كيف ترى "إسرائيل" صعود الإسلاميين في مصر؟
الاحد 11 ديسمبر 2011
كارل فييك*/ مجلة تايم
ترجمة/ شيماء نعمان
مفكرة الاسلام: أدهش النجاح المذهل للأحزاب السلفية في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر المسئولين "الإسرائيليين" بقدر ما أدهش العالم أجمع. وجاءت النسبة التي قدرت بنحو 40% من الأصوات والتي ذهبت لصالح جماعة الإخوان المسلمين - الحزب الذي أسس الإسلام السياسي المعاصر - متماشية تقريبًا مع نتائج استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات. إلا أن الظهور القوي غير المتوقع للسلفيين – وهم مسلمون من أهل السنة يعتقدون في أن النموذج الصحيح الوحيد من الإسلام هو ما كان متبعًا في زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والحقبة القريبة منه منذ نحو 1300 عام - يمكن أن يضع فئة تعارض مفاهيم الحداثة في موقع محوري في الديموقراطية الجديدة في مصر، وهو ما قال عنه مسئول أمني "إسرائيلي" رفيع، وفق ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليومية: "إن هذا أسوأ حتى مما توقعنا".
بعبارة أخرى، فإن الأحداث تميط اللثام عن كثير مما حذر من احتمال وقوعه رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" في الأيام الأولى للربيع العربي، الذي قال عنه نتنياهو أنه قد يتحول أيضًا إلى "شتاء إيراني". وهذه الاستعارة مستمدة من تاريخ ثورة إيران عام 1979؛ والتي كانت قد بدأت كانتفاضة شعبية موحدة في مواجهة نظام الشاه الاستبدادي، وبفضل تنظيم ودفع الناشطين الدينيين إلى حد كبير، أفرزت نظامًا ثيوقراطيًّا متطرفًا سيطر على البلاد منذ ذلك الحين.
وقال نتنياهو الشهر الماضي أمام الكنيست قبيل بدء الاقتراع في مصر: "في فبراير، عندما احتشد ملايين المصريون في شوارع القاهرة، قال معلقون وقلة من أعضاء المعارضة "الإسرائيلية": إننا نواجه حقبة جديدة من الليبرالية والتقدم.. وقالوا: إنني كنت أحاول تخويف العامة وإنني أقف على الجانب الخاطئ من التاريخ ولا أرى إلى أين تمضي الأمور".
لقد أثبت الفيسبوك - موقع شبكة التواصل الاجتماعي التي سمحت للشباب الليبرالي بالتنظيم الحكيم لأول احتجاج شعبي حاشد - هزيمته أمام القرآن، ففي منطقة يمثل الإيمان لمعظم الناس مكونًا أساسيًّا للهوية، فإن دعوات الأحزاب الدينية التي تنصح بالفضيلة والعدالة لا يمكن الاستهانة بها، وقد أوضح نتنياهو أمام البرلمان: "إن هذه الأنظمة الجديدة تعتمد على الجماهير، الجماهير الغاضبة، والذين تسمم الكثيرون منهم على نحو منظم بدعايات معاداة السامية ومعاداة الصهيونية"، مضيفًا: "لقد بدأ التحريض حتى قبل تأسيس دولة "إسرائيل" ولا يزال بكامل عنفوانه حتى اليوم".
تلك هي الرؤية داخل أروقة المؤسسة الأمنية في "إسرائيل". وبينما ألهمت الأحداث في تونس وميدان التحرير وأماكن أخرى الكثيرين حول العالم، نزع "الإسرائيليون" إلى حالة من الحذر العميق منذ البداية. كما قالت بعض الشخصيات بصراحة مباشرة بأن العرب لا يمكنهم حكم أنفسهم، إلا أن آخرين قد فصلوا عناصر الديموقراطية الغربية - التعليم العام، والمجتمع المدني، وحكم القانون - وتوصلوا إلى أن الانتخابات ليست وحدها ما يهم.
