مدارات, الفتن, شياطين
عدلي صادق
تلقيت من الأخت المترجمة نديّة عزيز من عمّان، قصاصة بحجم ثلاث صفحات، من مجلة روز اليوسف المصرية، فيها مقابلة طويلة مع من تفترض إنه عالم دين أزهري، وهو متحصل فعلاً على الدكتوراة بامتياز من قسم الشريعة والقانون في العام 1993؛ ينفي أن يكون حجاب المرأة مفروضاً شرعاً. وفي الحقيقة لا يتقبل كاتب هذه السطور، المماحكات الفقهية التي تصرف الناس عن التفكر في قضاياها الكبرى وعن العمل في سياق يتعلق بمصير المجتمع وحياة الناس ووحدتها الوطنية. ومنذ الوهلة الأولى، وقبل قراءة الموضوع أحسست بأن فتوى الشيخ المنشورة في «روز اليوسف» مضروبة من عدة جوانب، أولها أن الشيخ التافه الذي ترك قضايا مصر الحيوية و»دق» في موضوع الحجاب، هو في الحقيقة شيخ سابق لكنه ارتد عن دينه وتحول الى المسيحية، عرفته بالمتابعة. والطريف أن هذا الشيخ المفوّه بالعامية المصرية، واسمه مصطفى محمد راشد، الذي عمل استاذاً للشريعة والقانون في الأزهر. وفي تقديري ان الإعلام الديني المسيحي ابتلي به، وحبذا لو عمل على «تطفيشه» الى البوذية البعيدة. فهو رجل ذو لسان شغوف بالدسيسة، يبرع في اللعب على صور ولقطات من مجتمع البسطاء، لإرباك وعي المسلمين والمسيحيين معاً، وإقناعهم بأنهم جهلة لا يعرفون شيئاً. هدفه استثارة الفتن وتعميق الكراهية، وهو الآن يمارس عملاً تنصيرياً، عبر الصوتيات واللقاءات المصورة، لن تفيد المسيحية ولن تضر الإسلام في شيء، لسخافة مضامينها ولتهجمها الفذ على دين الله وعلى رسول الله!
الجانب الثاني الذي ضُربت منه فتوى المعمم المارق، هو أن المطبوعة (روز اليوسف) التي عُنيت بنشر فتوى لرجل من هذا الطراز، وتقديمه على أنه شيخ وعالم دين إسلامي، وهي تعرف أن الرجل ارتد عن دينه ويشتغل في التنصير على نحو مثير للفتنة؛ كانت متخصصة في عهد مبارك، بمهاجمة رموز الإسلام السياسي وتشويه تاريخهم الشخصي والعائلي والسياسي، بمنطق «التخبيص» الجزافي، الذي جاء بنتائج عكسية، أي زاد من التعاطف مع الإسلاميين، وزاد من قناعة البسطاء بمظلوميتهم. فليس أغبى من خصم يهجم على خصمه، باختلاق أو تلفيق حيثيات لا علاقة لها بالواقع. إن مردود هكذا هجوم، يعود بالنفع على من يتعرض للهجوم، وينزع الحد الأدنى من الصدقية عمن يهجم، وبالتالي فإن المغرمين بالسجال، يتمنون أن يقع خصمهم في حماقات تلفيق الكلام ضدهم، كأن يقول لهم ما يقوله حانقون في رسائل يرسلونها لنا أحياناً، إذ تسبقهم غرائزهم ويتبدى ضعف منطقهم و»هبلهم» حين يجمعون كل ذمائم الدنيا ويلصقونها بنا دفعة واحدة، فلا نملك إلا الضحك مع اليقين بأن ما نذهب اليه فيما نكتب، قد استفز وأوصل الرسالة الى أشد البؤر والجيوب عفونة، في المشهد الفلسطيني!
* * *
إن قلوبنا تنبض مع شعوب هذه الأمة المظلومة. ومثلما يؤلمنا الحال في سورية، ونتأسى على شعبنا العربي فيها، الذي يُذبح على مرأى ومشهد من العالم كله؛ فإن قلبنا مع مصر المحروسة، التي ستشهد محاولات محمومة لزعزعة وئامها الاجتماعي، في مرحلة صاخبة تتخللها الكثير من الدسائس. ويقيني ان ما طرحه الشباب في ميدان التحرير، عن تطهير الإعلام من عناصر الفتنة وتشويه الحقائق؛ صحيح مئة بالمئة. فما زال الذين كانوا يكتبون ويشوهون صورة كل من يطرح رأياً أو يقدم نصيحة محترمة، يكتبون حتى الآن، بطريقة ضربة على المسمار وضربة على الحافر، فيتظاهرون بتأييد الثورة، ثم يسترسلون كأنهم ينطلقون من موقعها، لكي يقولوا ما يريدون، بطريقة دس السم في الدسم. وهناك بالطبع، أولئك الذين كان شغلهم الشاغل عبر سنوات، تشويه صورة الفلسطينيين ومحاولة حث إخوتهم المصريين على كراهيتهم.
يحدونا الأمل في أن يتنبه المصريون لخطورة اللعب بالدين، وتأجيج السجال بين متطرفين مسلمين ومسيحيين. إن لهذا المنحى المدمر، عناصر جاهزة من الطرفين. ومثلما هو ضروري أن يُحاصر الوطنيون المسلمون المستنيرون، ظاهرة أسلمة الفتيات المسيحيات الضعيفات، دون سواهن، ينبغي محاصرة ظاهرة تنصير شيوخ وضيعين ورجال جماعات متطرفة، لأن أمثال هؤلاء شياطين أصلاً وذوو مواويل ومآرب وغرائز، والشيطان كريه في كل الأديان. بل إن أحد النصابين المنتسبين لجماعة متطرفة، دخل المسيحية لاحقاً، بعد أن اشتغل في الإيقاع بفتيات من أتباع العقيدتين، اصدر كتاباً بعنوان «مذكرات شيطان» نشر فيه صور ضحاياه وقصصهن!
خطير جداً ترك الأوطان للشياطين والمريبين وانداد الجواسيس. لا ينبغي أن تصبح فروع الأحوال الشخصية، هي محاور الجدل الاجتماعي والسياسي في البلاد. فمن تريد الحجاب لها أن ترتديه، ومن ترغب في السفور فليكن، وكل حرٌ في عقيدته، وكلٌ مكفول الحق في التعبير عن القناعات دون أساليب تثير الفتن. المهم أن يلتزم الناس القانون، وأن يضعوا مصير الوطن ووئامه الاجتماعي نصب أعينهم، وان يجابهوا شياطين الفتن متحدين. فالتحديات كبيرة والأزمات عميقة، والأوطان مجروحة بل هي في العناية المركزة، وفي حاجة الى جهد الناس ودعائهم والى نقاء قلوبهم وصدق مسعاهم جميعاً!
Adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com