خطر التنصير يطال الجميع
محمد جلال القصاص
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
خطر التنصير يطال الجميع
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه ، :ـ
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، :ـ
توصيف :
الأمر يتعلق بالتنصير تحديداً ؛ كان التنصير في أطراف العالم الإسلامي حيث الجهل والفقر، وفي مناطق الحروب خلف الدبابات وتحت الطائرات حيث الخوف وانعدام المعارض ؛ ولم يكن التنصير يحمل على راحتيه سوى الخبز والمال، ولا يتكلم عن الإسلام بسوء وإنما يستر قبيح ملته ثم يعرض بضاعته على الجاهلين والخائفين .
وكان التنصير في قلب العالم الإسلامي في المناطق التي يَقلُّ فيها التدين كالمستشفيات، وبين زملاء العمل، يتكلم بأحاديث السر. ولا يطمع في أكثر من تشكيك الناس في دينهم.
وكان أولياء الكنيسة وحلفاؤها في مناهج التعليم ، يهدمون الولاء والبراء في عقول أبناء المسلمين، ليخرج جيل تضيع عنه معالم الكفر والإيمان فلا ينصر مؤمناً ولا يعادي كافراً ، وبالتالي يسرحون ويمرحون كما وأينما يشاءون.
وكان المنصرون في مؤتمرات (حوار الأديان ) ينتزعون اعترافاً من (علماء) المسلمين بشرعية النصرانية ، يسوقون هذا الاعتراف في بلادهم.. يخاطبون به قومهم يقولون لهم هؤلاء (علماء) المسلمين يعترفون بأن ديننا دين قويم ، فلا حرج على معتنقي النصرانية ، فهم (مؤمنون بالله)، ويسوقون اعتراف (علماء) المسلمين المتحاورين بين الجاهلين والخائفين المستهدفين بحملات التنصير. وقد حدث من ذلك بلاء عظيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
واليوم ثمَّ جديد !!
جاء الأقباط فنزعوا درعهم ، وأنزلوا نقابهم ، ورفعوا صليبهم ، وأمَّروا حاقدهم ، واستشاروا سفيههم وعمدوا إلى أفضل ما عندنا رسولِ ربنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقرآن ربنا العظيم المجيد ، وراحوا يستهزئون ويسخرون من الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ودارت رحاها على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى القرآن العظيم. يومٌ كيوم حنين، أعدَّ الأقباط العدة بليلٍ، ثم خرجوا على الناس في عدد من الفضائيات ، وعديدٍ من مواقع الانترنت، وعشرات الغرف البالتوكية وملايين النسخ من المطبوعات المكتوبة والمسموعة والمرئية.
وإننا نشهد الآن تحولات تاريخية في أفعال هذه الشرذمة القبطية ، تكمن هذه التحولات في أمورٍ أربعة رئيسية:
أولها : إحداث مواجهة مباشرة بين الإسلام والنصرانية ؛ إذ إن هذه الشرذمة القبطية تقدم الكتاب (المقدس) كبديل للقرآن الكريم ، ويقف أعلامها كالأقزام سودِ الوجوه أمام الجبل الأشم.. رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون ليس بنبي، وهو نبي وإن كذبوه صلى الله عليه وسلم.
ثانيها : استحضار العامة للصراع ، ومن المسلمات العقلية عند من يعملون لإيجاد تغيرات في حياة الناس، أن العامة لا تدخل مراحل الصراع الأولى، وإنما تأتي في مراحل الحسم الأخيرة، فالعامة لا تسابق وإنما هي ميدان للسباق، وإن دخلت العامة في مراحل الصراع الأولى فدخولٌ مؤقتٌ للتحريك أو للضغط والتمرير، وقد أخطأ الأقباط حين تكلموا للعوام.
ثالثها : استعمال الكذب طريقاً للدعوة إلى باطلهم، واستعمال الكذب طريقاً للحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصوصاً والشريعة عموماً.
رابعها : عالمية الخطاب القبطي، إذ أن فضائيات الأقباط المثيرة للجدل تترجم المهم من برامجها إلى أكثر من لغة من اللغات التي يتكلمها مسلمون كالكردية والأردو ، وتستهدف ـ هذه القنوات ـ مساحة واسعة جداً من العالم الإسلامي. وزاد من هذا الانتشار أن الصراع في العالم الإسلامي بعد فشل العلمانية بدأ يتجدد على خلفيات دينية.
