لأخطر, العالم:, تنصير, خطاب, رسولى, فاتيكاني”, “مناقشة
أحمد الجبلي
تبدأ الدكتورة زينب عبد العزيز هذا الكتاب، الكاشف للمؤامرة المتعددة المناحي والفصول، بكلمة للشاعر الفرنسي شارل بيجي يقول فيها: ” من يعرف الحقيقة ولا يجاهر بها بأسلوب عنيف، فهو يتواطأ مع الكذابين والمزيفين..”
وهكذا كانت الدكتورة زينب، فحين علمت الحقيقة جهرت بها بأعنف ما يكون الأسلوب علها تصل إلى كل مسلم لاه ساه عما يحاك ضده وضد دينه وكتابه الذي بدونه لن يكون سوى نكرة في مهب أحداث متسارعة تفعل فيه ولا يفعل فيها.
لقد كشفت الدكتورة زينب جميع الأقنعة التي ظل يخفيها المجلس الرسولي الفاتيكاني من خلال رسالة ” روعة الحقيقة” للبابا يوحنا بولس الثاني، كالحرية والتسامح والحوار وتنوع الاعتقادات الدينية المسيحية من خلال تنوع كنائسها، كما كشفت الاختراق الخطير للمجمع الرسولي الفاتيكاني من طرف الصهيونية العالمية التي عملت على غرس بابوات يهود ليصلوا إلى قمة القرارات التي توجه جميع كنائس العالم، مما يمنحها نحن المسلمين المبرر الكافي، الذي ظللنا نبحث عنه، في إصدار قرار براءة اليهود من دم المسيح رغم العداوة التاريخية التي كانت ولازالت بين اليهودية والمسيحية. كما كشفت أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية التي يعتمدها الفاتيكان وبها تكتب الخطابات الرسولية الأصلية لتتم ترجمتها مجرد ترجمات تختلف عن النص الأصلي الفرنسي والعمل على صياغتها بأشكال تلائم طبيعة الدولة وطبيعة الشعب وطبيعة المنهج الديني المتبع فيها، أي هي في الحقيقة نسخ مشوهة عن الخطاب الرسولي الأصلي.
كما تكشف السيدة زينب بالوثائق أن للمجمع المسكوني الفاتيكاني يدا طولى في إسقاط الاتحاد السوفياتي سنة 1991، بمعنى أن المسيحية كانت جنبا إلى جنب مع السياسة للإطاحة باليسار العالمي، وقد بدأ التخطيط لهذا المشروع منذ سنة 1965 حين تم انتخاب البابا يوحنا بولس الثاني، البولندي الأصل، الذي بدأ بضرب حلف وارسو وإنشاء حزب “تضامن” في بولندا، وإحياء الكنيسة الأرتودوكسية الروسية واختلاق العام “المريمي”، نسبة إلى مريم العذراء، وبعد نجاح المخطط الأول سيتم العمل على اقتلاع الإسلام على الصعيد العالمي وبحجج ووسائل مختلفة، الأمر الذي يفسر التباطؤ الرهيب في حل مشكلة البوسنة، وسرعة دك القوى العسكرية والمدنية في العراق، فضلا عن التباطئ والتلكئ في نزع الكيان الصهيوني من أراضي فلسطين المحتلة.
إن الفكرة المحورية التي يدور حولها الكتاب هي رسالة يوحنا الثاني لكونها من جهة تعد أطول رسالة، على الإطلاق، تنبثق عن المجمع الرسولي الفاتيكاني، حيث تتكون من 191 صفحة، ولكونها ستمثل خطابا جديدا ورهيبا يعمل على واجهتين أما الواجهة الأولى وهي الدعوة الصارمة إلى تنصير العالم بكل الوسائل (الوسائل مفتوحة وعامة) أي هي دعوة إلى اقتلاع الإسلام ومحاربته بكل قوة وبجميع الآليات، لكونه يمثل الدليل الوحيد الشاهد على جريمة تزوير الإنجيل. أي هي دعوة إلى محو دليل الجريمة النكراء التي يعترف بها البابا كما يمارسها من خلال خطاباته الرسولية انطلاقا من كونه ظل الله في الأرض وأن ما يقوله يمثل الحقيقة المطلقة التي لا يسمح لأي مسيحي أن يجادل فيها أو يتقاعس عن العمل بها. وأما الواجهة الثانية فهي التيارات المسيحية والكنسية الكثيرة التي ثارت على تعاليم المسيحية لكونها تعاليم بالية وتتعارض مع الحقائق العلمية.
