة الإسلامية في المنطقة منذ زمن بعيد.
وتعود الاتصالات الأمريكية الحذرة مع الإخوان المسلمين إلى مطلع التسعينيات، غير أنها كانت تقتصر سابقًا على لقاءات غير علنية مع أعضاء برلمانيين ينتمون كذلك إلى الإخوان ولكن تم انتخابهم كمستقلين. وقد كانت حتى تلك المقابلات الحذرة تثير النقد اللاذع من جانب مبارك. والذي ذكر عنه قوله للصحافية الأمريكية "ماري آن ويفر" عام 1994: "إن حكومتك تجري اتصالات مع هؤلاء الإرهابيين من الإخوان المسلمين بصورة سرية للغاية ودون علم منا أولاً"، مضيفًا: "يمكنني أن أؤكد لك أن تلك الجماعات لن تتولى قط زمام الأمور في هذا البلد".
وحاول "شادي حميد"- مدير وحدة البحث بمعهد بروكنجز الدوحة في قطر - تقديم البرهان على أن الولايات المتحدة قد فقدت فيما سبق فرصًا لبناء روابط مع الإسلاميين المعتدلين. موضحًا أنه عندما سجن مبارك الآلاف من أبرز أعضاء الإخوان في عام 2005 وعام 2006، على سبيل المثال، حاولت الجماعة الاستعانة بواشنطن. وقال حميد: "أما الآن فتدرك جماعة الإخوان أنها في وضع أكثر قوة والأمر تقريبًا يبدو كأن الولايات المتحدة هي من تلاحقهم وهم في مركز ثقة". وتساءل حميد: "ولكن ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، هل تتدخل وتغير نتائج الانتخابات؟ إن البديل الوحيد هو أن تصبح معارضة للديموقراطية في المنطقة".
ومن المتوقع أن يتم افتتاح الجلسة الأولى لمجلس الشعب المصري يوم 23 يناير؛ أي قبل يومين من الذكرى السنوية للمظاهرات التي أطاحت قسرًا بمبارك.