ولم يتم الإفادة من هذه المعطيات بعد . !!
وأضع بين أيديكم تصوري عن طريقة الإفادة ، أملاً في التصويب أو الدعم والترشيد ، سائلاً الله لكم الفردوس الأعلى من الجنة مع الأحبة محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه :
عقيدة النصارى ليست بشيء ، ولم تنتشر النصرانية يوماً بالدعوة، بل بقوة السلطان، ولم تمسك رعاياها إلا بالحجب ثم الكذب والتدليس، فهي عقيدة تكررت خمسة عشرة مرة من قبل ، وهي ذات العقيدة التي كانت عند الفراعنة والبوذيين وغيرهم، وعقيدتهم لا تؤخذ من كتابهم ، وكتابهم لا يُعرف كاتبه جملة بل وتفصيلاً، وكتابهم أخذ (القداسة) من البشر، وكتابهم ينطق بأنه من أقوال مَن لا خلاق لهم ممن يتعاطون أقوال البغايا والسفهاء ، وكتابهم يحذره السفيه على نسائه وأطفاله، وهم مختلفون في كل شيء... اختلاف تضاد لا تنوع... فكيف لو أظهرنا هذا للناس؟
تراهم يستمسكون به ؟؟
إلا عناداً واستكباراً.
وعامة الناس لا تعاند في الغالب ، وإنما تتبع ، أو تنهزم وتنكبت ثم تتبع حين تصير الغلبة للإسلام وأهله ، فهي الآن فرصة سانحة لدعوة النصارى ودعوة المسلمين المفرطين في دينهم.
وكبرى الفوائد في هذه الجعجعة المنتشرة من التنصير توحيد صفوف الصحوة ، أو الإفادة من قواها المهدرة بين صفوفها ، إذ إنّ الملاحظ الآن أن هناك تكتلات فكرية ( صحوية ) تتكون لبدء مرحلة من الصراع الفكري الداخلي ، ليس بدايتها الصراع بين ما سمي بـ ( الجامية ) ، و ( القطبية) ، نبتت ( الليبرالية الإسلامية ) ـ على سبيل المثال ـ واستوت على سوقها وراحت تبارز إخوانها ؛ واتخاذ النصارى هدف من شأنه أن يفك هذا الاشتباك... كجَّدِّ السير يوم بني المصطلق كي لا يتكلم الناس فيما افتراه المنافقون... إن وجود هدف بعيد مشترك لكل التوجهات الناشئة على الساحة الدعوية من شأنه أن يوفر الجهد ويجمع الشمل.
وهي فرصة لضبط الساحة الفكرية (الدعوية) إذ إنّ النصارى هم مصدر كل القضايا التي تثار على الساحة الدعوية ، وخذ مثلا من القضايا المثارة ( رضاع الكبير ) ، وقد أخذت شوطاً طويلاً من النقاش شارك فيه عدد من المتردية والنطيحة وما أكل السبع بجانب العلماء ، و(مدة الحمل) ، و(زواج بنت التاسعة) ، و(الآخر) ، و( السلام.. الإرهاب.. الجهاد)، و (حجية السنة والقرآنيون)... وهم من نبشوا عن الشاذين فكريا، قديماً واليوم .
قديماً فيما عُرف بالاستشراق، الذي جدَّ واشتدَّ وصبر وصابر حتى تعلَّم علمنا التقني في الأندلس وعاد به إلى بلده، ثم عاد إلينا ثانية وأخرج من بطون الكتب ما شتت به فكرنا قرنين أو يزيد من الزمان.
واليوم ـ في واقعنا المعاصر ـ هم من أخرجوا (القرآنيون) وأمدوهم بأسبابٍ ، وهم من مكنوا للشاذين من أمثال (شحرور) , و(سيد القمني) و(خليل عبد الكريم) و(أبكار السقاف) ....
فالتنصير الآن تحديداً بعد أن صارت المواجهة معه فكرية لم يعد بمعزل عن العلمانية أبداً. التعاون بينهم شديد . وليس فقط العلمانية بل والمذاهب المنحرفة فهناك تحالف ـ ضمني ـ بين الشيعة والمنصرين , لحساب المنصرين .