لقد وقع البابا هذه الرسالة في السادس من شهر غشت 1993، وهو تاريخ يشير إلى العيد الذي يسمى “عيد تجلي المسيح” ففي هذا اليوم تحتفل الكنيسة الكاثوليكية باللحظة التي تجلى فيها السيد المسيح (بكل روعته على جبل تابور محاطا بكل من موسى وإليا) أي أن البابا اختار لحظة تاريخية تجمع بين المسيحية واليهودية، ويتأكد هذا الربط جليا في رسالة “روعة الحقيقة” من خلال قوله: ” إن الوصايا العشر قد أعطيت ثانية إلى البشر عن طريق يسوع، الذي هو موسى جديد، ”
لقد أحدث خطاب البابا جدلا عالميا في أوساط التيارات المسيحية والمفكرين والدارسين لمجموعة اعتبارات على رأسها أنه يُكرِهُ المسيحيين على نمط واحد في التدين والمنهج والأخلاق، وهو النمط الذي تتزعمه الكنيسة الكاثوليكية الفاتيكانية باعتبارها تمثل الخط السليم للعقيدة المسيحية بكل التحريفات التي عرفتها تاريخيا، مع إعطاء كامل الصلاحية لرجال الإكليروس في قمع أي بوادر انشقاق أو معارضة لهذه التعاليم. ولهذا اعتبر الأب جان لوي بروجيس هذا الخطاب عبارة عن تلاعب بالديناميت، بينما قال القس كرستيان ماكاريت، وبما أن رسالة البابا اسمها “روعة الحقيقة” فقد عقب قائلا: ” إنها حقيقة ستؤدي روعتها في صدم أكثر من كاثوليكي بالضربة القاضية”.
ورغم أن الكتاب يدور حول مناقشة الخطاب الرسولي الفاتيكاني، فلم يمنع الدكتورة زينب من أن تناقش العديد من القضايا العقدية المتعلقة بالمسيحية بشكل مقنع وممتع تعتمد فيه على منهج تحليلي علمي ومنطقي مستشهدة بالوثائق والأدلة التاريخية كما تعمل على دعم أفكارها بما قاله المفكرون المسيحيون أنفسهم، وكأنها تلجأ إلى سلاح المسيحيين ذاتهم من أجل إثبات بوار العقيدة المسيحية وانحطاطها وتزييفها، كعقيدة يتنكر لها عقلاء المسيحية نفسها، الذين لازالوا يعبرون عن التيه والحيرة كلما درسوها أكثر نظرا للتناقضات الكثيرة وبقاء العديد من الأسئلة عالقة تنتظر من يجيب عنها.
وفي سياق حديثها عن علاقة التنصير بالحروب الصليبية و بالاستعمار تشير الدكتورة زينب إلى أن كافة المراجع التاريخية الموضوعية تثبت أن عملية التنصير إنما حلت محل الحروب الصليبية بعد فشلها في القضاء على الإسلام، ثم سرعان ما تكشف عن وجه آخر وهو الاستعمار في بعديه السياسي والاقتصادي. كما أن التنصير كان و لا يزال يواكب عمليات الاستعمار المختلفة والمتنوعة، كما تدون ذلك جميع الموسوعات العالمية بما فيها الموسوعات الفرنسية التي تقر قائلة: ” إن التوافق الحميم بين المبشر وكل من الجندي والحاكم والمستغل والتاجر كان من السمات المتضافرة التي يمكن تفسيرها أو تبريرها. إلا أن الأخطر من كل هذا هو ذلك الحرمان الناجم عن سرقة شخصية الخاضعين لعملية التبشير وضياع هويتهم الثقافية والاجتماعية والدينية”. كما أن بعض المراجع ذهبت تطلق على الكنيسة عبارة “الشريك الكامل للامبريالية”.
وأما عن الحوار بين الديانات، الذي للأسف الشديد يلهث وراءه العديد من العلماء والدعاة وشيوخ الإسلام، فترى الدكتورة أن البابا يوحنا الثاني قد دعا إلى الحوار بين الديانات منذ سنة 1979، في رسالته التي سماها “رسالة الفادي” وبالضبط في الفصل الخامس تحت عنوان ” الحوار مع الإخوة من ديانات أخرى” وهي الرسالة التي قال عنها فخامته أنه يعبر من خلالها عن موقفه من الإسلام والمسلمين. إن الموقف من الإسلام هو عينه مفهوم الحوار بين الديانات الأخرى، حيث يقول: “إن الحوار بين الديانات يشكل جزءا من رسالة الكنيسة التبشيرية..إنه لا يتعارض مع الرسالة إلى الأمم ، إنه بالعكس مرتبط بها، بنوع خاص ، وهو تعبير عنها” ويقول: ” إن الخلاص يأتي من المسيح، وأن الحوار لا يعفي من التبشير بالإنجيل” وبصريح العبارة يضيف: ” إن الكنيسة لا تعتبر أن هناك أي تناقض بين البشارة بالمسيح والحوار بين الديانات”
وتخلص الدكتورة زينب عبد العزيز في الأخير إلى أن هذه الضجة الكبرى الهدف من ورائها هو إقامة عصر النظام الدولي الواحد تحت سيادة الولايات المتحدة، وعصر النظام الديني الواحد تحت سيادة الفاتيكان، من خلال صيحة “إعادة تنصير العالم” وكأن العالم كان مسيحيا ثم حاد عن عقيدته، وأصبح لزاما على البابا أن يطلق هذه الصيحة الصليبية مطالبا بإعادة تنصير العالم مستعينا بكافة أتباعه.
إن عملية إعادة التنصير، هاته، تتم من خلال موقف استعماري جديد، تتحد فيه التيارات المتطرفة في كل من السلطة السياسية الأمريكية والسلطة الدينية الفاتيكانية، مستعينين بكافة الوسائل المعلنة وغير المعلنة، المشروعة وغير المشروعة، من دسائس وفرض للإرهاب، والاختراق، والضغط على الرؤساء والحكومات، وذلك بغية استعمار مناطق مصادر المواد الطبيعية للطاقة والسيطرة عليها، واستغلال وامتصاص ونهب بقية الطاقات الطبيعية والبشرية.