وتتساءل "جابرييل بن- دور"- أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا - خلال مؤتمر عقد مؤخرًا في جامعة "بار إيلان" حول التحديات الأمنية الجديدة بالنسبة لـ "إسرائيل" قائلة: "من قال بأن الاحتجاجات ضد الديكتاتورية تؤدي بالضرورة إلى الديموقراطية؟"، مضيفة أن: "الديموقراطية لم تكن هي ما أخرجته الثورة ضد قياصرة روسيا منذ 100 عام، كما أنها لم تظهر كذلك في العديد من دول كومنولث الدول المستقلة التي أطاحت بنير الشيوعية. ومن ثم ليس هناك أساس عقلاني أو منطقي أو تاريخي لافتراض انبعاث الديموقراطية كنتيجة للثورات التي يشهدها العالم العربي اليوم".
أما المحلل "إفرايم كارش" من جامعة "كينجز كوليدج" بلندن فيرى أن: "الإسلام لا يزال هو أقوى إطار للهوية في المجتمع المصري بشكل خاص وفي المجتمع العربي عمومًا، فالديكتاتوريات العربية التي قامت فوق هذه الهوية الإسلامية الأساسية على مدار الثمانين عامًا الماضية لم تكن إلا قشرة رقيقة من القمع. إلا أنه مع سقوط هذه الديكتاتوريات، فإن ما تبقى ليس إلا الدعائم الإسلامية الأساسية للمجتمع، وهي ما سيصعد حاليًا إلى المقدمة. وبالتالي من غير المرجح انبعاث هياكل أو عمليات أو قيم ديموقراطية في العالم العربي لعدة أجيال قادمة".
هي وجهات نظر قاسية، ولكنها تمثل التيار السائد الرئيس في المجتمع "الإسرائيلي"، بناء على ما قاله حتى المواطنين العاديين في مقابلات شخصية عندما كان الربيع العربي في أوج ريعانه. ويعلن نتنياهو حاليًا بصورة مباشرة أن العالم العربي "لا يتقدم إلى الأمام، بل يتقهقر إلى الوراء"، كما يجد مبررًا للتراجع عن تعجيل التفاوض على اتفاق سلام مع الفلسطينيين؛ حيث قال: "أتذكر أن الكثيرين منكم كان قد حثني لاغتنام الفرصة وتقديم تنازلات متسرعة من أجل التوصل إلى اتفاق. وهذا بالتأكيد ليس هو الوقت المناسب للاستماع إلى أولئك الذين يقولون: اتبع قلبك".
بدلاً من ذلك، يدور النقاش حول تشديد النطاق الأمني والاحتماء وربما تخزين الذخيرة. ويعتمد وضع الدفاع "الإسرائيلي" بكامله على معاهدات السلام مع الجيران على طول حدودها؛ مصر إلى الغرب والأردن إلى الشرق. وحتى مطلع هذا العام، كانت تعتبر الحدود مع مصر قليلة الخطر بالرغم من بقاء مساحات واسعة منها دون سياج. إلا أنه منذ سقوط "حسني مبارك"، تحولت صحراء سيناء على الجانب المصري إلى مرتع للمتطرفين بعيدًا عن سيطرة أمن القاهرة؛ وقد أعلن نتنياهو الأحد الماضي أنه سيتم العمل في عجالة على سياج أمني والانتهاء منه في غضون عام.
أما في الصحافة العبرية فقد تحول الحديث عن تقليص ميزانية الدفاع لتمويل مطالب العدالة الاجتماعية التي نادت بها الانتفاضة الشعبية داخل "إسرائيل" نفسها - ثورة الخيام كبيرة النجاح التي خرجت في "إسرائيل" الصيف الماضي - إلى حديث عن تكثيف للقوات العسكرية التقليدية للدفاع عن الحدود. وبالرغم من أن أحدًا لا يتوقع نزاعًا مع مصر جديدة غاضبة خلال الشهور الخمسة المقبلة، فإن الجدول الزمني الذي ذكره بعض المحللين يتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.
وقد أخبر وزير الشئون الاستخبارية "دان مريدور" صحيفة "معاريف" اليومية قائلاً: "إننا نراقب عن كثب التطورات في مصر، ولدينا مصلحة واحدة هي الحفاظ على معاهدة السلام التي صمدت على مدار 32 عامًا"، مضيفًا: "ما الذي سيحدث في أعقاب الانتخابات؟ ذلك شأن لا يزال أمامنا والأمور في تطور مستمر طوال الوقت".
*كارل فييك: مدير مكتب مجلة "تايم" الأمريكية بمدينة القدس المحتلة.