الروافض مصدر أساسي من مصادر الشبهات التي يتكلم بها النصارى ، وخاصة في الطعن في القرآن الكريم ونساء النبي وصحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ـ ، والروافض يحضرون ـ بأشخاصهم أو تسجيلاتهم ـ للحديث في ملتقيات النصارى عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن القرآن وعن أتباع النبي ممن هم على ظهرها اليوم .
ويتجه الجميع إلى ( السلفية ) ، يهجمون على الأشخاص ، وقد تعرضوا لشخص الشيخ محمد حسان والشيخ محمد الزغبي والشيخ أحمد السيسي . وهؤلاء هم من تراهم أعينهم ، ويهجمون على المساجد ، وقد قاموا بحملة كبيرة على مسجد العزيز بالله مؤخرا.
وإنهم اليوم يعلنون عن الكفر صراحة ، كان من يكفر يستتر ، ثم يهرب إلى الخارج ، واليوم يعلن في كل وسيلة متاحه عن كفره ، ويواجه الناس ، بل ويدعوهم للكفر علانية . وبدى جيداً أن القوم منظمون ، يعملون على عدد من المحاور ويتبادلون الأدوار ، مما ينذر بأننا أمام هجوم منظم يحتاج من يدفعه بدراية وعلم ، عندهم ذراع إعلامية ، وذراع قانونية ، وذراع بالخارج . وكلها في أفضل حالتها عدةً وعتاداً .
وإنهم لا يقنعون بمرحلة ، وإنهم جادون اليوم في تغير المادة الثانية من الدستور للقول بأن البلد للكافرين كما هي للمسلمين ، وإنهم اليوم يتمددون ، ويهاجمون كل من يحاول أن ينتقدهم ، كان فرداً أو كانت مؤسسة ، فقد هجموا على الشيخ زغلول النجار ، وعلى عدد غير قليل من المتصدرين للناس الساكتين عنهم ، وهاجموا عدداً من المساجد التي تقف في وجههم كان آخرها مسجد العزيز بالله ، ويقفون بالمرصاد لكل من ينتقدهم وإن كان بأسلوب علمي بعيد عن التجريح وتعاطي الأشخاص ، حتى سارع قومنا في رضاهم أو بالأحرى في تجنب سخطهم. فصاروا يمتنعون عن ما يؤذيهم .!!
وإن النصارى اليوم يتجهون متكئين على الكوافر والروافض والملحدين وباقي المنحرفين إلى التوجه السلفي في الأمة ، فالله الله وأنتم رواده ، وأعيانه ، بل رأسه وعينه ولسانه .
وفي المقابل .. ومع أن الحدث جلل ، ومع أنه يدوي في كل جنباتها .. وفي كل أوقاتها ، ومع أن ثمار الشر بدت ، إلا أن قومنا ما زالوا خلف الحدث ، قد صموا آذانهم واستغشوا ثيابهم ، متعللين بالشغل .!!
ولا يطلب منهم أكثر من رد الشبهات ، ولا يطلب منهم أكثر من البيان للناس . !!
هل المشكلة قبطية ، تتعلق بالداخل المصري فقط ؟
هكذا تبدو، ولكنها في جوهرها عالمية ، دلائل عالميتها ما يحدث من آن لآخر في جنبات المعمورة من تطاول على شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى ثوابت الدين، في الدينمارك ثم أوروبا كلها، ثم عودة الدينمارك ثانية ، ثم في المغرب العربي ( في بعض الصحف) ثم في أمريكا حين داسوا المصحف ، ومن دلائل عالمية هذا التغير الفكري أن الصراع العسكري كله في العالم الآن على خلفيات عقدية ، في فلسطين ، والعراق ، والصومال والشيشان وأفغانستان ، فكما قدمتُ لكم الصراع تجدد على خلفيات دينية... ولكن الأقباط بحمقهم يتصدرون ، وعلينا أن نحافظ عليها قبطية... لماذا ؟
لأن الأقباط تغلي صدورهم، ويمسك زمامهم سفهاؤهم ، فهؤلاء الذين على رأس الكنيسة المصرية الآن مردة.. من شياطين الإنس، متمردون.. قتلة ، ومثل هؤلاء لا يملكون حيلاً فكرية ، ولا يصبرون لأهداف بعيدة ، وإنما طواغيت يبحثون عن تغير في أرض الواقع في حياتهم هم ، وهو ما لم يأذن به الله في سننه الكونية... وقد بثوا خطاباً حماسياً في قومهم فحشدوهم عن بكرة أبيهم، حتى أنك لا تسمع مخالفاً من الأقباط، وهذه حالة من التعبئة للصدام، وليست حالة من الدعوة والفكر... فوجود الأقباط بهذا الشكل أمان من فك الاشتباك وعودتها ثانية إلى المصالحة بين الكفر والإيمان.
من يقف في وجه الأقباط ؟
لم يسجل الحاملون للدعوة الآن .. ممن يتحدثون للناس .. من شيوخنا ـ حفظهم الله ـ حضوراً ، ولا دعماً ، اللهم ما قل وندر في الفترة الأخيرة ، ولستُ هنا ـ ولا هناك ـ أرصد خطئاً ، أو أشجب على أحدٍ ، فكل أدرى بحال نفسه ، وكل موقوف بين يدي ربه ، وملاقٍ نبيه على الحوض فمرحبٌ به أو مدفوع مزجور ، عياذاً بالله .
الفاعل الأساسي في وجه النصارى اليوم هم ( المتحمسون ) ، هكذا أسميهم ، ويطيب لي تسميتهم بهذا ، وهم رجال كتب الله أجرهم ورفع الله ذكرهم وغفر الله لنا ولهم.
المتحمسون والحاجة للدعم :
كانت بدايتهم عفوية ، بلا تخصص ولا أدنى دراية ، كانت بدايتهم لا تهدف لغير الانتصار على من تطاول على حرمات الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعرفتهم معدومة أو تكاد . ثم هم اليوم ظاهرة تشكلت وفرضت نفسها على الواقع ، فمنهم مَن لا يتجرأ عليه أعلى تخصص في الكنيسة المصرية ، ومنهم اليوم من يتكلم العبرية ، واليونانية ، فضلا عن الإنجليزية ، درسوا تلك اللغات الغريبة نصرة للدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومنهم من يتكلم في مسائل دقيقة جداً تَبَيَّنَ أن كثيراً من قساوسة النصارى لا يسمعون عنها ، وأعني ( النقد النصي ) تحديداً . ومن يصنف كتباً يقف أمامها منبهراً المنصفون من المختصين في ( مقارنة الأديان ) .
إننا أمام ظاهرة جديدة ( تخصص المتحمسين ) ، تشكلت في البالتوك ، ونمت وتطورت ، وهي اليوم تتكاثر ، فهم يؤلفون الكتب التي يشيد بها نفر من الحاصلين على الشهادات ، ويصدرون المجلات الدورية ذات التخصصية العالية . ويحتاج هؤلاء الدعم منكم حفظكم الله .
لا يوجد عذر حقيقي للتخلي عن رد الشبهات التي تثار حول الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ولا يوجد عذر حقيقي للجلوس عن بث ثقافة مضادة للتنصير عند عامة الناس . وإن من يقل عنها صغيرة تكبرونها بمقالاتكم لم يعط المسألة حقها ، وإن سكت الناس اليوم عن لومه تكلموا غداً ، فبعد أن يموت المرء ويغيب من حياة الناس لا تكون له ذات المهابة التي كانت له وهو بينهم ، وساعتها ـ وهو في التراب معرض للحساب ـ ، يكون أرجى للحسنات وأدفع للسيئات .
القضية بعيدة عن السياسة ، وبعيدة عن المشاغبات الأمنية فلا أحد يطالِب بنفير ضد أصحاب السلطان ، ولا أحد يرضى بتهييج العوام ، فقط بث ثقافة مضادة لما يتكلمون به ، ثقافة تدفع الشبهات وتبصر الناس بحقيقة ما ( يبشرون به ) . ثقافة تدفع الكفر عن الناس .
ولا يتطلب الأمر قطع برامج الشيوخ وطلبة العلم الكرام ، بل إدراج هذا الهدف ضمن برامجهم ، ويسع الجميع ، وتوجيه طلبة العلم في مصر وغيرها إلى دراسة النصرانية كأحد أهم القضايا الدعوية المطروحة الآن .
هذا ما عندي مختصراً ، وآثرت الوصف على الطلب ، ومن شاء مزيد بيان كتبت له .
أبو جلال / محمد بن جلال القصاص
mgelkassas@hotmail.com
ظهر الجمعة 21/ رمضان / 1430هـ
11/09/2009